المدرسة السيريالية
أ. صالح بن أحمد الشامي




قامت "السيريالية" على أنقاض "الدادية"، وقد ساعد على ظهورها، ظهور نظرية «فرويد» في علم النفس، وبخاصة ما يتعلق بالعقل الباطن.

وتهدف السيريالية إلى «ما فوق الحقيقة» أو «ما فوق الواقعية» وهي تتطلب من الفنان والشاعر التجوال في بواطن العقل المظلمة، وتعتمد على التداعي النفسي وأشكاله المتضمنة في الأحلام.. ومن مهام الفنان التقاط دلالات اللاوعي خلال الصور المنبثة في اللاوعي النفسي.

فالسيريالية: هي لقاء بين الدادية - التي تعني التمرد على حدود المنطق - وبين نظرية «فرويد» - التي تعني الاهتمام بالعقل الباطن والعمل على الكشف عن أسراره -.

وقد وضع بيان هذه المدرسة، الكاتب الفرنسي «اندريه بريتون» (1896 - 1966) عام 1924 وبين فيه: أن مذهبهم الفني يعبر عن خواطر النفس في مجراها الحقيقي بعيدًا عن كل رقابة يفرضها العقل. ثم الإِيمان المطلق بسلطان الأحلام.. كما أشار إلى أهمية «الوهم» الذي يفتح الآفاق أمام التخيل، ويبرز الحياة النفسية الحقيقية الكامنة في خلفية تفكيرنا العقلاني.

فالسيريالية - في رأيه - امتزاج حالتين تبدوان متناقضتين، وهما: الحلم والواقع.
وقد اعتمد السيرياليون في تصويرهم على طريقتين:
الأولى: الاعتماد على التجسيم الواقعي، وهو الأسلوب الذي ابتكره الاسباني «سلفادور دالي» وأسماه بـ «الهلوسة الناقدة» والتي يستخدم فيها رموز الأحلام ليرتفع بالأشكال الطبيعية إلى ما فوق الواقع المرئي، لكن مع التجسيم الطبيعي لها.

الثانية: تشبه الأسلوب التكعيبي المسطح ذا البعدين، فهي أقرب إلى الأشكال التجريدية، وإن كانت تختلف عنها في أن السيريالية لا تهتم بالشكل ولا بالصور ولا بالهندسة.. الأمر الذي يهتم به التجريديون.

وقد لقيت السيريالية رواجًا كبيرًا بلغ ذروته بين عامي 1924 - 1929، وكان آخر معارضهم في باريس عام 1947.

والخلاصة: إن السيريالية في الفن - في رأي هذه المدرسة - اتجاه إلى تحرير الإِنسان من عبوديته، ومن سيطرة العالم الخارجي، بل وتحريره من العقد، ومن الكبت النفسي، فالواقع الدفين في أعماق الفنان هو الذي يحرك يده لكي ينتج معبرًا عن رغباته وأحلامه وآماله، وقد يظهر هذا التعبير في صورة أساطير خيالية خرافية تكون في بعض الأحيان كالطلاسم التي يستعصي على المشاهد فهمها.

والجميل - عند السيريالية - هو الغريب حقًا فحسب[1].
----------------------------------------------------------

[1] من مراجع هذا الفصل:
1 - عبد الفتاح الديدي. في كتابه: علم الجمال ص (78 - 145).
2 - محمد علي أبو ريان. في كتابه فلسفة الجمال ص (216 - 220).
3 - حمدي خميس. في كتابه التذوق الفني ص (49 - 63) ط دار المعارف بمصر.
4 - جان يرتليمي. كتاب: بحث في علم الجمال, ترجمة أنور عبد العزيز ص 256 - 258
5 - هربرت ريد. كتاب: التربية عن طريق الفن. ترجمة عبد العزيز جاويد ص 136 - 138

6 - د. نبيل راغب. مقال عن التصوير في مجلة الفيصل العدد 93 ص 107.
7 - د. فوزي الأحدب. مقال عن الانطباعية. مجلة الفيصل العدد 53 ص 45
8 - الفن التأثيري. صبحي الشاورني. دار المعارف, سلسلة كتابك.
9 - علي درويش. ترجمة مقال عن الرسم الأمريكي الحديث. مجلة الفيصل العدد 41 ص 119.