واقع أمتنا نظرة شرعية





إن المتأمل في حال أمتنا اليوم يجدها أمة مغيبة، مهيضة الجناح، تتقاذفها الأمواج، وتميل بها الرياح، تلتفت يمينًا وشمالا تبحث عن منقذ لها، وتتخبط فتركن إلى الغرب تارة، وإلى الشرق تارة أخرى!..

وما ذاك إلا مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث ثوبان -رضي الله عنه-: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم؛ وليقذفن الله في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله: وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت».
فكل مخلص من أبناء هذه الأمة يتحرق قلبه ألماً، ويحترق فؤاده غيرة، بسبب ما تمر به الأمة اليوم من ضعف مادي، وخواء فكري، وتكالب من الأمم عليها من خلال انتهاك حرماتها، والاستهانة بدمائها، واحتلال لأراضيها، ونهب لخيراتها، وتشريد لإنسانها، وتقتيل لأطفالها، فواقع المسلمين أنهم انشغلوا عن هذا الوضع الأليم بحياتهم، فأضاعوا الدنيا والدين، فلم يفلحوا في إجادة أي منهما، فإننا إذا جئنا لننظر الواقع في ميدان التدين الشخصي عندنا كأفراد: نجد في ذلك رقةً وضعفًا، وإن نظرنا إلى الجانب العقدي: يصدق علينا قوله صلى الله عليه وسلم : «ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة».
إن من يرى الحياة من خلال واقعه، وليس من خلال أمانيه، يدرك أن واقع أمتنا لا يخرج عن أن يكون النتيجة البدهية للمقدمات التي صغناها نحن بأيدينا، ففقدنا أهم القيم الأصلية -التي تحافظ على عزة الإنسان وكرامة أمته- التي على رأسها: دين الله وشرعه الذي ينشئ الإنسان نشأة عزيزة كريمة، فالعاطفة الإسلامية والإيمان وإن كان موجودًا عند الأمة، وعند الأفراد، إلا أنهم ابتعدوا كثيرًا عن مقتضيات هذا الإيمان، وعن تنميته، وتربيته الشخصية الذاتية، فأخطر ما يهدد وجود هذه الأمة هو تخليها عن هذه القيم، وعن قيم الأخلاق، والصمود، والوقوف أما المخططات الأخرى بإيمان راسخ، وعزيمة صلبة، وإرادة قوية.
وحينما نتحدث عن واجب الفرد في تجاوز الهزيمة والنهوض بالأمة؛ فإننا لا نقصد أن يعمل الفرد فوق طاقته وإمكاناته؛ وإنما المقصود: الإسهام حسب الوسع والاستطاعة؛ فما لا يُدرَك كلُّه لا يُترَكُ جُلُّه، وإذا كان ذلك يحتاج إلى جهود جبارة، وهمم عالية؛ فإنه يحتاج قبل ذلك إلى إعداد النفس وتهيئتها لهذه المهمة العظيمة. ولست هنا أحول عن الدراسات المنهجية في بحث هذا الواقع، ولكني أتأمل واقع أمتنا الإسلامية؛ محاولا أن ألتمس سبيلاً شرعيًا لعزها ومجدها، فالله الذي أنزل الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، قد أنزل الأسباب التي تحقق نصره، والمخرج من هذا الواقع المرير الذي نعيشه يجتمع في النقاط التالية:
- العودة إلى الينابيع الصافية: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، علمًا وعملاً، وفهمًا وتطبيقًا، وقد حدد هذا المخرج النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسنتي»، كذلك التمسك بحبل الله المتين، والسير على صراطه المستقيم، والاجتماع على محكمات الدين التي عناها الله في قوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} (آل عمران: 7)، فهذه المحكمات هي سبب نجاة الأمة.
- الإخلاص، وصدق الإيمان، والتسلح بالعلم الشرعي المكين الذي يجمع الفقه بنصوص الشرع ومقاصده، والوعي السديد بالواقع بأبعاده وخلفياته.
- تربية أفراد الأمة تربية جادة على التدين الحقيقي الذي يقف أمام الشبهات والأهواء والإغراءات، وإيقاظ عقولهم؛ لفضح الهجمة الشرسة والسبل الشرعية للتصدي لها.
- على المؤسسات التعليمية النهوض بدورها في تعميق روح التدين الصحيح، وكشف زيف التدين الذي اتخذ من الإسلام شعارًا، دون أن يكون له أثر معهم، وحشد الإمكانات الفكرية، والمادية، والبشرية؛ لإزالة ما ينسب زورًا -لهذه الأمة- وإظهار ما عندنا من قيم الرحمة وملامح السمو.
- أن ينزل العلماء منزلتهم، ويقوموا بدورهم كقادة للمجتمع، وعدم تهميش دورهم وتغييبهم، إما من قبل السلطات، أو تهميش أنفسهم بأنفسهم، وعليهم أن يفرضوا أنفسهم على المجتمع بتصدرهم لقيادته.
- أن تنهض أجهزة التوجيه والتدريب والتعليم والمساجد والمحاضن التربوية بدورها في تعميق روح التدين وتقويته، وإزالة عوامل الضعف التي تعتريه، نتيجة الأهواء، والشبهات، والإغراءات التي تعترض أفراد المجتمع.
وبهذا وبإذن الله- سنقف أمام كل شر قادم، وسنحول واقع الأمة في جانب تدينها، وجانب عقيدتها إلى أن يكون واقعًا صحيحًا، كما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .



اعداد: نايف بن جمعان الجريدان