تابع العام:
ألفاظ العموم:
[المتن]:
[وألفاظه خمسة(1): الاسم المحلّى بالألف واللام(2)، والمضاف إلى معرفة؛ كـ "عبد زيد"(3)، وأدوات الشرط كـ "مَنْ" فيمن يعقل، و "ما" فيما لا يعقل، و "أيّ" فيهما، و "أين" و "أيان" في المكان، و "متى" في الزمان(4)، و "كلّ" و "جميع"(5)، والنكرة في سياق النفي، كـ "لا رجل في الدار"(6)].
[الشرح]:
(1) (وألفاظه خمسة):
لا خلاف بين السلف أن العام له ألفاظ تدل على العموم، كما أن الأمر له لفظ، والنهي له لفظ؛ لأننا ذكرنا أن العام وكذلك الأمر والنهي ألفاظ منطوق بها.
فحينئذ كيف يُقال: هل للعام لفظ يدل عليه أم لا؟
لا يتأتى هذا إلا على قول أهل البدع بكون الكلام نفسيا، وسيأتي بيانه في الأمر.
(وألفاظه خمسة): بل أكثر من خمسة، وإنما تبع ابنَ قدامة هنا في ذكر الخمسة.
(2) (الاسم المحلّى بالألف واللام):
(الاسم): يشمل المفرد والجمع.
(المحلى بالألف واللام): يعني الذي دخلته اللام، لكن هل هي كل لام أم لام مخصوصة؟
نقول: لام مخصوصة، وهي اللام الاستغراقية التي تدل على الاستغراق، وهي كل لام صح حلول "كل" محلها، وصح الاستثناء من مدخولها.
تقول: "أكرم الطلاب إلا زيدا"، "أكرم الطلاب"؛ أي كل الطلاب، أو كل طالب إلا زيدا، صح الاستثناء إذًا تكون "أل" هذه استغراقية؛ لصحة حلول لفظة كل محل "أل"، ويصح المعنى حقيقة لا مجازا.
وكذلك الاستثناء من مدخولها، {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا} حصل الاستثناء؛ أي كل إنسان في خسر {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا}، نقول: هذه "أل" استغراقية.
وأما "أل" الجنسية التي تدل على الحقيقة، فهذه ليست من صيغ العموم، "الرجل خير من المرأة"، "الرجل"، هل كل رجل خير من كل امرأة؟
المراد جنس الرجل خير من جنس المرأة، وقد يكون بعض أفراد النسوة خير من كثير من الرجال.
وأما "أل" العهدية فبحسب المعهود؛ إن كان المعهود جمعا فهي للعموم، وإن كان المعهود فردا خاصا فهي للخصوص، {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا. فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ}[المزمل15-16]، نقول: "أل" عهدية، والمعهود واحد خاص، فليست للعموم.
{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}[ص73]، الملائكة نقول: هم المأمورون، {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ}[البقرة34]، {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ} هذه "أل" العهدية، المعهود ما هو؟ مفرد أو جمع؟ جمع.
إذًا "أل" العهدية فيها تفصيل، لا نقول: للعموم، ولا نقول: ليست للعموم، إن كان المعهود عاما فهي للعموم، وإن كان المعهود خاصا فحينئذ تكون خاصة.
وأما الجنسية فمطلقا ليست للعموم.
فحينئذ قوله: (الاسم المحلى بالألف واللام): نقول: هذا فيه تفصيل، المراد بـ "أل" هنا الاستغراقية، {الزانية والزاني}، "أل" هذه ما نوعها؟ الحكم خاص أو عام؟ كل زان وزانية أو بعض الزناة؟
عام، كل زانية وكل زان.
{السارق والسارقة}، نقول: "أل" هذه للعموم، ولها وجه آخر، ليست كونها استغراقية، وإنما كونها موصولية.
وصفة صالحة صلة "أل" ....................
والموصولات عموما كلها من صيغ العموم، فحينئذ لها جهتان.
{وإذا بلغ الأطفال}، يعني كل طفل.
(3) (والمضاف إلى معرفة، كـ عبد زيد):
المضاف إلى معرفة سواء كان جمعا أو مفردا.
(كـ "عبد زيد"): هذا يعم، إذا كان عنده مائة عبد وقال: "أعتقت عبدي"، يعم؛ لأنه مفرد مضاف، قال تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}[إبراهيم34]، {نعمت الله}، نعمة واحدة أُضيفت للفظ الجلالة وهو أعرف المعارف؛ فحينئذ نقول: اكتسبت الشمول والعموم؛ {نِعْمَتَ الله}، نعم الله ليست واحدة، بل لا تحصى، إذًا المراد: وإن تعدوا نِعَم الله.
من أين أخذنا هذا؟
من إضافة المفرد إلى المعرفة.
{يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ}[النساء11]، هذا عام، جمع مضاف إلى {أولادكم}، الكاف، وهو الضمير، حينئذ اكتسب العموم.
