مشية النبي صلى الله عليه وسلم:
جاء في: (غذاء الألباب) نقلاً عن: (زاد المعاد) (1) للإمام المحقق ابن القيم: (المشيات عشرة أنواع، أحسنها وأسكنها: مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان إذا مشى تكفأ تكفؤاً كأنما ينحط من صبب (2).
وقال مرة: إذا مشى تقلع. والتقلع: الارتفاع من الأرض بجملته كحال المنحط من الصبب، يعني: يرفع رجليه من الأرض رفعاً بائنا بقوة. والتكفؤ التمايل إلى قُدام؛ كما تتكفأ السفينة في جريها، وهو أعدل (3) المشيات.
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى مشى مجتمعاً ليس فيه كسل (4).
وروى عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحدر من صبب (5).
فدلت هذه الأحاديث وأمثالها أن مشيته صلى الله عليه وسلم لم تكن بمماتة، ولا بمهانة. والصبب -بفتح الصاد المهملة والباء الموحدة الأولى-: الموضع المنحدر من الأرض، وذلك دليل على سرعة مشيه؛ لأن المنحدر لا يكاد يثبت في مشية. والتقلع: الإنحدار من الصبب، والتقلع من الأرض قريب بعضه من بعض، يعني: أنه كان يستعمل التثبت، ولا يبين منه في هذه الحالة استعجال ومبادرة شديدة، وأراد به قوة المشي، وأنه يرفع رجليه من الأرض رفعاً قوياً، لا كمن يمشي اختيالاً ويقارب خطوه، فإن ذلك من مشي النساء. نعم، ينبغي للإنسان أن يقارب خطاه إذا كان ذاهباً إلى المسجد لأجل الصلاة كما مر. فأعدل المشيات مشيته صلى الله عليه وسلم، فإن الماشي إن كان يتماوت في مشيته ويمشي قطعة واحدة كأنه خشبة محمولة فمشيته قبيحة مذمومة.

1 - (1/167-169).
2 - البخاري في (تاريخه) (1/ 7،8)، والترمذي (3637)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
3 - الترمذي (3638)، وقال: هذا حديث حسن غريب، ليس إسناده بمتصلٍ.
4 - أحمد (1/ 328) من حديث داود بن أبي هند، قال: حدثني فلان، عن ابن عباس، به. ففي إسناده جهالة.
5 - الترمذي (3637) وقال: هذا حديث حسن صحيح.