السؤال
جاء في اختبار لصديقي سؤال عن القرآن: هل الكتب السماوية هي كلام الله تعالى أم هي مدلول كلام الله؟ - هي كلام الله تعالى. -هي مدلول كلام الله تعالى. أجاب صديقي الإجابة الأولى بأنها كلام الله تعالى، ومع ذلك اعتبرت إجابة خاطئة. السؤال: ما معنى مدلول كلام الله تعالى؟

الجواب
الحمد لله.

القرآن كلام الله تعالى، وكلام الله تعالى صفة من صفاته، وصفات ربنا ليست مخلوقة، والقرآن الكريم كلام الله تعالى: ألفاظه وحروفه ومعانيه؛ منه بدأ، وإليه يعود، تكلم الله تعالى به، وسمعه منه جبريل عليه السلام، وأنزله على محمد صلى الله عليه وسلم.

قال سبحانه: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الواقعة/77- 80، وقال: (الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) السجدة/ 1، 2، وقال: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) الزمر/ 1.

وهو من جملة كلامه، الذي هو صفة من صفاته، فمن قال: مخلوق، فهو كافر، هذا ما يعتقده أهل السنة والجماعة، خلافًا لما عليه أهل الزيغ والانحراف.

وقد بينا أدلة كون القرآن غير مخلوق، وأنه كلام الله، وكلام الله صفة من صفات الله، في الأجوبة السابقة برقم: (13804)، (100585).

ثانيًا:

القول بأن القرآن: عبارة عن كلام الله، أو حكاية عن كلام الله، أو معنى كلام الله، أو مدلول كلام الله: قول باطل مبتدع، ولا يعلم أحد قال به قبل ابن كُلاب، ثم الأشعري، على اختلاف طفيف بينهما، ثم استقر على ذلك أصحاب أبي الحسن.

وقد ذكرنا في الجواب رقم: (226223)، قول شيخ الإسلام رحمه الله: " لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ: إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ عِبَارَةٌ عَنْ كَلَامِ اللهِ، وَلَا حِكَايَةٌ لَهُ " انتهى من"مجموع الفتاوى" (12/302).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا يجوز أن نقول: هذا القرآن عبارة عن كلام الله؛ على سبيل الإطلاق.

والذين قالوا: إنه حكاية: هم الكلابية ، والذين قالوا: إنه عبارة: هم الأشعرية.

والكل اتفقوا على أن هذا القرآن الذي في المصحف ليس كلام الله، بل هو إما حكاية أو عبارة.

والفرق بينهما:

أن الحكاية المماثلة؛ يعني: كأن هذا المعنى الذي هو الكلام عندهم حكي بمرآة؛ كما يحكي الصدى كلام المتكلم.

أما العبارة؛ فيعني بها: أن المتكلم عبر عن كلامه النفسي بحروف وأصوات خلقت.

فلا يجوز أن نطلق أنه حكاية أو عبارة" انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (8/465).

ويمكن مراجعة هذه المسألة بتفاصيلها، ووجوه ردها في كتاب: "موقف ابن تيمية من الأشاعرة" (3/1253).

وقال شيخ الاسلام ابن تيمية: "الناس لهم في مسمى الكلام والقول عند الإطلاق أربعة أقوال:

1- فالذي عليه السلف والفقهاء والجمهور أنه يتناول اللفظ والمعنى جميعًا.

2- وقيل: بل مسماه اللفظ، والمعنى ليس جزء مسماه، بل هو *مدلول *مسماه، وهذا قول كثير من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم وطائفة من المنتسبين الى السنة، وهو قول النحاة لأن صناعتهم متعلقة بالألفاظ.

3- وقيل: مسماه هو المعنى، وإطلاق الكلام على اللفظ مجاز، لأنه دال عليه. وهذا قول ابن كلاب ومن اتبعه.

4- وقيل: بل هو مشترك بين اللفظ والمعنى، وهو قول بعض المتأخرين من الكلابية.

ولهم قول ثالث يروى عن أبي الحسن أنه مجاز في كلام الله حقيقة في كلام الآدميين"، انتهى.

انظر: "كتاب الإيمان" (ص 162)، وهو في "مجموع الفتاوى" (7/170).

وقد نسب الشيخ محمد الفقيه هذه العبارة، وهي أن القرآن (مدلول كلام الله) إلى أهل البدع، فقال: "فلمّا لم يعقلوا كلامًا من غير جارحة؛ قالوا بالكلام النّفسيّ، ومنعوا أنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ يكون قد أسمع موسى كلامه؛ بل خلق الكلام في الشّجرة! وأنّه لم يتكلّم بهذا القرآن العربيّ الذي نتلوه بألسنتنا ونكتبه بأيدينا في مصاحفنا؛ وقالوا: هذا القرآن *مدلول *كلام *الله أو عبارة أو حكاية! وأنّه يُطلق عليه كلام الله مجازًا لا حقيقة!".

انتهى من "الكشف المبدي" (ص239).

يقول : "هناك أدلة تدل على نزول القرآن من ربه، والقرآن اسم للقرآن العربي لفظه ومعناه.

ومن هذه الأدلة قوله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ * وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) النحل/ 98-103.

فقوله: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ)النحل/ من الآية102، يدل على نزول القرآن من ربه، والقرآن اسم للقرآن العربي لفظه ومعناه، كما أن قوله (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) ، وهم كانوا يقولون إنما يعلمه بشر، ولم يكونوا يقصدون أنه يعلمه معانيه فقط، لقوله بعد ذلك: لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ والله تعالى أبطل قول الكفار، لأن لسان الذي يضيفون إليه القرآن أعجمي، والقرآن بلسان عربي مبين.

ومن الأدلة - أيضاً - قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً)الأنعا /من الآية112) إلى قوله: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (الأنعام:114) والكتاب اسم للقرآن العربي بالضرورة والاتفاق، وهذا يرد على الكلابية والأشعرية، وقوله: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً يتناول نزول القرآن العربي على كل قول من الأقوال التي تفرق بين كتاب الله وكلام الله، أو بين القرآن (المعنى) ، والقرآن (اللفظ) . لأن الله سمى مجموع اللفظ والمعنى كتابًا وقرآنًا وكلامًا".

انتهى من "موقف ابن تيمية من الأشاعرة" (3/ 1302-1303)، وانظر: "مجموع الفتاوى" (12/123-124).

وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" : "الاعتقاد الواجب نحو القرآن وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة ودل عليه الكتاب والسنة - أن *القرآن *كلام *الله *حقيقة، حروفه ومعانيه، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو كلام الله تعالى، حيث تلي وحيث كتب".

انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (3/21).

وما يقال في القرآن يقال في سائر كتب الله، إذ هي من كلامه سبحانه وبحمده.

والله أعلم.

اسلام سؤال