من عوامل بقاء الأدب العربي


أ. د. مسعد بن عيد العطوي





1- حكم البلاد الإسلامية لغير العرب:
منذ أواخر القرن الثاني الهجري أي منذ تسلط وزراء الفرس والبرامكة انتقلت الإدارة من النفوذ العربي إلى غير العرب، وهناك أخذت تقوي العنصريات المعادية للعرب ثم جاء فترة النفوذ التركي ثم جاء البويهيون ثم السلاجقة ثم جاء نفوذ الأتابكة والدولة الأيوبية ثم المماليك ثم العثمانيون، واختلف هؤلاء بتشجيع اللسان العربي فبداية من ولاة الفرس في الأقاليم أخذ الولاة يحكمون الأدباء في القصائد فهذا يدل على ضعفهم في اللغة وكثير من قادتهم أعاجم ثم جاء البويهيون وأكثرهم في منأى عن اللغة العربية، وكذلك السلاجقة حتى الأتابكة والزنكيين كلهم حظهم قليل من اللغة العربية هم وحاشيتهم بل شجعوا اللغة الفارسية في دول المشرق الأقصى، ولكن لغة الشعوب اللغة العربية، ولما جاء المماليك أعرضوا عن استقبال الشعراء وتحدثوا في قصورهم بلهجاتهم التركية، ومثل هؤلاء العثمانيون، فانحسرت اللغة العربية وهذه ضربات موجعة لها عبر الزمن لكن يقظة العلماء وانتشار العلم الشرعي كان أقوى من تلك الموجات، ثم جاء العثمانيون وأرادوا تتريك العالم العربي في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وثم جاءت موجات الاستعمار وفرض لغاتهم في الجزائر والمغرب ومصر ولبنان، وظهرت الدعوات للعامية. ومما جعل اللغة العربية تحافظ على وجودها أن الأمة كلها تقرأ القرآن وعلوم الشريعة باللغة العربية، ولذا حافظت الشعوب على اللسان العربي وكذلك فإن الجزيرة العربية ودولها الصغيرة، وكذلك الإمارات في العراق والشام إمارات عربية حافظت على اللسان العربي.

وحكم الأعاجم امتد منذ منتصف القرن الثالث الهجري مثل: (الأتراك والبويهيين والسلاجقة والمماليك والعثمانيين) ولا ضير في ذلك، لأنه لا فرق بين المسلمين، وقد حكم الإسلام ومحا العنصريات والقوميات، وهناك بعض البلدان كالجزيرة العربية في وسطها وجنوبها وجدت فيها دويلات وإمارات عربية، ولم يمتد لها حكم الأعاجم فبقيت العربية على لسانهم وفي دمائهم، والدولة العثمانية في بدايتها جعلت العربية لسانها الرسمي ولم تفرض اللغة التركية، ولكن في آخر أمرها فرضت اللغة التركية في المدارس في كل أقطار حكمها حتى المدينة ومكة ناهيك عن الاستعمار وفرضه للغاته، والدعوات المتزايدة من قبل أعداء الإسلام والعروبة حين يدعون إلى العامية، لكن لغة الدين والقرآن والمجتمع كانت أقوى من تلك الهجمات القوية.

2- سيادة اللغة العربية:
اللغة العربية سيدة اللغات لاريب في ذلك فهي لغة القرآن الكريم ولغة الشعب ولغة المسلمين، وهي السائدة في الأقطار الإسلامية إلا أنها أخذت تتضاءل حتى انحصرت في الأقطار العربية فقط، ولا تخلوا مدينة ولا قرية من كتاتيب، وحلق تعليم تقوم على تعليم الناشئة، ولم يقف في وجه العلم فقر ولا استبداد ولا سلطة، ولكن السلطة تستطيع أن تقلصه أو تشجعه فمتى أُتيحت فرصة للعلم انتشر وفشا، كما نجد الألوسي الذي جاء في هذا العصر وكذلك الزبيدي صاحب كتاب (تاج العروس)، وغيرهم من العلماء الأفذاذ.

3- الإسلام دين الحكام الأعاجم:
فالأعاجم المهيمنون على العالم الإسلامي بدأ حكمهم كما سبق في القرن الثالث الهجري إلى سنة 1339هـ فهو عالم الهيمنة للأعاجم، وهم يدينون بالدين الإسلامي وكانوا في مراحلهم الأولى يتعلمون اللغة ويعلمونها أبنائهم، ولما احتجبوا عنها في عهد المماليك والعهد العثماني لم يمنعوها داخليا بل ساعدوا على (إنشاء المدارس، وتعليمها في المساجد، والعثمانيون لم يزيدوا على من قبلهم سوى أن جمعوا العواصم الإسلامية في عاصمة واحدة) وتلك العاصمة ليست بتلك القوى الفكرية والعلمية التي يجب أن تكون عليها، ولما بدأ العثمانيون بمحاربة اللغة اهتز كيان دولتهم، ولما نشروا العنصرية التركية أنفل عرشها.

4- قوة التراث العربي:
التراث العربي هو مجمع الفكر والعلم ومعين الدين الإسلامي الصحيح فطالما اهتز له الأعداء وأسلم بعضهم، وخاصة من كان منهم ذو عقل وروية، والمستشرقون حين تعلموا اللغة العربية أعجبوا بالشعر العربي كثيراً، فمنهم من خدمه وجمعه، وأما الحاقدون فذهلوا حتى صرحوا بحربهم للغة وفصل العالم الإسلامي عنها، وبلاغة القرآن الكريم هي المثل الأعلى للبلاغة في كل لغة، إلى جانب أن التراث العربي نقل الحضارات الأخرى إلى محتواه وانتفع بها، فالتراث العربي يحتوي كماً هائلاً جداً.

5- معارضة الاستعمار:
قد يكون الناس قد غضبوا على الدولة العثمانية، ويأخذون عليها مآخذ ولكن لما أتى الاستعمار وقفوا ضده بالقوة والفكر والكلمة والشعر، ولا نجد دولة عربية كانت مستعمرة إلا ولشعرائها شعر كثير، ولأدبائها مقالات جيدة في محاربة الاستعمار وحث الناس على الوقوف ضده.


6- استمرارية الشعر الديني:
وهناك الشعر الديني الذي يواكب الحركات الإصلاحية التي لها شعر قوي كالمقطعات الصوفية، وهذه من عوامل بقاء اللغة العربية إلا أن عليها مآخذ عقدية كثيرة، والشعر الديني يحث على الوحدة الإسلامية، وكذلك في دعوة الدول العثمانية إلى الجهاد وإلى الحث على الالتفات حولها بمثابة كونها خلافة، والتغني بفتوحاتها وحروبها مع الأعداء فكل هذا كان استمرارا لذلك الشعر الديني الذي تجلت فيه معاني الدين الإسلامي.