زوجتي تسبني





السؤال
الملخص:
رجل يشكو سبَّ زوجته له، وقد حاول جاهدًا النصح لها، لكن بلا جدوى، ويسأل: ما حكم الدين فيها؟ وماذا أفعل؟
التفاصيل:
أنا متزوج منذ سنة ونصف، لدي بنتٌ ذات ستة أشهر، زوجتي في بعض المواقف تذمُّني وتوبخني، وتتحدث إليَّ بكلام يُخرجني عن شعوري؛ فأضطر إلى ذمِّها، تحمَّلت كثيرًا، ووجهت لها النصيحة كثيرًا، لكن بلا جدوى، يكاد صبري ينفد، سؤالي: ما حكم الإسلام فيها؟ وماذا أفعل كي تتوقف عن سبِّها لي؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: لا شك أن سلاطة اللسان من أقبح الأخلاق الذميمة السيئة، والبذاءة والتلفظ بالكلام الفاحش؛ فعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن أثقل ما وُضع في ميزان المؤمن يوم القيامة خلقٌ حَسَنٌ، وإن الله جل وعلا يُبغض الفاحش البذيء))؛ [ابن حبان: (5693)، وصححه الألباني في الصحيحة: (876)].
فإذا كانت الأذيَّةُ للزوج زاد القبح والذم؛ فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر من أسلم بلسانه ولم يُفضِ الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تُعيِّروهم، ولا تتبعوا عَوْرَاتهم))؛ [رواه الترمذي: (2032)، وقال الألباني: حسن صحيح].
وقد روى الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه، قاتلكِ الله، فإنما هو دخيلٌ عندكِ، يُوشِك أن يفارقكِ إلينا))؛ [رواه الترمذي: (1174)، وصححه الشيخ الألباني].
وروى البخاري: (5193)، ومسلم: (3531)، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبَتْ أن تجيءَ، لعنتها الملائكة حتى تصبح)).
هذا فيمَن أبت عليه في الجماع، فما بالك بمن تسبُّه أو تتطاول عليه بالقول أو الفعل؟!
ثالثًا: لا بد أن تنظر في أمرها: هل سلاطة اللسان من بداية الزواج أو أمر طارئ بعد فترة من الزواج؟
فإذا كان أمرًا طارئًا، فربما كان السبب في سلاطة لسانها أنها رأتْ منك ما تكره، فتجرأت عليك بسبب ذنبك أو إهمالك ونحوه، وقتها تراجع نفسك، وتُصلح من عيوبك.

أما إذا كان هذا الخلق السيئ من أول الزواج، فهذا يعني أنه مرض فيها، فاستعِنْ بالله وحاول في علاجها بالصبر عليها واستصلاحها وتقويمها.
رابعًا: فننصحك بنصحها وتذكيرها بالله برفقٍ ولينٍ في أوقات الصفا.
فإذا استجابت، فبها ونِعْمَتْ، وإذا استمرت، فعليك بهجرها في المضجع، فإذا استمرت، فاضربها ضربًا غير مُبرِّحٍ، ولا مانع من منعها من بعض المباحات كالخروج لبيت أهلها، فإذا أبَتْ إلا الاستمرار، فكلِّم أحد العقلاء من أهلها لتذكيرها وتنبيهها، ولا مانع من تهديدها بالطلاق.
خامسًا: من العلاج البحث في محاسن زوجتك، فإذاوجدتَ في زوجتك سلاطة اللسان، فتذكَّر ما فيها من خير وإحسان، فإن الإنصاف يكون بوضع الحسنات إلى جوار السلبيات، وإذا بلغ الماء قُلَّتين لم يحمِلِ الخبث، ولا يمكن أن تجد امرأة بلا عيوب، وأنت كذلك لا تخلو من العيوب، ولكن طوبى لمن انغمرت سيئاته في بحور حسناته؛ فإن رسولنا صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يَفْرَكُ مؤمن مؤمنة، إن كرِهَ منها خلقًا، رضيَ منها آخر))؛ [رواه مسلم: (3639)].
قال ابن عثيمين: "((لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا، رضي منها خلقًا آخر))؛ الفرك: يعني البغضاء والعداوة، يعني: لا يعادي المؤمن المؤمنة كزوجته مثلًا، لا يعاديها ويُبغضها إذا رأى منها ما يكرهه من الأخلاق؛ وذلك لأن الإنسان يجب عليه القيام بالعدل، وأن يراعيَ المعامِلَ له بما تقتضيه حاله، والعدل أن يوازن بين السيئات والحسنات، وينظر أيهما أكثر، وأيهما أعظم وقعًا، فيغلب ما كان أكثر، وما كان أشد تأثيرًا، هذا هو العدل".
