متى يدخل في الاعتكاف؟


الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي








جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يَعتكِفَ صلى الفجر، ثم دخل مُعتكفه[1].



فظاهر هذا الحديث يدلُّ على أن السنَّة دخول المعتكف بعد صلاة الفجر، صباح واحد وعشرين كفعله صلى الله عليه وسلم، وبه قال الأوزاعي والثوري والليث[2]، وهو رواية عن الإمام أحمد[3] رحمه الله، واختاره الشيخ ابن باز[4] رحمه الله.



وقال الأئمة الأربعة وطائفةٌ: يدخل قبيل غروب الشمس، وأوَّلوا الحديث على أنه دخل من أول الليل، ولكن إنما تخلى بنفسه في المكان الذي أعدَّه لنفسه بعد صلاة الصبح[5]، وهو جمع حسنٌ.



ومن جهة النظر - أيضًا - أن من أعظم مقاصد الاعتكاف التماس ليلة القدر، فينبغي أن يكون ليلتها مُعتكفًا، وهو أيضًا أحوط، ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَعتكِف في كل رمضان، وإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي اعتكف فيه"[6].



قال الإمام مالك رحمه الله: "يدخل المُعتكِف المكان الذي يريد أن يعتكف فيه قبل غروب الشمس من الليلة التي يريد أن يعتكف فيها؛ حتى يستقبل باعتكافه أول الليلة التي يريدُ أن يعتكف فيها"[7].



وعند أبي عوانة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل شهر رمضان، فإذا صلى الغداة جلس في مكانه الذي اعتكف بليل"[8]، وهذا مُشعرٌ بأن انفراده من الناس وتخليه عنهم كان بعد صلاة الصبح، واستظهره ابن الملقن[9].



قال صاحب "الفروع" رحمه الله: "ومَن أراد أن يعتكف العشر الأخير تطوعًا، دخل قبل ليلته الأولى، نص عليه؛ لرؤياه صلى الله عليه وسلم ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين، في حديث أبي سعيد، وحض أصحابه رضي الله عنهم على اعتكاف العشر، وليلته الأولى كغيرها"[10].



واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله؛ حيث قال: "فالذي يدخله صباح واحد وعشرين معتكف خاص، والذي يدخله في أول الليل المسجد عمومًا"[11].






[1] رواه مسلم في الاعتكاف، باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه؟، رقم: (1173).




[2] ينظر: "شرح مسلم" للنووي (8 / 68)، و"فتح الباري" (4 / 351)، و"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (5 / 434).




[3] ينظر: "الإنصاف" (7 / 591).

قال في "الشرح الكبير" (7 / 591): "قال أحمد: أحب إلي أن يدخل قبل الليل، ولكن حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الفجر، ثم يدخل مُعتكَفه".




[4] "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15 / 442).




[5] "فتح الباري" (4 / 351 - 352).





[6] رواه البخاري في الاعتكاف، باب الاعتكاف في شوال، رقم: (2041).




[7] "الموطأ" (ص: 259)، وينظر: "الاستذكار" (4 / 175).




[8] حديث عائشة رضي الله عنها: رواه أبو عوانة في "مسنده" في الصيام، باب بيان الساعة والوقت التي كان يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على أنه صلى الله عليه وسلم لم في [...] قال محقق الكتاب "أحمد عارف الدمشقي": "كلمة لم أستطع قراءتها، وكتبت في الأصل هكذا ، ولعله: يبقَ" اعتكافه بالليل، رقم: (3073) (2 / 261).




[9] ينظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (5 / 434).




[10] "الفروع" (5 / 158)، وينظر: "المغني" (4 / 489 - 490).




[11] "فتح ذي الجلال" (7 / 511).