عندما تمطر يزهر الورد
مرام سعيد أبو عشيبة



على كُرسِيِّها الخشبيِّ الهزَّاز، وأمامَ مَوقِد الحطب والنارُ مشتعلة، وعيونها المكتحلة السوداء الواسعة الغامضة ونظارتها الطبية، يكتبُ قلمها على صفحاتِ دفترها ورديِّ اللون، مستمعةً مُصغيةً لصوتِ المطر وهو يَهوِي على الأرض كهويِّ أوراق الشجر ذات اللون البرتقاليِّ المصفر أيام الخريف، منبعثًا منه هزيزٌ جميل كهزيزِ حَفِيف الشجر الهادئ الدَّمِث.

خرَجَت من منزلها لتستقبلَ المطر مُرحِّبةً به، حاملةً مِظلَّتَها، واضعةً إياها فوق رأسها لهُنَيْهةٍ من الزمنِ، لكنها لم تُطِقْ وجودها، مُلقِيَة إياها على الأرض، آخذة بالمشي إلى مكان بعيد قاصٍ.

المطر الذي غمر عاطفتَها ومُهجتَها وحنايا صدرِها سعادةً وارتياحًا، كزهرةٍ مُزهِرة بأوراقها الخضراء وغصنِها البنيِّ اليافع، وعلى التراب البني المُبلَّل أمسكت به لتستنشق طِيب عبيره الفوَّاح.

ثارت أفكارُها وذكرياتها وباشَرَت بتذكُّر أيام اللعب بالطينِ على شاطئ البحر، ورسوماتها على رمالِ ذلك الشاطئ وذرَّاته، تترقَّب قلمها المركَّب من الخشب يرسم على لوحة السعادة بألوان زاهية مشرقة، متذكِّرة لأيام اتِّساخ ملابسها وقت الشتاء وهي تنفضُ الطين عنها، متتبِّعة لخطواتِ المارَّة والسائرين تحت المطر.


ومرَّت الساعات وكأنها ثوانٍ، فقلبُها أينع بنزول المطر؛ فمنهم مَن هو تحت مظلته، ومنهم مَن يضع القبعة على رأسه مطأطئًا وخافضًا إياها، ومنهم مَن هو بجانب المكتبة، إلا هي، فالمطر جزءٌ من إحساسها الفيَّاض ومشاعرها الجيَّاشة، فكما أن المطر يمنَحُها الأمان والراحة، فهي تمنحهما لمن هم حولها.

شاردة مستجمعة لأفكارها ولنفسِها، مستيقظة من حُلمها بعد أن كانت سابحةً في الفضاء المنبسط، وملأَتِ الضحكاتُ المكانَ وعمَّتْه، وأمسكت بقطرات المطر بلمسة حنون رؤوف، رافعة يديها وبصرها إلى السماء داعية بما تشاء.

وعن كثب ومقرُبَةٍ منها رأَتْ أرنب الدوتش وبياضه المختلط بسواده الأملس مرتجفًا، فضمَّته بين كفَّيْها محسنة إليه بلمستها الرقيقة.