تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 10 من 15 الأولىالأولى 123456789101112131415 الأخيرةالأخيرة
النتائج 181 إلى 200 من 290

الموضوع: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

  1. #181
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 130 الى صــــــــ
    138
    الحلقة (181)





    [مبحث إذا هلك الصداق فعلى من ضمانه؟]
    -إذا كان الصداق حيوانا. أو عرض تجارة. أو نحوهما فهلك في يد الزوج قبل أن تقبضه الزوجة. أو هلك في يد الزوجة بعد أن قبضته. ثم طلقها قبل الدخول. فإن في حكم ذلك تفصيل المذاهب (1) .
    حكم ما إذا كان الصداق عينا فعرضت له زيادة، أو نقص-إذا كان الصداق عينا، كحيوان. أو بستان. أو ثوب. أو أرض فعرضت له زيادة متصلة به، كما إذا سمن الحيوان، أو أثمر البستان أو صبغ الثوب.
    أو بني على الأرض، أو عرضت له زيادة منفصلة عنه، كما إذا ولد الحيوان. أو جز صوفه. أو قطع ثمرة البستان. فلا يخلو إما أن يكون ذلك قبل أن تقبضه الزوجة. أو بعد القبض. فإذا طلقت قبل الدخول هل تكون للزوج نصف هذه الزيادة.
    أولا؟ وكذا إذا نقص قبل القبض وبعده،
    كما إذا حدث فيه عيب فعلى من يكون النقص؟ في كل ذلك تفصيل المذاهب (1) .
    (1) (الحنفية - قالوا: إذا تزوجها على مهر معين. كثوب، وفرس، وغلة. ونحو ذلك وهلك قبل أن تقبضه. فإن كان من ذوات الأمثال بأن كان معدودا أو مكيلا أو موزونا وجب على الزوج أن يدفع لها مثله وإلا وجب عليه أن يدفع قيمته.
    أما إذا قبضته وهلك في يدها وطلقها قبل الدخول فإنها تضمن نصفه فإن كان باقيا وردته برضاها فذاك. وإلا قضي عليها برده.
    أما إن كانت تصرفت فيه فإن تصرفها ينفذ كما عرفت. ويتعذر عليها رد النصف بعد وجوب رده فتضمن نصف القيمة للزوج. وتعتبر قيمته وقت القبض.
    وبذلك تعلم أن المهر إذا كان في يد الزوج ولم تقبضه الزوجة وهلك كان ضمانه على الزوج فإن كان له مثل. وجب عليه مثله. وإلا وجبت عليه قيمته. أما إذا قبضت هي فقد قبضت ما تملكه مع احتمال سقوط كل أو بعض. فإذا سقط نصفه بالفرقة التي تأتي من قبل الزوج وضامنة للنصف فإن كان موجودا ردته إلى الزوج، وإلا فعليها قيمة النصف، فإذا سقط كله بأن جاءت الفرقة من جهتها قبل الوطء، وجب عليها رد كل المهر إن كان باقيا، وإلا كان عليها قيمته من يوم القبض.
    فإذا مهرها فرسا، أو نياقا ثم تبين أنها مملوكة للغير واستحقت لذلك الغير رجعت الزوجة على الزوج بمثله إن كان مثليا، وبقيمته إن لم يكن مثليا، فلو مهرها فرسا، ووهبتها لغيره ثم تبين أنها مملوكة لشخص آخر رجعت عليه بقيمتها.
    المالكية - قالوا: يكون الصداق قبل الوطء مشتركا بين الزوجين في ضمانه وفي نتاجه، سواء كان النتاج غلة، أو ولد حيوان، إلا أن في المسألة تفصيلا وهو أن الصداق إن كان من الأشياء التي لا يمكن إخفاؤها، كما إذا كان حديقة، أو دارا، أو جملا، أو رقيقا فإنه إن هلك في يد أحدهما، أو نقص كان عليهما معا فلو طلقها قبل الدخول بعد هلاك صداقها. فلا شيء لها. ولا يرجع عليها بشيء. أما إذا كان من الأشياء التي يمكن إخفاؤها، كحنطة أو ثوب من الحرير أو نحو ذلك وهلك في يدها بعد القبض، وطلقها قبل الدخول، فادعت أن الصداق هلك ببينة تشهد بهلاكه، فإنها تضمنه وتلزم بدفع نصفه، لأنه بيدها كالعارية، وكذا إذا هلك بيده، ويحلف من كان بيده أنه ما فرط على الأظهر، وكذلك إذا وهبت الصداق، كما إذا مهرها ناقتين فوهبتهما لشخص، ثم طلقها قبل الدخول،فإن عليها ضمان نصف الناقتين بأن تعطيه مثل النصف إن أمكن، وإلا فقيمته، وتعتبر من يوم الهبة فعليها مثل النصف في المثل، وقيمته في المتقوم، كما تقدم.
    هذا حكم الضمان في العقد الصحيح أما في العقد الفاسد فإن ضمانه يكون على الزوجة بعد القبض بلا تفصيل، فتضمنه الزوجة، سواء كان العقد فاسدا بسبب غير فساد الصداق، ويقال له نكاح فاسد لعقده، أو كان فاسدا بسبب فساد الصداق، ويقال له: فاسد لصداقه. ومثال الأول نكاح المحلل ومثال الثاني لنكاح بصداق لأجل مجهول، أو بصداق غير مملوك أو غير مقدور على تسليمه كالنكاح بالجمل الشارد، وغير ذلك مما تقدم، فالمرأة تضمن الصداق الذي قبضته، ويحل تملكه بالنكاح الفاسد مطلقا، سواء كان فاسدا لعقده أو فاسدا لصداقه فإذا فسخ العقد قبل الوطء وهلك كان عليها رده إن كان باقيا، وإلا بمثله، أو قيمته.
    الشافعية - قالوا: إذا مهرها عينان كحيوان، أو ثوب، أو بستان. أو نحو ذلك، كان قبل قبضه في ضمان الزوج ضمان عقد لا ضمان يد، ومعنى ضمان العقد أنه يضمن الشيء بما يقابله عند فقده فالمهر المسمى يقابله مهر المثل، فإذا هلك المسمى ضمن الزوج مهر المثل ولزمه. ولا يقال: إن الذي يقابل المسمى هو البضع وعلى هذا يكون المعنى إذا هلك المهر المسمى ضمن الزوج البضع، لأنا نقول: إنه وإن كان المقابل للمسمى هو البضع، ولكن لما كان يتعذر ضمانه ورده، إذ لا معنى لرد البضع إليها، إلا فسخ النكاح، وهو لا يتأتى، لأن عقد النكاح لازم متى كان صحيحا، فلذا جعل بدله، وهو مهر المثل مقابلا للمسمى أما معنى ضمان اليد فهو أنه يضمنه بمثله إن كان مثليا، أو بقيمته إن كان متقوما؟ فإذا تلف الصداق بيد الزوج قبل أن تقبضه الزوجة كان في ذلك أربع صور.
    الصورة الأولى: أن يتلف بآفة سماوية، الثانية: أن يتلفه هو وفي هذه الحالة يجب لها مهر المثل في الصورتين لانفساخ الصداق بالتلف، الثالثة: أن تتلفه هي وهي رشيدة، وفي هذه الصورة تكون قابضة لحقها فلا شيء لها.
    الرابعة: أن يتلفه أجنبي، وفي هذه الصورة يكون على ذلك الأجنبي الضمان، وتكون هي بالخيار بين أن تفسخ الصداق وتلزم الزوج بمهر المثل، وهو يرجع على الأجنبي، وبين أن تقره وتطالب الأجنبي هي بالبدل، ولا يكون لها شيء قبل الزواج.
    والحاصل أن الصداق ينفسخ في صورتين. وهما ما إذا أتلفه الزوج. أو تلف بآفة سماوية وتكون الزوجة قابضة لحقها في صورة، وهي ما إذا أتلفته هي، ويكون لها الخيار في صورة وهي ما إذا أتلفه الأجنبي.
    وإذا مهرها عينين كجملين وتلف أحدهما بآفة. أو بإتلاف الزوج قبل قبضها تفسخ المهر في التالفة لا في السليمة عملا بتفويض الصفقة، ثم هي في هذه الحالة بالخيار. إما أن تجيز الصداق بالسليمة على أن تأخذ بقدر التالفة ما يقابلها من مهر المثل. بمعنى أن مهر مثلها إذا كان يساوي جملين مثلا كان لها الحق في نصفه، وإما أن تفسخ الصداق ويكون لها مهر المثل.
    هذا. ولا يضمن الزوج منافع الصداق الفائتة. أي التي لا يترتب عليها زيادة الصداق، كركوب الدابة مثلا، فلو استوفاها هو لا ضمان عليه. أما زوائد الصداق من ثمر، ونتاج، ونحو ذلك، فهي في يده أمانة، فإن انتفع بها هو ضمنها، وإن طلبت منه ولم يسلمها، ثم هلكت ضمنها وإلا فلا، وسيأتي تفصيلا قريبا.
    هذا حكم الصداق إذا كان في يد الزوج، وكان كله من حق المرأة بحيث لم تقع فرقة تجعل الحق فيه. أو نصفه للزوج، فإذا وقعت فرقة بطلاق مثلا قبل الوطء عاد إليه نصف الصداق، سواء كان نقدا، أو عرض تجارة، أو حيوان، أو غيرهما، وسواء كان المؤدي للمهر نفس الزوج أو وليه من أب، أو جد، فإن كان قد دفع المهر أجنبي ينظر إن كان قد تبرع به للزوج عاد للزوج وإلا عاد للمتبرع الذي دفع، وهذا بخلاف الثمن إذا تبرع به شخص غير المشتري، ثم فسخ البيع فإنه يرجع للمؤدى عنه، وهو المشتري، لا المتبرع.
    ولا يشترط في عود نصف المهر إلى ملك الزوج أن يقول: اخترت عود نصف المهر بل يرجع إليه بدون صيغة قهرا، لقوله تعالى: {وإن طلقتموهن قبل أن تمسوهن} الآية.
    ثم إذا ملك الصداق وافترق الزوجان بطلاق، أو غيره. فإن له حالتين:
    الحالة الأولى: أن يتلف قبل الفراق، والقبض بفعل أجنبي. أو بفعل الزوج. أو بفعل الزوجة. أو بآفة سماوية، فإذا تلف بفعل الزوجة كان للزوج نصف قيمته، وهو منضم لبعضه بمعنى أنه يقوم كله. ثم يأخذ نصف القيمة، فلا يقوم النصف على حدة، مثلا إذا كان مهرها ناقة يرغب فيها بعشرين جنيها إذا بيعت كلها. ويرغب في بعضها بثمانية جنيهات، لأن الرغبة في النصف قليلة في العادة ما لم تكن مقترنة بوضع اليد على الحيوان والانتفاع به. فإنه يكون له نصف العشرين وكذلك إذا تلف بفعل أجنبي فإن الأجنبي يضمن، وترجع الزوجة على الزوج بنصف مهر مثلها. أو ترجع على الأجنبي بالعوض ولا شيء لها قبل الزوج فهي مخيرة كما تقدم. أما إذا تلف بفعل الزوج. أو بآفة سماوية فقد بطل كونه مهرا كما تقدم، ويكون الزوج مسؤولا عن نصف مهر المثل بعد الطلاق.
    الحالة الثانية: أن يتلف بعد الفراق، والقبض بفعل واحد من الأربعة المذكورة فإن كان بفعل الزوج فلا شيء له، لأنه أتلف ملكه، كما هو الظاهر، أما إن كان التلف بفعلها، أو بفعل أجنبي فإن للزوج نصف المثل فيما له مثل، ونصف القيمة في المتقوم منضما لبعضه على الوجه المتقدم، ثم هو بالنسبة للأجنبي بالخيار بين أن يرجع عليه، ولا يكون له قبلها شيء، أو يأخذ منها وهي ترجع على الأجنبي.
    الحنابلة - قالوا: الصداق إما أن يكون معينا، كهذا الحيوان الحاضر وهذه الصبرة من القمح، أو لا، فإن كان معينا وهلك قبل القبض أو بعده لزم الزوجة لأنه في ضمانها، إذ هي تملكه بمجرد العقد الصحيح، ويبقى قبل القبض أمانة في يد الزوج إلا إذا طلبته منه فامتنع فإنه يضمنه في هذه الحالة، لأنه يكون متعديا بعدم تسليمه، فيكون كالغاصب.
    أما إن كان غير معين، كثلاثة أرادب من القمح الصعيدي مثلا. أو من هذه الصبرة، فإنه إذا هلك قبل قبضه يكون في ضمان الزوج، أما بعد قبضه فإنه يكون في ضمان الزوجة كالمعين.
    هذا وقد عرفت أن تصرفها في المعين صحيح قبل القبض وبعده لما ذكر، فلا يصح للزوج أن يتصرف فيه في هذه الحالة أما في غير المعين فلا يصح لها أن تتصرف فيه قبل قبضه) .

    (2) (الشافعية - قالوا: إذا زاد الصداق وفارقت الزوجة زوجها فإن كانت الفرقة بسببها كانت الزيادة للرجل على كل حال، لأن له كل المهر، فلا يستحق شيئا من غلته، أو نتاجه لخروجها كلها من ملكها، كما خرج الصداق، فإن لم تكن بسببها، بل فارقها هو بطلاق. أو غيره فلها نصف الزيادة وله نصفها، لا فرق في ذلك بين أن تكون الزيادة متصلة. أو منفصلة، هذا إذا حدثت الزيادة بعد الفرق.
    أما إذا حدثت قبل الفراق، فإن كانت الزيادة منفصلة، كولد أو لبن. أو كسب، فإنها تكون للمرأة، سواء كانت الفرقة بسببها. أو بسببه، فإن كانت بسببه فله نصف الصداق دون الزيادة، والأرجح عليها بكل الصداق دون الزيادة، فإذا وقعت الفرقة بسبب مقارن للعقد، كما إذا عقد على امرأة بها عيب يوجب فسخ النكاح، فقيل: يرجع بالزيادة أيضا، لأن العقد كأنه لم يكن، وقد وقعت الفرقة بسببها، فله كل المهر، وقيل: لا يرجع في الزيادة المنفصلة، وإنما يرجع في الزيادة المتصلة وهو المشهور. ورجع بعضهم التساوي بينهما في ذلك، لأن العقد كأنه لم يكن في كلتا الحالتين.
    أما الزيادة المتصلة، كسن الحيوان، فإن كان الفراق وقع بسبب وتمسكت المرأة بالزيادة، فليس للرجل إلا نصف قيمة الصداق بصرف النظر عن الزيادة، أما إن سمحت له بها، فله أخذها، وليس له طلب قيمة، ومثال ذلك أن يمهرها نخيلا، ثم يحدث بها طلع، فإنه زيادة متصلة، فإذا رضيت الزوجة بأن يأخذ نصف النخل مع الطلع أجبر عليه، وليس له مطالبة بالقيمة وإلا فله نصف النخل بدون طلع، فإذا فارقها وكان على النخل ثمر لم ينضج، فإنها لا يلزمها قطعه ليأخذ هو نصف النخل، وذلك لآن الثمر حدث وهو في ملكها، بل تمكن الزوجة من إبقائه إلى وقت قطع النخل، فإن قطع الثمر فله نصف النخل ما لم يحدث بقطعه نقص في النخل من تكسير جريد، أو سعف، أو أغصان، فإنه في هذه الحالة يكون له نصف القيمة، وكذا إذا امتد زمن بقائه حتى أضر بالنخل.
    وإذا رضي بإبقاء الثمر إلى أن يحين قطعه، مع أخذ حقه فقط، وهو نصف النخل، فإنها تجبر على ذلك بشرط أن يقبض نصفه حتى لا تكون مسؤولة عنه، أما إذا لم يرض بإبقاء الثمر إلى وقت قطعه فإن له ذلك، على أن لا يكون له الحق في قطعه، كما ذكر، بل يكون له الحق في القيمة والحاصل أنه ينبغي للزوج أن يمكن الزوجة في الحالة المذكورة من إبقاء الثمر، ولا تجبر على قطعه، كما لا يجبر على الرضا ببقائه إلى وقت القطع، فيكون له القيمة، كما تكون له القيمة بعروض نقص في النخل بالقطع. أو امتداد الزمن.
    أما النقص بحدوث عيب فله ثلاثة أحوال:
    أحدها: أن ينقص بعد الفراق. وبعد القبض بفعل الزوجة. أو بفعل أجنبي، وفي هذه الحالة يكون للزوج الحق في العوض الذي يساوي ذلك النقص، سواء كان يسيرا أو فاحشا، أما أن كان النقص بسبب غير ذلك فلا شيء له.
    الحالة الثانية: أن ينقص قبل الفراق، وبعد القبض، وفي هذه الحالة يكون الزوج مخيرا بين أخذه معيبا عوض. وأخذ نصف بدله وهو سليم.
    الحالة الثالثة: أن يحدث النقص قبل الطلاق، وقبل القبض، وفي هذه الحالة إن رضيت به الزوجة، فله نصفه بدون عوض عن النقص، لأنه حدث وهو تحت يده، وإن لم ترض به كان لها نصف مهر المثل. وأخذه هو كله، فإن حدث العيب بواسطة أجنبي أو بواسطة الزوجة كان للزوج نصف الأصل مع نصف العوض الذي يقابل ذلك العيب.
    هذا وبقيت صورة أخرى، وهي أنه يزيد من جهة. وينقص منم جهة، كما إذا مهرها نخيلا لم تثمر فأثمرت، ولكن طرأت عليها آفة قللت ثمرها، أو مهرها جاموسة فولدت، ولكن عرض لها مرض قل به لبنها، وحكم هذه الحالة أن تقسم العين بينهما، فإن أبيا ذلك قومت، بصرف النظر عن الزيادة والنقص.
    هذا حكم النقص مع الفراق، أما إذا نقص وهو بيد الزوج، وأراد الدخول بها، كان في ذلك أربع صور:
    الأولى: أن يحدث العيب فيه بيد الزوجة وهي رشيدة غير سفيهة، وفي هذه الحالة لا تستحق قبل الزواج شيئا.
    الثانية: أن يحصل العيب بآفة سماوية، كما إذا كان الصداق حيوانا فأصيب بالعمى، وفي هذه الحالة تكون مخيرة بين فسخ الصداق، ولها مهر المثل، وبين إجازته، وتأخذه على عيبه.
    الثالثة: أن يحدث العيب بيد أجنبي.
    الرابعة: أن يحدث بيد الزوج، وفي هاتين الصورتين يكون للزوجة الخيار بين فسخ الصداق مع أخذ مهر المثل، وبين أخذ الصداق الذي حدث به العيب مع المطالبة بقيمة النقص الذي حدث بالعيب.
    والحاصل أنها في حالة حدوث عيب بالصداق يكون لها الخيار في ثلاث صور، وهي: ما إذا عيبه الزوج. أو أجنبي، أو عيب بآفة سماوية، وتخير في الصور الثلاث بين فسخ الصداق على أن تأخذ مهر المثل، وبين أن تأخذ الصداق المعيب مع المطالبة بقيمة النقص الذي حدث، ولا
    خيار لها في الصورة الرابعة، وهي ما إذا عيبته هي وكانت رشيدة.
    الحنفية - قالوا: الزيادة الناتجة من الصداق إن كانت ناتجة بعد النقص، كما إذا ولدت بقرة المهر بعد قبضها. أو أثمرت الحديقة بعد قبضها، فإنها تكون للزوجة مطلقا، وإن كانت قبل القبض فلا يخلو إما أن تكون غير متولدة من المهر، بل عرضت له، أو متولدة منه وفي كل مرة إما أن تكون متصلة به، أو منفصلة عنه، فمثال غير المتولدة المتصلة صبغ الثوب، وبناء الدار ومثال غير المتولدة المنفصلة كسب الخادم. والغلة، ومثال المتولدة المتصلة سمن الحيوان وجماله. وثمار الشجر القائمة، ومثال المتولدة المنفصلة ولد الحيوان. وثمر الشجر بعد قطعه، فإذا كانت الناتجة قبل القبض غير متولدة، سواء كانت متصلة. أو منفصلة كانت للزوجة، إلا أنها إذا كانت متصلة. كما إذا صبغ الثوب، وبنى الدار، كانت المرأة قابضة بذلك. ولا تتنصف الزيادة، ولكن يجب على المرأة نصف القيمة من يوم أن حكم بالقبض، أما إن كانت منفصلة ككسب الخادم.
    وغلة الزرع كانت للزوجة ولا تتنصف، وعليها نصف قيمة الأصل، كما ذكرنا أما إذا كانت متولدة، وطلقت قبل الدخول كان لها النصف. وللزوج النصف، فالزيادة التي تطرأ على المهر لا تتنصف بعد القبض مطلقا، وقبل القبض تتنصف إذا كانت متولدة، لأن المتولدة من الشيء يلحق به، سواء كان متصلا، أو منفصلا.
    أما النقص الطارئ على الصداق قبل أن تقبضه، فهو على مجوه:
    الوجه الأول: أن يكون النقص بعارض سماوي، وتحته صورتان:
    الأولى أن يكون النقص يسيرا، كما إذا عرج فرس المهر. أو عطب في بعض جسمه عطبا خفيفا، وفي هذه الصورة لا يكون للزوجة الحق في المطالبة بعوض هذا النقص.
    الثانية: أن يكون النقص فاحشا، كما إذا فقض الفرس إحدى عينيه. أو ماتت بعض أشجار الحديقة التي تنتج ثمرا نافعا. أو غير ذلك مما يوجب خللا شديدا ينقص قيمة المهر، وفي هذه الحالة يكون للزوجة المطلقة قبل الدخول الخيار في أن تأخذ نصف المهر المعيب. أو تأخذ قيمته من يوم العقد، لأنه في ضمانه قبل القبض وليس لها الحق في طلب العوض عن النقص.
    الوجه الثاني: أن يكون النقصان بفعل الزوج. وهذا تحته صورتان أيضا: إحداهما ان يكون النقص يسيرا، وفي هذه الحالة للزوجة الحق في طلب التعويض عن النقص مع أخذ المهر. وليس لها رده وتضمين الزوج نصف قيمته. ثانيتهما: أن يكون النقص فاحشا، وفي هذه الحالة تكون المرأة مخيرة بين أن تأخذ نصف قيمته من يوم العقد. وبين أن تأخذ نصفه وتلزم الزوج بنصف قيمته.
    الوجه الثالث: أن يكون النقص بفعل المرأة، وفي هذه الحالة ليس لها إلا أخذ المهر سواء كان نقصانه يسيرا أو فاحشا.
    الوجه الرابع: أن يكون النقصان بسبب المهر نفسه، كأن قفز الفرس مثلا فأصابه عطب أو جرح العبد نفسه، أو نحو ذلك. وحكمه حكم ما إذا أصابه عيب بآفة سماوية.
    الوجه الخامس: أن يكون النقص بفعل الأجنبي. وتحته صورتان أيضا، لأنه إما أن يكون العيب يسيرا، وفي هذه الحالة ليس لها إلا أن تأخذ المهر، وتطالب الأجنبي بعوض نصف قيمة النقص الذي أحدثه. وإما أن يكون العيب فاحشا، وفي هذه الحالة تكون مخيرة بين أخذ نصف المهر مع إلزام الأجنبي بنصف قيمة ما أحدثه من النقص، وإما أن تتركه للزوج، وعليه قيمة نصفه يوم العقد، والزوج يرجع على الجانبي بقيمة النقص كلها، هذا إذا كان المهر في يد الزوج، فإن طرأ النقص بعد أن قبضته الزوجة وطلقها قبل الدخول فإن كان النقص بفعل المرأة، فإن كان يسيرا، فليس للزوج إلا أن يأخذ نصفه مع العيب اليسير، أما إذا كان العيب فاحشا كان بالخيار بين أن يأخذ نصفه معيبا من غير مطالبة بتعويض. وبين أن يتركه ويأخذ قيمته معتبرة من يوم أن قبضته ومثل ذلك ما إذا حدث النقص عندها بآفة سماوية. أو حدث بفعل المهر نفسه، سواء حدث العيب قبل الطلق، أو بعد الطلاق. أما إن كان العيب حدث بفعل أجنبي قبل الطلاق فعلى الزوجة نصف قيمته من يوم القبض، لأن الأجنبي عليه ضمان النقص، وهذه الزيادة منفصلة عن الصداق فلا تتنصف، نعم إذا أبرأت الأجنبي من العوض قبل الطلاق يتنصف النقص حينئذ فتكون ملزمة بنصف قيمته للزوج، فإن أحدث الأجنبي فيه نقصا بعد الطلاق كان للزوج نصف الأصل، ثم هو بالخيار بين أن يأخذ نصف قيمة النقص من الأجنبي. وبين أن يأخذه من الزوجة، وقيل: لا فرق بين أن يكون الأجنبي أحدث فيه العيب قبل الطلاق. أو بعده في الحكم المتقدم، وإن حدث النقص بيد الزوج كان حكمه حكم ما إذا حدث بيد الأجنبي سواء بسواء.
    هذا وإذا زاد الزوج على ما سمي من صداق فإنها تصح بالمهر بشرطين:
    أحدهما: أن تقبلها الزوجة في المجلس الذي ذكرت فيه الزيادة، وإن كانت الزوجة صغيرة يشترط قبول وليها في المجلس.
    ثانيهما: معرفة قدر الزيادة، فلو قال: زدتك في مهرك، ولم يعين القدر الذي زاده لم تصح الزيادة للجهالة فيها، وبعضهم يشترط ثالثا، وهو بقاء الزوجية فلو زاد لها المهر بعد الطلاق البائن أو الموت لم تصح، وفي ذلك خلاف، فقال بعضهم: إن أبا حنفية صرح بصحة الزيادة بعد موت الزوجة إذا قبلها الورثة، ويقاس على ذلك الزيادة بعد الطلاق البائن، لأن صحتها أولى، ولكن الظاهر اشتراط بقاء الزوجية، إذ انقطاعها لا معنى للزيادة في المهر، والذي يقول بصحتها يرى أنها تفضل من الزوج نظير المتعة بعد انقطاع الزوجية، فلا وجه لبطلانها، ومع ذلك فإن مثل هذه الصورة لا تكاد تقع في الخارج، فلا فائدة من النزاع فيها.
    ولا يشترط في قبول وجود الشهود، ولا أن يكون المهر باقيا على ملك الزوجة، فلو زادها في المهر بعد أن أبرأته الزوج منه، أو بعد أن وهبته فإنه يصح، وكذا لا يشترط أن تكون من جنس المهر، فلو مهرها نقودا. وزادها في المهر حيوانا صح، وبالعكس. وكذا لا يشترط أن تكون من الزوج بخصوصه، فلو زاد الولي صح، ولا يشترط أن تكون بلفظ الزيادة في المهر، بل لو قال لها: راجعتك بكذا. وقالت: قلبت كانت في المهر، وإذا طلقها قبل الدخول كان له نصف المهر الأصلي فقط أما الزيادة فإنها لا تتنصف، كما تقدم.
    وكما يصح للزوج أن يزيد في مهر الزوجة كذلك يصح للزوجة أن تسقط عنه بعض المهر، أو كله بشرط أن يكون نقدا، أما إذا كان عينا، كعرض تجارة. أو حيوان فإنه لا يصح الحط منه، على أنه إذا هلك المهر عنده حطها فإنه لا يضمنه، فإذا مهرها هذا الفرس، ثم أبرأته منه كان لها الحق في أخذه ما دام قائما، فإذا هلك لا ضمان على الزوج بهلاكه، وهذا الحكم لا يختص بكون المهر عينا أيضا.
    المالكية - قالوا: إذا وقعت الفرقة بين الزوجين بالطلاق كانت الزيادة العارضة على الصداق والنقص بينهما مناصفة بناء على الصحيح من
    أن المرأة تملك بالعقد النصف، فلكل منهما نصفه إن طلق قبل الدخول، على أن ولد الحيوان يعتبر من نفس الصداق وملحق به بلا خلاف، سواء كانت تملك نصف الصداق. أو تملك شيئا. أو تملك الكل على الخلاف. فولد الحيوان بينهما على كل حال، أما الغلة، كالثمرة. والصوف، فعلى القول بأنها تملك الجميع تكون حقا لها وليس للزوج بالطلاق قبل الدخول إلا نصف الأصل، وعلى هذا فالزوجة إما تملك نصف الغلة على القول بأنها تملك نصف الصداق بمجرد العقد، وإما تملك كل الغلة على القول بأنها تملك جميع الصداق بمجرد العقد، أما كونها لا تملك شيئا من الغلة بناء على القول بأنها لا تملك شيئا من الصداق بمجرد العقد، فقيل لم يقل به أحد، ولكن ظاهر القاعدة يقتضي ذلك ولذا فرعه عليه بعض الفضلاء.
    أما إذا وقعت الفرقة بينهما قبل الدخول بالفسخ لا بالطلاق كانت الزيادة للرجل والنقص عليه قولا واحدا، وإذا وقعت بعد الدخول. أو بالموت، فالزيادة للمرأة والنقص عليها قولا واحدا.
    هذا، وإذا زاد الزوج للزوجة في الصداق بعد العقد كانت الزيادة ملحقة بالصداق بحيث تكون جزءا منه فلو تزوجها على مائة جنيه مهرا، ثم بعد العقد زاد لها عشرين مثلا في المهر لزمته الزيادة وكانت مهرا، ولا يشترط أن تكون الزيادة مثل المهر في الجنس. والحلول والتأجيل فلو مهرها حديقة، ثم زادها بعد ذلك عشرين جنيها مقبوضة حالا، فإنها تعتبر مهرا سواء قبضت أو لم تقبض فإذا طلقها قبل الدخول كان لها نصف المائة. ونصف العشرين، فما زيد بعد العقد على المهر ينصف إذا طلقها قبل الدخول بشرط أن لا يفلس قبل أن تقبض الزيادة، فإن أفلس سقطت، وكذا إذا مات عنها قبل القبض فإن هذه الزيادة تسقط ولا تنصف فتسقط في حالتين: الإفلاس، والموت قبل القبض فيهما، ولا يسقط بعد القبض على أي حال.
    هذا كله في المزيد بعد العقد، أما المزيد قبل العقد. والمزيد حين العقد فهو صداق من كل وجه بلا كلام.
    الحنابلة - قالوا: زيادة المهر المعين إن كانت منفصلة من كسب. وثمرة بعد قطعها. وولد ونحو ذلك فإنها تكون من حق الزوجة، سواء قبضت. أو لم تقبض لأنه في ملكها الذي تتصرف فيه وحدها وهو واقع في ضمانها بحيث لو تلف ضاع عليها. نعم إذا كان معدودا. أو يحتاج إلى كيل.
    أو وزن فإنه لا يصح تصرفها فيه قبل القبض كالمبيع سواء بسواء، وكذلك الزيادة المتصلة كسمن الحيوان، وصبغ الثوب، فإنها لا حق للزوجة فيها لأنها وقعت في ملكها. فإذا طلقها قبل الدخول ورضيت أن تعطيه نصف الحيوان الذي جعله صداقا لها بما عرض عليه من زيادة أو نصف الثوب بصبغه. أو بنقشه لزمه قبوله.
    أما الصداق غير المعين فإنه في ضمان الزوج قبل أن تقبضه، وله زيادته وعليه نقصه كما ذكرنا.
    وبالجملة فإن الزوج لا يملك شيئا من الزيادة في المهر المعين، سواء كانت متصلة، أو منفصلة، فإذا طلق قبل الدخول كان له نصف المهر لا غير، ولكن إذا تبرعت له بنصف الصداق مع زيادته المتصلة لزمه أخذه وليس له مطالبة بالقيمة.
    فإذا نقص المهر المعين وطلقها الزوج قبل الدخول كان له الخيار بين أخذ نصفه بدون عوض عن النقص الذي حدث، وبين نصف قيمته.
    هذا، وإذا زاد الزوج في مهر الزوجة بعد العقد فإنها تلحق بالمهر الأصلي بشرط أ، تكون الزوجية قائمة بينهما، وإذا طلقها قبل الدخول كان لها نصف الصداق الأول. ونصف الزيادة، فالزيادة تتنصف خلافا للحنفية، ولا تسقط بالفلس خلافا للمالكية) .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #182
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 139 الى صــــــــ
    147
    الحلقة (182)

    تأجيل الصداق وتعجيله
    -يجوز تعجيل الصداق، وتأجيله كله، أو بعضه على تفصيل المذاهب (1) .
    منع المرأة نفسها من الدخول وغيره لعدم قبض الصداق
    -للزوجة منع نفسها من الدخول والخلوة وتمكين الزوج منها لعدم قبض مقدم الصداق وليس للزوج إلزامها بحقوق الزوجية ما لم يوف لها بمقدم صداقها، على تفصيل في المذاهب (2) .
    __________

    (1) (الحنفية - قالوا: يجوز تأجيل الصداق، وتعجيله كله، أو بعضه، ولكن يشترط أن لا يكون الأجل مجهولاً جهالة فاحشة، كما إذا قال لها: تزوجتك بمائة مؤجلة إلى ميسرة. أو إلى أن يأتي الغيث أو إلى أن تمطر السماء. أو إلى أن يأتي المسافر، فالأجل في كل هذه الأحوال مجهول، فلا يثبت ويجب المهر الذي سماه حالاً.
    أما إذا كان الأجل معلوماً، كما إذا تزوجها على مائة بعضها مقبوض. وبعضها مؤجل إلى سنة أو سنتين، أو تزوجها على مائة مؤجلة كلها إلى سنتين، أو أقل، أو اكثر فإنه يصح، سواء اشترط ذلك في
    العقد أو بعد العقد، ويعمل به بلا خلاف. ويلحق بالأجل المعلوم أن يؤجل الصداق كله، أو بعضه إلى الموت أو إلى الطلاق، أو إلى وقت مضروب، ويقال له: منجم، فإذا قال لها: تزوجتك على مائة مؤجلة إلى الموت، أو إلى الطلاق، أو تدفع على أقساط كل خمس سنين مثلاً جزء منها فإنه يصح، وكذا إذا قال لها: تزوجتك على مائة نصفها معجل، وربعها مؤجل إلى أبعد الأجلين، وهما الموت، أو الطلاق، وربعها مقسط على أربع سنين فإنه يصح.
    ويلحق بالأجل المعلوم أيضاً أن يؤجل إلى الحصاد. أو إلى جني القطن، أو سواء العنب، أو البطيخ. أو نحو ذلك فإنه وإن كان مجهولاً لكن جهالته محدودة بزمن خاص تقريبي، فهو كالمعلوم على الصحيح بخلاف البيع، فإن المبيع. أو الثمن إذا كانا مجهولين فإن البيع لا يصح، سواء كانت الجهالة يسيرة، كما هنا. أو فاحشة، كما في الأمثلة المتقدمة.
    وإذا سمى لها مهراً ولكن لم يبين المعجل، والمؤجل منه. كأن قال لها: تزوجتك على مائة، بدون أن يقول: منها كذا معجل، فإن لها الحق في هذه الحالة أن تأخذ من المائة القدر الذي يعجل لأمثالها بحسب عرف البلد، فإن كان العرف جارياً على تعجيل النصف. أو الثلثين كان لها ذلك، لأن الثابت بالعرف كالثابت بالشرط، ما لم يشترطا تعجيل الصداق كله. أو تأجيله كله، فإنه في هذه الحالة يعمل بالشرط، ولا ينظر للعرف، فإذا قال لها: تزوجتك على مائة كلها مؤجلة. أو كلها معجلة عمل بالشرط، ولو كان العرف على خلافه.
    وإذا سمى لها صداقاً معلوماً، نصفه معجل. ونصفه مؤجل، ولكن لم يذكر وقت المؤجل، كما إذا قال لها: تزوجتك على مائة، خمسون معجلة. وخمسون مؤجلة، ولم يعين وقت الأجل، ففيه خلاف، فقال بعضهم: يبطل الأجل، ويجب الصداق كله حالاً، وقال بعضهم: يجوز الأجل، ويحمل على وقت وقوع الفرقة بالموت. أو الطلاق. وهو الصحيح.
    وإذا طلقها طلاقاً رجعياً، وكان صداقها مؤجلاً إلى الطلاق فإنه يتعجل في هذه الحالة، ولو راجعها لا يتأجل الصداق، بل يكون لها الحق في أخذه حالاً.
    ولا فرق في تعجيل الصداق وتأجيله بين أن يكون نقضاً. أو عرض تجارة. أو حيوان. أو نحو ذلك، فإذا تزوجها على ثياب معلومة موصوفة الطول والعرض والرقعة مثلاً، إلى أجل معين فإنه يصح، فإذا أعطاها قيمة الثياب عند حلول الأجل فلها أن تمتنع عن أخذ القيمة، أما إذا تزوجها على الثياب المعينة، ولم يكن لها أجل، وأراد ان يعطيها القيمة، فليس لها الامتناع عن أخذ القيمة.
    المالكية - قالوا: الصداق إما أن يكون معيناً، كحيوان معلوم برؤية. أو وصف، كهذا الفرس. أو الفرس المخصوص الفلاني، وإما أن يكون غير معين، بل كان موصوفاً في الذمة، كفرس من خيل المسكوف، أو الخيل العربية، أو يكون دراهم. ودنانير موصوفة، كما تقدم.
    فإذا كان الصداق غير معين فإنه يجوز كله. أو بعضه بشرط أن لا يكون الأجل مجهولاً، وذلك بأن يقيد الأجل بشيء أصلاً. أو قيده بقيد مجهول. مثال الأول أن يقول لها: تزوجتك على مائة جنيه مؤجلة. ومثال الثاني أن يقول لها: تزوجتك على مائة جنيه مؤجلة إلى الموت. أو إلى الفراق، هذا إذا أجله كله. ومثال ما إذا أجل مجهول أن يقول لها تزوجتك على مائة، منها خمسون مؤجلة، أو مؤجلة إلى الموت. أو الفراق، والخمسون الأخرى مقبوضة أو مؤجلة إلى سنتين. أو شهرين. أو نحو ذلك، فإذا وقع التأجيل للصداق كله.
    أو بعضه مجهولاً بهذه الصفة فسد عقد الزواج، ويفسد قبل الدخول، ويثبت بعده بمهر المثل على المشهور، ولكن يشترط أن تكون الجهالة مقصودة بحيث يتعمد ذكر الأجل مجهولاً، أما إذا نسي تحديد الأجل أو غفل عنه، فإن العقد يصح، ويضرب له أجل بحسب عرف أهل البلد في بيوع الآجال، كما يشترط أن لا يحكم بصحة العقد قاض يرى الصحة، كالحنفي، فإن حكم كان العقد صحيحاً عند المالكية أيضاً، فلا يفسخ لا قبل، ولا بعد. ويلحق بالمجهول ما إذا أجله إلى مدة خمسين سنة، ولو كانا صغيرين يمكن أن يعيشا إلى هذه المدة، فإن نقص الأجل عن الخمسين لم يفسد النكاح، ولو كان النقص يسيراً جداً، وطعنا في السن جداً.
    ويلحق بالأجل المعلوم أن يؤجل المهر إلى الدخول بالزوجة بشرط أن يكون وقت الدخول معلوماً بالعادة عندهم، كما إذا كانت عادة القوم أن يدخلوا بالنساء في وقت الحصاد. أو وقت جني القطن. أو وقت النيل أو وقت جني الفواكه. أو نحو ذلك، فإن لم تكن لهم عادة معلومة في وقت الدخول فسد العقد، ويفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده بمهر المثل على المشهور، وقيل: لا يفسد لأن وقت الدخول بيد المرأة، فكأن صداقها - حال في هذه الحالة، ومثل ذلك ما إذا أجله إلى الميسرة، وكان الزوج عنده مال، ولكن لم يكن بيده، كما إذا كان تاجراً ودفع ما بيده في شراء قمح وشبهه سلماً، فيكون موسراً بحلول أجل الدفع أو كان عنده سلعة لبيعها في وقت خاص يرتفع فيه سعرها، وتكون مطلوبة، فإن لم يكن عند الزوج شيء فسد النكاح، ويفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده مهر المثل.
    وإذا قال لها: أتزوجك على مائة متى شئت خذيها فإنه يصح إن كان عنده مال، وإلا كان حكمه ما تقدم في التأجيل إلى ميسرة.
    أما إذا كان الصداق معيناً، أي معروفاً بعينه من عروض تجارة. أو حيوان. أو ثياب. أو عقار أو نحو ذلك، فلا يخلو حاله إما أن يكون حاضراً في بلد العقد، أو لا. فإن كان حاضراً وجب تسليمه لها، أو لوليها يوم العقد سواء أكانت الزوجة مطيقة، أم لا. وسواء كان الزوج بالغاً، أو لا. ولا يجوز تأخيره إلا بشرطين:
    الشرط الأول: أن لا يشترط التأخير في العقد، فإن اشترط التأخير في العقد فسد، ولو رضيت بالتأخير.
    الشرط الثاني: أن ترضى بالتأخير مع كونه لم يشترط في العقد، لأن المهر المعين في هذه الحالة يكون من حق المرأة داخلاً في ضمانها بالعقد، فلا ضرر من كونها تؤخره.
    والحاصل أن الصداق إذا كان معيناً حاضراً بالبلد وجب تسليمه للزوجة، أو لوليها يوم العقد ولا يجوز اشتراط تأخيره في العقد، فإذا لم يشترط في العقد فإنه يصح تأخيره إذا رضيت الزوجة بالتأخير، أما إذا كان غائباً عن البلد فإنه يصح النكاح إذا أجل قبضه إلى أجل قريب، بمعنى أن تكون العين موجودة في بلد بعيد عن بلدة العقد مسافة متوسطة، كالمسافة بين مصر والمدينة، أما إن كانت المسافة بعيدة جداً، كالمسافة بين مصر وخراسان مثلاً، فإنه لا يصح، على أن يشترط لصحة تأجيله في المسافة المتوسطة أمران:
    أحدهما: أن يشترط الدخول قبل حضور الصداق وتسليمه، فإن اشترط ذلك قبل أن تقبضه الزوجة فسد العقد حتى ولو تنازل عن هذا الشرط، إذا كان المهر غير العقار، أما إذا كان المهر عقاراً وتنازل عن الشرط فإنه يصح تنازله ولا يفسد العقد، على أنه يصح اشتراط الدخول قبل القبض إذا كان في بلد تبيع عن بلد العقد بمسافة يومين أو ثلاثة أو خمسة.
    ثانيهما: أن يكون الصداق معروفاً للزوجة. أو الولي برؤية سابقة. أو وصف، وإلا كان للمرأة مهر المثل بالدخول.
    الحنابلة - قالوا: يجوز أن يؤجل الصداق كله. أو بعضه بشرط أن لا يكون الأجل مجهولاً كأن يقولك تزوجتك على صداق قدره كذا مؤجل إلى قدوم المسافر. أو إلى نزول الغيث، فيبطل الأجل ويحل الصداق، فإذا لم يؤجل بوقت مجهول، بل أطلق، كما إذا قال: تزوجتك على صداق مؤجل وسكتت فإنه يصح، ويحمل على التقييد بالفرقة بالطلاق، أو الموت. والمراد بالطلاق البائن.
    أما الرجعي فلا يحل به الصداق إلا بعد انقضاء العدة، وكما يصح تأجيل الصداق كذلك يصح تأجيل بعضه وتعجيل بعضه، كأن يقول تزوجتك على مائة نصفها معجل ونصفها مؤجل إلى الطلاق أو الموت، أو أقساط يدفع كل قسط منها في تاريخ كذا، ولا يحل قبضه إلا بحلول أجله كسائر الحقوق المؤجلة.
    فإذا مسمى الصداق ولم يذكر أجلاً كما إذا قال: تزوجتك على مائة وسكت فإنه يصح، ويكون الصداق كله حالاً.
    الشافعية - قالوا: يجوز تأجيل الصداق بشرط أن لا يكون الأجل مجهولاً، سواء كان المؤجل كل الصداق أو بعضه. فلو تزوجها على مائة إلى أجل ولم يذكر وقت الأجل، أو تزوجها إلى وقت الحصاد أو وقت نزول الغيث، فإن التسمية تفسد ويكون لها مهر المثل، وإذا تزوجها بمائة، منها خمسون مقدمة. وخمسون مؤخرة إلى الموت، أو الطلاق فسدت تسمية المهر ووجب لها مهر المثل لا ما يقابل الخمسين المجهولة، وذلك لأنه يتعذر توزيع المائة مع الجهل بالأجل) .
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #183
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 139 الى صــــــــ
    147
    الحلقة (183)

    (2) (المالكية - قالوا: قد عرفت أن الصداق إما أن يكون معيناً. أو لا، وقد عرفت أن الصداق المعين إذا كان حاضراً لا يجوز تأجيله، بل يجب تسليمه للزوجة يوم العقد إلا إذا رضيت المرأة بتأجيله من غير اشتراط للأجل في العقد، وفي حالة رضاها بذلك يكون حكمه كغير المعين في التأجيل، أما الصداق غير المعين، وهو المضمون الموصوف في الذمة، فإن للمرأة الحق في منع نفسها من الدخول وغيره قبل قبض مقدم صداقها، بل يكره لها أن تسلم نفسها قبل أن يعطيها أقل الصداق ربع دينار، ولا فرق في ذلك بين أن تكون معيبة بعيب يفسخ به العقد، مادام قد رضي به. أو حدث بعد العقد، وبين أن تكون غير معيبة.
    وليس للزوج أن يمنع المهر عنها بسبب مرضها، ولو كان المرض شديداً حتى ولو بلغت به حد السياق، أي حد النزع، لأن غاية ذلك موتها، والموت يؤكد الصداق جميعه، فالمرض الشديد لا يصلح عذراً للزوج في تأجيل الصداق، ولكنه يمنع من إعطائها النفقة، لأن النفقة إنما تعطى لها في نظير الاستمتاع، وهو لا يتأتى مع المرض الشديد، وإذا دخل بها قبل القبض فلها منعه من الوطء، أما إذا مكنته من الوطء فليس لها المنع بعد ذلك، سواء وطئها أو لا على الظاهر إذا أعطاها مقدم صداقها، ولكن تبين أنه غير مملوك للزوج واستحقه صاحبه، وهو في يد الزوجة، كان لها أن تمنع عنه نفسها بعد الوطء حتى تأخذ عوض، فإن كان له مثل أخذت مثله، وإلا أخذت قيمته، لا فرق في ذلك بين أن يكون الزوج قد غرها بذلك، أو لا، على الأظهر.
    ومن قام من الزوجين بتسليم ما هو ملزم به أجبر الآخر على تسليم ما عليه، إلا في أحوال:
    أحدها: أن يكون الزوج صغيراً لم يبلغ الحلم. وأن تكون الزوجة مطيقة للوطء، ولو لم تبلغ، فإذا دفع الزوج مقدم الصداق، وكان بالغاً، وكانت الزوجة مطيقة للوطء وطلب الدخول فامتنعت أجبرت على تمكينه منها، وكذا لو سلمت الزوجة نفسها وهي مطيقة للوطء وأبى أن يدخل ولم يسلم لها المهر بحجة أنه لم يدخل لا يسمع له ويجبر على دفع ما حل من صداقها، وهذا كله فيما إذا كان الصداق غير معين، بل كان موصوفاً في الذمة، أما المعين فإنه يجب تسليمه مطلقاً، ويجوز اشتراط تأخيره، كان الزوج بالغاً أو لا، أمكن وطؤها أو لا.
    ثانيها: أن تكون الزوجة مريضة مرضاً شديداً بحيث قد وصلت إلى حد النزع، أما المرض الذي دون ذلك فإنه لا يمنع من جبرها.
    ثالثها: أن يشترط أهلها بقاءها بينهم سنة عند العقد، إذا كان الزوج يريد أن يسافر بها بعيداً عنهم كي يتمتعوا بمشاهدتها قبل تغريبها عنهم، فإنه يعمل الشرط، وتبقى سنة بينهم بدون أن يدخل بها، ولو دفع لها مقدم الصداق، ولكنها لا تستحق النفقة في هذه السنة على الظاهر.
    ومثل ذلك ما إذا اشترط أهلها عند العقد بقاءها سنة لصغيرها وإن كانت مطيقة للوطء، فإذا لم تشترط السنة في العقد، بل اشترطت بعده، فغن الشرط لا يصح وله جبرها على الدخول متى دفع لها مقدم الصداق والعقد صحيح، وكذا يبطل الشرط إذا اشترط أكثر من السنة.
    رابعها: أن تبقى زمناً يجهز فيه مثلها، وذلك يختلف باختلاف أحوال الناس من غنى وفقر، وباختلاف الزمان. والمكان. ولا نفقة لها في مدة بقائها عند أهلها للجهاز، فإذا حلف الزوج ليدخلن ليلة كذا فيقضى له بذلك، فإن حلف هو وحلفت الزوجة لا يدخل حتى يتم أمر جهازها، فينبغي أن يحنث الزوج، لأن الدخول وإن كان من حقه، ولكن الشارع جعل له وقتاً، فلا يصح أن يتعداه، وأصبح هذا الوقت الذي تجهز فيه من حقها هي، والظاهر أن للزوجة التمسك بحقها ولو حلف بالطلاق، هذا وليس لها الحق في منع نفسها بسبب حيض. أو نفاس لأن المرأة قد يستمع بها زوجها بغير الوطء.
    الحنفية - قالوا: إن لمنع المرأة نفسها عن الدخول. والوطء. وغيرهما حالتين:
    الحالة الأولى: أن يبين مقدار المعجل في الصداق، سواء كان كله، أو بعضه كأن يقول لها: تزوجتك على خمسين جنيهاً معجلة، أو نصفها معجل، ونصفها مؤجل، وفي هذه الحالة يجب على الزوج أن يسلمها المعجل كاملاً، فإن لم يسلمها سقطت حقوقه المقررة له بعقد الزواج، إذ لها أن تمنع نفسها عن الدخول والوطء، ولو كانت في بيته، وليس له عليها حق الحجر، إذ لها أن تخرج من بيته بغير إذنه، ولها أن تسافر من جهة إلى بغير إذنه، ولها أن تحج حج التطوع بغير إذنه أما حج الفرض فلها أن تحجه مع محرم ولو بغير إذنه بعد قبض المهر، ومع هذا كان لها عليه النفقة، فإذا أعطاها المعجل بتمامه وجب عليها أن تسلم له نفسها، ولا تخرج من داره بغير إذنه إلا في أحوال مخصوصة اختلف فيها: منها أن تخرج لخدمة أحد أبويها المريض إذا كان في حاجة إلى خدمتها ولو كان غير مسلم سواء أذن لها زوجها، أولم يأذن.
    ومنها أن تخرج لزيارة أبويها الغنيين عن خدمتها كل جمعة مرة بشرط أن يكونا غير قادرين على المجيء إليها، فإن كانا قادرين على المجيء وطلبت من الزوج زيارتها، فإنه ينبغي له أن يأذن لها في زيارتها من الوقت لآخر حسب المتعارف، ولا يصح أن يحجر عليها بما يخالف العرف. ومنها أن تخرج لحج الفريضة، سواء أذن. أو لم يأذن، كما قلنا، فإذا خرجت تحج بدون محرم من غير إذنه سقطت نفقتها.
    وقد اعترض بأن النفقة وجبت للزوجة في نظير احتباسها وقصرها على الزوج، ومقتضى هذا أنها تسقط إذا سافرت، أو خرجت بدون إذنه مطلقاً، سواء دفع لها معجل الصداق أولا.
    وأجيب بأن الاحتباس حق للزوج، والنفقة حق للزوجة، وقد ناط الشارع حق الزوج في الاحتباس بدفع الصداق، فإذا قصر في دفع الصداق فقد أسق حقه وصارت الزوجة في حكم المحبوسة في نظر الشارع، فلا تنقطع نفقتها، أما إذا دفع ما عليه وخرجت بدون إذنه سقطت نفقتها لأنها لم تكن محبوسة عليه، لا حقيقة ولا حكماً، ونظير ذلك ما إذا أخرجها من منزله فإن نفقتها لا تسقط لأنها في حكم المحبوسة التي لم تخرج. ومنها أن تخرج للاستفتاء في مسألة دينية إذا لم يسأل لها زوجها عنها، سواء أذن لها أو لم يأذن، وبعضهم يقول: متى قبضت المعجل بتمامه، فليس لها أن تخرج من داره إلا بإذنه، والرأي الأول أقوى. إلا إذا ترتب على خروجها فتنة، فإنه لا يجوز مطلقاً. حتى ولو أذن لها، وإذا دفع لها بعض المعجل وبقي بعضه فإنه لم يسقط شيئاً من حقها، ولو بقي لها قرش واحد، وليس له أن يسترد بعض المعجل الذي أعطاه إياها.
    الحالة الثانية: أن يؤجل الصداق، كأن يتزوجها على مائة جنيه كلها مؤجلة إلى حلول موسم القطن مثلاً، وفي هذه الحالة لا يخلو إما أن يشترط الدخول فبل حلول الأجل. أو لا يشترط، فإن اشترط لم يكن لها الحق في منع نفسها باتفاق، وإن لم يشترط فقد اختلفت في ذلك الفتوى، فأفتى بعضهم بأنها ليس لها منع نفسها لا قبل حلول الأجل ولا بعده، حتى ولو أجلته بعد العقد، وأفتى بعضهم بأن لها منع نفسها استحساناً مادام لم يدفع لها صداقها. لأنه لما رضي بتأجيل المهر فقد رضي بسقوط حقه في الاستمتاع، والرأي الثاني أقوى من الأول.
    هذا، وإذا أحالت الزوجة رجلاً على زوجها بما لها من المهر كان لها منع نفسها حتى يقبض من أحالته، وإذا أحالها الزوج على شخص ورضيت، فليس لها أن تمنع نفسها، سواء قبضت أو لم تقبض.
    واعلم أن تسليم المهر مقدم على تسليم المرأة، فليس للرجل أن يقول: لا أسلم المهر حتى أتسلم الزوجة، لا فرق في ذلك بين أن يكون المهر عيناً. أو لا، بخلاف البيع. فإنه إذا كان الثمن عيناً وجب تسليمهما معاً، وإذا خاف الزوج من أن الأب يأخذ المهر ولا يسلم بنته، فإن الأب يؤمر بجعلها مهيأة للدخول، ثم يقبض المهر.
    وبهذا تعلم أنه لا جزاء للزوج على عدم دفع الصداق إلا حرمانه من الحقوق المترتبة على العقد من الدخول. والخلوة. والوطء والتقيد بإذنه في الخروج والسفر، لا فرق بين أن يكون موسراً أو معسراً، خلافاً لما عرفت في مذهب المالكية بأن القاضي يطلق عليه إذا ثبت عجزه عن الصداق، فإذا دفع الزوج جميع الصداق كان له الحق في طلب تسليمها إليه، فإن أبت فإنها تجبر على التسليم، إلا في حالتين:
    الحالة الأولى: أن تكون صغيرة لا تطيق الوطء، وفي هذه الحالة يجبر الزوج على تسليم مقدم الصداق دونها، فإن ادعى أنها تطيق الرجال. وادعى الولي غير ذلك فللقاضي أن يعرضها على أهل الخبرة من النساء.
    الحالة الثانية: أن تكون بالغة، ولكنها لا تحتمل الوطء أيضاً لمرض شديد ونحوه.
    خاتمة في تصرف الصبي بدون إذن وليه: وإذا تزوج صبي امرأة ودخل بها ولم يجز أبوه لا مهر عليه ولا عقر، وإذا زنى بامرأة وهي نائمة لا شيء عليه أيضاً إذا كانت ثيباً وكذا إذا زنى ببكر بالغة دعته لنفسها وأزال بكارتها فإنه لا حد عليه. ولا عقر، أما إذا كانت بكراً فأزال بكارتها كان عليه مهر المثل، وكذا إذا أكرهها وأزال بكارتها.
    أو كانت صغيرة وأزال بكارتها حتى ولو دعته الصغيرة. لأن أمر الصغيرة لا قيمة له.
    الشافعية - قالوا: للزوجة أن تمنع نفسها عن الزوج إذا لم تقبض مقدم صداقها بتمامه، وكذا لوليها منعها، وإذا منعت نفسها. أو منعها وليها استحقت النفقة. ونحوها وجوباً، لأن التقصير جاء من جانب الزوج لا فرق بين أن يكون المهر معيناً. أو حالاً. أما إذا كان الصداق مؤجلاً فليس لها أن تمنع نفسها، سواء حل الأجل قبل تسليم نفسها. أو لا. لأنها متى رضيت بالتأجيل فقد وجب عليها أن تسلم نفسها فوراً، فحلول الأجل لا يرفع الوجوب، فإن كانت صغيرة. أو مجنونة منعها وليها.
    ولا يجب تقدم تسليم المهر على الدخول، فإذا وقع نزاع بين الزوجين، فقال الزوج: لا أسلم المهر حتى تسلمي نفسك، وقالت: لا أسلم نفسي حتى تسلم المهر يجبر الزوج على وضع المهر عند عدل يعتبر نائباً عن الشرع لقطع الخصومة بينهما، لا نائباً عن واحد منهما، ولو هلك في يد العدل كان على الزوج، وتجبر المرأة فتؤمر بتمكين الزوج من نفسها فإذا مكنته أعطاها العدل المهر ولو لم يطأها، فإن هم الزوج بوطئها بعد قبضها الصداق فامتنعت يسترد المهر منها، فإذا مكنته من نفسها ولكن كان بها عيب يمنع الوطء، كرتق، وقرن. أعطاها العدل المهر، فمدار تسليمها المهر تمكين الزوج، وإذا لم يقع تنازع من أول الأمر، بل بادرت الزوجة ومكنته من نفسها، فلها المطالبة بالمهر قبل الوطء، فإن لم يعطها كان لها الحق في الامتناع من الوطء، أما إذا مكنته فوطئها، ولو في الدبر باختيارها وطالبته بعد الوطء فلم يعطها، فليس لها الحق في الامتناع من الوطء، بعد ذلك، أما إذا وطئها مكرهة، أو صغيرة، أو مجنونة فلا يسقط حقها في الامتناع بالوطء، فإذا كانت المرأة رتقاء أو قرناء ومكنته، فإن استمتع بها في غير القبل - قبل أن تأخذ المهر - باختيارها فلا حق لها، وإلا كان حكمها حكم السليمة، لأن الاستمتاع بغير القبل قي هذه الحالة يقوم مقام الاستمتاع به، فإذا زال مرضها لا يعود لها حقها في المنع على الظاهر.
    أما إذا وقعت المبادرة من الزوج فسلمها المهر بلا نزاع فإنها يلزمها أن تمكنه من الدخول بها متى طلبه، فإن امتنعت، ولو بلا عذر فلا حق له في أن يسترد ما أعطاه إياها.
    فإن قلت: إنكم قلتم في الصورة الأولى - ما إذا بادرت هي بتسليم نفسها إن لها الحق في المطالبة بعد التمكين وقبل الوطء، فإذا لم يعطها كان لها لاحق في الامتناع، وهنا قلتم: إنه إذا بادر وسلم وامتنعت لا حق له في أن يسترد المهر، فأي فرق بين الصورتين؟
    والجواب: أنها في الصورة الأولى وقع منها تسليم لنفسها، ولكن لم يقع من الزوج تسلم بالوطء، أما في الصورة الثانية فقد وقع تسليم من الزوج وتسليم من الزوجة فلذا صار الصداق المملوك لها في حوزتها فليس له طلب رده، ولذا قلنا: إذا وقع منه هو تسلم بالوطء لم يكن لها حق في المنع بعد ذلك، ولكن بعد تسليم المهر له الحق في المطالبة بها هي ولها الحق في الإمهال في أمور.
    أحدها: المهلة للتنظيف، فإذا طلبت هي، أو وليها مهلة لذلك وجب أن تمهل ثلاثة أيام، فإن رضي بها الزوج فذاك، وإلا يقدرها القاضي. ثانيها: إذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء فتمهل حتى تطيق، فإن ادعى الزوج أنها صارت تطيق وقال الولي: لا، عرضت على أربع نسوة أو على رجلين محرمين أو مجبوبين للفصل في أنها تطيق أو لا. على أن الشافعية قد ذكروا - في التيمم وغيره - أنه يعمل برأي الطبيب العدل، فلا مانع من العمل برأي طبيبين ومع ذلك فإن التصريح بجواز حكم أربع نسوة غير طبيبات يدل على أن رأي الطبيبات أجل وأقوى، ولا نفقة لها مدة عدم الإطاقة.
    ثالثها: أن تكون مريضة فتمهل وجوباً حتى تبرأ ولا نفقة لها. رابعاً: أن تكون ذات هزال عارض، فيجب أن ينتظر زواله، ولا نفقة لها أيضاً أما الهزال الطبيعي فإنه لا يكلف انتظار زواله، لأنه قد يطول، ولا تتضرر الهزيلة من الدخول.
    وحبذا لو وكل أمر الفصل في ذلك للطبيب العادل. أو الطبيبات الصالحات. مادامت العلة الضرر إذ قد يجوز أن يكون الدخول من أسباب الصحة، ولكنني لم أره في كتب الشافعية. وقد صرحوا بأنه يكون للزوج أن يستلم الزوجة وهي صغيرة لا تطيق، أو مريضة، أو ذات هزال عارض ولعل السر في اشمئزاز الزوج ونفرته من أول الأمر، فلا توجد بينهما المودة والرحمة، وهما الأساس الذي تبنى عليه علاقة الزوجية.
    الحنابلة - قالوا: للزوجة قبل الدخول أن تمنع نفسها من الدخول. والخلوة. والوطء وغير ذلك من حقوق الزوجة حتى تقبض مقدم صداقها. ولها النفقة قبل قبض الصداق في حال المنع، أما بعد القبض فليس لها منع نفسها، وتسقط نفقتها بالمنع، فإن سلمت نفسها طوعاً لا كرهاً قبل أن تقبض مقدم الصداق ثم أرادت أن تمنع نفسها لم تملك، فإن امتنعت بعد تسليم نفسها طوعاً، فلا نفقة لها مدة الامتناع، وإذا سكنت معه في منزل واحد بعد العقد. فلم يطلبها ولم تبذل نفسها، فلا نفقة لها أيضاً، كما سيأتي في النفقة.
    فإن كان الصداق مؤجلاً ولم يحل موعد الأجل أو حل قبل تسليم نفسها، فلا تملك منع نفسها بعد ذلك، كما يقول الشافعية، وذلك لأن رضاها بالتأجيل أوجب عليها تسليم نفسها، فحلول الأجل قبل التسليم لا يرفع الوجوب.
    وإذا تنازعا قبل الدخول في أيهما يبدأ، فقال الزوج: لا أعطيها المهر حتى تسلم نفسها وقالت الزوجة: لا أسلم نفسي حتى يعطيني الصداق أجبر الزوج أولاً على الدفع، وأجبرت الزوجة بعد القبض على تسليم نفسها، فإذا أعطاها الصداق وأبت تسليم نفسها بلا عذر فللزوج استرجاعه. خلافاً للحنفية. والمالكية القائلين: إنه لا حق للزوج في استرجاع الصداق. ووفاقاً للمالكية والحنفية القائلين: بإجبار الزوج على دفع الصداق أولاً.
    أما الشافعية فقد فصلوا، فقالوا: يجبر الزوج على وضع الصداق عند عدل، وتجبر المرأة على التسليم، ومتى مكنت أخذت الصداق، فإن امتنعت عند الوطء كان له الحق في الاسترجاع في هذه الحالة، أما إذا أعطاها الصداق باختياره، وسلمت له نفسها ولكن لم يطأها، ثم امتنعت بعد ذلك، فليس له حق في الاسترداد - ارجع إلى مذهبهم -.
    وإنما ذكرنا ذلك هنا للمقابلة تسهيلاً للمحصل، ولا تجبر الصغيرة التي لا تطيق الجماع، بل يجب على الزوج إمهالها، ولو قبضت المهر، وهي ما دون تسع، وإذا قال الزوج: إن وطأها لا يؤذيها فعليها أن تثبت أنه يؤذيها بالبينة، فإذا كانت سن تسع سنين وجب تسليمها للزوج، ولو كان بها هزال طبيعي ليعيش معها في بيته ما لم تشترط الإقامة في دارها. أو دار أبيها، فإنه يعمل بالشرط، وكذلك لا تجبر المحرمة بالنسك على التسليم. ولا المريضة، ولا الحائض، ولو قال: لا أطؤها حتى تطهر من الحيض، وإذا طلبت الزوجة مهلة وجب إمهالها بما جرت به العادة، أما الإمهال لعدم الجهاز فإنه لا يجب، ولكن يستحب إمهال الغنية) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #184
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 148 الى صــــــــ
    156
    الحلقة (184)

