ولادة الإبداع
فدوى الأصيل

في لحظةٍ ما تُحس بقوة جامحة تدفَعك من الداخل لتناول القلم والبدء في الكتابة، فلا تقاومها ولا تؤجِّلها، بل انْهَض وخُذ قلمك لا بين يديك، وإنما بين قلبك، وارسم في الورقة بريشة القلم حروفًا من مداد، واملَأْها بشعورك المتدفق بين جوانحك، ولا تجعلْها جافَّة كلما مرَّ عليها هواء الخريف جرَّدها من نسيم الربيع، بل اجعلها تحتمي بصيف قلبك المتأجج في نفسك عله ينسى برودة الشتاء التي جمَّدتْ حيويته.

إنها لحظة ولادة الإبداع الذي كان ينبوعًا ساكنًا صامتًا مطرقًا في خجل، فتفجَّر أنهارًا وعيونًا تنساب مع مدِّ أمواج الحياة وجَزْرها، فالإبداع وليد المعاناة التي يصل فيها الإنسان حدًّا يَعجِز فيه الكلام مع الغير عن التخفيف والمواساة والإحساس به، فيَستعيض عنه بقلم يبثه حزنَه وشكواه، ويجرِّد منه ذاتًا منشطرة منه يفرِض عليها الإنصات له والإحساس بعُمق جُرحه الذي ضرب جذورَه في باطنه دون تفكير في مغادرته يومًا ما، حين تصل لتلك اللحظة اعلَم أنك لم تَعُد تريد من الناس أن يحاولوا تطهير جُرحك مما علِق به من أدران الحياة، فحسبُك قلم يُخفي أسرارك في وقت صارت إذاعتُها من أرفع ما يقوم به الإنسان، ويُكافَأ عليه بالمال والشهرة والجاه، حسبك قلمٌ يخط معك طريق الأمل في مستقبل تلبَّدت غيومه باكفهرار في وجه مَن يحاول التبسم وسط الأوهام، حسبُك قلمٌ يُنير لك طريقًا في أرض لن تجتني وردَها إلا بتقطيع الأوصال بشوكها، حسبُك قلمٌ يُلملم شظايا نفسك التي أنهكتها دروب الحياة.