الترجمة وتعدد التخصصات
أسامة طبش

تحكم الميدانَ الترجمي أسرارٌ؛ ومن بينها: تداخله مع تخصصات أخرى؛ حيث أسهمت فيه كروافد مهمة أدت إلى حداثة دراسات العمل الترجمي، الذي عرف إضافاتٍ عديدة مع مطلع القرن الحادي والعشرين، فما هو المقصود بتداخل التخصصات في الترجمة؟


نضرب مثالًا عن ذلك، فنظرًا لتقدم العلم؛ صارت الأنظار موجهة إلى المترجم أو الترجمان كإنسان، وذلك بدراسة فعل الترجمة بالنسبة إليه، سواء أكان هذا الأمر بملاحظته وهو يقوم بعملية الترجمة، أم كان هو الذي يصف تفاعلات هذا المسار لديه؛ من إعماله للذكاء في اختيار الكلمات، والذاكرة الحافظة للمعارف السابقة، والقلق والتململ إذا كان مطالبًا بإنجاز عمله في فترة محددة، نطلق على ما أسلفناه "العلوم المعرفية" وتداخلها مع العمل الترجمي، بدراساتها العملية التجريبية على الإنسان.


إليكم مثالًا آخر: في مجال تدريس الترجمة كتخصص بالجامعة، استُحدثَتْ مادة نُسمِّيها "تعليمية الترجمة"، وهي عبارة عن تمارين وتطبيقات ودروس، الغاية منها تخريج طلبة مترجمين؛ لسد حاجات خاصة في سوق العمل، ومن أبرز هذه الفرص "الترجمة القانونية"، فنُرفق دروس الترجمة بالجامعة دروسًا تتعلق بالعلوم القانونية، والهدف هو إشباع معارف الطلبة في هذا الجانب؛ حتى تكون لهم دراية بالشؤون القانونية، وتكون ترجماتهم مُسايرة لهذا الميدان، فنحصل على ثلة من المترجمين المتمكنين ذوي كفاءة عالية في الميدان، وهو المحكُّ الصعب لمعارفهم المكتسبة.


مثال أخير ندعم به مقالنا، فنأخذ هذه المرة "الترجمان"، وقد نُسأل عن سبب هذا الخيار، فنقول: إن الترجمان يعيش اختبارًا؛ لضيق الوقت لديه، وتعرضه للضغوط العصبية، وإجبارية تدرُّبه على التمارين الذهنية، فينجح في مهمته أحسن نجاح، وهنا تتداخل علوم النفس؛ لأنها الأعلم بنفس الإنسان وتقلباتها، فتدرس سيرورة الترجمة لدى الترجمان، وتوفير الظروف والشروط الملائمة له؛ لأنه في وضع يختلف عن المترجم الذي عادة ما يملك الوقت الكافي، وله البحث والإطلاع، وحتى سؤال من يفيده حيال النص الذي أمامه، ما يذلِّل عوائقَ تحول بينه وبين إيصال الرسالة عن طريق النص المترجم.


تتداخل الترجمة مع تخصصات عديدة، ولقد بيَّنَّا ثلاثة أمثلة عنها فقط، وهي تسهم إسهامًا بالغًا في تعميق الدراسات الترجمية، فأصبحت تسمَّى "علم الترجمة"، وما زالت الدراسات العلمية تكشف لنا ما هو جديد؛ لنشهد اليوم عصر الترجمة الآلية أو الترجمة التي يُستعان فيها بالحاسوب.