    مبحث إذا عجز الزوج عن دفع الصداق

    -إذا عجز الزوج عن دفع مقدم الصداق، كان للزوج الحق في طلب فسخ العقد بشروط مفصلة في المذاهب
    (1) .
    مبحث للزوج أن يسافر بزوجته
    -للزوج أن يسافر بزوجته من جهة إلى أخرى، إذا كان مأموناً عليها، وكانت الجهة التي يسافر إليها مأمونة، على تفصيل المذاهب
    (2) .
    مبحث اختلاف الزوجين في الصداق
    -إذا اختلف الزوجان في الصداق تنازعا، فلا يخلو إما أن يكون الاختلاف في تسمية المهر، بأن يدعي أحدهما أن المهر مسمى، ويدعي الآخر عكسه، أو في قدر المهر، سواء كان نقداً أو مكيلاً، أو موزوناً. بأن قال أحدهما: عشرون، وقال الآخر: عشرة، أو في جنسه، كأن قال أحدهما: جمال، وقال الآخر: حمير، والمراد بالجنس عند الفقهاء الجنس اللغوي. فيشمل النوع لأن الجمال والحمير نوعان للحيوان، وإذا شئت مثالاً لاختلاف الجنس المنطقي فهو أن يقول أحدهما: إن المهر طعام. ويقول الآخر: إنه حيوان. أو اختلفا في صفته. كأن قال أحدهما: هو قمح أسترالي. وقال الآخر: هو قمح هندي. أو اختلفا فيما يستقر به الصداق. كأن قالت الزوجة: إنه خلا بها، أو وطئها. وفي كل هذا تفصيل المذاهب
    (3) .
    __________


    (1) (الحنفية - قالوا: إذا عجز الزوج عن دفع المهر، أو النفقة بجميع أنواعها، فلا حق للزوجة في فسخ الزواج بذلك على أي حال، وإنما لها الحق في منع نفسها منه، وعدم التقيد بإذنه في السفر والخروج. ونحو ذلك، مما سيأتي بيانه في النفقات.
    المالكية - قالوا: إذا طالبته المرأة التي لها حق المطالبة بالصداق الذي يجوز تأخيره، وهو الصداق المضمون في الذمة الذي لم يعين، على ما تقدم بيانه، قبل الدخول بها، فادعى أنه معدم عاجز عن دفع الصداق، فإن ذلك يكون على وجهين:
    الوجه الأول: أن تثبت دعواه بالبينة. أو تصديق الزوجة. الوجه الثاني: أن لا تثبت، فإذا رفع الأمر للقاضي وثبت أنه معسر بالبينة. أو بتصديقها فإنه لا يجبر على الدفع، بل ينظر إلى ميسرة، وتحديد الزمن الذي يؤجل فيه موكول لاجتهاد القاضي، فله أن يؤجله سنة. أو أقل. أو أكثر، لا فرق في ذلك بين أن يكون الزوج ممن يرجى يساره. أو لا على الصحيح. لأن اليسار موكول للظروف، فلا يمكن الجزم بأن هذا لا يرجى له يسار، فإذا عجز بعد ذلك طلق القاضي عليه أو تطلق المرأة نفسها
    والقاضي يحكم به. وللقاضي أن يحكم بطلاقها من أول جلسة بدون تأجيل على الظاهر، ويشترط في التطليق على المعسر أن يكون قبل الدخول، أما بعد الدخول فلا طلاق على المعسر بالصداق على أي حال، وإذا طلقت كان لها نصف الصداق ترجع به عليه إذا تيسر، وكذا إذا غلب على الظن إعسار الزوج وإن لم يثبت بينة. أو بتصديق الزوجة فإنه ينتظر إلى ميسرة بدون تأجيل لاثبات العسر، لأن غلبة الظن كافية في ثبوت الإعسار.
    أما حكم الوجه الثاني: وهو أن لا تصدقه على دعواه الإعسار. ولا بينة له ولم يغلب على الظن إعساره، ففي هذه الحالة يؤجل القاضي الفصل في الدعوى لإثبات عسره، ومدة الأجل موكولة لاجتهاده، وقدرت بثلاثة أسابيع، فإن ثبت عسره انتظر بعد ذلك مدة أخرى يرجى فيها يساره.
    وقد عرفت أن تحديدها موكول للقاضي، فإن عجز طلق عليه القاضي، على الوجه السابق ولكن يشترط للتأجيل لإثبات العسر شروط.
    الشرط الأول: أن يأتي بضامن - ضمان وجه لا ضمان مال، وهو ما يضمن الشخص خوف هروبه - فإن لم يأت حبس لإثبات عسره.
    الشرط الثاني: أن لا يكون له مال ظاهر، فإن كان له أخذ منه حالاً. الشرط الثالث: أن يكون قد أجرى عليها النفقة من وقت مطالبته بالدخول، فإن لم ينفق عليها من ذلك الحين، فلها فسخ العقد لعدم النفقة، مع عدم الصداق على الراجح.
    الشافعية - قالوا: إذا عجز الزوج عن دفع المهر بإعساره، فإن صبرت الزوجة عليه فذاك وإلا فلها فسخ الزواج بشروط:
    الأول: أن تكون حرة، فلا حق للأمة في الفسخ بإعسار الزوج، بل الحق في ذلك لسيدها إن شاء فسخ. وإن شاء لم يفسخ، وليس له الحق في الفسخ، من أجل الإعسار بالنفقة، كما سيأتي في النفقات. الثاني: أن تكون بالغة، فلا حق للصغيرة في الفسخ، وإنما الحق لوليها، وليس لها الحق في الفسخ بالنفقة، لأن ذلك من اختصاص الزوجة، إذ قد ترضى بالجوع ولا تحب أن تفارق زوجها. الثالث: أن يكون ذلك قبل الوطء، أما إذا مكنته من الوطء باختيارها، فلا حق لها في الفسخ. الرابع: أن يثبت إعساره بإقرار. أو بينة عند قاض، وإلا فلا فسخ إلا إذا كان الزوج غائباً وانقطع خبره ولا مال له حاضر، فإنه يفسخ بدون إمهال لإثبات إعساره. الخامس: لا بد من رفع الأمر إلى القاضي، فلا يصح الفسخ إلا منه. أو من المرأة بإذنه، والقاضي يمهله ثلاثة أيام ليثبت إعساره، وإلا إذا كان غائباً غيبة منقطعة، ولا مال له، كما ذكرنا، فإنه لا يمهل. ثم يفسخ القاضي صبيحة اليوم الرابع، إلا إذا جاء وسلم المهر، وسيأتي لذلك مزيد في النفقات.
    الحنابلة - قالوا: إذا ثبت إعسار الزوج. وعدم قدرته على دفع المهر، فلها فسخ النكاح بشروط: أحدها أن تكون مكلفة، فإذا كانت صغيرة فليس لها ذلك، وكذا ليس لوليها، خلافاً للشافعية، ومثل
    الصغيرة المجنونة، ثانيها: أن تكون حرة، فإن كانت أمة كان هذا الحق لسيدها: كما يقول الشافعية. ثالثها: أن لا تكون عالمة بعسره، فإن تزوجته وهي عالمة بأنه معسر فلا حق لها في الفسخ. رابعها: أن يصدر الفسخ من الحاكم، فليس للمرأة الفسخ من تلقاء نفسها ولها الحق في الفسخ ولو بعد الدخول الوطء، خلافاً للمالكية، والشافعية) .
    (2) (الحنفية - قالوا: اختلفت الفتوى في مسألة سفر الزوج بزوجته، فأفتى بعضهم بأنه ليس له السفر بها مطلقاً، وعلل ذلك بمظنة الضرر الذي يلحق المرأة حال غربتها وبعدها عن أهلها وعشيرتها، وأفتى بعضهم بجواز السفر بها إذا كان مأموناً عليها. وصاحب هذه الفتوى أيدها بكونها ظاهرة الرواية.
    وبعضهم قال: أن الأحوال قد تختلف اختلافاً بيناً، فتارة يترتب على السفر بالمرأة إيذاء لها، وتارة يكون السفر مع زوجها لازماً لضروريات الحياة، كما إذا كان موظفاً في جهة بعيدة عن وطنها. أو كان له ملك بعيد لا يثمر إلا بمباشرته. أو نحو ذلك، فإنها إذا لم تسافر معه يتضرر هو لا هي، ولهذا ينبغي أن يترك تقدير ذلك للمفتي، فهو يفتي بحسب تطور الأحوال ومناسبتها.
    وإنني أرى الخلاف في ذلك لفظاً، لأن الذي قال: ليس له السفر بها علله بالمضرة التي تلحقها، والذي قال: إنه يجوز السفر بها شرطه بأن يكون الرجل مأموناً عليها، يعرف حقوق الزوجية وواجباتها والدفاع عن عرضه، وليس شريراً. ولا فاسد الأخلاق. ولا فاسقاً، وإلا لم يكن مأموناً عليها، ومتى كان كذلك فأي ضرر يلحقها؟ فلا فرق حينئذ بين القولين، ومن قال: إن الأمر موكول للمفتي. أو القاضي، فإنه رأى أن تقدير الحالتين منوط به، فإن وجده غير مأمون ويلحقها ضرر لا يجوز أن يفتي له بالسفر، وإلا جاز، على أن وجود المرأة بين أهلها وعشيرتها لا يصلح مقياساً عاماً، لأننا إذا فرضنا أن المرأة ليس لها أهل وعشيرة في بلدها التي ولدت بها، ولها أهل وعشيرة في بلد بعيدة عنها، كما إذا كانت مولد في مصر وتوفي أبوها، ولها عشيرة في أصوان، فهل يقال: إنه ينبغي أن يعاشرها بين أهلها وعشيرتها في أصوان؟! وذلك كثير، نعم قد قال: إذا كانت في مصر ونقلت إلى قرية فإنها تتضرر بالنقل، لما يترتب على ذلك من اختلاف معيشتها، فتعيش منغصة زمناً طويلاً، لأن الانتقال من المظاهر الجميلة إلى غيرها يشبه أن يكون حبساً، فلذا قالوا: إنه لا ينقلها من المصر إلى قرية إلا إذا كانت ضاحية من ضواحي المصر، ومعنى هذا أنه إذا نقلها إلى بلدة بها حضارة، كالمراكز، المديريات، فلا وجه للاعتراض، على أن الصواب الإفتاء بالسفر مطلقاً من المصر إلى القرية، وبالعكس، ما دام في ذلك مصلحة، وما الزوج مأموناً عليها، والجهة المنقولة إليها مستتب فيها الأمن، أما إذا كان الزوج فاسقاً لا يؤمن على عرضه. أو كان شريراً يؤذيها بيده ولسانه.
    أو يضيق عليها
    في الإنفاق، أو نحو ذلك، فإنه لا يصح أن يفتى له بسفرها وليس من المصلحة اتباع الهوى والشهوة، وترك المصلحة الحقيقية التي يترتب عليها سعادة الزوجين والذرية.
    المالكية - قالوا: للزوج أن يسافر بزوجته إلى الجهة التي يريد، سواء دخل بها، أو لم يدخل، ولكن إذا لم يكن قد أعطى لها صداقها، وأراد أن يخرج بها قبل الدخول، فلها منع نفسها من السفر معه حتى يعطيها ما حل من صداقها، إن كان قد دخل بها، فإن كان موسراً، فلها أيضاً منع نفسها حتى يدفع لها معجل صداقها، أما إن كان معدماً لا يملك الصداق، لها أن تمنع نفسها، ويكون الصداق ديناً عليه، هذا إذا دخل بها تمكنه من الوطء، أما إذا مكنته من الوطء، فليس لها أن تمنع نفسها من السفر معه بعد ذلك، سواء وطئها بالفعل، أولا. وسواء كان موسراً، أو معسراً. وهذا هو الظاهر.
    وقد صرحوا بأن التمكين من الوطء مثل الوطء، ثم إنما يصح أن يسافر بها إلى بلد أخرى بشروط: أحدهما أن يكون حراً، فلا يمكن العبد من السفر بامرأته، ولو أمة. ثانيها: أن تكون الطريق مأمونة. ثالثاً: أن يكون الرجل مأموناً عليها، رابعها: أن تكون البلد قريبة بحيث لا ينقطع خبر أهلها عنها ولا خبرها عن أهلها، لا فرق في ذلك بين أن يكون الزوج موسراً أو معسراً.
    الحنابلة - قالوا: للزوج السفر بزوجته الحرة إلى الجهة التي يريد بشرط أن يكون مأموناً عليها. وأن تكون الجهة التي يسافر إليها غير مخوفة لم تشترط الزوجة عدم السفر بها، فإن اشترطت فإنه يوفي لها بالشرط. وإن لم يوف لها الشرط كان لها الفسخ.
    الشافعية - قالوا: للزوج أن يسافر بزوجته متى كان مأموناً عليها، وإذا امتنعت عن السفر معه كانت ناشزاً لا تستحق نفقة ولا غيرها، إلا إذا كانت معذورة لمرض، أو حر، أو برد لا يطيق معهما السفر، أو ضرر يلحقها بالسفر معه، ولو كان سفره معصية. لأنه لم يدعها إلى المعصية وإنما يدعوها لاستيفاء حقه) .
    (3) (الحنفية - قالوا: الاختلاف في المهر على ثلاثة أحوال: الحال الأول: أن يختلفا في تسمية المهر بأن يدعي أحدهما تسمية المهر. وينكر الآخر. وفي ذلك صور. الصورة الأولى: أن يختلفا وهما على قيد الحياة حال الطلاق بعد الدخول. أو الخلوة. فإذا قال الزوج: سميت لها عشرة جنيهات مثلاً. وقالت هي: لم يسم لي مهراً كلف الزوج الإثبات. فإن عجز حلفت الزوجة بأنه لم يسم لها عشرة. وثبت لها مهر المثل شرط أن لا ينقص عن العشرة التي اعترف بها الزوج. وكذا إذا ادعت هي أنه سمى لها عشرين. وهو أنكر فإنها تكلف الإثبات. فإذا عجزت حلف الرجل بأنه لم يسم لها عشرين. فإن حلف ثبت لها مهر المثل. بشرط أن لا يزيد على العشرين التي ادعتها. وإن نكلت عن اليمين في الصورة الأولى. أو نكل هو عن اليمين في الثانية ثبت ما ادعاه أحدهما.
    فإن قلت: إن المنقول عن أبي حنيفة أن المنكر لا يحلف في النكاح، ومقتضى هذا أنه متى عجز المدعي عن الإثبات ثبت حق المنكر بدون يمينه. والجواب: أن أبا حنيفة قال: لا يحلف المنكر في أصل النكاح، سواء كان المراد به العقد، أو الوطء. أما الذي هنا فهو خلاف في المهر وهو مال فيه الحلف بالإجماع.
    الصورة الثانية: أن يختلفا في حياتهما حال الطلاق قبل الدخول، أو الخلوة. وفي هذه الصورة إذا ثبت أن المرأة لم يسم لها صداق بأن عجزت عن إثبات التسمية وحلف أنه لم يسم لها شيئاً لم يكن لها سوى متعة المثل، وقد تقدم بيانها.
    الصورة الثالثة: أن يقع الخلاف بعد موت أحدهما، فإذا ماتت هي وادعى الزوج أنه سمى لها عشرة، وأنكر الوارث كلف المدعي الإثبات، فإن عجز حلف الوارث، وثبت لها مهر المثل، كما هو الحال في الطلاق بعد الدخول، وكذا إذا مات الزوج وادعت هي التسمية.
    الصورة الرابعة: أن يموتا معاً، ويختلف الورثة في التسمية، وفي هذه الصورة رأيان: أحدهما: قول أبي حنيفة، وهو - أن القول لمنكر التسمية، ولا يقضي لها بشيء - الثاني: قول صاحبيه، وهو - أنه يقضى لها بمهر المثل - قالوا: وعليه الفتوى.
    الحال الثاني: أن يختلفا في قدر الصداق إذا كان ديناً موصوفاً في الذمة، سواء كان نقداً من ذهب. أو فضة. دراهم. أو دنانير. أو جنيهات. أو نحو ذلك. أو كان مكيلاً أو موزوناً. أو معدوداً، فمثال الاختلاف في النقد أن يقول الزوج: أن المهر ألف، وتقول الزوجة: أنه ألفان، ومثال الاختلاف في الموزون أن يقول: إن المهر عشرون قنطاراً من عسل النحل المصفى، وتقول هي: إنه ثلاثون، ومثال الاختلاف في المعدود أن يقول: تزوجتك على عشرين إردَبّاً من القمح البعلي، وتقول هي على
    ثلاثين، ومثال الاختلاف في المعدود أن يقول: تزوجتك على ألفين من الرمان، وتقول هي: بل على أربعة آلاف، وهذا، وحكم الاختلاف في قدر المهر في كل هذه الأمور واحد، وفي هذا الحال الثاني صور:
    الصورة الأولى: أن يقع الخلف بينهما حال قيام الزوجية، سواء دخل بها أو لم يدخل.
    الصورة الثانية: أن يقع الخلف بينهما بعد الطلاق والدخول، وحكم هاتين الصورتين واحد، فإذا اختلفا قدر النقد، كأن قال: تزوجتها على مهر قدره ألف وهي قالت: قدره ألفين. فإن لذلك ثلاثة أحوال: الأول أن يكون مهر المثل موافقاً لقولها. الثاني: أن يكون موافقاً لقوله. الثالث: أن لا يكون موافقاً لقول واحد منهما، بل ألفاً وخمسمائة، وقد عرفت أنها تقول: ألفين، وهو يقول: ألف،
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #185
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 148 الى صــــــــ
    156
    الحلقة (185)

    وحكم الأول، وهو - ما إذا كان مهر المثل موافقاً لقولها - أن القول يكون لها بعد أن تحلف اليمين، بمعنى أنها تحلف أنه ما تزوجها على ألف، كما يدعي، وتستحق الألفين، فإن نكلت عن اليمين كان لها الألف التي ادعاها، فإن أقامت بينة على دعواها قبلت منها وقضي لها بها، وإن أقام هو بينة على دعواه الألف فقط قبلت منه أيضاً، ولكن في هذه الحالة تقدم بينة الزوج على بينتها، وذلك لأن الظاهر معها، وهو أن مهر مثلها موافق لدعواها، والزوج يريد أن يثبت خلاف الظاهر وأنها رضيت بالألف التي هي دون مثلها. فتتقدم ببينة،
    وحكم الثاني وهو - ما إذا كان مهر المثل موفقاً لقوله - أن القول قوله بيمنه بأن يحلف ما تزوجها على ألفين، ويقضى لها بالألف، فإن نكل عن اليمين قضي لها بالألفين، وأيهما جاء ببينه تسمع. إلا أن بينتها في هذه الحالة تقدم على بينته. عكس الأولى، لأن الظاهر مع الزوج، والبينة تثبت خلاف الظاهر،
    وحكم الثالث، هو - ما إذا كان صداق مثلها مخالفاً لهما معاً، كأن كان ألفاً وخمسمائة - أنهما يتحالفان. بأن يحلف كل منهما، فيحلف الزوج أنه ما تزوجها على ألفين، وتحلف هي أنه ما تزوجها على ألف بل ألفين، فأيهما نكل عن اليمين لزمته دعوى الآخر، وقيل: إن نكل الزوج لزمته ألف وخمسمائة. وهو صداق المثل.
    والأول أظهر، وإن حلفا معاً قضي بمهر المثل، وهو ألف وخمسمائة، وإذا أقام أحدهما بينه على دعواه قبلت فإن أقام كل منهما بينه شهدت له قضي بمهر المثل، وهو ألف وخمسمائة.
    وحاصل ذلك أنه إذا لم تكن لأحدهما بينة تثبت دعواه تحالفا، فإن حلف أحدهما، ونكل الآخر قضى بدعوى الحالف. وإن حلفا معاً قضي بمهر المثل، وإن أقاما بينة معاً قضي بمهر المثل.
    ويجري هذا التفصيل بعينه فيما إذا اختلف في عين مكيلة. أو موزونة. أو معدودة.
    الصورة الثالثة: أن يختلفا بعد الطلاق وقبل الدخول، وفي هذه الحالة لا يخلو إما أن يكون الصداق المختلف فيه معيناً حاضراً، كهذا الحيوان، وأما أن يكون ديناً موصوفاً في الذمة كالنقود. والمكيلات، والمعدودات والموزونات التي تقدم ذكرها، فإن كان معيناً ورضي الزوج بإعطائها نصفه فذاك، وإلا فلها المتعة اللائقة بها - بدون تحكيم - متعة المثل، وإن كان ديناً فلها المتعة - بتحكيم - متعة المثل، هذا إذا لم تستطع إثبات دعواها بالبينة، وإلا فلها نصف الصداق الذي تثبته.
    الصورة الرابعة: أن يموت أحدهما ويقع الخلاف بين الآخر والوارث في الصداق، وحكم هذا حكم الاختلاف في حال الحياة بلا فرق.
    الصورة الخامسة: أن يموت الزوجان، ويقع بين الخلاف بين الورثة في مقدار المسمى، وحكم هذه الصورة أن القول لورثة الزوج.
    الحال الثالث: أن يختلفا في جنس المسمى، كأن يقول: تزوجتك على عشرين إردَبّاً من الشعير، وهي تقول: بل من القمح، أو يقول: تزوجتك على هذا الثور، وهي تقول: بل على هذه البقرة الحلوب. أو نحو هذا.
    الحال الرابع: أن يختلفا في وصفه، كأن يقول: إنه قمح غير جيد، وهي تقول: إنه جيد، أو يختلفا في نوعه، كأن تقول: قمح بعلي، وهو يقول: أسترالي، وفي هذه الحالة إذا كان الصداق معيناً، كهذا الثوب. أو هذه الصبرة من القمح، واختلفا، وقالت: تزوجتك على هذا الثوب بشرط أنه عشرون ذراعاً، ولكنه نقص، أو على هذه الصبرة من القمح بشرط أن تكون من القمح البعلي، فإن القول في هذه الحالة للزوج بدون يمين. أو تحكيم مهر المثل بالإجماع، أما إذا كان الصادق ديناً موصوفاً في الذمة، فالاختلاف في جنسه أو نوعه أو صفته يكون حكمه حكم الاختلاف في أصله.
    المالكية - قالوا: التنازع في الصداق له ثلاثة أحوال.
    الأول: أن يختلفا قبل الدخول. وقبل الفراق بطلاق. أو موت، وفيه ثلاثة صور:
    الصورة الأولى: أن يختلفا في قدر المهر، ولا إثبات مع أحدهما، كأن يقول: عشرة، وتقول هي عشرين.
    الصورة الثانية: أن يختلفا في صفته، بأن يقول أحدهما: جنيهات مصرية، ويقول الآخر: بل هي جنيهات - وبنتو - مثلاً، أو يقول أحدهما: قمح بعلي، ويقول الآخر: قمح هندي. وحكم هاتين الصورتين واحد، وهو أنهما يحلفان، فكل يحلف على ما ادعاه إن كانا رشيدين، وإلا حلف الولي، وبعد ذلك يفسخ النكاح بطلاق، ويقع ظاهراً، وباطناً، وكذا إذا نكلا معاً، فإنه يفسخ العقد بطلاق، أما إذا حلف أحدهما، ونكل الآخر، فإنه يقضى بدعوى الحالف، وتبدأ بالحلف الزوجة، هذا إذا كانت دعوى كل واحد منهما في القدر أو الوصف تشبه المعتاد المتعارف بين أهل بلديهما، أما إذا كانت دعوى أحدهما تشبه المتعارف، والآخر لا تشبه، فالقول لمن أشبه بيمينه، فإن نكل بعد توجيه اليمين عليه، حلف الآخر، ويقضى لمن حلف، ولا يفسخ.
    الصورة الثالثة: أن يختلفا في الجنس، والمراد بالجنس الجنس اللغوي الذي يشمل النوع ومثال الأول أن يقول: تزوجتها على قمح، وهي تقول: بل تزوجني على خيل، ومثال الثاني أن يقول: تزوجتها على شياه، وهي تقول: بل تزوجني على نياق، فإن جنس النياق، والشياه واحد وهو الحيوان، ولكن النوع مختلف، فهما نوعان منطقيان، وجنسان لغويان، فإذا اختلفا في الجنس قبل الدخول فسخ
    النكاح مطلقاً، لا فرق في ذلك بين أن يحلفا معاً، أو يحلف أحدهما. أو يمتنعا عن الحلف. أو يشبها معاً. أو يشبه أحدهما الآخر، ما لم يرض أحدهما بقول الآخر، فإنه لا فسخ مع الرضا.
    الحال الثاني: أن يختلفا بعد الدخول، وهما على قيد الحياة، سواء كان ذلك بعد الطلاق. أو قبله، وتحته صورتان:
    الصورة الأولى: أن يختلفا في قدر الصداق. أو صفته، وليس مع أحدهما ما يثبت دعواه، وحكم هذه الصورة أن القول للزوج بيمينه، فإن نكل حلفت هي، وقضي بقولها، فإن نكلت أيضاً قضي له، ويعمل في هذه الصورة بقول الزوج، وإن لم يشبه المعتاد عند أهل البلد، وذلك لترجح قوله بتمكينها له من نفسها، خلافاً لمن قال: يعمل بقوله إن أشبه.
    الصورة الثانية: أن يختلفا في جنس الصداق، وفي هذه الحالة يحلفان، فإن حلف أحدهما، ونكل الآخر قضي للحالف، وإن حلفا معاً. أو نكلا معاً لزم الزوج مهر المثل جميعه في هذه الحالة، لأن المفروض أنه دخل بها.
    وحاصل هذه المسألة أن الخلاف في الجنس قبل الدخول. وقبل الطلاق. والموت يوجب فسخ النكاح مطلقاً، سواء حلفا أو حلف أحدهما، أو نكلا، وسواء أشبه قولهما، أو قول أحدهما أو لم يشبه، أما بعد الدخول فإنه يجب مهر المثل، على ما هو مبين، وأن الاختلاف في القدر والصفة قبل الدخول يوجب صدق قول من انفرد منهما، يكون قوله مشبهاً للمتعارف بيمينه، فإن أشبها معاً أو لم يشبها حلفا، وفسخ النكاح ما لم يرض واحد منهما، وان الاختلاف في القدر. أو الصفة بعد الدخول يوجب صدق الزوج بيمينه، ويشترط أن يكون مهر المثل مساوياً لما ادعته، فإن كان أكثر أعطيت ما ادعت. وكذا أن لا يكون أقل مما ادعاه الزوج.
    الحال الثالث: أن يختلفا بعد الطلاق. أو يموت أحدهما، ويختلف الآخر مع الوارث. أو يموتا معاً ويقع النزاع بين الورثة، وحكم هذه الحالة كحكم الاختلاف بعد البناء، إلا أنه إذا كان النزاع بعد الطلاق قبل الدخول في الجنس، وتحالفا، فحلفا أو نكلا، وجب نصف مهر المثل لا جميعه.
    هذا، ومتى رد الزوج مهر المثل ثبت النكاح حسناً حال الدخول، وحكماً حال الطلاق والموت بمعنى أن أحكامه ثبتت من إرث وغيرهما هو المعتمد.
    الشافعية - قالوا: الاختلاف بين الزوجين. أو بين الزوج والولي. أو بين الوليين أو بين وكيل أحدهما أو بين وكيليهما أو بين أحد هؤلاء وبين الورثة إذا مات الآخر أو بين ورثتهما إذا ماتا معاً يكون على وجوه. أحدهما: أن يختلفا في أصل التسمية، كأن تدعي أنه لم يسم لها صداقاً، وهو ينكر ويدعي أنه قد سمى.
    ثانيها: أن يختلفا في قدره، كأن تقول: تزوجني على مائة، وهو يقول: على خمسين.
    ثالثها: أن يختلفا في جنسه، كأن تقول: تزوجني بمائة جنيه، وهو يقول: بمائة ريال.
    رابعها: أن يختلفا في صفته، كأن تقول: تزوجني على عشرين إردَبّاً من القمح الجيد، وهو يقول: تزوجتها على عشرين رديئة، أو يختلفا في حلوله وتأجيله، كأن يقول: تزوجتها على مائة مؤجلة، وهي تقول: بل معجلة، وحكم هذه الصور جميعها واحد، سواء كان قبل الوطء، أو بعده، وهو أنه إذا وقع النزاع في صورة من هذه الصور، ولم يكن لأحدهما بينة تثبت مدعاه، أو كان لكل منهما بينة، ولكن تناقضتا، كأن أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى، أو أطلقتا ولم تؤرخا، فإنه يجب أن يتحالفا، ويبدأ بالزوج. فإن نكل أحدهما قضي للآخر بدعواه.
    وكيفية حلف الزوجين البالغين الرشيدين أن يحلفا على مدعاهما بطريق القطع، بأن تقول: والله ما تزوجني بمائة بل بمائتين، وهو يقول: والله ما تزوجتها بمائتين بل بمائة.
    أما الصغيرة، أو المجنونة فيحلف عنها وليها بطريق الجزم أيضاً، فإذا بلغت الصغيرة، أو برئت المجنونة، قبل الحلف حلفتاهما دون الولي، وإذا وقع الخلاف بين الولي وبين الزوج، وكانت الزوجة بكراً بالغة حلفت الزوجة دون الولي لأن المهر عائد إليها.
    وكيفية حلف الوارث أن يحلف على نفي العلم، بأن يقول وارثه: والله لا أعلم أن مورثي تزوجها بخمسمائة كما تدعي، بل تزوجها بمائتين، ويقول وارثها: والله لا أعلم أن مورثتي تزوجها بمائتين كما يدعي، بل بخمسمائة.
    وكيفية حلف الولي أن يحلف بأن عقده وقع على خمسمائة لا على مائتين، فهو يحلف على الفعل الصادر منه، ويثبت المهر للزوجة ضمناً فلا يرد لأن الشخص لا يستحق شيئاً بيمين غيره فكيف تستحق المهر بيمين وليها؟! والجواب أنه لم يحلف على أن موليته تستحق المهر، وإنما يحلف على أنه عقد بمهر كذا، فهو حلف على الفعل لا على الاستحقاق، فإن نكل الولي عن الحلف، وحلف الزوج، فهل يقضى للزوج بيمينه. أو ينتظر بلوغ الصغيرة لتحلف. أو تنكل؟ وجهان، ورجح الثاني، وهو انتظار بلوغ الصغيرة.
    فإن قلت: هل تحلف الصغيرة على نفي العلم، أو تحلف على ثبوت دعواها، ونفي دعوى الزوج جزماً؟ الجواب: أن في هذه المسألة وجهين أيضاً، والمناسب أن تحلف على نفي العلم، بأن تقول: والله لا أعلم أن وليي زوجني بمائة بل بمائتين، لأنها في الواقع لم تشهد الحال، ولم تستأذن فلا يسعها أن تحلف جازمة، وهذا بخلاف ما إذا كانت بكراً بالغة، ووقوع الحلف بين الزوج والولي، فإنها تحلف على الدعوى بطريق الجزم والقطع، لأن العقد إن كان قد باشره الولي، ولكن بعد استئذانها، فهي مشاهدة للحال.
    والحاصل أن الزوجين البالغين يحلفان على أصل الدعوى بطريق القطع، والولي يحلف على فعل نفسه.
    وفي كيفية حلف الصغيرة. والمجنونة بعد البلوغ والإفاقة قولان: فبعضهم يقول: إنهما يحلفان
    بطريق الجزم لا بنفي العلم، وبعضهم يقول: بل يحلفان بنفي العلم، والرأي الثاني لجمع من المتقدمين وهو الظاهر المناسب.
    ثم بعد عجز أحد المتنازعين عن إثبات دعواه وتحالفهما يفسخ المهر المسمى ويثبت للزوجة مهر مثلها في حالة ما إذا كان النزاع في تسمية المهر، ولها جميعه إن وقع الخلاف بعد الوطء ونصفه إن كان قبله فإن كان النزاع في قدر المهر، كأن ادعت أنه مائة، وهو ادعى أنه تسعون مثلاً، كان لها مهر مثلها، ولو زاد على ما ادعته بأن كان مائة وخمسين.
    وإذا وقع النزاع بين الزوج، وبين الولي في قدر الصداق، كأن قال الولي: هو مائتان، وقال الزوج هو مائة وخمسون، وكان مهر المثل يساوي مائتين وخمسين، فقيل: يتحالفان وجوباً، فإن نكل الزوج حلف الولي ويقضى له بدعواه، وقيل: يقضى بمهر المثل، والتحقيق أن للولي تحليف الزوج، إذ ربما ينكل، فيحلف الولي وتثبت دعواه، فإن ادعى الزوج قدراً مساوياً لمهر المثل، فإن كان مساوياً لقول الولي، فالأمر ظاهر، لأنه يوافق المسمى وتنقطع الخصومة، وإن كان أقل من المسمى رجعت المسألة إلى أن للولي الحق في تحليفه لعله ينكل، فتثبت الزيادة التي في المسمى.
    الحنابلة - قالوا: إذا اختلف الزوجان. أو ورثتهما بعد موتهما. أو زوج الصغيرة ووليها في قدر الصداق، كأن قال: مائة، وقالت: مائتان، أو في عين الصداق، كأن قالت: صداقي هو هذا الثوب، وقال: بل هذا الثوب الآخر. أو في جنسه بأن قال: تزوجتها على إبل: وقالت بل على خيل، أو قال: على قمح وقالت: على ذهب، أو صفته، أو اختلفا فيما يستقر به الصداق من الدخول، والخلوة، والقبلة، والمس والنظر بشهوة، كما تقدم، فادعت الدخول، وأنكر، فإذا لم يكن لأحدهما ما يثبت دعواه كان القول للزوج أو وارثه بيمينه. وذلك لأنه منكر، فلو اختلفا في عين الصداق بأن ادعت أن صداقها هذا الحيوان وهو قال لها: بل هذا الحيوان فقد أنكر الزوج دعواها في عين الصداق، والقول للمنكر بيمينه، وكذا إذا اختلفا في صفته، كأن قالت: تزوجني على قمح هندي، وقال: بل على قمح مصري، فإنه أنكر دعواها، بأن صداقها هو القمح الهندي وكذا إذا اختلفا في الجنس، كأن ادعت أنه تزوجها على كذا من البر، فأنكر وقال: إنه كذا من الشعير، وهكذا، فهو منكر والأصل براءة ذمته من شيء لم يقر به، ولا بينة عليه، فهو منكر غير مقر، ولا بينة، فلا يلزمه إلا اليمين، فإذا نكل قضي لها، وإذا حلف قضي له بقوله أما إذا اختلفا في قبض الصداق بأن ادعى الزوج أنها قبضت الصداق، وأنكرت كان القول لها بيمينها. أو لوارثها إن كانت ميتة، ومثل ذلك ما إذا اختلفا على تسمية المهر بأن ادعى أنه قد سمى لها مائة، وأنكرت لتتوصل بذلك إلى مهر مثلها الزائد عن المائة، وبلا بينة، كان القول قولها بيمينها، فيقضى لها بمهر المثل، ولا فرق في ذلك كله بين أن يختلفا قبل الدخول.
    أو بعده، قبل الطلاق أو بعده، لأن المدار في الفصل بينهما إما على البينة إن وجدت، وإلا فعلى الزوج في بعض الأحوال بأن يكون القول قوله بيمينه، وعلى الزوجة في البعض الآخر، وهو أن يكون القول قولها بيمينها) .
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #186
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 157 الى صــــــــ
    168
    الحلقة (186)


    مبحث في مهر السر والعلانية وهدية الزوج وجهاز المرأة

    -جرت عادة بعض الناس أن يتفقوا على مهر قليل سراً، ويعلنون في العقد مهراً كبيراً، كما جرت العادة بأن يهدي الزوج إلى المرأة بعد العقد وتسمية الصداق هدايا تناسب حالها، وقد يسميها بعض الناس نفقة، وكذا جرت العادة بأن المرأة تدخل بجهاز يناسب حالها، فهل يعتبر عند التنازع مهر السر. أو مهر العلانية؟ وهل تلحق الهدية بالمهر أو لا؟ وهل للزوج أن يطلب بالجهاز. أو لا؟ في ذلك تفصل المذاهب (1) .
    العيوب التي يفسخ بها النكاح ومسائل العنين - والمجبوب - والخصي - ونحوهم
    -العيوب التي توجد في الزوجين تنقسم إلى قسمين (2) : قسم يوجب لكل منهما حق طلب فسخ عقد الزواج بدون اشتراط، وقسم يوجبه إذا اشترطه أحد الزوجين، والأول ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
    __________
    (1) (الحنفية - قالوا: في سرية الصداق. وعلانيته وجهان:
    الوجه الأول: أن يتفقا على قدر المهر في السر من غير عقد، ثم يتعاقدان على مهر أكثر منه في الجهر، وفي هذا الوجه صور:
    الصورة الأولى: أن تكون الزيادة التي زادت في العقد من جنس المهر الذي اتفقا عليه في السر، فإن اتفقا على ذلك بعد العقد، فالمظهر هو الذي اتفقا عليه بدون عقد وأن تنازعا كان المهر هو المذكور في العقد ما لم يبرهن الزوج على أنه مهر سمعة. الصورة الثانية: أن تكون الزيادة من جنس المهر، وفي هذه الحالة إن اتفقا على أن الزيادة التي في العقد للسمعة، فإن كان ما اتفقا على تسميته يساوي مهر المثل فذاك، وإلا لزم مهر المثل.
    الصورة الثالثة: أن يتفقا في السر على أن مهرها مائة جنيه مثلاً، ويتعاقدان على أن لا مهر خوفاً من ضريبة ونحوها، وفي هذه الحالة يكون المهر ما اتفقا عليه.
    الوجه الثاني: أن يعقدا في السر على مهر، ثم يعقدا في العلانية على مهر آخر، مثال ذلك أن يعقدا في السر على مائة جنيه، ثم يعقدا في العلانية على مائتين. أو يقرا بأن الصداق مائتان بدون عقد وفي هذه الحالة إن اتفقا أو أشهدا على ما وقع كان المهر المعتبر هو الذي وقع عليه العقد في السر، وإن تنازعا، ففي المسألة خلاف، وهو أن الصاحبين يقولان، إن المهر هو الذي جرى عليه العقد الأول، وأبا حنيفة يقول: إن اختلاف الجنس وجب ما سماه في الأول. وفي الثاني، على أن الثاني يعتبر زيادة على الأول، فإذا عقد في الأول على مائة ريال، وعقد في الثاني على مائة جنيه اعتبر الجميع صداقاً، وأن الثاني زيادة زادها الزوج، وإذا اتحد الجنس يعتبر الثاني هو المهر فقط مع زيادة عن الأول. مثلاً إذا عقدا في السر على مائة جنيه، وعقدا في العلانية. أو - أقرا بدون عقد - على مائتين كان المهر هو المائتين، لأن الجنس وهو الجنيهات، واحد وتعتبر المائة التي زيدت في العقد الثاني من باب الزيادة على المهر.
    وأما ما جرت العادة من الهدية، فإن لها تفصيلاً، وهو أنها إما أن تكون من المأكولات التي
    تستهلك عادة، كالفاكهة. والسمك. واللحم، وإما تكون من الأعيان التي تدخر، كالسمن والعسل والشاة الحية. وإما أن تكون من الأشياء التي لا تؤكل، ولكن تستعمل عادة في شؤون الزوجة، كالشمع والحناء، وإما أن تكون كسوة ونقوداً منحت في العيد ونحوه فإن كان من النوع الأول، وزعم الزوج أنه محسوب من الصداق وقالت الزوجة: إنه هدية كان القول لها دونه بلا كلام، لأن هذه الأشياء لم تجر العادة بكونها صداقاً، وأما غير المأكولات المستهلكة، فالذي ينبغي أن يتبع فيها ما حققه الكمال، وهو النظر إلى العرف وقد جرى العرف في زماننا على أن كل هذه الأشياء هدية لا مهر، فإذا زعم الزوج أنها مهر ولا بينة له، فالقول فيها للزوجة بيمينها، ومثل ذلك ما يسمونه في زماننا - بالشبكة - وهو أسورة أو خاتم ومعه حلوى أو ثياب منقوشة أو نحو ذلك فإن العرف قد جرى على أنها ليست من الصداق، بل هي مقدمة تهدى للزوجة كي لا تقبل خاطباً آخر، فإذا ادعى الزوج أنها محسوبة من الصداق ولا بينة له على ذلك كان القول للزوجة بيمينها.
    وبالجملة فالحكم في مثل هذه الحالة العرف والعادة، ويعضهم يقول: إن القول قول الزوجة في المأكول المستهلك عادة، كالفاكهة واللحم والسمك. أما في غير ذلك مما ذكر فالقول للزوج بيمينه عند عدم الإثبات، فإن حلف الزوج وكانت الهدية باقية، فللزوجة أن ترجعها وتأخذ مهرها، وإن كانت قد استهلكت حسبت قيمتها وطرحت من المهر، وإن كانت تساوي المهر كله، فلا يرجع واحد منها بشيء، والذي ينبغي أن يعمل به في زماننا هو الرأي الأول، وهو النظر إلى العرف، فإن كان جارياً على أن الهدايا غير المهر عمل به، وكان فيه القول للزوجة عند عدم الإثبات.
    أما مسألة الجهاز فإن الصحيح الذي لا ريب فيه أن كل شيء يذكر مهراً ويقع التعاقد عليه بصفته مهراً فإنه لا مقابل له إلا نفس الزوجة دون شيء آخر مهما كان كثيراً فإذا تزوجها على ألف جنيه مهراً وكانت العادة أن مثل هذا المهر يقابل بجهاز كبير يليق بحالهما، ولكنها لم تفعل فإنه لا حق للزوج في مطالبتها بالجهاز، وإذا جاءت بجهاز كان ملكاً لها لا حق للزوج فيه، أما إذا تعاقد على مهر، ثم أعطى لها مبلغاً آخر تجهز به نفسها فأخذته ودخلت له بدون جهاز. فإن سكت زمناً يدل على رضاه فقد سقط حقه في المطالبة، وإلا كان له الحق في المطالبة، لأنه لم يتبرع لها، وإنما أعطاها لعمل ما هو واجب عليه، فإنه يجب على الرجل أن يعد للمرأة محلاً يشتمل على حاجيات المعيشة.
    وإذا جهز الأب ابنته من ماله واستلمته، فلا حق له ولا لورثته في الرجوع عليها ما دام العرف يقتضي أن الأب يجهز بنته، وكذا لو اشتراه لها في صغرها، فإنه يصير ملكاً لها فإذا تنازعا، ولا بينة لأحدهما، وقال الأب: إنما دفعته لها عارية، وقالت: هو تمليك، أو قال الزوج بعد موتها، إنه ملكها ليرث منه، فإن المعتمد الذي عليه الفتوى أن القول للزوجة، ولزوجها بعد موتها لا للأب ما دام العرف جارياً على أن الأب يدفع لابنته مثل هذا الذي تنازعا فيه جهازاً لا عارية، ولا يقال: إن في هذا اعترافاً بملكية الأب، وانتقال الملكية إليها يحتاج إلى دليل، لأنا نقول: إن الجهاز ومتاع البيت يكتفي فيه بالظاهر.
    وإذا أعطت الأم لابنتها أشياء من أثاث منزلها المملوكة للأب وسكت الأب صارت جهازاً للبنت لا يصح له استردادها.
    وإذا أعطى الزوج لأهل الزوجة شيئاً لأجل أن يبادروا بتمكينه من زوجته، فإن له الحق في استرداده لأنه رشوة.
    خاتمة: إذا أنفق الرجل على معتدة الغير ليتزوج بها بعد انقضاء عدتها، فإنه وإن كان لا يجوز إلا أن في حكمه أقوالاً، والذي اعتمده المحققون أنه إن شرط التزوج بها وتزوجت بغيره رجع عليها بما أنفقه، وإن لم يشترط، فقيل: يرجع، وقيل: لا يرجع، والوجه أنه يرجع، لأنه إذا علم في العادة أنها إن لم تتزوجه لا ينفق عليها كان ذلك بمنزلة الشرط، وقيل: له حق الرجوع عليها مطلقاً، لأن ذلك بمنزلة الرشوة، سواء شرط التزوج بها، أو لا.
    المالكية - قالوا: إذا اتفق الزوجان، أو الزوج والولي على صداق في السر، وأظهرا في العلانية صداقاً يخالفه، فإن المعتبر ما اتفقا عليه في السر، سواء كان شهود العلانية هم بعينهم شهود السر، أو غيرهم. إلا أن بعض المالكية يشترط ضرورة إخبار شهود السر بما وقع في العلانية ليكون عندهم علم بالحقيقة، فإذا تنازعا، وادعت المرأة على الرجل أنه رجع عن مهر السر واتفقا على أن يكون المهر هو مهر العلانية، وأنكر الزوج دعواها كان لها أن تحلفه على دعواها حيث لا بينة، فإن حلف عمل بصداق السر، وإن نكل حلفت المرأة، فإن حلفت عمل بصداق العلانية، وإن نكلت عمل بصداق السر، فإن شهدت البينة بأن صداق العلانية لا أصل له. وإنما هو أمر ظاهري، والمعتبر إنما هو صداق السر عمل بالبينة، وإن اتفقا على عكس ذلك، بأن اتفقا على أن مهر السر أكثر من مهر العلانية بسبب الخوف من ضريبة أو نحو ذلك صح وعمل بالاتفاق فإن تنازعا، وادعى الزوج أن المهر هو المعلن أخيراً، وأنكرت، ولا بينة تحالفا على الوجه المتقدم.
    أما الهدية فلها تسع صور، وذلك لأنه إما أن يهديها للزوجة، أو لوليها، أو لأجنبي. وعلى كل إما أن تكون قبل العقد أو معه أو بعده، فالتي أهديت قبل العقد. أو معه سواء كانت بشرط صريح. أو بلا شرط - لأنها في هذه الحالة تكون مشترطة حكماً - فإنها تكون ملحقة بالصداق سواء أهديت للزوجة أو لوليها أو لغيرهما، فإذا طلقها قبل البناء بها كان للزوجة نصفها وللزوج نصف الآخر، كما هو الحال في أصل الصداق وفي هذه الحالة إذا كانت الهدية لغير الزوجة كان لها الحق في أخذ نصفها من ذلك الغير. أو من الزوج، لأن الهدية أصبحت بالشرط مهراً، كما أن للزوج الحق في أخذ نصفه الذي يستحقه ممن أهداه، ولا يرجع على الزوجة بشيء لأنه هو الذي أهدى.
    فإذا هلكت الهدية وهي بيد أمين غير الزوجة. أو الزوج وشهدت البينة، بهلاكها، سواء كانت من الأشياء التي يمكن إخفاؤها، كالأسورة، والثياب، أو لا، كالبقرة والجمل. أو لم تشهد بينة بهلاكها، وكانت من الأشياء المذكورة التي لا يمكن دعوى هلاكها مع سلامتها وطلقها قبل البناء فضمانها عليهما فلا يرجع أحدهما على صاحبه بشيء، فإذا طلقها بعد البناء، وهلكت الهدية وهي في يد أمين وشهدت بذلك، أو كانت الهدية مما لا يمكن إخفاؤه، ولو لم تشهد الشهود فقد هلكت عليها، وكذا إذا ماتت هي، أو الزوج فإن الهدية كلها تهلك على الزوجة لأنها تستحقها كلها بالموت والدخول، وكذا إذا فسخ العقد قبل الدخول، فإنها تهلك كلها على الزوج، لأنه في هذه الحالة يستحقها كلها.
    أما إذا كانت بيد الزوج أو بيد الزوجة، وهلكت، ولم تسهد بينة بهلاكها، أو كانت من الأشياء التي لا يمكن إخفاؤها ولا تحتاج لبينة، فإن ضمانها يكون على من كانت بيده، فإن طلقها قبل البناء كان عليها النصف إذا كانت بيدها، وإن كانت بيده وهلكت، وطلقها قبل البناء كان عليه النصف، وبعد الدخول والموت يكون عليه الكل، فإن كان متقوماً أعطاها قيمته. وإن كان مثلياً أعطاها مثله. هذا كله في الهدية قبل العقد أو حال العقد، أما إذا كانت الهدية بعد العقد، فإن كانت لغير الزوجة من ولي، أو غيره فاز بها المهداة له، وإن كانت الهدية للزوجة وطلقها قبل البناء ففيها رأيان:
    أحدهما: أنه لا شيء للزوج من الهدية بعد العقد، سوءا هلكت في يد الزوجة، أو بقيت سليمة. وهذا هو الراجح.
    والثاني أن للزوج نصفها إن كانت قائمة، ونصف مثلها. أو نصف قيمتها إن هلكت.
    أما الجهاز فإن المالكية يقولون: إن الزوجة ملزمة بأن تجهز نفسها من المهر المقبوض جهازاً يناسب مثلها لمثل زوجها بشروط:
    الشرط الأول: أن تقبضه قبل الدخول، سواء كان حالاً أو مؤجلاً وحل، فإن دخل بها قبل القبض، فلا يلزمها التجهيز به إلا إذا اشترط عليها التجهيز به بعد الدخول. أو كان العرف يقتضي ذلك. وإذا أرادت الزوجة أن تتخلص من الجهاز بعد قبض مقدم الصداق الحال، فللزوج مقاضاتها، ويقضى لها عليها بقبضه لتتجهز به، أما إذا دعاها لقبض الصداق المؤخر الذي لم يحل أجله لتتجهز به فلا يقضى له به، لأنه يكون سلفاً جر نفعاً للزوج، وذلك لأن من عجل ما هو مؤجل يعتبر سلفاً، فإذا قبضته أجبرت على التجهز به.
    الشرط الثاني: أن لا سمي الزوج شيئاً غير ما قبضته للجهاز، أو يجري العرف بأن يدفع الزوج شيئاً للجهاز، فإن سمى الزوج شيئاً للجهاز فإنه يلزم ما سماه، وكذا ما جرى به العرف فإنه يلزم، سواء كان المسمى أو الذي جرى به العرف أكثر من الصداق. أو أقل وكذا إذا سمى الولي أشياء للزوج ورضي بها فإنها هي التي تلزم بصرف النظر عن الصداق. الشرط الثالث: أن يكون الصداق عيناً، فإذا كان عروض تجارة أو كان مما يكال أو يوزن، أو كان حيواناً فإنها لا تلزم ببيعه للتجهز على المعتمد.
    على أن الجهاز والصداق ملك للزوجة فإذا ماتت ورث عنها، يتفرع على هذا مسألة وهي ما إذا
    تزوج شخص امرأة بصداق قدره مائة مثلاً، ودفع منه خمسين، وشرط على وليها أو على جهازاً بمائتين، ثم ماتت قبل الدخول فأصبحت المائة كلها حقاً لورثتها. فإذا طلب ورثتها الزوج بأن يدفع ما بقي من الخمسين بعد خصم ميراثه منها. فهل للزوج أن يطلب إبراز جهازها المشترط أيضاً ليأخذ منه ميراثه. أو لا؟ رأيان فقيل: لا يلزمهم إبراز الجهاز وعلى الزوج في هذه الحالة صداق مثلها فقط لا المسمى، ويحسب جهازها بالخمسين التي قبضتها، ثم إلى قيمة صداق من تتجهز بخمسين، فإن كان خمسين لا يدفع الزوج شيئاً، لأنه دفع الخمسين ويأخذ ميراثه من جهاز الخمسين، وهو النصف، حيث لا ولد. أو الربع إن كان لها ولد من غيره، وإن كان ثمانين دفع لهم الزوج ثلاثين، ويكون ميراثه في الثلاثين التي دفعها. وفي جهاز قدره خمسون. وإن كان صداق مثلاً ثلاثين لزمهم أن يدفع للزوج عشرين ونصيبه في جهاز قيمته خمسون، وإذا جهز البنت أبوها اختصت بجهازها دون سائر الورثة، فكل ما دفعه زيادة على مهرها بشرط أن ينتقل إلى بيتها الذي بنى بها الزوج فيه. أو يشهد الأب على أن لها، وإن بقي تحت يده. أو يشتريه لها باسمها ويضعه عند غيره كأمانة. أو أقر الوارث بذلك.
    الحنابلة - قالوا: إذا تزوج رجل امرأة بعقدين على صداقين، أحدهما في السر والآخر في العلانية، كأن عقد عليها في السر على خمسين، وفي العلانية عقد عليها على مائة وبالعكس، كانت الزيادة حقاً للزوج، سواء كان الزائد عقد السر أو عقد العلانية، أما الهدية فإن كانت بعد العقد فهي ليست من المهر، إذا طلقها قبل الدخول، واستحقت نصف المهر، فلا ترد شيئاً من الهدية وكذا إذا طلقت بعد الدخول من باب أولى، فالهدية تثبت كلها ولا ترد متى تقرر للمرأة كل المهر. أو نصفه، أما الفرقة التي يسقط بسببها المهر، كأن جاءت من جهة الزوجة فإنها ترد معها الهدية، وإن كانت الهدية قبل العقد بناء على وعد منهم بتزويجه ولم يزوجوه، رجع عليهم بهديته، لأنهم أخلفوا وعده فلا معنى لأكلهم هديته.
    الشافعية - قالوا: إذا ذكروا مهراً في السر، وذكروا أكثر منه في العلانية لزم ما عقد به أولاً، فإذا عقد أولاً سراً على ألف، ثم أعيد العقد للشهرة على ألفين جهراً لزم الذي عقدوا به أولاً، وهو الألف، أما إذا اتفقوا على ألف في السر بدون عقد، ثم عقدوا في الجهر بألفين لزم الألفين المذكورين في العقد. فيعتبر مهر السر إذا كان مذكوراً في العقد، أما إذا لم يذكر فلا يعتبر، ويعتبر مهر العلانية) .
    (2) (الحنفية - قالوا: ليس في النكاح عيوب توجب الحق في طلب الفسخ، لا بشرط ولا بغير
    شرط مطلقاً إلا في ثلاثة أمور: وهي: كون الرجل عنيناً أو مجنوناً أو خصياً أما ما عدا ذلك فلا يترتب عليه فسخ النكاح، ولو اشتد، كالجذام والبرص ونحوهما، سواء حدث قبل العقد أو بعده وسواء اشترط السلام منه. أولا، وقد يقال: إن رأي الحنفية هنا يترتب عليه ضرر شديد بالزوجة. وذلك لا تملك فراق الرجل، فإذا رأت نفسها عرضة للخطر فماذا تصنع؟! نعم لا ضرر على الرجل لأنه إن لم يرض بها يفارقها، أما هي فماذا يكون حالها، ولا حق لها في طلب الفسخ؟! والجواب: أن مذهب الحنفية مبني على أن علاقة الزوجية لها احترام وقدسية لا تقل عن قدسية القرابة، فإذا ارتبط اثنان برابطة الزوجية، وجب على كل منهما أن يحتمل ما ينزل بصاحبه من بلواء، فلا يصح أن ينفصل منه لمصيبة حلت به، بل يجب عليه مواساته بقدر ما يستطع فكما أن الإنسان لا يمكنه أن يقطع لحمة القرابة عندما يصاب أخوه أو قريبه بداء، فكذلك لا يصح له أن يقطع علاقة الزوجية لذلك. ولا فرق في ذلك بين أن يكون الداء أو العيب موجوداً قبل العقد أو وجد بعده، لأن كلا الزوجين مكلف بالبحث عن الآخر قبل العقد، وقد تقدم أن من السنة أن ينظر أحدهما الآخر.
    وهذه الأحكام إنما هي للمؤمنين الذين يعملون بدينهم، فإذا أهمل أحدهما دينه كان هو الملوم، وكان من اللازم المحتم أن تنظر إلى قدسية علاقة الزوجية واحترامها ومتى وقعت على أي حال ومع ذلك فإذا فرض أن زوجين عاشاً معاً في أول أمرهما سليمين ورزقا بأولاد ثم نزلت بأحدهما مصيبة مرض أو عيب كهذا فهل من المعقول أن يفارقه السليم رغم أنفه؟! أظن أن الجواب: لا، وما ذلك إلا لاحترام علاقة الزوجية، وهي حاصلة بالعقد لا محالة.
    ولولا أن الجب - قطع عضو التناسل - والعنة والخصاء تتنافى معها الزوجية، لأن المجبوب، والعين والخصي كالمرأة - والمرأة لا تتزوج المرأة - لولا ذلك لما جاز طلب فسخ عقد الزواج بحال. فإن قلت: إن هذا يستلزم أن لا يفارق الزوج زوجته بالطلاق أيضاً، والجواب: أن الطلاق قد شرع في الإسلام لأعراض اجتماعية هامة ضرورية، وقد يكون واجباً كما إذا قام بين الزوجيين شقاق تقطعت به علائق الزوجية وحلت محلها الكراهية والنفر ولم يتمكن المصلحون من إزالتها، فإن الدواء لمثل هذه الحالة الطلاق، وإلا انقلبت الزوجية إلى عكس الغرض المطلوب، فإنها ما شرعت إلا للجمع بين صديقين تنشأ بينهما مودة ورحمة لا للجمع بين عدوين لا يستطيع أحدهما أن ينظر إلى الآخر، وسيأتي بيان حكمة مشروعية الطلاق في بابه منفصلة.
    ومن هذا يتضح أن الشارع لم يجعل الفرقة بين الزوجين مبنية على العيب، أو المرض، لأنهما يوجبان الشفقة والرحمة لا الفرقة والقسوة، وجعل للرجل حق الطلاق ليستعمله عند الضرورة، فإذا أساء استعماله كان آثماً يستحق عقاب الله في الدنيا والآخرة، فالفرق بين الحالتين واضح لا يخفى.
    المالكية - قالوا: العيوب التي يفسخ بها النكاح ثلاثة عشر عيباً، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
    القسم الأول: عيوب مشتركة بين الزوجين بمعنى أنها قد توجب في الرجل. وقد توجد في
    المرأة. وقد توجد فيهما معاً، وهي أربعة: الجنون، والجذام، والبرص، والخراءة عند الوطء، وتسمى - عذيطة - بفتح العين وسكون الذال، فمتى وجد عيب من هذه العيوب في أحد الزوجين كان للآخر أن يطلب مفارقته بفسخ النكاح، ولو كان معيباً مثله، لأن الإنسان يكره من غيره ما لا يكسره من نفسه، فأما الجنون فإنه يثبت به الخيار للرجل والمرأة لأنه مشترك كما ذكرنا، وله ثلاث صور:
    الصورة الأولى: أن يحدث قبل الدخول. الثانية: أن يحدث بعد العقد وقبل الدخول. الثالثة: أن يحدث بعد الدخول. فإن حدث قبل العقد في الزوجة ولم يعلم به الزوج أو العكس، فلكل من الزوجين أن يرد به الآخر قبل الدخول وبعده، بشرط أن يقع من صاحبه ضرر كضرب أو إفساد مال، أما إذا كان يتخبط ويفيق، كالمصروع، فإنه لا يرد به، وإن حدث الجنون بعد العقد، فإن كان الجنون قد عرض للزوج فإن الخيار يثبت للزوجة، فلها الحق في فسخ النكاح إما إن كان قد عرض للزوجة فلا يثبت الخيار للزوج، سواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده، وهذا هو المعتمد، ولعل أن المرأة مستضعفة بطبيعها وإنها رهينة المنزل، فيمكن اتقاء الضرر الذي يترتب على جنونها، ويمكن الاستمتاع بها وهي على هذه الحالة بخلاف الزوج، على أن الزوج بيده عقد النكاح فيمكنه أن يطلق عند عدم تمكنه من دفع ضررها، وبعضهم يقول: إنه لا فرق في ذلك بين الزوج والزوجة، فالجنون العارض بعد العقد يجعل الخيار لكل من الزوجين قبل الدخول وبعده، وبعضهم يقول: إن حدث قبل الدخول كان للمرأة الرد دون الرجل، وإن حصل بعد الدخول ليس لها الرد كالرجل، وقيل: لا يرد بالجنون الحاصل بعد العقد مطلقاً سواء عرض للرجل أو للمرأة فالأقوال أربعة، والمعتمد منها واحد، كما عرفت.
    وأما الجذام فإنه يثبت به الخيار للزوجة، سواء وجد في الرجل قبل العقد. أو بعده، سواء كان قليلاً أو كثيراً بشرط أن يكون محققاً، أما إذا كان مشكوكاً في أنه جذام، أو لا. فإنه لا يرد به اتفاقاً أما الرجل فله حق الفسخ إن كان موجوداً في المرأة قبل العقد أو عند العقد، سواء كان قليلاً أو كثيراً، ولا حق له في الفسخ بالجذام الحادث بعد العقد مطلقاً، كما لا حق لأحدهما في الفسخ بالجذام القائم بأصولهما كالأب، والجد والأم خوفاً من وصول الداء بطريق الوراثة لأن ذلك غير مستيقن، فلا عبرة به.
    أما البرص، وهو الداء المعروف، سواء كان أبيض. أو أسود. فغن كان قبل العقد، وكان كثيراً، فإنه يجعل لكل من الزوجين الخيار في الفسخ، أما إذا كان يسيراً فترد به المرأة باتفاق، وفي رد الرجل باليسير من البرص قولان، هذا إذا حدث قبل العقد، أما إذا حدث بعد العقد فإن كان يسيراً، فلا رد به لأحدهما، سواء وجد في الزوج أو الزوجة، وإن كان كثيراً وكان في الرجل كان للمرأة الحق في الفسخ، وإن كان في المرأة فليس للرجل حق الفسخ على المذهب، وذلك لأن الرجل بيده الطلاق، فإن تضرر منها فارقها بالطلاق، والفرق بين حدوثه بعد العقد وقبله ظاهر، لأن المفروض قبل العقد
    أن تكون المرأة سليمة من العيوب المنفرة، أما بعد العقد فالبرص مصيبة من المصائب التي تعرض لأحد الزوجين، ولما كانت الزوجة لا تملك الفراق جعل لها الخيار بخلاف الرجل الذي يملكه.
    أما العذيطة، فإنها عيب يرد به الزوجان إذا كان قديماً موجوداً في أحدهما قبل العقد، أما إذا حدث بعد العقد أو شك في حدثه بعد العقد، فإنه لا يثبت لأحدهما به الخيار، فإنه وإن كان مرضاً قذراً تنفر منه النفس ولكن شره أهون من غيره، فإن كان الرجل يتقذر به ويعاف المرأة بسببه، فله مفارقتها بالطلاق، أما المرأة فإنها يمكنها الإغضاء عنه، وبعضهم يقول، إن العذيطة إذا حدثت على الرجل بعد العقد كان للمرأة حق الفسخ بها، بخلاف ما إذا حدثت على المرأة فإنها لا تجعل للرجل الحق في الفسخ، كالجذام، لما عرفت من أن الرجل بيده الطلاق دونها.
    هذان ولا فسخ بالبول على الفراش أو عند الجماع أو بالريح، فهذه هي العيوب الأربعة المشتركة بين الزوجين.
    ومن العيوب المشتركة أن يكون أحدهما خنثى واضح الخنوثة، فإذا كان للزوج ذكر ينتصب ويمني كالرجل، ولكن له شق غير نافذ يشبه الفرج حقيقة، فإنه ليس بعيب يرد به، أما المرأة إذا كان لها فرج تام لا عيب فيه، ولكن لها ما تشبه الآلة، وليست بآلة، بل هي قطعة لحم زائدة، فقيل: إنها عيب، وقيل: لأنها كالخنثى المشكل، فلا يصح تزوجه على أي حال.
    يتبع



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #187
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 157 الى صــــــــ
    168
    الحلقة (187)