(4) (وأدوات الشرط كـ(مَنْ) فيمن يعقل، و(ما) فيما لا يعقل، و(أيّ) فيهما، و(أين) و(أيان) في المكان، و(متى) في الزمان):
(وأدوات الشرط): لو قال: أسماء الشرط لكان أولى؛ لأن من أدوات الشرط ما لا يعم، وهو الحرف؛ كـ "إن"، و "إذ ما".
(كـ "من:" فيمن يعقل): {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا}، نقول: هذا عام، "من": كل من وُصف بهذا الوصف ترتب عليه الحكم ذكرا كان أو أنثى، حرا كان أو عبدا إلى آخره.
وكان الأولى أن يقال: فيمن يعلم؛ لأنها تطلق على الرب جل وعلا.
(و "ما" فيما لا يعقل): والأولى أن يقال: فيما لا يعلم؛ لأنها تطلق على الله جل وعلا، {وما تفعلوا من خير يعلمه الله}، {وما}: يعني أي فعل تفعلوه قلّ أو كثر يعلمه الله، ظاهرا أو باطنا يعلمه الله، إذا فيها عموم.
(و "أيّ" فيهما): في العاقل وفي غيره، والأولى أن يقول: فيمن يعلم وفي غيره، {أيًا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}، {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ}، إذًا تطلق "أيّ" مرادا بها الله جل وعلا، وتطلق "من"، وتطلق "ما"، فحينئذ يُقال: فيمن يعلم؛ لأن الله جل وعلا لا يوصف بكونه عاقلا؛ لأن الصفات توقيفية، موردها السمع.
«أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل»، {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ}، {أيما الأجلين}؛ يعني أي أجلين، هنا قد يقول: المثنى، نقول: {أيما الأجلين}: أي عامين، غير محددة، فحصل العموم، حصل الشمول، لم يُعين عامين أجلين محددين.
(و "أين" و "أيان" في المكان): "أين" للمكان، {فأينما تولوا فثم وجه الله}، أفادت العموم، {أينما تكونوا يُدرككم الموت}، و "أيان" في المكان كما يقول المصنف هنا، لعله سهو؛ لأن "أيان" للزمن، وليست للمكان، "أيان تذهب أذهب معك".
(و "متى" في الزمان): متى تذهب أذهب، إذًا تفيد العموم، كل أدوات الشرط الأسماء تفيد العموم.
(5) (و(كلّ) و(جميع)):
"كل" هذه أم الباب.
صيغُه كلٌّ أو الجميع ....................
"كل" أم الباب، ولذلك تضاف إلى المعرفة، وتضاف إلى النكرة، بخلاف "جميع"، فإنها لا تضاف إلا إلى المعرفة، {كل نفس ذائقة الموت}، ذوق الموت ثابت لكل فرد فرد من أفراد النفس، فحصل العموم، {كل نفس ذائقة الموت}، {وإن كل لما جميع لدينا محضرون}.
(6) (والنكرة في سياق النفي، كـ "لا رجل في الدار"):
(والنكرة في سياق النفي): النفي المراد به هنا سواء كان مسلّطا على النكرة مباشرة أم على عاملها.
(كـ "لا رجل"): دخل النافي هنا على "رجل"، على النكرة مباشرة، "ما قام أحد"، دخل على عاملها.
إذًا النكرة في سياق النفي تعم مطلقا، سواء باشر النفي النكرة، أو باشر عاملها، باشر النكرة؛ يعني دخل عليها مباشرة "لا إله إلا الله"، "إله" نكرة، دخل عليها النفي، "ما قام أحد"، "أحد" نكرة جاء في سياق النفي، إذًا دخل "ما" -وهو نافٍ- على عامل النكرة، وليس على النكرة، وسواء سُبقت بـ "من" الاستغراقية أم لا، {ما من إله إلا الله}، {هل من خالق غير الله}، {ما جاءنا من بشير}، نقول: نكرة في سياق النفي فتعم، ودخلت عليه من الاستغراقية فنقلتها من الظهور إلى التنصيص على العموم، فهي نص على العموم، أو لم تدخل عليها "من"؛ مثل "لا إله إلا الله"، {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}، نقول: هذه عامة.
وإذا كانت النكرة في سياق الإثبات لا تعم مطلقا، إلا إذا كانت في سياق الامتنان؛ {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}، "ماء" نكرة في سياق الامتنان فيعم كل ماء نزل من السماء، سواء كان بردا أم ثلجا أم مطرا، هَتّانا.
كذلك النكرة في سياق النهي؛ {فلا تدعوا مع الله أحدًا}، {فلا تدعوا} "لا" ناهية و{تدعوا} فعل مضارع مجزوم بها، {مع الله أحدا} "أحدا" نكرة في سياق النهي فتعم.
أو الشرط؛ {فإن تنازعتم في شيء}، {في شيء} وقع في سياق الشرط فيعم كل شيء ولو عود أراك وقع النزاع فيه وجب رده إلى الشرع، {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} كذلك.