تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 6 الأولىالأولى 123456 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 80 من 107

الموضوع: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

  1. #61

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع المخصصات المنفصلة:

    (7) تقرير النبي صلّى الله عليه وسلّم:


    [المتن]:

    [وتقريرُه(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (وتقريرُه):

    مثل تقريره -صلى الله عليه وسلم- بعض الصحابة على صلاة سنة الفجر بعد الصبح، وهذا يعتبر تخصيصًا لعموم النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس.

  2. #62

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع المخصصات المنفصلة:

    (8) قول الصحابي:


    [المتن]:

    [وقولُ الصحابي إن كان حجة(1)].

    [الشرح]:

    (1
    ) (وقولُ الصحابي إن كان حجة):

    قول الصحابي يعتبر من المخصصات، وسيأتي بحث قول الصحابة: هل هو حجة أم لا؟

    هناك شروط لابن القيم -رحمه الله تعالى- يأتي ذكرها، لكن لو كان حجة هل يعتبر مخصِّصا؟

    الصواب: لا يعتبر مخصِّصا، إلا إذا عُدّ إجماعا، فيُنظر فيه من نظر آخر، أما بمجرده فلا يعتبر مخصِّصا.

    هنا قال: (وقول الصحابي): يعني من المخصصات إن كان حجة؛ لأنه أقوى من القياس، والقياس يخصِّص العام، فكذلك قول الصحابي.

    لكن فرق، القياس ثبت دليله بالكتاب والسنة، جماهير أهل العلم على أنه دليل شرعي، لكن قول الصحابي محل إشكال.

  3. #63

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع المخصصات المنفصلة:

    (9) القياس:


    [المتن]:

    [وقياسُ نص خاص في قول أبي بكر، والقاضي، وجماعة من الفقهاء والمتكلمين(1)، وقال ابن شاقلا وجماعة من الفقهاء: لا يُخَصُّ(2)، وقال قوم: بالجَليِّ دون الخفي(3)، وخصّص به عيسى بن أبان العام المخصوص، وحكي عن أبي حنيفة(4)].

    [الشرح]:

    (1)
    (وقياسُ نص خاص في قول أبي بكر، والقاضي، وجماعة من الفقهاء والمتكلمين):

    (وقياس نص خاص)
    : يعني والقياس يعتبر من المخصصات في قول أبي بكر والقاضي وجماعة من الفقهاء والمتكلمين، القياس المعتمَد هو الذي يكون على نص، ولذلك الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- قال: "القياس كالميتة"، هذه نُقلت عن الإمام أحمد وعن الشافعي، ومرداهم: أن القياس لا يُسار إليه إلا عند عدم وجود نص، كما أن الميتة لا يجوز الأكل منها إلا عند عدم وجود الطيبات.

    (وقياس نص خاص في قول أبي بكر والقاضي وجماعة من الفقهاء والمتكلمين):
    لأن حكم القياس حكم النص المستند إليه، والنص يخصص العام، فكذا ما قيس عليه؛ يعني القياس لا بد له من أصل يُقاس عليه، الأصل الذي يكون في باب القياس سيأتينا، لا بد له من دليل، الدليل هذا وحده لو نُظر إليه دخل في قوله: (والنص الخاص)، إذًا القياس استند إلى دليل، هذا الدليل يعتبر مخصِّصا، فكذلك ما بني عليه، القياس متفرع على ذلك النص.

    إذًا ما تفرع على مخصص خصصه، هذا مقصوده، وهنا تفرع القياس عن نص خاص، والنص الخاص يخصص، فكذلك القياس.

    (2)
    (وقال ابن شاقلا وجماعة من الفقهاء: لا يُخَصُّ):

    (وقال ابن شاقْلا
    -بإسكان القاف وفتح اللام- وجماعة من الفقهاء: لا يُخَصُّ): أي العام أو العموم لا يخص بقياس، لا يعتبر القياس من المخصصات؛ لأن النص العام أصل، والقياس فرع، فلو خُصّ العام به لقُدم الفرع على الأصل، وهذا ممنوع.

    نقول: لا، بل الصواب جوازه، ودليله الوقوع، والوقوع دليل الجواز {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي}، لفظ "الزانية": يشمل الحرائر والإماء، {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}، هذا نص في التخصيص، إذًا خصت الأمة من قوله: {الزانية} في تنصيف العذاب، قيس عليها العبد، فنُصِّف عليه العذاب قياسا على الأمة بجامع الرق، فصار مخصصًا لقوله: {الزاني}، إذًا لفظ "الزانية" مخصص بالنص، "والزاني" مخصص بالقياس على الأمة، حينئذ وُجد القياس.

    (3)
    (وقال قوم: بالجَليّ دون الخفي):

    يعني يصح ويجوز أن يخصص بالقياس الجلي دون القياس الخفي، وسيأتينا الفرق بين الجلي والخفي في موضعه.

    (4)
    (وخصّص به عيسى بن أبان العام المخصوص، وحكي عن أبي حنيفة):

    (وخصص به عيسى بن أبان العام المخصوص):
    دون العام الذي لم يدخله تخصيص؛ يعني العام نوعان:

    عام مخصوص.

    وعام أُريد به الخصوص.

    العام المخصوص:
    هو العام الذي أُريد وقُصد أفراده استعمالا لا حكما، إذا قيل على المثال السابق: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} أما نقول: "المشركين" هذا لفظ عام يصدق على كل فرد فرد من أفراد المشركين؟

    نعم، هذا من جهة اللفظ نفسه.

    لكن الحكم هل كل فرد من أفراد المشركين مقصود به الحكم؟

    الجواب: لا؛ لأنه عام مخصوص، دخله التخصيص.

    وقولنا: "استعمالا": يعني من جهة اللغة، دلّ لفظ {الْمُشْرِكِينَ} على كل من اتصف بهذا الوصف، لكن لا يلزم منه ثبوت الحكم عليه، فحينئذ دخل جميع الأفراد استعمالا لا حكما.

    كذلك قوله: {والمطلقات} ما ذكرناه أنه من حيث اللفظ يشمل كل مطلقة، من حيث اللغة يشمل كل مطلقة، لكن في الحكم الشرعي لا، المطلقة الحامل ليست داخلة في النص.

    أما العام الذي أُريد به الخصوص:
    فهو الذي قُصدت به بعض أفراده استعمالا وحكما، ابتداء قبل أن يُركَّب، وقبل أن يدخل في جملة مفيدة، بعض الأفراد أُخرجت؛ قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ}، {الناس} من ألفاظ العموم، فيشمل المؤمنين والكافرين، وهو من أدلة القول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشرعية، {يا أيها الناس}، شامل، فحينئذ {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ}، نقول: هذا عام أُريد به كل الأفراد من جهة اللفظ، لكن من جهة الحكم قوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ} مخصِّص، إذًا قوله: {الناس} في هذا المثال عام مخصوص، عام؛ لأنه من جهة اللغة استغرق جميع ما يصلح له اللفظ، مخصوص؛ لورود النص المتصل به لإخراج بعض الأفراد.

    لكن قوله -جل وعلا-: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} على القول بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- المراد بهذه، نقول: أُطلق اللفظ ابتداء مرادا به واحد، إذًا تناول الفرد الواحد هو لفظ عام من حيث الأصل، لكن قُصد عند الإطلاق الفرد الواحد استعمالا وحكما، ابتداء لا نقول: هذا خُص.