    القسم الثاني: العيوب الخاصة بالرجل، وهي أربعة: الجب، العنة، الخصاء، الاعتراض، فأما المجبوب، فهو - مقطوع الذكر والأنثيين - أو مقطوع الحشفة، على الرجع، والعنين هو - من له ذكر صغير - لا يتأتى به الجماع، ومثله الذي له آلة ضخمة لا يتأتى بها الجماع، فكلاهما عيب يجعل للمرأة حق فسخ، والخصي: هو مقطوع الأنثيين دون الذكر - ولو انتصب ذكره، ولكنه لا يمني كان معيباً، أما إذا أمنى فلا رد بالخصاء، وأما المعترض فهو الذي لا يتنصب لمرض ونحوه.
    فهذه الأمور الأربعة إذا وجدت المرأة واحداً منها في الرجل فإن لها الفسخ إذا تحققت الشروط المتقدمة، بأن كانت لا تعلم به قبل العقد الخ.
    القسم الثالث: خاص بالمرأة وهو خمسة أشياء: الرتق. والقرن، والعفل. والإفضاء. والبخر، فأما الرتف، فهو انسداد مدخل الذكر من الفرج فلا يمكن من الجماع، سواء كان الانسداد غدة لحم أو بعظم، وأما القرن، فهو شيء يبرز في الفرج - كقرن الشاة - وأما العفل، فهو لحم يبرز في القبل، ولا يخلو عن رشح يشبه الأدرة للرجل - القليطة - وهذه الأمراض وجودها الآن نادر، بل ربما لا تكاد توجد، لأن علم الطب - خصوصاً الجراحة - قد تقدماً كثيراً، ويمكن استئصال هذه الأمراض بسهولة، أما الإفضاء، فهو أن يختلط مسلك الذكر بمسلك البول أو الغائط ويقال للمرأة: مشروم. أو شريم، وأما البخر، فالمراد به نتن الفرج. أما نتن البدن فلا رد به، وهو وإن أمكن تخفيفه بالروائح العطرية وتنظيف المعدة بتنظيم الأغذية وتخفيفها إلا أن علاجه صعب وقد سمعت من بعض
    الأخصائيين في سببه أن فم المعدة له غطاء إذا نزل عليه الغذاء ينفتح فينزل الغذاء إلى المعدة، ثم يعود الغطاء كما كان، فيكتم الروائح التي تنبعث من المعدة، فإذا اختل ذلك الغطاء انبعثت منه رائحة البخر. فهذه هي العيوب التي يفسخ بها عقد النكاح بدون اشتراط، أما شروط الفسخ بها. فهي ثلاثة:
    الشرط الأول: أن يكون طالب الفسخ عاماً بالعيب قبل العقد: فإن كان عالماً به، سواء كان المعيب الزوج أو الزوجة. فقد سقط حقه في الفسخ.
    الشرط الثاني: أن لا يرضى بالعيب بعد العقد عند الاطلاع عليه، فإن رضي صريحاً، بأن قال: رضيت، فقد سقط حقه في طلب الفسخ، وكذا إذا رضي به ضمناً، بأن مكنته من نفسها إن كان المعيب الزوج، أو قاربها إن كانت المعيبة الزوجة.
    الشرط الثالث: أن لا يتلذذ أحدهما بالآخر بتقبيل أو تفخيذ، ونحو ذلك، فإن تلذذ السليم بالعيب سقط حقه في طلب الفسخ.
    والحاصل أن الشرط في الواقع هو الرضا، والرضا له علامتان: إحداهما: صريحة، وهي القول والثانية: ضمنية وهي التمكين والتلذذ.
    ويستثنى من العيوب الآتية عيب واحد لا يضر فيه العلم به قبل العقد، وهو عيب الاعتراض - عدم الانتصاب - فإنها إذا علمت به المرأة قبل العقد ورضيت بالنكاح، ثم دخلت ومكنته من نفسها مدة ولم يبرأ فإن لها الحق في الفسخ، وذلك لأن مثل هذا المرض قد يبرأ بالتزوج ومخالطة النساء فإن التلذذ قد ينعشه، فإذا تزوجته على هذا التقدير ولم يفلح كان لها الحق في طلب الفسخ.
    وإذا ادعى أحد الزوجين سقوط شرط من هذه الشروط كأن ادعى الزوج الأبرص أنها رضيت ببرصه بعد أن اطلعت عليه ومكنته من نفسها، ولا بينة للزوج، حلفت الزوجة على ذلك. وكذلك إذا كان العيب بالزوجة، وقالت: إنه علم بعيبي قبل العقد ولا بينة لها حلف الزوج.
    فهذه شروط الفسخ، وتارة يكون الفسخ بلا تأجيل وتارة يكون بتأجيل، وإليك بيان ذلك. العيوب بالنسبة للتأجيل وعدمه تنقسم إلى أربعة أقسام أيضاً:
    القسم الأول: العيب الحادث بالرجل كالجنون، والبرص، والجذام البين. إذا طرأ على أحدهما بعد العقد، فإنه يؤجل له الحاكم في هذه الحالة الفسخ سنة قمرية بشرط أن يرجى برء الداء، أما إذا كان عضالاً لا يرجى برؤه فلا تأجيل، لا فرق بين الجنون والجذام والبرص، على المعتمد وبعضهم يقول: إنه يؤجل للجنون سنة ولو لم يرج البرء، وقد نصوا على أن المجنون يعزل عن امرأته في مدة هذه السنة، فإن برئ بعد السنة فذاك، وإلا فرق الحاكم بينهما، والظاهر أن السبب في ذلك الخوف من الإضرار بالزوجة، لأن المفروض أن الجنون الذي يترتب عليه الفسخ هو الجنون الذي ينشأ منه الضرر، وإذا كان كذلك فمما لا ريب فيه أن عزل المجذوم والأبرص يكون كعزل المجنون إذا ترتب
    عليه ضرر بالزوجة، بل قد يكون الضرر أشد فيكون العزل أولى، وقد صرحوا بأن الصحيح منع السيد المجذوم من وطء إمائه، فالأحرار أولى كما لا يخفى.
    هذا، ولزوجة المجنون الحق في النفقة من ماله بعد الدخول. مدة السنة بلا خلاف، أما قبل الدخول فخلاف، والظاهر أن لها النفقة، أما زوجة المجذوم والأبرص فلهما الحق في النفقة في السنة المؤجل فيها الفسخ قبل الدخول وبعده بلا خلاف، وكذلك لزوجة المعترض، وهو الذي أجل له لسبب عدم الانتصاب، النفقة مدة السنة الؤجلة قبل الدخول وبعده كزوجة المجذوم والأبرص على التحقيق.
    القسم الثاني: العيب القديم بالرجل، وهو القائم به قبل العقد، كما إذا كان مجنوناً أو أبرص أو أجذم قبل العقد، وفي هذا خلاف، فبعضهم يقول: إنه يؤجل له الفسخ سنة أيضاً، وهو المعتمد وبعضهم يقول: لا يؤجل له بل يفسخ العقد بدون تأجيل.
    القسم الثالث: العيب الحادث بالمرأة بعد العقد: وهذا لا كلام فيه، فإن الرجل لا خيار له فيه، كما هو موضع فيما قبل هذا، فإذا الرجل أمكنه التخلص منها بالطلاق.
    القسم الرابع: العيب القديم بالمرأة كما كانت مجنونة قبل العقد، أو بها برص بين أو جذام بين لم يعلم به الزوج، فإنها في ذلك كالرجل يؤجل الحاكم لها الفسخ سنة قمرية. هذا في العيوب المشتركة أما العيوب المختصة بالمرأة وهي عيوب عضو التناسل، كالقرن. والعفل. والبخر الخ. فإن الحاكم يؤجل لها بحسب ما يلزم لعلاجها باجتهاده، وتجبر على إزالة مثل هذا العيب إذا طلبه الزوج إلا إذا كان الداء طبيعياً بحسب الخلقة. فإنها لا تجبر على إزالته بخلاف ما لو كان عارضاً، وعللوا ذلك بان في إزالة الطبيعي شدة ضرر. ومعنى هذا أنها تجبر على إجابته إذا انتفت شدة الضرر بالبنج ونحوه، والواقع أن الخلاف في مثل هذا مصدره صعوبة القطع قبل تقدم الجراحة، أما الآن فلا فرق بين الطبيعي وغيره، بل إزالة العارض الذي مثلوا به أشد من إزالة الطبيعي.
    والحاصل أن الذي ينبغي أن يقال الآن بحسب تعليلهم: إن طلب الزوج إزالة وكانت إزالته لا يترتب عليها شدة ضرر أو تشويه في الخلقة تجبر على إزالة وإلا فلا، لا فرق بين الطبيعي وغيره وإن طلبت إزالته هي وجب على الزوج إجابتها ما لم يترتب على إزالته تشويه للمحل، فإنه لا يجبر لأن النتيجة واحدة في كلتا الحالتين، وهي نقص الاستمتاع.
    هذا، وإذا كان المرض القائم بالرجل من عيوب عضو التناسل، كالعنة، وارتخاء الذكر، ويقال له: الاعتراض، فإنه يؤجل له فيها سنة بشرط أن يرجى برء الداء، أما إذا كان لا يرجى برؤه، كالمجبوب أو الخصي الذي لا يمني أو العنين الذي له آلة صغيرة بحسب الخلقة، فلا يستطع الوصول إلى الوطء، فغن مثل هولاء لا يرجى برؤهم، فلا معنى للتأجيل لهم، لأن الغرض من التأجيل التداوي، وحيث لا يرجى البرء ففيم التداوي؟.
    والحاصل أن الأمراض المشتركة بين الرجل والمرأة، والأدواء المختصة بالرجل إذا كان يرجى برؤها فإنه يؤجل فيها الحر سنة والعبد نصفها، ونقل عن مالك أيضاً أن العبد في ذلك مثل الحر، وهو المعقول، وإن كان العمل على الأول.
    وأما الأمراض المختصة بالنساء، فالتأجيل فيها بالاجتهاد حسبما تقتضيه حالة علاج الداء.
    ثم إن بدء التأجيل بالسنة يكون من يوم الحكم لا من يوم رفع الأمر للقاضي، وإذا كان المعيب مريضاً بمرض آخر غير العيب تحتسب السنة من الوقت شفائه من المرض الآخر، مثلاً إذا أجل للرجل الذي لا ينتصب سنة، وكان مريضاً بالحمى، فتحسب له السنة من أول يوم شفي من الحمى.
    هذا، ولا يكون للمرأة خيار إذا دخل بها، وهو سليم من المرض، ووطئها ولو مرة واحدة، ثم عرض له المرض بعد ذلك، فلو كان صبياً ثم أصيب بقطع ذكره لمرض بعد أن عاشرها وهو سليم كان ذلك مصيبة حلت به لا خلاص له منها، ومثل ذلك ما إذا عرض له مرض منعه من الانتصاب أو عرضت له شيخوخة منعته من الوطء.
    هذا حكم التأجيل، وقد يتنازع الزوجان بعد انتهاء مدة الأجل فإليك بيان حكم التنازع، إذا تنازع في البرء من هذه العيوب، فغن كان العيب ظاهراً، كالجذام، والبرص، والجنون، فلأمر ظاهر لأن البرء منها لا يخفى في الوجه أو اليدين ولا بد فيه من شهادة رجلين، وإن كان في باطن الجسم كفى فيه امرأتان، ومعنى هذا إباحة النظر فيه للطبيب الثقة من بباب أولى، أما إن كان باطناً، وهو العيب المتعلق بعضو التناسل فإن كان متعلقاً بالرجل كعدم انتصاب الآلة فادعى أنه وطئها قبل تمام السنة المحددة له وأنكرت كان القول له بيمنه، لأنه أنكر أصل الدعوى، وهي عدم قدرته على الوطء، فإن نكل عن اليمين حلفت هي فغن حلفت قضي لها بأن يأمره بتطليقها، فإن أبى، ففيه قولان: أحدهما أن الحاكم يطلق عليه. ثانيها: أن الحاكم بأمرها هي بإيقاع الطلاق كأن تقول: طلقت نفسي منك، ثم يحكم الحاكم بالطلاق الذي أوقعته، لأن أمره إياها بإيقاع الطلاق ليس حكماً عند بعضهم، وبعضهم يقول: إن الذي يفعله القاضي بعد تطليقها نفسها ليس حكماً وإنما هو إشهاد بما حصل منها. فهو خارج عن الخلاف المذكور، وإذا طلق القاضي ثلاثاً يقع إلا واحدة، وكذا أمرها بتطليق نفسها فزادت على واحدة، أما الزوج فله أن يطلق كما شاء.
    هذا، والمفروض أنه طلقها قبل البناء لأنه لم يطأها أبداً، إذ قد علمت انه لو وطئها ولو مرة سقط حقها في طلب الفسخ، وفي هذه الحالة يقع الطلاق البائن واحداً، ومع ذلك فإنه إذا خلا بها تجب العدة احتياطاً. فهما يعاملان بإقرارهما من حيث الوطء، وتعامل العدة بالخلوة الاحتياط، ولها الصداق كاملاً إن أقامت معه السنة كلها، ولو لم يطأها، لأنك قد عرفت فيما تقدم أن مكث المرأة سنة مع الزوج يقرر لها الصداق، ولو لم يطأها، لأنه قد تلذذ بها وانتفع بجهازها وطال مقامها معه فتستحق على هذا كله كل الصداق، أما إذا طلقها قبل مضي السنة، فإنها تستحق نصف المهر، ثم إن كان قد تلذذ بها كان لها الحق في العوض بحسب اجتهاد القاضي.

    وكذلك إذا كان العيب الجب. أو العنة، أو الخصاء، فإن أنكره الرجل فإنه يمكن معرفته بالجنس، بان يجس موضعه، والجنس يتأتى به العلم في ذلك كالنظر، وهو وإن كان غير جائز كالنظر إلا أنه أخف، وارتكاب أخف الضررين للضرورة لازم مادامت النتيجة واحدة، وبعضهم يرى جواز النظر إليه للتحقق من دعواه، لأن المسألة مفروضة في الحكم بين خصمين، فكل ما يوجب التثبيت يكون أولى من غيه، وهذا الرأي يناسب زماننا، لأنها يصح أن يعرض على خبير له دراية بالطب ليقرر بشأنه قراراً قاطعاً، على أن الرجل الذي يعلم ستعرض على طبيب ثقة، أو طبيبين موثوق بهما لا يمكنه أن ينكر من أول الأمر وتنتهي الخصومة.
    أما إذا كان العيب الاعتراض، وهو الارتخاء، فإنه لا يعلم بالجنس، وقد عرفت أن الرجل يصدق بيمينه، ومثل ذلك ما إذا كان بذكره مرض سري لا يعرف بالجنس، فإنه يصدق فيه بيمينه، ولا أدري لماذا لا يعرض على طبيب أيضاً، إذا لا فرق بين حبس المجبوب أو العنين، والنظر إليهما، وبين هذا - بل ربما كان خطره أشد إذ قد يكون مصاباً بالسيلان أو الزهري، فيؤذي المرأة - وقواعد المذاهب لا تأبى ذلك، فإنهم يقولون دائماً برفع الضرر.
    وإذا طلق العنين أو المجبوب أو الخصي الذي لا يمكنه الوطء بعد الدخول كان عليه الصداق كله بالخلوة والتلذذ، أما إذا طاق القاضي عليه مهر لها لأن الخلوة لا يتقرر بها المهر، والمجبوب، والعنين، والخصي الذي يمكنه الوطء أصلاً لا يتصور منهم وطء فلا يجب عليهم مهر، أما الخصي - مقطوع الأنثيين الذي يمكنه الوطء، ولكنه لا يمني - فإنه يجب عليه المهر إذا أولج فيها كما تقدم أما إذا أطلق المجذوم. أو الأبرص بعد الدخول، أو طلق عليهم القاضي، فإنه يجب لها المهر المسمى، وكذلك المجنون إذا طلق عليه القاضي فإنها يجب لها المسمى لأنه يتصور وقوع الوطء من هؤلاء.
    هذا في عيوب الرجل المتعلقة بالوقاع، أما عيوب المرأة المتعلقة به، فإنها تصدق فيها أيضاً بيمينها، فإذا أنكرت أنها بها عيباً من العيوب المتعلقة بذلك أو أنها برئت من هذا العيب، فإنها تصدق بيمينها، ولا تجبر على أن ينظر إليها النساء، ولكن إذا رضيت باختيارها بأن ينظر إليها شاهدتان فإن قولهما يقبل، وذلك في المرأة لا يترتب عليه كثير ضرر للرجل، فإن الرجل الذي يتضرر من العيب القائم بالمرأة ولا يستطيع البقاء معها يستطيع أن يتخلص منها بالطلاق بدون حاجة إلى التشهير بها واطلاع الناس على عورتها، وأما المرأة فإنها معذورة لأن عصمتها بيد الرجل ولا مغيث لها من التضرر إلا بإثبات العيب القائم به، على أنك قد عرفت فيما قدمناه أن العيوب الظاهرة بالمرأة لا بد فيها من شهادة رجلين إذا كانت بالوجه واليدين أو بامرأتين إن كانت في باقي البدن.
    وحاصل حكم المهر بالنسبة للعيوب التي تجعل للزوجين الخيار في الفسخ بدون شرط أن العيب إما أن يكون في الزوج، أو في الزوجة، فإن كان في الزوج فلا يخلو إما يكون متعلقاً بالجماع أولا، فإن كان متعلقاً بالجماع، فهو على قسمين: الأول أن يكون العيب - الاعتراض - أي عدم الانتصاب، فغن لم ترض به الزوجة وطلقها قبل أن يمكث معهاً زمناً طويلاً، فلها نصف المهر وتعويض عما نال منها بالتلذذ بها بحسب اجتهاد القاضي، ولا فرق في ذلك بين أن يطلقها باختياره أو يطلقها القاضي عليه. الثاني: أن يكون العيب الجب أو العنة والمجبوب والعنين إذا طلق أحدهما زوجته باختياره بعد بنائه بها كان الصداق كاملاً، أما إذا لم ترض بهما الزوجة ورفعت أمرها للحاكم فحكم بالطلاق فلا مهر لها، ومثل العنين والمجبوب الخصي الذي قطع ذكره والشيخ الكبير الذي عجز عن الوطء، أما الخصي الذي قطعت أنثياه فإن عليه الصداق كله بالإيلاج وان يمن. أما إذا كان عيب الزوج من الأمراض التي لا تتعلق بعضو التناسل، كالجذام والبرص والجنون فإنه إذا طلق هو باختياره، او طلق عليه القاضي بعد الدخول كان لها المهر المسمى جميعه، لأن الأجذم والأبرص والمجنون يتأتى منهم الوطء.
    أما إذا كان العيب في المرأة فإن اطلع عليه الرجل قبل الدخول، فهو بالخيار بين أن يرضى بالعيب ويكون عليه المسمى أو يفارقها ولا شيء عليه، وإن اطلع بعد الدخول كان بالخيار بين أن يرضى ويلزمه المسمى أو لا يرضى ويفارقها، فلزمه أقل المهر، وهو ربع دينار، فإذا فسخ القاضي نكاحها بعد الدخول رجع عليها بما غرمه لها من مهر.
    هذه أحكام العيوب التي تجعل لكل من الزوجين الحق في الفسخ، وهناك عيوب أخرى كالسواد والقراع والعمى والعور والعرج والشلل وكثرة الأكل، فإنها لا تعتبر إلا إذا اشترط أحد الزوجين السلامة منها صريحاً، ولا يعتبر العرف في هذه الحالة، فإن العرف كالشرط في غير النكاح لأن النكاح مبني على التسامح في مثل هذه الأمور، بخلاف البيع، فإذا اشترط الزوج سلامة المرأة من عيب من هذه العيوب صح، فإذا اطلع على عيب اشترط السلامة منه قبل الدخول كان مخيراً بين أمرين، وهما الرضا، وعليه جميع الصداق المسمى، أو يفارق، ولا شيء عليه، أما إذا اطلع على العيب بعد الدخول، وأراد بقاءها، أو مفارقتها، ردت إلى صداق مثلها، وسقطت الزيادة في مقابل ما اشترطه ما لم يكن صداق مثلها أكثر من المسمى، فإنه يلزمه المسمى، ومن ذلك ما إذا اشترط أنها بكر فوجدها ثيباً، فإن له الخيار على الوجه المتقدم) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #188
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 169 الى صــــــــ
    197
    الحلقة (188)

    أحدها: عيوب مشتركة بين الزوجين، فيصح أن توجد في الزوج، ويصح أن توجد في الزوجة منها الجنون. والبرص. والجذام.
    ثانيها: عيوب تختص بالزوج، وهي الجب، والعنة، وعدم انتشار عضو التناسل.
    ثالثها: عيوب تختص بالمرأة، وهي العفل والقرن والرتق، والعفل غدة، كالأدرة من الرجل - القليطة - تسد موضع الجماع، والقرن: بروز قطعة لحم، أو عظم في محل الوطء فيسده.
    أما القسم الثاني، وهو ما لا يوجب الفسخ إلا بالشرط، فهو كثير، ومنه العمى. والشلل. وسواد الوجه. والقرع. والشره في الأكل. ونحو ذلك، فهذه العيوب لا تلزم إلا إذا اشترط أحد الزوجين السلامة منها، وفي كل هذا تفصيل المذاهب (1) .
    أنكحة غير المسلمين
    -أنكحة غير المسلمين، سواء كانوا كتابيين، كاليهود، والنصارى، أو غير كتابيين كالمجوس والبراهمة، ومشركي العرب الذين يعبدون الأوثان وغيرهم - لها حالتان:
    الحالة الأولى: أن تقع بين المهاجرين من هؤلاء في دار الإسلام، وهي البلاد التي للمسلمين عليها سلطة كاملة لا فرق بين أن يكونوا ذميين مستوطنين خاضعين لما يفرضه المسلمون من جزية وأحكام، أو يكونوا مستأمنين دخلوا البلاد بأمان لتجارة ونحوها بقصد العودة إلى بلادهم.
    الحالة الثانية: أن تقع بينهم في ديارهم، دار الحرب - وهي التي لا سلطة عليها للمسلمين - ثم يهاجرون أو يهاجر أحدهم إلى بلادنا، وعلى كلتا الحالتين إما أن تكون موافقة لعقود المسلمين في الشرائط والأركان بأن يتزوجا بإيجاب وقبول. وشهود. وولي، بشرط أن تكون المرأة خالية من الموانع فلا تكون محرماً. ولا تكون معتدة، أو يكون الرجل كذلك، فلا يكون متزوجاً أربعاً ثم يتزوج خامسة أو غير ذلك من الشرائط المتقدمة، فإن كانت موافقة لعقود المسلمين كانت صحيحة في نظر المسلمين بلا خلاف (2) ، فيترتب عليها ما يترتب على أنكحة المسلمين الصحيحة من إرث ووقوع طلاق. وإظهار وإيلاء. ووجوب مهر. ونفقة. وقسم. وإحصاء إلى غير ذلك. وإن كانت مخالفة لعقود المسلمين، فلا يخلو إما أن تكون مخالفة في اشتراط أهلية المرأة. أو الرجل لقبول العقد، أو لا. الأول تحته صورتان: إحداهما أن يتزوج محرماً من محارمه كأمه. وأخته وبنته، كما يفعل المجوس، أو يتزوج عمته، أو يجمع بين الأختين، كما يفعل اليهود، ثانيتهما: أن يتزوجها، وهي في عدة الغير قبل انقضاء العدة، أو يتزوج هو خامسة ومعه أربع. والثاني تحته صور: منها أن يتزوجها بدون شهود وولي، ومنها أن يتزوجها مدة معينة، كسنة. أو شهرين، أو غير ذلك، وهو نكاح المتعة، ومنها أن يطلقها ثلاثاً (3) ، ثم يعود إليها بدون محلل - والطلاق معروف الآن عند غير المسلمين - ومنها غير ذلك من الشروط المتقدمة، فإن وقع عقد مخالف لعقود المسلمين في بلاد الإسلام، فإننا لا نتعرض لهم بل نتركهم وشأنهم بثلاثة شروط:
    الشرط الأول: أن يكون ذلك جائزاً في دينهم، فإن لم يكن جائزاً كان زنا، فلا نتركهم فيه وشانهم، كما لا نتركهم إذا سرقوا.
    الشرط الثاني: أن لا يترافعوا إلينا لنقضي بينهم.
    الشرط الثالث: أن لا يسلم الزوجان معاً. أو يسلم أحدهما، فإن ترافعوا إلينا. أو أسلم الزوجان أو أسلم أحدهما فإن كان العقد على محرم من المحارم، أو كان على أختين أو كان على خمس نسوة فإنهما لا يقران على الزوجية على أي حال، وإن كان على امرأة معتدة ولم تنقض عدتها وقت الترافع أو عند الإسلام، فكذلك يفرق بينهما (4) ، أما إن كان مخالفاً في غير ذلك، فإنهما يقران عليه وفي كل هذا تفصيل المذاهب (5) .
    -هذا، ولا فرق بين هذه الأحكام بين أن يكون العقد قد وقع في بلاد الإسلام بين ذميين. أو مستأمنين، أو وقع في دار الحرب ثم هاجر الزوجان. أو هاجر أحدهما إلى بلاد الإسلام فإنهما يتركان على ما هما عليه، ويقران عليها إذا ترافعا إلينا، أو أسلما بالتفصيل المتقدم.
    ولا تبين الزوجة بمهاجرة أحدهما من دار الحرب إلى دار الإسلام، سواء نوى الإقامة بها أو لا وإنما تبين بالسبي على اختلاف في المذاهب (6) .
    __________
    (1) (الحنفية - قالوا: إن لا فسخ إلا بالجب. والعنة والخصاء، فإذا وجد عيب منها في الرجل عيب في بضع المرأة من رتق أو نحوه، ولكن له الحق في إجبارها على إزالته بجراحة وعلاج. كما أنه إذا يئس من علاجها فله مفارقتها بالطلاق في هذه الحالة، لأن الزوجية قائمة على الاستمتاع، وفي فراقها عند اليأس من العلاج بدون تشهير فيه رحمة بها، ومثله من له آلة صغيرة لا تصل إلى داخل الفرج.
    ثم إن عيوب الرجل التي تجعل للمرأة حق طلب الفسخ تنقسم إلى قسمين: قسم لا يمكن علاجه بحال من الأحوال، وهو الجب - قطع عضو التناسل - ويلحق به ما إذا كانت له آلة صغيرة لا تصل إلى النساء بأصل الخلقة. وقسم يمكن علاجه، وهو العنة، فالعنين هو الذي لا يستطع إتيان زوجته في قلبها ولو انتصبت آلته قبل أن يقرب منها، وإّذا أمكنه أن يأتي غيرها، أو يأتي الثيب دون البكر. أو أمكنه أن يأتي زوجته في دبرها لا في قلبها، فمن وجدت فيه حالة من هذه الأحوال كان عنيناً بالنسبة لزوجته، وكان لها حق طلب الفسخ، ولكل من القسمين أحكام:
    فأما المجبوب وما يلحق به فإن للمرأة به طلب الفسخ حالاً بدون تأجيل، بشروط خمسة:
    الشرط الأول: أن تكون حرة، فإن كانت أمة كان حق الفسخ لوليها لا لها.
    الثاني: أن تكون بالغة، فإن كانت صغيرة ينتظر بلوغها لجواز أن ترضى به بعد البلوغ، أما العقل فإنه ليس بشرط، لأن الزوجة إذا كانت مجنونة وزوجها وليها من مجبوب كان لوليها حق طلب الفسخ، فإن لم يكن لها ولي نصب لها القاضي من يخاصم عنها.
    الشرط الثالث: أن لا تكون المرأة معيبة بعيب يمنع من الوطء، كالرتق. والعفل والقرن. فإن كانت هي معيبة فلا معنى لطلبها للفرقة، وإذا اختلفا في الرتق. فادعى الرجل أنها رتقاء وأنكرت كان للرجل عرضها على النساء الخبيرات، أي الطبيبات.
    الرابع: أن لا تكون عالمة به قبل الزواج، فإن كانت عالمة ورضيت بالعقد، فإن حقها في الفسخ يسقط، أما العلم بعد الزواج مع عدم الرضا، فإنه لا يسقط.
    الخامس: أن لا ترضى بعد العقد، فإن رضيت به بعد العقد سقط حقها. ويشترط في الفسخ أن يكون صادراً من القاضي، فإذا فرق القاضي بينهما وقع به طلاق بائن، ولهما كل المهر وعليها العدة. وهو قول أبي حنيفة، وإذا كان الزوج صغيراً، وثبت أنه مجبوب، فلا يؤجل لكبره، إذ لا فائدة في التأجيل، وإذا جاءت امرأة المجبوب بولد بعد الفرقة لأقل من ستة أشهر لزمه نسب الولد، سواء خلا بها أو لا، عند أبي يوسف، وقال أبو حنيفة: إنه يثبت نسبه إذا خلا بها، ويستمر ذلك إلى سنتين من وقت الفرقة، فلا ينقطع النسب بمضي ستة أشهر، وهي أقل مدة الحمل كما يقول أبو يوسف، وذلك لأن المجبوب يمكنه أن يساحق وينزل وتحمل المرأة من مائه، فإذا ثبت أنه لا ينزل كان بمنزلة الصبي، فلا يثبت منه نسب، ولا يجب على المرأة بفراقه عدة.
    هذا، ولا تنافي بين ثبوت النسب وبين حق المرأة في طلب الفرقة متى كانت غير عالمة به قبل
    العقد، لأن المساحقة والإنزال لا يسقطان حقها في طلب الفسخ، بل الذي يسقط حقها الوطء، ولو مرة، فلو تزوجته سليماً وواقعها مرة واحدة ثم جب بعد ذلك، فلا حق لها في الفسخ، هذا في المجبوب، أما العنين فحكمه أن للمرأة طلب فسخ العقد بالشرط الخمسة المتقدمة. إلا أنه يمهله القاضي سنة، لأنه قابل للعلاج، سواء كان حراً أو عبداً.
    وبيان ذلك أن المرأة إذا تزوجت بعنين لا تعلم حاله كان لها الحق في أن ترفع أمرها للقاضي ليؤجله القاضي سنة قمرية، وتحتسب بالأهلة إذا كانت في أول الشهر، أما إذا كانت الدعوى في وسطه فتحتسب الأيام، والسنة القمرية بالأيام ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً وثمان ساعات وثمان وأربعون دقيقة، بخلاف السنة الشمسية فإنها تحتسب بالأيام، وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وخمس ساعات وخمسون دقيقة، فهي تزيد عن السنة القمرية بأحد عشر يوماً ونصف نهار تقريباً، وبخلاف السنة العددية، وهي ثلاثمائة وستون يوماً، وقد جرى الخلاف في ذلك. فبعضهم يرى تأجيله سنة قمرية، وبعضهم يرى تأجيله سنة شمسية، وبعضهم يرى تأجيله سنة عددية، ولكن المعتمد الأول، لأن لسنة إذا أطلقت في لسان الشارع انصرفت إلى السنة القمرية ما لم يصرحوا بغير ذلك.
    وتبدأ السنة من وقت الخصومة برفع الأمر إلى القاضي ما لم يكن الزوج صبياً أو مريضاً أو محرماً، فتبدأ السنة من وقت بلوغه إذا كان صبياً، ومن وقت صحته إذا كان مريضاً، ومن وقت تحلله من الإحرام إن كان محرماً.
    ولا يسقط حق المرأة بسكوتها بعد علمها زمناً طويلاً، حتى ولو كانت مقيمة معه وتضاجعه، وإذا رفعت أمها إلى القاضي وأحلها سنة، ثم أقامت معه في خلال تلك السنة بعد وضاجعته لا يسقط حقها أيضاً، لأن المفروض في التأجيل أن تخلطه لتجربه، فإذا انتهت السنة بعد ذلك ورفع الأمر للقاضي كي يأمره بالطلاق أو يفرق بينهما إذا امتنع، فضرب القاضي لها موعداً للخيار وخالطته أو ضاجعته بعد ذلك سقط حقها، وكذا إذا خيرها القاضي في المجلس فقامت ولم تقل: اخترت نفسي فإنه يسقط حقها حتى ولو أقامها أحد آخر، كأعوان القاضي، فإن الواجب عليها قبل أن تقوم أن تقول: اخترت عدم معاشرته أو اخترت نفسي.
    والحاصل أن حقها يسقط بأمرين: قيامها معه ومضاجعتها له بعد تخيير القاضي. وقيامها من المجلس بعد التخيير في المجلس بدون اختيار. أما قبل ذلك فلا يسقط اختيارها.
    ويشترط أن يكون التأجيل صادراً من القاضي، أما التأجيل الصادر منها أو من غيرها فإنه لا يعتبر، وظاهر كلامهم أن التأجيل الصادر من محكم لا ينفع أيضاً، مع أن المعروف أن للمحكم الفصل فيما حكم فيه، كالقاضي، وقد يجاب بأن القاضي هو المرجع في النهاية، إذ هو الذي يطلق إذا امتنع الزوج عن الطلاق، فلا يعتبر التأجيل إلا إذا كان صادراً عنه، فإذا عزل أو انتقل، وجب على القاضي الذي يحل محله أن يبني على تأجيل الأول.
    وإذا ادعى أنه وطئها، وأنكرت، فإن كانت بكراً حكمت امرأة لها خبرة موثوق بعدالتها، فإن قالت: إن بكارتها أزيلت بالوطء حلف الزوج بأنه وطئها، فإن حلف قضي له، وإن نكل خيرت الزوجة بين الإقامة معه وطلاقها منه، على الوجه المتقدم، إذا لم يكن قد أجل له سنة، وإلا أجل له سنة بعد تقرير ذات الخبرة، وإن عرضت على امرأتين لهما خبرة كان أفضل وأوثق، أما إن كانت المرأة ثيباً حين تزوجها، فإنه يحلف بأنه وطئها من غير عرضها على ذات خبرة، ويعمل بقوله لأنه منكر لاستحقاق الفرقة، هذا هو المقرر، وقد يقال: إذا وجدت وسيلة يمكن بها معرفة الرجل إذا كان قد قدر على الوطء كما يقول أو لا، كالكشف الطبي، فلماذا لا يصار إليها دفعاً لتضرر المرأة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا ضرر ولا ضرار" وعندي أنه لا مانع من ذلك لأنه هو الوسيلة الوحيدة للإثبات، خصوصاً أنهم أجازوا عرض المرأة على النساء إذا ادعى أنها رتقاء وأنكرت، ولا فارق بينهما.
    ويحتسب للزوج مدة غيابها عنه لحج ونحوه، بمعنى أنه يطرح له من السنة، ويعوض عنها أياماً بعددها، أما مدة غيابه هو فإن كانت باختياره فإنها تحتسب عليه، ولا يعوض عنها، لأنه يمكنه أن يأخذها معه، وإن كانت رغم أنفها، كما إذا حبس في دين ولو كان لها، فإنها تحتسب متى تعذر وصوله إليها، فإذا كان مظاهراً لها ولا يقدر على كفارة الظهار من عتق الرقبة، فإنه يؤجل له شهرين لأجل أن يصومهما وسنة بعد الشهرين، أما رمضان فإنه يحتسب من السنة، وكذا أيام حيضها ومتى ثبت بعد إمهاله السنة أنه باقٍ على مرضه وأنه عاجز عن إتيانها أمره القاضي بطلاقها، فإن أبى طلق عليه، وكان عليها العدة، ولها كل المهر، كما تقدم في المجبوب، إلا أن المرأة إذا جاءت بولد بعد التفريق وثبت نسبه من العنين بطلت الفرقة وعادت زوجة له، وذلك لأن ثبوت النسب يلزمه أن الرجل قد وصل إليها وأنه قد برئ من عنته، فيبطل الحكم المترتب على العنة، وهو الفراق، بخلاف المجبوب فإنه لا يتصور فيه أنه أتاها، وإنما النسب قد بني على الإنزال بالمساحقة فلا يسقط حقها في الفرقة.
    هذا، وإذا تراضيا على العودة بعد الفرقة فإنه يصح، أما الخصي - وهو مقطوع الأنثيين - فإن كان ينتصب فلا خيار لها، سواء أنزل أو لم ينزل متى كان قادراً على وطئها، وإلا كان حكمه حكم العنين، خلافاً للمالكية الذين يعدون عدم الإنزال عيباً يفسخ به، والحنابلة الذين يعدون الخصاء من عيوب الفسخ مطلقاً أنزل، أو لم ينزل. ووفاقاً للشافعية.
    الشافعية - قالوا: لكل من الزوجين طلب فسخ الزواج بوجود عيب من العيوب المشتركة بينهما، التي يصح وجودها فيهما معاً أو في أحدهما ولو كان أحدهما معيباُ بمثل هذه العيوب، كما قال المالكية، لأن الإنسان قد يعاف من غيره ما لا يعاف من نفسه.
    وهذه العيوب هي الجذام والبرص والجنون، أما العذيطة - وهي التغوط عند الجماع - فليست عيباً عندهم، أما الجنون فإنه يجعل لكل منهما الخيار في الفسخ، سواء حدث بعد العقد والدخول أو كان موجوداً قبل العقد، فلا فرق بين الرجل والمرأة، خلافاً للمالكية، ولا فرق أيضاً بين أن يكون جنوناً مطبقاً أو متقطعاً إلا إذا كان قليلاً جداً، بأن يأتي في كل سنة يوماً واحداً، والمراد
    بالجنون ما يشمل فقد الشعور القلبي والصراع والخبل والإغماء الميئوس من شفائه، فإذا جن أحد الزوجين كان للآخر الحق في طلب فسخ النكاح، فإذا كان أحد الزوجين معيباً بالعيب الموجود في صاحبه فإنه لا يسقط حقه. كما علمت، ولكن إذا جن الزوجان معاً فإنه يتعذر منهما الخيار فينتقل حقهما إلى وليهما، واعترض بأن الولي لا خيار له بالعيب المقارن للعقد والجنون إذا كان مقارناً للعقد يبطله رأساً، لأنه يشترط أن يزوج من كفء، والمجنون غير كفء والجواب: أنه يزوج وهو يظن أنه سليم من الجنون أو تأذنه هي قبل أن يجن بأن يزوجها من فلان فزوجها منه وبان جنونه، فإن العقد في هذه الحالة يصح، وله حق الفسخ.
    وأما الجذام أو البرص، وهما داءان معروفان، فإنهما الجنون في الحكم المتقدم، وهل يشترط فيهما التفاحش والظهور. أو لا؟ المعتمد أنه لا يشترط، بل يكفي حكم أهل الخبرة، وهو الطبيب الموثوق به في زماننا. ويشترط في الفسخ بوجود عيب من هذه العيوب. أو غيرها مما يأتي أن لا يعلم أحدهما به، فإن علم ورضي لم يكن له حق في الفسخ، إلا العنة فإن العلم بها لا يضر كما يأتي.
    فإذا رضيت المرأة بعيب من هذه العيوب ولم يرض وليها كان للولي الحق في طلب الفسخ بشرط أن يكون العيب موجوداً حال العقد، أما إذا حدث بعده فليس له الحق. وذلك لأن حق الولي في هذه الحالة هو حقه في الكفاءة. وهذه العيوب تنافي الكفاءة، فمتى كان الزوج سليماً منها عند العقد. فقد صادف العقد كفاءته، فلا حق للولي في الاعتراض على ما يحدث بعد العقد، وكذا لا حق له في الاعتراض على ما هو من اختصاص المرأة، كما إذا رضيت بالعنين أو المجبوب فإن اللذة خاصة بها لا شأن له فيها.
    فإن قلت: إنكم قد اشترطتم في ثبوت حق الفسخ للمرأة أن لا تعلم العيب فإن علمت به فلا فسخ، وهذا لا يمكن تصوره في العيب المقارن لأنها إن علمت به ووليها سقط الخيار، وإن لم تعلم به بطل العقد لأنه وقع من غير كفء، فليس لها الخيار، والجواب هو ما ذكرناه قبل هذا، وهو أنه يتصور فيما إذا أذنت المرأة وليها أن يزوجها من هذا الشخص المعين، فزوجها منه وهو يظن أنه سليم ثم بان أن به عيباً، فإن العقد في هذه الصورة يقع صحيحاً على المعتمد، ويكون للزوجة أو وليها حق الفسخ بعد العلم.
    أما العيوب المختصة بالمرأة التي تجعل للرجل الحق في الفسخ، فهما الرتق والقرن، وإن شئت قلت: انسداد محل الجماع بأمر خلقي أو عارض بحيث لا يتأتى معه التمتع المقصود من العقد، وإذا كانت بالغة، وطلب منها الزوج إزالته بعملية جراحية، فإنها لا تجبر، وهو بالخيار، إن شاء قبل وإن شاء فسخ العقد، هذا إذا كانت كبيرة، أما الصغيرة فلوليها أن ينظر إلى مصلحتها فإن كانت الإزالة لا خطر فيها وجبت عليه الإزالة، والفرق واضح، وهو أن البالغة تدرك معنى اللذة، وتعلم أن
    عصمتها بيد الزوج، فإذا رفضت إزالة ما بها كان معنى هذا أنها زاهدة في الزوج وفي اللذة مفضلة بقائها على حالها، أما الصغيرة فإنها لا تدرك، فوليها مسؤول عنها،
    أما العيوب المختصة بالرجل، فهما الجب والعنة، فالمجبوب - هو مقطوع الذكر - كله أو بعضه بحيث لم يبق منه قدر الحشفة التي تصل، أما قطع الحشفة وحدها فإنه لا يضر، خلافاً للمالكية، ولا يشترط في طلب الفسخ بالجب أن تكون هي سليمة من العيب المقابل، فلو كانت رتقاء، وهو مجبوب جاز لها أن تطالب بالفسخ، وفاقاً للمالكية، وخلافاً للحنفية، فلا يشترط لها إلا عدم العلم، فلو علمت به ورضيت سقط حقها في الفسخ، أما عدم الوطء فإنه ليس بشرط، فلو وطئها ثم جب بعد ذلك كان لها الحق في الفسخ، خلافاً للمالكية، والحنفية، وهو قريب من العقل، لأن المقصود من الزواج الاستمتاع، والجب يقطع الأمل منه نهائياً، فكأن المرأة متزوجة بامرأة مثلها فإذا رضيت بالبقاء على هذه الحالة فذاك، وإلا كان لها الحق، ولذا بالغ الشافعية في هذا فقالوا: إن لها الحق في الفسخ، ولو قطعته هي بيدها.
    والعنين فقد عرفوه بأنه العاجز عن اتيان امرأته في قبلها، حتى ولو كان قادراً على اتيان غيرها. أو اتيانها هي في دبرها، ويشترط لإثبات العنة شرطان: الأول: أن لا يكون الزوج صبياً أو مجنوناً، فإن كان صبياً أو مجنوناً فإن دعوى العنة فيهما لا تسمع، وذلك لأن العنة لا تثبت إلا بأحد أمرين: الإقرار أو نكوله عن الحلف بعد أن تحلف هي يمين الرد، وذلك لا يتصور من الصبي أو المجنون، على أن لها حق الفسخ بالجنون وعليهما انتظار الصبي حتى يبلغ، فعساه أن يبرأ. الثاني: أن لا تكون العنة قد حدثت بعد الوطء، وإلا فلا حق لها في الفسخ. وذلك لأنها في هذه الحالة ترجو زوالها، ولا يشترط عدم علم الزوجة بالعنة قبل العقد فلو كانت عالمة بها فلها حق الفسخ، وذلك لأن العنة بهذا المعنى يرجى زوالها، كما قال المالكية، وقد اعترض بأن العنة لا يمكن أن تعرفها المرأة إلا بعد العقد ومخالطة الرجل، فكيف يعقل أن تعرفها قبل؟ وقد أجيب بأن هذا يتصور فيما إذا تزوجها وعرفت منه العنة ثم طلقها وأراد أن يجدد نكاحها، فإن الأصل استمرار العنة، ولا أدري لماذا لا يكون علمها عن طريق إقراره بها أمامها؟!
    فهذه هي العيوب التي توجب الخيار في الفسخ، أما غيرها من عذيطة - تغوط عند الجماع - أو استحاضة، ولو كانت مستحكمة، خلافاً لمن قال: إنها من العيوب، أو بهق، أو بخر. أو قروح سياله. أو حكة. أو نحو ذلك من الأمراض فإنها لا يثبت بها خيار، وكذا إذا كان أحد الزوجين خنثى واضح الخنوثة، كأن كان فرج المرأة كاملاً، ولكن لها ما يشبه الآلة المائتة الصغيرة. أو كان للرجل ذكر واضح وشق لا قيمة له، أما الخنثى المشكل فلا يصح العقد عليه رأساً. على أنهما قالوا إذا كان بأحدهما مرض دائم لا يمكن معه الجماع، وقد أيس من زواله كان من قبيل العنة وحينئذ يفصل فيه بين كونه قبل الوطء فيثبت به حق الخيار أو بعده فلا يثبت.
    والحاصل أن العيوب التي يثبت بها حق الفسخ لأحد الزوجين أو لهما سبعة منها ثلاثة مشتركة
    وهي: الجنون والجذام والبرص، ومنها اثنان يختصان بالمرأة وهما: الرتق والقرن ولم يذكروا العقل لأنه داخل فيهما، واثنان يختصان بالرجل، وهما الجب والعنة وأما الخصاء وهو - قطع الأنثيين، مع بقاء الذكر ينتصب - فإنه ليس بعيب، ولو كان لا يمني خلافاً للمالكية، أما إذا استوجب الخصاء عدم الانتصاب كان ذلك في حكم العنين.
    وبذلك تعلم أن المالكية زادوا العذيطة في العيوب المشتركة، وزادوا الخصاء والاعتراض في عيوب الرجل وزادوا العفل، والبخر والافضاء في عيوب المرأة كما يعلم من الاطلاع في مذهبهم.
    والفسخ بالعيوب المذكورة على الفور، إلا العنة فإنه يمهل الزوج سنة، لا فرق بين أن يكون حراً أو عبداً، خلافاً للمالكية الذين يجعلون المهلة نصف سنة للعبد ووفاقاً للحنفية والحنابلة، ولا أعرف سبباً للتفرقة هنا لأن الدليل الذي بني عليه التأجيل، وهو أن عمر قد أجل للعنين سنة - لم يفرق بين الحر وغيره ويشترط للفسخ بكل عيب من العيوب زيادة على ما مضى شرطان. أحدهما: رفع الأمر للقاضي فلو تراضيا على الفسخ بالعيب الذي يفسخ به فإنه لا يصح. نعم يصح بالمحكم المستكمل للشروط فإذا أقام الزوجان حكماً وقضى بالفسخ فإنه يصح، خلافاً للحنفية. ثانيهما: إقامة البينة على العيب الذي يمكن إثباته بالبينة، كالجذام والبرص. أما العنة فإنها تثبت بإقراره عند القاضي أو عند شاهدين بها عند القاضي، إذ لا يتصور ثبوتها بالبينة، إذا ليس عندهم ما يفيد عرض الزوج على الطبيب الخبير، فإن لم يعترف حلف هو فإن نكل ردت اليمين عليها فحلفت أنه عنين لجواز اطلاعها بالقرائن.
    فإذا ثبت العنة عند القاضي بالإقرار. أو الحلف أجل القاضي له الفسخ سنة تبتدئ من وقت ثبوت العنة، وبعد السنة ترفع المرأة الأمر للقاضي، فإن ادعى الزوج أنه أتاها، فإن كانت ثيباً حلف أنه أتاها، فإن نكل عن اليمين حلف أنه ما وطئها، فإن حلفت أو أقر هو بذلك فسخ القاضي بعد قوله: ثبت عنته، أو ثبتت حق الفسخ، ولو لم يقل حكمت، أما إذا كانت بكراً حلفت هي أولاً، فإن نكلت حلف هو، وذلك لأن الظاهر - وهو البكارة - يؤيدها.
    فإذا مرضت المرأة أو منعت عنه طرحت أيام مرضها من السنة، وعوض الزوج أياماً أخرى أما إذا وقع ذلك للزوج فإنه يحتسب عليه.
    أما السلامة من العيوب الأخرى، كالسواد ونحوه، فقد مر حكمها في الشروط، فارجع إليها إن شئت.
    الحنابلة - قالوا: العيوب في النكاح تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول يختص بالرجل، وهي الجب، والعنة، والخصاء، فأما الجب، فهو - قطع عضو التناسل - كله أو بعضه بحيث لم يبق معه ما يمكن به الوطء، والعنة هي - العجز عن وطء امرأته في قبلها - أما لو قدر على وطئها في دبرها أو وطء امرأة غيرها، فإن العنة لا ترتفع عنه بذلك، كما يقول الشافعية والحنفية فمتى عجز الرجل عن وطء امرأته كان عنيناً ولو اشتهاه، والخصاء هو - قطع الأنثيين - أو سلهما كما يسل الأنثيان من الحيوان مع بقاء جلديهما، ولو كان الذكر باقياً سليماً يمكن الوطء به، لأن الخصاء إما أن يمنع الوطء أو يضعفه،
    وكلاهما عيب، فإذا طلبت امرأة المجبوب، أو المخصي فسخ العقد أجيبت إلى طلبها بدون مهلة، ومثل ذلك ما إذا كان الذكر أشل لا أمل في شفائه إذ لا فائدة من التأجيل، وأما إذا كان عنيناً فإنه يؤجل سنة هلالية رجاء برئه. وتبتدئ من وقت المحاكمة، ولا يحتسب عليه منها الأيام التي تنقطع المرأة عنه فيها بفعلها، أما إذا انقطع عنها هو حسبت عليه، ويشترط في ثبوت العنة إقرار الزوج بها أمام القاضي أو أمام بينة تشهد بذلك الإقرار وإن كان للمرأة بينة من أهل الخبرة والثقة عمل بها، وهذا حسن، لأن معنى هذا عرض المعيب على الطبيب الثقة الخبير، وقراره يفصل في الموضوع. ومثل ذلك ما إذا ادعت أن بذكره شللاً فإنه لا يمكن أن يحكم في الموضوع حكماً صحيحاً إلا الطبيب الخبير.
    ويشترط في الفسخ شروط: أحدها أن يرفع الأمر لحاكم فلو رفع لغيره وأجل سنة هلالية لا ينفع التأجيل، وكذا إذا فسخه غير الحاكم، وهذا الشرط في كل العيوب إذ لا بد في الفسخ بكل عيب من الحاكم. ثانيها: أن يكون الزوج بالغاً، فلو كان صغيراً أو عجز عن الوطء فلا حق لها في رفعه للقاضي لإثبات عنته، لأنه يحتمل أن يكون ذلك بسبب الصغر، فإذا بلغ وعجز رفع أمره ليمهله سنة كغيره. ثالثها: أن لا ترضى الزوجة بالعنة، فإن علمت بأنه عنين قبل العقد ورضيت به وثبت ذلك العلم ببينة فإن القاضي لا يؤجل، وفاقاً للحنفية، وخلافاً للمالكية. والشافعية الذين يقولون: إن علم المرأة بالعنة قبل الدخول لا يسقط حقها، وإذا علمت بالعنة بعد الدخول وسكتت بدون أن تصرح بالرضا فإنه لا يسقط حقها، أما إذا قالت: رضيت به عنيناً، فلا خيار لها أبداً.
    فإن أمهله القاضي سنة، وادعى أنه وطئها في قبلها وكانت ثيباً فأنكرت، فالقول قولها، لأن الأصل عدم الوطء، وقد تأيد ثبوت العنة، فلذا كان القول قولها، وهذا بخلاف ما إذا ادعى الوطء قبل ثبوت العنة وأنكرته، فالقول له مع يمينه، لأن الأصل السلامة، وقد عرفت أنه إن كان للمدعي بينة من أهل المعرفة والثقة عمل بها، كما صرح به في المبدع، ولا أوثق من الطبيبة الثقة، أما إذا كانت بكراً وادعى أنه وطئها في خلال السنة وشهدت ثقة ببقاء بكارتها، كان القول قولها أما إذا شهدت بزوال البكارة كان القول له، فإن قالت: إنه أزالها بغير الوطء، كان عليه في هذه الحالة اليمين، ولا يخفى أن هذه الحالة تعرف بالخبير الثقة، وهي الطبيبة، فيعمل برأيها بناء على ما ذكر والأحوط أن يؤخذ في ذلك برأي طبيبين.
    القسم الثاني: يختص بالمرأة، وهو الرتق، والقرن، والعفل، والفتق، وقد عبر عنه المالكية بالإفضاء، وهو اختلاط مسلكي البول والمني، أو اختلاط الدبر بالقبل، ويقال لها - شريم - كما تقدم، والاستحاضة، ويخرج الفرج نتناً يخرج منه بالوطء، أما بخر الفم فهو عيب مشترك كما يأتي، فإذا وجد عيب في المرأة من هذه العيوب كان للرجل طلب الفسخ بدون مهلة ولا ينتظر وقت إمكان الوطء لأن الأصل بقاء المرض بحاله فإذا كانت الزوجة عقلاء، أو قرناء، أو رتقاء وكانت صغيرة، لا ينتظر كبرها، بل له الفسخ في الحال.
    القسم الثالث: عيوب مشتركة بين الزوجين، وهي الجنون والجذام والبرص وسلس البول
    واستطلاق الغائط، أو بعبارة أخرى الإسهال الدائم، ومن باب أولى العذيطة التي يقول بها المالكية، فإن شر من هذا. لأنها عبارة عن التغوط عند الجماع، وقروح سيالة في فرج المرأة. أو ذكر الرجل، ولا يخفى أن السيلان. أو الزهري من هذا، أو هو شر منه والباسور أو الناسور وقراع رأس له رائحة منكره وبخر فم، وأن يكون أحد الزوجين خنثى واضحاً، فإن الخنوثة الواضحة عيب يفسخ به، أما المشكلة فإن العقد يبطل معها.
    فأما البرص والجذام والجنون، فإنها تجعل لأحد الزوجين الحق في طلب الفسخ في الحال سواء كان الزوج صغيراً أو كبيراً، وكذلك الزوجة.
    ولا فرق في الفسخ بعيب من العيوب المذكورة جميعاً بين أن تكون موجودة قبل العقد أو حدثت بعده، كما لا فرق فيها بين أن يكون قبل الدخول أو بعده، ولكن يشترط في ثبوت حق الفسخ بها كلها عدم الرضا، فإن رضي أحدهما بالعيب صريحاً بأن قال: رضيت، أو ضمناً بان مكن من نفسه، فلا خيار له، ولا يشترط أن يكون أحدهما خالياً من العيب، كما يقول الشافعية والمالكية خلافاً للحنفية، ثم إن كان الفسخ قبل الدخول، فلا مهر لها، سواء كان الفسخ منه، أو منها. وذلك لأن طلب الفسخ إن كان منها كانت الفرقة منسوبة إليها فلا تستحق مهراً، وإن كان منه كانت الفرقة منسوبة إليها لسبب العيب الذي دلسته عليه فكأنه منها. وقد يقال: إنه إذا كان منها العيب في الرجل أنه دلس عليها العيب فكان منسوباً إليه، مثل ما إذا كان العيب بها ودلسته عليه.
    وإن كان الفسخ بعد الدخول أو الخلوة فلها المهر المسمى في العقد سواء كان الفسخ منها أو منه وذلك لأن الصداق عندهم يتقرر بالخلوة. والقبلة، والنظر بشهوة، وغير ذلك فلا يسقط ومثل ذلك ما لو مات أحدهما قبل الدخول، وللزوج الحق في الرجوع بالمهر على من غره فأوقعه في الزواج بالمعيبة إذا كان بعد الدخول، أو الخلوة ونحوها، أما قبل الدخول فلا مهر، وأما بعد موت أحدهما فلا رجوع له.
    وإذا زوج الولي الصغيرة، أو المجنونة بمعيب. فإن علم به وقت العقد بطل العقد وإن لم يعلم صح العقد. وله حق الفسخ.
    وإذا زوجت الكبيرة بمجنون أو أجذم أو أبرص ورضيت به كان للولي حق الاعتراض وطلب الفسخ، لأن ذلك يرجع إلى الكفاءة خصوصاً أن فيه ضرراً يخشى أن يتعدى إلى الولد وإلى الأسرة، أما إذا رضيت بالعنين. والمجبوب والخصي فلا حق للولي في الاعتراض لأن الوطء من حق المرأة دون غيرها وهي رضيت أن تعيش بدونه فلا إكراه لها كما يقول الشافعية في الحالتين، وإذا حدث العيب بعد العقد فلا حق للولي مطلقاً، لأنه حق للولي في ابتداء العقد لا في دوامه) .
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #189
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 169 الى صــــــــ
    197
    الحلقة (189)


    (2) (المالكية: - قالوا: ستعرف أن لهم قولين في ذلك أظهرهما الحكم بصحة عقد النكاح بين غير المسلمين إذا كان مستوفياً لشرائطه عند المسلمين فلا خلاف وسيأتي إيضاح ذلك في التفصيل الآتي
    (3) (قالوا: لا يقع طلاق الكافر لأنه يشترط لصحة الطلاق الإسلام كما ستعرفه) .

    (4) (الحنفية - قالوا: لا عدة على الكافرة إلا إذا كانت كتابية متزوجة بمسلم وطلقها فإنها تعتد بلا خلاف) .

