السلام عليكم

عوائق الاجتهاد في رمضان
د. الأستاذ محمد حاج عيسى
جامعة تلمسان 2 - الجزائر
26 أبريل 2020م

بعد أن تحدثنا في مقالة سابقة عن أسباب الاجتهاد في رمضان ، نحيل القارئ إلى مقال كيف نعيش رمضان ليطلع على مجالات الاجتهاد في هذا الشهر المبارك، وننظر في هذا المقال المقتضب في عوائق الاجتهاد في رمضان، تلك العوائق التي يجعلها الشيطان وأعوانه في طريق المؤمنين ليصدوهم عن أبواب الخير وعن استغلال هذا الشهر، نحاول الوقوف عليها نصيحة لأنفسنا وتذكيرا لها عسى أن تحذر منها.
1-التزهيد في النوافل
من أهم العوائق في طريق الاجتهاد ظاهرة التزهيد في النوافل التي يبتلى بها بعض أهل الاستقامة، بحيث يأتيهم شيطانهم من الإنس أو الجن فيوحي إليه أن القيام نافلة أو الصدقة ليست واجبة وأن القليل من قراءة القرآن يكفي ليصده عن الطاعة ويسحبه إلى اللهو الباطل وإلى المعاصي، وجواب هذه الوسوسة أن العبد يوم القيامة قد يحتاج إلى آجر هذه النوافل وربما هي التي تنجيه وتثقل موازينه، نعم إنها نوافل ولكن من فضائل كثير منها محو السيئات التي اقترفناها ولم نتب منها ونندم عليها، وما أكثرها، معم إنها من النوافل لكنها السياج الذي نحفظ به الفرائض ونحافظ به على استقامتنا وقوة إيماننا.
2-ظاهرة تضييع الأوقات
ومن الآفات البينة في هذا الشهر ظاهرة تضييع الوقت، إن شهر رمضان بالنسبة إلى كثير من الناس أصبح مشكلة، يومه طويل وثقيل، حتى أن منهم من يصرح بلسانه ويقول لأصحابه تعالوا نقتل الوقت، والناس في هذا التضييع متفاوتون منهم من يضيع الساعة والساعتين ومنهم من يضيع النهار كله، يضيعونها في النوم وفي اللعب وأمام التلفاز أو الأنترنت، وهنا يظهر لنا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:" من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، إن الذي يتعمد تضييع الوقت في رمضان وينتظر أذان المغرب على أحر من نار الجمر، لا يزعم أنه صام إيمانا واحتسابا، هذا إنما يصومه مجبرا مكرها، وهذا محروم من أجره وليس له إلا الجوع والعطش، هذا ينقض من أجره بحسب ما ضيع من أوقاته، وإن من الناس من لا ينال أجر صومه، فكيف يطمع أن يكون ماحيا للسيئات أو لجميع ما تقدم من ذنبه.
3-المعاصي
ومن العوائق المعاصي التي تقسي القلوب، إن شهر رمضان شهر الرقابة، فإننا في كل لحظة نذكر بأن الله تعالى يرانا، فلماذا لا نغض البصر في الطريق وفي البيت أمام التلفاز؟ لماذا لا نمسك أسنتنا عن عورات الناس في الطريق وبيت الله تعالى؟ لماذا لا نكف أذانا عن المؤمنين الذين نعرفهم والذين لا نعرفهم؟
إن المعصية في الأشهر الفاضلة والأماكن الفاضلة ليست كغيرها من الأوقات والأماكن، فإن المعصية وإن كانت لا تضاعف فإنها تعظم وتغلظ، فليس من يعصى الله تعالى في بيته كمن يعصيه في المسجد، وليس كمن يعصيه في مكة أمام الكعبة، وليس من يعصيه في سائر الأشهر كمن يعصيه في رمضان، وهذه المعاصي تقسي قلوبنا وتزيدنا غفلة وتحرمنا من أجر الصيام ومن فضائل رمضان، ومن الوصول إلى مقاصد الصيام، فعلينا أن نتقي الله تعالى سرا وظاهرا بقلوبنا وألسنتنا وأعمالنا.
4-الفتور
ومن العوائق الفتور، الفتور والاسترخاء، كثير من الناس ربما يقضي الأيام الأولى من رمضان على أحسن ما يرام، لكن سرعان ما يفتر ويرجع القهقرى، عباد الله إن الصبر من أعظم الواجبات علينا، والصبر منه صبر على المحرمات ومنه صبر على الواجبات فعلينا أن نصبر، علينا أن نصبر على العمل في هذا الشهر المبارك، من لم يصبر على الطاعة في الدنيا فهل يصبر على نار جهنم وحرها يوم القيامة؟ من لم يصبر على هذه الأعمال اليسيرة هل يصبر على عذاب يوم القيامة؟ من لم يصبر على طاعة في أيام معدودات هل يصبر على عذاب طويل في نار جهنم أو في القبر؟
5-رفقاء السوء