    {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ}: هذا عام وهذا عام، لو حُمل اللفظ على العموم، وهذا على العموم، من القائل؟ ومن المقول له؟

    إذًا كل الناس هم القائلون، يقولون لمن؟

    ما وُجد أحد.

    {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ}: نُعيم بن مسعود، إذًا أطلق اللفظ ابتداء مرادا به الواحد استعمالا وحكما.

    الفرق بينهما:
    أن الأول: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ}، نقول: هذا أُخرج منه بعض الأفراد، دلالته على الباقين على الأرجح حقيقة، وليس من قَبيل المجاز، وأما {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ}، {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ}، {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ} جبريل عليه السلام، هذا من إطلاق الكل مرادا به البعض، فيكون من قبيل المجاز؛ لأن اللفظ استعمل في غير ما وُضع له.

    إذًا قوله: (وخصص به عيسى بن أبان العام المخصوص، وحكي عن أبي حنيفة): العام المخصوص: الذي لم يُرَد به الخاص؛ يعني دخله تخصيص، وعام أُريد به الخصوص: استعمل في الخاص، في الفرد الواحد استعمالا وحكما، وأما العام المخصوص استعمل في كل الأفراد ثم قُصر منه بعض الأفراد.

    العام المخصوص الذي يدخله التخصيص هذا قد يكون محفوظا؛ يعني لم يدخله تخصيص البتة، وعام مخصوص؛ بمعنى أنه دخله تخصيص.

    يقول عيسى بن أبان هنا: العام إذا دخله تخصيص يجوز أن يكون القياس مخصصا، أما العام المحفوظ -الذي يعبر عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بالعام المحفوظ- لا يخصص بالقياس، لماذا؟

    لأن العام المحفوظ أقوى، والعام المخصوص فيه ضعف، ولذلك اختلفوا في دلالته على الباقين بعد التخصيص هل هو حقيقة أو مجاز؟

    والأصح أنه حقيقة.

    إذًا: (وخصص به عيسى بن أبان العام المخصوص): دون العام الذي لم يدخله تخصيص؛ لأن الباقي على عمومه أقوى من ذاك المخصوص.

    لكن عند الأصوليين قاعدة: "ما من عام إلا وقد خُصّ"، هذا يُحمَل على الأحكام.

    شيخ الإسلام ابن تيمية ينازعهم في هذا، يقول: ليس بصحيح، بل كثير من عمومات الكتاب والسنة لم يدخلها تخصيص.

    لكن مراده -رحمه الله تعالى- ما هو أوسع من الأحكام، لذلك مثّلوا: {وما من دابة في الأرض إلا وعلى الله رزقها}، هذا ليس في الأحكام، مثّل بـ {الحمد لله رب العالمين}، {مالك يوم الدين}، هذه ليست في الأحكام، ومراد الأصوليين والله أعلم -ما من عام إلا وقد خُص- الأحكام الشرعية التكليفية، في الصلوات قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة}، كلها ألفاظ عامة، وقد دخلها التخصيص.

  4. #64

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع المخصصات المنفصلة:

    (9) القياس:


    [المتن]:

    [وقياسُ نص خاص في قول أبي بكر، والقاضي، وجماعة من الفقهاء والمتكلمين(1)، وقال ابن شاقلا وجماعة من الفقهاء: لا يُخَصُّ(2)، وقال قوم: بالجَليِّ دون الخفي(3)، وخصّص به عيسى بن أبان العام المخصوص، وحكي عن أبي حنيفة(4)].

    [الشرح]:

    (1)
    (وقياسُ نص خاص في قول أبي بكر، والقاضي، وجماعة من الفقهاء والمتكلمين):

    (وقياس نص خاص)
    : يعني والقياس يعتبر من المخصصات في قول أبي بكر والقاضي وجماعة من الفقهاء والمتكلمين، القياس المعتمَد هو الذي يكون على نص، ولذلك الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- قال: "القياس كالميتة"، هذه نُقلت عن الإمام أحمد وعن الشافعي، ومرداهم: أن القياس لا يُسار إليه إلا عند عدم وجود نص، كما أن الميتة لا يجوز الأكل منها إلا عند عدم وجود الطيبات.

    (وقياس نص خاص في قول أبي بكر والقاضي وجماعة من الفقهاء والمتكلمين):
    لأن حكم القياس حكم النص المستند إليه، والنص يخصص العام، فكذا ما قيس عليه؛ يعني القياس لا بد له من أصل يُقاس عليه، الأصل الذي يكون في باب القياس سيأتينا، لا بد له من دليل، الدليل هذا وحده لو نُظر إليه دخل في قوله: (والنص الخاص)، إذًا القياس استند إلى دليل، هذا الدليل يعتبر مخصِّصا، فكذلك ما بني عليه، القياس متفرع على ذلك النص.

    إذًا ما تفرع على مخصص خصصه، هذا مقصوده، وهنا تفرع القياس عن نص خاص، والنص الخاص يخصص، فكذلك القياس.

    (2)
    (وقال ابن شاقلا وجماعة من الفقهاء: لا يُخَصُّ):

    (وقال ابن شاقْلا
    -بإسكان القاف وفتح اللام- وجماعة من الفقهاء: لا يُخَصُّ): أي العام أو العموم لا يخص بقياس، لا يعتبر القياس من المخصصات؛ لأن النص العام أصل، والقياس فرع، فلو خُصّ العام به لقُدم الفرع على الأصل، وهذا ممنوع.

    نقول: لا، بل الصواب جوازه، ودليله الوقوع، والوقوع دليل الجواز {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي}، لفظ "الزانية": يشمل الحرائر والإماء، {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}، هذا نص في التخصيص، إذًا خصت الأمة من قوله: {الزانية} في تنصيف العذاب، قيس عليها العبد، فنُصِّف عليه العذاب قياسا على الأمة بجامع الرق، فصار مخصصًا لقوله: {الزاني}، إذًا لفظ "الزانية" مخصص بالنص، "والزاني" مخصص بالقياس على الأمة، حينئذ وُجد القياس.

    (3)
    (وقال قوم: بالجَليّ دون الخفي):

    يعني يصح ويجوز أن يخصص بالقياس الجلي دون القياس الخفي، وسيأتينا الفرق بين الجلي والخفي في موضعه.

    (4)
    (وخصّص به عيسى بن أبان العام المخصوص، وحكي عن أبي حنيفة):

    (وخصص به عيسى بن أبان العام المخصوص):
    دون العام الذي لم يدخله تخصيص؛ يعني العام نوعان:

    عام مخصوص.

    وعام أُريد به الخصوص.

    العام المخصوص:
    هو العام الذي أُريد وقُصد أفراده استعمالا لا حكما، إذا قيل على المثال السابق: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} أما نقول: "المشركين" هذا لفظ عام يصدق على كل فرد فرد من أفراد المشركين؟

    نعم، هذا من جهة اللفظ نفسه.

    لكن الحكم هل كل فرد من أفراد المشركين مقصود به الحكم؟

    الجواب: لا؛ لأنه عام مخصوص، دخله التخصيص.