    (5) (الحنفية - قالوا: النكاح الواقع بين الملل الأخرى من كتابيين. أو مشركين، أو صابئين أو مجوس أو غيرهم إذا كان مستكملاً للأركان والشرائط التي ذكرها المسلمون كان العقد صحيحاً في نظر المسلمين لأن كل صحيح بين المسلمين، فهو صحيح بين غيرهم، مثلاً إذا تزوج المشرك مشركة بإيجاب وقبول صحيحين مستكملين للشروط بحضرة شاهدين. أو رجل وامرأتين وأمهرهما ما يصح أن يكون مهراً فهذا النكاح يعتبر عند المسلمين صحيحاً ومهره صحيح كما لو وقع بين مسلمين بلا فرق. أما المالكية فإنهم لا يقولون بصحته، كما سيأتي، وقد استدل الحنفية بقوله تعالى. {وامرأته حمالة الحطب} فقد اعتبر الله سبحانه النكاح القائم بين أبي لهب وصاحبته ونسبها إليه، فقال: "وامرأته" ولو كان فاسداً لم تكن امرأته بحسب العرف واللغة، واستدلوا بحديث "ولدت من نكاح لا من سفاح" ووجه كون الحديث حجة أنه اعتبر ما وقع في الجاهلية موافقاً لعق نكاح المسلمين نكاحاً صحيحاً إذ لو كان فاسداً لكان سفاحاً كسفاح الجاهلية ولكن هذا الحديث لا يصلح حجة.
    وستأتي مناقشتة في مذهب المالكية، فاقرأها هناك بإمعان.
    أما إذا وقع النكاح بينهم فاسداً فإن ذلك يكون على أنواع: منها أن يقع بغير شهود، فإذا تزوج الكتابي كتابية بغير شهود، أو الوثني تزوج بغير شهود فلا يخلو إما أن يكون جائزاً في شريعتهم أو لا، فإن كان جائزاً فإنهم عليه حتى إذا أسلما بقيا على نكاحهما الواقع بغير شهود، وإذا لم يسلما وترافعا إلى قاضي المسلمين أو ترافع أحدهما فإنه يقرهما عليه ولا يفرق بينهم، أما إذا كان لا يجوز في ديانتهم فإنهما لا يقران عليه عند المسلمين أيضاً، ومنها أن يتزوج كتابي كتابية وهي في عدة الغير، فإن كانت في عدة مسلم بأن مات عنها زوجها المسلم أو طلقها وهي في عدته، فإن النكاح يقع فاسداً بلا خلاف، ويفرق بينهما، ولو كان ذلك جائزاً في دينهم ويتعرض لهم في ذلك وإن لم
    في التفرق بينهما أن يترافعا إلى القاضي، أو يترافع أحدهما، إذ لا يتصور في هذه الحالة أن يترافعا، ومثل ذلك ما إذا تزوج ذمي مسلمة فإن التفريق بينهما لا يحتاج إلى مرافعة وطلب أصلاً أما إذا كانت العدة في عدة غير مسلم سواء كان موافقاً لها في دينها أو لا، وكان زواج المعتدة جائزاً في دينهم فإن فيه خلافاً، فأبو حنيفة يقول: إنهما يقران عليه قبل الإسلام وبعده، وإذا ترافعا. أو ترافع أحدهما إلى قاضي المسلمين فإنه لا يفرق بينهما، وأما صاحباه فإنهما يقولان: إنهما لا يقران عليه ما دامت المرأة في العدة، بمعنى أنه يفرق بينهما إذا كانت العدة قائمة، أما إذا تزوجها في العدة، ثم انقضت عدتها وترافعا إلى قاضي المسلمين فإنه لا يفرق بينهما باتفاق. والصحيح قول أبي حنيفة والفرق بين عدة الكافر أن العدة تشتمل على حقين: حق الشرع، وحق الزوج. والزوجان الكتابيان ونحوهما لا يخاطبان بحق الشرع. ولا وجه إلى إيجاب العدة حقاً للزوج لأن الزوج لا يعتقد بإجابها.
    كما هو المفروض أما إذا كانت عدة مسلم فإنها تجب على الكتابية حقاً للمسلم لأنه يعتدها.
    ومن هنا كان الصحيح الذي لا شك فيه أن المسلم إذا تزوج كتابية تحت زوج كتابي وفارقته لا يصح له أن يعقد عليها قبل انقضاء العدة، خلافاً لقول بعضهم: إن العقد عليها يصح، ولكن لا يطؤها إلا بعد الاستبراء بالحيض. لأن العدة كما عرفت فيها حق الله تعالى ويخاطب به من يعتقده. والمسلم يعتقده فيلزمه العمل به. هذا، وإذا فرضنا أن الكتابيين وغيرهم من أرباب الديانات الأخرى لا عدة عندهم، ففارقها زوجها مثلاً بموت، أو طلاق وتزوجها آخر بعد ذلك بأسبوع مثلاً، ثم جاءت بولد قبل مضي ستة أشهر من تاريخ زواجها بالثاني، وهي أقل مدة الحمل، فهل يكون نسب الولد من الزوج الأول أو لا؟ الذي قالوه: أن النسب لا يثبت من الأول، ولكن بعض المحققين قال: إنه يثبت لأنه لا يلزم من صحة العقد على الثاني عدم ثبوت النسب من الأول إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر، لأن معنى هذا أنه ابن الأول بلا كلام، وإن كان عقد الثاني صحيحاً قي ديانتهم، ومنها أن يتزوج محرماً له، كأن يعقد على بنته، أو أخته، كما هو في شريعة المجوس أو يتزوج عمته، أو يجمع بين الأختين كما هو في شريعة اليهود، أو نحو ذلك، فإذا وقع ذلك فإنها تعتبر صحيحة ما داموا على ديانتهم، فيتركون عليها ولا يتعرض لهم أما إذا أسلما. أو ترافعا إلى القاضي لينظر في صحة هذا النكاح، فإنه يجب أن يفرق بينهما، وإن ترافع إليه أحدهما فقيل: يفرق. وقيل: لا.
    والصحيح أنه لا يفرق إلا إذا ترافعا إليه معاً، وإذا تزوج اليهودي أختين في عقد واحد وفارق واحدة منهما وهو على دينه، ثم أسلما بقي عقد الثانية صحيحاً ولا يفرق بينهما باتفاق. ومنها أن يطلقها ثلاثاً، ثم يعود إليها بدون محلل، وفي هذه الحالة إذا أسلما أو ترافعا إلينا فإننا نقرهما عليه.
    ثم إن القاعدة أن كل عقد يقرهم عليه القاضي إذا ترافعا إليه وهم على دينهم. أو بعد إسلامهم فإنه يترتب عليه ما يترتب على العقد الصحيح من ثبوت نسب، وعدة، وإحصان للزوج ويتوارثان به،
    وكل عقد لا يقرون عليه، كنكاح المحارم، فإنه يثبت به النسب. والإحصان ما داموا على ديانتهم، ولكن لا يتوارثان به. وهذا إذا أسلما معاً، أو بقيا على دينهما، أما إذا أسلم أحدهما فإن كانت الزوجة دون الزوج عرض القاضي عليه الإسلام، فإن أسلم بقيت الزوجية بينهما، وإلا فرق بينهما فإذا عرض عليه القاضي الإسلام وسكت عرضه عليه مرة ثانية، وثالثة، فإن سكت بعد الثالثة، فرق بينهما وإن كان الزوج صغيراً، فإن كان مميزاً عاقلاً عرض عليه الإسلام، كالبالغ بدون فرق أما إذا كان غير مميز فإنه ينتظر تمييزه، وإن كان مجنوناً عرض الإسلام على أبويه، فإن أسلما معاً أو أسلم أحدهما بقيت الزوجية قائمة، وإن امتنعا فرق بينهما، وفي هذه الحالة تكون الفرقة طلاقاً لأن الاباء من قبل الزوج.
    وهو يملك الطلاق فيكون اباؤه طلاقاً، ولا فرق بين أن تكون الزوجة كتابية، أو وثنية لا كتاب لها لأنها متى أسلمت لا تحل للزوج الكتابي، أو الوثني على أي حال، قال تعالى: {لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} فإذا تزوج ذمي مسلمة ثم أسلم فرق بينهما، لأن العقد الأول وقع باطلاً بالإجماع ومن باب أولى إذا كان وثنياً، وإن أسلم الزوج دون الزوجة، فلا يخلو إما أن تكون الزوجة كتابية أو وثنية لا كتاب لها، فإن كانت كتابية بقي النكاح على حاله بدون أن يعرض عليها الإسلام لأنها تحل للمسلم وهي على دينها، وإن كانت وثنية عرض عليها الإسلام، فإن أبت فرق بينهما، ولم تكن الفرقة في هذه الحالة طلاقاً لأن المرأة لا تملك الطلاق فإباؤها الإسلام لا يترتب عليه الطلاق، وإذا تزوج المسلم مشركة أسلمت وتنازعا فقالت: إن المسلم عقد عليها وهي مشركة، فقال: بل عقدت عليها وهي مسلمة كان القول لها، ويفرق بينهما. هذا إذا وقع العقد بين غير المسلمين الموجودين في دار الإسلام، أما إذا وقع بينهما في دار الحرب، ثم هاجر إلينا أحدهما، فإن فيه تفصيلاً يأتي قريباً. هذا، وقد بقي حكم ما إذا تزوج غير المسلم أكثر من أربع، أو تزوج أختين ثم أسلم، وفيه تفصيل، وهو: أنه إذا كان قد تزوجهن بعقود متفرقة حكم بفساد العقد الأخير، أما إذا تزوجهن في عقد واحد فإن فارق واحدة من الخمس أو فارق إحدى الأختين بموت أو إبانة قبل دخول الإسلام فإنه يقر على الأربع الباقيات معه. أو على الأخت الباقية، وإلا فسد نكاح الجميع، سواء كان ذمياً أو حربياً، على الصحيح، وهذا التفصيل إذا لم يقع سبي للزوج ومعه زوجاته، فإذا سبي وتحته خمس نسوة أو أختان بطل نكاح الجميع، سواء كان بعقود متفرقة أو كان في عقد واحد، وإذا سبي معه ثنتان لم يفسد نكاحهما بل يفسد نكاح الباقيات في دار الحرب.
    فيفرق بينهما. ومثل ذلك ما إذا كان تحته أربع، وسبي منهن معه ثنتان. فإنه لا يفسد نكاحهما، بل يفسد نكاح الباقيتين في دار الحرب.
    وإذا جمع غير المسلم بين البنت وأمها. فلا يخلو إما أن يكون قد جمع بينهما في عقد واحد أو عقود متفرقة وعلى كل إما أن يدخل الإسلام قبل الدخول أو بعده فإن تزوجهما في عقد واحد فنكاحهما باطل، سواء دخل بهما. أو لا، وإن تزوجهما في عقدين ودخل بهما جميعاً بطل نكاحهما بالإجماع، وإن كان قد دخل بواحدة فقط ثم تزوج الثانية بعد الدخول بالأولى ولم يدخل بها وأسلم فسد نكاح
    الثانية، سواء كانت أماً أو بنتاً، وذلك لأن الثانية إذا كانت أماً، ولم يدخل بها لا يفسد نكاح بنتها الأولى. وإن كانت بنتاً فالعقد عليها لا يفسد نكاح أمها، أما إذا عقد على واحدة منهما أولاً ولم يدخل بها، ودخل بالثانية، فإن كانت الأولى بنتاً والثانية أماً بطل نكاحهما معاً. وذلك لأن العقد على البنات يحرم الأمهات، والدخول بالأمهات يحرم البنات. أما إذا كانت الثانية بنتاً ودخل بها دون الأم، ففيها خلاف، فبعضهم قال: أن النكاح باطل ويفسخ، وذلك لأن الدخول بالبنت أبطل عقد أمها، والعقد على أمها أبطل عقدها، فإذا أراد أن يتزوج إحداهما بعد الإسلام فإنه يحل له أن يتزوج البنت دون الأم، لأن الدخول بالبنت جعل التحريم مؤبداً بينه وبين أصولها أما العقد على الأم فإنه لا يوجب تأبيد التحريم.
    الشافعية - قالوا: نكاح غير المسلمين في ديار الإسلام يتركون عليه ولا يتعرض لهم ما داموا على دينهم، سواء كان صحيحاً في نظر الإسلام، أو فاسداً وإذا أسلموا عليه بدون بحث لأن الأصل في أنكحتهم الصحة، فإذا تزوجها ودخل بها دون شهود، أو تزوجها لمدة معينة مؤقتة - وهو نكاح المتعة - فإنهم يقرون عليه بشرط أن يعتقدوا في نكاح المتعة أنه نكاح دائم أما إذا اعتقدوا أنه مؤقت فإنهما لا يقران عليه وذلك لأنهما إن أسلما قبل انقضاء الوقت المحدد كان إقراراً لهم على فاسد قبل الإسلام ولم يزل عند الإسلام وهو ممنوع، كما ستعرفه.
    وإذا أسلما بعد انقضاء الوقت المحدد بينهما فالأمر ظاهر لأنهما يعتقدان انتهاء النكاح بانتهاء وقته فلا معنى لإقرارهما على الزنا، والمعتبر اعتقاد أهل ملة الزوج لا أهل ملة الزوجة.
    وقد يقال: إن مثل هذه الأنكحة قال بصحتها بعض أئمة المسلمين أيضاً والكلام هنا يصح أن يكون في الفاسد المجمع على فساده فإذا تزوجها بنكاح فاسد عند جميع المسلمين فإنهم يتركون عليه ويقرون عليه بعد إسلامهم. أو بعد مرافعتهم إلينا إن لم يكن ظاهراً لنا بقاء فساده عند الإسلام، مثال ذلك أن يتزوجها وهي في عدة الغير ويبني بها وتنقضي عدتها ثم يدخلان الإسلام، فإنهما لا يقران على هذا النكاح، وذلك لأن الشرط في إقرارهم على النكاح الفاسد أن لا يستمر المفسد المعلوم لنا إلى وقت الإسلام، فإذا أسلما قبل انقضاء عدتها من الغير ولم يظهر لنا ذلك، فليس لنا أن نبحث عن المفسد ولا عن كونه مستمراً إلى الدخول في الإسلام، أو لا.
    وحاصل هذا أننا لا نتعرض لأنكحة غير المسلمين وهم على دينهم، فإذا ترافعوا إلينا أو أسلموا فإننا نقرهم عليها من غير بحث عن كونها وقعت صحيحة أو فاسدة بحيث لا يجوز لنا البحث، فإن ظهر لنا فسادها ننظر فيما إذا كان المفسد باقياً وقت الإسلام، أو زال. فإن كان باقياً فرقنا بينهما، وإن كان قد زال أقررناهم عليه، كما بيناه فيما إذا عقد عليها وهي في عدة الغير.
    فإذا لم نعرف أنه تزوجها وهي معتدة فلا يصح لنا أن نسألهما في ذلك أو نبحث عنه، أما إذا كان المفسد ظاهراً لنا بحيث لا يمكن إخفاؤه، كما إذا تزوج المجوسي محرماً من محارمه، كأخته. وبنته، وعمته. وزوجة أبيه. وابنه، فإن المفسد في هذه الحالة ظاهر ومجمع عليه، فإذا أسلما
    فرق بينهما كما يقول الحنفية، وكذلك إذا ترافعوا إلينا وهم على دينهم أو ترافع إلينا أحدهما خلافاً للحنفية، فإننا لا نقرهم عليه، وإذا أسلمت الزوجة، سواء كانت كتابية. أو غير كتابية، فإن كان إسلامها قبل الوطء. أو ما في معناه. كاستدخال مني الرجل بغير الوطء وقعت الفرقة بينهما حالاً إن لم يسلم معها، وإن أسلمت بعد الدخول كان عليها العدة، فإذا أسلم الزوج قبل انقضاء العدة، ولو في آخر لحظة منها لم يفسخ العقد، وإلا فرق بينهما والفرقة بينهما فسخ لا طلاق، وقد عللوا ذلك بأنهما مقهوران عليها، والطلاق إنما يكون بالاختيار، فلذا كانت الفرقة فسخاً لا طلاقاً، ولعل وجهه أنه إذا أسلم أحدهما كان الآخر مكرهاً على الإسلام. أو الفراق، فالإكراه من هذه الناحية ظاهر، فلا يرد أن الإسلام، أو الامتناع عنه صادر بالاختيار، أما ما أجيب به من أنهما مكرهان معاً على الإسلام بحسب الأصل، فإنه غير ظاهر، كما لا يخفى. وإذا أسلم الزوج، سواء كان كتابياً. أو غير كتابي وتحته امرأة كتابية، فإن نكاحهما يبقى لأنها تحل له ابتداء، فإن كانت كتابية مستكملة للشرائط المتقدمة وهو كتابي قبل الإسلام، فهي حل له باتفاق، وإن كان وثنياُ غير كتابي، وهي كتابية، فإنها تحل له عند الشافعية على الراجح.
    وإذا أسلما معاً في آن واحد بأن انتهى كل واحد منهما بالنطق بالشهادتين في آن واحد بقيت الزوجية بينهما. سواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده.
    وإذا تزوجت غير المسلمة صغيراً من دينها فأسلم أبوه، وأسلمت هي مع أبيه، ففيه خلاف، فبعضهم يقول: إن النكاح بينها وبين زوجها الصغير يفسخ. وذلك لأن الصغير يحصل إسلامه تبعاً لإسلام والده فيكون عقبه. وقد قلنا أن إسلامها هي قد حصل مع إسلام الأب فيكون إسلامها متقدماً على إسلام زوجها قبل الدخول فتنجز الفرقة بينهما. ومثل ذلك ما إذا أسلمت عقب إسلام والده، لأن إسلام الزوجة في هذه الحالة متأخراً عن إسلام الصغير.
    والحاصل أن المعية التي يتقرر بها النكاح يشترط فيها أن يسلما معاً في آن واحد بحيث لا يتقدم أحدهما الآخر شيئاً ما، وإسلام زوجة الصغير بهذه الصورة لم تتحقق به هذه المعية لأنها إما قبله أو بعده كما عرفت.
    وبعضهم يقول: أنها إذا أسلمت مع والد الصغير فإن نكاحها يبقى، وذلك لأن ترتيب إسلام الصغير على إسلام أبيه لا يقتضي أن إسلام الأب متقدم على إسلام الابن بالزمان، بل الشارع قد جعل نطق الأب بالشهادتين إسلاماً له ولابنه الصغير في آن واحد، فإسلام الزوجة قارن إسلامهما معاً، نعم إن إسلام الأب متقدم على إسلام البن عقلاً، لأنه علة فيه والعلة متقدمة على المعلول عقلاً، ولكن التقدم العقلي لا عبرة به هنا. أما وجهة نظر الأول، فهو أن العلة وإن كانت مقارنة للمعلول في الزمان. ولكن الحكم بإسلام الابن لا يمكن إلا بعد إسلام الأب، فلا يقال للولد: إنه مسلم ما لم يحكم للأب بالإسلام، وكلاهما حسن، إلا أن الأول أظهر، لأن الغرض من هذه المسألة أن نحكم بأن إسلام الزوجة مقارن لإسلامهما معاً، ولا شك أن كلمة الشهادتين الحاصلة من الأب أغنت عنه وعن ابنه،
    فكأنها صدرت منهما معاً، والفرض أن الزوجة قالتها مع الأب فهي في الواقع مقارنة لإسلامهما معاً بلا نزاع، أما أن الحكم للأبن بالإسلام لا يكون إلا بعد ثبوت إسلام الأب، فلا يؤثر في هذا، كما لا يخفى.
    هذا في الصورة الأولى، أما في الصورة الثانية، وهي ما إذا أسلمت عقب والد زوجها الصغير فإنه قد يقال: إنها إذا أسلمت عقبه مباشرة، وقد قررتم أن إسلام الصغير يتأخر عن إسلام أبيه، كما هو الرأي الأول، فيكون إسلامها في هذه الحالة مقارناً لإسلام زوجها الصغير، لأن كليهما قد تأخر عن إسلام الأب، وهو المطلوب، والجواب: أن إسلام الصغير حكمي حكم به الشارع تبعاً لإسلام أبيه، وإسلامها هي قولي، والحكمي متقدم على القولي لأنه لا يحتاج إلى عبارة يعبر بها بخلاف القولي.
    هذا، وإنني أعلم أن مثل هذه الصورة نادرة الوقوع، ولكنني قصدت من إيرادها بيان الفلسفة المتعلقة بها للإفادة بها في غيرها، وللدلالة على مقدار عناية المتقدمين بالمباحث الفقهية وحكمها، وذلك ما أتوخاه في غالب الأحيان.
    هذا، وإذا طلقها ثلاثاً قبل الإسلام ثم جدد نكاحها بدون محلل، وتحاكما إلينا في ذلك، أو أسلما فإنه يفرق بينهما، أما إن جدد العقد بمحلل في الكفر فإنه يكفي.
    وإذا أسلم غير المسلم وتحته أكثر من أربع نسوة، فإن في هذه الحالة صوراً:
    الصورة الأولى: أن يسلمن معه جميعهن دفعه واحدة، وفي هذه الصورة يجعل له الخيار في البقاء مع أربعة منهن وترك الباقي سواء دخل بهن. أو لم يدخل وله الحق في أن يختار من عقد عليها أخيراً، ولو كانت خامسة، أو سادسة، خلافاً للحنفية فإنهم يقولون ببطلان عقد الأخيرة.
    الصورة الثانية: أن يسلمن جميعاً قبله. أو يسلمن بعده، وفي هذه الحالة ينظر إن كانت عدتهن قد انقضت قبل إسلامه. أو إسلامهن. أو لا، فإن كانت قد انقضت فقد انقطع النكاح منهن جميعاً وإلا كان الخيار في أربع كالصورة الأولى.
    الصورة الثالثة: أن يسلم وتحته أكثر من أربع كتابيات. وفي هذه الحالة يكون له الخيار في أربع منهن ولو لم يسلمن لأنك قد عرفت أنه يحل للمسلم نكاح الكتابيات وهن على ديانتهن.
    الصورة الرابعة: أن يسلم معه أربع فقط قبل الدخول، وفي هذه الحالة يبقى النكاح على الأربع المسلمات معه، ويفسخ فيما عداها، حتى ولو أسلم الزائد بعد ذلك لأن إسلامهن قد تأخر عن إسلام الزوج قبل الدخول، فتقع الفرقة بينهما في الحال.
    الصورة الخامسة: أن يسلم أربع فقط بعد الدخول معه. أو قبله. أو بعده. وهن في العدة، ثم أسلم الزائد عن الأربع بعد انقضاء العدة، وفي هذه الحالة يتعين قصر النكاح على الأربع المسلمات، ويفسخ فيما عداهن، أما إذا أسلم الزائد قبل انقضاء عدة الأربع فإنه لا يتعين النكاح في الأربع، بل
    يكون للزوج الحق في اختيار أربع من بين الجميع، ومثل هذا ما إذا أسلم الزوج قبل انقضاء عدتهن أو بعدها كحكمهن.
    واعلم أن الاختيار إما أن يكون اختياراً للنكاح. أو اختياراً للفسخ، والألفاظ الدالة على اختيار النكاح تنقسم إلى قسمين: ما يدل عليه صريحاً. وما يدل عليه كناية، فما يدل عليه صريحاً فهو ما يذكر فيه لفظ النكاح. كقوله: اخترت نكاحك، أو ثبت نكاحك، وما يدل عليه كناية هو ما لا يذكر فيه لفظ النكاح. كأن يقول لها: اخترتك، أو ثبتك، فإن هذا كناية عن اختيار نكاحها. وكما يكون اختيار النكاح باخترت. وثبت كذلك يكون بأمور:
    أحدها: أمسكت فإذا قال: أمسكتك فقد اختار نكاحها. ثانياً: ألفاظ الطلاق، سواء كان صريحاً. أو كناية. ومعنى كون الطلاق اختياراً للنكاح أنه إذا طلق واحدة منهن كان معنى ذلك الضمني أنه اختار نكاحها. إذ لولا ثبوت النكاح ما تحقق الطلاق، فكأنه قال: اخترت نكاحك وطلقتك. وعلى هذا إذا طلق الأربع المباحات له فقد اختار النصاب. وفسخ عقد الباقيات بحكم الشرع. فلا يبقى له منهن واحدة على ذمته. ثالثها: لفظ الفراق. ولكن لفظ الفراق لا يكون اختياراً للنكاح إلا إذا نوى به الطلاق. وذلك لأن لفظ الفراق مشترك بين الطلاق والفسخ.
    فإذا أريد منه الطلاق كان معناه أنه اختار نكاحها ثم طلقها، أما إذا أريد منه الفسخ كان معناه أنه فسخ ما لا ثبوت له، لأن الفسخ يرد على الفاسد من أول الأمر، ولا يصح الاختيار بالوطء، خلافاً للمالكية. والحنابلة، لأن الاختيار إما أن يكون في حكم ابتداء النكاح، فكأنه يريد العقد عليها الآن، وإما أن يكون في حكم استدامته، وكلاهما لا يتحقق بالفعل الذي يشبه التعاطي في البيع، بل لا بد فيهما من القول، فيلزمه أن يقول ما يدل على الاختيار حقيقة، كاخترت، أو ضمناً، كالطلاق، وكذا لا يصح الاختيار بالظهار. ولا بالإيلاء، خلافاً للمالكية، ووفاقاً للحنابلة، أما الحنفية فلهم تفصيل آخر سوى هذا، فارجع إليه لتعرف الفرق، فإنه شاسع.
    وهل الاختيار واجب فوراً. أو على التراخي؟ الظاهر أنه واجب فوراً ثم إذا حصر عدداً معيناً ليختار منه وطلب الإمهال ليعين يصح أن يمهل ثلاثة أيام ويجبر على التعيين، فإن تركه أجبر عليه بالحبس، فإن أصر عزر بالضرب.
    ويشترط أن يكون الزوج المختار بالغاً عاقلاً، وإلا وقف الأمر، فلا يصح الاختيار منه ولا من وليه، وفاقاً للحنابلة، وخلافاً للمالكية القائلين بصحة اختيار الولي.
    وتبتدئ عدة المفارقة من وقت إسلامها. أو إسلام الزوج إن كان متقدماً على إسلامها. لأن الإسلام هو سبب الفرقة.
    هذا، وإذا جمع بين الأم وبنتها ثم أسلم، فإن كان قد دخل عليهما معاً حرمتا عليه أبداً وفرق بينهما، وإن كان قد دخل بالأم فقط حرمتا عليه كذلك، وإن لم يدخل بواحدة منهما حرمت الأم دون البنت، وكذا إذا دخل بالبنت دون الأم فإن الأم تحرم دون البنت.

    المالكية - قالوا: اختلف علماؤهم في أنكحة أهل الكتاب التي تقع بينهم مستوفية للشرائط التي عند المسلمين، فقال بعضهم: إنها فاسدة، لأنه يشترط لصحتها الإسلام، فمتى كان الزوجان كافرين كان عقد زواجهما فاسداً ولو استكمل شروط الصحة من شهود. وولي. وصيغة إيجاب وقبول. ومهر. وخلو من الموانع، وهذا هو المشهور، وقال بعضهم: إذا استكملت شرائط الصحة تكون صحيحة في نظر الشريعة الإسلامية أيضاً، أما كون إسلام الزوج شرطاً في صحة العقد فمحله إذا كانت الزوجة مسلمة، أما غير المسلمة فلا يشترط فيها إسلام الزوج وهذا هو الظاهر، وعلى هذا لا يكون في هذه المسألة خلاف بين الأئمة، لأن الحنفية. والشافعية. والحنابلة يحكمون بصحة عقودهم التي وافقت عقودنا.
    ولكن الحنفية قد نقلوا عن المالكية القول الأول، واحتجوا عليهم بقوله تعالى: "وامرأته حمالة الحطب" لأنه لو لم تكن الزوجية صحيحة بين أبي لهب وبين حمالة الحطب لما أخبر الله عنها بكونها امرأته، فإن امرأة الرجل في العرف واللغة زوجه، واستدلوا أيضاً بحديث" خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح" أما الدليل الأول فإنه يكفي في إثبات هذا الفرع، وإذا كان القول الصحيح عند المالكية موافقاً لما عليه الأئمة الآخرون. فلا خصومة تستدعي الرد عليها. وأما الدليل الثاني فهو منقوض، وذلك لأنك قد عرفت وجهه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن نكاح أجداده صحيح ليس بسفاح - مع كونهم مشركين - لأنه كان موافقاً لقواعد الإسلام، وإلا كان من سفاح الجاهلية، ووجه نقضه أن أجداد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا مسلمين لا مشركين لأنهم كانوا يعبدون الله على شريعة إبراهيم، وليس نقل هذا القول مقصوراً على الرافضة فقط، كما نقله بعض الفقهاء عن أبي حيان في تفسير قوله تعالى: {وتقلبك في الساجدين} وعلى فرض نقله عنهم وحدهم فإنه لا يضر في الموضوع، لأنهم نقلوا مسألة تاريخية يؤيدها العقل والمنطق السليم، على أن هذا القول منقول عن كثير من المؤرخين وشراح الحديث والمفسرين عند قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه} فإنهم قالوا: إنه عمه لأن أجداد النبيّ جميعهم موحدون نعم نقل عن بعضهم أنه تأثر ببعض عادلت قومه ولكن في غير التوحيد، وسبب ذلك ضياع شريعة إبراهيم من بينهم ولو أنها وجدت لاستمسكو بها جميعاً أصولاً وفروعاً.
    ويدل لذلك ما ورد من أن نور النبيّ صلى الله عليه وسلم كان ينتقل في الأصلاب والأرحام الطاهرة حتى وصل إلى عبد الله وآمنة. وقد نص الله تعالى على أن المشرك نجس. قال الله تعالى {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام} . فكيف ينتقل نور النبوة في الأصلاب التي حكم الله بأنها نجسة كنجاسة الخنزير؟ أظن هذا بعيداً كل البعد.
    ومما يوجب العجب العجاب قول بعضهم: أن أبوي النبيّ صلى الله عليه وسلم ماتا على الكفر وفي الوقت نفسه يذكرون أن آمنة كانت تحوطها الملائكة الكرام، وكان يرى نور النبوة في جبهة عبد الله الخ ما ذكروه، فهل المشرك النجس تزفه الملائكة وتخالطه الأرواح الطاهرة ويرى من إرهاصات النبوة ما يفيد انه من أقرب المقربين إلى ربه؟! وأغرب من هذا قولهم: إن الله تعالى قد أحيا أبوي النبيّ صلى الله عليه وسلم فآمنا به وماتا
    بعد ذلك. ولعل قائل هذا نسي أن قدرة الله كانت صالحة أيضاً لأن يهديهما إلى توحيد الإله في حال حياتهما، كما هدى زيد بن عمرو بن نفيل وغيره بل يصونهما عن عبادة الأصنام إكراماً لنور النبوة الذي أشرق على جميع العالم فأخرجه من الظلمات إلى النور، وأيهما أقرب إلى تعلق القدرة، هدايتهما قبل الموت أو إحياؤهما لمجرد الإيمان، وإماتتهما فوراً على أن الإيمان بعد الموت والمعاينة لا معنى له، وإذا كان الإيمان في حالة الاحتضار غير مفيد بعد أن يرى الإنسان العذاب ويوقن بما بعد الموت؟ فإذا قالوا: إن المسألة معجزة للنبيّ صلى الله عليه وسلم قلنا: إن المعجزة عند الضرورة. وأي ضرورة في هذا؟ إذ يكفي أن يغفر الله لهما بدون خرق للنظم. كل هذا كلام لا يصح ذكره في الكتب العلمية ولا المناقشة فيه بل الحق أن أجداد النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا موحدين جميعاً.
    وما نقل عن بعضهم أنه تأثر بعادات قومه لم يكن مشركاً مطلقاً انظر ما روي عن جده عبد المطلب وهو يضرع إلى الله ويستغيث به من أصحاب الفيل حيث يقول:
    لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك * وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك
    فهل هذا كلام وثني يعبد الصنم، أو كلام موحد مخلص لربه؟
    والذي أثار مثل هذه الشبهات الفاسدة أمران: أحدهما ما نقل عن أبي حنيفة أن أبوي النبيّ صلى الله عليه وسلم ماتا على الكفر. ثانيهما: ما رواه مسلم من أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي الذي سأله عن أبيه: "إن أبي وأباك في النار" أما قول أبي حنيفة رضي الله عنه فإن الذي حمله على ذلك هو تأييد مذهبه من أن أهل الفترة غير ناجين إذا أشركوا مع الله غيره فهم ملزمون بتوحيد الله بعقولهم لأن معرفة الله ثبتت بالعقل لا بالشرع، فغير الموحد من أهل الفترة مثل غيره من المشركين الذين جاءتهم الرسل ولا يخفى أن البحث يدور حول هذه المسألة من جهتين: إحداهما هل أهل الفترة ناجون أو لا، ثانيتهما: هل ثبت كون آباء النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكونوا موحدين أو لا، وما طريق الإثبات؟ ولا يخفى أن الأولى اعتقادية، ومعلوم أن العقائد لا تثبت إلا بالقطعي من دليل عقلي أو نقلي، والثانية تاريخية.
    فأما الأدلة على أن أهل الفترة ناجون، فهي قطعية في نظري، وذلك لأن الله تعالى قال: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} وحمل الرسول على العقل خروج على الظاهر المعقول بدون ضرورة فإن الرسول إذا أطلق في لسان الشرع كان معناه - الإنسان الذي أوحى إليه بشرع أمر بتبليغه - والقرآن من أوله إلى آخره على هذا، قال تعالى: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} {وأرسلنا رسلنا تترى} {جاءتهم رسلهم} {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} ، وهكذا، فإذا استطاعوا أن يأتوا بكلمة رسول في القرآن على غير هذا المعنى كان لهم العذر، وهذا هو المعقول المطابق لسنن الله في خلقه، فإن الله سبحانه قد أرسل الرسل من بدء الخلق إلى أن استقرت وختمت بالشريعة الإسلامية التي لا تقبل الزوال، بل جعل الله في طبيعتها ما يجعلها تنمو وتزداد كلما تجدد الزمن، وليس من المعقول أن تقول: إن الله أرسل الرسل لتبليغ الشرائع الفرعية وتبليغ أحوال الآخرة فحسب، أما معرفة
    الله الواحد المنزه عن كل ما يليق به فواجبة على الناس بطبيعتهم. فعليهم أن يعرفوا ذلك من غير الرسل وإلا كانوا معذبين، لأن هذا القول ينقضه الواقع القطعي، فإن أول شيء اهتم به الرسل هو توحيد الإله. بل كان كل همهم منحصراً في توحيد الإله، ولولا ما أودعه الله في الرسل من أسرار وقوى مؤثرة فوق طبائع البشر، لما وجد على ظهر الأرض موحد، اللهمّ إلا شواذ العالم في الذكاء النادر والفطنة الباهرة، أمثال زيد بن عمرو بن نفيل.
    وقس بن ساعدة، وكبار فلاسفة العالم الذين لا يتجاوزون أصابع اليد فهل يعقل أن الله العليم بطبائع عباده يلزمهم بالتوحيد بدون إرسال رسل؟ إن ذلك يكون قصراً لنعيمه على أفراد قلائل من خلقه، وتعذيب الباقين، وأين هذا من كرم الله ورحمته بعباده؟ أين هذا من قوله: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} وقوله: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} أي دليل يخصص الآية الثانية بغير توحيد الإله؟! فإن الله سبحانه جعل للناس الحجة عند عدم إرسال الرسل، سواء كان ذلك في العقائد أو في غيرها، ومن الغريب أن مقاومة الرسل ما كانت إلا في توحيد الإله، فإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، ولوط، وهود، وصالح، وشعيب وغيرهم لم يضطهدهم قومهم إلا من أجل معرفة الإله وتوحيده، ولم يظهر جهادهم إلا في توحيد الإله ومعرفته، ونظرة واحدة إلى كتاب الله تبين مقدار عنايته بمحاربة الوثنية، فقد ملئ بالأدلة الكونية وضرب الأمثال المحسة والحجج القطعية على وجود الإله ووحدانيته، ومع ذلك فقد كانوا من أشد الناس عناداً وإصراراً، وغفلة عن الإله ووحدانيته، فهل مثل هؤلاء كانت عقولهم كافية في معرفة الإله؟
    ولم توجد أمة من الأمم في زمن من الأزمنة على غير هذا المنوال، فنظرية أن العقل كاف في معرفة الإله بدون رسل تتصادم مع طبيعة المخلوقات بدون استثناء اللهمّ إلا إذا قلنا: إن الله خلق الناس أجمعين ليعذبهم ويقصر نعمته على أفراد قلائل لا تتجاوز الأصابع عداً، كلا إن الله أرحم من أن يعذب عباده من غير أن يبين لهم طريق الهداية والرشاد.
    فالحق أن أهل الفترة ناجون وإن غيروا وعبدوا الأصنام، كما يقول الأشاعرة والمالكية وبعض محققي الحنفية، كالكمال بن الهمام، والماتردية قد اختلفوا أيضاً، فمنهم من قال: إنهم ناجون، ومنهم من اشترط لنجاتهم أن يمضي زمن يمكنهم النظر فيه، وأن لا يموتوا وهم مشركون بعد النظر، ولما كان الماتردية، والحنفية شيئاً واحداً، فقد أول بعضهم ما ذهب إليه بعض الماتردية من نجاتهم بأنه محمول على ما إذا لم يموتوا وهم مشركون، ولا أدري لهذا الحمل معنى، لأن المفروض أنهم ناجون بعد موتهم مشركين، أما إذا ماتوا موحدين فلا خلاف فيه لأحد فالذي قال من الماتردية: إنهم ناجون لا يريد به إلا نجاتهم بعد موتهم مشركين، وإلا كان هازلاً، لأن من قال: لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة، وإن قضى طول عمره مشركاً باتفاق المسلمين.
    هذا وقد أول بعض علماء الحنفية قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} بوجه آخر، فقال إن المراد بالعذاب الاستئصال في الدنيا، فالله تعالى لا يهلك الأمم في الدنيا إلا بعد أن
    يرسل لهم الرسل فلا يصدقوهم ويضطهدوهم، وعند ذلك يهلكهم الله في الدنيا، أما عذاب الآخرة فإنه يقع على من مات مشركاً، ولو لم يرسل الله لهم رسولاً.
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #190
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 169 الى صــــــــ
    197
    الحلقة (190)

    ولكن الواقع أن الآية تدل على عكس ذلك على خط مستقيم، وإليك البيان:
    قال تعالى: {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} ، فالله سبحانه قصر هداية الشخص وضلاله على نفسه، وظاهر أن المراد قصر ما يترتب عليهما من نفع وضرر، فكل ما يترتب على هداية المرء من منفعة، وكل ما يترتب على ضلاله من ضرر مقصور عليه وحده: وإذا كان كذلك فهل يتحقق هذا المعنى في الدنيا فقط. أو في الآخرة فقط. أو فيهما معاً؟ أما أنا فلا أفهم إلا أنه يتحقق في الآخرة فقط، وذلك لأن منافع هداية الناس واستقامتهم ليست مقصورة عليهم وحدهم في الدنيا، بل تتعداهم إلى أبنائهم وأهليهم وعشيرتهم، بل وتتعداهم إلى المجتمع، وهذا واضح وكذلك مضار الضلال ليست مقصورة على الضالين فقط. فكم صرع المضلون غيرهم وأوردوهم موارد الهلاك والفناء. وشر الضلال في تربية الأبناء والأهل، وآثاره ظاهرة في المجتمع وكذلك إذا قصرنا المنافع على ما يسوقه الله تعالى من خير وشر، فإن الخير الذي يجيء بسبب الصالحين لا يقتصر عليهم بل يعم غيرهم، والسنة الصحيحة مملوءة بهذا، والشر الذي ينزل بسبب الضالين لا يقتصر عليهم، ولهذا قال تعالى: {اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} .
    وحينئذ لا يفهم من الآية غلا أن المراد بالمنافع الثواب الأخروي وبالمضار العذاب الأخروي ولذا قال تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} بياناً لمعنى القصر المذكور، فهو سبحانه يقول: كل واحد ينال جزاء عمله من خير أو شر، قال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} ، فلا يعطى أحد ثواب عمل الآخر، ولا يحمل أحد عقاب وزر صاحبه، وكل هذا في الآخرة بدون نزاع، أما في الدنيا فإن صلاحها من أجل الصالحين يفيد غيرهم من الفاسقين والكافرين، وفسادها بالخراب يؤذي أهلها، سواء كانوا صالحين أو فاسدين.
    وبعد أن قرر الله ذلك أراد أن يظهر منته على عباده، فقال عز وجل: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} ، فلا يؤاخذ الله الناس بضلالهم، ولا يعذبهم في الآخرة على عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم التي لا يرضاها إلا بعد أن يرسل رسلاً {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} ، فإن لهم أن يقولوا: إننا لا نعلم أن هذه العقائد، أو هذه الأقوال والأعمال لا ترضيك، فتكون لهم المعذرة، ولا يكون لله عليهم الحجة البالغة، ولا يمكن أيضاً قصر رفع العذاب عنهم على الأقوال والأعمال بحيث لا يعذبون عليها هي، أما معرفة الله تعالى وتوحيده فإنهم يعذبون عليها وذلك لأن هذا لا دليل عليه مطلقاً، بل الدليل قائم على خلافه، وهو كلمة الضلال، فإن الله دائماً يصف المشركين بالضالين من أجل الشرك وعبادة الأوثان، أما أعمالهم الفرعية من معاملات ونحوها فقل أن يعرض لها إلا على طريق التهذيب والتأنيب، انظر مثلاً إلى ما كانوا عليه من فساد في مسألة الأنكحة وغيرها، فلما أراد الله
    أن يهذبهم شرع لهم بعد إسلامهم ما فيه سعادتهم، فأقرأ قوله تعالى: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً} وقوله: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} ، وآية الدين. وآية المواريث. والوصية. والعدة. وإباحة النساء الأربع دون سواها. والصيام. والصلاة. والحج، فإن كل هذا جاء بعد الإسلام، ولم يكن محل نزاع بين المشركين وبين الرسل، بل كل النزاع كان مقصوراً على التوحيد، فالضلال المذكور في الآية من ضلال الشرك وعدم معرفة الإله، فهؤلاء الضالون لا يعذبهم الله إلا إذا أرسل لهم رسولاً بلا نزاع.
    وبعد، فلم يثبت أن آباء النبي كانوا مشركين، بل ثبت أنهم كانوا موحدين، فهم أطهار مقربون، ولا يجوز أن يقال: إن أبوي النبي صلى الله وعليه وسلم كافران على أي حال، بل هما في أعلى فراديس الجنات.
    أما الكلام في حديث مسلم فقد عرفت أن المالكية والأشاعرة، قد احتجوا بقوله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} وظاهر اللغة والعرف والسياق تفيد أن الرسول هو الإنسان الذي يوحى إليه من عند الله تعالى ويؤمر بالتبليغ، فتأويله بالعقل تعسف واضح، ومتى نطق كتاب الله بأمر يؤيده العقل وجب تأويل الأحاديث التي تخالفه إذا أمكن تأويلها، وإلا وجب العمل بما يقتضيه كتاب الله تعالى.
    وحديث مسلم هذا يمكن تأويله، وهو أن المراد بأبي النبي صلى الله وعليه وسلم أبو لهب، فإن الله تعالى قد أخبر أنه في النار قطعاً، والأب يطلق في اللغة على العم ويؤيد هذا التأويل نص الحديث وهو: " أن رجلاً قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار، فلما قفا دعاه فقال: إن أبي وأباك في النار"، فظاهر هذا يفيد أن أحد المسلمين سأل عن مقر أبيه الذي مات مشركاً، ولم يجب دعوة النبي صلى الله وعليه وسلم، فقال له النبي صلى الله وعليه وسلم: " إنه في النار" فظهر على وجه الرجل طبعاً أمارة الحزن والأسف، فولى آسفاً، فأراد صلى الله وعليه وسلم أن يزيل ما علق بنفس الرجل من أسى، فاستدعاه ثانياً وقال له: " إن أبي وأباك في النار" ومعنى هذا أنه إذا كان أبوك في النار لأنه لم يؤمن بي، فلا تجزع لأن أبي أنا، وأنا رسول الله، في النار لأنه لم يؤمن بي، وهو أبو لهب طبعاً، فإن الله تعالى قد أخبر نبيه بأنه لم يؤمن، فهو من أهل النار حتماً.
    وأظن أن هذا المعنى لا تكلف فيه ولا تعسف، بل هو الظاهر المعقول لأن كون النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بأن أبويه في النار وهما لم يعارضاه في دعوته ولم يرفضا ما جاء به لا فائدة فيه للناس، إذ لا زجر فيه لأحد، وإنما الذي يصح أن يزجر الناس كون أبي لهب المعارض للدعوة في النار.
    والحاصل أن الأحاديث الواردة في مثل هذا المقام يجب أن تحمل على نحو ما ذكرنا، ومن لم يستطع تأويلها وقف معها موقف المفوض الذي عجز عن التأويل، وعمل بما يقتضيه ظاهر كتاب الله تعالى المؤيد بالعقل، والله يهدي إلى سواء السبيل.
    هذا، وقد ذكرنا هذا الكلام في مذهب المالكية مع أن الحنفية تعرضوا له في مذهبهم، لأن رأينا في هذا المقام أن أهل الفترة ناجون جميعاً، وإن غيروا وبدلوا، كما يقول المالكية، على أن المالكية ليسوا في حاجة إلى إيراد هذا في المقام، لأنك قد عرفت أن الصحيح عندهم هو أن عقود غير المسلمين تكون صحيحة متى وافقت قواعد الإسلام، وإن كانوا كافرين، فلا خلاف بينهم وبين غيرهم على الصحيح، فلنرجع إلى ما كنا فيه.
    فإن قلت: ماذا يترتب على خلاف المالكية في الحكم بصحة عقود نكاح الكافرين إن وافقت قواعد ديننا، والحكم بعدم صحتها مع أنهم يقولون: إنهم يقرون على أنكحتهم إذا أسلموا على التفصيل الآتي؟ والجواب: أن الذين يقولون بفساد أنكحتهم مطلقاً، ولو كانت موافقة لقواعد ديننا يترتب على قولهم أنه لا يجوز لمسلم أن يتولى عقد الكتابيين وغيرهم، ولو كانت مستوفية للشروط، مثلاً إذا طلب الكتابيان من مسلم أن يعقد لهما بشروط عقود المسلمين وأركانها لا يجوز له أن يفعل لأن الشروط لا تخرجها عن الفساد، والمسلم لا يجوز له أن يتولى الفاسد، أما الذين يقولون بالصحة فإنه يترتب على قولهم العكس، فيجوز للمسلم أن يعقد لهم متى كان العقد صحيحاً.
    ثم إن المالكية يقولون: إن غير المسلمين يقرون على أنكحتهم إذا دخلوا الإسلام، سواء كانت صحيحة في نظرنا، أو فاسدة إلا في أمور: أحدها نكاح المحارم بنسب، أو رضاع، كما إذا تزوج المجوسي بنته. أو أخته ثم أسلم فإنه لا يقر على ذلك بحال، أما حرمة المصاهرة فإنها لا تحصل بينهم إلا بالوطء، مثلاً إذا تزوج امرأة ولم يطأها. ثم تزوج أمها ووطئها وأسلم أقر على أمها، لأنه وإن تزوج بنتها ولكنه لم يطئها، وكذا إذا تزوج امرأة لم يطأها، ثم أسلم وتركها. فإنها لا تحرم على أبيه. ولا على ابنه لما عرفت من أن الذي يوجب حرمة المصاهرة بينهم هو الوطء. ثانيها: أن يتزوجها وهي في عدة الغير ثم يسلم. أو يسلما معاً فإنه يفرق بينهما، سواء دخل بها. أو لم يدخل، فإذا أسلم قبل انقضاء العدة التي عقد عليها فيها ثم وطئها بعد الإسلام تأبد تحريمها عليه، فلا تحل له أبداً، أما إذا أسلم بعد انقضاء العدة ووطئها بعد الإسلام فإن تحريمها لا يتأبد عليه بل يفرق بينهما، وله أن يجدد عقده عليها بعد انقضاء العدة. ثالثها: أن يتزوجها لأجل، وهو نكاح المتعة، ويسلم قبل انقضاء الأجل، ويطلب هو أو هي استمرار العقد إلى نهاية الأجل، فإنهما لا يقران على ذلك لأن إقرارهما عليه بعد الإسلام إقرار لنكاح المتعة الممنوع باتفاق، نعم إذا طلبا الاستمرار على زواجهما بصفة دائمة فإنهما يقران على ذلك، فإذا أسلما بعد انقضاء الأجل وهما يعيشان عيشة الزوجية وطلبا إقرارهما، فإنهما يقران.
    وبعد، فإن أسلم الزوج وتحته امرأة كتابية فإنه يبقى على زواجه معها، سواء أسلمت، أو لا. وسواء كان الزوج صغيراً، أو كبيراً. وأما إن أسلم وتحته زوجة مجوسية، فإنه إن كان بالغاً فرق بينهما إلا إذا أسلمت بعده بزمن قريب، وقدر بشهر على المعتمد، فإن أسلمت بعد هذا الزمان فإن إسلامها لا ينفع في بقاء زوجيتها، فإن أسلمت بعده بزمن أقل من شهر بقيت الزوجية قائمة بينهما وإن كان الزوج صغيراً وقف النكاح بينهما حتى يبلغ، فإن لم تسلم بعد بلوغه فرق بينهما.
    هذا إذا أسلم الزوج، أما إذا أسلمت الزوجة فإنها لا تحل لزوجها مادام على دينه، سواء كان كتابياً أو وثنياً. ولكن لا تبين منه إلا بعد أن يمضي زمن استبرائها منه بالحيض إن كانت مدخولاً بها،
    فإذا أسلم قبل مضي هذا الزمان بقيت زوجيتهما قائمة حتى ولو طلقها ثلاثاً حال كفره بعد إسلامها لأن طلاق الكافر لا عبرة به، فإذا انقضت عدتها قبل إسلامه بانت منه ولا نفقة لها عليه في مدة الاستبراء بعد إسلامها، سواء أسلم، أو لم يسلم على المختار إلا إذا كانت حاملاً فإنه يلزم بنفقتها اتفاقاً، هذا إذا أسلمت بعد الدخول، أما إذا أسلمت قبل الدخول، قبل أن يسلم، فإنها تبين منه بمجرد إسلامها على الراجح، سواء أسلم بعدها بزمن قريب، وهو أقل من شهر، أو لا. وبعضهم يقول: إذا أسلم بعدها بزمن قريب كان أحق بها فلا تبين منه، وعلى الأول فإنها تحل له بعقد جديد، أما إذا أسلما معاً فإنهما يقران على النكاح قبل الدخول وبعده.
    والمراد بكون إسلامهما معاً أن يعلنا إسلامهما أمام المسلمين معاً، بأن يجيئا إلينا مسلمين، سواء أسلم قبلها، أو أسلمت قبله، لأن الترتيب لم نطلع عليه، فكأن إسلامهما لم يثبت إلا عند الإطلاع عليه، فالمعية هنا حكمية.
    والفرقة في جميع ما تقدم فسخ بغير طلاق، والفسخ بغير طلاق يسقط المهر قبل الدخول.
    هذا، وإذا أسلم وتحته أم وبنتها فإن كان لم يتلذذ بواحدة منهما كان له الحق في اختيار واحدة منهما، سواء جمعهما في عقد واحد، أو عقدين، وذلك العقد الفاسد لا يوجب حرمة المصاهرة، ويجوز لابنه وأبيه أن يتزوج من فارقها من غير مس مع الكراهة أما إن تلذذ بهما فإنهما يحرمان عليه حرمة مؤبدة، وذلك لأنه وطء بشبهة، فهو يوجب حرمة المصاهرة بنشرها، وإن وطئ واحدة منهما وأراد البقاء معها فإنه يقر على ذلك. وتحرم عليه الأخرى حرمة مؤبدة وكما تحرم عليه تحرم على أبيه وابنه، لأن الوطء ينشر الحرمة، وإن كان بشبهة، كما ذكرنا.
    وإذا أسلم وتحته أختان أسلمتا معه. أو قبله. أو بعده قبل انتهاء مدة الاستبراء فإن له الحق في اختيار واحدة منهما، سواء جمع بينهما في عقد واحد. أو عقدين دخل بهما أو لم يدخل.
    وإذا أسلم وتحته أكثر من أربع زوجات أسلمن معه. أو كن كتابيات فإن له الحق في اختيار أربع من بينهن سواء تزوجهن في عقد واحد. أو عقود متفرقة، وسواء دخل بهن. أو ببعضهن أو لم يدخل وسواء كانت الأربعة المختارات له معقود عليهن في الأول. أو في الآخر، وله أن يختار أقل من أربع، وله أن يختار منهن شيئاً وله أن يختار أربع زوجات من غير الأحياء، فإذا اختار الأموات فسخ نكاح الأحياء، وإذا اختار الأموات كان له الحق في ميراثهن، وهذا هو فائدة اختيار الأموات، ثم إن الاختيار كما يكون بلفظ اخترت فلانة مثلاً كذلك يكون بغير اخترت وذلك أمور:
    أحدها: الطلاق، فإذا طلق واحدة منهن، فقد اختارها زوجة بالطلاق، وذلك لأن الطلاق لا يتحقق إلا بعد ثبوت علاقة الزوجية بالعقد الصحيح، وهذا النكاح وإن كان فاسداً بحسب أصله إلا أن الإسلام صححه، وعلى هذا يكون قد اختار واحدة من الأربع اللاتي له الحق في الجمع بينهن وطلقها فيبقى له ثلاث فإن طلق ثنتين بقي له ثنتان، وعلى هذا القياس.
    ثانيها: الظهار: فإذا قال لواحدة منهن: أنت علي كظهر أمي كان معنى هذا أنه اختارها زوجة ثم ظاهر منها، فيكون له ثلاثة.
    ثالثها: الإيلاء وهو الحلف بأن لا يقرب زوجته، فإذا حلف أن لا يقرب فلانة فقد اختارها زوجة ثم حلف، ففي ذلك اختيار لها، وبعضهم يقول: إنه لا يكون اختياراً إلا إذا كان مؤقتاً كأن حلف بأن لا يقربها خمسة أشهر، أو كان مقيداً بمحل، كأن حلف بأن لا يطأها في مكان كذا.
    رابعها: الوطء، فإذا وطء واحدة منهن فقد اختار ما يحل له الجمع بينهن، وإذا وطء أكثر من أربع يعتبر الأول فالأول، بمعنى أنه يأخذ التي وطئها أولاً ثم التي تليها وهكذا ولا يعتبر وطء ما زاد على أربع زنا، لأنهن كن زوجاته بالعقد الفاسد، ولا يشترط أن ينوي بالوطء اختيار الزوجات، بل ينصرف الوطء إلى ذلك بطبيعة الحال.
    هذا، وإذا قال فسخت نكاح فلانة فإن ذلك يكون فسخاً للنكاح، ويختار أربعاً غيرها، والفرق بين الفسخ والطلاق - حيث قلنا: إن الطلاق يسقط واحدة من الأربع، بخلاف الفسخ، فإنه لا يسقط، ويكون له الحق في اختيار الأربع - أن الطلاق لا يكون إلا إذا كان العقد صحيحاً أو كان فاسداً غير مجمع على فساده، بخلاف الفسخ. فإنه يكون في المجمع على فساده. فإذا نظر إلى العقد قبل الإسلام كان مجمعاً على فساده وإذا نظر إليه بعد الإسلام من حيث أن الإسلام أقره ترخيصاً كان صحيحاً.
    هذا ويشترط أن يكون الزوج المختار بالغاً عاقلاً، وإلا فلا يصح اختياره، بل يختار له وليه إن كان له ولي، فإن لم يكن له ولي اختار له الحاكم، ويصح اختيار الزوج البالغ العاقل، ولو كان مريضاً، أو محرماً، أو واجداً لطول الحرة.
    الحنابلة - قالوا: أنكحة المخالفين لنا في الدين إذا كانت موافقة لأنكحتنا في شرائطها وأركانها كانت صحيحة، أما إذا لم تكن كذلك فإنهم يقرون عليها ولا نتعرض لهم فيها بشرطين:
    الشرط الأول: أن يعتقدوا إباحتها، فإن كانت لا تجوز في دينهم لا يقرون عليها في بلادنا كالزنا والسرقة.
    الشرط الثاني: أن لا يتحاكموا إلينا، فإن تحاكموا إلينا قبل العقد لنعقده لهم جاز لنا ذلك بشرط أن نعقده على حكمنا بإيجاب وقبول وولي وشاهدي عدل منا لا منهم، كما قال الله تعالى: {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} وإن جاؤوا إلينا بعد العقد، فلا يخلو إما أن تكون المرأة مباحة، أو لا. فإن كانت مباحة ليست من المحارم وليست معتدة من الغير أقررناهم على النكاح بدون أن نبحث عن كيفية صدوره من وجود صيغة. أو ولي. أو غير ذلك. وإن لم تكن مباحة كأن كانت أختاً، أو أماً، أو بنتاً، أو عمة، أو نحو ذلك من المحرمات بنسب. أو رضاع، أو كانت معتدة لم تفرغ عدتها لم نقرهم عليه، بل نفرق بين الزوجين.
    وإذا أسلم الزوجان معاً بأن نطقا بالشهادتين دفعة واحدة بقي النكاح قائماً بينهما، سواء كانا كتابيين، أو وثنيين. أما إذا أسلمت الزوجة وحدها، فإن كان ذلك قبل الدخول بها بطل النكاح، سواء كان زوجها كتابياً. أو لا، ولا مهر لها لأن الفرقة جاءت من قبلها، فإذا أسلم زوجها وهي في العدة بقي النكاح بينهما. أما إذا أسلم بعد انقضاء عدتها فإن النكاح يفسخ، ولها نفقة العدة إن أسلمت قبله، سواء أسلم الزوج، أو لم يسلم.
    وإذا أسلم الزوج وحده، فإن كانت الزوجة كتابية استمر النكاح بينهما على ما هو عليه، سواء أسلمت، أو لم تسلم. وسواء كان ذلك قبل الدخول، أو بعده، أما إن كانت غير كتابية وكان ذلك قبل الدخول فإنها تبين منه في الحال، ولها نصف المهر لأن الفرقة من جهته، فإن كان بعد الدخول وجب عليها أن تعتد منه، فإذا أسلمت قبل انقضاء العدة استمر النكاح بينهما على ما هو عليه، وإذا أسلمت بعد انقضاء العدة، فسخ النكاح كما ذكرنا في إسلامه.
    قال ابن شبرمة: كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل، فأيهما أسلم قبل انقضاء العدة فهي امرأته، فإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما.
    وإذا أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع زوجات فأسلمن معه. أو أسلمن قبله. أو بعده في عدتهن. أو لم يسلمن، وكن كتابيات، كان له الحق في أن يختار منهن أربعاً فقط ويسرح الباقيات، لا فرق بين أن يختار الأوائل أو الأواخر، سواء عقد عليهن عقداً واحداً. أو عقوداً متعددة، وله أن لا يختار منهن شيئاً، وله أن يختار أربع زوجات ميتات ويسرح الأحياء جميعهن ليرث منهن، كما يقول المالكية، وبشرط أن يكون مكلفاً، فإن كان غير مكلف وقف أمر النساء حتى يكلف، وإذا امتنع عن الاختيار أجبر عليه بالحبس والتعزير، وعليه نفقتهن جميعاً إلى أن يختار، والاختيار يكون بأشياء: منها اخترت هؤلاء، وتركت هؤلاء، ولا يلزم أن يكون بلفظ اخترت، بل يصح أن يكون بلفظ أمسكت، إذا قال: أمسكت هؤلاء، وتركت هؤلاء فإنه يصح، وكذا إذا قال: اخترت هذه للفسخ، وهذه للإمساك، فإنه يصح، لأن الاختيار كما يكون للإمساك يكون للفسخ، ويصح أيضاً أن يقول: اخترت هذه. ومنها الوطء، فإذا وطئ بعد الإسلام واحدة منهن كان مختاراً لها زوجة، فإذا وطئ أربعاً بقيت الزوجية بينه وبينهن وفسخت في الباقيات، وإن وطئ الجميع قبل أن يعين الأربع بالقول، بقيت الموطوءات أولاً للإمساك، وبقيت الموطوءات بعد أربع للترك. ومنها الطلاق، فإن طلق واحدة منهن كانت مختارة وحسبت عليه، لأن الطلاق لا يقع إلا إذا ثبتت الزوجية، فيكون قد بقي له ثلاثة، وظاهر أن الحنابلة يوافقون المالكية في هذه الصورة والصورة التي قبلها، ولكنهم يخالفون في الظهار والإيلاء فيقولون: إنه لا يصح الاختيار بالظهار ولا بالإيلاء.
    وإذا أسلم وتحته أختان كان له الحق في اختيار واحدة منهن بالكيفية السابقة) .
    (6) (الحنفية - قالوا: إن تباين الدارين هو الذي يوجب الفرقة، أما السبي فلا يوجبها، فلو سبي أحد الزوجين من دار الحرب إلى دار الإسلام وقعت الفرقة بتباين الدارين لا بالسبي أما إذا سبيا معاً فإن الزوجية تبقى بينهما سواء كانت زوجة مسلم، أو ذمي. وكذا إذا سبيا معاً ثم أسلما أو صارا ذميين فإنها لا تبين منه بل تبقى زوجيتهما قائمة، وإذا أسلمت زوجة الكتابي أو زوجة الوثني الذي لا كتاب له، وهو في دار الحرب، أو أسلم زوج الوثنية في دار الإسلام وهي في دار الحرب فإن حكم ذلك يختلف عما إذا أسلم أحدهما وهما في دار الإسلام، وذلك لأن إسلام أحدهما يوجب عرض الإسلام على الآخر، فإذا لم يسلم فرق بينهما على الوجه السابق، أما إذا كان أحدهما غير موجود فإنه يجب أن ينتظر الآخر مدة تقوم مقام عرض القاضي فلا تبين الزوجة نهائياً إلا بعد انقضاء تلك المدة وهي أن تحيض ثلاث مرات إذا كانت من ذوات الحيض فإن لم تكن من ذوات الحيض لصغر، أو لكبر فلا تبين إلا بعد ثلاثة أشهر وإن كانت حاملاً لا تبين إلا إذا وضعت الحمل، فلو أسلم الزوج قبل أن تحيض ثلاثة، أو يمضي عليها ثلاثة أشهر إن لم تكن من ذوات الحيض أو تضع الحمل إن كانت حاملاً، بقيت الزوجية فلا تبين منه.
    وبيان ذلك أن المسلمة لا تصلح أن تكون زوجة للكتابي أو الوثني، وقد عرفت أنه لا يفرق بينهما بإسلامهما إلا إذا عرض القاضي عليه الإسلام والمفروض أن لا ولاية للمسلمين في دار الحرب فلا يمكن العرض، والحاجة ماسة إلى التفريق، فاشترطنا للفرقة هذه المدة وأقمناها مقام سبب التفريق وهو إباء الزوج لأن إقامة الشرط مقام العلة عند تعذرها جائز وعند انقضاء هذه المدة تقع الفرقة بينهما بدون تفريق وهل تكون فرقة أو طلاقاً؟.
    والجواب: أن فيه تفصيلاً، وهو إن كانت المسلمة الزوجة، كما هو فرض المسألة التي ذكرناها كانت فرقة بطلاق لأن الفرقة مبنية على انقضاء المدة التي حلت محل إباء الرجل، وإباؤه طلاق لأنه يملك الطلاق أما إن أسلم الزوج وكانت الزوجة وثنية فإنه لا يعرض عليها الإسلام في دار الحرب أيضاً فلا تبين منه حتى تنقضي المدة المذكورة وتحل محل إبائها، وإباؤها ليس بطلاق لأنها لا تملك، كما تقدم قريباً، ثم إن المذكورة ليست بعدة، وذلك لأنها تتناول غير المدخول بها، فإذا تزوج الكتابي في دار الحرب، وأسلمت زوجته قبل الدخول بها لا تبين منه حتى تحيض ثلاث حيضات إن كانت من ذوات الحيض، أو يمضي عليها ثلاثة أشهر إن لم تكن كذلك، ولو كانت هذه المدة عدة لسقطت عن غير المدخول بها، ولكنها - كما عرفت - قد اشترطت لتقوم مقام سبب الفرقة، وهو الإباء المترتب على عرض الإسلام، كالمدخول بها بدون فرق، وهل تجب العدة بعد ذلك على المدخول بها أو لا "والجواب: أن المدخول بها إن كانت هي الحربية التي لم تسلم وأسلم زوجها، فلا عدة عليها لأنه
    لا عدة إلى الحربية باتفاق، وإن كانت هي التي أسلمت فإن فيها خلافاً فأبو حنيفة يقول: إنها لا عدة عليها أيضاً، وصاحباه يقولان: عليها العدة بعد انقضاء المدة المذكورة، ولا فرق في اشتراط المدة لبينونتها أن تبقى في دار الحرب أو تخرج مها جرة إلى دار الإسلام وحدها أو تخرج هو وحده، وذلك لأننا قلنا: إن المدة تقوم مقام عرض القاضي الإسلام على من لم يسلم ولا يمكن العرض على الغائب فتقوم المدة مقام العرض، أما إذا اجتمعا معاً في دار الإسلام، فلا يخلو إما أن يجتمعا بصفة مستديمة بأن ينويا الإقامة والاستمرار.
    أو يجتمعا فيه مستأمنين بأن يدخلا دار الإسلام بأمان لتجارة ونحوها، وهما ينويان العودة، ففي الحالة الأولى: تكون الفرقة بينهما بعرض الإسلام كالمقيمين بدار الإسلام وفي الحالة الثانية تكون الفرقة أمرين: عرض الإسلام، أو قضاء المدة المضروبة.
    ثم إن تباين الدارين تبايناً حقيقياً يوجب الفرقة بين الزوجين عند الحنفية، ومعنى تباين الدارين الحقيقي أن يخرج أحد الزوجين من دار الحرب إلى دار الإسلام كي يقيم بها إقامة مستمرة، أما إذا كان خرج إلى دار الإسلام بأمان لقضاء مصلحة ثم يعود، فإنه بذلك يكون مستأمناً فلا تفريق بينهما بهذا إلا إذا قبل أن يكون من أهل الذمة بأن تجري عليه الأحكام التي فرضها المسلمون على الذمي، فإنه بذلك يكون مقيماً بدار الإسلام حقيقة فتبين منه امرأته.
    والحاصل أن الفرقة بين الزوجين كما تكون بإسلام الكتابية، أو إسلام أحد الزوجين الوثنيين بعد عرض الإسلام على من أصر على الكفر في دار الإسلام، وانقضاء المدة في دار الحرب، كذلك تكون الفرقة بينهما بتباين الدارين وانفصالهما عن بعضهما بالسفر، ونية الإقامة في دار الإسلام، أو في دار الحرب نهائياً، فلو تزوج المسلم كتابية في دار الحرب، ثم سافر عنها وحده إلى بلاد الإسلام ناوياً الإقامة فإنها تبين منه دون أن تنتظر المدة المتقدمة، وذلك لأن الكتابية تحل للمسلم بدون أن يعرض عليها الإسلام، أما إذا خرجت هي قبله وهو قد لحقها، أو خرجا معاً فإنها لا تبين، وذلك لأن دخولها دار الإسلام، وهي مقر زوجها الأصلي، جعل التباين حكمياً لأن الزوجة تابعة في الإقامة. وكذا إذا خرجت امرأة الكتابي إلى دار الإسلام دونه ناوية الإقامة، فتكون من أهل الذمة وتبين بذلك وكذا إذا خرجت زوجة الكتابي إلى دار الإسلام مسلمة فإنها تبين من باب أولى، ولا عدة لهما عند الإمام أبي حنيفة، إلا أنها إن خرجت لتكون من أهل الذمة وهي على دينها فإنها تبين منه في الحال بدون أن تحيض ثلاثة، أو بعد ثلاثة أشهر أو بعد وضع أما إذا أسلمت فإن عليها أن تنتظر المدة قائمة مقام عرض الإسلام عليه، كما ذكرنا، وعلى هذا فيحل العقد على الكتابية بمجرد دخولها دار الإسلام وصيرورتها من أهل الذمة، ولو كانت حاملاً إلا أنه لا يحل وطؤها حتى تضع الحمل كما هو رأي بعضهم، وبعضهم يقول: لا يصح العقد على الحامل أيضاً لا للعدة بل لشغل الرحم بحق الغير، وعلى الثاني الأكثر ورجع الأول بعضهم وكذا إذا أسلمت هناك وجاءتنا مسلمة قبل أن تكمل المدة المضروبة لبينونتها فإنها تنتظر عندنا حتى تكملها ولا عدة عليها بعد ذلك عند الإمام.
    المالكية - قالوا: ينقطع النكاح بالسبي لا بتباين الدارين فإذا سبي أحد الزوجين. أو هما معاً
    انقطع النكاح بينهما. وفي ذلك تفصيل وهو أن يقع السبي على الزوجين جميعاً، سواء سبيا في آن واحد. أو سبي أحدهما قبل الآخر وسبي الآخر بعده، ومتى وقع السبي عليهما معاً انقطع النكاح بينهما، سواء أسلما بعد السباء، أو بقيا على دينهما. وفي حالة وقوع السبي عليهما متفرقين أربع صور:
    الصورة الأولى: أن تسبى هي أولاً ولم تسلم، ثم يسبى هو بعدها ولم يسلم ثم يسلما بعد ذلك وفي هذه الحالة لا ينفع إسلامهما في بقاء الحياة الزوجية بل تقطع بينهما بالسبي.
    الصورة الثانية: عكس الصورة الأولى بأن يسبى زوجها ويبقى على كفره، ثم تسبى هي ثانياً وتبقى على كفرها، ثم يسلما بعد ذلك. وهي كالأولى في انقطاع النكاح بينهما.
    الصورة الثالثة: أن يسبى هو أولاً فيسلم، ثم تسبى هي ثانياً، فتسلم.
    الصورة الرابعة: عكس الثالثة، أن تسبى هي أولاً، وتسلم، ثم يسبى هو بعدها، ويسلم.
    وقد عرفت أن إسلامهما في الصور الأربع لا يفيد في بقاء النكاح بينهما، بل ينقطع بوقوع السبي عليهما جميعاً سواء سبيا معاً أو متفرقين، وإذا أراد السابي أن يطأ الزوجة المسبية في هذه الأحوال وجب أن يستبرئها بحيضة لأنها أصبحت بالسبي أمة. فلا تعتد عدة الحرائر. أما إذا لم يقع السبي عليهما جميعاً، بل وقع على أحدهما فقط فلا يخلو إما أن يسلم أحدهما قبل سبي الآخر، أو لا، فإن كان الثاني فقد قطع السبي النكاح بينهما، وإن كان الأول كان زوجها أحق بها إلا إذا كانت قد حاضت حيضة الاستبراء، فإذا حاضت انقطع النكاح بينهما، مثلاً إذا أسلم الزوج قبل أن تسبى زوجته، ثم سبيت وأسلمت. كان أحق بها قبل أن تحيض حيضة الاستبراء، وتكون تحته أمة مسلمة تحت حر مسلم، أما إذا قدم الزوج إلى دار الإسلام بأمان ولم يسلم، ثم سبيت زوجته فقد انقطع النكاح بينهما، ومثل ذلك ما إذا أسلمت الزوجة قبل أن يسبى زوجها، ثم سبي وأسلم، فإنه يكون أحق بها، بخلاف ما إذا دخلت دار الإسلام بأمان ولم تسلم، ثم سبى زوجها فإن النكاح ينقطع بينهما.
    والحاصل أنها إذا سبيت هي فقط قبل إسلامه انقطع النكاح بينهما سواء قدم إلى دار الإسلام بأمان أو لا، وإذا سبي هو قبل إسلامها انقطع النكاح، سواء قدمت إلى دار الإسلام بأمان أو لا أما إذا سبيت بعد إسلامه، أو سبي بعد إسلامها، وأسلما كان أحق بها.
    الشافعية - قالوا: السبي يقطع النكاح لا بتباين الدارين. فإذا سبيت امرأة الحربي الكافرة قبل الدخول. أو بعده انقطع النكاح بينهما حالاًن حتى ولو كانت زوجة ذمي لم تدخل في عقد الذمة. بأن كانت وقت العقد معه خارجة عن طاعة المسلمين أما إذا شملها العقد فإنها لا تسبى، وهل إذا تزوج مسلم أصلي كتابية في دار الحرب يصح سبيها أو لا؟ رأيان، فقيل: يصح سبيها، وقيل: لا يصح وهو المعتمد، وهذا بخلاف ما إذا كان الزوج غير مسلم في الأصل بأن كان كتابياً أو وثنياً، ثم أسلم، فإن إسلامه الطارئ لا يحمي زوجته الكتابية من الأسر، ذلك للفرق بين الإسلام الأصلي، والإسلام الطارئ من وجهين أحدهما أن المرأة قصرت في عدم إسلامها معه قبل أن تسبى. ثانيهما: أن الإسلام الأصلي أقوى من الإسلام الطارئ. فإن قلت: لماذا قلتم: إن عقد الذمة إذا شمل الزوجية يحميها من السبي، وقلتم أن إسلام الزوج لا يحميها؟ والجواب: أن الإسلام يخاطب به كل واحد منهما استقلالاً، فلا تتبع الزوجة فيها الزوج بخلاف عقد الذمة، فإنها إن كانت في طاعتنا يشملها، لأنه ليس مقصوراً عليه وحده، فهي تابعة له فيه.
    وبهذا نعلم أن إسلام الزوج قبل سبي المرأة لا يمنع عنها السبي، ومتى سبيت انقطعت علاقة الزوجية بينهما في الحال لأنها تصير رقيقة كافرة تحت مسلم وهو ممنوع، ولا ينفع إسلامها بعد ذلك وهذا خلافاً للمالكية القائلين: إذا لم يقع السبي على أحد الزوجين، ثم أسلم قبل سبي الأخر فإن الزوجية لا تنقطع بينهما بشرط أن الزوجة قبل أن تحيض حيضة الاستبراء، إذا كانت هي المسبية، وتكون أمة مسلمة تحت حر مسلم. كما هو موضح في مذهبهم السابق.
    وكذا إذا سبيا معاً أو سبي الزوج وحده، فإن الزوجية تنقطع بينهما على الفور، لأن مجرد السبي يقطع علاقة الزوجية.
    الحنابلة - قالوا: لا ينفسخ النكاح باختلاف الدارين مطلقاً، فلا فرق في الأحكام المتقدمة بين أن يكون في دار الإسلام. أو في دار الحرب، أو يكون أحدهما بدار الإسلام والأخر بدار الحرب فإذا هاجرت امرأة الحربي إلى دار الإسلام مسلمة، ولم يهاجر زوجها إليها مسلماً قبل انقضاء عدتها فسخ النكاح بينهما، كما تقدم، وتبين المرأة من زوجها إذا سبيت وحدها، أما إذا سبي الرجل وحده أو سبيا معاً، فلا تبين منه، فوافقوا الحنفية في صورة ما إذا سبيا معاً، أو سبي الرجل وحده، ولم يختلفا في الدار، ووافقوا الشافعية، والمالكية فيما إذا سبيت المرأة وحدها.
    وسيأتي تفصيل كل ذلك مع أدلة الجميع في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى) .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #191
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 198 الى صــــــــ
    210
    الحلقة (191)