ومن العوائق رفقاء السوء الذين يقودون الإنسان إلى تضييع الأوقات، ويجرونه إلى المعاصي ويسببون له الفتور، فعلى كل واحد منا أن يختار الرفيق، فإن المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، يختار رفيقا يساعده على الطاعة في هذا الشهر المبارك يصحبه إلى صلاة الجماعة، يوقظه إذا لم يستيقظ لصلاة الفجر أو السحور، يصحبه إلى حلق العلم، يعرض عليه القرآن أو يحفظ معه القرآن، رفيقا يتعاون معه على البر والأعمال الصالحة.
ومن أراد التوبة وأن تحسن توبته فعليه أن يفارق رفقاء السوء، فإن كثيرا من الناس يعزم على أن يحافظ على صلاة الجماعة في رمضان أو يكون متهاونا في أمر الصلاة فيعزم على المداومة عليها ابتداء من رمضان، ولكنه في الوقت نفسه لا يفارق أهل السوء، لا يفارق الفساق أهل الفجور والخمور، فسرعان ما يفتر وسرعان ما يرجع القهقري، لأنه يوجد عند هؤلاء من المغريات ومن الملهيات ومن الشهوات، التي تروق للنفس وتستهويها ما لا يوجد في بيت الله تعالى وفي الطاعة والعبادة، حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره.
6-التلفاز
ولنحذر من التلفاز مدمر الأخلاق، التلفاز الذي أفسد عقائدنا وأذهب رجولتنا ونزع الحياء منا وصدنا عن سبيل ربنا، فلنحذر منه خاصة في شهر رمضان، وإن قنوات البلدان العربية أصبحت تخصص ميزانيات عالية لهذا الشهر، وتخصص كما هائلا من البرامج، فصار شهر رمضان بالنسبة إليهم هو شهر اللهو والغناء والضحك ، ولا نتحدث عن الرسائل الاعلامية التي تمرر من خلال هذا اللهو لأن ذلك لا يختص برمضان، والناظر في هذا الواقع يشعر وكأن مردة الشياطين التي علمت أنها ستصفد في هذا الشهر قد استخلفتهم في الصد عن سبيل الله وعن ذكر الله والصلاة.
إذا التلفاز من أعظم العوائق التي ينبغي أن نحذر منها، من ابتلي به فليقاطعه في شهر رمضان على الأقل حتى تسلم له عبادته، ولا يكون من المبعدين، ولا يكون من المطرودين.
7-كثرة الأكل
وعلينا أن نحرص عند الإفطار أن لا نكثر من الأكل إذ كثرة الأكل تعد من العوائق التي تصد الناس عن الخير، لأنها تدعو إلى الفتور وإلى التقاعس عن صلاة العشاء فضلا عن التبكير إليها، فضلا عن قيام الليل، وإذا صلى العبد صلى بقلب ساه لاه لا يعقل ما يُقرأ ولا يدري ما يقول في سجوده.
وإن من الاستعداد لرمضان الاستعداد لأعمال البر فنخصص أموالا للصدقة، اجمع المال لتنفق ولتتصدق، وبعض الناس يجمعون المال لملء البطون في رمضان بأنواع المأكولات ويسرفون فيها إسرافا عظيما.
وإذا أردنا أن نعرف حال الأمة في رمضان مع الأكل، فلنذهب إلى الصيدليات، ولنسأل ما هو الدواء الذي يباع أكثر من غيره في هذا الشهر، والجواب هو دواء التخمة، -أمة بطون أصبحنا لا أمة جهاد وعبادة- ما الفائدة في أن تجوع في النهار ثم ترهق نفسك بالمأكولات في الليل؟ هل بهذه الطريقة تصل إلى حقيقة التقوى؟ هل بهذه الطريقة تقوم الليل وتتدبر القرآن؟ هل بهذه الطريقة تشعر بحال الفقراء والمساكين وترأف بهم وتحقق مقاصد الصوم الأخرى كلا! وألف كلا!! إذا علينا أن نقتصد في الطعام ولنعلم أن الأطباء مجمعون أن الصحة في الحمية وأن الداء كل الداء في كثرة الأكل، من قديم الزمان إلى يومنا هذا ، فليست قوة الإنسان ونشاطه بكثرة الأكل بل هي سبب الفتور والكسل، من أراد النشاط حسبه لقيمات يقمن صلبه، هكذا عاش العلماء وهكذا عاش المجاهدون، وهذا الإمام الشافعي يقول لم أشبع منذ عشرين سنة إلا مرة واحدة، فلما شبع ماذا صنع قيأ نفسه، لأنه إذا شبع لم يطلب العلم، ولا يقوى على قيام الليل.
إن هذا الشهر سيمر وتنقضي أيامه وعلينا أن نشمر على سواعدنا أن نشد مآزرنا وأن نعزم أن لا نضيعه هذه المرة، وأن نحاول تسجيل أكبر عدد من الحسنات عسى أن يرحمنا رب الأرض والسماوات.
نسأل الله تعالى أن لا يحرمنا من فضله وأن يوفقنا إلى جنته وأن يسهل لنا طريق طاعته وأن يحفظنا من شر الصادين عن سبيله، فاللهم اهدنا فيما هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. اهـ.

* منقول من صفحة فضيلة الأستاذ على الفيسبوك.

والله الموفق.