    وقولنا: "استعمالا": يعني من جهة اللغة، دلّ لفظ {الْمُشْرِكِينَ} على كل من اتصف بهذا الوصف، لكن لا يلزم منه ثبوت الحكم عليه، فحينئذ دخل جميع الأفراد استعمالا لا حكما.

    كذلك قوله: {والمطلقات} ما ذكرناه أنه من حيث اللفظ يشمل كل مطلقة، من حيث اللغة يشمل كل مطلقة، لكن في الحكم الشرعي لا، المطلقة الحامل ليست داخلة في النص.

    أما العام الذي أُريد به الخصوص:
    فهو الذي قُصدت به بعض أفراده استعمالا وحكما، ابتداء قبل أن يُركَّب، وقبل أن يدخل في جملة مفيدة، بعض الأفراد أُخرجت؛ قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ}، {الناس} من ألفاظ العموم، فيشمل المؤمنين والكافرين، وهو من أدلة القول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشرعية، {يا أيها الناس}، شامل، فحينئذ {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ}، نقول: هذا عام أُريد به كل الأفراد من جهة اللفظ، لكن من جهة الحكم قوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ} مخصِّص، إذًا قوله: {الناس} في هذا المثال عام مخصوص، عام؛ لأنه من جهة اللغة استغرق جميع ما يصلح له اللفظ، مخصوص؛ لورود النص المتصل به لإخراج بعض الأفراد.

    لكن قوله -جل وعلا-: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} على القول بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- المراد بهذه، نقول: أُطلق اللفظ ابتداء مرادا به واحد، إذًا تناول الفرد الواحد هو لفظ عام من حيث الأصل، لكن قُصد عند الإطلاق الفرد الواحد استعمالا وحكما، ابتداء لا نقول: هذا خُص.

    {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ}: هذا عام وهذا عام، لو حُمل اللفظ على العموم، وهذا على العموم، من القائل؟ ومن المقول له؟

    إذًا كل الناس هم القائلون، يقولون لمن؟

    ما وُجد أحد.

    {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ}: نُعيم بن مسعود، إذًا أطلق اللفظ ابتداء مرادا به الواحد استعمالا وحكما.

    الفرق بينهما:
    أن الأول: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ}، نقول: هذا أُخرج منه بعض الأفراد، دلالته على الباقين على الأرجح حقيقة، وليس من قَبيل المجاز، وأما {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ}، {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ}، {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ} جبريل عليه السلام، هذا من إطلاق الكل مرادا به البعض، فيكون من قبيل المجاز؛ لأن اللفظ استعمل في غير ما وُضع له.

    إذًا قوله: (وخصص به عيسى بن أبان العام المخصوص، وحكي عن أبي حنيفة): العام المخصوص: الذي لم يُرَد به الخاص؛ يعني دخله تخصيص، وعام أُريد به الخصوص: استعمل في الخاص، في الفرد الواحد استعمالا وحكما، وأما العام المخصوص استعمل في كل الأفراد ثم قُصر منه بعض الأفراد.

    العام المخصوص الذي يدخله التخصيص هذا قد يكون محفوظا؛ يعني لم يدخله تخصيص البتة، وعام مخصوص؛ بمعنى أنه دخله تخصيص.

    يقول عيسى بن أبان هنا: العام إذا دخله تخصيص يجوز أن يكون القياس مخصصا، أما العام المحفوظ -الذي يعبر عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بالعام المحفوظ- لا يخصص بالقياس، لماذا؟

    لأن العام المحفوظ أقوى، والعام المخصوص فيه ضعف، ولذلك اختلفوا في دلالته على الباقين بعد التخصيص هل هو حقيقة أو مجاز؟

    والأصح أنه حقيقة.

    إذًا: (وخصص به عيسى بن أبان العام المخصوص): دون العام الذي لم يدخله تخصيص؛ لأن الباقي على عمومه أقوى من ذاك المخصوص.

    لكن عند الأصوليين قاعدة: "ما من عام إلا وقد خُصّ"، هذا يُحمَل على الأحكام.

    شيخ الإسلام ابن تيمية ينازعهم في هذا، يقول: ليس بصحيح، بل كثير من عمومات الكتاب والسنة لم يدخلها تخصيص.

    لكن مراده -رحمه الله تعالى- ما هو أوسع من الأحكام، لذلك مثّلوا: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها}، هذا ليس في الأحكام، مثّل بـ {الحمد لله رب العالمين}، {مالك يوم الدين}، هذه ليست في الأحكام، ومراد الأصوليين والله أعلم -ما من عام إلا وقد خُص- الأحكام الشرعية التكليفية، في الصلوات قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة}، كلها ألفاظ عامة، وقد دخلها التخصيص.

  5. #65

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع باب الخاص:

    ما ينتهي إليه التخصيص:


    [المتن]:

    [ويجوز تخصيص العموم إلى الواحد(1)، وقال الرازي والقفال والغزالي: إلى أقل الجمع(2)].

    [الشرح]:

    (1)
    (ويجوز تخصيص العموم إلى الواحد):

    يعني إلى أن يبقى واحد، إذا جوَّزنا وقلنا: لا خلاف في جواز التخصيص إلى كم؟

    قال المصنف هنا: إلى واحد مطلقا؛ يعني سواء كان اللفظ دالا على الجمع أو لا، مطلقا؛ يعني {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ} يجوز تخصيصه إلى أن يبقى واحد، {ومن يتق الله}، "من"، أو "ما" يجوز تخصيصه إلى أن يبقى واحد.

    (2)
    (وقال الرازي والقفال والغزالي: إلى أقل الجمع):

    وهو ثلاثة، وبعضهم يفصِّل يقول: إن كان اللفظ العام جمعا فأقل ما يدخله التخصيص إلى ثلاث؛ لأن اللفظ هنا كما سبق أنه دال على العموم بصورته وبمعناه، فكونه بالصورة يدل على الجمع، فحينئذ إذا خُصَّ من جهة المعنى فيكون أقل ما يدل عليه الجمع، وأما ما عدا الجمع كـ "من" و "ما" فلا بأس أن يُخصّ إلى أن يبقى واحد، وهذا التفصيل حسن، فما كان دالا على الجمع بصورته فالأولى أن يُقال: جواز التخصيص إلى أن يبقى أقل الجمع ليوافق المعنى اللفظي، ولذلك كما سبق قول البستي: "إن الكامل في العموم هو الجمع"، لأنه يدل على العموم بصورته وبمعناه.

    (ويجوز تخصيص العموم إلى واحد):
    يعني إلى أن يبقى واحد.

    (وقال الرازي والقفال والغزالي: إلى أقل الجمع)
    : وإن كان بعضهم يذكر في أدلة الجواز تخصيص العموم إلى واحد ليس عندنا دليل شرعي نص، يعني ليس عندنا مثال شرعي جاء فيه تخصيصات حتى بقي واحد، هذا لا وجود له، وإنما ذكروا دليلا لهذا العام الذي أُريد به الخصوص.

    عند المتقدمين لا فرق بين العام المخصوص والعام الذي أُريد به الخصوص، قالوا: لما جاء لفظ "الناس" من حيث هو هو عام، لما اُستعمِل في قوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} والمراد به واحد دلّ على جواز تخصيص العام إلى أن يبقى واحد، لماذا؟

    بناء منهم على أنه لا فرق بين العمومين، لا فرق بين النوعين، وإنما فرَّق بينهما المتأخرون؛ السبكي ومن بعده؛ فقالوا: العام نوعان: عام مخصوص، وعام أُريد به الخصوص، الثاني هذا مجاز باتفاق عندهم، الأول فيه نزاع، بناء على التقسيم، المسألة لا أصل لها.