    حكم نكاح المرتد عن دينه من الزوجين
    -إذا ارتد أحد الزوجين عن دينه، أو ارتدا معاً. فإنه يتعلق بذلك أمور:
    أحدها هل يفسخ عقد الزواج بينهما إذا ارتد أحدها. أو ارتدا معاً؟
    ثانيها: هل ارتداد الزوج كارتداد المرأة في الفسخ، أو لا؟
    ثالثها: هل يكون الفسخ طلاقاً بهدم عدد الطلقات الثلاث، أو لا؟
    رابعها: هل يرث المرتد من الآخر، أو لا؟ وما حكم تصرفه في حال ردته،
    خامسها: ما حكم مهر المرأة وعدتها فيما إذا ارتد هو، أو هي؟
    سادسها: ما عقاب المرتد منهما؟
    سابعها: ما هي الأقوال، أو الأعمال التي توجب الكفر والردة؟
    أما الجواب عن هذه الأسئلة فتراه مفصلاً في المذاهب تحت الخط الموضوع أمامك (1) .
    __________
    (1) (الحنفية - قالوا: أما الجواب عن الأول فإنه إذا ارتد الزوج عن دينه بانت منه زوجته في الحال لأنه لا يحل للكافر أن يستولي على المسلمة بحال من الأحول، ويفرق بينهما عاجلاً بدون قضاء، أما إذا ارتدت الزوجة وحدها فإن في ذلك أقوالاً ثلاثة.
    القول الأول: أن ردتها تكون فسخاً للنكاح، وتعزر بالضرب كل ثلاثة أيام بحسب حالها وما يراه الإمام زاجراً لها، وتجبر الإسلام بالحبس إلى أن تسلم أو تموت وهي محبوسة، وإذا أسلمت تمنع من التزوج بغير زوجها، بل تجبر على تجديد النكاح بمهر يسير، رضيت، أو لم ترض، فلكل قاض أن يجدد نكاحها على زوجها، ولو نصف جنيه متى طلب الزوج ذلك، أما إذا سكت أو تركها صريحاً، فإنها تزوج بغيره حينئذ، وهذا العمل بالتعزير والإجبار على الإسلام وتجديد النكاح فإن تعذر ذلك سقط العمل به.
    القول الثاني: أن ردة المرأة لا توجب فسخ النكاح مطلقاً، خصوصاً إذا تعمدت الردة لتتخلص من زوجها، وعلى ذلك فلا فسخ ولا تجديد للنكاح وهذا هو الذي أفتى به علماء بلخ، وهو الذي يجب العمل به في زماننا، فلا يصح للقاضي أن يحيد عنه.
    القول الثالث: أن المرأة إذا ارتدت تصير رقيقة مملوكة للمسلمين، فيشتريها زوجها من الحاكم، وإن كان مصرفاً يستحقاً صرفها له بدون ثمن، ولا تعود حرة إلا بالعتق، فلو أسلمت ثانياً لا تعود حرة، ومتى استولى عليها الزوج بعد ذلك ملكها، فله بيعها ما لم تكن قد ولدت منه. وهذا فيه زجر شديد للمرأة عن الردة، على أن العمل به غير ممكن اللهم إلا في البلد التي لا يزال بها الرق موجوداً، أما إذا ارتدا معاً بحيث سجدا للضم معاً في آن واحد، أو سبق أحدهما الآخر بكلمة الكفر ولكن لم يعلم السابق، فإن نكاحهما يبقى ولا يفسخ، فإذا أسلما معاً دفعة واحدة بقي النكاح بينهما كذلك، أما إذا أسلم أحدهما قبل الآخر فسد النكاح.
    أما الجواب عن السؤال الثاني، فهو أن أبا حنيفة يقول: إن الفرقة بينهما لا تكون طلاقاً، بل هي فسخ لا يهدم شيئاً من عدد الطلاق فإذا ارتد الزوج ثم تاب وجدد النكاح عليها لم ينقص ذلك شيئاً مما له من الطلاق، وكذا إذا ارتد ثانياً وجدد النكاح، ثم ارتد ثالثاً، فإن له أن يجدد نكاحها بدون محلل، ولا يقال له: إنك قد طلقتها ثلاثاً بردتك ثلاث مرات، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً آخر، وهذا بخلاف ما إذا أسلمت زوجته ثم عرض عليه الإسلام فأبى فإن إباءه الإسلام يعتبر طلاقاً عند أبي حنيفة، كما تقدم، ومحمد يرى أن لا فرق بين الحالتين، فالفسخ فيهما يكون طلاقاً، وأبو يوسف يرى أن الفسخ في الأمرين ليس بطلاق.
    ووجهة نظر أبي حنيفة أن الطلاق يتضمن الزوجية، فإنه لا يقع إلا على زوجة، أما الردة فإنها
    تنافي الزوجية بطبيعتها، فلا يمكن أن تجعل طلاقاً يتضمن زوجية بحال، بخلاف إباء الزوج عن الإسلام، فإنه ليس فيه خروج عن دين الإسلام، فحل محل طلاق المرأة التي أسلمت.
    هذا، وإذا ارتدت المرأة ثم طلقها زوجها وهي في العدة وقع الطلاق، فإذا طلقها ثلاثاً وهي في العدة فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، وذلك لأن تحريمها بالردة لم يكن على التأبيد ألا ترى أنه يرتفع بالإسلام؟ فمتى كانت في العدة كانت علاقتها به قائمة، ولكن يشترط لوقوع الطلاق أن لا تلحق بدار الحرب، فإذا لحقت بدار الحرب فطلقها زوجها ثم عادت مسلمة قبل الحيض. فعنده يقع، وعندها لا يقع، أما الزوج إذا ارتد ولحق بدار الحرب وطلق فإن طلاقه لا يقع، وإذا عاد وهو مسلم ثم طلقها قبل أن تنقضي عدتها فإنه يقع.
    أما الجواب عن الثالث، فإنه إذا ارتد الزوج وورثته المرأة، بشرط أن تكون في العدة بلا فرق بين أن تكون ردته في حال مرضه أو صحته، فمتى مات الزوج بعد ردته أو لحق بدار الحرب قبل انقضاء عدتها فإنها ترثه، أما إذا ارتدت في حال صحتها ثم ماتت. أو لحقت بدار الحرب قبل انقضاء عدتها فإن الزوج لا يرثها، وإذا ارتدت في حال مرضها ثم ماتت، أو لحقت بدار الحرب فإنه يرثها، والفرق بين الزوج والزوجة في ذلك أن الزوج جزاؤه على ردته أن يعدم إن لم يتب، فكأنه وهو في صحته مريض مرضاً يفضي إلى الموت لا محالة، فيكون بمنزلة الرجل الذي يطلق زوجته وهو في مرض الموت فراراً من أن ترثه، فلا يسقط طلاقها في هذه الحالة حقها من الميراث، أما المرأة فلا تجزى على الردة بإعدام إن امتنعت عن العودة إلى الإسلام كما عرفت من أن جزاءها الحبس، فلا تكون في حال صحتها فارة بالردة من ميراث الرجل.
    واعلم أن أموال المرتد لا تكون مملوكة له حال ردته ملكاً تاماً بل ملكاً موقوفاً حتى إذا أسلم عاد له ملكه التام كما كان قبل الردة بلا خلاف، أما إذا لم يسلم بأن قتل أو مات أو لحق بدار الحرب فإن ملكه يزول عن أمواله زوالاً تاماً، وعلى هذا لا ينفذ تصرفه فيها بالبيع أو الشراء أو الهبة أو غير ذلك قبل إسلامه، وهذا هو الصحيح، وغيره يرى أن ملكه لا يزول عن ماله إلا بأحد الثلاث المذكورة من القتل، أو الموت، أو اللحوق، فإذا تصرف قبل ذلك في كل ما فيه مبادلة مال بمال فإن تصرفه ينفذ، كما سيأتي قريباً.
    ثم إذا مات أو قتل، أو لحق بدار الحرب انتقل ماله لورثته المسلمين، ويعتبر إسلامهم عند القتل، أو الموت، أو اللحوق بدار الحرب، فلو كان له ولد بالغ ارتد معه ولكنه أسلم في الأيام الثلاثة المضروبة مهلة للمرتد، وبقي مسلماً عند قتل والده، أو لحوقه بدار الحرب فإنه يرث، ومثل ذلك ما إذا وطئ أمة مملوكة له بعد ردته فحملت منه بولد فإن ذلك الولد يرث لأنه كان مسلماً تبعاً لأمه المسلمة، وهذا هو الأصح، وبعضهم يقول إنه يلزم أن يكون مسلماً وقت الردة، فلو ارتد معه ولده الكبير ثم أسلم قبل قتل أبيه فإنه لا يرث، ولكن هذا ضعيف. وليس لورثته حق إلا في المال الذي كسبه وهو مسلم. فيقتسمونه بينهم حسب الفريضة الشرعية، ومنهم الزوجة، بعد أن يقضوا منه الدين
    الذي استدانه بعد ردته، وذلك لأنه لا ملك له حال ردته، ثم إن تصرف المرتد قبل إسلامه منه ما ينفذ باتفاق. ومنه ما لا ينفذ باتفاق، ومنه ما يوقف باتفاق، ومنه ما هو مختلف في توقفه بين الإمام، وصاحبيه، فأما الذي ينفذ باتفاق فهو خمسة:
    أحدها: الطلاق في العدة، لما مر قريباً. ثانيها: قبول الهبة،
    ثالثها: تسليم الشفعة، فإذا طالبه أحد بحقه في الشفعة وسلم فيه فإنه يصح، وهل له أن يأخذ هو شيئاً بالشفعة بعد ردته وقبل أن يسلم؟ فقال أبو حنيفة: إنه ليس له الحق ما لم يسلم ويطلب، فإذا لم يسلم ولم يطلب بطل حقه، وقال غيره إن له الحق في الشفعة.
    رابعها: الحجر على عبده المأذون، فلو كان له عبد أذنه بتجارة ونحوها فله حق الحجر عليه أثناء ردته.
    خامسها: الاستيلاء، أي ادعاء ولد الجارية، فإذا جاءت بولد حال ردته وادعاه ثبت نسبه منه، ويرث الولد مع ورثته، وتصير أمه أم ولد.
    وأما الذي يبطل باتفاق، فهو خمسة أشياء أيضاً - وهي الأمور التي تتوقف على التدين بدين ولو لم يكن سماوياً، كالمجوسية وغيرها.
    الأمر الأول: النكاح، فيبطل نكاح المرتد مطلقاً، لأن النكاح إما بين مسلمين. أو بين مسلم وكتابي، أو بين كتابيين، أو وثنيين، والمرتد لا دين له حتى ولو انتقل إلى دين الكتابيين لأنه لا يقر عليه، فلا يعتبر، ولا يخفى أن الوثني له دين وإن لم يكن له كتاب، فلو تزوج المرتد، أو المرتدة وقع العقد باطلاً،
    ثانيها: الذبح، فذبيحة المرتد لا تؤكل.
    ثالثها: الصيد فلو اصطاد المرتد كان صيده ميتة.
    رابعها: الشهادة، فلا تقبل شهادة المرتد ولا تصح. خامسها: الإرث، فلا يرث المرتد بعد ردته ولا يورث عنه مال كسبه بعد ردته أما المال الذي كسبه حال إسلامه فإنه يورث عنه، كما مر قريباً.
    وأما الذي يقع موقوفاً باتفاق، فهو أمران: شركة المفاوضة. والتصرف على ولده الصغير، فإذا عقد المرتد مع المسلم عقد شركة مفاوضة في حال ردته وقع موقوفاً، فإذا أسلم نفذ، وإذا هلك بطل، وأما المختلف في توقفه، فهو كل ما كان مبادلة مال بمال، كالبيع بجميع أنواعه، ومنه الصرف، والسلم والعتق والتدبير، والكتابة، والهبة، والإجارة والوصية، فإن أسلم نفذ كل ذلك باتفاق، وإن هلك، أو لحف بدار الحرب بطل عند أبي حنيفة، ونفذ عندهما، لأن حقه في تصرفه في ملكه لا يبطل إلا عند هلاكه، كما تقدم.
    وبقيت أشياء لم ينصوا عليها، وهي ما إذا أعطي الأمان لحربي، فإنه لا ينفذ، لأن أمان الذمي لا ينفذ، فمثله الحربي من باب أولى، وكذلك لا يكون من العاقلة فلا يعين في دية ولا يعان فيها، لأن ذلك معناه التناصر بين القوم والمرتد، لا تناصر بينه وبين المسلمين، فلا ينصر ولا ينصر أما إذا أودع المرتد وديعة عند أحد أو استودعه أحد وديعة فإنه يصح وكذا إذا التقط شيئاً، أو التقط أحد لقطته فإنه تجري عليه أحكامها.
    الذي استدانه بعد ردته، وذلك لأنه لا ملك له حال ردته، ثم إن تصرف المرتد قبل إسلامه منه ما ينفذ باتفاق. ومنه ما لا ينفذ باتفاق، ومنه ما يوقف باتفاق، ومنه ما هو مختلف في توقفه بين الإمام، وصاحبيه، فأما الذي ينفذ باتفاق فهو خمسة:
    أحدها: الطلاق في العدة، لما مر قريباً.
    ثانيها: قبول الهبة،
    ثالثها: تسليم الشفعة، فإذا طالبه أحد بحقه في الشفعة وسلم فيه فإنه يصح، وهل له أن يأخذ هو شيئاً بالشفعة بعد ردته وقبل أن يسلم؟ فقال أبو حنيفة: إنه ليس له الحق ما لم يسلم ويطلب، فإذا لم يسلم ولم يطلب بطل حقه، وقال غيره إن له الحق في الشفعة.
    رابعها: الحجر على عبده المأذون، فلو كان له عبد أذنه بتجارة ونحوها فله حق الحجر عليه أثناء ردته. خامسها: الاستيلاء، أي ادعاء ولد الجارية، فإذا جاءت بولد حال ردته وادعاه ثبت نسبه منه، ويرث الولد مع ورثته، وتصير أمه أم ولد.
    وأما الذي يبطل باتفاق، فهو خمسة أشياء أيضاً - وهي الأمور التي تتوقف على التدين بدين ولو لم يكن سماوياً، كالمجوسية وغيرها.
    الأمر الأول: النكاح، فيبطل نكاح المرتد مطلقاً، لأن النكاح إما بين مسلمين. أو بين مسلم وكتابي، أو بين كتابيين، أو وثنيين، والمرتد لا دين له حتى ولو انتقل إلى دين الكتابيين لأنه لا يقر عليه، فلا يعتبر، ولا يخفى أن الوثني له دين وإن لم يكن له كتاب، فلو تزوج المرتد، أو المرتدة وقع العقد باطلاً، ثانيها: الذبح، فذبيحة المرتد لا تؤكل. ثالثها: الصيد فلو اصطاد المرتد كان صيده ميتة. رابعها: الشهادة، فلا تقبل شهادة المرتد ولا تصح. خامسها: الإرث، فلا يرث المرتد بعد ردته ولا يورث عنه مال كسبه بعد ردته أما المال الذي كسبه حال إسلامه فإنه يورث عنه، كما مر قريباً.
    وأما الذي يقع موقوفاً باتفاق، فهو أمران: شركة المفاوضة. والتصرف على ولده الصغير، فإذا عقد المرتد مع المسلم عقد شركة مفاوضة في حال ردته وقع موقوفاً، فإذا أسلم نفذ، وإذا هلك بطل، وأما المختلف في توقفه، فهو كل ما كان مبادلة مال بمال، كالبيع بجميع أنواعه، ومنه الصرف، والسلم والعتق والتدبير، والكتابة، والهبة، والإجارة والوصية، فإن أسلم نفذ كل ذلك باتفاق، وإن هلك، أو لحف بدار الحرب بطل عند أبي حنيفة، ونفذ عندهما، لأن حقه في تصرفه في ملكه لا يبطل إلا عند هلاكه، كما تقدم.
    وبقيت أشياء لم ينصوا عليها، وهي ما إذا أعطي الأمان لحربي، فإنه لا ينفذ، لأن أمان الذمي لا ينفذ، فمثله الحربي من باب أولى، وكذلك لا يكون من العاقلة فلا يعين في دية ولا يعان فيها، لأن ذلك معناه التناصر بين القوم والمرتد، لا تناصر بينه وبين المسلمين، فلا ينصر ولا ينصر أما إذا أودع المرتد وديعة عند أحد أو استودعه أحد وديعة فإنه يصح وكذا إذا التقط شيئاً، أو التقط أحد لقطته فإنه تجري عليه أحكامها.
    ولكن مؤلفي الفتاوى قد ذكروا أموراً كثيرة قالوا عنها: إنها مكفرة، ولكن الواقع غير ذلك لأنها تحتمل التأويل، وكل ما كان كذلك فلا يكون مكفراً، ومن ذلك أن يقول الإنسان بخلق القرآن فقد ذكروا أنه يكفر بهذه العبارة، وهذا غير صحيح، وذلك لأن هذه العبارة تحتمل أن ألفاظ القرآن التي نقرؤها ونتعبد بها مخلوقة لله ولا يقول عاقل أنها قديمة، وما نقل عن الإمام أحمد كان من باب الأدب والورع، وتحتمل أيضاً ما يقوله المعتزلة من أنه ليس لله صفة زائدة على ذاته يقال لها: الكلام ولكن الله خلق الكلام الذي أسمعه موسى، وخلق القرآن الذي أنزله على محمد، وقد أقاموا البرهان القوي على ذلك، ولم يكفرهم أحد بل كثير من أعلام المسلمين قال: إن رأيهم في ذلك صواب، وتحتمل ما يقوله الكرامية، من أنها حادثة زائدة على الذات قائمة بذاته، وهذا لا يلزم منه الكفر إلا إذا اعتقدوا حدوث الذات لقيام الحوادث بها، أو اعتقدوا أن الله ليس بمتكلم قبل أن يخلق صفة الكلام الحادثة أما إذا اعتقدوا أن الله متكلم بذاته، ثم إذا أراد شيئاً قال: كن وقامت بذاته، ثم ترتب عليها الأثر، فإنهم لا يكفرون، فهذا كل ما يحتمله القول بخلق القرآن، ولا يخفى أنه قابل للتأويل من جميع الجهات.
    ومنه ما إذا قال الشخص: أنا مؤمن إن شاء الله، وهذه لا يصح أن يكفر قائلها إلا إذا نطق بها على سبيل الشك بأن كان شاكاً في إيمانه، أما إذا ذكرها تبركاً، أو تفويضاً لله في كل الأمور فإنه لا شيء فيها، نعم ينبغي للشخص أن لا يأتي بهذه الكلمة في الأعمال المطلوبة منه جزماً كي يكون في حل من عدم فعلها ويوجب شك طالبها، ومن ذلك أن يقول الإنسان لشخص لا يمرض: إن الله - لا يفتكره - أو هو منسي من الله، وهذه الكلمة وإن كانت قبيحة، ولكن صاحبها لا يكفر إلا إذا قصد معناها المتبادر منها، وهو أنه يجوز على الله النسيان، أما إذا كان غرضه أن الله لا يحب هذا الرجل الذي لا يمرض فلا يكفر ذنوبه بالمرض فإنه لا يكفر، وإن كان قائلها جاهلاً ينبغي لمن سمعه من العارفين أن يعلمه ما يقول.
    فهذه أمثلة مما ذكره مؤلفو الفتاوى. فينبغي النظر فيما ذكروه على هذا الوجه.
    وبالجملة فالمحققون من الحنفية صرحوا بأنه لا يجوز تكفير المسلم إلا إذا لم يمكن تأويل كلامه، فلو قال: كلمة تحتمل الإيمان من وجه. والكفر من وجوه تحتمل على الإيمان حتى قالوا: إذا قال كلمة أو عمل يستلزم ظاهره الكفر ولكن وجدت رواية ضعيفة يحمل بها على الإيمان لا يصح المبادرة بتكفيره، نعم إذا فعل ما لا يمكن حمله على الإيمان كأن مزق مصحفاً وألقاه على الأرض لغيظ أو غضب من حالة عصبية وهو مؤمن فإنه يؤاخذ به مع اعتقاده بالنسبة لزوجته، لأن بينونتها منه بذلك حق من حقوقها، ولا يمكن للقاضي أن يدخل إلى ما في نفسه، بل لا بد من معاملته بظاهر أمره في حق هذه المرأة، أما الذي يمكن تأويله فإن فاعله أو قائله يؤمر بالتوبة والاستغفار وتجديد عقد زوجته احتياطاً، فإن أبت فلا تمكن من غرضها، ولا تجبر على التجديد.
    ومن سب دين مسلم فإنه يحمل على أمرين: أحدهما سب نفس الشخص وأخلاقه التي يتخلق
    بها، ومن أراد ذلك فإنه لا يكفر. ثانيها: سب نفس الدين وتحقيره، ومن أراد ذلك فإنه يكفر، وبذلك لا يمكن الجزم بتكفير من شتم الدين، فلا يترتب عليه أحكام المرتدين.
    ومن سب النبي صلى الله عليه وسلم صريحاً، أو عرض بمقامه الكريم، أو سب نبياً من الأنبياء، أو سب جبريل وميكائيل، فقد اختلف فيه قولين: أحدهما أنه يقتل حداً ولا تقبل توبته، كما يقول المالكية ثانيها: أن حكمه حكم المرتد الذي سب خالقه، فإن تاب وإلا قتل، وهذا هو الذهب الذي عليه المعمول، وإن كان سب الرسول صلى الله وعليه وسلم من أشنع الجرائم وأقبحها وأن الذي يقدم عليه وعنده مثقال ذرة من العقل لا يرجى منه خير فإعدامه خير من بقائه.
    أما السحر، فإن تعريفه الذي عرفه المالكية يجعل الحكم في أمره واضحاً، فإنه إن كان مشتملاً على عبارات أو عمال مكفرة فإن صاحبها بها بلا كلام وإلا فإن ترتب عليه ضرر كان حراماً يكفر مستحله، وإلا شيء فيه، ولا فرق بين أن تكون الآثار المترتبة عليه حقيقة أو تكون خيالاً، لأن الحكم في هذه الحالة على الأقوال والأفعال الصادرة من المكلف، وكل ما ذكر في كتب الحنفية خاصاً بالسحر لا يخرج عن هذا، وكذلك ما نقل الشافعية، وقد صرع بعض المحققين من الحنفية أنه ينبغي العمل بمذهب الشافعية في هذا الموضوع، وهو لا يخرج عن هذا.
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #192
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 198 الى صــــــــ
    210
    الحلقة (192)


    المالكية - قالوا: في الجواب عن الأول والثاني: إذا ارتد الزوج فرق بينه وبين زوجته، أما إذا ارتدت هي فإن قامت القرائن على أن غرضها الاحتيال على الخلاص منه فإنها لا تبين منه، بل تعامل بنقيض قصدها، فإذا ارتد الزوج ليخلص من زوجته فإنه يعامل بقصده وتبين منه، وذلك لأن بيده طلاقها، فما كان أغناه عن الردة ليخلص منها.
    أما الجواب عن الثالث وهو: هل الفراق بالردة فسخ، أو طلاق؟ فإن فيه أقوالاً ثلاثة:
    أحدهما: أن الردة نفسها طلاق بائن. فمتى ارتد بانت منه امرأته، كما لو طلقها طلاقاً بائناً، ويجب التفريق بينهما فوراً، وهذا هو المشهور.
    القول الثاني. أن الردة طلاق رجعي، وعلى القول الثاني أنه إذا تاب وهي في العدة يراجعها بدون عقد جديد، أما على القول الأول فلا بد تجديد العقد.
    القول الثالث: أن الردة فسخ لا طلاق، والفرق بين القول الثالث والقولين الأولين، أن القول الثالث يقتضي بقاء الطلقات الثلاث بيد الزوج إن تاب ورجع لها، أما على القول فإن عدد الطلاق ينقص بالردة كما بيناه في مذهب الحنفية.
    وأما الجواب عن السؤال الرابع: وهو ميراث المرتد، فهو أن المرتد لا مال له لأن الردة توجب الحجر على المرتد فبمجرد ردته يحجر عليه الإمام أو نائبه، ويحول بينه وبين ماله والتصرف فيه، ثم يطعمه منه بقدر الحاجة، ولا ينفق منه على أولاده ولا على زوجته لأنه يعتبر في هذه الحالة معسراً، ثم يستتاب، فإن تاب ورجع إلى الإسلام يرفع عنه الحجر ويخلى بينه وبين ماله على المشهور، فيتصرف فيه كما كان قبل ارتداده، أما إذا أصرع على ردته وقتل كافراً فإن ماله يصير فيئاً لبيت مال المسلمين ولا يرثه أحد.

    وأما الجواب عن السؤال الخامس، فهو أنه إذا ارتد قبل دخوله بالمرأة، فلها نصف المهر على القول بأن الردة طلاق، أما على القول بأنها فسخ فلا صداق لها، كما إذا كانت الردة من قبلها. أما بعد الدخول فلها كل المهر لأنه يتأكد بالدخول ولا يسقط.
    وأما الجواب عن السؤال السادس، فهو أن المرتد سواء كان رجلاً أو امرأة يجب أن يطلب منه الحاكم أن يتوب، ويمهله مدة ثلاثة أيام من غير ضرب أو معاقبة بتجويع وتعطيش، فإن تاب برجوعه إلى الإسلام فلا يقتل، وإن لم يتب حتى مضت الأيام الثلاثة بغروب اليوم الثالث قتل، ذكراً كان أو أنثى، حراً كان أو رقاً، فلا يقر على كفره بجزية، بخلاف أما إذا كان على غير دين الإسلام بحسب الأصل، فإنه يقر بالجزية، ولو ارتد أهل مدينة استتيبوا ثلاثة أيام فإن لم يتوبوا فإنهم يقتلون، ولا يسبون، ولا يرقون، ثم إن المرأة المتزوجة تستبرأ بحيضة قبل قتلها، لجواز أن تكون حاملاً. واستبراء الحرة هنا عدة لها، فعدة المرتدة حيضة واحدة، أما إذا ارتد هو وهي مسلمة فإن عدتها كغيرها، وذلك لأن الحيضة يثبت بها أنها غير حامل، وما زاد على ذلك فهو أمر تعبدي، والمرتدة ليست أهلاً للتعبد، بخلاف ما إذا كانت مسلمة والمرتد زوجها وقد علمت أن زوجة المرتد لا نفقة لها عليه لأنه لا مال في حال ردته.
    وأما الجواب عن السؤال السابع: فإن المالكية قالوا: إن ما يوجب الردة ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
    الأول: أن يقول كلمة كفر صريحة كقوله: إنه كفر بالله، أو برسول الله، أو بالقرآن، أو يقول: إن الإله اثنان، أو ثلاثة، أو المسيح ابن الله، أو عزير ابن الله.
    الثاني: أن يقول لفظاً يستلزم الكفر استلزاماً ظاهراً، وذلك كأن ينكر شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة، كفرضية الصلاة، فإنه وإن لم يكن كفراً صريحاً ولكنه يستلزم تكذيب القرآن أو تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يقول: إن الله جسم متحيز في مكان، لأن ذلك يستلزم أن يكون الإله محتاجاً للمكان، والمحتاج حادث لا قديم، ومن ذلك ما إذا أحل حراماً معلوماً من الدين بالضرورة، كشرب الخمر، والزنا، واللواط، وأكل أموال الناس بالباطل وغير ذلك.
    الثالث: أن يفعل أمراً يستلزم الكفر استلزاماً بيناً، كأن يرمي مصحفاً أو بعضه، ولو آية في شيء مستقذر تعافه النفس، ولو طاهراً، كالبصاق، والمخاط، ويلطخه به، بأن يبصق عليه، أو يراه ملطخاً بالأقذار وهو قادر على إزالتها عنه فلم يفعل وتركه استخفافاً وتحقيراً، فمدار الكفر على الاستخفاف والتحقير، ولكن يحرم أن يفعل ما في صورة التحقير وإن لم يقصده، كأن يبل أصبعه بالبصاق ليسهل به تقليب ورق المصحف، ومن الفعل المستلزم للكفر شد الزنار وهو حزام خاص به أشكال مختلفة يشد به النصارى وسطهم ليمتازوا به عن غيرهم، فإذا لبسه المسلم فإنه يكفر بشروط.
    الشرط الأول: أن يلبسه محبة لدينهم وميلاً لأهله، فيكون معنى لبسه لهم خروجاً من جماعة
    المسلمين إلى جماعة الكافرين، فإذا لبسه لغرض آخر غير ذلك، كأن لبسه هازلاً. أو نحو ذلك. فإنه لا يكفر، ولكن يحرم عليه فعل ذلك.
    الشرط الثاني: أن لا تضطره الضرورة إلى لبسه، كما إذا وجد في بلادهم لضرورة، ولم يجد لباساً سواه.
    الشرط الثالث: أن ينضم إلى لبسه عمل آخر من أعمال ديانتهم، كمشي إلى الكنيسة، أو تعظيم للصليب، أو نحو ذلك فإن لبسه ولم يفعل ذلك فإنه لا يكفر على الراجح، ومثل الزنار في حكم لبس كل ما يختص بالكافر من الملابس.
    هذا، وقد ذكر المالكية وراء ذلك أموراً مكفرة: منها القول بقدم العالم بالزمان، فإن ذلك يقتضي أن يكون مكرهاً على إيجاد العالم لأنه يكون علة فيه، والعلة مكرهة على إيجاد معلولها، ووصف الإله بالإكراه نقص، ومن وصف الإله بصفة نقص فقد كفر، وظاهر كلامهم أن من قال كلمة لا يقصد بها نقصاً فإنه لا يكفر. ومنها السحر، فإنه يوجب الكفر، وقد اختلفوا في تفسيره وحكمه، فقال بعضهم: إنه كلام مؤلف يعظم به غير الله تعالى، وتنسب إليه مقادير الكائنات، وهو بهذا المعنى ردة ظاهرة، وذلك لأن المراد بالكلام العبارات التي يقولها الساحر تعظيماً للشياطين ويوقع في عقائد الناس أو هو يعتقد، أنها هي المؤثرة في الكائنات، ومن ذلك ما يفعله بعض فاسدي الأخلاق المدعين للسحر من وضع المصحف تحت قدمه عند قضاء حاجته، أو إهانة الملائكة بالسب، فإن ذلك من أشنع الكفر وأرذله، وقال بعضهم في تفسيره: إنه أمر خارق للعادة ينشأ عن سبب معتاد، وقوله: عن سبب معتاد أخرج به المعجزة والكرامة، لأن سببهما غير معتاد، وعلى هذا إن كان السبب هو العبارات الفاحشة التي يعظم بها الشياطين والأعمال المنكرة التي يهان بها الدين فإنه يكون ردة قبيحة بلا كلام، وإن كان بالعبارات الخالية من ذلك، كالأسماء الإلهيه ونحوها، فإنه يفصل فيه إن ترتب عليه ضرر لمظلوم غافل. أو إساءة إلى بريء في نفس، أو مال، فإنه يكون محرماً ويؤدب فاعله، وإلا فلا.
    وعلى هذا يكون السحر المكفر هو العبارات، أو الأفعال الشاذة التي ذكرناها، بقطع النظر عما يترتب عليها من الآثار الضارة، فهي بطبيعتها من أقبح أنواع الكفر. كما ذكرنا، أما الأضرار التي تترتب على السحر الذي يكون بالوسائل الصحية، كالأسماء الإلهية والأعمال الخالية من سب الدين أو إهانته، فإنها توجب تأثيم فاعلها إثماً كبيراً إن ترتب عليها ضرر، وإذا ظهر أمره يؤدب، وهذا المعنى المراد للفقهاء من السحر واضح جلي لا يحتاج إلى كبير فلسفة في بيان معنى السحر ووسائله، ولعل هذا المراد بقوله تعالى: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} فالمراد بالسحر العبارات الفاسدة، والأعمال المنكرة التي ترضي الشياطين، فتعمل من الخبائث ما هو داخل تحت قدرتها.
    وأما حكم الساحر الكافر فقد اختلف فيه على قولين: أحدهما أن يقتل حداً لا كفراً، كالزنديق، ومعنى ذلك أنه لا يستتاب، وإذا تاب لا تقبل توبته، لأن الزنديق - وهو من يظهر الإسلام ويبطن الكفر
    - لا تقبل توبته، وميراثه لورثته المسلمين، بخلاف المرتد، كما تقدم. ثانيهما: أنه إذا أظهر السحر طلب منه التوبة والرجوع إلى الإسلام، كالمرتد، فإن أبى قتل، ولا يقتل حتى يثبت أنه قال أو فعل سحراً مكفراً، ولا يقتله إلا الإمام.
    واعلم أن الزنديق الذي لا تقبل توبته هو الذي يخفي الكفر، كالمنافق، ثم يطلع عليه الشهود العدول وهو غافل، أما الذي يظهر زندقته ويجيء تائباً وحده فإن توبته تقبل، والفرق ظاهر، لأنه في الحالة الأولى لا يمكن الوثوق به إذ لعله يظهر التوبة في العلانية وهو مستمر على حاله في السر.
    ومن الأمور المكفرة التي لا تقبل التوبة عند المالكية سب النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو التعريض بمقامه الكريم، ولا ينفع فيه أن يقول: إنه لم يتعمد. أو كان غضباناً فلا يدري، أو كان متهوراً في كلامه فسبق لسانه، أو غير ذلك، فمن وقع منه شيء من ذلك قتل حداً لا كفراً، فلا يسقط عنه القتل بالتوبة والرجوع إلى الإسلام، لأن سب النبيّ صلى الله عليه وسلم جزاؤه الإعدام حداً، والحدود لا تسقط بالتوبة، ومثل ذلك ما إذا سب معصوماً من الأنبياء والمرسلين والملائكة، وإذا سب هؤلاء اليهودي، أو النصراني فإنه يقتل أيضاً ما لم يسلم، لأن الإسلام يجب ما قبله، أما من سب من لم يجمع على نبوته، أو على كونه من الملائكة، كهاروت وماروت، ومريم، وآسية، وذي القرنين، ولقمان وخالد بن سنان، فلا يكفر ولكن يؤدب لأنه فعل محرماً.
    الشافعية - قالوا: في الجواب عن الأول، والثاني: إذا ارتد الزوجان، أو أحدهما فلا يخلو إما أن تكون الردة قبل الدخول، أو بعد الدخول، فإن كانت قبل الدخول انقطع النكاح بينهما حالاً لعدم تأكيد النكاح بالدخول، وإن كانت بعد الدخول، فإن النكاح لا ينقطع حالاً فتقف الفرقة بينهما، فإن أسلما، أو أسلم المرتد منهما قبل انقضاء عدة المرأة دام النكاح بينهما وإلا انقطع النكاح من حين الردة، سواء أسلما بعد انقضاء العدة، أو أسلما في نهاية جزء منها بحيث يكون الإسلام مقارناً لانقضاء العدة، أو يسلما، ولا فرق في ذلك بين أن تكون المرتدة الزوجة، أو يكون المرتد الزوج، وليس معنى هذا أنهما يؤخران حتى تنقضي عدة الزوجية كلا، فإنك ستعلم أنهما يعاقبان على الردة فوراً، بل هذه صورة فرضية، بمعنى أنه لو فرض بقاؤهما من غير قتل، أو إسلام إلى قبل انقضاء العدة وأسلما بقي النكاح بينهما مستمراً، والمراد بالدخول هنا الوطء، سواء كان في القبل أو الدبر، أو ما يقوم مقامه، وهو إدخال مني الرجل في فرجها بغير وطء كأنبوبة ونحوها، ولا يلزم من عدم انقطاع النكاح بقاء ملك النكاح كما هو بحيث يحل وطؤها كلا، بل يحرم وذلك لتزلزل ملك النكاح بالردة، ولكن لا يحدان بالوطء في هذه الحالة لشبهة بقاء العقد، بل يعزران لارتكاب الحرام، ويحب العدة من أول هذا الوطء.
    وكذلك يقف تصرف الزوج المتعلق بعقد الزواج من ظهار، أو إيلاء، أو طلاق، فإن أسلما قبل انقضاء العدة نفذ وإلا فلا، وإذا ارتدت المرأة لا يكون لها حق في نفقة العدة حتى ولو أسلمت في
    أثنائها، أما إذا ارتد الزوج كان لها الحق في النفقة، ولا يحل لأحد أن يتزوج المرتدة، سواء كان مسلماً، أو غيره.
    وأما الجواب عن السؤال الثالث، فهو أن الردة فسخ لا طلاق، فلا تنقص عدد الطلاق الثلاث على أي حال.
    وأما الجواب عن السؤال الرابع، فهو أن المرتد لا يورث، فإذا ارتد أصبح ملكه للمال موقوفاً، فإن هلك وهو مرتد زال ملكه نهائياً، وإن أسلم لم يزل ملكه عنه، فيظهر زوال الملك بالهلاك وهو مرتد، ويظهر عدمه بالإسلام، وإذا هلك وهو مرتد أصبح ماله فيئاً لبيت مال المسلمين، لا فرق في ذلك بين أن يكون قد كسبه في زمن إسلامه، أو كسبه بعد ردته، خلافاً للحنفية، ووفاقاً للمالكية، ويقضي دينه الذي استدانه قبل الردة، ويدفع منه بدل ما أتلفه فيها، وتعطى مؤنة أولاده وأزواجه، ويطعم منه هو قبل هلاكه، أما تصرفه فإن كان في أمر لم يقبل التعليق، كالبيع، والرهن فإنه يقع باطلاً، وإن كان في أمر يقبل، كالوصية، فإنه يقع موقوفاً، فإن أسلم نفذ وإلا بطل، كما ذكرنا في طلاقه، وظهاره، وتحرم ذبيحته بخلاف ما إذا كان كافراً بحسب الأصل فإنها لا تحرم، وكما أنه لا يورث فكذلك لا يرث حتى ولو أسلم بعد الردة.
    أما الجواب عن السؤال الخامس، فهو معلوم مما تقدم، وهو إن طلقها قبل الدخول وكانت الردة من قبلها فلا شيء لها وإن كانت من قبله فلها نصف المهر، وأما بعد الدخول فإن المهر لا يسقط بأي حال، وقد تقدم ذلك مفصلاً في مباحث الصداق.
    وأما الجواب عن السؤال السادس، فهو أن المرتد يطلب منه أن يتوب حالاً بدون إمهال فإن لم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله، أو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن واو العطف تقوم مقام تكرر الشهادة، ولا يكفي أن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
    وأما الجواب عن السؤال السابع، فهو أن كل ما ينافي الإسلام ويقطعه، سواء كان قولاً، أو فعلاً، أو نية، فإنه يكون ردة يجزى عليها فاعلها الجزاء المتقدم، لا فرق بين أن يصدر عنه ذلك استهزاءً، أو عناداً، أو اعتقاداً، فمثال القول أن يقول الله ثالث ثلاثة، أو يقول كلمة عيب في حث الذات العلية، أو في حق رسول الله، أو نحو ذلك، ومن ذلك ما إذا قال لمسلم: يا كافر وأراد رميه بالكفر حقيقة، لأن من كفر مسلماً كفر، ومثال الفعل أن يسجد لصنم، أو يلقي مصحفاً في قاذورة ولو طاهرة، ولو آية منه، وكذا إذا ألقى كتاباً شرعياً بقصد السخرية والاستهزاء، ولا يضر أن يمسح اللوح بالبصاق، كما يفعل صبية المكاتب لأن الغرض من هذا تسهيل المسح، ومثال الردة بالنية أن يعزم على الكفر بعد ساعة، أو غد، فإنه بذلك يكفر فوراً، فإن تاب عاد له إسلامه كما كان، حتى ولو كان بسبب التعريض بمقام الرسول الكريم، خلافاً للمالكية، ووفاقاً للحنفية وإذا قامت قرينة على أنه لا يقصد
    الاستهزاء، كما إذا كان خائفاً، أو سبق لسانه، أو كان غافلاً فإنه لا يكفر، وإذا سجد لمخلوق، فإن كان يقصد تعظيمه كتعظيم الإله فإنه يكفر، وإلا فلا، ولا شيء في التحية بالانحناء ونحوها. لأن الغرض من هذا مجرد الاحترام لا العبادة.
    وأما السحر، فهو عبارة عن التكلم بعبارات، أو القيام بأعمال تنشأ عنها أمور خارقة للعادة، كما عرفه المالكية، وهو أمر حقيقي لا خيالي، فإن الواقع يؤيد ذلك، خلافاً لمن قال: إنه خيالي، فليس في العالم شيء من هذا القبيل، وعلى كل حال فالنظر إما أن يكون إلى آثاره، أو إلى العبارات والأفعال التي تترتب عليها تلك الآثار، فإن كانت هذه العبارات وتلك الأفعال مكفرة كان السحر كفراً، وإن كانت الآثار المترتبة عليها ضارة بالناس كانت حراماً وينبغي أن يكون هذا المعنى متفقاً عليه، وهو حسن.
    الحنابلة - قالوا: في الجواب عن السؤال الأول، والثاني، هو أنه إذا ارتد الزوجان معاً فلم يسبق أحدهما الآخر، بأن سجدا لصنم. أو صليب في آن واحد، فإن وقع ذلك قبل الدخول انفسخ النكاح، وكذلك إذا ارتد أحدهما دون الآخر، وإن وقع ذلك بعد الدخول، وقعت الفرقة بينهما فلا ينقطع النكاح إلا إذا انقضت العدة، فإن عاد المرتد إلى الإسلام قبل انقضائها، فالنكاح باق على حاله، وإلا تبين فسخه من وقت الردة، ويمنع الزوج من وطئها لأن ههنا حالتين: حالة إباحة بعقد الزواج، وحالة حظر بالردة، فتغلب حالة الحظر على حالة الإباحة.
    فإن وطئها الزوج في حال وقف النكاح فإنه لا يحد لشبهة الإباحة ولا كفارة عليه، ولكن يعذر لأنه فعل معصية لا حد لها ولا كفارة، فيكون جزاؤه التعزير، ثم إن ارتدت هي وحدها فلا نفقة لها، أما إذا ارتد هو فعليه نفقتها، ومثل ذلك ما إذا ارتدا معاً.
    وأما الجواب عن الثالث، فإن الردة فسخ لا طلاق كما هو ظاهر.
    وأما الجواب عن الرابع، فإن مال المرتد يقف بالردة ولكن لم يزل ملكه عنه، وإنما يحجر عليه، فلا يصح له أن يتصرف فيه ببيع، وهبة، ووقف، وإجارة، فإن هلك قبل الإسلام أصبح ماله فيئاً للمسلمين، ولكن يقضى منه دينه، فلا يرثه أحد وإن رجع إلى الإسلام رفع الحجر عنه وأصبح ماله كما كان وينفق من ماله عليه، وعلى من تلزمه نفقته في حال وقفه، وكما أن المرتد لا يورث فكذلك لا يرث من باب أولى، إذا أسلم قبل الميراث، فإنه يرث، ثم إن المرتد يصح له أن يملك في حال ردته، كما إذا وهب له أحد شيئاً كغيره، ويكون حكم ما ملكه كحكم ماله الأصلي فيوقف إلى أن يسلم.
    وأما الجواب عن السؤال الخامس، فهو أن المهر قبل الدخول يسقط إن كانت الردة من قبلها بأن ارتدت وحدها. أو ارتدت مع زوجها وإن كانت الردة من قبله هو كان لها نصف المهر، أما بعد الدخول فلا يسقط شيء من المهر، سواء كانت الردة من قبلها أو من قبله، كما مر، وتطالب به إن لم تكن قد قبضته.

    هذا، وإذا وطئ المرتد زوجته بعد ردته وقبل أن يسلم كان لها مهر المثل بذلك الوطء إن دام الزوج على الردة، أما إذا أسلم فلا شيء لها.
    أما الجواب عن السادس، فهو أن عقاب المرتد، سواء كان رجلاً، أو امرأة القتل إن لم يتب ويرجع إلى الإسلام، لقوله صلى الله عليه وسلم:
    "من بدل دينه فاقتلوه" رواه الجماعة إلا مسلماً، وتطلب منه التوبة مدة ثلاثة أيام، ثم يقتل بعدها إن أبى.
    أما الجواب عن السؤال الأخير، فإن الأمور المكفرة تنقسم إلى قسمين: أحدهما أقوال تقتضي الخروج من الإسلام، كأن يقول: الله ثالث ثلاثة.
    أو يقول: إنه يعبد الصنم. أو يعبد البشر، أو البقر، أو يقول: إن الله غير موجود، أو يقول: إن إبراهيم ليس برسول، ومثل ذلك ما إذا أنكر رسالة رسول ذكره القرآن الكريم، أو قال: إن الله لم ينزل توراة، ولا أنجيلاً، أما إذا قال: إن التوراة والإنجيل اللذين من عند الله فقدتا ولم يبق منهما شيء، فهو صحيح لا شيء فيه، أو قال: إن الإنسان لا يبعث، وأنكر شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة، كاملاً، كالصلاة والصيام، والحج، والزكاة، أو أحل حراماً، كالزنا، واللواط، فإن كل ذلك أقوال توجب الردة. ثانيتهما: أفعال كذلك، ومنها أن يسجد لصنم أو يلقي مصحفاً في قاذورة ونحو ذلك، أما لبس الزنار ونحوه من ملابسهم الخاصة فإنها حرام لا تكفر، متى كان فاعلها يقر لله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة، ومثل ذلك ما إذا لبس صليباً لا بقصد التعظيم.
    ومن استحل حراماً وهو يتأوله فإنه لا يكفر، كالخوارج الذين استحلوا قتل علي فإنهم لا يكفرون لاعتقادهم أن ذلك يوجب الزلفى إلى الله ويرفع المشاكل بين المسلمين، وكذلك لا يكفر من حكم كفراً سمعه.
    ولا تقبل توبة من سب الله تعالى، أو سب رسولاً، أو ملكاً صريحاً، بل يقتل حداً، وفاقاً للمالكية، وخلافاً للشافعية، والحنفية، وكذا لا تقبل توبة الزنديق، وهو من أظهر الإسلام وأبطن الكفر، على أن القائلين بعدم قبول توبة هؤلاء قد أجمعوا على أن التوبة تنفعهم في الآخرة إن كانوا فيها مخلصين. وكذلك لا تقبل توبة من تكررت ردته) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #193
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 211 الى صــــــــ
    219
    الحلقة (193)





    مباحث القسم بين الزوجات في المبيت والنفقة ونحوهما
    تعريفه
    -القسم - بفتح القاف - معناه لغة مصدر قسم قسماً، كضرب ضرباً، أي فرق الأنصباء وأعطى كل واحد نصيباً، أما القسم - بكسر القاف - فهو نفس النصيب، يقال: هذا قسمي من الأرض أو الزرع أو الحب، أي نصيبي وحصتي، ويجمع بالكسر على أقسام، كحمل وأحمال.
    وأما معناه في اصطلاح الفقهاء، فهو العدل بين الزوجات في البيتوتة ولو كتابية مع مسلمة، فإن كن كلهن حرائر سوى بينهن بحيث يبيت عند كل واحدة مثل ما يبيت عند ضرتها، وإن كان بينهن أمة (1) ، فللحرة ضعف ما للأمة بأن يبيت عند الحرة ليلتين وعند الأمة ليلة، وهكذا، أما النفقة من مأكول، ومشروب، وملبوس، وسكنى فلا تجب التسوية بينهن فيها، بل يجب لكل واحدة منهن نفقة مثلها اللائقة بحالها، فلا يحل الجور على واحدة منهن في ذلك، بحيث لو أنقص واحدة منهن عن نفقة مثلها كان حراماً عليه، ثم بعد أن يعطي كل واحدة منهن حقها اللائق بها جاز له أن يميز ضرتها بما يحب، لأنه في هذه الحالة يكون متبرعاً، ولكن ينبغي أن ينظر إلى ما عساه أن يترتب على ذلك من فساد وفتن، فإن كان ذلك يفضي إلى شقاق بين الأسرة، وتولد الأحقاد والضغائن بينها وإيجاد النفرة والعداوة بين الأولاد، فإنه لا يجوز له أن يفعله وإلا فإنه يجوز (2) .
    حكم القسم ودليله وشرطه
    -والقسم المذكور واجب، فيفترض على كل واحد مستكمل للشروط الآتية أن يقسم بين زوجاته في البيتوتة، ودليل ذلك قوله تعالى: {فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة} فقد أمر الله سبحانه بالاقتصار على الزوجة الواحدة عند الخوف من عدم العدل، فدل ذلك على أن إقامة العدل واجبة، سواء قلنا: إن الاقتصار على الواحدة عند الخوف من إقامة العدل واجب، كما هو الصحيح أو قلنا: إنه مندوب، أما الأول فظاهر، لأنه إذا كان مجرد الخوف من إقامة العدل بين الاثنتين جعل الجمع بينهما محرماً فتكون إقامة العدل بينهما واجبة فلا تردد، أما الثاني فلأنه إذا كان مجرد الخوف من إقامة العدل جعل الجمع بين الزوجات مكروهاً كان العدل بينهن واجباُ، لأن الذي يخاف المكلف من تركه إنما هو الواجب، إذ لو كانت إقامة العدل بينهن مندوبة لما خاف أحد من تركها، لأن الإنسان يخاف من العقاب، والمندوب لا عقاب عليه.
    وأما شروطه فثلاثة:
    أحدها: العقل، فلا يجب القسم على المجنون، أما المجنونة فإنه يجب لها القسم إذا كانت هادئة قائمة بمنزل زوجها بحيث يمكن وطؤها، وإلا فلا.
    ثانيها: أن يكون مراهقاً (3) يمكنه أن يطأ وتلتذ به النساء، فإن كان طفلاً فإنه لا يجب عليه القسم، وكذا إذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء، فإنه لا يجب لها القسم. أما التي تطيق فإنه يجب لها، كالكبيرة بلا فرق، فإن جار المراهق كان إثمه على وليه لأنه هو الذي زوجه، وهو الذي احتمل مسؤوليته في ذلك، فعليه أن يدور به على نسائه ليعدل بينهن.
    ثالثها (4) : أن تكون المرأة غير ناشزة، فلو كانت خارجة عن طاعة زوجها فلا حق لها في القسم.
    ولا يسقط القسم وجود مانع يمنع الوطء، سواء كان قائماً بالمرأة، كحيض. أو نفاس. أو رتق. أو مرض. أو كان قائماً بالرجل، كما إذا كان مجبوباً. أو عنيناً. أو مريضاً، لأن الغرض من المبيت الأنس لا الوطء، لما عرفت من أن الوطء غير لازم فإذا كان مريضاً مرضاً لا يستطيع معه الانتقال أقام عند من يستريح لتمريضها وخدمتها.
    مبحث لا تجب المساواة بين الزوجين في الحب القلبي وما يترتب عليه من شهوة

    -كما لا تجب التسوية في النفقة كذلك لا تجب في الوطء والميل القلبي، لأن ذلك ليس في اختيار الإنسان، وإنما هو تابع لحالة طبيعية، فقد تنبعث شهوته إلى واحدة دون الأخرى، وقد يتعلق قلبه بواحدة من حيث لا يدري، وهذا هو معنى قوله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل} ، فالمراد نفي الاستطاعة التي ليست في اختيار الإنسان من المحبة القلبية وما يترتب عليها من استمتاع. أما ما عدا ذلك من إقامة العدل في المبيت وإعطاء كل واحدة نفقة مثلها بدون جور فإنه مستطاع من كل أحد، فلذا كان صلى الله عليه وسلم يتحرى الدقة في العدل بين نسائه في هذا ويقول: "اللهم ان هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك" ولكن ليس معنى هذا أن الرجل يترك إحدى زوجاته بدون وطء فيعرضها للخنا والفساد، فإنه إن فعل ذلك فقد ارتكب إثماً، بل يجب على الزوج أن يعف زوجته ويصرفها عن التعلق بغيره، وإن لم يستطع وجب عليه أن يسرحها، وهل للزوجة الحق في طلب إعفافها؟ وإذا طالبته فهل يقدر لها القاضي قدراً معيناً؟ وكذلك هل لها أن تشكو كثرة استعمالها إذا تضررت منه؟ وهل يقدر القاضي له قدراً معيناً أو لا، في ذلك تفاصيل المذاهب (5) .
    كيفية القسم، وما يترتب عليه

