إخوة يوسف هل كانوا أنبياء؟
الذي يدل عليه القران واللغة والاعتبار أن إخوة يوسف ليسوا بأنبياء، وليس في القرآن ولا عن النبي - صلى الله عليه
وسلم - بل ولا عن أصحابه خبر بأن الله تعالى نبأهم. وإنما احتج من قال إنهم نبئوا بقوله في آيتي البقرة والنساء (والأسباط)، وفسر الأسباط بأنهم أولاد يعقوب،
والصواب أنه ليس المراد بهم أولاده لصلبه بل ذريته، كما يقال فيهم أيضا "بنو إسرائيل"، وكان في ذريته الأنبياء، فالأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من بني إسماعيل.
قال أبو سعيد الضرير: أصل السبط شجرة ملتفة كثيرة الأغصان.
فسموا الأسباط لكثرتهم، فكما أن الأغصان من شجرة واحدة، كذلك الأسباط كانوا من يعقوب. ومثل السبط الحافد، وكان الحسن والحسين سبطي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والأسباط حفدة يعقوب ذراري أبنائه الاثني عشر. وقال تعالى: (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما)، فهذا صريح في أن الأسباط هم الأمم من بني إسرائيل، كل سبط أمة، لا أنهم بنوه الاثنا عشر. بل لا معنى لتسميتهم قبل أن تنتشر عنهم الأولاد أسباطا، فالحال أن السبط هم الجماعة من الناس.
ومن قال: الأسباط أولاد يعقوب، لم يرد أنهم أولاده لصلبه، بل أراد ذريته، كما يقال: بنو إسرائيل وبنو آدم. فتخصيص الآية ببنيه لصلبه غلط، لا يدل عليه اللفظ ولا المعنى، ومن ادعاه فقط أخطأ خطأ بينا.
والصواب أيضا أن كونهم أسباطا إنما سموا به من عهد موسى للآية المتقدمة، ومن حينئذ كانت فيهم النبوة، فإنه لا يعرف أنه كان فيهم نبي قبل موسى إلا يوسف. ومما يؤيد هذا أن الله تعالى لما ذكر الأنبياء من ذرية إبراهيم قال: (ومن ذريته داود وسليمان) الآيات، فذكر يوسف ومن معه، ولم يذكر الأسباط، فلو كان إخوة يوسف نبئوا كما نبئ يوسف لذكروا معه.
وأيضا فإن الله يذكر عن الأنبياء من المحامد والثناء ما يناسب النبوة، وإن كان قبل النبوة، كما قال عن موسى: (ولما بلغ أشده) الآية، وقال في يوسف كذلك، وفي الحديث: "أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، نبي من نبي من نبي" . فلو كانت إخوته أنبياء كانوا قد شاركوه في هذا الكرم، وهو تعالى لما قص قصة يوسف وما فعلوا معه ذكر اعترافهم بالخطيئة وطلبهم الاستغفار من أبيهم، ولم يذكر من فضلهم ما يناسب النبوة، ولا شيئا من خصائص الأنبياء، بل ولا ذكر عنهم توبة باهرة كما ذكر عن ذنبه دون ذنبهم، بل إنما حكى عنهم الاعتراف وطلب الاستغفار.
ولا ذكر سبحانه عن أحد من الأنبياء -لا قبل النبوة ولا بعدها- أنه فعل مثل هذه الأمور العظيمة، من عقوق الوالد وقطيعة الرحم وإرقاق المسلم وبيعه إلى بلاد الكفر والكذب البين وغير ذلك مما حكاه عنهم، ولم يحك شيئا يناسب الاصطفاء والاختصاص الموجب لنبوتهم، بل الذي حكاه يخالف ذلك، بخلاف ما حكاه عن يوسف.
ثم إن القرآن يدل على أنه لم يأت أهل مصر نبي قبل موسى سوى يوسف، لآية غافر، ولو كان من إخوة يوسف نبي لكان قد دعا أهل مصر، وظهرت أخبار نبوته، فلما لم يكن ذلك علم أنه لم يكن منهم نبي. فهذه وجوه متعددة يقوي بعضها بعضا.
وقد ذكر أهل السير أن إخوة يوسف كلهم ماتوا بمصر، وهو أيضا، وأوصى بنقله إلى الشام، فنقله موسى.
والحاصل أن الغلط في دعوى نبوتهم حصل من ظن أنهم هم الأسباط، وليس كذلك، إنما الأسباط ذريتهم الذين قطعوا أسباطا من عهد موسى، كل سبط أمة عظيمة. ولو كان المراد بالأسباط أبناء يعقوب لقال: "ويعقوب وبنيه"، فإنه أوجز وأبين. واختير لفظ "الأسباط" على لفظ "بني إسرائيل" للإشارة إلى أن النبوة إنما حصلت فيهم من حين تقطيعهم أسباطا من عهد موسى. والله أعلم.