    وإذا قلنا: لا تقسيم، فحينئذ يُستدَل بالعام الذي أُريد به الخصوص بأنه أُطلق وأُريد به واحد -وهو لفظ عام- على جواز تخصيص العام الذي يدخله تخصيص إلى أن يبقى واحد، لكن المسألة لها وجود في الشرع.

  6. #66

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع باب الخاص:

    حكم العمل بالعام بعد تخصيصه:


    [المتن]:

    [وهو حجة في الباقي عند الجمهور خلافا لأبي ثور وعيسى بن أبان(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (وهو حجة في الباقي عند الجمهور خلافا لأبي ثور وعيسى بن أبان):

    (وهو حجة في الباقي):
    بعد أن يُخصّ حجة في الباقي، وهذا غريب؛ أن يُختَلف فيما إذا أُخرج عن اللفظ بعض الأفراد هل هو حجة في الباقي أم لا؟

    (وهو حجة في الباقي)
    : يعني بعد التخصيص، الأفراد التي بقيت هل هو حجة فيها أم لا؟

    وهذا مبني على مسألة هل هو حقيقة فيها أم لا؟

    لأنه صار من باب إطلاق الكل مرادا به الجزء، وهو مجاز.

    (وهو حجة في الباقي):
    وهذا هو الحق، وهو الصواب عند الجمهور؛ لأن الصحابة أجمعوا على التمسك بالعمومات، وأكثرها دخلها التخصيص، لذلك نقول: ما من عام في الأحكام الشرعية إلا وقد خص، فحينئذ إذا صار العام بعد أن يُخصّ ليس بحجة ذهبت أكثر العمومات من الشرع.

    (خلافًا لأبي ثور وعيسى بن أبان):
    قالوا: لأنه بعد التخصيص صار اللفظ مستعملا في غير ما وُضع له فيكون مجازا.
    نقول: هذا اجتهاد في مقابلة النص، ولو قيل: إنه مجاز فهو في مقابلة النص.

  7. #67

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    المخصصات المتصلة:

    الاستثناء وتعريفه:


    [المتن]:

    [ومنه: الاستثناء(1)، وهو قول متصل يدل على أن المذكور معه غير مراد بالقول الأول(2)].

    [الشرح]:

    (1)
    (ومنه: الاستثناء):

    أي ومن الكلام المفيد، هكذا قدّره الكثير.

    ويحتمل أنه من المخصصات؛ لأن السياق لا زال في ذكر مبحث الخاص، فذكر أن المخصصات تسعة، ثم قال:

    (ومنه: الاستثناء):
    لا مانع أن يكون الضمير عائدا إلى المخصصات؛ لأن المخصص كما سبق نوعان:

    مخصص متصل، ومخصص منفصل.

    والمتصل -كما ذكرناه- لا يستقل بنفسه؛ يعني لا بد أن يكون متصلا بالكلام، وهذا محصور في خمسة، منها الاستثناء؛ لأن الاستثناء لا يوجد وحده، بل لا بد أن يكون متصلا بالمستثنى منه، "قام القوم إلا زيدا"، فلا يقال: "قام القوم"، ثم بعد ذلك يأتي في موضع آخر، أو بعد أسبوع، أو بعد شهر ويقول: "إلا زيدا"؛ لأنه مرتبط به ارتباط الجزء بكله.

    (ومنه: الاستثناء):
    الاستثناء: استفعال من الثني، ولذلك قيل: الاستثناء لغة: مأخوذ من الثني، ومعناه العطف والعود، يقال: "ثنيت الحبل"، إذا عطفت بعضه على بعض.

    وقال بعضهم: إنه مأخوذ من الصرف، "ثنيت زيدا عن كذا"، إذا صرفته عنه.

    (2)
    (وهو قول متصل يدل على أن المذكور معه غير مراد بالقول الأول):

    وأما في الاصطلاح فعرّفه بتعريف تبع فيه ابن قدامة -رحمه الله تعالى- على خلاف المشهور من تعريف الأصوليين؛ لأنهم يعرفون الاستثناء بأنه:

    "الإخراج بـ إلا أو إحدى أخواتها".

    فحينئذ لا بد أن يكون الاستثناء فيه إخراج، فإذا لم يكن فيه إخراج لا يكون استثناء.

    ولذلك من عرّف الاستثناء بأنه إخراج؛ أنكر وجود الاستثناء المنقطع، أو أثبته لكنه مجاز، ونفى أن يكون الاستثناء حقيقة من غير الجنس؛ لعدم وجود الإخراج، فإذا قلت: "قام القوم إلا زيدا"، "إلا زيدًا": هنا حصل إخراج من المستثنى منه، وهو القول، إذًا المستثنى داخل في جنس المستثنى منه، وهذا هو حقيقة الاستثناء، فإذا لم يكن كذلك لا يُسمَى استثناء، فإذا قال: "قام القوم إلا حمارا"، ليس عندنا إخراج، إذًا ليس باستثناء، وهذا ما يسمى بالاستثناء المنقطع، إذًا لا بد أن يكون الاستثناء متضمنًا لمعنى الإخراج، وإلا فلا يكون استثناء.

    فإذا سُمع من كلام العرب ما ظاهره الاستثناء وليس فيه ثم إخراج، قالوا: ليس باستثناء حقيقة، وإنما هو استثناء مجازا؛ كما إذا استثني من غير الجنس.

    والصواب: أن الاستثناء قد يكون منقطعا حقيقة؛ لأنه مسموع من لغة العرب كما سيأتي.

    "الإخراج بـ إلا أو إحدى أخواتها": الإخراج هذا يشمل كل ما يمكن أن يُخرَج به؛ كالشرط، الشرط فيه نوع إخراج، ولذلك يُعدّ من المخصصات المتصلة، {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}، إذًا أخرج مكاتبة من لم نعلم فيه خيرًا، إذًا حصل به إخراج.

    كذلك الصفة يحصل بها إخراج
    ، {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا}، أخرج القتل الخطأ وشبه العمد.

    كذلك الغاية
    ، {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ}، إلى أن قال: {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ}[التوبة29]، فإن أعطوا الجزية ارتفع الأمر، وهو قتالهم.

    كذلك البدل يحصل به إخراج
    ، {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ}، هذا يشمل المستطيع وغيره، قال: {مَنِ اسْتَطَاعَ}، هذا بدل بعض من كل، حينئذ حصل به إخراج.

    إذًا استوى الاستثناء مع غيره من المخصصات المتصلة في كون كل منها فيه إخراج، ولكن امتاز الاستثناء عن غيره أنه استثناء بأداة خاصة، وهي "إلا" أو إحدى أخواتها؛ يعني نظائرها في المعنى.