    -للزوج أن يقسم بينهن بحسب حاله، فإن كان ممن يعمل لقوته بالنهار قسم بالليل، وإن كان ممن يعمل بالليل كالحارس وغيره قسم بينهن بالنهار، ثم إن تراضوا على مدة معينة كأن يكون لهذه جمعة وللأخر مثلها فذاك، وأن لم يتراضوا ففي ذلك تفصيل المذاهب (6) .
    مبحث حق الزوجة الجديدة في القسم وتنازل المرأة عن حقها فيه
    -إذا تزوج جديدة، فإذا كانت بكراً كان لها الحق في المبيت عندها أسبوعاً نافلة لها بحيث لا يحتسب عليها. وإن كانت ثيباً كان لها الحق في المبيت عندها ثلاث ليال، فإذا انتهت مدة إقامته عند الجديدة عاد إلى القسم بين زوجاته على التفصيل المتقدم (7) ولا فرق بين أن تكون الجديدة أمة تزوجها على حرة. أو حرة، لخبر ابن حيان في صحيحه" سبع للبكر وثلاث للثيب" وفي الصحيحين عن أنس أن السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً ثم قسم وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثاً ثم قسم.
    وللزوجة أن تتنازل لضرتها عن نصيبها في مقابل مال تأخذه منها. أو بدون مقابل، وإذا تنازلت لها ثم رجعت فإن رجوعها يصح وفي ذلك تفصيل المذاهب (8) .
    __________
    (1) (المالكية - قالوا: الزوجة الأمة كالحرة في البيتوتة فلها مثلها.)
    (2) (الحنفية - لهم رأيان في ذلك، فبعضهم يرى أن المعتبر في النفقة حال الزوج، بقطع النظر عن الزوجات، وعلى هذا يجب أن يسوي بين الزوجات في النفقة أيضاً، والمراد بالنفقة ما يشمل المأكول، والمشروب، والملبوس والسكنى، وبعضهم يقول: إن المعتبر في النفقة حال الزوجين معاً، فتقدر النفقة بحسب مقدرة الزوج، ثم توزع عليهن بحسب حالهن، فيعطى للفقيرة أقل من الغنية، فالتسوية غير مطلوبة حتماً، فإذا سوى بينهن برضائهن فذاك، وإلا قدرت للمرأة الغنية نفقة أكثر من نفقة الفقيرة، وهذا القول هو المعتمد، وعليه فلا يكون فرق بين الحنفية وبين غيرهم، لأن الغرض انتفاء الجور وإعطاء كل واحدة حقها اللائق بها بدون جرر، ومتى أدى لكل منهن حقها فإنه يكون حراً في زيادة من يشاء منهن بعد ذلك.
    المالكية - لهم رأيان في الزيادة، فإذا أعطى لكل واحدة منهن حقها في نفقة مثلها، ثم وسع على واحدة منهن دون الأخرى بعد ذلك، فقيل: يصح، وقيل: لا، والمعتمد أنه يصح، وهو المعروف في مذهب مالك.
    (3) (المالكية - قالوا: يشترط أن يكون الزوج بالغاً، أما الزوجة فلا يشترط لها البلوغ، بل يكفي أن تكون مطيقة للوطء، كما هو الحكم عند غيرهم) .
    (4) (الحنفية - زادوا شرطاً رابعاً، وهو أن لا يكون مسافراً فلا قسم في السفر كما يأتي قريباً) .
    (5) (الحنفية - قالوا: إذا كان الرجل متزوجاً بامرأة واحدة ولم يبت عندها لاشتغاله بالعبادة أو بجواريه كان لها الحق في طلب المبيت عندها، ولا يقدر ذلك بمدة معينة في الأسبوع على الراجع بل القاضي يأمر أن يبيت عندها ويصحبها من وقت لآخر بحيث لا تشعر بغيبة طويلة عنها، وقدر لها بعضهم كل أربعة أيام ليلة، ولكنهم قالوا: إن هذا ضعيف، والمعتمد الأول.
    أما الوطء فليس لها حق في المطالبة به إلا مرة واحدة، ولكنه يفترض عليه ديانة أن يعفها وإلا كان من الآثمين، على أن بعض الحنفية يرى أنه يجب الحكم لها عليه قضاء بما يعفها، فكما يجب لها
    فلا قسم فيه، ولكن التسوية في هذا تسن، وليس للمرأة الحق في مطالبة الرجل بالوطء على الراجح، لأن عقد النكاح واقع على أن يستمتع الرجل بها، فالمعقود عليه المرأة لا الرجل، وعلى هذا فالوطء حقه، وقد تقدم هذا مفصلاً في تعريف النكاح أول الكتاب، وهذا لا ينافي أن لها الحق في فسخ العقد إذا كان الرجل مجبوباً، ولو حدث له الجب بعد وطئها وكذا إذا كان عنيناً قبل أن يطأها مرة، لأن بين الأمرين فرقاً ظاهراً، لأنها في بقائها مع من لا يرجى منه وطء يأس تام، أما السليم الصحيح، فإن طمعها فيه لا ينقطع) .
    (6) (الحنفية - قالوا: للرجل أن يقدر المدة التي يقيمها عند إحداهن، ولكن يشترط أن لا تزيد على أربعة أشهر، وهي الإيلاء، لأنه حلف أن لا يقرب امرأته ينتظر هذه المدة وعندها تبين منه إن لم يطأها، فلو لم تكن هذه المدة هي التي تتضرر المرأة عند مجاوزتها لما حكم الشارع بإبانتها عندها، وأيضاً قد روي عن عمر أنه سأل ابنته حفصة، كم تصبر المرأة عن الرجل؟ فقالت: أربعة أشهر فأمر القواد أن يصرفوا من كان له أربعة أشهر، فإن قلت: إن الحنفية لا يوجبون الوطء على الرجل إلا مرة واحدة في العمر فكيف يجتمع هذا مع قولهم إن المرأة لا تصبر عن أكثر من أربعة أشهر؟ قلت إن الحنفية يقولون ذلك على أن الرجل غير ملزم قضاء عند التنازع كما يأتي في الصحيفة التي تلي هذه، والأفضل أن يقسم الزوج بينهن بما يزيل الوحشة بحيث لا يتركها مدة تتألم فيها، وليس للرجل أن يذهب في ليلة إحداهن إلى الأخر، فلو ذهب إلى غير صاحبة النوبة بعد الغروب يأثم أما في النهار فلا مانع أن يذهب إلى غير صاحبة النوبة، ولكن ليس له أن يجامعها في غير نوبتها مطلقاً، وله أن يدخل إليها لعيادتها إن كانت مريضة، وإذا اشتد بها المرض كان له أن يقيم عندها حتى تشفى إذا لم يكن عندها من يؤنسها، وإذا ذهب إلى الضرة ومكث عندها أو وطئها في نوبة الأخرى فإنه لا يقضي.
    المالكية - قالوا: إذا كان مقيماً في بلدة واحدة مع زوجاته وجب عليه أن يقسم بيوم وليلة بدون زيادة ولا نقص إلا إذا تراضوا غير ذلك، ومثل ذلك ما إذا كان بعض زوجاته مقيماً ببلدة قريبة من بلدته بحيث تكون البلدتان في حكم الواحدة، أما إذا كان في بلدة بعيدة فله أن يقسم بالجمعة أو الشهر حسب الحالة، ويحرم على الزوج أن يدخل على ضرتها في يومها ليستمتع بها، أما إذا دخل لقضاء حاجة غير ذلك فإنه يجوز، ولو أمكنه أن يرسل آخر لقضائها، ويندب أن يجعل القسم ليلاً إلا إذا كان قادماً من السفر فإنه مخير فيما يفعل.
    الشافعية - قالوا: أقل نوب القسم ليلة لهذه وليلة للأخرى، فلا يجوز ببعض ليلة ولا ببعض هذه
    الليلة وبعض الليلة التي تليها، لأن في ذلك خلطاً وتشويشاً، والأفضل أن يقسم بليلة وليس له أن يزيد على ثلاثة أيام، إلا إذا تراضوا، لما في الزيادة من طول العهد بينهن، ويجب أن يقرع بينهن فيما يبدأ بها، فإذا خرجت القرعة لواحدة بدأ بها، وبعد تمام نوبتها يقرع بين الباقيات، فإذا تمت النوب جرى على هذا الترتيب.
    وإذا كان القسم بينهن نهاراً لمن عمله بالليل. كالحارس ونحوه حرم عليه أن يدخل على ضرتها بالنهار إلا لضرورة، كمرضها المخوف، أما إذا كانت مريضة مريضاً عادياً فلا، أما بالليل فله أن يدخل لقضاء حاجة وله أن يستمتع بها بشرط أن لا يطأها، فإن وطئها في نوبة ضرتها حرم. ومثل هذا ما إذا كان القسم بينهن ليلاً لمن كان عمله بالنهار، فإنه يحرم عليه أن يدخل على ضرتها بالليل لغير ضرورة، وله الدخول بالنهار والاستمتاع بغير وطء، وقد يعبر عمن كان قسمه بالنهار بأن النهار أصل والليل تبع، وعمن كان قسمه بالليل بأن الليل أصل والنهار تبع، فأما الأصل سواء كان الليل أو النهار، فإنه لا يجوز له أن يدخل إلا لضرورة كعيادتها لمرض مخوف، ولا يجوز له أن يطيل المكث فإن طال قضى لضرتها الوقت كله، سواء كان الليل أو النهار. وأما التبع، فإنه يجوز له أن يدخل لحاجة وإن لم تكن ضرورية، فإن طال زمن قضاء الحاجة بطبيعته فلا يقضي لها شيئاً، وإن طال هو عمداً فإنه يقضي للزوجة الأخر ما زاد على قضاء الحاجة، وإذا وطئها فلا يقضي الوطء، لأنه تابع الداعية والنشاط، وقد يوجد لإحداهن دون الأخرى، ولكنه يرتكب محرماً بالوطء.
    الحنابلة - قالوا: يجب أن يكون القسم ليلة وليلة بحيث لا يزيد عن ذلك إلا إذا تراضوا عليه وله أن يخرج في ليلة كل واحدة منهن لقضاء ما جرت العادة به قضاء حقوق وواجبات وصلاة ونحو ذلك، وليس له أن يتعمد الخروج الكثير في ليلة إحداهن دون الأخرى لأن في ذلك إجحافاً بحقها، أما إذا اتفق على ذلك لا يضره.
    ويحرم عليه أن يدخل إلى ضرتها في نوبتها لا في الأصل ولا في التبع، فإن كان القسم ليلاً حرم عليه الدخول في الليل والنهار ولكن لا يجوز له أن يدخل بالليل إلا إذا كانت محتضرة وتريد أن توصي إليه ونحو ذلك من النوازل الخطيرة، أما بالنهار فإنه يجوز له أن يدخل لحاجة كسؤال عن أمر يريد معرفته بشرط أن لا يمكث طويلاً، فإن مكث قضي اليوم لضرتها، وكذلك إذا جامع فإنه يجب عليه أن يقضي الجماع، خلافاً للشافعية) .
    (7) (الحنفية - قالوا: لا اسستثناء لإحدى الزوجات في المبيت، بل الجديدة، والقديمة، والبكر، والثيب سواء فلو تزوج بكراً جديدة، أو ثيباً جديدة ابتدأ المبيت عندهما سبع ليال للبكر وثلاث ليال للثيب، ثم يعوض نساءه الباقيات عن هذه المدة، وذلك هو معنى الحديث، لأن الحديث لا يدل على عدم التسوية في القسم، وإنما يدل على البدء بالدور، ومن المعقول أن يجعل للجديدة أول الدور، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل} ، فقد رفع عن الناس المؤاخذة فيما لا اختيار لهم فيه، وهو الميل القلبي، ونهاهم عن الميل الذي في اختيارهم، وهو القسم مطلقاً بدون استثناء للجديدة.)
    (8) (الحنفية - قالوا: في التنازل عن القسم في نظير مال تأخذه من ضرتها. أو من الزوج خلاف، فبعضهم يرى صحة التنازل وبطلان الشرط، فلو تنازلت ليلتين مثلاً ولم ترجع فيهما سقط حقها وليس لها أن تطالب بأخذ المال، فإذا رجعت في تنازلها قبل قضاء الليلتين كان لها الحق في الرجوع، وبعضهم يرى أن لها الحق في المال المشترط لأنه عوض عن حق تنازلت عنه فينفذ، والأول أرجح، وإذا تنازلت لواحدة معينة كضرتها زينب مثلاً، فهل للزوج أن يتصرف في هذا التنازل ويجعله لفاطمة بدل زينب؟ في هذا رأيان: الأول: أنه لا يصح له أن يتصرف. والثاني: أنه يصح، والأول أرجح، لأن النوبة حق المرأة، وقد تنازلت عنها لضرتها، فإما أن تأخذه الضرة أو تتركه، وليس للزوج فيه حق وقد يقال: إن الغرض من البيتوتة الأنس والراحة والاستمتاع، وكل هذا متبادل بين الزوجين، فإذا تنازلت المرأة عن حقها بقي حق الرجل، فله أن يتصرفه كما يجب ومع هذا فإننا إذا فرضنا أنه حق خاص بالمرأة قبل الرجل وقد وهبته لغيرها كان معنى ذلك أنها أسقطته عنه بدون إلزام له، فله أن يمنحه للموهوب لها وله أن يمنحه لغيرها، والجواب: أن هذا حق خاص بالزوجة وإذا وهبته أصبح حقاً للموهوب لها بدون مدخل للزوج فيه فإن شاءت أخذته، وإن شاءت تركته وعلى هذا فلو تركته الموهوب لها لا يكون للزوج حق المبيت عندها وإذا رضيت الموهوب لها ليس للزوج رده خلافاً للأئمة الثلاثة.
    المالكية - قالوا: يجوز للضرة أن تهب نوبتها لضرتها بشرط رضاء الزوج، وتختص به الموهوب لها، فلو أراد الزوج أن يتصرف بنقل الهبة إلى غيرها لا يصح، وذلك لأنه أذن فيه، فأصبح ملتزماً به بخصوصه، أما إذا وهبت نوبتها لزوجها، فإنه يصح، وحينئذ يكون له التصرف فيها فيصرفها لمن يحب من زوجاته، ولها الرجوع في هبتها.
    وكما يجوز لها هبة نوبتها لضرتها. فكذلك يجوز لها أن تبيع نوبتها بعوض معين من مال وغيره لزوجها، أو لضرتها، ولكن لا يصح البيع للضرة إلا برضاء الزوج، وإذا منع من البيع لا يلزمه أن يدفع لها الثمن، ثم إذا اشترتها الضرة اختصت بها دون غيرها، وإذا اشتراها الزوج كان له أن يخص بها من يشاء منهن، وهل لإحدى الزوجات أن تشتري نصيب ضرتها في المبيت دائماً، أو جواز الشراء مقصور على نحو اليوم واليومين؟ خلاف، والمشهور أنه لا يجوز لها أن تبيع نصيبها دائماً، بل تبيع قليلاً لا كثيراً، ويجوز لها أن تتنازل عنها لضرتها بدون ثمن، كما يجوز لها أن تعطي زوجها مالاً لتبقى في عصمته، أو ليدوم على حسن معاشرتها.
    الحنابلة - قالوا: للمرأة أن تهب حقها من القسم في جميع الزمان وفي بعضه لبعض ضرائرها أو لكلهن بإذن الزوج، كما أن لها هبته للزوج فيجعله لمن شاء منهن، ولو أبت الموهوب لها ما دامت الواهبة قد رضيت هي والزوج، لأن الحق لا يخرج عنهما، فقد ثبت أن سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة. ولا تصح هبة نصيبها بمال، خلافاً للمالكية، ووفاقاً للشافعية، فإن أخذت الواهبة عليه مالاً لزمها رده لصاحبته. ويجب على الزوج في هذه الحالة أن يقضي لها الزمن الذي وهبته لضرتها لأنها إنما وهبته بشرط العوض ولم تأخذ العوض، فحينئذ لها الرجوع فيما وهبته، فإن كان العوض غير المال كإرضاء زوجها عنها جاز، وبعض الحنابلة يقول: يجوز لها أن تأخذ عوضاً مالياً في نظير تنازلها عن سائر حقوقها من القسم وغيره، والأول هو المشهور، وللواهبة أن ترجع في هبتها فيكون لها الحق في المستقبل أما الذي مضى فلا حق لها فيه.
    الشافعية - قالوا: للزوجة أن تهب نوبتها في المبيت لضرتها المعينة بشرط أن يرضى الزوج، ولا يشترط رضاء الموهوب لها، بل للزوج أن يبيت عندها ولو كرهت، وكذا لها أن تهبه للجميع وإذا وهبته للجميع أخذت كل واحدة نصيبها فيه، وإذا وهبته للزوج، فله أن يخصص من شاء منهن به ولا يجوز للواهبة أن تأخذ بدل حقها عرضاً فإن أخذته لزمها رده وكان لها الحق في قضاء ما تنازلت عنه من نوبتها، وفاقاً للحنابلة.
    وللواهبة الحق في الرجوع في هبتها متى شاءت فإذا رجعت كان لها الحق فيما بقي لا فيما مضى فلو قضى عند ضرتها الموهوب لها نصف الليلة الموهوبة مثلاً ثم رجعت وجب عليه أن يخرج إليها إن لم يخف على نفسه فإن خاف كان عليه للواهبة نصف ليلة يقضيها لها.
    واعلم أنه إذا وهبت إحدى الزوجات ليلتها لضرتها لزمه قضاؤها في وقتها، مثلاً إذا كانت نوبتها ليلة الخميس فوهبتها لضرتها، وكانت ليلة ضرتها ليلة الجمعة بات عند الضرة ليلتين متواليتين ولا يجوز له أن ينقلها من ليلة الخميس إلى ليلة الاثنين مثلاً، وذلك لأن ليلة الاثنين التي يريد أن ينقل إليها حق للضرة الثالثة، وربما تتضرر من تغيير ليلتها. فإذا رضيت جاز، وأيضاً فإن للواهبة الحق في الرجوع، فلو وهبت له ليلة الاثنين فلا يجوز له أن يقدمها إلى ليلة الجمعة إلا برضا، إذ قد يعن لها أن ترجع عن هبتها، فلو قدمها انقضت فلا يكون لها حق في الرجوع.
    أما إذا كانت ليلتها الجمعة وأراد أن ينقلها إلى ليلة الاثنين فإنه يجوز من غير رضاها لأنه يريد أن يؤخرها لها لتكون لها الفرصة في الرجوع إذا شاءت، ولكن لا يجوز له النقل إلا برضاء الضرة الثالثة، وعلى هذا القياس.
    هذا، وقد نقل بعض محققي الحنفية هذا عن الشافعية، فذكر أنهم يجيزون نقل الليلة الموهوبة بجوار ليلة الموهوب لها ليبيت عندها ليلتين متواليتين، ورجع هو عدم الجواز لما يلحق الضرة الثالثة من الضرر، ولكن الواقع أن الشافعية لم يجيزوا على الاطلاق، بل اشترطوا رضاء الضرة ورضاء الواهبة بحيث لا يعود على واحدة منهن ضرر، وهذا حسن ولا شيء فيه.
    ويتضح من هذا كله أن الأئمة الثلاثة يقولون بعدم أخذ العوض المالي في نظير هبة النوبة من المبيت، وكذلك لا يجوز للزوجة بيع نوبتها لضرتها أو لزوجها بعوض مال خلافاً للمالكية القائلين بالجواز، ولكن الحنابلة والحنفية لهم رأيان في هذا والراجح عدم الجواز، كما عرفت، أما الشافعية فإنه لا خلاف عندهم في عدم الجواز) .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #194
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 219 الى صــــــــ
    233
    الحلقة (194)





    مبحث هل لمن يريد السفر أن يختار من تسافر معه من زوجاته؟
    -وإذا سافر المتزوج أكثر من مرة واحدة فلا يخلو إما أن يكون مسافراً سفر انتقال من بلدة إلى أخرى ليستوطن بها، أو مسافراً سفراً مؤقتاً لقضاء حاجة، فإن كان الأول فإنه لا يجوز له أن يترك بعضهن ويأخذ البعض الآخر، لما في ذلك من المضارة للباقيات فإذا كان لا يستطيع أن يعيش معهن جميعاً في البلدة المنقول إليها وجب عليه أن يسرح منهن البعض الذي لا يريده، وإلا وجب عليه أن يقرع بينهن ويأخذ معه من عليها القرعة على أن تمكث معه زمناً ثم يعيدها ويأخذ غيرها لتمكث معه مثل الزمن الذي قضاه مع ضرتها، وهكذا، أما ما اعتاده بعض الناس الذين يتزوجون أكثر من واحدة في بلاد الأرياف ثم ينزحون بواحدة منهن إلى مصر ويتركون الباقيات كالمعلقات بحجة أنه لا يمكن العيش بهن جميعاً في مصر فإنه لا يجوز إلا برضاء الباقيات، وينبغي أن يكون هذا مما لا خلاف فيه، لأن لكل زوجة الحق في القسم في مثل هذه الحالة، إذ لا يقال للزوج إنه مسافر وإنما يقال له: إنه أقام في جهة وهجر نساءه في جهة أخرى، مع أن لهن عليه حقوقاً يجبر عليها، أما إن كان السفر لغرض من الأغراض من تجارة، وغزو، وحج، واستشفاء، ونحو ذلك، فإن فيه تفصيل المذاهب (1) .
    مبحث هل للزوج أن يجمع بين زوجاته في بيت واحد وفي فراش واحد؟
    -إن كان البيت - عمارة - تحتوي على عدة مساكن - شقق، أو أدوار - لكل شقة باب خاص بها ولها منافع تامة من دورة مياه ومطبخ ومنشر تنشر عليه الملابس المغسولة، فإن للزوج أن يجمع بين الضرائر في هذه العمارة بدون رضائهن، ولا تشترط المساواة في السكنى، بل الشرط أن يكون سكن كل واحدة مناسب لحالها بحيث يرتفع الجور عنها، كما تقدم.
    أما إن كان البيت له باب واحد ودورة مياه واحدة ومطبخ واحد ومنشر واحد وكان فيه عدة حجر لكل واحدة منهن حجرة خاصة بها فإنه يجوز بشرط رضائهن، وإلا كان ملزماً بإحضار سكن يليق بكل واحدة، فإذا كان به حجرة واحدة، ورضوا بالسكنى بها فإنه يجوز، ومثل ذلك ما إذا كان في سفر ومعه زوجات وجميعهن في خيمة واحدة أو على فراش واحد (2) فإنه يجوز ولكن يكره أن يطأ إحداهن أمام الأخرى وهي مستورة العورة (3) ، أما إن كانت مكشوفة فإنه يحرم، إذ لا يحل النظر إلى العورة، كما تقدم في الجزء الأول.
    مباحث الرضاع
    تعريفه
    -الرضاع - بفتح الراء، وكسرها - ويقال: رضاعة - بفتح الراء، وكسرها - أيضاً، معناه في اللغة أنه اسم لمص الثدي. سواء كان مص ثدي آدمية أو ثدي بهيمة أو نحو ذلك، فيقال لغة لمن مص ثدي بقرة أو شاة: إنه رضعها، فإذا حلب لبنها وشربه الصبي فلا يقال له: رضعه، ولا يشترط في المعنى اللغوي أن يكون الرضيع صغيراً.
    أما معناه شرعاً، فهو وصول لبن آدمية إلى جوف طفل لم يزد سنه على حولين (4) - أربعة وعشرين شهراً - فإن شرب صغير وصغيرة لبن بهيمة لا تحرم عليه، ولا فرق بين أن يصل اللبن إلى الجوف من طريق الفم بمص الثدي أو بصبه في حلقه أو إدخاله من أنفه، فمتى وصل اللبن إلى معدة الطفل أثناء مدة الحولين المذكورين بالشروط الآتية كان رضاعاً شرعياً عليه التحريم الآتي بيانه، أما إن كان كبيراً زائداً على الحولين ورضع فإن رضاعه لا يعتبر، وذلك لقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} فقد دلت الآية الكريمة على أن أكثر مدة الرضاع المعتبرة في نظر الشرع حولان، فلو رضع بعدها ولو بلحظة فلا يعتبر رضاعة ولا يترتب عليه تحريم لقوله صلى الله عليه وسلم "لا رضاع إلا ما فتق الامعاء وكان قبل الحولين" رواه الترمذي وحسنه ومعنى قوله "فتق الامعاء" وصل إليها، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "لا رضاع إلا ما كان في الحولين" رواه البيهقي وغيره.
    فإن قلت: ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سهلة بنت سهيل أن ترضع سالماً مولى أبي حذيفة زوجها بعد البلوغ حتى تكون أماً له فلا يحرم نظره إليها، وذلك لأن سهلة ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت له يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن سالماً مولى أبي حذيفة مضى في بيتنا وقد بلغ ما يبلغ الرجال وعلم ما يعلم الرجال، فقال: " أرضعيه تحرمي عليه" فهذا صريح في أن رضاع الكبير يوجب التحريم، والجواب أن ذلك كان قبل تحديد مدة الرضاع بالحولين، فنسخ العمل به أو هو خصوصية لسالم وسهلة، لما رآه النبي صلى الله عليه وسلم من الضرورة الملحة التي تستلزم الترخيص لأهل هذا البيت، حيث لا يمكن الاستغناء عن دخول سالم بحال، على أن هناك إشكالاً آخر، وهو أن الرضاع يستلزم الثدي ومصه ولمسه وهو محرم. والجواب أنه لا يستلزم لأن التحريم كما يكون بالمص يكون بالشرب، كما عرفت، فيصح أن تكون قد حلبت له ثديها فشرب.
    شروط الرضاع
    -يشترط لتحقيق الرضاع الشرعي الموجب لتحريم النكاح، كما توجبه القرابة والمصاهرة، شروط: بعضها يتعلق بالمرضعة، وبعضها يتعلق بالرضيع، وبعضها يتعلق بلبن الرضاعة، وفيها كلها اختلاف المذاهب (5)
    [وفيها كلها اختلاف المذاهب (6) ]
    __________
    (1) (الحنفية - قالوا: للزوج الذي يريد السفر إلى جهة أن يختار من بين زوجاته من تسافر معه لأنه هو الذي يقدر مشقة السفر ويعرف الصالحة له منهن، فهو صاحب الشأن وربما كان ترك بعضهن لازماً لتدبير المنزل، فلا يصح أخذها ولكن يرد على هذا التعليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرع بين نسائه عند
    السفر، والجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك لأنهن كن عنده صالحات لاحتمال مشقة السفر وتدبير المنزل، فأيتهن لم تخرج لها القرعة صلحت لتدبير المنزل لأنهن جميعاً كن متمسكات بدينهن كما أمرهن الله فيعرفن واجباتهن في كل شأن من الشؤون وحيث تساوين في هذا المعنى فقد كان صلى الله عليه وسلم يقرع بينهن تطيباً لخاطرهن لا فرضاً عليه خصوصاً أن مذهب الحنفية يقضي بأن القسم غير واجب على النبي صلى الله عليه وسلم بل كان يفعله لما في طبيعته من حب العدل المطلق، فاقتراع النبي صلى الله عليه وسلم بين نسائه لا يقتضي وجوب ذلك على غيره لما قد يعارض ذلك من المصلحة التي قررناها.
    وقال بعض الحنفية: إن القرعة أحب تطيباً لخاطر الزوجات، والذي أفهمه أن عدم القرعة أحب، وذلك لأننا قلنا: إن المسألة منوطة بالمصلحة، وقد تخرج القرعة لمن لا تصلح، نعم انهم قالوا: إن له في هذه الحالة أن يرد القرعة ويأخذ الصالحة، ولكن هذا ينتج عكس المطلوب، وهو ترضية القلوب، لأن التي تخرج القرعة لها فلا تنفذ معها ينكسر خاطرها وتسوء حالها، فأولى أن لا يقرع بل يختار الصالحة من أول الأمر، نعم قد يقال: إذا كن متساويات في الصلاحية للسفر وتدبير المنزل ينبغي أن يقرع بينهن تطييباً لخاطرهن.
    هذا، وليس للباقيات قسم، فإذا سافر بإحداهن وقضى معها مدة أسقطت من الحساب وفازت معه بها فعند العودة لا يقضيها لضراتها، لا فرق بين أن تكون مدة سفر، أو مدة إقامة، ولا فرق بين أن تكون من أجل الحج والغزو أو لا، وكذا لا فرق بين أن تكون سفر معصية أو لا، وإذا سافرت الزوجة وحدها وحضرت فلا حق لها في المطالبة بما مضى، لأن الذي مضى لا يعود ولو كان السفر بإذنه. هذا وإذا سافر بهن جميعاً هل يجب القسم بينهن في السفر أو لا؟ لا نص على هذا في كتب الحنفية، والذي أراه أنه يجب عليه القسم، وقد صرح به الحنابلة.
    المالكية - قالوا: للزوج أن يختار من يسافر بها من بين زوجاته بدون قرعة، وسواء كان السفر من أحل الحج والغزو أو لا، وهذا القول هو ظاهر المدونة، فإنها أطلقت، ولكن بعضهم حمل هذا على ما إذا كان السفر لغير الحج والغزو. فإن كان لهما وجبت القرعة لما فيهما من ميزة توجب التزاحم والمشاحة، وهو المشهور، ولكن السفر للحج في زماننا هو الذي يوجب المشاحة، أما الغزو فلا، ولا تقضي مدة السفر ذهاباً وإياباً ولا مدة الإقامة، فالتي سافرت هي وحدها، ولو بإذنه لا حق لها في المطالبة بما فاتها ولو كان ذلك لقضاء حاجتها، وبالجملة فالذي يفوت من أوقات القسم لا يقضى ولو لم يكن مسافراً.
    الشافعية - قالوا: إذا سافر سفراً قصيراً لغير نقلة من البلد إلى بلد آخر فإنه يصح له أن يأخذ بعض نسائه ويترك البعض بشروط: الأول أن يقرع بينهن، فمن خرج سهمها أخذها حتماً.
    الثاني: أن يكون السفر مباحاً. فإذا كان عاصياً بسفره، كما إذا سافر لتلصص، فإنه لا يحل له أن يأخذ واحدة منهن. الثالث: أن عليه قضاء المدة التي يقطنها مع من يأخذ في الجهة التي سافر إليها
    بشرط أن يقيم مدة تقطع السفر وتوجب الإقامة، أما إذا أقام مدة لا تقطع السفر، كما إذا مكث لقضاء حاجة ينتظرها مدة ثمانية عشر يوماً فإنه لا يقضيها.
    وكذا لا يقضي مدة السفر ذهاباً وإياباً على كل حال، وإذا سافرت المرأة وحدها بدون إذنه أو سافرت بإذنه لقضاء حاجة لها لا له فلا حق لها في المطالبة بالمدة التي سافرت فيها وأما إذا سافرت بإذنه لقضاء حاجة خاصة به فإن لها حق المطالبة بالمدة التي سافرت فيها، ومثل ذلك ما إذا سافرت معه بدون إذنه فإن لها حق القسم.
    الحنابلة - قالوا: إذا سافر المتزوج أكثر من واحدة لغير نقلة من بلدة إلى بلدة أخرى، سواء كان السفر طويلاً أو قصيراً، وأراد أن يأخذ معه بعض نسائه وجب عليه أن يقرع بينهن فمن خرجت لها القرعة لا يجوز له أن يأخذ غيرها، نعم يجوز له أن يسافر وحده دون واحدة منهن وإن سافر بمن خرجت لها القرعة فإنه يغتفر لها مدة السفر من سير وحل ورحيل، فإذا عادت فإنها لا تحسب عليها هذه المدة، أما مدة الإقامة المتخللة بين السفر، كأن أعجبهما مناخ جهة فمكثا بها أياماً قبل أن يصلا إلى الجهة المطلوبة لهما فإنها تحسب عليها ويقضي مثلها لضراتها عند عودته، وكذا تحتسب عليها الأيام التي يقيمها في الجهة التي ينويان السفر إليها، أما إذا سافر بإحداهن من غير قرعة فإنه يأثم وعليه قضاء الأيام التي يقضيها معها في مدة السفر والسير والحل والترحال. ولا يغتفر لها إلا الأوقات التي ينفرد عنها إلا إذا رضيت ضرائرها بسفرها بدون قرعة، فإنها تكون بمنزلة المسافرة بالقرعة، وللزوج إكراه من خرجت قرعتها، وإذا سافر باثنتين وجب أن يقسم بينهما إذا لم يكونا في رحل واحد أو خيمة واحدة، أما إذا كان لكل منهما رحل خاص فإنه يجب القسم بينهما، هذا، ولا يشترط أن يكون السفر مباحاً) .
    (2) (المالكية - قالوا: إنه يحرم أن يجمع بينهن على فراش واحد، ولو بدون وطء على الراجح وبعضهم يقول: إنه مكروه فقط، وهم وإن لم يصرحوا هنا بحالة الضرورة، كما إذا كان مسافراً ومعه زوجاته ولو خيمة واحدة أو كان في سفينة. ولكن أحوال الضرورة مستثناة بالبداهة) .
    (3) (المالكية - قالوا: إن وطء إحدى الزوجات أمام الأخرى حرام لا مكروه) .
    (4) (الحنفية - قالوا: في زمن الرضاع رأيان. أحدهما: أنه حولان ونصف حول، أعني ثلاثين شهراً، فإذا وصل اللبن إلى جوف الطفل في أثناء هذه المدة فإنه يعتبر رضاعاً شرعياً يترتب عليه الأحكام الآتية، أما إذا وصل إليه اللبن بعد انقضاء هذه المدة فإنه لا يكون رضاعاً شرعياً، ثانيهما: أن زمن الرضاع حولان فقط، فإن وصل إليه بعد الحولين لا يكون رضاعاً، والأول رأي أبي حنيفة والثاني رأي صاحبيه، وهل يجب العمل برأي الإمام.
    أو برأي صاحبيه؟ والجواب: أن الراجح الذي عليه المعول أن ينظر في ذلك إلى قوة الدليل، فمتى كان الدليل القوي في جانب رجح العمل به، ويظهر أن الدليل هنا يؤيد رأي الصاحبين، وبيان ذلك أن الله سبحانه قال: {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً} ، ومعنى هذا أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فيبقى أربعة وعشرون شهراً وهي مدة الرضاع، وقد أول الآية بهذا المعنى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لعثمان رضي الله عنه حيث أراد عثمان أن يحد امرأة جاءت بولد لستة أشهر من حملها، فقال لها علي: كلا إنها جاءت به لأقل مدة الحمل، وهي ستة أشهر واستدل له بهذه الآية فاقتنع عثمان بذلك، وظاهر أن فهم الآية على هذا الوجه لا تكلف فيه، ولكن الإمام استدل بها على وجه آخر، فقال معنى - حمله وفصاله ثلاثون شهراً - أن كلاً منهما ثلاثون شهراً، فكأنه قال: مدة حمله ثلاثون شهراً ومدة فصاله ثلاثون شهراً، والمراد أكثر مدة الحمل لا أقلها، فتكون مدة الفصال حولين ونصف أعني ثلاثين شهراً، فإذا شرب الطفل في أثنائها فإنه يكون رضيعاً، ولكن ورد على هذا أن أكثر مدة الحمل سنتان لا ثلاثون شهراً، فقد روي عن عائشة أنها قالت: لا يبقى الولد في بطن أمه أكثر من سنتين، ولو بقدر فلكة مغزل، كناية عن قلة الزمن، فأجيب بأن قول عائشة هذا خصص مدة الحمل، فعلم أنها سنتان، وبقيت مدة الفطام على حالها، ولا يخفى ما في هذا الجواب من تكلف ظاهر، إذ لا معنى لكون الآية تنص على أن مدة الحمل قد تكون حولين ونصف حول ويقول الحديث: إنها لا تزيد عن حولين ولا لحظة، وقد بين بعض المحققين هذا بأن ثلاثين شهراً مستعملة في معنيين: أحدهما حقيقي، وهو المفهوم من ثلاثين، والآخر مجازي، وهو أربعة وعشرون الذي دل عليه الحديث، فيكون اللفظ الواحد مستعملاً في حقيقته ومجازه، وعلى كل حال فهو غير جائز لأنه
    جمع بين الحقيقة والمجاز، لأن اللفظ الواحد، وهو ثلاثون مستعمل في إطلاق واحد في مدلولين، وهما: ثلاثون وأربعة وعشرون، على أن أسماء العدد لا يصح التجوز فيها بإطلاق بعضها على بعض، لما فيه من عدم الضبط والإبهام، ولأنها مختصة بما وصفت له، كالأعلام، وأجاب بعضهم بأن "حمله" مبتدأ خبره محذوف تقديره أربعة وعشرون، و "فصاله" مبتدأ آخر وهو "ثلاثون شهراً" فليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز، وإذا سألت هذا المجيب عن أي دليل في الآية يدل على هذا المحذوف أو يشير إليه أو يرشد إلى حرف واحد منه لا يمكنه أن يدلك عليه، على أن هذا حكم شرعي لا يصح حذفه في مقام البيان مطلقاً، وإلا فإنه يصح لكل واحد أن يقرر ما يشاء ويدعي الحذف، أما حديث عائشة فلا مدخل له في الآية، فإنها تفهم أولاً على حدة، ثم يطبق عليها الحديث، وظاهر أن الفهم الأول هو المتعين والحديث مؤيد له.
    (5) فإن قلت: إن كلمة - الأشهر - في قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} جمع لا مفرد ولا مثنى، وقد أطلق في الآية على شهرين وبعض شهر، وذلك لأن مدة الحج التي لا يصح عمل من أعمال الحج إلا فيها هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وهذا يصحح إطلاق الثلاثين على أربعة وعشرين في آية {وحمله وفصاله ثلاثون} ، والجواب من ثلاثة أوجه:
    الأول: أن بعض الشهر، وهو عشرة أيام من ذي الحجة، اعتبرت معدوداً، فكانت ثالث ثلاثة فصح إطلاق الجمع عليها.
    الثاني: أن كلمة "أشهر" جمع لا اسم جمع، واسم الجمع يشترك فيه ما زاد على الواحد فيطلق على الاثنين والثلاثة.
    الثالث: أن كلمة "أشهر" ليست من ألفاظ العدد، فليست مثل "ثلاثين" وقد قلنا: إن ألفاظ العدد لا يصح أن يطلق بعضها على الآخر لأنها مختصة به دون غيره، وبعد هذا كله فيصح أن يكون قد جمع الأشهر باعتبار تعددها في سائر السنين فالدليل يؤيد رأي الصاحبين خصوصاً وقد بين الله تعالى مدة الرضاع بقوله: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} فالأصح هو قول الصاحبين، وعليه الفتوى.
    المالكية - قالوا: مدة الرضاعة حولان وشهران أعني ستة وعشرين شهراً، ولعلهم زادوا الشهرين احتياطاً، ولكن لا يكون الرضاع أثناء هذه المدة رضاعاً شرعياً يترتب عليه التحريم الآتي إلا إذا رضع الطفل قبل أن يفطم، ويستغني عن اللبن، فإذا أرضعته المرضعة قبل أن يفطم في أثناء هذه المدة أو بعد أن فطم بيوم أو يومين فإن ذلك يكون رضاعاً شرعياً ينشر الحرمة باتفاق، أما إن أرضعته بعد الفطام وبعد أن استغنى عن لبن الثدي فإنه لا يكون رضاعاً شرعياً، سواء رضع بعد استغنائه عن الطعام بزمن بعيد، أو قريب على المشهور، مثلاً إذا فطم الطفل بعد سنة وثلاثة أشهر ثم مكث شهراً فطيماً حتى نسي لبن الثدي واستغنى عنه بالطعام فتم له بذلك سنة وأربعة أشهر ثم إذا أرضعته المرضعة بعد استغنائه عن اللبن بخمسة أيام أو أقل أو أكثر فإنه لا يعتبر رضاعاً شرعياً وبعضهم يقول: إنه إذا رضع قبل تمام الحولين كان رضاعاً شرعياً ولو كان فطيماً واستغنى عن اللبن، كما يقول الحنفية، ولكن هذا ضعيف ومن هذا كله تعلم أنه لا خلاف بين الأئمة في تحديد زمن الرضاع بالحولين إلا المالكية، فإنهم خالفوا فيما إذا رضع أثناء الحولين بعد الفطام، وزادوا شهرين على الحولين، وهذا هو المشهور عندهم، أما على القول الثاني فهو موافق للأئمة أيضاً، والحنفية على
    عكس المالكية، فإن المعتمد عندهم موافقة الأئمة، وغير المعتمد هو أن المدة حولان ونصف حول، كما تقدم) .
    (6) (الحنفية - قالوا: يشترط في المرضعة شرطان: أحدهما أن تكون امرأة آدمية، فلو نزل اللبن لرجل ورضعه طفل فإنه لا يعتبر رضاعاً شرعياً، وكذلك إذا نزل لخنثى واضح الذكورة، أما الخنثى المشكل الذي لم يتبين أمره فينظر في لبنه النساء، فإن قلن: إنه غزير وأنه لا يكون هذا اللبن إلا للأنثى فإنه يتعلق به التحريم، وإن قلن: إنه ليس بلبن أنثى فإنه لا يتعلق به شيء، ومثل ذلك ما إذا رضع طفل وطفلة ثدي بهيمة فإنه لا يتعلق به التحريم. ثانيهما: أن تكون بنت تسع سنين فما فوق، فلو نزل اللبن لصغيرة دون تسع سنين ورضعها طفل فإنه لا يعتبر رضاعاً شرعياً ولا يتعلق به التحريم، ولا يشترط في المرضعة أن تكون حية فلو ماتت امرأة وبجانبها طفل فالتقم ثديها ورضع منه فإنه يتعلق بالتحريم وكذا لا يشترط أن تكون ثيباً موطوءة، بل إذا نزل اللبن للبكر التي لم تتزوج فأرضعت صبياً صارت أماً له وثبتت جميع أحكام الرضاع بينهما ومثل ذلك ما إذا كانت عجوزاً يئست من الحيض والولادة على أنه إذا نزل للبكر ماء أصفر، فإنه لا يثبت به التحريم، أما إذا كانت ثيباً وتغير لبن رضاعها فصار لونه أصفر، فإنه لا يثبت بها التحريم، وذلك لأنه لبن تغير لونه ويشترط في الرضيع أن يكون لم يتجاوز حولين على المفتى به سنتين ونصف على قول الإمام المتقدم. ويشترط قي اللبن شروط: الأول أن يكون مائعاً بحيث يصح أن يقال فيه: ان الصبي قد رضعه أما إذا عمل جبناً، أو قشدة، أو رائباً. أو نحو ذلك وتناوله الصبي فإنه لا يتعلق به التحريم، لأن اسم الرضاع لا يقع عليه في هذه الحالة، فلا يقال ان الصبي رضع هذا اللبن، وإنما يقال له أكله.
    الثاني: أن يصل إلى جوف الطفل بواسطة مص الثدي أو بصبه في حلقه، ويقال له: وجور - بفتح الواو - أو بصبه في الأنف ويقال له: سعوط، كرسول، فإذا وصل اللبن إلى الجوف بالصب في الحلق أو بالصب في الأنف ترتب عليه التحريم، سواء كان قليلاً أو كثيراً، ولو قطرة واحدة فلا بد من وصوله إلى الجوف بطريق الصب في الحلق أو الصب في الأنف لا غير فلو وصل اللبن بالتقطير في الأذن بواسطة الحقنة في القبل أو في الدبر فإنه لا يعتبر، وقال محمد: إذا وصل بواسطة الحقنة فإنه يعتبر.
    الشرط الثالث: أن يصل اللبن إلى الجوف في مدة الرضاع المتقدم، فإذا رضع في أثنائها ولو قطرة وصلت إلى جوفه فإنه يعتبر ولو كان فطيماً مستغنياً عن الطعام فالمدار على التحريم هو أن يرضع في المدة.
    الشرط الرابع: أن يكون وصوله يقيناً، فلو التقم الحلمة، ولم يعلم هل وصل لبن إلى جوفه أو لا، فإنه يعتبر لأن المانع شك، فلو أعطت المرأة ثديها لطفل، وقالت أن ثديها فيه لبن فإنها تصدق
    الشرط الخامس: أن لا يختلط اللبن بالطعام. فإن نزل لبن امرأة في طعام ومسته النار فأنضجته حتى تغير وأكل منه الصبي فإنه لا يعتبر. وكذلك إذا اختلط لبن بجامد لم تمسه النار لأنه خرج عن كونه مائعاً يتعلق به الرضاع، أما إذا خلط بمائع كأن خلط لبن الآدمي بلبن شاة فإنه ينظر، فإن كان لبن الآدمي غالباً فإنه يعتبر وتثبت به الحرمة، وإلا فلا، ومثل ذلك ما إذا خلط بماء، أو دواء أو نحو ذلك،
    ومعنى كونه غالباً هو أن يرى منه طعمه أو لونه وإن استويا، فإنه يعتبر ويتعلق به التحريم، وهذه الصورة نادرة الوقوع.

    يتبع
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #195
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 219 الى صــــــــ
    233
    الحلقة (195)





    المالكية - قالوا: يشترط في المرضعة أن تكون امرأة فلو كانت بهيمة فإن الرضاع منها لا يعتبر وكذا إذا نزل اللبن لرجل فإنه لا يحرم ولو كان كثيراً، فإن كان لبن خنثى مشكل فإنه ينشر الحرمة على الظاهر، ولا يشترط أن تكون المرضعة على قيد الحياة، بل إذا ماتت ودب طفل وارتضع ثديها وعلم أن الذي بثديها لبن فإنه يعتبر وكذا إن شك فيه هل هو لبن أو لا فإنه ينشر الحرمة، وكذا لا يشترط أن تكون كبيرة، بل إذا نزل اللبن للصغيرة التي لا تطيق الوطء فرضعها طفل فإنه يعتبر، ومثل ذلك ما إذا كانت عجوزاً قعدت عن الحبل والولادة ويشترط في الرضيع أن يكون صغيراً لم يتجاوز حولين وشهرين على المشهور، فإذا رضع بعد هذه المدة فإن رضاعه لا يعتبر باتفاق، أما إذا رضع في أثناء المدة ففيه التفصيل المتقدم، ويشترط في اللبن شروط:
    أحدها أن يكون لونه لون لبن فإذا كان أصفر أو أحمر فإنه لا يعتبر. ثانيها: أن يصل إلى جوف الصبي بمص الثدي أو بصب اللبن في حلقه، ويقال له: وجور، أو بصبه في أنفه، ويقال له سعوط، ومتى وصل اللبن إلى جوفه من الفم فإنه يعتبر وينشر الحرمة، سواء كان كثيراً أو قليلاً، ولو قدر مصة واحدة، أما إذا وصل من الدبر بواسطة الحقنة فإنه يحرم إذا كان يكفي لغذاء الطفل وقت وصوله ولو احتاج إلى غذاء بعد ذلك بزمن قريب ولا يعتبر إذا وصل إلى الجوف من الأذن أو العين أو مسام الرأس، ولو تحقق وصوله إلى الجوف. ثالثها: أن لا يخلط لبن المرأة بغيره من طعام أو شراب أو دواء، فإن خلط وكان غيره غالباً عليه بحيث قد استهلك ولم يبق له طعام فإنه لا يعتبر أما إذا كان هو غالباً أو مساوياً فإنه يعتبر وينشر الحرمة وإذا عمل لبن المرأة جبناً أو سمناً وأخذه الطفل فإنه ينشر الحرمة على الظاهر.
    الشافعية - قالوا: يشترط في المرضعة شروط: أحدها أن تكون أنثى آدمية، فلو رضع طفل وطفلة من ثدي بهيمة فإن رضاعها لا يعتبر ولا يوجب التحريم بينهما وكذا لو رضع طفل من لبن رجل أو لبن خنثى مشكل لم يتبين كونه امرأة فإن رضاعه لا يتعلق به تحريم، ولكن إذا رضعت طفلة لبن رجل أو خنثى مشكل ثم تبين أنه رجل فإنه يكره لهما التزوج من التي رضعت منهما. ثانيهما: أن تكون المرضعة على قيد الحياة، فإذا دب الطفل إلى ميتة ورضع من ثديها فإن رضاعه لا يعتبر ولا ينشر الحرمة، ومثل الميتة من كادت تفارق الحياة ولم يبق فيها سوى حركة مذبوح. ثالثها: أن تكون المرضعة سن تسع سنين قمرية تقريبية، وهذه السن هي سن الحيض، فيعتبر الرضاع منها ولو لم يحكم ببلوغها لأن سن الحيض يجعلها تحتمل أن تلد.
    والحاصل أن الشافعية يشترطون في المرضع أن تبلغ تسع سنين تقريباً، فلا يضر نقصها بما يسع الحيض والطهر منه، ولو لم تحض بالفعل، وقد يرد على هذا أن اللبن إنما ينشأ عن الولادة، والتي لم تحض بالفعل لا يتصور منها ولادة، ومقتضى هذا أن لبنها لا يحرم، وأجيب هذا بأن بلوغ هذا السن - وهو سن الحيض - يترتب عليه احتمال كونها تحيض وتحبل وتلد، وهذا الاحتمال كاف في اعتبار اللبن
    الذي نزل في للصغيرة في هذا السن، وذلك لأن التحريم بالرضاع تابع للتحريم بالنسب لأن اللبن جزء من المرضعة، وهو ناشئ بسبب الولد المتولد من مني الرجل ومني المرأة، فإذا امتصه الصبي كان كأنه جزء من المرأة والرجل، فاللبن نزل منزلة المني الذي ثبت به نسب الولد فثبوت التحريم بالرضاع تابع لثبوت التحريم بالنسب، ومعلوم أن النسب يثبت بالاحتمال، فكذلك فرعه المشابه له يكفي في ثبوته الاحتمال، ولهذا لا يشترط أن تكون المرضعة ثيباً، فلو كانت بكراً ونزل لها اللبن في هذه السن فإنه يعتبر ويحرم، فلا يشترط أن يكون اللبن ينشأ عن الحبل بالفعل، فإذا كانت في سن لا تحتمل فيه الولادة فإن لبنها لا يعتبر ولا يحرم.
    ويشترط في الرضيع أن يكون حياً، فلو فرض وصب في حلق طفل ميت لبن امرأة فإنه لا يعتبر، وإن يكون صغيراً لم يتجاوز الحولين، فإن تجاوزهما، ولو بلحظة، فإن رضاعه لا يحرم، وإذا شك في أنه تجاوز الحولين أو لا فإنه لا يحرم، لأن الشك في سبب التحريم يسقط التحريم، فإذا رضع الطفل أربع رضعات وفي أول الرضعة الخامسة تم حولان يقيناً، وهو يرضعها فإنه لا يعتبر، وما مضى من الرضعات الأربع يلغى خلافاً للحنابلة في هذه الحالة.
    ويشترط في اللبن شرطان: أحدهما يتعلق بكميته ومقداره، وثانيهما يتعلق بحالته وكيفية وصوله إلى جوف الصبي. فأما الأول، فإنه يشترط أن يرضع الطفل من المرضعة خمس مرات يقيناً، بحيث لو شك في أنه رضع خمس مرات أو لا، فإنه لا يعتبر، ثم إن الرضعة لا تحسب إلا إذا عدت في العرف رضعة كاملة، بحيث يتناول الطفل الثدي ولا ينصرف عنه إلا لضرورة تنفس، أو بلع ما في فمه، أو الانتقال من ثدي إلى ثدي آخر، أما إذا قطعه ولم يعد إليه فإنها تحسب رضعة، ولو لم يأخذ سوى مصة واحدة، وكذا إذا قطعته المرضعة ولم تعد إليه، أما إذا قطعته لشغل خفيف ولو عادت إليه سريعاً فإنها تحسب رضعة واحدة، وقد وافق الشافعية في هذا العدد الحنابلة، وإن خالفوهم في بعض التفصيل المذكور، كما ستعرفه، وأما الحنفية. والمالكية فإنهم خالفوا هذا ولم يشترطوا عدداً، بل قالوا: كل ما وصل إلى جوف الصبي من لبن المرضعة ولو قليلاً يوجب التحريم، وقد عرفت اختلافهم في التفصيل المتقدم.
    فيتحصل من هذا أن الشافعية والحنابلة يقولون: إن الرضاع لا يحرم إلا إذا كان خمس مرات، والمالكية، والحنفية يقولون: إن الرضاع يحرم مطلقاً قليلاً كان أو كثيراً ولو قطرة.
    وقد استدل الشافعية، والحنابلة بما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فيما أنزل الله في القرآن أن عشر رضعات معلومات يحرمن - فنسخن بخمس معلومات - فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يقرأ من القرآن، وأيضاً روى مسلم" لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان".
    ويؤخذ من كتب الشافعية، والحنابلة أنهم فهموا من خبر عائشة الأول ما هو ظاهر منه، وهو أنه كان من بين آي القرآن الحكيم آية - عشر رضعات معلومات يحرمن ومعنى معلومات متحققات لا شك فيهن، ومعنى يحرمن يوجبن التحريم بين المرضعة وزوجها، وبين الرضيع في الزوجية على الوجه
    السابق، ثم نسخت هذه الآية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لفظاً ومعنى بآية أخرى، وهي - خمس معلومات يحرمن - فبعد أن كانت الرضعات المحرمات عشراً صارت خمساً فقط واستمر العمل بهذا، ثم رفع لفظ - خمس رضعات يحرمن - من القرآن قبيل وفاة الرسول عليه السلام وبقي العمل بحكمه، فمعنى، قول عائشة: فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن، يذكر حكمها على أنها كانت آية في القرآن، لا أنه كان يتلى قرآناً بعد وفاة الرسول عليه السلام، وعلى فرض أنه كان يتلى فيكون ذلك بالنسبة لمن لم يبلغه النسخ.
    ويرد على هذا أمران: أحدهما أن المسلمين قد أجمعوا على أن القرآن هو ما تواتر نقله عن رسول الله عن رب العزة، فكيف يمكن الحكم بكون هذا قرآناً، خصوصاً قد صرح بعض أئمة المسلمين بأنه لا يجوز الحكم على كتاب الله المتواتر بما ليس بمتواتر، وعلى هذا فمن المشكل الواضح ما يذكره المحدثون من روايات الآحاد المشتملة على أن آية كذا كانت قرآناً ونسخت على أن مثل هذه الروايات قد مهدت لأعداء الإسلام إدخال ما يوجب الشك في كتاب الله من الروايات الفاسدة، فمن ذلك ما روي عن ابن مسعود من أن المعوذتين ليستا من كتاب الله، فإن معنى هذا التشكيك في كتاب الله المتواتر كلمة كلمة وحرفاً حرفاً، ولهذا جزم الفخر الرازي بكذب هذه الرواية، ومن ذلك ما قيل من أن آية القنوت كانت موجودة في مصحف أبي ثم سقطت.
    فهذا وأمثاله من الروايات التي فيها الحكم على القرآن المتواتر بأخبار الآحاد، فضلاً عن كونه ضاراً بالدين فيه تناقض ظاهر. ثانيهما: ليس في حديث عائشة ما يدل على نسخ خمس رضعات، فلماذا لا تكون قد سقطت، كما يقول أعداء الدين؟ ومع تسليم أن فيه ما يدل، فما فائدة نسخ اللفظ مع بقاء حكمه؟ ومع تسليم أن له فائدة، فما هو الدليل الذي يدل على أن اللفظ قد نسخ وبقي حكمه؟.
    وقد أجيب عن الأول بأنه لم يقل أحد أن خبر عائشة يفيد قرآنية هذه الكلمات فتعطى حكم القرآن، وإنما الذي يفيده خبر عائشة ظن أن هذا الحكم كان موجوداً في القرآن، وهذا الظن كاف في إثبات الحكم الفقهي.
    ثم إن هناك فرقاً بين ما روي عن ابن مسعود من كون المعوذتين ليستا من القرآن وبين خبر عائشة الموجود معنا، فإن الأول فيه نفي للقرآن المتواتر يقيناً، ومن ينكر شيئاً من القرآن المتواتر يقيناً فإنه يخرج عن الدين، فيجب تكذيب ما روي عن ابن مسعود من إنكار المعوذتين تكذيباً باتاً وتكذيب كل رواة مماثلة لها، أما خبر عائشة فإنه يفيد أن هذا قرآن ونسخ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يصح أن يعطى حكم القرآن على كل حال، ومع ذلك فإن الخبر لا يفيد إلا الظن، ففي كونه قرآناً لا يضر، وقد يقال: إنه مع وجاهة هذا الجواب لا يزال الإشكال قائماً وهو أنه إذا صح نفي كونه قرآناً فلا يصح الاحتجاج به، لأن الاستدلال به قائم على كونه قرآناً فمتى نفيناّ كونه قرآناً فقد انتفى الحكم الدال عليه، فالمعترض يقول: إنكم تقولون: إن هذا الحكم كان موجوداً في القرآن، وذكرتم نصه بآية قلتم: إنها
    كانت في القرآن، والفرض أن القرآن هو ما ثبت بالتواتر، وكل ما لا يثبت بالتواتر لا يكون قرآناً، فهذا ليس بقرآن، ومتى ثبت أنه ليس بقرآن فإنه لا يصح الاحتجاج به، فإن قلتم: إنه لا يلزم من انتفاء كونه قرآناً انتفاء الحكم، لأنه يكون من قبيل الحديث الثابت بخبر الآحاد، قلنا: وهذا أيضاً لا يصح لأن عائشة لم تروه على أنه حديث، وعلى فرض أنها روته كذلك فإنكم قلتم: إنه صح نفيه: فيقال: إن خمس رضعات يحرمن ليست بقرآن ومتى صح ذلك فإن الحكم الذي دل عليه اللفظ ينتفي طبعاً، ولا يقال أيضاً: إن خبر عائشة يفيد أنه كان قرآناً قطعاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وليس بقرآن بالنسبة لنا لعدم تواتره، لأنا نقول: إن خبر عائشة لا يفيد إلا الظن فمن أين يأتي القطع؟
    أما الجواب عن الاعتراض الثاني فإن القرآن قد تواتر نقله كلمة كلمة وحرفاً حرفاً وانحصر في الموجود بين دفتي المصحف، فلا يحتمل سقوط كلمة واحدة منه، فلا سبيل للقول بأن خمس رضعات كانت موجودة وسقطت، وقد دل الحديث على أنها كانت فيه، فلما لم تتواتر علمنا أن لفظها نسخ وبقي حكمها، وهذا الجواب حسن، ولكن نسخ اللفظ وبقاء معناه لم تظهر له فائدة ما معقولة، بل قد يقال عليه، ان نسخ الأحكام معقول لأنها تابعة لأحوال الأمم وتطوراتها، فلها فائدة واضحة، بل قد تكون الأحكام الوقتية ضرورية لأمة حديثة العهد بالتشريع، أما رفع اللفظ مع بقاء معناه فإن دل على شيء فإنه يدل على أن هذا اللفظ لا يناسب وضعه في هذه الجملة فلما وضع وظهر فساده حذف، وهذا مستحيل على الله تعالى العليم الخبير، ومع هذا فقد يقال: إن الحكم لا بد له من لفظ يدل عليه، فإذا رفع اللفظ فما هو الدليل الذي يدل عليه؟ فإن قلتم أنه دل عليه قبل رفعه: قلنا وقد انتفت الدلالة بعد رفعه فلم يبق للحكم دليل فإن قلتم: إن دليل الحكم اللفظ الذي يبينه به الرسول، قلنا أن الحكم في هذه الحالة يكون ثابتاً بالحديث لا بالقرآن المنسوخ، فالحق أن القول بجواز نسخ اللفظ مع بقاء المعنى واه، ومع ذلك كله فأي دليل يدل على أن اللفظ نسخ وبقي معناه؟ أنه لا دليل لا في قول عائشة ولا في غيره.
    وبعد، فقد أول بعض المحققين خبر عائشة هذا بأنه ليس الغرض منه أن ذلك كان آية من كتاب الله، بل كان حكماً من الأحكام الشرعية التي أوحى الله بها إلى رسوله في غير القرآن، وأمر القرآن باتباعها فمعنى قولها: كان فيما أنزل الله في القرآن عشر رضعات معلومات الخ، كان من بين الأحكام التي أنزلها الله على رسوله، وأمرنا باتباعها في القرآن أن عشر رضعات لا شك فيها يحرمن، ثم نسخ هذا الحكم بخمس رضعات معلومات يحرمن، وتوفي رسول الله وهذا حكم باق لم ينسخ، فأما كونه منزلاً موحى به فذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وأما كوننا مأمورين باتباع ما جاء به الرسول من الأحكام فلأن الله تعالى قال: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} ، فلو أن الشافعية والحنابلة رضوا بهذا التأويل لخرجت المسألة من كونها قرآناً إلى كونها حديثاً صحيحاً، وتكون دلالته على ما يريدونه ظاهرة، ومع ذلك فإن الشافعية قد أولوا قول عائشة فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ - بأنه يذكر حكمه - وهذا التأويل يقربهم إلى تأويل الحديث كله بالمعنى الذي أشرنا إليه، وقد جاء مثل هذا
    التأويل فيما رواه البخاري عن عمر بن الخطاب بأن رجم الزاني المحصن نزل في كتاب الله، فقال: إن معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رجم فعلاً، والله تعالى قال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} فيكون الرجم على هذا مذكوراً في كتاب الله، أما ما نقله البخاري تعليقاً من أن الذي كان في كتاب الله ورفع لفظه دون معناه، فهو - الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة الخ - فإنني لا أتردد في نفيه لأن الذي يسمعه لأول وهلة يجزم بأنه كلام مصنوع لا قيمة له بجانب كلام الله الذي بلغ النهاية في الفصاحة والبلاغة، فضلاً عن كونه لا ينتج
    الغرض المطلوب فإن الرجم شرطه الإحصان، والشيخ في اللغة من بلغ سن الأربعين، فمقتضى هذا أنه يرجم ولو كان بكراً لم يتزوج، وكذا إذا زنا الفتى في سن العشرين مثلاً وهو متزوج فإنه لا يرجم، فمثل هذه الكلمة لا يصح
    مطلقاً أن يقال: إنها من كتاب الله.
    والحاصل أن الأخبار التي جاء فيها ذكر كلمة من كتاب الله على أنها كانت فيه ونسخت في عهد رسول الله فهذه لا يطلق عليها أنها قرآن ولا تعطى حكم القرآن باتفاق، ثم ينظر إن كان يمكن تأويلها بما يخرجها عن كونها قرآناً، فإن الإخبار بها يعطى حكم الحديث، وإن لم يمكن تأويلها فالذي أعتقده أنها لا تصلح للدلالة على حكم شرعي لأن دلالتها موقوفة على ثبوت صيغتها وصيغتها يصح نفيها باتفاق، فكيف يمكن الاستدلال بها؟ فالخير كل الخير في ترك مثل هذه الروايات. أما الأخبار التي فيها أن بعض القرآن المتواتر ليس منه، أو أن بعصاً منه قد حذف فالواجب على كل مسلم تكذيبها بتاتاً. والدعاء على راويها بسوء المصير، لأن إدخال شيء في كتاب الله ليس منه، وإخراج شيء منه ردة نعوذ بالله منها.
    وأما الدليل الثاني، وهو ما رواه مسلم من أن الرضعة أو الرضعتين لا يحرم، فقد رده الحنفية والمالكية فقالوا: إما أن يكون منسوخاً أو تكون روايته غير صحيحة. وذلك لأن الله تعالى قال: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} فالله سبحانه لم يقيد الرضاعة بأي مقدار.
    وقد روي عن ابن عمر أنه قيل له: أن ابن الزبير يقول: ولا بأس بالرضعة أو الرضعتين فقال قضاء الله خير من قضائه، قال تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} واستدلال ابن عمر بهذه الآية فيه رد للحديث المذكور" لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان" إما بنسخ هذا الحديث وإما أن تكون الرواية غير صحيحة، وظاهر هذا أن إطلاق الكتاب الكريم في مقام التشريع والبيان لا يصح تقييده بخبر الواحد، لما عرفت من أن الأحاديث الظنية لا يصح أن تعارض المتواتر، ولهذا قال ابن عمر: قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير، لأن ابن الزبير لم يقل ذلك من تلقاء نفسه، بل لا بد أن يكون مستمسكاً بحديث، فقال له ابن عمر: إن كتاب الله هو الذي يجب العمل به، وحيث ورد مطلقاً فلا يقيده الحديث، ثم لينظر بعد ذلك للحديث، فإما أن تكون رواية غير صحيحة، وبذلك ينتهي الإشكال، وإما أن يكون صحيحاً ولكنه نسخ بهذه الآية أو بحديث آخر، وفي هذا كلام في علم الأصول ليس هذا محله.
    اللبن إلى المعدة أو الدماغ بواسطة الفم والصب في الحلق، ويقال له: الوجور، أو الصب في الأنف، ويقال له: السعوط، وبذلك ينفذ إلى الدماغ، أما إذا وصل إلى الجوف بحقنة من القبل أو الدبر أو وصل إلى الدماغ بتقطير في الأذن والقبل فإنه لا يتعلق به تحريم، وبعضهم قيد التقطير في الأذن بما إذا لم يصل إلى الدماغ، وإلا فإنه يعتبر، كما إذا وصل إلى الدماغ من منفذ عارض، كما إذا فتح بجراحة ونحوها، ولا يخفى أن هذه صور فرضية محضة لا يكاد تقع إلا قهراً، كما إذا مرض الطفل وتوقف دواؤه على لبن امرأة فحقن بلبن أجنبية. أو غذي به، أو نحو ذلك، فإذا لم يصل اللبن إلى المعدة أو الدماغ بأن تقايأه قبل وصوله، فإنه لا يعتبر، ولا يشترط في اللبن أن يكون سائلاً بل إذا عمل جبناً أو قشدة أو نحو ذلك وتناول منه الصبي كان رضاعاً شرعياً ينشر الحرمة، وكذا لا يشترط أن لا يكون مخلوطاً بغيره، بل ينشر الحرمة مطلقاً، سواء خلط أو لا، وسواء غلب على غيره أو لا، وسواء أرضعته كل المخلوط أو بعضه، ولكن يشترط في هذه الحالة تحقق وصول شيء من اللبن في الجوف في كل رضعة من الرضعات الخمس التي تقدم بيانها.
    وإذا حلبت المرضعة لبن الرضعات وصب في حلق الصبي خمس مرات يحسب مرة واحدة أما إذا حلبت لبن خمس مرات وصب في حلقه مرة واحدة فإنه يعتبر خمساً.
    الحنابلة - قالوا: يشترط في المرضع شرطان: أحدهما أن تكون امرأة، فلو كانت بهيمة أو رجلاً، أو خنثى مشكلاً فإن الرضاع لا يعتبر ولا يوجب التحريم،
    ثانيهما: أن تكون ممن تحمل فإذا رضع من امرأة لا تحمل فإن رضاعه لا يعتبر، ولا فرق في التحريم بين أن تكون المرضعة على قيد الحياة، أو رضع منها وهي ميتة، مادام اللبن ناشئاً عن الحمل بالفعل. فإذا كانت عجوزاً أو يائسة من الحيض والحبل، ولم يكن لبنها ناشئاً من حبل سابق" فإن الرضاع منها لا يحرم" خلافاً للحنفية والمالكية، أما الشافعية فإنهم وإن قالوا: إن المعتبر هو اللبن الناشئ من الحمل إلا أنهم اكتفوا في ذلك باحتمال الحمل، ومتى بلغت سن تسع سنين، وهو سن الحيض عندهم، كان حملها وولادتها محتملين، ولو لم تحض بالفعل، لأن حيضها محتمل أيضاً، فالاحتمال عندهم كاف، أما الحنابلة فإنهم يشترطون أن يكون اللبن ناشئاً من الحمل ولذا قالوا في تعريف الرضاع: إنه مص أو شرب لبن ثاب من حمل، وثاب بمعنى اجتمع، أي اجتمع في ثدي المرأة، أو بمعنى رجع إلى ثدي المرأة بسبب الحمل، أما الرضيع فيشترط فيه أن يكون طفلاً لم يتجاوز الحولين، فإن تجاوزهما ولو بلحظة لا يعتبر رضاع، ولا فرق بين أن يكون قد رضع في أثناء الحولين بعد فطامه.
    أو لا وإذا رضع الطفل أربع مرات وبلغ الحولين يقيناً في أول الخامسة فإن رضاعه يعتبر اكتفاء بالرضاع الذي مضى، أما اللبن فيشترط في مقداره أن يكون خمس رضعات، وتعتبر الرضعة بترك الصبي للثدي، فإذا أعطي الثدي للطفل فامتصه ثم تركه ولو قهراً عنه، كأن قطعته المرضعة أو قطعه للتنفس، أو للانتقال من ثدي إلى ثدي فإنها تحتسب عليه رضعة من الخمس، خلافاً للشافعية في هذا التفصيل، ويشترط أن يصل إلى المعدة من طريق الفم، أو بالصب في الحلق، أو الأنف ويقال للأول: وجور، وللثاني سعوط، كما تقدم.
    وإذا فرض وعمل لبن الثدي جبناً أو قشدة وأكل منه الطفل فإنه يعتبر كالرضاع، وكذا إذا خلط بماء ونحوه وبقيت صفات اللبن به فإنه يحرم، أما إذا استهلكت صفاته في الماء فإنه لا يحرم وإذا نزل اللبن في حلقه ثم تقايأه، ولم يصل إلى جوفه لا يحرم، وكذا إذا وصل بحقنة من القبل أو الدبر فإنه لا يحرم لأنه ليس برضاع وليس بمغذ في هذه الحالة) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #196
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 233 الى صــــــــ
    239
    الحلقة (196)





