ليل بهيم!
أم وفاء خناثة قوادري



نادته أن يتريَّث قليلًا، لتتمكَّن من الخروج معه بالسوية، استدارت لتُلقي نظرة خاطفة على البيت، ثم اندفعت خارج الدار، ولما بلغت السَّلالم عرَفت أنه قد نزل من العمارة، وركب سيارته التي كان قد ركنها جنب الحائط قرب السُّور في الأسفل.

أسرعت الخطو للحاق به، كانت تحمل حقيبة يدويَّة، ومحفظة بها كتب وأوراق، وباليد الأخرى حذاء شتويًّا طويلًا، فالسَّفر بعيد، وقد تحتاجه في هذه الأيام الماطرة.

كان الوقت متأخرًا جدًّا، والمدينة تغطُّ في نوم عميق، لا حركة ولا حياة، سوى حفيف أوراق شجر الكاليتوس[1]، الواقف كأشباح تراقب المكان.

لمحت خارج السُّور دراجة نارية عليها رجلان، توقَّفا لما رأيا شبح المرأة تحت الضوء الخافِتِ ليلًا، خافَتْ منهما، فجَرَتْ لتلج السيارة.
كان السُّكون مطبقًا على المكان، وأعمدة الكهرباء تبدو كعصي العفاريت.

يبدو أن الرجلين احتارا في خروج امرأة في مثل هذا الوقت من الليل وحيدةً، ولعل ما زاد في تعجُّبهما أنها اختفت فجأة عن ناظريهما، فهما لم يريا السيارة التي يخفيها الحائط قرب السُّور.

ماذا؟! في منتصف ليل موحش، امرأة تحمل حقائب... حذاؤها في يدها... تجري وتختفي فجأة، ألا يعدُّ هذا أمرًا غريبًا، يدعو للتحرِّي والفضول؟!

كانت تتمتم فزعة، مما رسم تساؤلًا على محيَّا زوجها المنشغل بتسخين سيارته، بادرها بالاستفهام عن سبب هذا الارتباك، حتى رأى الرجلين وهما يتوقفان بدرَّاجتهما على بُعد خطوات منه، ويمعنا النظر والتحديق فيه وفي زوجته، ولم يلبثا أنِ انصرفا.

تحركت السيارة عبر منعرجات بساتين (لونانقة)[2]، كان قلبها يخفق جزعًا من احتمال أن يكون هذان الغريبان لِصَّيْنِ، قد يتبعان السيارة ويوقفانها لابتزازهما، فلطالما سمعت عن مثل هذه الحوادث في هذا الطريق المنعزل الذي يمشي بين البساتين.

وتنفَّسَت الصُّعداء حين خرَجَا إلى الناحية الشرقية للمدينة، فالطريق به حركة على كلِّ حال.

بقي قلبها يحدِّثها عن سر ذينك الرجلين، اللذين لم تفارق خيالَها صورتُهما، في ذلك الهدوء المخيف، وماذا لو تسللا إلى داخل البيت حيث ينام الولد والبنتان؟!

اشتدَّ بها الفزع حين رجَّها زوجها بسؤاله:
هل أحكمتِ إغلاق باب الأمان (الباب الحديدي) جيدًا؟
لم يتوقف لسانُها وقلبها عن الضراعة والدعاء.
ويا لَكَمْ تطاولت المسافة، في ليلٍ مظلم بهيم، وطرق مهترئة زادها رداءَةً سوءُ الأحوال الجوية!


سكَنَتْها كلُّ الهواجس والاحتمالات، إلى أن ردت ابنتها على الهاتف:
صباح الخير أمي، لا تقلقي فقد استيقظنا في الوقت المناسب، ونحن الآن في طريقنا إلى المدرسة.
---------------------------------

[1] أي: الكالبتوس، ويسمى في الجزائر (الكاليتوس).

[2] اسم لحي به بساتين... ذكر في النص هنا.