    ثم هذه النظائر قد تكون حرفا، وقد تكون اسما، وقد تكون مترددة بين الحرفية والاسمية، ولذلك بعضهم حصر صيغ الاستثناء بإحدى عشرة صيغة، عند الأصوليين، ليس عند النحاة، وهي: "إلا"، و "غير"، و "سوى"، و "ما عدا"، و "ليس"، و "لا يكون"، و "حاشا"، و "خلا"، و "سيّما"، و "ما خلا"، و "عدا"، "عدا" تُحسب مرتين بـ "ما"، وتُحسب بدون "ما"، هذه الصيغ إن وردت في كلام العرب في جملةٍ ما متضمنة لإحدى هذه الأدوات حكمنا عليه بأنه استثناء لغة.

    ولكن هل يحصل الاستثناء بالفعل؟ لو قال: "قام القوم وأستثني زيدا"؟

    محل نزاع، أكثر أهل اللغة -إن لم يكن اتفاق- أنه لا يعد استثناء، وإن كان فيه معنى الاستثناء، "قام القوم وأستثني زيدا"، "أستثني": فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره "أنا"، و "زيدا": مفعول به، هل حصل إخراج بهذا؟

    نعم حصل إخراج، لكنه لم يكن بـ "إلا" أو إحدى أخواتها، فحينئذ لا يُسمى استثناء، وعند بعض الأصوليين يُسمى استثناء.

    حروف الاستثناء والمضارع

    من فعل الاستثناء وما يضارع

    "حروف الاستثناء والمضارع من فعل الاستثناء": يعني المضارع من فعل الاستثناء، "وما يضارع": يعني وما يشابه الفعل المضارع؛ مثل "خلا" و "عدا" و "حاشا"، هذه أفعال ماضية وحصل بها الاستثناء.

    وهذا غريب من النحاة؛ أن يُعَدّ "خلا" و "عدا" و "حاشا" -وهي أفعال إذا نَصَبَت- استثناء، ولا يعد "أستثني" استثناء؛ لأن "أستثني": من مادة الاستثناء؛ يعني من حروف الاستثناء، أقوى في الدلالة على الاستثناء من "خلا" و "عدا" و "حاشا"، يُفَهم منه الاستثناء بقوة؛ لأنه من جهة المعنى ومن جهة اللفظ، أما "قام القوم عدا زيد"، لو حصل الإخراج به، ليس من جهة اللفظ، وإنما من جهة المعنى، أما "أستثني زيدا"، هذا حصل من جهة المعنى ومن جهة اللفظ؛ لأنه مشتمل على مادة الاستثناء.

    "الإخراج بـ إلا أو إحدى أخواتها": لكن بعض الأصوليين اعترض على هذا الحد باعتراضٍ وجيه، وهو أنه لو حُكم بأن الاستثناء إخراج بـ "إلا" أو إحدى أخواتها مما لو لم تأتِ "إلا" لكان داخلا فيما سبق، وهو المُستثنى منه.

    قالوا: إذا حكمنا بالإخراج لوقعنا في التناقض، فإذا قيل: "قام القوم إلا زيدا"، أُخرج "زيد" من القوم، متى؟

    بعد دخوله؛ لأنه لا يكون إخراج إلا بعد الدخول، "قام القوم إلا زيدا"، إذًا لما أثبتَ القيام له أخرجتَه، وأثبتَ له نقيض ما أثبتَه للمحكوم عليه السابق، وهو المستثنى منه، فحينئذ يقع التناقض في كون هذا الفرد المُخرَج المُستثنى حُكِم عليه أولا بالقيام، ثم حُكِم عليه ثانيا بنقيض القيام، وهو عدم القيام، فإذا قيل: "قام القوم إلا زيدا"، لو قيل بالإخراج بـ "إلا" هنا؛ لقلنا:

    أولا: حكمنا على المستثنى، وهو "زيد" بالقيام، ثم قلنا: "إلا زيدا"، والاستثناء من الإثبات نفي، وهذا استثناء متصل، وهو الحكم بنقيض الحكم على جنس ما حكمت عليه أولا، فيكون تقدير الكلام: "قام القوم إلا زيدا لم يقم"، فالحكم الذي أُثبت أولا -وهو القيام المُثبَت للمستثنى منه- أُثبت نقيضه، وهو عدم القيام لزيد.

    لكن كيف أدخلته أولا في المستثنى منه ثم أخرجته؟

    حصل تناقض، وهو أن الفرد المُخرَج حُكِم عليه أولا بإثبات الحكم، ثم أثبت له نقيض الحكم، وهو ما بعد "إلا"، لأنه كما سيأتي -قول المصنف-: (وهو من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات)، لذا عدَل بعضهم عن حقيقة الاستثناء: بأنه إخراج، وخاصة ما رتب عليه ابن القيم -رحمه الله تعالى- بكلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، لو قيل: بأنه إخراج لحصل الكفر أولا، ثم التوحيد، ولا يجتمعان، "لا إله" دخل أولا المستثنى، وهو الله -عز وجل-، فنُفيت عنه الألوهية، ثم أُثبتت له الألوهية، وهذا تناقض؛ لأنه "لا إله": إذا قصد دخول الله -عز وجل- فهذا كُفر، نفى الألوهية عن الرب -جل وعلا-، ثم أثبتها.

    إذًا يلزم على هذا التعريف -أن الاستثناء إخراج- أن المُوحِّد لو قال كلمة: "لا إله إلا الله" لا يدخل بها الإسلام، ولا تكون توحيدا؛ لأنه تناقض، آخرها يناقض أولها، فلذلك عدل بعضهم عن هذا التعريف إلى ما ذكره المصنف هنا.

    والطوفي له تعليق على هذا، يقول في "مختصر الروضة" لما أورد التعريف: "هذا قول من يزعم أن التعريف بالإخراج -أي إخراج بعض الجملة بـ "إلا" وما قام مقامها- تناقض، وليس بشيء".

    والصواب: أنه شيء؛ لأنه يحُكى إطباق -ودعوى الإجماع فيها نظر- أهل اللغة على تفسير الاستثناء بالإخراج؛ وعليه يلزم التناقض.

    ولذلك صحح ابن القيم -رحمه الله تعالى- في "بدائع الفوائد" أن مذهب سيبويه: أنه ليس بداخل في الاسم ولا في الحكم، لم يدخل أصلا، إذا قيل: "قام القوم إلا زيدا"، "إلا زيدا": هذه قرينة فقط دالة على أن "زيدا" لم يُرَد بالجملة الأولى، "قام القوم": لا يدخل فيها "زيد" البتة، لا في المُسمى -الذي هو المستثنى منه في الاسم- ولا في الحكم، وهو إثبات القيام، ولذلك نصّ بعضهم على أن مذهب سيبويه وجمهور البصريين: أن المستثنى لم يندرج في المستثنى منه، ولا في حكمه، فكيف يُدعى إجماع أهل اللغة أن الاستثناء إخراج؟ حينئذ لا عدول.

    نقول: لا، إذا حُكي مذهب سيبويه بأنه لم يندرج المستثنى في المستثنى منه، ولا في حكمه، وهو منسوب إلى جمهور البصريين، بل مذهب الكسائي، -وهو إمام الكوفيين- بأنه لا يندرج أيضا في المستثنى منه، لكنه خالف سيبويه بأنه مسكوت عنه، فإذا قيل: "قام القوم إلا زيدا"، "زيدا" هذا مسكوت عنه، لم يُثبَت له قيام ولم ينفَ، لكنه وافق أن المستثنى ليس داخلا في المستثنى منه، وعليه دعوى الإجماع ليست بصحيحة.