    مبحث من يحرم بالرضاع ومن لا يحرم
    -قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم: "يحرم بالرضاع ما يحرم من النسب" رواه الشيخان، هذا الحديث يدل على أن الرضاع يحرم الأصناف التي حرمها النسب، وهي سبعة أصناف:
    الأول: الأم، سواء كانت أماً مباشرة، أو أماً بواسطة الأب والجد، فيشمل الجدة وإن علت سواء كانت جدة لأب، أو جدة لأم.
    الثاني: البنت والمراد بها البنت الصلبية، وهي بنت الإنسان مباشرة، أو البنت بالواسطة، وهي بنت البنت وإن نزلت، وبنت الابن وإن نزلت.
    الثالث: الأخت، سواء كانت شقيقة أو لأب، أو لأم.
    الرابع: بنت الأخت بأقسامها، وإن نزلت.
    الخامس: بنت الأخ، سواء كان شقيقاً، أو لأب، أو لأم، وإن نزلت.
    السادس: العمات، فالعمة محرمة. سواء كانت أخت الأب شقيقته أو أخته لأبيه، أو أخته لأمه، أما عمة العمة فإنها لا تحرم إلا إذا كانت العمة القريبة شقيقة للأب، أو كانت أخته لأبيه أما كانت أخته لأمه فإن عمتها لا تحرم، مثلاً عمة محمد فاطمة أخت أبيه إبراهيم شقيقته، ولدهما جده هاشم من جدته محبوبة، ولجده هاشم هذا أخت اسمها خضرة، فخضرة هذه عمة محمد والعمة وهي فاطمة لأنها أخت أبيها هاشم، وهي عمة إبراهيم أيضاً والد محمد فخضرة هذه عمة محمد بالواسطة فهي محرمة عليه كعمته فاطمة بلا فرق، ومثل ذلك ما إذا كان فاطمة أخت إبراهيم من أبيه هاشم فقط، ولها أم أخرى اسمها نائلة تزوجها هاشم على محبوبة أم إبراهيم، ولهاشم أخت اسمها خضرة فإن خضرة أيضاً تكون محرمة على إبراهيم لأنها لا زالت عمة عمته فاطمة أخت هاشم جد محمد، أما إذا كانت فاطمة أخت إبراهيم من أمه محبوبة،، ولها أب آخر اسمه حامد، ولحامد هذا أخت اسمها خضرة فإنها تحل لمحمد لأنها ليست أخت جده هاشم، بل هي أخت حامد الأجنبي زوج جدته محبوبة قبل أن تتزوج بجده، فلا علاقة له بها، مثل ذلك ما إذا كانت عمة الأم مثلاً: أحمد أمه ناعسة بنت إسماعيل بن محمد، ولإسماعيل أخت اسمها وردة، فوردة هذه عمة لناعسة، وهي محرمة على أحمد لأنها عمة أمه، سواء كانت أخت إسماعيل لأبيه أو أمه، وذلك لأنها أخت جده لأمه، ولكن كانت وردة أخت إسماعيل لأمه فلم يكن والدها محمداً أبا إسماعيل، بل كان لها والد آخر اسمه رياض مثلاً، وكان رياض أخت اسمها فوزية مثلاً، فإنها تكون عمة لوردة عمة أم أحمد، ولكنها تحل لأحمد. وعلى هذا القياس في عمات الأجداد وعماتهن، سواء أجداد الآباء، أو الأمهات فالعمات يحرمن من أي نوع وإن علون، عمات العمات يحرمن إذا كن من جهة الآباء لا من جهة الأمهات.
    الصنف السابع: الخالات، وخالات الخالات، فالخالات محرمات من أي نوع، سواء كن شقيقات الأمهات، أو أخواتهن لأب أو لأم، وأما خالات الخالات فإنهن يحرمن إذا كن شقيقات أمهات الأمهات، أو كن إخواتهن لأم فقط عكس عمات العمات، فإنهن لا يحرمن إلا إذا كن من جهة الآباء كما تقدم، وإليك مثلاً في الحالات، وخالات الخالات تقيس عليه الباقيات.
    إبراهيم أمه هانم لها أخت اسمها نفيسة ولدها أبو طالب من زوجته ظريفة، فنفيسة خالة إبراهيم شقيقة أمه محرمة عليه، ومثل ذلك ما إذا كانت نفيسة أخت هانم من أبيها أبي طالب فقط ولها أم أخرى غير ظريفة اسمها مريم، أو كانت أخت هانم من أمها ظريفة فقط لها أب آخر اسمه علي، فإذا كانت هانم أخت نفيسة لأبيها أبي طالب فقط، وأمها مريم لها أخت اسمها سعدية، فإن سعدية تحل لإبراهيم وإن كانت خالة خالته نفيسة، لأنها في هذه الحالة خالة لنفيسة فقط، وليست خالة لأختها هانم، بل تكون أختاً لزوجة أبيها أبي طالب، فهي حلال لأبنها إبراهيم، أما إذا كانت أخت نفيسة لأمها ظريفة فقط، وكان لظريفة أخت اسمها شريفة كانت شريفة في هذه الحالة خالة نفيسة وخالة هانم أم إبراهيم، فلا تحل له لأنها خالته بالواسطة، فهذه هي الأنواع السبعة المحرمة من النسب، فتحرم بالرضاع على هذا التفصيل.
    فإذا رضع الطفل الأجنبي من امرأة كانت أمه فيحرم عليه أن يتزوجها، كما يحرم عليه أن يتزوج بنتها أو بنت بنتها وإن نزلت لأنها أخته وبنت أخته، ولا بنت ابنها وإن نزلت لأنها بنت أخيه، ولا أختها، لأنها خالته، ولا أمها لأنها جدته، ومثل ذلك زوج مرضعته الذي جاءها اللبن منه. فإنه يكون أباً له فيحرم عليه أيتزوج بنته لأنها أخته، ولو كانت من امرأة أخرى، ولا بنت بنته وإن نزلت، ولا بنت ابنه كذلك، وكذا يحرم عليه أن يتزوج أخت أبيه من الرضاع لأنها عمته، ولا أمه لأنها جدته، وكذل يحرم على الرجل زوج المرضعة أن يتزوج بنت ابنه من الرضاعة، ولا بنتها إن نزلت، أم أمه فإنها تحل له كما حلت له أم ابنه نسباً، جدته وأخته كما سيأتي قريباً.
    وكذلك لأخ الرضيع أن يتزوج أخت أخيه من الرضاع، كما لغيره من حواشيه، وذلك لأن الحرمة بالنسبة للرضيع لا تسري إلا على فروعه فقط، فلآبائه أن يتزوجوا بأم المرضعة وأخواته من الرضاع، وكذلك لحواشيه من أعمامه وأخواله وإخوته وغير ذلك كما يأتي، أما المرضعة فتحرم أصولها وفرعها وحواشيها دائماً، فلا يحل للرضيع ولا فروعه التزوج منهم، وأما زوجها ذو اللبن فذلك تسري الحرمة منه إلى أصوله وفرعه وحواشيه، فلا يحل للرضيع، أحد منهم، فإذا كان الطفل أنثى، فإنه يجري منه التفصيل المذكور، وهو أن المرضعة تكون أماً له، ويكون زوجها الذي جاءها منه اللبن أباها فتحرم البنت الرضيعة على أصول هذه المرأة، وهم آباءهم لأنهم أجدادها لأمها، كما تحرم على فروعها لأنهم إخوتها، وكذلك تحرم على أخوات المرضعة، لأنهم أخوالها، ومثل أخوال المرضعة في ذلك زوجها الذي جاء منه اللبن، فإن الرضيعة بنته من الرضاع فلا تحل له، وأخت أولاده مطلقاً، سواء كانوا من أمها المرضعة كما قلنا أو من زوجة أخرى. فلا تحل لواحد منهم كما لا تحل لإخوته لأنهم أعمامها، ولا لأعمامه لأنها بنت أخيهم. ولا لأخواله لأنها بنت ابن أختهم. وأما أولاد الرضيعة فإنهم لا يحلون كذلك لأمها من الرضاع لأنها جدتهم. ولا لأولادها لأنهم أخوال وخالات لهم، ولا لآباء المرضعة لأنهم أجدادهم وجداتهم.
    وبالجملة فلا يحلون لأصول المرضعة وفروعها وحاشيتها، وكذلك الرجل صاحب اللبن فإن أولاد الرضيع لا يحلون لأصوله وفروعه وحواشيه، أما أصول الرضيعة وحواشيها فلا يسري إليهم التحريم، فيحل لأب البنت الرضيعة أن يتزوج أمها من الرضاع وجدتها، وأختها، وخالتها، وعمتها وهكذا. كما يحل ذلك لأخيها، وعمها وهكذا.
    هذا إذا رضع الطفل، أما إذا رضع أبوه، أو جده أو جدته أم أبيه، أو رضعت أمه، أو جدته لأمه من امرأة كانت المرضعة في الحالة الأولى جدة له من جهة الأب فأبناؤها وبناتها أعمام له أو عمات، وفي الحالة الثانية كانت المرضعة جدة له من جهة الأم فأبناؤها وبناتها أخوال له. وخالات. فيجري التحريم على هذا الوجه. ويمكن تعريف الأم في الرضاع بأنها هي التي أرضعت الطفل، أو أرضعت من ينتهي نسبه إليها بالولادة، فيشمل من أرضعت آباءه وأمهاته، وتعريف بنت الرضاع بأنها التي أرضعتها زوجة الرجل، أو بنته، أو زوجة ابنه، فيشمل البنت مباشرة، وبنت البنت، وبنت الابن، وسيأتي استثناء في بعض صور هذه الأخيرة، وتعريف أخت الرضاع بأنها كل بنت ولدتها المرضعة، أو ولدها زوجها الذي جاء منه اللبن،وكذا كل من رضعت مع الولد من ثدي واحد، لا فرق بين أن يكون الولد الثاني ابناً للمرضعة من النسب، أو من الرضاع، وكذا لا فرق بين أن يكونا قد رضعا في زمن واحد أو في أزمنة مختلفة، بل المدار في ثبوت الأخوة على الرضاع من ثدي واحد، وبنت الأخ هي من أرضعتها زوجة أخيك بلبنه النازل من المرأة بسببه، وبنت الأخت هي من أرضعتها أختك، وتحرم بنت الأخ وبنت الأخت على زوج المرضعة لا على أولاده لأنها تحل لهم نسباً، والعمات هن أخوات زوج المرضعة، وعمات العمات هن أخوات آباء العمات، ولا تحرم عمات العمات إلا إذا كانت العمات من جهة الآباء لا من جهة الأمهات، كما تقدم توضيحه، والخالات هن أخوات المرضعة، وخالات الخالات هن أخوات أمهات الخالات، ولا يحرمن إلا إذا كن من جهات الأمهات على التفصيل المتقدم.
    فهذا بيان المحرمات المذكورة في الحديث من النسب ومن الرضاع، ولكن بقيت المحرمات بسبب المصاهرة وهي لم يشملها الحديث، فلا يصح أن يقال: ويستثنى من هذا كذا، وبيان ذلك أن المحرمات بالمصاهرة قسمان: قسم يحرم بالرضاع كما يحرم بالمصاهرة، وقسم يحرم بالمصاهرة ولا يحرم بالرضاع، فالأول: أم الزوجة، وبنتها، فإنهما يحرمان بالمصاهرة والرضاع فإذا رضعت طفلة من امرأة ثم تزوجت فلا يحل لزوجها أن يتزوج المرضعة التي أرضعتها لأنها أمها، كما لا يحل له أن يتزوج أمها من النسب وكذا إذا تزوج المرضعة نفسها، فإنه لا يحل له أن يتزوج الطفلة التي أرضعتها إذا كان قد دخل بها، أما إذا لم يدخل بها فإنه يحل، كما تقدم في المحرمات بالنسب.
    وكذا أخت الزوجة، وخالتها، وعمتها فإنه لا يجوز الجمع بينهن بسبب المصاهرة والرضاع، فلا يحل للرجل أن يتزوج امرأة رضعت ثدي أخرى ويتزوج معها بنت المرضعة التي أرضعتها لأنها أختها من الرضاع، إذا لا يحل الجمع بين الأختين رضاعاً ونسباً، ومثلها بنت زوج المرضعة التي جاءها منه اللبن لأنها أختها، وأيضاً لا يحل له الجمع بين زوجته، وبين أخت مرضعتها، أو أخت زوج مرضعتها، لأن الأولى خالتها، والثانية عمتها، ولا يحل الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها، نسباً ورضاعاً، وكذا لا يحل له أن يجمع بينها، وبين بنت أخيها من الرضاع، أو بنت أختها.
    وأما القسم الثاني: وهو ما يحرم بالمصاهرة ولا يحرم بالرضاع فهو أمور:
    أحدها: أم الأخ، سواء كان شقيقاً، أو غير شقيق، ولكن إذا كان شقيقاً كانت أم أخيه أمه هو وحرمتها ثابتة بالنسب لا بالمصاهرة، وقد تقدم أن الأم محرمة نسباً ورضاعاً، فليست مقصودة هنا بل المقصود امرأة الأب، لأن تحريمها بالمصاهرة، فلا يحل للشخص أن يتزوج امرأة أبيه، وهي أم أخيه غير الشقيق، ولكن إذا أرضعت أخاه أجنبية فإنها تحل له، ومثل أم الأخ أم الأخت لأنها إما أم إذا كانت الأخت شقيقة، وإما امرأة أب إذا لم تكن كذلك والأولى محرمة نسباً ورضاعاً والثانية محرمة بالمصاهرة لا بالرضاع، وهي المقصود هنا.
    هذا إذا كان الأخ، أو الأخت من النسب، والأم من النسب، أو الرضاع، وقد عرفت أن أم الأخ النسبية هي أم الرجل، هي محرمة نسباً ورضاعاً، وأم الأخ بالمصاهرة هي زوجة الأب وهي محرمة بالمصاهرة، أما أم الأخ، أو الأخت من الرضاع فهي غير محرمة، ومثل ذلك ما إذا كان الأخ، أو الأخت من الرضاع، بأن رضع طفلان من ثدي امرأة فصارا أخوين بالرضاع، ثم رضع أحدهما من مرضعة أخرى فهذه المرضعة تكون أم أخيه من الرضاع فتحل له. وكذا لو كان لأخيه من الرضاع أم من النسب فإنها تحل له.
    ثانيها: أم ولد الولد - سواء كان ذكراً أو أنثى. لأن الولد يشملهما، وكما لا يخفى، وهكذا في كل ما يأتي - ويقال لها: أم نافلة، أي أم ولد نافلة، وهو ولد الولد، وسمى نافلة لزيادته على الولد فنافلة صفة لولد الولد وأم ولد الولد تحتمل معنيين، الأول: أن تكون زوجة ابنك، إذ هي أم ولد ابنك، وهو حفيدك. والثاني: أن تكون بنتك لأن البنت أم ولد الولد، وهو حفيد الرجل، فالحفيد إما ان يكون ابن الابن، أو بنت البنت، والثانية ليست مرادة هنا لأن تحريم البنت قد تقدم في المحرمات بالنسب، بل المراد الأولى، وهي زوجة الابن، ويقال لها أم ولد الولد، وهي محرمة بالمصاهرة لا بالرضاع، فلو أرضعت أجنبية ولد ولدك - حفيدك - فإن لك أن تتزوجها، ومثل ما إذا أرضعت زوجة ابنك ولداً أجنبياً، وله أم من النسب فإنها تحل لك، وكذا لو كان له أم أخرى أرضعته فإنها تحل لك، فأم ولد الولد المحرمة زوجة الابن خاصة، فإذا أرضعت ولد الولد أجنبية وكانت أمه من الرضاع لا تحرم، أو أرضعت زوجة الولد أجنبياً، فإنه يكون حفيد الرجل في الرضاع، لأنه رضع لبن ابنه، وكانت لهذا الولد أم نسبية، فإنها تحل، وكذا إذا كانت له أم أخرى من الرضاع، فإنها تحل، فالتي تحرم فقط هي زوجة الابن، وهي أم ولد الولد، سواء كان من النسب، أو كان ولد ولد بسبب الرضاع، أما أمهات ولد الولد من الرضاع، أو من النسب - غير زوجة الابن - فإنهن لا يحرمن.
    ثالثها: جدة الولد، وجدة ولد الإنسان إما أمه، وإما أم زوجته، والأولى غير مقصودة هنا، والثانية، وهي أم تحرم بالمصاهرة لا بالرضاع، فلو أرضعت أجنبية ولدك فلا تحرم عليك أم هذه المرضعة مع كونها جدة ابنك في الرضاع لأمه.
    هذا إذا كان الابن نسبياً، وله جدة من الرضاع، أما إذا كان رضاعياً بأن أرضعت زوجتك طفلاً أجنبياً، وله جدة من النسب، سواء كانت لأب، أو لأم، أو كانت له جدة رضاعية بأن رضع ثدي امرأة أخرى لها أم، فإن جداته تحل لوالده في الرضاع على كل حال.
    أما أم الولد من النسب، فهي زوجة الرجل، وأما أمه من الرضاع، أي مرضعة الولد، فإنها تحل لأبيه بلا كلام، فأم الولد حلال لأبيه نسباً ورضاعاً.
    رابعها: أخت ولدك، وهي إما أن تكون بنتك، أو تكون بنت امرأتك، والأولى أخت ولدك لأبيه، والثانية أخته لأمه، والأولى غير مقصودة هنا، لأن البنت محرمة بالنسب والرضاع كما تقدم، أما الثانية فإنها تحرم بالمصاهرة، إذ لا يجوز للرجل أن يتزوج بأخته من الرضاع، سواء كانت أخته بنت المرضعة، أو بنت زوجها الذي نشأ اللبن بسببه، أو كانت أجنبية عنهما، ولكن رضعت من ثدي مرضعته.
    هذا إذا كان الولد نسبياً وكانت أخته نسبية، أو رضاعية، أما إذا كان الولد رضاعياً بأن أرضعت زوجتك طفلاً أجنبياً وكان له أخت من النسب، أو أخت من الرضاع، رضع هو وهي من ثدي امرأة أخرى غير زوجتك فإنهما يحلان لك كذلك.
    وههنا مسألة وهي ما إذا رضع الابن من جدته لأمه نسباً، فهل تحرم أمه على زوجها؟ والجواب: كلا، فإن أمه في هذه الحالة تكون أختاً للولد من الرضاع، وقد عرفت أن أخت الولد من الرضاع تحل لأبيه، وأخت البنت كأخت الابن في جميع ما ذكر.
    خامسها: أم العمة، أو العم، وأم العمة إما أن تكون هي الجدة، كما إذا كانت العمة شقيقة، أو تكون هي زوجة الجد إذا كانت غير شقيقة، وقد عرفت أن الأولى غير مقصودة، لأن الجدة حرمتها كحرمة الأم بالنسب لا بالمصاهرة، والثانية، وهي زوجة الجد لا يحل نكاحها بالمصاهرة ويحل بالرضاع، فلو أرضعت أجنبية العم، أو العمة، وصارت أماً لهما فإنها لا تحرم بالرضاع.
    هذا إذا كان العم، أو العمة من النسب وأمهما من النسب، أو الرضاع، ومثل ذلك ما إذا كانا من الرضاع بأن أرضعت جدته أم أبيه أجنبياً، أو أجنبية، فصار له عماً، أو صارت له عمة بسبب هذا الرضاع، وكان لأحد العمين أم غير جدته رضع منها، فيقال لها: أم رضاعية، أو كان له أم نسبية فإن الأمين تحلان.
    سادسها: أم الخال أو الخالة، وأم الخال هي الجدة لأم، وتحريمها ثابت بالنسب وبالرضاع، كالأم، وقد تقدم، والمقصود هنا زوجة الجد لأم، وهي لا تحل مصاهرة، وتحل رضاعاً، فلو أرضعت أجنبية خالك أو خالتك، فإنها تحل لك وإن كانت أماً لهما، ويقال في أم الخال والخالة مثل ما قيل في أم العم والعمة.
    وبعد، فقد بقيت ههنا مسألتان: احداهما أنه قد تقدم أن حرمة المصاهرة تثبت بالعقد الصحيح وبالوطء، ولو كان بعقد فاسد أو بشبهة، وتقدم الخلاف في ثبوت حرمة المصاهرة بالزنا، فهل تثبت الحرمة في الرضاع بالزنا أو لا؟. ثانيتهما ما حد لبن الرجل النازل للمرأة، فهل يشترط فيه أن يكون نازلاً بسبب الحمل والولادة بوطء هذا الرجل أو لا؟ وإذا نزل للمرأة لبن وهي تحت زوج ثم طلقها وتزوجت بآخر ورضع منها طفل بعد طلاقها من الأول، فمن منهما يكون أبا الطفل من الرضاع؟.
    والجواب عن المسألة الأولى: هو أنه إذا زنى رجل بامرأة وجاءت بولد من هذا الزنا، ونزل لها لبن بسبب هذه الولادة، فأرضعت منه طفلة أجنبية أصبحت هذه الطفلة بنتاً للزانية، بلا كلام، كما أن ولد الزنا ابنها، بلا خلاف، فتحرم الرضيعة على أصولها وفروعها وحواشيها، وإن كان الرضيع ذكراً حرمت عليه المرضعة وأصولها وفروعها وحواشيها، كما يحرمون على ولد الزنا نفسه. أما الزاني فإن هذه الطفلة تحرم عليه (1) وعلى أصوله وفروعه فقط، فلا تحرم على إخوته وأعمامه، وأخواله، كما تحرم بنت الزنا نفسها، وذلك لأن المولودة من الزنا لم يثبت نسبها منه، فلم تنشر الحرمة إلى حواشي الرجل، وإنما حرمت عليه أصوله وفروعه لكونها جزءاً منه متولدة من منيه كما تتولد بنت النسب وقد رضعت من لبنه القائم مقام المني في تحقيق هذه الجزئية.
    __________
    (1) (الشافعية - قالوا: إنهم يوافقون على ثبوت المولود من الزنا لأمه فتحرم عليه هي وأصولها وفروعها وحواشيها لأنه إنسان انفصل منها، مثل المولود من الزنا ولد الرضاع، فتحرم عليه من مرضعته وأصولها وفروعها وحواشيها كذلك، أما الزاني فإنهم يخالفون في ثبوت أبوته للمولود من الزنا، لأنه لم ينزل منه سوى مني مهدر لا حرمة له، فما يتولد منه لا يكون له ابن، فيحل للزاني أن يتزوج بنته من الزنا، كما يحل لأصوله وفروعه مع الكراهة فقط.
    الحنابلة - قالوا: إنه وإن كان يحرم على الرجل أن يتزوج بنته من الزنا، ولكن البنت التي رضعت من لبن الزنا لا تكون بنتاً له بحال، وذلك لأن اللبن لا يثبت له إلا إذا كان ناشئاً من حمل ثبت نسبه من الرجل ولحق به فإن لم يثبت نسبه لم يكن له علاقة بهذا اللبن، فمن رضع منه لا يكون ابناً له، فلا تثبت بينهما حرمة مصاهرة، فالبنت التي شربت من اللبن الناشئ من الزنا لا تحرم عليه ولا على أصوله وفروعه، كما سيأتي في المسألة الثانية.)

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #197
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 240 الى صــــــــ
    247
    الحلقة (197)





    وأما الجواب عن المسألة الثانية، ففيه تفصيل المذاهب (1) .
    مبحث ما يثبت به الرضاع
    يثبت الرضاع، إما بالشهود، وإما بإقرار الزوجين: أو أحدهما على تفصيل في المذاهب (2) .
    __________
    (1) (الحنفية - قالوا: لبن الرجل الذي يثبت به أبوته للرضيع يشترط فيه أن ينزل لزوجته بعد حملها وولادتها منه، فإذا تزوج رجل بامرأة ولم تلد منه قط ثم نزل لها لبن فأرضعت صبياً كان الصبي ابناً للمرأة بخصوصها، فيحرم عليه أن يتزوج أصولها وفروعها ومحارمها، ولا فرق في ذلك بين أن يكون اللبن قد نزل لها وهي بكر أو نزل لها بعد أن وطئها، وإذا حملت ولم تلد لم يكف الحمل في ثبوت اللبن للرجل بل لابد من الولادة، خلافاً للشافعية أما الرجل فلا يكون أباه فله أن يتزوج أصوله وفروعه من غير هذه المرضعة، وإذا طلق رجل زوجته ولها لبن منه ثم تزوجت برجل آخر بعد ما انقضت عدتها ووطئها الثاني، وجاءت منه بولد مع استمرار اللبن الأول فإن اللبن يصير للزوج الثاني بلا خلاف، بحيث لو أرضعت طفلاً يكون للثاني، أما إذا لم تحمل من الثاني فاللبن يكون للأول بلا خلاف، وإذا حملت من الثاني ولكنها لم تلد منه واستمر اللبن الأول وأرضعت منه طفلاً، فالصحيح أنه يكون ابن الأول حتى تلد من الثاني، وإذا تزوج الرجل امرأة فولدت منه ولداً فأرضعته ثم يبس اللبن وانقطع، ثم در لها لبن بعد ذلك فأرضعت به صبياً أجنبياً لم يكن هذا الصبي ابناً لزوج المرضعة، لأن لبنه قد انقطع، ولهذا الصبي أن يتزوج أولاد هذا الرجل من غير المرضعة، وعلى هذا إذا طلقها وانقطع من ثديها ثم تزوجت بآخر ونزل لها اللبن قبل أن تحمل منه كان اللبن للثاني.
    الشافعية - قالوا: يشترط في ثبوت الأبوة باللبن أن يكون الولد الذي نزل بسببه اللبن ثبت نسبه من الرجل، فلو ولد لرجل ولد ونزل لزوجته لبن بسبب هذه الولادة ثم نفاه، وقال: إنه ليس ابناً لي، ولم يثبت نسبه منه وأرضعت زوجته طفلاً من هذا اللبن لم يكن الطفل ابناً لذلك الرجل، فلا حرمة بينهما، فإذا استحلفه ثانياً، وقال: إنه ابني عادت الحرمة بينه وبين الرضيع، وبهذا تعلم أن لبن الزنا لا قيمة له لأن ولد الزنا لا يثبت نسبه.
    وإذا تزوجت امرأة رجلاً وجاءت منه بولد نزل لها لبن بسببه ثم طلقها وتزوجت آخر فإن لبن الأول يستمر بحيث لو رضع منها طفل كان ابناً من الرضاع للأول ما لم تلد من الثاني، فإذا ولدت انقطع لبن الأول وصار اللبن للثاني، وهذا بخلاف ما إذا نزل اللبن للبكر ثم تزوجت واستمر لبنها، فإنه يكون لها دون زوجها حتى تحمل منه، فإذا حملت صار اللبن لهما وإن لم تلد، والفرق بين الصورتين ظاهر، فالبن في الأولى نزل بسبب ولادة الزوج الأول فكان له بخصوصه ولا ينقطع إلا بولادة الثاني، أما في الثانية فإنه نزل للبكر من غير زوج فكان أضعف من الأول.
    ومن هذا يتضح أن اللبن لا ينقطع نسبته عن الأول إلا بالولادة من غيره، ولو طالت المدة أو انقطع اللبن وعاد ثانياً، خلافاً للحنفية في هذا وما قبله.
    المالكية - قالوا: يثبت اللبن للرجل بشرطين:
    الأول: أن يطأ زوجته. الثاني: أن ينزل، فلو عقد عليها، أو وطئها ولم ينزل، وكان بها لبن فإنه
    لا يثبت له، فإذا عقد على بكر بها لبن ولم يدخل بها ورضع منها طفل كان الطفل ابن المرضعة دون الرجل، ومثل ذلك ما إذا زنى الرجل بامرأة ونزل لها لبن كان لبنه على المعتمد، وفاقاً للحنفية، وهو المذكور - في الصلب - ويستمر هذا اللبن من حين الوطء إلى أن ينقطع، ولو مكث سنين عديدة، فلو طلقها، أو مات عنها ولم تتزوج غيره واستمر بها اللبن كان لبنه فتثبت به حرمة المصاهرة، فلو طلقها أو مات عنها وتزوجت غيره بعد انقضاء عدتها، ولبن الأول في ثديها ثم وطئها الزوج الثاني وأنزل كان اللبن مشتركاً بين الاثنين، فلو رضع منه طفل كان ابناً للزوجين الزوج المطلق، والثاني، فتثبت حرمة المصاهرة بينه وبينهما معاً، وكذا لو تزوجها ثالث ولبن الثاني والأول في صدرها فإنه بعد وطئها وإنزاله لم يشترك من قبله في أبوة الرضيع، وهكذا، أما إذا تزوجت رجلاً وولدت منه وأرضعت ابنه حتى فطم وانقطع لبنها، وتزوجت الآخر ونزل لها لبن بعد وطئها وإنزاله، فإنه يكون لبن الثاني، فيشترط في اشتراك الأول والثاني في اللبن أمران:
    أحدهما: أن لا ينقطع لبن الأول من ثديها قبل أن يطأها الزوج الثاني، فإن انقطع ووطئها الثاني كان اللبن خاصاً بالثاني.
    ثانيهما: أن يطأها الثاني وينزل أما قبل ذلك فإن اللبن يكون للأول فقط.
    الحنابلة - قالوا: لا يثبت اللبن للرجل إلا بشرطين: الأول أن يكون اللبن نزل للمرأة بسبب حملها المكون من وطئه، فاللبن الذي ينزل للبكر. أو ينزل للمرأة التي تزوجت رجلاً ووطئها ولم تحمل، فإنه لا يثبت به حرمة المصاهرة لا في جانب المرأة ولا في جانب الرجل. الشرط الثاني: أن يثبت نسب ذلك لحمل من الرجل فلو تزوج امرأة ووطئها وحملت منه، ولكن نفي ذلك الحمل، ولم يثبت نسبه منه ورضع من لبنه النازل بثدي المرأة طفل فإنه لا يكون ابناً له، فلا حرمة بينه وبينه، ولكن يكون ابناً للمرأة تثبت بينهما حرمة المصاهرة على الوجه السابق، ومثل ذلك ما إذا زنى رجل بامرأة وجاءت منه بولد زنا ونزل لها لبن بسبب الولادة، وأرضعت منه طفلاً، فإن الطفل لا يكون ابناً للزاني لأن لبن الزنا لا يعتبر، إذ قد عرفت أن حرمة الرضاع فرع ثبوت النسب، ولكن يكون ابناً للزانية، كما عرفت) .
    (2) (الحنفية - قالوا: الرضاع كالمال يثبت بالشهود العدول. وبالإقرار، فأما الشهود فيشترط أن يشهد رجلان عدلان. أو رجل وامرأتان عدول، فلا يكفي في إثبات الرضاع خبر العدل الواحد، سواء كان رجلاً أو امرأة كما لا يكفي إخبار غير العدول، وكذا لا يكفي إخبار أربع نسوة عدول، بل لا بد أن يكون في الشهادة رجل، ثم إن الشهود، إن شهدوا بين يدي الزوجين بأن بينهما رضاعاً وجب
    عليهما أن يفترقا بالفسخ، فإن لم يفعلا وجب على القاضي أن يفرق بينهما، وبعد تريق القاضي يرتفع النكاح بينهما، فلو وطئها بعده كان زانياً عليه الحد، وهذا معنى قولهم: لا تقع الفرقة في الرضاع إلا بتفريق القاضي، أي فلو وطئها قبل ذلك، وقبل المتاركة، وهو فسخ العقد منهما فلا حد عليهما.
    وإذا أخبر الشهود العدول المرأة وحدها وكان زوجها غائباً أو مسافراً ثم حضر فإنه عليها أن تفارقه ولا تمكنه من نفسها قبل فسخ العقد منهما. أو من القاضي، كما لا يحل لها أن تتزوج بغيره قبل ذلك على المعتمد، وكذا إذا خبر الزوج وحده فإنه يجب عليه مفارقتها، ويأثم بوطئها كما ذكرنا.
    أم الشهادة بين يدي القاضي بالرضاع فإنه لا يلزم لها دعوى المرأة، بل يثبت حسبة، لأن دعوى الرضاع تتضمن حرمة فرج. وحرمة الفروج حق الله تعالى. كما في الشهادة بالطلاق.
    فإذا أخبرتهما امرأة عدلة واحدة بأنها أرضعتهما من ثديها، فذلك الإخبار على أربعة أوجه:
    الوجه الأول: أن يصدقاها معاً، وفي هذه الحالة يفسد النكاح ويجب عليهما أن يتفرقا بالقول بعد الدخول، أما قبل الدخول فإنه تكفي المفارقة بالأبدان، ولا تستحق قبله مهراً، وإن لم يتفرقا فإنه يجب على القاضي أن يفرق بينهما، وذلك لأن تصديقهما بخبرهما إقرار له، فكأنهما بهذا قد اعترفا بفساد العقد بينهما.
    الوجه الثاني: أن يكذباها معاً، وفي هذه الحالة لا يفسد النكاح، ولا يجب عليهما أن يفترقا، ولكن الأحوط أن يفترقا، ثم إن كان ذلك قبل الدخول فإن الزوج لا يلزم بالمهر، ولكن الأفضل أن يدفع لها نصف المهر، والأفضل لها أن تأخذ منه شيئاً، وإن كان بعد الدخول فإنه يلزم بالأقل من المسمى ومن مهر المثل، ولا يلزم بنفقة العدة والسكنى، ولكن الأفضل له أن يعطيها المسمى ولو كان أكثر، وأن يعطيها النفقة والسكنى، والأفضل لها أن لا تقبل إلا مهر المثل إن كان أقل من المسمى، ولا تقبل النفقة والسكنى، فإذا لم يفعلا وأرادا البقاء على الزوجية فإنه يصح مع مخالفة الأحوط.
    الوجه الثالث: أن يصدقها الزوج وتكذبها المرأة، وفي هذه الحالة يفسد العقد ويبقى المهر على الزوج بحاله، سواء كان ذلك قبل الدخول، أو بعده، لأن الفرقة تكون من قبله.
    الوجه الرابع: العكس، بأن تصدقها الزوجة ويكذبها الزوج، وفي هذه الحالة لا يفسد النكاح ولكن للزوجة الحق في تحليفه اليمين فإن نكل فرق القاضي بينهما.
    هذا إذا كانت المخبرة الواحدة عدلة، فإن كانت غير عدلة فإن اخبارها لا قيمة له، ومثل شهادة
    العدلة الواحدة شهادة رجل وامرأة واحدة، أو شهادة رجل وامرأتين غير عدل، فإنها تكون على التفصيل المتقدم. فإن صدق الزوجان شهادتهم، أو صدقها الزوج فقط فسد النكاح. وإلا أورث شكاً يجعل الحيطة في المفارقة.
    هذا ما يتعلق بالشهود. أما الإقرار فلا يخلو إما أن يقع من الزوج وحده أو من الزوجة وحدها. أو منهما معاً، فإن وقع من الزوج وحده فإنه يعمل به ما لم يرجع عنه، ويقبل رجوعه إذا لم يؤكد ومعنى تأكيده إياه أن يقول إن ما قلته من أنها أختي من الرضاع مثلاً حق، أو مؤكد، أو ثابت، أو يقول: إن ما أقررت به ثابت، أما إذا لم يقل هذه العبارة ثم رجع وقال إن ما أقررت به أو قلته خطأ فإنه يصح رجوعه وتبقى الزوجية بينهما، ولو كرر الإقرار فإن تكرار لا يؤكد، بل تأكيده يكون بالعبارة التي ذكرناها.
    وإن وقع الإقرار من الزوجة وحدها كأن قالت: إنني أخته من الرضاع، فإن إقرارها لا يعتبر سواء أقرت قبل العقد أو بعده، وسواء أصرت على الإقرار، أو رجعت عنه، وسواء أكدته أو لم تؤكده، وذلك لأن الحرمة لم يجعلها الشارع لها، فلا يعتبر إقرارها بالحرمة، ولو أصرت عليه على المعتمد.
    ومثل ذلك ما إذا أقرت وحدها بأن زوجها طلقها ثلاثاً، فإن إقرارها لا يعتبر لأن حرمتها بالطلاق ليست منوطة بها فإقرارها به لا يعتبر، فلها أن تعاشره إذا أنكر أما إذا وقع الإقرار منهما معاً فإن وقع من الزوج مؤكداً على الوجه السابق فإنه ينفذ ولو رجعا معاً عن الإقرار، وإلا فإن رجوعهما يصح، ومثله رجوع الزوج وحده، كما عرفت.
    المالكية - قالوا: يثبت الرضاع بالإقرار والبينة، فإذا أقر الزوجان بالرضاع، سواء كانا أخوين رضاعا، أو كانت المرضعة أمه أو عمته، أو خالته، أو نحو ذلك مما تقدم، فإن النكاح يفسخ بينهما، سواء كان ذلك الإقرار قبل الدخول أو بعده.
    وإذ أقرت الزوجة بالرضاع وأنكر الزوج فإن إقرارها لا يعتبر لأنها متهمة في ذلك الإقرار منه، فإن أقرت بذلك قبل الدخول فطلقها الزوج قبل أن يدخل فلا مهر لها، لأنها أقرت بفساد العقد فلا تستحق المهر، ومثل ذلك ما إذا أقرت بالرضاع ثم ماتت فإنها لا تستحق المهر أيضاً فإن موتها في هذه الحالة لا يؤكد صداقها لسبب إقرارها بفساد العقد قبل الموت.
    أما إذا أقر الزوج وحده فأنكرت هي فإنه يؤخذ بإقراره لأنه لا يتهم الرضاع حيلة للخلاص منها لأن طلاقها بيده وإنما يتهم في أنه ادعى ذلك ليفر من الصداق قل الدخول، ولهذا لا يسقط عنه المهر إذا ادعى الرضاع، بل يفسخ النكاح ولها نصف الصداق.
    وإذا جاء أحد الزوجين ببينه شهدت على إقرار أحدهما بالرضاع قبل العقد ولم يعلم بذلك إلا بعد العقد. فإن البينة تسمع ويعمل بها، حتى ولو شهدت بينة حسبة لو أقامها أجنبي فإنه تسمع، لا فرق في ذلك بين أن تكون البينة قد شهدت على إقرار الزوجة قبل العقد أو على إقرار الزوج أما الإقرار
    بعد العقد فإنك قد عرفت أنه لا يعتبر إلا من الزوج فلا يعتبر إقرار الزوجة لا تهامها بعد العقد أما قبل العقد فإنه لا يتصور اتهامها بالا قرار للخلاص من زوجها فإنها لم ترتبط به وقت الإقرار.
    ثم إن فسخ العقد بإقرارها معاً بعد الدخول كان للزوجة الصداق المسمى أو مهر المثل عند عدم تسمية المهر، أو تسمية المهر الفاسد، إلا إذا كانت المرأة عالمة بالرضاع قبل العقد وأنكر الزوج العلم به عند العقد بل قال علمت بعده، فإنها في الحالة لا تستحق بالدخول إلا أقل الصداق وهو ربع دينار - لئلا يخلو البضع عن الصداق بالوطء، أما إذا فسخ ببينة على إقرارهما قبل العقد بالرضاع، فإنه لا يتصور في هذه الحالة علم الزوجة بالرضاع دونه فتستحق المهر بالدخول كاملاً إن كان مسمى وإلا فمهر المثل، وكذا إن شهدت البينة على إقرار الزوج فإنه لا يتصور أن يكون جاهلاً به عند العقد في هذه الحالة، أما إذا قامت بينة على إقرارها قبل العقد دونه وأنكر العلم بذلك فعليه أقل المهر بالدخول.
    والحاصل أنه في حالة ما إذا كان يتصور عدم علم الزوج عند العقد وأنكر العلم لم يكن للزوجة بالدخول سوى ربع دينار، أما إذا كان لا يتصور عدم علمه أو لم ينكر العلم فإنه يكون لها كل المهر على الوجه المتقدم.
    ويلحق بإقرار الزوجين، أو أحدهما إقرار الأبوين عن الصغير الذي يزوج بدون إذنه أو البالغة البكر لأنها تزوج بدون إذنها، فإذا أقر والد الصغير أو والد البكر بأن بين ولده أو بنته وبين فلان رضاعا قبل العقد عليها فإن العقد يفسخ، ومن باب أولى إذا أقر الأبوان معاً قبل العقد، أما إقرار أحد الأبوين بعد العقد فإنه لا يقبل إلا إذا كانا عدلين أو فشا منهما خبر الرضاع بين الناس قبل العقد، والمراد بالأبوين: أب الزوج، وأمه. أو أب الزوج، وأب الزوجة، أو أب أحدهما، وأم الآخر. أما إقرار أميهما معاً فإنه لا ينفع إلا إذا فشا بين الناس ولو كان إقرارهما قبل العقد. كما سيأتي في إخبار المرأتين الأجنبيتين.
    وهل يصح الرجوع عن الإقرار في الرضاع، أولا؟ أما إقرار الزوجين فلا يصح لهما الرجوع فيه، وكذا إقرار الأب فإنه لا يصح له الرجوع بحيث لو قال: إنما قلت ذلك للاعتذار من الزوج، فإنه لا ينفع ولا تحل له بعد قبول إقراره إلا إذا قامت قرينة على صدقه، فإن بعضهم قد استظهر العمل بها، أما إقرار الأم فإنها إذا رجعت فيه وقالت إنها ادعت ذلك للاعتذار، فإنه ينظر هل نقل عنها ذلك قبل إرادة الزواج وفشا بين الناس أو لا؟ فإن كان قد فشا قبل ذلك فلا يصح رجوعها ولا اعتذارها، وإلا فإنه يصح رجوعها، ولكن يستحب التنزه عن الزواج بعد ذلك.
    هذا ما يتعلق بالإقرار، أما الشهادة في الرضاع فإنها تقبل من رجلين، أو من امرأتين، أو رجل وامرأة، فإما شهادة الرجلين فإنه يشترط فيها العدالة فقط، فإن كانا غير عدلين فإن شهادتهما لا تقبل إلا إذا فشا خبر الرضاع منهما قبل العقد بين الناس، وأما شهادة المرأتين فإنها تقبل بشرط أن يفشو خبر الرضاع منهما بين الناس قبل العقد، وإن لم تكونا عدلتين، فإن كانتا عدلتين ولم يفش فلا تقبل على
    المشهور، ومثل ذلك ما إذا شهد رجل مع امرأة واحدة فإن شهادتهما لا تكفي إلا إذا فشا خبر الرضاع قبل العقد، فإن فشا تقبل وإن لم يكونا عدلين، أما خبر المرأة الواحدة الأجنبية فإن الرضاع لا يثبت له ولو فشا ذلك منها قبل العقد.
    هذا، وإذا أخبر بالرضاع شاهد لا يجب الفراق بشهادته، كما إذا أخبرت امرأة أجنبية أو رجل واحد ولو كان عدلاً، أو أخبر رجلان غير عدلين الخ، فإنه يندب للزوج أن يطلق زوجته إن كان قد عقد عليها، وألا يقدم على زواجها إن لم يكن قد عقد احتياطاً.
    الشافعية - قالوا: يثبت الرضاع بالإقرار وبشهادة الشهود، فأما الإقرار فلا يخلو إما أن يكون صادراً من الزوجين. أو يكون صادراً من الزوج. أو من المرأة فقط، فإن كان صادراً من الزوجين فرق بينهما ثم إن حصلت الفرقة بعد أن وطئها برضاها فلا شيء لها. كما لو حصلت قبل الوطء، أما إذا وطئها مكرهة أو جاهلة، فإن لها مهر المثل.
    وإن أقر الزوج وأنكرت الزوجة فإنه يعامل بإقراره فيفسخ نكاحهما، وللزوج تحليفها بأنها لم تعلم برضاعهما، فإن حلفت وكان الفسخ بعد الوطء فلها مهرها المسمى إن كان لها مهر مسمى تسمية صحيحة. وإلا كان لها مهر المثل، وإن كان الفسخ قبل الوطء كان لها نصف المسمى. أو نصف مهر المثل عند عدم التسمية، وإن نكلت عن الحلف حلف الزوج على إثبات نفس الدعوى، فيحلف بأنها أخته من الرضاع، أو بنته، أو عمته، أو ربيبته، أو غير ذلك، فإن حلف كان لها مهر المثل فقط بعد الوطء ولا شيء لها قبله.
    ومن هذا يتضح أن الزوج لا يحلف في حالة إقراره لإثبات دعواه في ذاتها، لأنك قد عرفت أن إقراره يوجب فسخ العقد بينهما بدون حاجة إلى يمين، وإنما يحلف لاثباتها من حيث يترتب على ذلك من مهر المثل، أو المهر المسمى بعد الوطء ونصفه أو عدمه قبله، فإن حلفت هي كان لها المسمى بعد الوطء ونصفه قبله، وإن نكلت وحلف هو كان لها مهر المثل بعد الوطء ولا شيء لها قبله، أما الفسخ فلا بد منه، سواء حلفا أو نكلا، ويتضح أيضاً أن المدعي يحلف على إثبات نفس الدعوى بخلاف المنكر فإنه يحلف على نفي العلم بها.
    وإذا أقرت الزوجة بالرضاع فأنكره الزوج فإن في ذلك أربع صور:
    الصورة الأولى: أن تكون قد تزوجته برضاها، بأن تقول لوليها: زوجني من فلان بعينه، وحكم هذه الصورة أن الزوج يحلف على نفي العلم بالرضاع، لأنه منكر وهي مدعية، ويستمر النكاح بينهما، وذلك لأنه رضاها به يناقض دعوى الرضاع الصادرة منها، فيحلف هو لا هي.
    الصورة الثانية: أن تمكنه من نفسها وإن لم تعينه لوليها، وحكم هذه الصورة كالتي قبلها، فإن لم يحلف الزوج فسخ العقد، وكان لها مهر المثل بعد الوطء بغير رضاها، ولا شيء لها قبل الوطء أو الوطء برضاها، كما تقدم.
    الصورة الثالثة: أن يزوجها وليها المجبر بدون إذنها ولم تمكنه من نفسها، وفي هذه الصورة
    تحلف هي بأنهما رضعا معاً، لأنها مدعية فتحلف بإثبات نفس الدعوى، وتصدق بفسخ العقد، وحكم مهرها هو المتقدم في الصورة التي قبلها.
    الصورة الرابعة: أن تأذن وليها بدون أن تعين له أحداً ولم تمكنه من نفسها، وحكم هذه الصورة كحكم الصورة الثالثة.
    وحاصل ذلك أنها إذا أذنت وليها بأن يزوجها شخصاً بعينه ومكنته من نفسها وحلف الزوج استمر النكاح، وإن لم تأذنه أو أذنته ولم تعين، ولم تمكنه من نفسها في الحالتين حلفت هي وإذا فسخ عقدها كان لها المهر بالتفصيل المتقدم، ثم إذا فسخ عقدها وهو يعلم أنها كاذبة كان من الاحتياط أن يطلقها ورعاً، لأنها كانت تحل لغيره بفسخ العقد، ولكن الورع يقتضي التيقن، ومثل ذلك ما إذا بقيت معه بعد حلفه فإن الورع يقضي عليه بطلاقها احتياطاً.
    ويشترط في قبول إقرار الزوجين بالرضاع أن يكون ممكناً، فلو قال لزوجته: أنت بنتي من الرضاع وكانت أكبر منه سناً فإن إقراره يكون كاذباً لا قيمة له.
    هذا ما يتعلق بالإقرار، وأما الشهادة فإن الرضاع يثبت بشهادة الرجال والنساء، فيثبت بشهادة رجلين. وبرجل وامرأتين. وبأربع نسوة، وإن لم يوجد بينهن رجل، أما الإقرار بالرضاع فإنه لا يثبت إلا بشهادة رجلين، فإذا أقر أحد الزوجين بالرضاع بحضرة رجلين وشهدا على إقراره فإن شهادتهما تقبل، أما شهادة النساء على الإقرار فإنها لا تقبل، والفرق بين الحالتين أن الرضاع لا تطلع عليه إلا النساء غالباً بخلاف الإقرار، وتقبل شهادة المرضعة بشرط أن تطلب أجرة على رضاعتها لأنها غير متهمة. ولا تصح الشهادة على الرضاع إلا بشروط:
    أحدها: أن يذكر الشاهد وقت الرضاع بأن يقول: رضع في وقت كذا، فإن لم يذكره بطلت الشهادة لجواز أن تكون الرضاعة قد حصلت بعد الحولين. أو أرضعته وهي دون تسع سنين.
    ثانيها: أن يذكر عدد الرضعات.
    ثالثها: أن يذكر تفرقهما.
    رابعها: أن يذكر وصول اللبن إلى جوف الرضيع، بأن يرى اللبن وهو نازل من ثديها، أو يرى الصبي وهو يبلع أو يمتص ونحو ذلك، ويشترط قبل أداء الشهادة أن يعلم أنها ذات لبن، وإلا فلا يحل له أن يشهد، أما الشهادة على الإقرار فإنه لا يشترط لها ذلك.
    الحنابلة - قالوا: يثبت الرضاع بالإقرار وبشهادة الشهود، فأما الإقرار
    فلا يخلو إما أن يكون من الزوجين. أو من أحدهما، فإن كان من الزوجين بأن ادعاه أحدهما وصدقه الآخر، فإن كان ذلك قبل الدخول فلا مهر لها، لأنهما قد اتفقا على أن النكاح باطل من أصله.
    أما إذا أقر به الزوج وأنكرته المرأة فإنه يعامل بإقراره ويفسخ النكاح بينهما، ثم إن كان قبل الدخول كان لها نصف الصداق كاملاً، لأنه حقها، فلا يسقط بإقراره، وإن كان بعد الدخول ولم تصدقه
    فلها كل مهرها، وكذا إذا صدقته ولم تمكنه من نفسها، أما إذا صدقته ثم مكنته من نفسها باختيارها فلا مهر لها بعد الدخول لأنها أسقطت حقها بتمكينه من نفسها بعد تصديقه بالرضاع.
    وإذا أقرت به الزوجة وأنكره الزوج، كما إذا قالت له: أنت أخي من الرضاع فأكذبها، فإن العقد لا يفسخ بقولها، لأن فسخ النكاح من حق الرجل، كما يقول الحنفية، فلا يقبل قولها عليه، ولكن بينهما وبين الله باطناً تكون محرمة عليه إن كانت صادقة، وإلا فهي زوجته في الباطن أيضاً، فمن قالت له امرأته ذلك فينبغي له أن يتحرى عن حقيقة ما قالت.
    هذا، ولا يقبل الرجوع عن الإقرار بالرضاع، فلو قال أحدهما: إنني قلت ذلك خطأ لا يسمع قوله، ويشترط أن تكون دعوى الرضاع ممكنة، فلو قال لامرأة: أنت بنتي من الرضاع وهي أسن منه لا يسمع قوله.
    أما الشهادة فإن الرضاع يثبت بشهادة رجل وامرأة، لما روي عن ابن عمر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجوز في الرضاع من الشهود؟ فقال: " رجل وامرأة"، رواه أحمد، بل وتقبل شهادة المرأة الواحدة إذا كانت مرضية - عدلة - ولا يكلف الشاهد يميناً ولا المشهود له، لأن هذه شهادة على عورة، فيكفي فيها شهادة النساء منفردات عن الرجال، كالولادة) .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #198
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 248 الى صــــــــ
    262
    الحلقة (198)



    كتاب الطلاق
    تعريفه
    -معناه في اللغة حل القيد، سواء كان حسياً، كقيد الفرس، وقيد الأسير. أو معنوياً، كقيد النكاح، وهو الارتباط الحاصل بين الزوجين، فيقال لغة: طلق الناقة، بتخفيف اللام، طلاقاً إذا حل قيدها وسرحها مثل أطلقها طلاقاً، وكذا يقال: طلقت المرأة بتخفيف اللام، مضمومة ومفتوحة، إذا بانت، فالطلاق مصدر طلق - بفتح اللام. وضمها مخففة - كالفساد، أما التطليق فهو مصدر طلق المشدد، كسلم تسليماً، وكلم تكليماً، وهو يستعمل كالطلاق في حل القيد، سواء كان حسياً، أو معنوياً، ثم إن الطلاق مع كونه مصدر طلق بالتخفيف، فإنه يستعمل اسم مصدر لطلق بالتشديد، فيقال: طلق الرجل امرأته، بالتشديد، طلاقاً فالطلاق اسم المصدر، وهو التطليق.
    وإذا علمت ذلك فإنه يتضح لك أن اللغة تستعمل لفظ الطلاق أو التطليق في حل عقدة النكاح كما تستعمله في حل القيد الحسي. فالطلاق كانوا يستعملونه في الجاهلية في الفرقة بين الزوجين. فلما جاء الشرع أقر استعماله في هذا المعنى بخصوصه. مع تفاوت يسير في بعض عبارات الفقهاء. لما يترتب على ذلك من تفاوت في بعض الأحكام. ولهذا عرف في الاصطلاح بأنه إزالة النكاح. أو نقصان حله بلفظ مخصوص. ومعنى إزالة النكاح رفع العقد بحيث لا تحل له الزوجة بعد ذلك. وهذا فيما لو طلقها ثلاثاً. وقوله: أو نقصان حله معناه نقص عن الطلاق الذي يترتب عليه نقص حل الزوجة. وهذا كما إذا طلقها طلقة رجعية فإنها تنقص حلها. فبعد أن كانت تحل له مطلقاً. ويملك ثلاث طلقات. أصبحت لا تحل له بعد طلقتين، ولا يملك إلا طلقتين، وهو معنى قول بعضهم في تعريف الطلاق: إنه رفع قيد النكاح أو بعضه، لأن غرضه رفع بعض القيد بطلقة رجعية، فإن القيد يرتفع كله بثلاث طلقات، فيرتفع بعضه بواحدة.
    والحاصل أن الطلاق الرجعي لا يرفع عقدة النكاح (1) . وإنما ينقص عدت الطلقات الذي يترتب عليه نقصان الحل على الوجه الذي عرفته، فلذا يحل للمطلق رجعياً أن يطأ زوجته المطلقة ما دامت في العدة، ويعتبر وطؤه رجعة، فلا يشترط أن يراجعها بلفظ خاص قبل أن يطأها، كما سيأتي في مباحث الرجعة، كما لا يشترط أن ينوي (2) رجعتها بالوطء، فكان من الضروري زيارة قيد في تعريف الطلاق يدخل به الطلاق الرجعي.

    أركان الطلاق
    -للطلاق أركان أربعة (3) : أحدها الزوج، فلا يقع طلاق الأجنبي الذي لا يملك عقدة النكاح لأنك قد عرفت أن الطلاق رفع عقدة النكاح، فلا تتحقق ماهية الطلاق إلا بعد تحقق العقد، فلو علق الطلاق على زواج الاجنبية، كما لو قال: زينب طالق إن تزوجتها، ثم تزوجها، فإن طلاقه لا يقع (4) لقوله صلى الله وعليه وسلم: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق فيما لا يملك ولا طلاق فيما لا يملك" رواه أحمد. وأبو داود والترمذي وحسنه.
    ثانيها: الزوجة، فلا يقع الطلاق على الأجنبية، كما عرفت. ومثلها الموطوءة بملك اليمين، فلو طلق جاريته لا يقع طلاقه لأنها ليست زوجة، ولو قال: هند بنت فلان طالقة قبل أن يتزوجها ثم تزوجها فإن طلاقه الأول يكون ملغى، ويكون مالكاً للطلقات الثلاث، ويلحق بالأجنبية امرأته التي طلقها طلاقاً بائناً ولم يجدد عليها عقداً، فإنه إذا طلقها ثانياً فإن طلاقه لا يعتبر لأنها ليست زوجة له، أما امرأته التي طلقها رجعياً فإنه طلقها وهي في العدة طلاقاً ثانياً فإنه يلحق بالأول، لأن الطلاق الرجعي لم يخرجها عن كونها زوجة له.
    ثالثها: صيغة الطلاق، وهي اللفظ الدال على حل عقدة النكاح صريحاً كان، أو كناية.
    رابعها: القصد، بأن يقصد النطق بلفظ الطلاق، فإذا أراد أن ينادي امرأته باسمها طاهرة، فقال لها: يا طالقة خطأ لم يعتبر طلاق ديانة، كما ستعرفه في الشروط.

    شروط الطلاق
    -طلاق المكره - طلاق السكران - الطلاق بالإشارة، والكتابة - طلاق الهازل، والمخطئ - طلاق الغضبان. يشترط للطلاق شروط: بعضها يتعلق بالزوج المطلق، وبعضها يتعلق بالزوجة، وبعضها يتعلق بالصيغة، فيشترط في المطلق أمور:
    أحدها: أن يكون عاقلاً، فلا يصح طلاق المجنون، ولو كان جنونه متقطعاً يأتيه مرة، ويزول عنه مرة أخرى، فإذا طلق حال جنونه لا يعتبر ولا يحسب عليه بعد الإفاقة.
    والمراد بالجنون من زال عقله بمرض، فيدخل المغنى عليه. والمحموم الذي غيبت عقله الحمى فصار يهذي. ومن زال عقله بسبب صداع شديد أو مرض مخي. أما الذي لم يزل عقله ولكنه يغطي ويستتر بسبب تناول مسكر من خمر. وحشيش. وأفيون. وكوكايين. ونحو ذلك من المخدرات التي تغطي العقل، فإن تناولها الشخص وهو عالم بأنها تزيل العقل ليسكر ويطرب، فذهب عقله وطلق امرأته فإن طلاقه يقع عليه، وإن تناولها وهو يعتقد أنها لا تسكر. أو تناولها لتوقف إزالة مرضه عليها، فغاب عقله وطلق فإن طلاقه لا يقع.
    وحاصل ذلك أن كل ما يأثم الإنسان بتناوله من المسكرات، فإنه إذا غاب به وطلق زوجته وهو لا يدري فإن طلاقه يقع عليه زجراً ولأمثاله الذين ينتهكون حرمات الدين، أما الذي لا يأثم بتناوله فإنه لا يحسب عليه لأنه معذور.
    ولا فرق في وقوع طلاق السكران المعتدي بسكره بين أن يصل إلى حد يشبه فيه المجنون (5) ، فلا يفرق بين السماء والأرض، ولا بين الرجل والمرأة أو لا، فطلاقه يقع سواء كان في أول سكره، أو في نهايته القصوى، ثانيها: أن يكون بالغاً، فلا يقع طلاق الصغير الذي لم يبلغ، ولم مراهقاً مميزاً (6) ، ولا يحسب عليه طلاقه حال الصغر مطلقاً ولو كبر. ثالثها: أن يكون مختاراً فلا يصح طلاق المكره على تفصيل في المذاهب (7) .
    ويشترط في الزوجة أمور:
    الأول: أن تكون باقية في عصمته، فإذا بانت منه وطلقها وهي في العدة فلا يقع طلاقه لأنها وإن كانت زوجته باعتبار كونها في العدة، ولكن لما طلقها طلاقاً بائناً لم يكن له عليها ولاية.
    الثاني: أن لا تكون موطوءة بملك اليمين، فإذا طلق أمته فلا يقع عليه، كما تقدم.
    الثالث: أن تكون زوجته بالعقد الصحيح، فإذا عقد على معتدة. أو عقد على أخت امرأته. أو نحو ذلك من العقود الباطلة التي تقدمت فإنه لا يقع عليه طلاقها لأنها ليست زوجة له.
    ويشترط في الصيغة أمران أحدهما: أن تكون لفظاً يدل على الطلاق صريحاً، أو كناية، فلا يقع الطلاق بالأفعال، كما إذا غضب على زوجته فأرسلها إلى دار أبيها، وأرسل لها متاعها ومؤخر صداقها بدون أن يتلفظ بالطلاق، فإن ذلك لا يعتبر طلاقاً، وكذا لا يقع بالنية. بدون لفظ، فلو نوى الطلاق. أو حدث به نفسه (8) فإنه لا يقع.
    وهل الإشارة والكناية من الأخرس أو من غيره يقومان مقام اللفظ، أو لا؟ في الجواب عن ذلك تفصيل المذاهب (9) .
    ثانيهما أن يكون اللفظ مقصوداً، فإذا أراد أن يقول لامرأته: أنت طاهرة، فسبق لسانه وقال لها: أنت طالق فإن طلاقه لا يقع بينه وبين الله تعالى، أما في القضاء فإنه يعتبر لأنه لا اطلاع للقاضي على ما في نفسه، ويقال لمن وقع منه ذلك: مخطئ.
    __________
    (1) (الشافعية - قالوا: الطلقة الرجعية ترفع قيد النكاح. كالطلاق البائن. فلا يحل للمطلق أن يطأها أو يتمتع بها قبل أن يراجعها بلفظ يشعر بالرجعة صريحاً كان، أو كناية.

