وأما الجهل فقد عرَّفه بقوله : "وَالْجَهْلُ: تَصَوُّرُ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ فِي الْوَاقِعِ" كأن تعتقد أن صلاة الفجر ثلاث ركعات، وكأن تظن أن هذا الشخص رجلا وهو امرأة.
قال: أسمع كثيرا قولهم: هذا جهل مُرَكَّبٌ فما معناه ؟
قلت: قد كنت أنوى تركه لما سبق، أمَا وقد ذكرته فاعلم أن الجهل ينقسم إلى: بسيط ومركب، ولكن على تعريف المصنف يخرج الجهل البسيط، وأما المشهور فى هذا فهو أن الجهل ينقسم إلى قسمين:
1- جهل بسيط: وهو عدم الإدراك بالكلية
2- جهل مركب: وهو إدراك الشئ على خلاف ما هو عليه
مثال ذلك: لو سَأَلْنَا رجلا: متى كانت غزوة بدر ؟
فقال: لاأدرى
فهذا جهل بسيط
وسألنا آخر فقال: فى السنة العاشرة.
فهذا جهل مركب؛ لأنه أدرك الشئ على خلاف ما هو عليه؛ إذ إنها كانت فى السنة الثانية للهجرة
قال: فلماذا كان الأول بسيطا ؟
قلت: لأنه جهلُ واحدٍ لا يعلم شيئا
قال: ولماذا كان الآخر مركبا ؟
قلت: لأنه جهل بالواقع وجهل بالحال، فهذا المتكلم جاهل بحاله يحسب أنه على علم وليس على علم فلهذا كان مركبا من جهلين: لا يدرى، ولا يدرى أنه لا يدرى.
قال: وأيهما أقبح الجهل البسيط أم المركب ؟
قلت: المركب لا شك أنه أقبح.
قال: فهذا يذكرنى بقصة توما الحكيم
قلت: وما هى ؟
قال: يُذْكَرُ أن رجلا يُسَمَّى (توما) يزعم أنه حكيم يتعاطى الحكمة، لكنه يفتى بغير علم، من جملة ما يفتى به يقول: تصدقوا ببناتكم على مَنْ لم يتزوج يظن أن هذا خير، وفى هذا يقول الشاعر:
ومَنْ نال العلوم بغير شيخ ** يَضِلُّ عن الصراط المستقيمِ
وتلتبس العلومُ عليه حتى ** يكون أضلَّ من توما الحكيم
تصدق بالبنات على رجال ** يريد بذاك جناتِ النعيم
قلت: صدق الشاعر، ما كان أضل توما الحكيم.
قال: وكان له حمارٌ قيل فيه:
قال حمارُ الحكيمِ توما ** لو أنصفَ الدهرُ كنتُ أَرْكَبْ
لأننى جاهل بسيط ** وصاحبى جاهلٌ مُرَكَّب
(انظر شرح نظم الورقات لابن عثيمين 44- 45)
قلت له: أحسنت
قال: ما أحسن قول المصنف فى تعريف العلم: "معرفة" وفى تعريف الجهل: "تصور"؛ إذ الجهل ليس بمعرفة وإنما هو حصول شئ فى الذهن، والخطأ إنما هو فى حكم العقل فمثلا إذا رأى شبحا من بعيد فظنه إنسانا وحصل فى ذهنِهِ صورة إنسان وكان الواقع أنه فرس، فتلك الصورة التى حصلت فى ذهنه صورة إنسان وإدراك له، والخطأ ليس فيها إنما هو فى الحكم بأن هذه الصورة للشبح المرئى، فالصورة التى تصورها مطابقة (لذوي الصِّوَرِ) وعدم المطابقة فى أحكام العقل المقارنة لها. (انظر شرح الورقات لابن إمام الكاملية 99)
قلت: ما شاء الله، أحسنت.