وينبغي أن تتفق مع زوجتك على الصبر، وعدم إغضاب بعضكما؛ فالحياة لا تخلو من مُنغِّصات، وينبغي أن يسعى كل واحد منك في احتواء الآخر؛ كما قال أبو الدرداء لزوجته ليلة زواجه بها: "إذا غضبتُ فرضِّني، وإذا غضبتِ رضيتك، وإلا لم نصطحب".
وينبغي أن تُعلِّمَها ما يفعله الغضبان حتى يُفوِّتَ الفرصة على الشيطان، فإن الغضب من الشيطان، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا اشتد غضبه فقال: ((إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجِدُ، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم))؛ [البخاري: (6116)، من حديث أبي هريرة].
علمًا بأن الشيطان ينال من الغضبان ما يناله من السكران، ويجعله يندم على تصرفاته مدى الأزمان.
وأن توصيها بكثرة الاستغفار، وتبين لها خطورة اللسان، فإن الإنسان قد يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يُلقي لها بالًا يهوي بها في النار أبعدَ مما بين السماء والأرض؛ [رواه البخاري: (6478)، من حديث أبي هريرة مرفوعًا].
وأكْثِرْ من الدعاء لها، وإذا كان غضبها ليس دائمًا؛ فإن العلاج سهلٌ ولله الحمد، والإنسان لا يندم على سكوته، لكنه يندم على الكلام، واعلم أن العاقبة للصابرين، وأنك تُؤجَر بصبرك عليها، وأرجو أن تدعو الله لها؛ فإن الله يجيب من دعاه، وشجِّعها على طلب العلم وتلاوة القرآن، والإكثار من ذكر الرحمن، حتى ينصرف عدونا الشيطان، الذي لا همَّ له إلا أن يُحزِنَ أهل الإيمان.
سادسًا: دارِها؛ تَعِشْ بها؛ فمن حقوق الزوجة على زوجها إحسان العشرة؛ قال تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]؛ قال ابن كثير في تفسيره: "أي: طيِّبوا أقوالكم لهن، وحسِّنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228].
ومن حسن العشرة الاستيصاء بها خيرًا؛ روى البخاري: (3331)، ومسلم: (1468)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنساء، فإن المرأة خُلِقت من ضلعٍ، وإن أعوجَ شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تُقيمه كسرتَه، وإن تركتَه لم يَزَلْ أعوجَ، فاستوصوا بالنساء)).
قال القاضي عياض: "وقوله: ((استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خُلقت من ضلع أعوج))؛ الحديث، فيه الحضُّ على الرفق بهن ومداراتهن، وألَّا يتقصى عليهن فى أخلاقهن، وانحراف طباعهن؛ لقوله: ((إن ذهبتَ تُقيمه كسرته، وإن تركته استمتعت به))"؛ [إكمال المعلم: (4/ 680)].
ومن حسن العشرة مداراة المرأة؛ ففي حديث سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المرأة خُلقت من ضلعٍ، وإنك إن تُرِدْ إقامة الضلع تكسرها، فدارِها، تَعِشْ بها))؛ [رواه أحمد: (20093)، وغيره، وصححه الألباني].
فمن حسن العشرة طيب الكلام، وحسن الفِعال والهيئات، والتغاضي عن الهفوات.
فالوصية للزوج أن يستوصيَ بزوجته خيرًا، والرضا بعُذْرِها فيما يعتريها من العِوَجِ، والصبر عليها، ومداراتها، والإحسان إليها، والحكمة والتُّؤدَةِ، وحسن التأني في العِشرة مع الزوجة؛ فإن عدم الصبر عليها سيُفوِّتُ على نفسه الاستمتاع بها، وأن يكون منطلقًا في القول، لا فظًّا ولا غليظًا، ولا مظهرًا مَيلًا لغيرها، حسيًّا كان أو معنويًّا.
والنصيحة لك أيتها الزوجة: طاعته في المعروف، والقناعة والرضا، وعدم المطالبة بفوق الطاقة في المأكل أو الملبس أو النفقة أو الفراش ونحوه.
فعليكما بالطاعة والرضا والقناعة والصبر، فمن رضيَ، فله الرضا.
وأخيرًا: فاجتهد في إرشادها وتقويمها، وتعلُّمها وتوجُّهها، فإذا لم يصلحها ذلك، فأنت بالخيار بين الصبر، وبين دفع أذاها ورفع ضررها بالطلاق، والله أعلم.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/147989/#ixzz6zklgn0yW