    فالصريح كقوله: رددتك إلي، ورجعتك، وارتجعتك، ونحو ذلك، والكناية كقوله: تزوجك وأنكحتك، ونحو ذلك، لأن ذلك صريح في العقد، فيكون كناية في الرجعة، ويسن أن تكون الرجعة أمام الشهود، فإذا تمتع بها قبل الرجعة وهو عالم بأن هذا حرام استحق التعزير، إلا إذا كان كتابياً وكان في دينه أن الرجعة تجوز بالوطء والاستمتاع فإنه يقر على ذلك.
    ولهذا عرف الشافعية الطلاق بأن حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه، ثم إن كان المراد بالنكاح العقد كانت الإضافة بيانية، والمعنى حل عقد هو النكاح، أو بعبارة أخرى رفع النكاح، وإن كان المراد بالنكاح الوطء كانت الإضافة حقيقية، ومعناه رفع العقد المبيح للوطء) .
    (2) (المالكية - قالوا: إذا وطئها من غير أن ينوي الرجعة فإنه لا يكون رجعة، فالوطء لا يكون رجعة إلا إذا كان بنية، أما الوطء بنية الرجعة فإنه يكون رجعة، وعلى هذا لا يكون الطلاق الرجعي رافعاً للعقد، لأنه لو كان رفعاً للعقد لما حل للزوج وطؤها.
    ولهذا عرف المالكية الطلاق بأنه صفة حكمية ترفع حلية تمتع الزوج بزوجته بحيث لو تكررت منه مرتين حرمت عليه قبل التزوج بغيره، وهذا التعريف لا يتنافى مع تعريف الحنفية والحنابلة المذكور في أعلى الصحيفة، فلا خلاف بين المالكية وبينهم إلا في أن الرجعة بالوطء لا تتحقق إلا بالنية عند المالكية دون الحنفية والحنابلة. أما الطلاق الرجعي فلا يرفع عقد النكاح بلا خلاف، والمراد بالصفة في قول المالكية صفة حكمية الخ الحدث القائم بالشخص، وهو مدلول التطليق، لأنه قائم بالفاعل ووصف له ومعنى حكمية غير وجودية. بل صفة اعتبارية. لأن الحدث أمر اعتباري والتطليق هو حل قيد النكاح وهو أمر معنوي محتاج إلى لفظ يدل عليه. فلهذا زاد الحنفية والحنابلة بلفظ مخصوص. ولا ريب أن هذا لا يخالف فيه المالكية. أما قول المالكية. بحيث لو تكررت منه مرتين حرمت عليه الخ. فمعناه أن حلها له لا يرتفع إلا بتطليقها ثلاثاً. وذلك لأن التكرار يستلزم سبق واحدة، وقد صرح بمرتين، وهذا القيد هو كقيد الحنفية والحنابلة - أو نقصان حله - لأن الغرض من القيدين إدخال الطلاق الرجعي فإنه لا يرفع حل النكاح) .
    (3) (الحنفية، والحنابلة - قالوا: إن ركن الطلاق أمر واحد، وهو الوصف القائم بالمطلق أعني
    التطليق، كما تقدم في التعريف. ولما كان التطليق لا يمكن تحققه إلا بالعبارة الدالة عليه قالوا: إن ركن الطلاق هو الصيغة الدالة على ماهيته، سواء كانت لفظاً صريحاً، أو كناية، أما عدا الأمور الأربعة المذكور أركاناً للطلاق فغير ظاهر. لأن الزوج والزوجة جسمان محسوساً، والطلاق وصف اعتباري، فلا معنى لعدهما أجزاء لماهيته، وأما الصيغة فهي صفة أيضاً للمتكلم بها، ويمكن عدها ركناً للضرورة، لأنها دالة على ماهية الطلاق، وماهية الطلاق - وهي الحدث القائم بالمطلق - وصف حكمي لا يتحقق إلا بلفظ يدل عليه، فلذا قالوا: إن ركن الطلاق هو اللفظ الدال عليه تسامحاً، وأما القصد فهو أمر عارض للشخص أيضاً، ولكنه خارج عن ماهية الطلاق، فثبت أن هذه الأربعة كلها خارجة عن ماهية الطلاق، فلا يصح أن تكون من أركانه، لأن ركن الشيء ما كان داخلاً في ماهيته.
    وأجيب بأن المراد بالركن ما تتوقف عليه الماهية لا ما كان داخلاً فيها توسعاً ثم أصبح ذلك حقيقة عرفية عند بعضهم، ألا ترى أنهم عدوا الصيغة ركناً للطلاق مع أنها ليست هي الماهية) .
    (4) (المالكية، الحنفية - قالوا: إذا علق طلاق امرأة على زوجها فإن طلاقه يعتبر، ويقع عليه إذا تزوجها، فلو قال: إن تزوجت فاطمة بنت محمد تكون طالقة يقع عليه الطلاق بمجرد العقد، ومثل ذلك ما إذا قال: كلما تزوجت امرأة فهي طالق، وقالوا: إنه لا حجة في الحدث المذكور على نفي هذا، لأن الطلاق معلق على ملك بضع المرأة. فإذا وجد الملك وقع الطلاق، فلم يقع الطلاق في صورة التعليق قبل الملك. ومثل ذلك حديث: "لا طلاق إلا بعد النكاح" رواه الترمذي وصححه. فإن معناه أن الطلاق لا يقع إلا بعد وجود العقد. وهم يقولون ذلك، لأن الطلاق المعلق عندهم لا يقع إلا بعد العقد، وقد يقال: إن المالكية، والحنفية قرروا أن طلاق الأجنبية في غير صورة التعليق ملغى لا قيمة له، إذ لا ولاية للزوج عليه، وهذا يقتضي أن عبارة الزوج قبل العقد ملغاة لا معنى لها بدون فرق بين التعليق وغيره، فقوله: إن تزوجتك فأنت طالقة عبارة فاسدة لا قيمة لها، كقوله: أنت طالق) .
    (5) (الحنفية - قالوا: حد السكر عند الإمام هو سرور يزيل العقل، فلا يفرق صاحبه بين السماء والأرض، ومعنى هذا أن السكران الذي يصل إلى حد يشبه المجنون يقع طلاقه، ومن باب أولى ما إذا لم يصل إلى هذا الحد، أما الصاحبان فإنهما يقولان: إن حد السكر سرور يغلب على العقل فيجعل صاحبه يهذي في كلامه بحيث يكون غالب كلامه هذياناً، فلو كان نصف كلامه هذياناً ونصفه مستقيماً
    فإنه لا يكون سكران، بل يعامل معاملة الصاحي في كل أحواله، على أن من زاد على هذا الحد بأن اختلط عقله فأصبح لا يفرق بين السماء والأرض، ولا بين الرجل والمرأة، فإن طلاقه يقع أيضاً.
    وعلى هذا لا يكون للخلاف في حد السكران فائدة بالنسبة لوقوع الطلاق، لأنه واقع في الحالتين على رأي أبي حنيفة، ورأي صاحبيه.
    أما الأول: فلأنه يعتبر الهاذي في كلامه فقط كالصاحي الذي يقع طلاقه، بلا نزاع.
    وأما الثاني: فلأن الصاحبين يقولان بوقوع طلاقه إذا وصل للحد الأعلى زجراً له.
    نعم، تظهر فائدته بالنسبة لإقامة الحد على السكران، فأبو حنيفة يقول: إن السكران لا يحد إلا إذا وصل إلى حالة لا يفرق معها بين السماء والأرض، وبين الرجل والمرأة، وهو الحد الأعلى للسكران، فإذا نقص عنه كان النقص شبهة تدرأ عنه الحد، والصاحبان يقولان: متى هذى في كلامه استحق الحد، على أن بعض المحققين من الحنفية قال: إن الإمام متفق معهما على أن حد السكر الموجب لإيقاع الطلاق هو الهذيان، فلا خلاف بينهما في ذلك، بل الخلاف مقصور على حد الشرب، فلا يحد إلا إذا وصل إلى هذه الحالة عنده دونهما ولكن التحقيق أن السكر بالمعنى الثاني هو المعتبر في كل الأبواب، سواء كان في باب الإيمان، أو الطهارة أو الحد، وهو المفتى به. والدليل على ذلك قول الإمام علي كرّم الله وجهه: من سكر هذى، ومن هذى فقد افترى، ومن افترى استحق جلد ثمانين، فاعتبر الإمام الهذيان سكراً يوجب الحد، ويعتبر الهذيان كالافتراء، أو القذف الذي يوجب الحد بالجلد ثمانين. ثم السكر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
    القسم الأول: أن يكون ناشئاً من تناول شيء مباح ليس فيه ما يسكر عادة كاللبن الرائب، وعصير القصب، والفواكه قبل تخمرها، فإن تناول من ذلك شيئاً كثيراً، أثر على مزاجه فأسكره، أو تناوله بعد أن تخمر، وهو لا يدري، فسكر وطلق فإن طلاقه لا يقع اتفاقاً.
    القسم الثاني: أن يكون السكر ناشئاً من تناول شيء يسكر كثيره لا قليله، وهي الأشربة المتخذة من الحبوب، والعسل، والفواكه. وهذه فيها خلاف، فالإمام وأبو يوسف يقولان: إن من تناول منها وسكر وطلق لا يقع طلاقه، ومحمد يقول: إنه يقع، وقد تقدم في الجزء الثاني في باب ما يحل شربه أن قول محمد هو الصحيح المفتى به، فكما أن شربها لا يحل، وكذلك إذا شربها وسكر وطلق وقع عليه طلاقه.
    والقسم الثالث: أن يسكر من الخمر المتفق على تحريم تناوله وهو المتخذ من العنب، والزبيب والتمر، الخ ما تقدم في الجزء الثاني، فمن شرب من ذلك وطلق، فإن طلاقه يقع باتفاق.
    ويلحق بالخمر الحشيش، والأفيون فمن أخذ منهما شيئاً بقصد اللهو والسرور فغاب عقله وطلق وقع عليه الطلاق، أما إذا أخذ شيئاً بقصد التداوي فسكر فطلق فإن طلاقه لا يقع. ومثل ذلك البنج
    ونحوه من المخدرات كالمورفين والكوكايين - فإن أشار بها الطبيب للتداوي فإنها تكون في حكم تناول المباح، وإلا كانت محرمة تحريماً باتاً.
    وإذا شرب خمراً، أو حشيشاً، أو نبيذاً فأصابه صداع فإنه ينظر إن كان الخمر الذي تناوله شديداً يسكر ويستر العقل ويجعل صاحبه يهذي فإن طلاقه يقع، لأن القدر الذي أخذه كاف وحده في ذهاب العقل، أما إذا كان يسيراً لا يغيب العقل به، فإنه لا يقع الطلاق لأن الطلاق لم يستند إلى ذهاب العقل بالخمر بل إلى ذهابه بالصداع، والصداع مرض طبيعي لا يترتب على غياب العقل به وقوع الطلاق، وإن كان سببه محرماً، ألا ترى أنه إذا شرب حشيشاً وجن جنوناً تاماً فإن طلاقه لا يقع.
    المالكية - قالوا: السكر الذي يترتب عليه وقوع الطلاق هو أن يختلط الرجل فيهذي في قوله. كما هو في الصحيح عند الحنفية، فمن سكر ووصل إلى هذا الحد وقع طلاقه، أما السكر الذي لا يفرق به صاحبه بين السماء والأرض ولا يعرف الرجل من المرأة بحيث يكون كالمجنون، فإنه لا يترتب عليه وقوع الطلاق اتفاقاً.
    ويشترط في وقوع طلاق السكران أن يتناول شيئاً عالماً بأنه يغيب العقل أو شاكاً فيه، وفي هذه الحالة يكون تناوله حراماً، بلا فرق بين أن يكون خمراً. أو لبناً رائباً. أو غير ذلك أما إذا تحقق أنه غير مسكر أو غلب على ظنه أنه كذلك وشربه فسكر وطلق فإنه طلاقه لا يقع) .
    (6) (الحنابلة - قالوا: يقع طلاق المميز الذي يعرف ما الطلاق وما يترتب عليه من تحريم زوجته، ولو كان دون عشر سنين، ويصح أن يوكل غيره بأن يطلق عنه كما يصح للغير أن يوكله في الطلاق) .
    (7) (الحنفية - قالوا: طلاق المكره يقع خلافاً للأئمة الثلاثة، فلو أكره شخص آخر على تطليق زوجته بالضرب، أو السجن، أو أخذ المال وقع طلاقه، ثم إن كانت الزوجة مدخولاً بها فلا شيء للزوج، وإلا فإنه يرجع على من أكرهه بنصف المهر، ويشترط أن يكون الإكراه على التلفظ بالطلاق فإذا أكرهه على كتابة الطلاق فكتبه فإنه لا يقه به الطلاق وكذلك إذا أكرهه على الإقرار بالطلاق فأقر فإنه لا يقع، فلو أقر بدون إكراه كاذباً أو هازلاً فإنه لا يقع ديانة بينه وبين ربه، ولكنه يقع قضاء لأن القاضي له الظاهر ولا اطلاع له على ما في قلبه، وهذا بخلاف ما إذا طلقها هازلاً، فإذا كان يمزح مع شخص بطلاق زوجته فإنه يقع قضاء وديانة، والفرق بين الأمرين أنه في الأول أقر بالطلاق كاذباً أو هازلاً، وفي الثاني أنشأ الطلاق هازلاً نعم هو لا يقصد بإنشاء الطلاق ما يترتب على صيغة الطلاق من حل عقدة النكاح لا حقيقة ولا مجازاً، ولكنه قصد إنشاء الطلاق ليمزح به فعومل به.
    هذا، والحنفية يقولون: إن هناك أشياء أخرى تصخ مع الإكراه، منها الإيلاء فإذا أكره شخص
    آخر على أن يحلف بأن لا يطأ زوجته أربعة أشهر ففعل فإنه يصح، فإذا مضت أربعة أشهر ولم يقربها بانت منه. وإن لم يكن قد دخل بها رجع بنصف المهر على من أكرهه.
    ومنها الظهار، فإذا أكرهه على أن يظاهر من زوجته فإنه يقع وعليه الكفارة الآتي بيانها في باب الظهار.
    ومنها الرجعة، فإذا أكره الأب ابنه على رجعة زوجته المطلقة فإنه يصح.
    ومنها العفو عن القصاص، فلو وجب لشخص على آخر قصاص في نفس أو عضو دونها فأكره على العفو بالتهديد بالضرب أو الحبس فعفا فإن عفوه يصح ولا ضمان على الجاني، ولا على من أكرهه وهذا بخلاف ما إذا أكرهه على أن يبرئه من مال له عليه فأبرأه فإن البراءة تكون باطلة ويبقى له حقه، ومنها أن يكرهه على نذر أو يمين، فإنه يجب عليه أن يبر بها، وإن لم يفعل أثم، سواء كان المحلوف عليه طاعة أو معصية، ومنها أن تكرهه على الرجوع إلى زوجته في الإيلاء، فلو رجع إليها مكرهاً قبل أربعة أشهر صح رجوعه، ولم تبن منه عند انقضاء أربعة أشهر، ومنها الإكراه على الصلح عن دم القتل عمداً فلو كان لشخص دم عند آخر وهدده بالقتل أو الإيذاء إن لم يصطلح معه على مال كذا ففعل، فإنه يصح، ولا يبقى له حق قبل الجاني ومنها إكراه المرأة على أن تدفع مالاً في نظير أن يطلقها زوجها، فإذا قبلت أن تدفع مالاً مكرهة وطلقها وقع طلاقه، ولا شيء له عليها من المال فالذي يصح في هذه الحالة هو الطلاق، أما إذا أكره الرجل على أن يطلق امرأته في نظير مال يأخذه منها فطلقها فإن طلاقها يصح، ويجب عليها أن تدفع المال الذي حددته له، ومنها الإكراه على الإسلام فإنه يصح ويعتبر المكره مسلماً تجري عليه أحكام الإسلام، ومنها الإكراه على الصدقة فإنها تجب عليه كما يجب عليه النذر.
    فهذه الأمور تصح مع الإكراه، وقد عدوا أموراً أخرى يترتب عليها أحكام مع الإكراه عليها منها ما إذا أكره امرأة على أن ترضع طفلاً فإنه يترتب على هذا الرضاع حرمة المصاهرة كما لو أرضعته مختارة، ومنها أن يكرهه على الخلوة بامرأة أو إتيانها، فإنه يترتب على ذلك تقرر الصداق لها جميعه، ومنها أن
    يكرهه شخص على إتيان جارية فتحمل منه، فإن الولد يلحق به، وإن كان مكرهاً على وطئها، وسيأتي لذلك مزيد في مباحث الإكراه إن شاء الله.

    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #199
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 248 الى صــــــــ
    262
    الحلقة (199)





    المالكية - قالوا: لا يقع الطلاق على المكره، ثم إن الإكراه ينقسم إلى قسمين: إكراه على إيقاع الطلاق بالقول، وإكراه على فعل يلزمه الطلاق، ثم الفعل إما أن يكون متعلقاً بحق الغير. أو لا يكون، فأما الإكراه على إيقاع الطلاق فلا يلزمه به شيء لا قضاء ولا ديانة باتفاق. حتى ولو أكره أن يطلق طلقة واحدة فأوقع أكثر، فإنه لا يلزمه شيء لأن المكره لا يملك نفسه كالمجنون، بشرط أن لا ينوي حل عقدة الزواج باطناً، فإن نوى وقع عليه الطلاق، لأن النية لا يمكن الإكراه عليها، بل بعضهم يرى أنه يشترط أن يوري إن كان يعرف التورية كأن يقصد بالطلاق حل امرأته من القيد بالحبل، أو قيد الحديد، أو ينوي بطالق أنها تألمت بالطلق عند ولادتها، فإن ترك التورية وهو يعلمها، فإنه يقع عليه الطلاق، ولكن الصحيح أن التورية لا تشترط ولو كان عالماً بها، لأن المكره لا يلزم بمثل هذه القيود، وأما إن أكره على فعل يترتب عليه الطلاق ولكن لا يتعلق به حق الغير، كما إذا حلف بالطلاق ألا يدخل داراً فحمله شخص رغماً عنه وأدخله الدار، فإنه لا يلزمه الطلاق على المعتمد، ولكن بشروط خمسة:
    الشرط الأول: أن يكون صيغة بر لا صيغة حنث، وصيغة البر هي أن يحلف على أن لا يفعل وصيغة الحنث هي أن يحلف على أن يفعل، والأول كما مثلنا، والثاني كقوله: إن لم أدخل الدار فهي طالق، فإذا منعه أحد من دخول الدار رغم أنفه فإن يمينه يلزمه، وقد تقدم هذا في الأيمان جزء ثان.
    الشرط الثاني: أن لا يأمر الحالف غيره بأن يكرهه، فإذا أمر غيره أن يحمله ويدخله الدار لزمته اليمين.
    الشرط الثالث: أن يكون عند الحلف غير عالم بأنه سيكره على فعل المحلوف عليه، فإن كان عالماً فإنه يلزمه اليمين، لأن علمه بالإكراه يجعله على بصيرة في أمر اليمين. الشرط الرابع: أن لا يقول في يمينه لا أدخل الدار طوعاً ولا كرهاً، فإن قال ذلك لزمه اليمين. الشرط الخامس: أن لا يفعل بعد زوال الإكراه، فإذا حلف لا يدخل الدار وحمله شخص وأدخله رغم إرادته ثم خرج، ودخل بعد ذلك باختياره لزمه اليمين.
    هذا إذا لم تكن يمينه مقيدة بوقت، فلو حلف لا يدخل الدار في شهر كذا، فأكره على دخولها ثم انقضى الشهر ودخلها مختاراً فإنه لا يقع - راجع الجزء الثاني صحيفة 62 و 63 الطبعة الثالثة - فإن فيها ما يرضي القارئ، وأما إن أكره على فعل يتعلق به حق الغير، كما إذا حلف على زوجته بأن لا تخرج فألزمها القاضي بالخروج لتحلف يميناً لزمتها لحق الغير فإن يمينه يلزمه ويقع عليه على المعتمد، مثل ذلك ما إذا كان يملك نصف عبد، فحلف أن لا يبيعه ثم أعتق شريكه نصفه، فإن نصفه الثاني يجب أن يقوم ليكمل به عتق العبد، ويعطي الحالف قيمة نصفه، فإنه يرغم على بيعه في هذه الحالة، وأخذ قيمة النصف ويلزمه الطلاق على المعتمد.

    الشافعية - قالوا: طلاق المكره لا يقع بشروط: أحدها أن يهدده بالإيذاء شخص قادر على تنفيذ ما هدده به عاجلاً، كأن كانت عليه ولاية وسلطة، فإذا لم يكن كذلك وطلق على تهديده لزمه الطلاق، فلو قال له: إن لم تطلق أضربك غداً، فطلق لزمه اليمين، لأن الإيذاء لم يكن عاجلاً.
    ثانيها: أن يعجز المكره عن دفعه بهرب أو استغاثة بمن يقدر على دفع الإيذاء عنه.
    ثالثها: أن يظن المكره أنه إن امتنع عن طلاق يلحقه الإيذاء الذي هدد به. أن لا يكون الإكراه بحق، فإذا أكره على الطلاق بحق فإنه يقع، وذلك كما إذا كان متزوجاً باثنتين ولواحدة منهما حق قسم عنده وطلقها قبل أن تأخذ حقها ثم تزوج أختها وخاصمته في حقها فأكرهه الحاكم على تطليق أختها حتى يوفيها حقها فإن الطلاق يصح، لأنه بحق، ومثل ذلك ما إذا حلف لا يقرب زوجته أربعة أشهر وانقضت من غير أن يعود إليها وامتنع عن الوعد بالعودة فإنه يجبر على الطلاق. وهو إكراه بحق فيقع.
    خامساً: أن لا يظهر من المكره نوع اختيار، وذلك كما إذا أكره على أن يطلقها ثلاثاً. أو طلاقاً بائناً فطلقها واحدة. أو اثنتين. أو رجعية، فإن الطلاق يقع، لأن القرينة دلت على أنه مختار في الجملة، فالشرط أن يفعل ما أكره عليه فقط، خلافاً للمالكية.
    سادسها: أن لا ينوي الطلاق، إن نواه في قلبه وقع، أما التورية فإنها غير لازمة ولو كان يعرف التورية.
    هذا، ويحصل الإكراه بالتخويف بالمحذور في نظر المكره، كالتهديد بالضرب الشديد أو بالحبس أو إتلاف المال، وتختلف الشدة باختلاف طبقات الناس وأحوالهم، فالوجيه الذي يهدد بالتشهير به والاستهزاء به أمام الملأ يعتبر ذلك في حقه إكراهاً، والشتم في حق رجل ذي مروءة إكراه، ومثل ذلك التهديد بقتل الولد، أو الفجور به، أو الزنا بامرأته. إذ لا شك في أنه إيذاء يلحقه أشد من الضرب والشتم، ومثل ذلك التهديد بقتل أبيه، أو أحد عصبته، وإن علا أو سفل. أو إيذاؤه بجرح، وكذلك التهديد بقتل قريب من ذوي أرحامه. أو جرحه. أو فجور به، فإنه يعتبر إكراهاً.
    هذا، والإكراه الشرعي كغيره لا يلزم به الطلاق، فلو حلف ليطأن زوجته الليلة فوجدها حائضاً، فإنه لا يحنث، وكذا لو حلف ليقضين زيداً حقه في هذا الشهر فعجز، فإنه لا يحنث، كما ذكرناه مفصلاً في الجزء الثاني.

    الحنابلة - قالوا: طلاق المكره لا يقع بشروط: أحدها أن يكون بغير حق، فإذا أكرهه الحاكم على الطلاق بحق فإنه يقع، كما إذا طلق على من آلى من زوجته ولم يرجع إليها بعد أربعة أشهر، ونحو ذلك.
    ثانيها: أن يكون الإكراه بما يؤلم، كأن يهدده بما يضره ضرراً كثيراً من قتل، وقطع يد أو رجل. أو ضرب شديد. أو ضرب يسير لذي مروءة. أو حبس طويل، خلافاً للمالكية. أو أخذ مال كثير. أو إخراج من ديار. أو تعذيب لولده. بخلاف باقي أقاربه، فإن التهديد بإيذائهم ليس إكراهاً.
    ثالثها: أن يكون المهدد قادراً على فعل ما هدد به.
    رابعها: أن يغلب على ظن المكره أنه إن لم يطلق يقع الإيذاء الذي هدد به، وإلا فلا يكون مكرهاً.
    خامسها: أن يكون عاجزاً عن دفعه وعن الهرب منه، ومثل ذلك ما إذا أكرهه بالضرب فعلاً. أو الخنق. أو عصر الساق. أو غط في الماء ولو بدون تهديد ووعيد، فالطلاق لا يلزم في هذه الأحول) .
    (8) (المالكية - قالوا: في وقوع الطلاق بالكلام النفسي خلاف، فبعضهم قال: إنه يقع به الطلاق، وبعضهم قال: لا يقع، وهو المعتمد) .
    (9) (الحنفية - قالوا: الإشارة بالطلاق لا تقوم مقام اللفظ من السليم الذي يمكنه أن ينطق، فلا يقع الطلاق إلا باللفظ المسموع، بخلاف حديث النفس أو الهمس فإنه لا يعتبر أما الأخرس فلا يخلو إما أن يكون ولد وهو أخرس. أو يكون الخرس قد عرض له، فإن كان الأول وكانت له إشارة مفهومة يعرف بها طلاقه، ونكاحه، وبيعه وشراؤه فإنها تعتبر وإن لم تكن له إشارة مفهومة فلا يعتبر له طلاق. وإذا كان يعرف الكتابة فإن طلاقه بالإشارة لا يصح إذ في إمكانه أن يكتب ما يريد، فكتابة الأخرس كاللفظ من السليم على المعتمد، أما إن كان الخرس طارئاً عليه، فإن كان لا يرجى برؤه
    ومضى عليه زمن حتى صارت له أشار مفهومة فإنه يعمل بإشارته، وإلا فتقف تصرفاته حتى يبرأ، هذا إذا لم يعرف الكتابة، وإلا فيعمل بها بلا نزاع.
    أما الكتابة فإنها تقوم مقام اللفظ بشرطين: الشرط الأول أن تكون ثابتة بأن يكتب على ورقة، أو لوح، أو حائط بقلم ومداد كتابة يمكن قراءتها وفهمها، فإذا كتب أنت طالق بأصبعه على الماء، أو في الهواء، أو على فراش، أو على لوح بدون مداد فإنها لا تعتبر طلاقاً وكذا إذا كتب كتابة ثابتة بمداد على ورق ونحوه، ولكنها لا تفهم ولا تقرأ، فإنها لا تعتبر طلاقاً حتى ولو نوى بها الطلاق.
    الشرط الثاني: أن يكتب صيغة الطلاق في كتاب له عنوان كالمعتاد، كأن يقول: إلى فلانة، أما بعد فأنت طالق. فإذا كتب على هذا الوجه فإن طلاقه يقع بمجرد كتابته، سواء نوى الطلاق أو لم ينو، لأنه قام مقام اللفظ الصريح، فلا يحتاج إلى نية، وإذا كتب لها يقول: إلى فلانة، أما بعد فإذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق، فإنها تطلق بمجرد أن يصل إليها الكتاب، سواء قرأته، أو لم تقرأه. ويقال للكتاب المعنون الذي صدر على الوجه الذي بيناه، مرسوم. فإذا لم يكن الكتاب مرسوماً بل كتب في ورقة أنت طالق فإنه لا يقع به الطلاق إلا إذا نوى الطلاق، لأنه وإن كتب طلاقاً صريحاً، ولكن يحتمل أن يكون قد كتب ليتسلى بكتابته أو ليجود خطه، أو نحو ذلك، فلا بد فيه من نية.
    والحاصل أن الكتابة تقوم مقام اللفظ بدون نية إذا كانت ثابتة تقرأ وتفهم في كتاب له عنوان كالمعتاد، فإن لم تكن ثابتة أو كانت لا تقرأ ولا تفهم، فلا يقع بها شيء، ثم إن كانت ثابتة تقرأ وتفهم في كتاب معنون يقع بها الطلاق بدون نية، وإن كانت في كتاب غير معنون لا يقع بها الطلاق إلا بالنية. ومن هذا يتبين أن ما كتبه بعض الموثقين في وثائق الطلاق من قولهم: حضر فلان وطلق امرأته فلانة كذا ثم يوقع عليه الزوج قبل أن ينطق بصيغة الطلاق فإنه لا يقع عليه به طلاق إلا إذا نوى به الطلاق، لأنه ليس في كتاب معنون. وإذا كتب كتاباً معنوناً، وقال لها فيه: أنت طالق وادعى أنه يقصد بالكتابة تجويد الخط ولا ينوي الطلاق، فإنه لا يصدق قضاء، ولكن يصدق ديانة، وإذا أرسل لها الكتاب ووقع في يد أبيها ولم يعطه لها فإن كان أبوها متصرفاً في جميع أمورها فإنه يقع وإلا فلا. وإذا مزقه ودفعه إليها ممزقاً فإن كان يمكن قراءته وفهمه فإنه يقع وإلا فلا.
    وكل كتاب لم يكتبه بخطه أو يمله على الغير فإنه لا يقع به الطلاق ما لم يقر بأنه كتابه، فإذا قال لشخص: اكتب طلاق امرأتي وابعث به إليها، فإنه يكون إقراراً بالطلاق، وسواء كتب، أو لم يكتب كان طلاق امرأته واقعاً، وإذا كتب شخص وقرأ عليه الكتاب فأخذه ووقع عليه وأرسله إليها، فإنها
    تطلق إذا كان معنوناً ولم ينكر أنه كتابه، فإذا أنكر ولم تقم بينة على أنه كتابه فلا تطلق لا قضاء ولا ديانة، وإذا كتب امرأتي فلانة طالق، وقال: إن شاء الله بدون أن يكتبها فإنها لا تطلق، وبالعكس، فإذا قال: امرأتي طالق وكتب إن شاء الله، فإنها لا تطلق أيضاً.
    المالكية - قالوا: الإشارة المفهمة الدالة على الطلاق تقوم مقام اللفظ من الأخرس ومن السليم القادر على النطق على المعتمد، ثم إن حصلت الإشارة من الأخرس تكون كالطلاق الصريح، وإن حصلت من القادر على النطق تكون كالكتابة، وذلك لأن إشارة الأخرس لا يستطيع أن يعبر بما هو أدل منها على مراده، فهي نهاية ما يفصح به عن رأيه، أما القادر على الكلام فإنه يمكنه أن يعبر بالعبارة التي هي أصرح من الإشارة، فتكون الإشارة كالكتابة بالنسبة للصريح فإن لم تقترن بها قرينة يقطع من عاينها أنها دالة على الطلاق وإن لم تفهمها الزوجة لبلادتها فإنها لا تعتبر طلاقاً ولو قصد بها الطلاق لأنها تكون في حكم الفعل لا يقع به الطلاق نعم إذا جرى العرف بأن هذه الإشارة طلاق فإنها تعتبر طلاقاً.
    أما كتابة الطلاق فإنها على ثلاث حالات:
    الحالة الأولى: أن يكتب الطلاق وهو ينويه.
    الحالة الثانية: أن يكتبه بدون أن تكون له نية، وفي هاتين الحالتين يلزم الطلاق الذي كتبه بمجرد كتابته.
    الحالة الثالثة: أن يكتبه على أنه بالخيار بين أن ينفذه. أو لا ينفذه، وفي هذه الحالة يكون الخيار له ما دام في يده، فإن خرج من يده بأن بعثه إليها فإن نوى وقت إخراجه طلاقها أو لم ينو شيئاً فإنه يقع طلاقه، سواء أو صلها أم لم يصلها. لأنه وإن كان وقت كتابته متردداً بين الطلاق وعدمه لكنه وقت خروجه من يده نوى الطلاق أو لم ينو شيئاً فكان في حكم الذي نوى وقت الكتابة، أو لم ينو. أما إذا كان متردداً وقت خروجه أيضاً فإن طلاقه لا يقع إلا إذا وصل إليها وهل له أن يرد الكتاب بعد خروجه من يده، أو لا؟ خلاف، والتحقيق أن له أن يرده.
    والحاصل أن الطلاق يقع بمجرد كتابته إذا نوى الطلاق، أو لم ينو شيئاً. سواء خرج الكتاب من تحت يده، أو لم يخرج. وسواء وصل إلى الزوجة أو وليها أو لم يصل، أما إذا كتبه وهو متردد في أمره، بمعنى أنه ينوي أن يكون له الخيار في إنفاذه أو لا، أو يستشير أباه أو غيره فإنه لا يقع عليه الطلاق ما دام الكتاب في يده، فإذا خرج من يده فلا يخلو إما أن ينوي عند خروجه طلاقها، أو لم ينو شيئاً. وفي هاتين الصورتين تطلق وإن لم يصلها الكتاب، أما إذا خرج من تحت يده وهو متردد في الأمر فإنها لا تطلق إذا وصل إليها الكتاب.
    هذا، وإذا كتب إليها: إن وصلك كتابي فأنت طالق، فإنها تطلق عند وصول الكتاب إليها باتفاق، فإن وصل إليها وهي حائض طلقت، ويجبر على رجعتها على الوجه المتقدم في الطلاق
    البدعي، وهذا بخلاف ما إذا كتب إليها إذا وصلك كتابي فأنت طالق، بإبدال لفظ "إن" بلفظ "إذا" فإن في ذلك خلافاً، فبعضهم يقول: إن تحتمل الشرط وتحتمل الظرفية، فتطلق بمجرد كتابته بخلاف إذا، فإنها لمجرد الشرط فلا تطلق إلا إذا وصل إليها، وبعضهم يقول لا فرق بين "إذا" و "إن" فلا تطلق إلا إذا وصل إليها الكتاب في الحالتين.
    الشافعية - قالوا: الإشارة لا يقع بها الطلاق من القادر على الكلام بأي وجه وعلى أي حال، كما لا يقع بالنية ولا بالكلام النفسي، بل لا بد من التلفظ به ولا بد من أن يسمع به نفسه في حالة الاعتدال، فلو فرض وتكلم به وكان سمعه ثقيلاً، أو كان بحضرته لغط كثير، فلا بد من أن يرفع به صوته بحيث لو كان معتدل السمع لسمع بهذا الصوت، فلا يقع بتحريك اللسان من غير أن يسمع نفسه، فإذا قالت له المرأة: طلقني، فأشار إليها بأصابعه الثلاثة أو أشار إليها بيده أن اذهبي، أو قطع خيطاً بيده، أو نحو ذلك فإنه لا يعتبر وذلك لأن عدوله عن اللفظ إلى الإشارة يفهم منه أنه غير قاصد الطلاق، فلا يعتبر حتى ولو قصد بها الطلاق، وذلك لأنها لا تقصد للإبهام إلا نادراً، فلا تعتبر إلا في ثلاثة أمور، وإحداها: الإفتاء، فإذا قيل للعالم: أيحل أكل الأرنب؟ فأشار برأسه نعم، فإنها تكون فتوى يصح نقلها عنه، وهكذا.
    ثانيها: الإذن بالدخول، فلو استأذنت أن تدخل داراً فأذنك سيدها بإشارته فإنها تصح.
    ثالثها: أمان الحربي، فإذا أمنه بإشارته لزم الأمان.
    أما إشارة الأخرس فإنها تعتبر في الطلاق وغيره من العقود، سواء كان خرسه عارضاً أو ولد وهو أخرس، إلا إذا اعتقل لسانه وكان يرجى برؤه بعد ثلاثة أيام، فإنه يجب أن ينتظر حتى يبرأ ولا يعمل بإشارته إلا للضرورة، كما إذا كان الحاكم قضى باللعان بينه وبين امرأته وقت خرسه، فإن اللعان يصح بإشارته، بشرط أن تكون مفهومة، ثم إن كانت واضحة بحيث يفهمها كل أحد كانت بمنزلة اللفظ الصريح، وإن كانت دقيقة لا يفهمها إلا النبهاء كانت بمنزلة الكتابة، أما إذا لم يفهمها أحد فإنها لا يعتد بها أصلاً.
    هذا، ويعمل بإشارة الأخرس المفهومة ولو كان يعرف الكتابة، وبعضهم يقول: إذا كان يعرف الكتابة فإنه يمكنه أن يدل على غرضه بالكتابة من غير ضرورة للإشارة، ولكن هذا وإن كان حسناً، لكنه يدل على أن إشارته تلغى إذا كان يعرف الكتابة، فلو تعاقد على بيع، أو طلق بالإشارة فإنها تعتبر حتماً، ولكن الأولى أن يعزز غرضه بالكتابة، فمثل الإشارة من الأخرس الذي يعرف الكتابة كالعبارة من القادر الذي يعرفها إذ المفروض في الإشارة أنها مفهومة كاللفظ، وبذلك تعلم أن ما نقله الحنفية عن بعض الشافعية بأن إشارة الأخرس الذي يعرف الكتابة لا تعتبر، غير ظاهر.
    هذا، وتهمل إشارة الأخرس المفهومة في ثلاثة مواضع: الأول الصلاة، فإذا كان يصلي وأشار إشارة مفهومة فإن صلاته لا تبطل بها. الثاني: الشهادة، فإذا شهد على شخص بإشارة مفهومة فإنها
    لا تقبل. الثالث: الحنث، فإذا أشار بأنه حلف أن لا يتكلم، ثم تكلم بالإشارة فإنه لا يحنث، وبعضهم يقول: إنه يحنث بذلك.
    أما كتابة الطلاق، فإنها تقوم مقام اللفظ ويقع بها الطلاق بشروط:
    الشرط الأول: أن تقترن بالنية، فإن كتب لزوجته أنت طالق ولم ينو به الطلاق فلا يقع، وذلك لأن الكتابة تعتبر طلاقاً بالكناية، سواء كانت صادرة من قادر على النطق، أو صادرة من أخرس، على أنها إن كانت
    صادرة من أخرس فإنه يلزمه أن يكتب مع لفظ الطلاق قوله: إني قصدت الطلاق ليتبين أنه نوى الطلاق بكتابته.
    الشرط الثاني: أن يكون المكتوب عليه مما تثبت عليه الكتابة، كالورق، واللوح، والرق، والقماش، والحائط، ونحو ذلك، سواء كتب بحبر أو بغيره أو نقش عبارة طلاق زوجته على حجر، أو خشب، أو خطها على أرض، فإذا رسمها في الهواء، أو رقمها على الماء فلا تعتبر ولا يقع بها طلاق ولو نواه.
    الشرط الثالث: أن يكتب الزوج الطلاق بنفسه، فلو أمر غيره بكتابته ونوى هو الطلاق بكتابة الغير فإنه لا يعتد به ولا يقع به طلاق لأنه يشترط أن تكون الكتابة والنية من شخص واحد.
    هذا، وإذا كتب لزوجته يقول: إذا بلغك كتابي هذا فأنت طالق، فإنها تطلق إذا بلغها الكتاب غير ممحو، فلو كان بحبر يطير بعد كتابته أو بقلم رصاص ضعيف فانمحى ولم يبق له أثر يقرأ وبلغها فإنها لا تطلق، نعم إذا بقي أثره وأمكن قراءته فإنه يعتبر، فإذا انمحى بعضه فإن كان الباقي منه عبارة الطلاق تطلق في الأصح، أما إذا كان الباقي منه البسملة والحمدلة والتحية ونحوها فإنها لا تطلق أما إذا كتب لها: أما بعد، فأنت طالق، ولم يقل، إذا بلغك كتابي فإنها تطلق بالحال، كما يقول الحنفية، وإذا ادعت وصول كتابه إليها بالطلاق وأنكر صدق بيمينه، وإن قامت بينة بأنه خطه لم تسمع إلا في حالتين: إحداهما أن يراه الشاهد وهو يكتب لفظ الطلاق. ثانيتهما: أن يحفظ الشاهد الكتاب عنده لوقت الشهادة.
    وإذا كتب لها: إذا قرأت كتابي فأنت طالق وكانت تعرف القراءة والكتابة، فإنه لا يقع طلاقها إلا إذا قرأت صيغة الطلاق، أو طالعتها وفهمتها وإن لم تتلفظ بها، ولا يكفي في هذه الحالة أن يقرأه عليها غيرها، فلو عميت قبل أن يأتيها الكتاب وقرأه عليها غيرها لا يكفي، أما إذا كانت أمية لا تعرف القراءة والكتابة وكان الزوج يعلم حالها، فإنها تطلق إذا قرأه عليها غيرها، بخلاف ما إذا لم يعلم الزوج حالها، فإنها لا تطلق إذا قرأه الغير عليها لاحتمال أنه يقصد تعليق طلاقها على قراءتها بنفسها، فإذا كان يعلم أنها أمية وكتب لها ذلك ثم قبل أن يصلها الكتاب تعلمت القراءة والكتابة، فالمعتمد أنه يقع الطلاق عليها بقراءتها وبقراءة غيرها عليها.
    الحنابلة - قالوا: الإشارة لا يقع بها الطلاق من القادر على النطق، وفاقاً للحنفية، والشافعية وخلافاً للمالكية، أما من الأخرس، فإنه يقع بها الطلاق فإن كانت واضحة يفهمها كل أحد كانت كاللفظ الصريح، وإن كان يفهمها البعض دون البعض كانت كالكناية بالنسبة إليه بحيث يبين أنه نوى الطلاق.
    أما الكتابة فإن الطلاق يقع بها، سواء صدرت من قادر على النطق، أو أخرس. فإذا كتب زوجتي فلانة طالق فإنها تطلق منه بدون نية، لأنه صريح لا يحتاج إلى نية، فهو كاللفظ سواء بسواء، نعم إذا نوى به غير الطلاق، كما إذا نوى تجويد خطه، أو إغاظة زوجته، أو تجربة قلمه فإنه يكون على ما نوى به غير طلاق، لأن له ذلك في اللفظ الصريح، فلو قال لامرأته: أنت طالق ونوى أنها طالق من وثاق، فإنه لا يقع عليه الطلاق، وهل يقبل منه ذلك قضاء. أو لا؟ أما في اللفظ الصريح فإنه يقبل منه على قول، أما في الكناية فإنه يقبل منه بلا خلاف، فإذا كتب الطلاق بلفظ الكناية كأن قال: امرأتي فلانة خلية، فإنه يكون طلاقاً إذا نوى الطلاق. ويشترط أن يكتبه على شيء تثبت فيه الكتابة، أما إذا كتب بأصبعه على وسادة، أو على الماء أو في الهواء فإنه لا يقع به عليها طلاق، لأنها بمنزلة الهمس الذي لا يسمع.
    والحنابلة كالشافعية والحنفية، يشترطون لإيقاع الطلاق أن يكون باللفظ المسموع، وخالف المالكية في ذلك كما ذكرناه في مذهبهم) .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #200
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,321

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الرابع
    [كتاب النكاح]
    صـــــ 262 الى صــــــــ
    274
    الحلقة (200)


    أما طلاق الغضبان فاعلم أن بعض العلماء قد قسم الغضب إلى ثلاثة أقسام:

    الأول: أن يكون الغضب في أول أمره، فلا يغير عقل الغضبان بحيث يقصد ما يقوله ويعلمه، ولا ريب في أن الغضبان بهذا المعنى يقع طلاقه وتنفذ عباراته باتفاق.
    الثاني: أن يكون الغضب في نهايته بحيث يغير عقل صاحبه ويجعله كالمجنون الذي لا يقصد ما يقول ولا يعلمه، ولا ريب في أن الغضبان بهذا المعنى لا يقع طلاقه، لأنه هو والمجنون سواء.
    الثالث: أن يكون الغضب وسطاً بين الحالتين، بأن يشتد ويخرج عن عادته ولكنه لا يكون كالمجنون الذي لا يقصد ما يقول ولا يعلمه، والجمهور على أن القسم الثالث يقع به الطلاق (1) .
    هذا، ولا يشترط لصحة الطلاق الإسلام، فإذا طلق الذمي امرأته فإن طلاقه يعتبر، كما تقدم في مبحث أنكحة غير المسلمين (2) .
    مبحث تقسيم الطلاق
    -قسم الفقهاء الطلاق باعتبارات مختلفة، فمن حيث وصفه بالأحكام الشرعية قسموه إلى واجب، ومحرم، ومكروه، ومندوب، وجائز، فيقال: الطلاق واجب إذ عجز الرجل عن القيام بحقوق الزوجية، ويقال: محرم إذا ترتب عليه الوقوع في حرام، أو تربت عليه اجحاف بالمرأة وظلم، ويقال: مكروه أو مندوب. أو جائز باعتبار ما يترتب عليه مما سنعرفه قريباً.
    وقسموه باعتبار الوقت الذي ينبغي أن يوقعه الزوج فيه إلى سني، ويدعي، وهذا لا ينافي وصفه بالأحكام الشرعية المتقدمة.
    وقسموه من حيث صيغته ولفظه إلى صريح، وكناية، وإلى بائن، ورجعي، ونبين كل قسم في مبحث خاص به.

    تقسيمه إلى واجب ومحرم الخ
    -الأصل في الطلاق أن يوصف بالكراهة فكل طلاق في ذاته مكروه (3) فليس للرجل أن يطلق زوجته بدون سبب، ولذا قال صلى الله عليه وسلم "أبغض الحلال إلى الله الطلاق"، ولا يراد أن الحلال ليس فيه شيء مبغوضاً لله تعالى، بل جميع أفراده ممدوحة في نظر الشرع فهي محبوبة، لأن المراد بالحلال ما قابل الحرام فيشتمل المباح والمكروه، والطلاق من أفراد المكروه المبغوض وهو أشد المكروهات بغضاً، فالطلاق، وإن جعله الشارع سبباً صحيحاً لفرقة الزوجين، ولكنه يكرهه ولا يرضى عن استعماله بدون سبب، ثم إن الأسباب التي تعرض للطلاق تارة تجعله موصوفاً بالوجوب، وتارة تجعله موصوفاً بالحرمة، وتارة تجعله مكروهاً، وتارة تجعله مندوباً، فيكون واجباً يجبر عليه إذا عجز الزوج عن اتيان المرأة أو الانفاق (4) عليها فإن لها أن تطلب تطليقها وتجاب إلى طلبها، على أنه يجب على الرجل ديناً في هذه الحالة أن يطلق زوجته حتى لا يترتب على إمساكها فساد أخلاقها، وهتك عرضها والإضرار بها، ويكون حراماً إذا ترتب عليه الزنا بها أو بأجنبية، أو ترتب عليه أكل حقوق الناس، ويكون مكروهاً إذا طلقها دون سبب، لما عرفت أن الأصل في عدم الجواز، ويكون مندوباً إذا كانت فاسدة (5) الأخلاق، سواء كانت زانية أو متهتكة أو تاركة للفرائض من الصلاة، والصيام، ونحوهما.
    مبحث الطلاق السني والبدعي وتعريف كل منهما
    -قد عرفت أن الطلاق ينقسم إلى سني وبدعي، فأما السني فهو ما كان في زمن معين وكان بعدد معين (6) ، والبدعي ما ليس كذلك، مثلاً إذا طلقها وهي حائض، أو نفساء. أو طلقها ثلاثاً كان ذلك طلاقاً بدعياً، على أن تعريف السني والبدعي، وما يتعلق بهما تفصيل المذاهب (7)
    مبحث ما يترتب على الطلاق البدعي من الأحكام
    -إذا طلق الزوج امرأته طلاقاً بدعياً فإنه تسن له رجعتها (8) إن كان لها رجعة ثم يمسكها إلى أن تطهر من الحيض الذي طلقها فيه ثم تحيض ثانياً وتطهر بدون أن يقربها ثم يطلقها في الطهر الثاني الذي لم يقربها فيه ولا في الحيض الذي قبله، ويحسب عليه الطلاق البدعي سواء كان واحداً أو أكثر باتفاق الأئمة الأربعة، وخالفهم بعض الشواذ الذين لا يعول على آرائهم.
    __________
    (1) (الحنفية - قالوا: الذي قسم هذا التقسيم هو ابن القيم الحنبلي، وقد اختار أن طلاق الغضبان بالمعنى الثالث لا يقع، والتحقيق عند الحنفية أن الغضبان الذي يخرجه غضبه عن طبيعته وعادته بحيث يغلب الهذيان على أقواله وأفعاله فإن طلاقه لا يقع، وإن كان يعلم ما يقول ويقصده لأنه يكون في حالة يتغير فيها إدراكه، فلا يكون قصده مبنياً على إدراك صحيح، فيكون كالمجنون، لأن المجنون لا يلزم أن يكون دائماً في حالة لا يعلم معها ما يقول: فقد يتكلم في كثير من الأحيان بكلام معقول، ثم لا يلبث أن يهذي.
    ولا يخفى أن هذا تأييد لقول ابن القيم، غاية ما هناك أن ابن القيم صرح بأنه لا يكون كالمجنون، وهذا يقول: إنه كالمجنون، وبالرغم من كون ابن القيم حنبلي المذهب فإن الحنابلة لم يقروه على هذا الرأي.
    والذي تقتضيه قواعد المذاهب أن الغضب الذي لا يغير عقل الإنسان ولا يجعله كالمجنون فإن الطلاق فيه يقع بلا شبهة، ومثله الغضب بالمعنى المذكور في القسم الثالث، وهو أن يشتد الغضب بحيث يخرج صاحبه عن طوره ولكنه لا يكون كالمجنون الذي لا يعلم ما يقول فإن طلاقه يقع، أما الغضب الذي يغير العقل ويجعل صاحبه كالمجنون فإن الطلاق فيه لا يعتبر ولا يلزم بلا شبهة.
    وهذا ظاهر كلام الحنفية أيضاً، ولكن التحقيق الذي ذكرناه عن بعض الحنفية من أن الغضبان إذا خرج عن طوره وأصبح يهذي في أقواله وأفعاله فإن طلاقه لا يقع، هو رأي حسن لأنه يكون في هذه الحالة كالسكران الذي ذهب عقله بشراب غير محرم، فإنهم حكموا بأن طلاقه لا يقع، فينبغي أن يكون الغضبان مثله.
    وقد يقال: أن قياس الغضبان على السكران بشراب غير محرم يجعل الحكم مقصوراً على من كان غضبه لله، بأن غضب دفاعاً عن عرضه، أو ماله، أو نفسه، أو دينه أما من كان غضبه لسبب محرم، كأن غضب حقداً على من لم يوافقه على باطل، أو غضب على زوجته ظلماً وعدواناً، ووصل إلى هذا الحد، فإن طلاقه يقع، لأنه قد تعدى بغضبه، والجواب: أن الغضب صفة نفسيه قائمة بنفس الإنسان تترتب عليها آثارها الخارجية، وهي في ذاتها ليست محرمة، بل هي لازمة في الإنسان لتبعثه إلى الدفاع عن دينه، وعرضه، وماله ونفسه، وإنما المحرم استعمالها في غير ما خلقت له، بخلاف الخمر فإنه لا يصح للإنسان أن يتعاطاها على أي حال، فإيقاع الطلاق على السكران المتعدي إنما هو للزجر عن قربانها بالمرة، أما الغضب فلا يمكن النهي عنه في ذاته لأنه لا بد منه للإنسان، فلا يصح قياس الغضب على الخمر ونحوه من الأشياء التي يجب على الإنسان أن لا يقر بها بالمرة)
    (2) (المالكية - قالوا: إن طلاق الكافر لا يعتبر، كما تقدم) .
    (3) (المالكية - قالوا: إن الأصل في الطلاق أن يكون خلاف الأولى، فليس بمكروه، ولكنه قريب من المكروه، وعبر من ذلك بعضهم بأنه مرجوح وعدمه راجح عليه، ويحرم إذا خشي على نفسه الزنا بها، أو بغيرها بعد طلاقها.
    الحنفية - قالوا: في وصف الطلاق رأيان: أحدهما أنه جائز بحسب أصله. وهذا الرأي ضعيف. ثانيهما: وهو الصحيح الذي عليه المحققون أن الأصل فيه الحظر، وهو التحريم) .
    (4) (الحنفية - قالوا: أنه لا يصح لأحد أن يطلق على الآخر زوجته بأي سبب، ولكن العاجز عن الإنفاق يعزر بالسجن حتى يفارق أو ينفق، كما يقولون: أنه لا يجبر على الطلاق إلا للعجز عن الوطء بأن كان عنيناً، أو مجنوناً، أو خصياً، كما تقدم في بحث العيوب)
    (5) (الحنابلة - قالوا: في ذلك رأيان: أحدهما أن طلاق فاسدة الأخلاق مندوب ولكن المنقول عن أحمد أن طلاقها فرض خصوصاً إذا كانت زانية، أو تاركة صلاة، أو صيام) .
    (6) (الشافعية - قالوا: لا دخل للعدد في الطلاق البدعي، فله أن يطلقها ثلاثاً، ولا يقال بطلاقه: بدعي، نعم هو خلاف الأولى كما سيأتي) .
    (7) (الحنفية - قالوا: ينقسم الطلاق من حيث ما يعرض للمرأة من الأذى الخ إلى قسمين: سني، وبدعي، ثم إن السني ينقسم إلى قسمين: حسن، وأحسن، فأما الحسن فهو أن يطلقها طلقة واحدة رجعية في طهر لم يجامعها فيه، وكذا لم يجامعها في حالة الحيض الذي قبله، وإن أراد أن يطلقها ثانية فإنه ينتظر حتى تحيض الحيضة الأولى من عدتها وتطهر منها ثم يطلقها واحدة رجعية أخرى، وإن أراد أن يطلقها ثالثة فإنه ينتظر حتى تحيض الثانية وتطهر منها ثم يطلقها طلقة ثالثة، فالطلاق السني الحسن لا يتحقق إلا بأربعة شروط:
    الأول: أن يطلقها وهي طاهرة من الحيض، والنفاس، فإذا طلقها وهي حائض أو نفساء كان طلاقه بدعياً، وهو معصية محرمة.
    الثاني: أن لا يقربها بعد طهرها من الحيض، فإذا جامعها ثم طلقها بعد الجماع كان طلاقه محرماً أيضاً، ومثل ذلك ما إذا وطئها شخص غير زوجها بشبهة، كأن ظنها امرأته وهي نائمة، فإنه لا يحل طلاقها في الطهر الذي وطئها فيه، لجواز أن تكون قد حملت، أما إذا وطئها غيره بزنا، فإن له أن يطلقها فوراً بدون انتظار، والفرق ظاهر، لأن الزانية لا يستطيع زوجها أن يمسكها، وأيضاً فإن الزنا لا تترتب عليه أحكام النكاح.
    هذا، والخلوة كالوطء في هذا الحكم، فإذا خلا بها فلا يحل له طلاقها في الطهر.
    الثالث: أن يطلقها طلقة واحدة رجعية، ثم يطلقها الثانية بعد الطهر من الحيضة الأولى ويطلقها الثالثة بعد الطهر من الحيضة الثانية من عدتها، فإن طلقها ثنتين في الطهر الأول، أو ثلاثاً فإن طلاقه يكون بدعياً، أما إذا طلقها طلقة واحدة بائنة، فقيل: يكون بدعياً، وقيل: لا، والأول هو الظاهر.
    الشرط الرابع: أن لا يطأها في الحيض الذي قبل الطهر، فإن وطئها وهي حائض ثم طهرت فلا يحل له أن يطلقها بعد أن تطهر، يل ينتظرها حتى تحيض ثم لا يقربها في الحيض، ومتى طهرت طلقها بدون أن يقربها، فإذا طلقها وهي حائض ثم راجعها وطلقها بعد أن تطهر فقيل: يكون طلاقه سنياً، وقيل: لا، بل لا بد من أن ينتظرها حتى تحيض مرة أخرى ثم تطهر ويطلقها في الطهر الذي يلي
    الحيضة الثانية بدون قربان في الحيض وفي الطهر، أما إذا طلقها في الحيض طلاقاً بائناً ثم تزوجها بعقد جديد ثم أراد أن يطلقها في الطهر الذي يلي الحيض فإنه يصح باتفاق، والصحيح أنه لا يجوز له طلاقها إلا بعد أن تحيض ثانياً ثم تطهر، كما يأتي في الباب الآتي.
    فهذا هو الطلاق السني الحسن، أما الطلاق السني الأحسن فهو بعينه السني الحسن مع زيادة شيء آخر، وهو أنه بعد أن طلقها طلقة واحدة رجعية يتركها ولا يطلقها ثانياً في العدة، وتبين منه بانقضاء عدتها، وإنما كان هذا أحسن مراعاة لخلاف المالكية. والحنابلة الذين يقولون بكراهة تكرار طلاقها في العدة حيث لا لزوم له، والمتفق عليه أحسن من المختلف فيه.
    وستعلم أن الشافعية خالفوا في أصل المسألة فقالوا: إن عدد الطلاق لا يعتبر في السني، فله أن يطلقها ثنتين وثلاثاً. ولكن الأولى له أن يفرق الطلقات على الطهر وعدد الأشهر، كما يأتي، وقد أورد على قولهم: حسن وأحسن، أن الطلاق لا حسن فيه، وأجيب: بأن وصفه بهذا لا من حيث ذاته، بل من حيث أن المطلق أمكنه أن يضبط نفسه بعد وجود سبب الطلاق فلم يطلق وانتظر حلول الزمن الذي أمر الشارع بالطلاق فيه، ولا شك أن ضبط النفس وكفها عن فعل المنهي عنه حسن يثاب عليه.
    والحاصل أن الطلاق وإن كان محظوراً في ذاته ولكنه عند وجود سبب يوجبه، أو يجعله مندوباً فإنه يكون في هذا الحالة مأموراً به بلا كلام فيكون حسناً، وعلى هذا يصح أن يقال إن كان الطلاق مسبباً عن أمر الشارع ووقف في الوقت الذي أمر به الشارع كان حسناً بالاعتبارين، وإن لم يكن مسبباً عن أمر الشارع ولكن وقع في الوقت الذي أمر به الشارع لم يوصف الطلاق بالحسن لذاته، ولكن وصفه بالحسن باعتبار إيقاعه في الوقت الذي أمر به الشارع وكف النفس عن إيقاعه في الوقت المني عنه، وإن كان في ذاته منهياً عنه.
    هذا إذا كانت المرأة مدخولاً بها، أما إذا أراد طلاق زوجته قبل الدخول فإنه لا يتقيد بزمن الطهر بل له أن يطلقها في زمن الحيض، لأنها لا عدة لها فلا تتضرر من تطويلها، ولكنه يتقيد بالعدد فلا يطلقها إلا طلقة واحدة، ومثل ذلك ما إذا كانت لا تحيض لصغرها، بأن كانت دون تسع سنين، أو بلغت بالسن ولكنها لم تر دماً. أو كانت آيسة من الحيض، بأن بلغت خمساً وخمسين سنة على الراجح، أو كانت حاملاً، فإنه لا يتقيد في طلاقها يزمن ولكنه يتقيد بعدد الطلقات، فمن أراد أن يطلق التي لا تحيض طلاقاً سنياً حسناً فإنه يطلقها ثلاث طلقات متفرقة، كل شهر طلقة واحدة رجعية، فإذا طلقها في أول ليلة رئي فيها هلال الشهر طلقة واحدة رجعية فإنه ينتظر حتى يرى هلال الشهر الثاني أول ليلة منه، ويطلقها طلقة ثانية ثم ينتظر إلى أول ليلة في الشهر حتى الثالث، ويطلقها طلقة ثالثة وإذا طلقها أثناء الشهر فإنه يطلقها الثانية بعد انقضاء ثلاثين يوماً، ثم يطلقها في اليوم الحادي والثلاثين، والثالثة بعد ثلاثين يوماً أخرى كذلك.
    والحاصل أن الهلال يعتبر في تفريق الطلقات إن طلق في أول ليلة من الشهر وهي ليلة رؤية الهلال، أما إن طلق أثناء الشهر فإن التفريق يحسب بالأيام فيطلقها في اليوم الحادي والثلاثين، فهذا
    هو الطلاق السني الحسن بالنسبة لمن لا تحيض، وأحسن منه أن يطلقها واحدة رجعية في أول الشهر ولا يكر الطلاق في العدة لعدم الحاجة إليه، فإذا طلقها في أول الشهر فليتركها حتى تنقضي عدتها بثلاثة أشهر، أو بوضع الحمل إن كانت حاملاً.
    والحاصل أن المرأة إما أن تكون غير مدخول بها، أو تكون مدخولاً بها، فإن كانت غير مدخول بها فطلاقها السني الحسن، هو أن يطلقها طلقة واحدة لا فرق في ذلك بين أن تكون حائضة، أو لا. وإن كان مدخولاً بها، فإن كانت من ذوات الحيض فإن طلاقها الحسن السني يلاحظ فيه أمران: الوقت، والعدد. فالوقت هو أن لا تكون حائضاً أو نفساء والعدد هو أن يطلقها ثلاث طلقات متفرقات في كل طهر طلقة بشرط أن لا يكون قد وطئها لا في الطهر الذي يطلقها فيه، ولا في الحيض الذي قبله، وإن لم تكن من ذوات الحيض، أو كانت حاملاً، فإنه لا يتقيد بالوقت، ولكن يتقيد بالعدد، فيطلقها ثلاث طلقات في مدة ثلاثة أشهر.
    فهذا هو الطلاق السني بقسميه: الحسن والأحسن، ويقابله الطلاق البدعي، وهو ما كان بخلاف السني، وقد عرفته مما تقدم.
    ويستثنى من تحريم الطلاق وقت الحيض ونحوه أمور:
    أحدها: الخلع إذا كان خلعاً بمال، ومثله الطلاق على مال، فإنه يجوز أن يخالعها، أو يطلقها على مال وهي حائض، أو نفساء، أو في طهر جامعها فيه، أو في حيض قبله الخ ما تقدم.
    ثانيها: طلاق القاضي عليه بسبب العنة ونحوها مما تقدم، فإنه لا يجوز وهي حائض.
    ثالثها: أن تبلغ وهي حائض فإن، لها أن تختار نفسها، وإذا اختارت نفسها فلا بأس أن يفرق القاضي بينهما وهي حائض.
    رابعها: أن يخيرها زوجها في الحيض، كأن يقول لها: أمرك بيدك فاختاري، كما سيأتي فتقول: اخترت نفعي.
    خامسها: إذا قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً إن شئت فطلقت نفسها ثلاثاً، فإن لها ذلك مع أنك قد عرفت أن الطلاق السني يلزم أن يكون واحدة، وذلك لأنها في هذه الحالة مضطرة لأنها إذا صبرت ضاعت الفرصة عليها.
    ومع هذا فإن هذه الصور أمرها ظاهر، أما الخلع بمال فإنه لا يمكن تحصيل المال إلا به، فلو فات وقته فات العوض، فرخص فيه، ومثله الطلاق على مال، أما الصور الباقية فإن الطلاق فيها بيد المرأة لا بيد الرجل، والمنهي إنما هو الرجل، لا المرأة، ولا القاضي.
    فإذا طلبت المرأة منه طلاقها طلاقاً بدعياً، كأن كانت حائضاً، أو نفساء، أو نحو ذلك، ورضيت بتطويل عدتها فإن لا يحل له أن يفعل.

    المالكية - قالوا:
    ينقسم الطلاق إلى بدعي وسني، والبدعي ينقسم إلى قسمين: حرام، ومكروه، فالبدعي الحرام يتحقق في المرأة المدخول بها بشروط ثلاثة:
    أحدها: أن يطلق وهي حائض أو نفساء، فإذا طلقها وهي كذلك كان طلاقه بدعياً محرماً وكذا لو طلقها بعد انقطاع الدم وقبل أن تغتسل فإنه حرام على المعتمد.
    هذا إذا كانت من ذوات الحيض، فإن كانت يائسة من الحيض، أو كانت صغيرة لا تحيض، فإنه يصح طلاقها ولو حائضاً، ولكن يكون بدعياً إذا طلقها ثلاثاً في آن واحد، وكذا الحامل فإنه يصح طلاقها ولو حائضاً، لأن الحامل تحيض عند المالكية، على أن لا يعدد الطلاق وإلا كان بدعياً، أما غير المدخول بها فإن له أن يطلقها وهي حائض كالحامل، ولكن لا يطلقها إلا مرة واحدة وإلا كان بدعياً. ثانيها: أن يطلقها ثلاثاً في آن واحد، سواء كانت في حيض أو في طهر، إلا أنه إن طلق في حال الحيض كان آثماً مرتين، مرة بطلاق حال الحيض، ومرة بالطلاق الثلاث. ثالثها: أن يطلقها بعد طلقة، كأن يقول لها: أنت طالق نصف الطلاق، أو يطلق جزءاً منها، كأن يقول لها: يدك طالقة.
    أما البدعي المكروه فإنه يتحقق بشرطين: أحدهما إن طلقها في طهر جامعها فيه، ثانيهما أن يطلقها طلقتين في آن واحد، وبهذا يتضح لك تعريف الطلاق السني عند المالكية، وهو أن يطلق زوجته طلقة كاملة واحدة بحيث لا يطلقها غيرها في العدة في طهر لم يجامعها فيه فقوله: أن يطلق زوجته، أي كلها، خرج به ما إذا طلق بعضها، كقوله لها: يدك طالقة مثلاً، وقوله كاملة خرج به الطلقة الناقصة، كقوله: أنت طالق نصف طلقة، وقوله: واحدة خرج به ما إذا طلقها ثنتين أو ثلاثاً في آن واحد، أو في أزمنة مختلفة ما دامت في العدة، فإن طلقها ثنتين في آن واحد أو في كل طهر، أو شهر مرة، فإنه يكون مكروهاً. وإن طلقها ثلاثاً بكلمة واحدة، أو متفرقاً فإنه يكون حراماً، وقوله: في طهر خرج به الحائض، أو النفساء، سواء كان الدم موجوداً، أو انقطع، ولكن لم تغتسل، فإن طلاقها في هذه الحالة يكون حراماً، وقوله: لم يجامعها فيه خرج به ما إذا طلقها في طهر جامعها فيه، فإنه يكون مكروهاً.
    واعلم أن معنى كون الطلاق سنياً، أن السنة بينت الوقت الذي يصح أن يقع فيه الطلاق، والحالة التي ينبغي أن يكون عليها، ولو كان في ذاته حراماً، أو مكروهاً، أو واجباً، أو مندوباً، فهو سني إذا وقع بهذه الصورة ولو كان منهياً عنه من جهة أخرى، وكذلك قد يكون بدعياً لمخالفته الزمن والعدد المحدد بالسنة، ولكنه حرام، أو واجب الخ باعتبار آخر، فمثال الطلاق الحرام لعارض أن يكون الرجل متعلقاً بامرأته، وإذا طلقها يخشى على نفسه الوقوع في الزنا بها فإنه في هذه الحالة يحرم عليه طلاقها، فإذا طلقها مع هذا وهي حائض، أو نفساء، أو طلقها ثلاثاً، أو طلقها بعض طلقة، كان ذلك حراماً آخر فيأثم إثمين، بخلاف ما إذا طلقها في طهر لم يمسها فيه طلقة واحدة كاملة، فإنه يكون
    سنياً لا إثم فيه من هذه الناحية، ومثال الواجب أن يعجز عن القيام بحقوق الزوجية من نفقة ووطء وتضررت ولم ترض البقاء معه، فإنه في هذه الحالة يجب عليه طلاقها فإذا طلقها طلاقاً بدعياً كان محرماً مع كونه واجباً من جهة أخرى، فيثاب من حيث امتثال أمر الشارع بالطلاق الواجب ويعاقب من حيث إيقاعه في الوقت الذي نهى الشارع عنه، ومثال المندوب أن تكون المرأة سيئة الخلق بذيئة اللسان، فإن طلاقها في هذه الحالة يكون مندوباً يثاب عليه، ولكن إذا طلقها طلاقاً بدعياً فإنه يعاقب من جهة أخرى، وإذا طلقها طلاقاً سنياً فلا يعاقب، ومثال المكروه أن يكون للرجل رغبة في الزواج ويرجو من بقائها معه نسلاً ولم يقطعه بقاؤها عن عبادة واجبة فإن في هذه الحالة يكره له طلاقها، وإذا طلقها طلاقاً بدعياً يأثم، وقد عرفت أن الطلاق في ذاته خلاف الأولى، عند المالكية، فإذا لم يوجد سبب من الأسباب المذكورة وطلقها كان طلاقه خلاف الأولى، فإذا طلقها بدون سبب طلقها بدعياً كان محرماً مع كونه خلاف الأولى في
    ذاته، وإذا طلقها طلاقاً سنياً فقد خالف الأولى وكان إلى البغض أقرب منه إلى المحبة في نظر الشارع. واعلم أن الراجح عند المالكية أن الطلاق البدعي محرم لما ثبت في الصحيح من تحريمه بصرف النظر عن تطويل عدة المرأة، ولهذا لا يستثنون الخلع في زمن الحيض ونحوه، فإذا طالبته بالخلع بمال فإنه يحرم عليه أن يجيبها إلى طلبها، وأيضاً فإنه إذا كان معلقاً بتطويل العدة يكون ذلك حقاً للمرأة، فلو رضيت بإسقاطه جاز مع أنه ليس كذلك، وأيضاً فإن الزوج يجبر على الرجعة كما ستعرفه من غير أن تطالبه الزوجة بالرجعة فدل ذلك على أنه حق الشارع لا حقها نعم يصح فسخ النكاح الفاسد الذي يفسخ قبل الدخول وبعده وهي حائض لأن في التفريق بينهما رفع مفسدة، ومثل ذلك طلاق الإيلاء، فإذا حلف لا يقرب زوجته أكثر من أربعة أشهر فإن رجع إليها فذاك، وكذا إذا وعد بالرجعة، وإلا وجب طلاقها ولو حائضاً. ولكنه يجبر على الرجعة، ثم يطلقها حال الطهر.

    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •