في الدرر الكامنة [177/1] :
قال الشهاب ابن فضل الله : " لما قدم ابن تيمية على البريد إلى القاهرة في سنة سبعمائة : نزل عند عمي شرف الدين ، وحض أهل المملكة على الجهاد ، فأغلظ القول للسلطان والأمراء .
ورتبوا له في مقر إقامته في كل يوم دينارا ومخفقة طعام ، فلم يقبل شيئا من ذلك ، وأرسل له السلطان بقجة قماش فردها .
قال : ثم حضر عنده شيخنا أبو حيان فقال :( ما رأت عيناي مثل هذا الرجل ) ، ثم مدحه بأبيات ذكر أنه نظمها بديها وأنشده إياها : ـ
لما أتانا تقي الدين لاح لنا *** داع إلى الله فرد ما له وزر
على محياه من سيما الأولى صحبوا *** خير البرية نور دونه القمر
حبر تسربل منه دهره حبرا *** بحر تقاذف من أمواجه الدرر
قام ابن تيمية في نصر شرعتنا *** مقام سيد تيم إذ عصت مضر
وأظهر الحق إذ آثاره اندرست *** وأخمد الشر إذ طارت له شرر
كنا نحدث عن حبر يجيء بها *** أنت الإمام الذي قد كان ينتظر
قال : ثم دار بينهما كلام ، فجرى ذكر سيبويه ، فأغلظ ابن تيمية القول في سيبويه ، فنافره أبو حيان وقطعه بسببه ، ثم عاد ذاما له وصير ذلك ذنبا لا يغفر.
قال : وحج ابن المحب سنة ( 34 ) فسمع من أبي حيان أناشيد ، فقرأ عليه هذه الأبيات ، فقال : ( قد كشطتها من ديواني ولا أذكره بخير ) ، فسأله عن السبب في ذلك فقال : ( ناظرته في شيء من العربية فذكرت له كلام سيبويه ، فقال : ( يفشر سيبويه ) .
قال أبو حيان : ( وهذا لا يستحق الخطاب ) .
ويقال : إن ابن تيمية قال له ( ما كان سيبويه نبي النحو ولا كان معصوما ، بل أخطأ في الكتاب في ثمانين موضعا ما تفهمها أنت ) ، فكان ذلك سبب مقاطعته إياه ، وذكره في تفسيره البحر بكل سوء ، وكذلك في مختصره النهر .. " .
قال شيخ الإسلام في النبوات [11/1] : ـ
( والمبرز في فن من الفنون يقدر على ما لا يقدر عليه أحد في زمنه ، وليس هذا دليلا على النبوة .
فكتاب سيبويه مثلا مما لا يقدر على مثله عامة الخلق ، وليس بمعجز إذ كان ليس مختصا بالأنبياء بل هو موجود لغيرهم ) .