    ولذلك العدول إلى تعريف الاستثناء بما ذكره المصنف هنا تبعا لابن قدامة -رحمه الله- وغيره، نقول: هو أصوب وأدق؛ بأن يُقال:
    (الاستثناء: قول مُتصل يدل على أن المذكور معه غير مراد بالقول الأول): لكن لو زاد بـ "إلا" أو إحدى أخواتها على من نصّ على أن الاستثناء لا بد أن يكون بـ "إلا: أو إحدى أخواتها فهو حسن.

    وأما "الإخراج بـ "إلا" أو إحدى أخواتها"؛ نقول: هذا فيه نظر.

    (وهو):
    أي الاستثناء.

    (قول):
    إذًا لا بد أن يكون لفظا، أخرج المخصصات العقلية، والمخصصات الحسية؛ لأنها ليست بأقوال، والاستثناء معلوم أنه من المخصصات المتصلة، إذًا لا بد من جنس يُخرِجُ بقية المخصصات.

    (متصل):
    أخرج المنفصلة، حينئذ المخصصات المنفصلة ليست داخلة معنا، فالاستثناء لا بد أن يكون متصلا بالمستثنى منه، كما سيأتي أنه شرط لصحة الاستثناء؛ أن يكون الاستثناء متصلا بالمستثنى منه؛ لأنه لا يُعَد كلامًا إلا بهما؛ كالخبر مع المبتدأ، وجواب الشرط مع فعل الشرط، لو قال: "إن قام زيد"، ثم جاء بعد أسبوع فقال: "قمت"، لم يعد كلاما، لو قال: "قام القوم"، ثم قال بعد شهر: "إلا زيدا"، لم يعد كلاما؛ لأن شرط الكلام أن يكون كلًا مركبا ملفوظا مرة واحدة؛ يعني في مجلس واحد.

    (قول متصل)
    : الاستثناء حينئذ لا يستقل بنفسه عن الجملة،

    (يدل):
    إذًا له دلالة، ليس بقولٍ لا معنى له؛ لأن القول هو اللفظ الدال على معنى.

    لو زيد القيد هنا بـ "إلا" أو إحدى أخواتها فيكون متعلقا بقوله: (يدل) لكان أجود.

    (على أن المذكور معه)
    : مع "إلا" أو إحدى أخواتها، فنُرجع الضمير حينئذ على "إلا" أو إحدى أخواتها، ولو فُسّر القول -كما فسّره البعض- بأنه صيغ الاستثناء لعاد إلى القول.

    حينئذ (قول): بعضهم فسّره بأنه المراد به صيغ الاستثناء الإحدى عشرة المذكورة سابقا.

    ولو قلنا: (قول): المراد به احترازا عن المخصصات العقلية والحسية، وزدنا لفظ "يدل بـ "إلا" أو إحدى أخواتها"؛ يكون التقدير على أن المذكور معه؛ أي المذكور مع صيغ الاستثناء.

    (غير مراد بالقول الأول):
    الذي هو المستثنى منه مع حُكمه غير مراد، فحينئذ "إلا" وما بعدها قرينة صارفة على أن يكون المستثنى داخلا فيما سبق؛ لأنه لولا الاستثناء لكان داخلا، لو قال: "قام القوم" يشمل كل من يصدق عليه القوم، لكن قد يُطلق لفظ "القوم" -وهو عام- ويُراد به البعض، ما الذي يدلنا على أنه أطلق العام وأراد به بعضه؟

    لا بد من قرينة، لما أطلق "القوم" لم يرد به "زيدا" أردفه بقرينة تدل على أن "زيدا" غير مراد بالقول الأول، فحينئذ "قام القوم إلا زيدا"، لا نقول: "إلا" أخرجت "زيدا" من قوله: "القوم" بعد دخوله، وإلا وقعنا في التناقض، وإنما نقول: "إلا" والمذكور بعدها قرينة تدل على أن "زيدا" لم يدخل أصلا في القول، ولم يدخل في حكمه الذي هو القيام، وليس داخلا في المسمى؛ الذي هو الاسم "القوم".

    حينئذ نقول: "قول متصل يدل بـ "إلا" أو إحدى أخواتها على أن المذكور معه -أي المستثنى المذكور مع صيغ الاستثناء- غير مراد بالقول الأول".

    والمراد بالقول الأول: المستثنى منه وحكمه؛ فحينئذ يكون المستثنى مُخرَجا من الاسم وحكمه، ليس داخلا أصلا، والإخراج قبل جعل المسند إليه مسندا إليه، وقبل إلحاق الفعل به؛ قبل أن يُقال: "قام القوم"، أراد عدم دخول "زيد" وأردفه بـ "إلا زيدا"، قرينة دالة على هذا المعنى الذي كَنَّه في نفسه.

  8. #68

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع الاستثناء:

    الفرق بين الاستثناء والتخصيص بغيره:


    [المتن]:

    [فيفارق التخصيص بالاتصال(1)، وتطرقه إلى النص؛ كعشرة إلا ثلاثة(2)].

    [الشرح]:

    (1)
    (فيفارق التخصيص بالاتصال):

    فيفارق الاستثناءُ التخصيص، والمراد بالتخصيص هنا: المخصِّص المنفصل.

    ما الفرق بين الاستثناء -وهو مُخصص- والمخصصات المنفصلة، والمخصصات المتصلة: التي غير الاستثناء؛ كالغاية ونحوها؟


    (فيفارق الاستثناءُ التخصيصَ)
    : يعني بالمنفصل والمتصل بغير الاستثناء.

    (بالاتصال):
    بأن يكون متصلا، فيجب اتصاله بالمستثنى منه حقيقة أو حكما بخلاف غيره من المخصصات المنفصلة، فإنه لا يشترط اتصاله؛ لأنه -كما سبق- أن المخصَّص (اللفظ العام) قد يكون في آية، أو في الكتاب، ويأتي المخصِّص المنفصل في سورة أخرى منفصلة عن الآية السابقة، أو يأتي في السنة، أو العكس، لا يُشترط أن يكون متصلا به، {وَالْمُطَلَّقَ تُ يَتَرَبَّصْنَ}، هذه في آية البقرة، {وُأولَات الأحَمالٍ}، هذه في سورة الطلاق، حينئذ نقول: هذا مخصص منفصل، هل يشترط اتصاله به؟

    لا يشترط.

    بخلاف الاستثناء؛ لا بد أن يكون متصلا به حقيقة، أن يُلْفَظ به مرة واحدة: "قام القوم إلا زيدا".

    أو حكما
    ؛ بأن ينقطع عن الاتصال بأمر ضروري لا بد منه؛ كالسعال، أو أخذ النفس، أو بلع الريق، ونحوه، لو قال: "قام القوم"، ثم سعل، ثم قال: "إلا زيدا"، هذا في الحقيقة ليس متصلا، لكنه لما كان الانفصال هنا بشيء ضروري أُلحق به، وجُعل في حكم المتصل حقيقة، ولذلك لا بد أن يكون المستثنى متصلا بالمستثنى منه حقيقة أو حكما.

    إذًا يفارق الاستثناء التخصيص بالاتصال، فلا بد أن يكون المستثنى متصلا بالمستثنى منه، وإلا لما عُدّ كلاما؛ كاتصال الخبر بالمبتدأ، لا يمكن أن يُتصَور أن يُقال: "زيد"، ثم يقال بعد وقت طويل: "قائم"، السامع والمُخاطب لا يتصور إلحاق "قائم" بـ "زيد"؛ لذلك من شرط الكلام أن يكون مركبا تركيبا إسناديا، وإلا لما صار كلاما، وأن يكون المركب تركيبا إسناديا مستلزما لمسند ومسند إليه.

    ولا بد أن يكون من متكلم واحد، ولذلك اختلفوا أيضا في الاستثناء لو وقع من متكلمين، هذا بناء على الكلام؛ على أصل مسألة الكلام نفسها (المسند والمسند إليه) هل يصح أن يقع من اثنين؟ أو لا بد أن يكون من متكلم واحد؟

    فيه خلاف: ابن مالك -رحمه الله- على جلالته جوَّز أن يكون من اثنين.

    والصواب: أنه يكون من واحد، ولا يصح أن يكون من اثنين ولو تواطآ؛ لأن بعضهم مثَّل بمن تواطآ؛ يعني يقول له: أنا أقول: "زيد" وأنت تقول: "قائم"، نقول: هاتان جملتان، وليستا جملة واحدة، "زيد": حذفت الخبر ونويته، وذاك قال: "قائم": حذف المبتدأ، فهاتان جملتان، وأما إذا لم يكن تواطؤ، حينئذ لا يصح أن يكون كلاما، لا يمكن أن يقول الرجل: "زوجتي"، ثم يقول آخر: "طالق"، هل يقع؟

    الفتوحي في "شرح الكوكب المنير" نزّل هذه المسألة على الخلاف في الكلام، هل يقع من متكلم واحد أو لا؟

    مثله الاستثناء، لو قال: "زوجاتي طوالق"، فقال آخر: "إلا هندا"، هل يقع؟

    بناء على الكلام في أصله، هل يُشترط فيه أن يكون من متكلم واحد أو لا؟

    الأصح أنه لا بد أن يكون من متكلم واحد، فلو نطق أحدهما بمسند، ونطق الآخر بمسند إليه لم يعتبر كلاما، ولو نطق واحد بمستثنى محكوم عليه، ونطق آخر بالمستثنى نقول: لم يقع، ولم يحصل.

    أما قوله -صلى الله عليه وسلم- لما قال: «البلد الحرام، وأن الله حرمه . .» فقال العباس: "إلا الإذخر"، فحصل الاستثناء هنا، فقالوا: إذًا وقع من متكلمين.

    نقول: لا، النبي -صلى الله عليه وسلم- أعاد الاستثناء، وإنما قاله العباس مُذكِّرا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وإلا لو حصلت الفائدة بقول العباس وكان سكوت النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة في الإقرار عليه لِمَ عاده النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ ما الفائدة؟ لكان لغوا وعبثا، وهو مُنزه عن هذا -صلى الله عليه وسلم-.

    حينئذ نقول: ليس في هذا دليل لكم، بل هو دليل عليكم، هذا ما يُسمى بقلب الدليل؛ كون النبي -صلى الله عليه وسلم- أعاد المستثنى وقال: «إلا الإذخر» دليل على أنه لا بد من الاتصال، وإلا لم يُعدّ كلاما؛ لأنه لو سكت ولم يُعِد الاستثناء الذي ذكره العباس لكان سكوته حجة، فحصل الحكم الشرعي.

    إذًا لا بد أن يكون متصلا، ومن متكلم واحد.

    وما بناه الفتوحي في "شرح الكوكب" في مسألة لو قيل من متكلمين ليس بصحيح؛ لأنه قال: "لو قيل من متكلمين؛ فقال قائل: "زوجتي" قال الآخر: "طالق"، يقع أو لا يقع"؟

    نقول: هذه المسألة مردها إلى الشرع، لا يقع قطعًا، هل يقع الطلاق في الشرع بلفظ "زوجتي"؟

    لا، إذًا لا يمكن أن يقع بفعل الآخر، وإنما يحصل بفعل الفاعل نفسه، وهذا أمر شرعي مرده إلى الشرع، واللغة ليس لها مدخل في مثل هذا.

    (2)
    (وتطرقه إلى النص؛ كعشرة إلا ثلاثة):

    الفارق الثاني بين الاستثناء والتخصيص: (تطرقه إلى النص):
    يعني الاستثناء كما أنه من المخصصات، وإذا كان من المخصصات معناه أنه يتطرق إلى اللفظ العام، هل يدخل غير العام؟

    نعم، قد يدخل النصّ، لأن لفظ "عشرة" ليس بلفظ عام، ولذلك قلنا: في حد العام: "اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب الوضع بلا حصر"، "بلا حصر": لإخراج أسماء الأعداد، فإنها ليست بألفاظ عامة؛ لأنها تدل على مُعيَّن، والخاص: اللفظ الدال على المُعيَّن إما بشخص أو بعدد، إذًا صارت العشرة ونحوها من ألفاظ الأعداد، أسماء الأعداد، صارت من الخاص، هل يصح دخول الاستثناء اللفظ الخاص الذي هو نص في العشرة؟

    نقول: نعم، تقول: "له علي عشرة إلا خمسة"، "إلا ثلاثة"، إذًا دخله الاستثناء، كما يدخل الاستثناء اللفظ العام: "أكرم الطلاب إلا زيدا"، هنا الاستثناء وقع مقارنا للفظ عام، وهو من المخصصات، وأما "إلا عشرة" فلا يسمى مخصَّصا.

    إذًا الفارق الثاني الذي يفارق التخصيص: أن التخصيص لا يكون إلا للفظ العام، ولا يكون للفظ الخاص؛ لأنه هو في نفسه خاص، وأما الاستثناء -من حيث هو استثناء- فيدخل اللفظ العام، ويدخل اللفظ الخاص.

    وعليه، فالتخصيص بالاستثناء أعم من التخصيص بغيره؛ لأن التخصيص بغير الاستثناء خاص باللفظ العام، والتخصيص بالاستثناء يدخل اللفظ العام وغيره.

  9. #69

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع الاستثناء:

    الفرق بين النسخ والاستثناء:


    [المتن]:

    [ويفارق النسخ بالاتصال(1)، وبأنه مانع لدخول ما جاز دخوله، والنسخ رافع لما دخل(2)، وبأنه رفع للبعض، والنسخ رفع للجميع(3)].

    [الشرح]:

    (1)
    (ويفارق النسخ بالاتصال):

    يعني يفارق الاستثناءُ النسخَ بالاتصال، لا بد أن يكون متصلا، والنسخ شرطه الانفصال، لا يكون ناسخا إلا إذا كان الحكم الجديد بخطاب متراخٍ عن الحكم السابق.

    (2)
    (وبأنه مانع لدخول ما جاز دخوله، والنسخ رافع لما دخل):

    أي الاستثناء يفارق النسخ من حيث إن الاستثناء مانع لدخول ما جاز دخوله
    ، إذًا جاز أولا دخوله، وجاء الاستثناء قرينة صارفة عن دخول المستثنى في المستثنى منه، وأما النسخ فهو رافع لما دخل، هو دخل أصلا ثم رُفع، إذًا الاستثناء مانع، والنسخ رافع، الاستثناء مانع لدخول ما جاز دخوله، ولا يُقطَع بأنه داخل، بل ننفي بأنه داخل، والنسخ رافع لما دخل، دخل أولا ثم نُسخ.

    (3)
    (وبأنه رفع للبعض، والنسخ رفع للجميع):

    الفارق الثالث بين الاستثناء والنسخ: بأن الاستثناء رفع للبعض
    ، "قام القوم إلا زيدا"، فحينئذ "إلا زيدا": هذا بعض القوم، وليس كل القوم، "أكرم الطلاب إلا زيدا"، ولا يصح أن يُقال: "أكرم الطلاب إلا الطلاب"، لكن النسخ قد يكون رافعا للكل، وقد يكون رافعا للبعض.

    للكل -مثلا- كما في نسخ القِبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، الحكم كله مرفوع، ليس مفصّلا، في صلوات كذا لك أن تتوجه وإلا فلا، لكن عدة المُتوفَّى عنها زوجها كانت حولا فنُسخت إلى أربعة أشهر وعشرة، نُسخ.

    أما الاستثناء فلا يكون رفعا للكل، لا بد أن يكون للبعض؛ لأن استثناء الكل من الكل باطل باتفاق، ولا يصح أن يُقال كما سيأتي: "له على عشرة إلا عشرة"، "خمسة إلا خمسة"؛ لأنه باطل ولغو وعبث.

    إذًا هذه فوارق بين النسخ الاستثناء.

    ** يشترط في الاستثناء أن يكون متصلا،

    ** والاستثناء يكون مانعا، والنسخ رافعا.

    ** والاستثناء رفع للبعض، والنسخ قد يكون رفعا للجميع.

  10. #70

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع الاستثناء:

    شروط الاستثناء:


    (1): اتصال المستثنى بالمستثنى منه:


    [المتن]:

    [وشرطه(1): الاتصال، فلا يفصل بينهما سكوت يمكن الكلام فيه(2)، وحُكِيَ عن ابن عباس عدم اشتراطه(3)، وعن عطاء والحسن تعليقه بالمجلس(4)، وقد أومأ إليه أحمد في اليمين(5)].

    [الشرح]:

    (1)
    (وشرطه):

    ثم ذكر شروط الاستثناء.

    متى يُعتبر الاستثناء مؤثّرا في الحكم الشرعي؟


    ذكر المصنف هنا ثلاثة شروط لصحة الاستثناء للحكم.

    (2)
    (الاتصال، فلا يفصل بينهما سكوت يمكن الكلام فيه):

    يعني لا ينفصل بسكوت ولا بكلام أجنبي، لا بد أن يكون متصلا كما ذكرناه سابقا؛ لأنه جزء من الكلام يحصل به الإتمام، فإذا انفصل لم يكن إتماما؛ كالشرط وخبر المبتدأ كما ذكرناه سابقا، لو فصل بين المستثنى والمستثنى منه بكلام أجنبي أو بسكوت طويل؛ نقول: هذا لا يعد كلاما؛ لأنه كالجزء من الكلام، والأصل في الكلام أن يُلقى مرة واحدة؛ المُسنَد والمُسنَد إليه، وما تعلق به من الفضلات يكون متمما لمعناه، فلا يصح حينئذ أن يُقال: "قام الطلاب" و "أكرم الطلاب"، ثم بعد ساعة يقول: "إلا زيدا"، وعليه لو حصل: نقول لزم الحكم لجميع الطلاب، و "إلا زيدا": هذا يعتبر لغوا وعبثا لا يُلتَفت إليه.

    (وشرطه الاتصال):
    يعني اتصال المستثنى بالمستثنى منه حقيقة أو حكما.

    (فلا يفصل بينهما):
    يعني لا يجوز الفصل بين المستثنى والمستثني منه.

    (سكوت يمكن الكلام فيه):
    أما سكوت لا يمكن الكلام فيه، قليل، هذا لا يُخرجه عن كونه حقيقة؛ لأنه مشتبه، يحتمل أنه سكت لأمرٍ ما؛ يفكر، أو ينظر، أو يتأمل، أو لانشغال الذهن، ونحو ذلك، فنقول: إذا تكلم بعد ذلك قال: "أكرم الطلاب"، ثم سكت قليلا، ثم قال: "إلا زيدا"، نقول: هذا الأصل أنه محكوم عليه بالاتصال.

    أو فصله بكلام أجنبي، قال: "أكرم الطلاب"، ثم تكلم في مسائل أخرى -أجنبية يعني عن المقام-، ثم قال: "إلا زيدا"، نقول: الأصح أنه لا يعتبر استثناء، ولا يصح.

    (3)
    (وحُكِيَ عن ابن عباس عدم اشتراطه):

    (وحُكي):
    هذه صيغة تضعيف؛ لأنه لم يثبت ثبوتا يصح اعتماده، كثير من أرباب الحديث يضعفون الرواية المنقولة عن ابن عباس أنه سُئل فقال: "إلى سنة أو إلى أمد".

    (عدم اشتراطه):
    عدم اشتراط الاتصال، فحينئذ يجوز كونه منفصلا، فقد ورد عنه في الرجل يحلف قال له: "أن يستثني ولو إلى سنة"، ثم قرأ: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ}؛ لأنه استدل بقوله: {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}، إذًا {ولَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا}، الاستثناء.

    فإذا قلت: سأفعل -وهذا ينبغي تقييده بالأفعال المستقبلة- إذا قال: سأفعل كذا في المستقبل ونسي، حينئذ له أن يقول: إن شاء الله، ولذلك حُمل عليه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لأغزون قريشا» ثلاث مرات، ثم سكت، ثم قال: «إن شاء الله»، فنقول: هذا امتثال للآية، وليس المقامُ المقامَ الذي نذكره؛ وهو الاستثناء بـ "إلا" أو إحدى أخواتها، وإنما هذا تعليق الأفعال المستقبلة على المشيئة، وهذا متى ما نسي الإنسان وذكر؛ حينئذ يأتي بقوله: إن شاء الله، وليس المقام فيما هو نحن فيه.

    ولذلك: {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}، هل هذا قول؟

    يكون تفسيرا، ويكون حكما شرعيا، فامتثاله يكون امتثالا لحكم شرعي، وبحْثُنا في الأصل أنه بحث لُغوي، وليس ببحث شرعي، إثبات الاستثناء من حيث هو استثناء هذه مباحث لغوية، ثم إذا جاء في الشرع شيء آخر فحينئذ نعدل عن المعنى اللغوي إلى الحقيقة الشرعية، ونقول: الحقيقة الشرعية مُقدمة على الحقيقة اللغوية -ينتبه لهذا-، البحث في اللغويات ليس كالبحث في الشرعيات.

    يعني تبحث في المسائل اللغوية من حيث هي في اللغة، ثم هل الشرع جاء بما يوافق اللغة أم غيَّر؟ نقَل الحقيقة كلها أو بعضها؟ أو له استعمال خاص؟

    فحينئذ تصير المسألة مركبة من حقيقتين: حقيقة لغوية وهي الأصل، وحقيقة شرعية، فإذا جاء في الشرع إطلاق الاستثناء، وجعل له حقيقة خاصة نحمله على الحقيقة الشرعية لا على الحقيقة اللغوية.

    (4)
    (وعن عطاء والحسن تعليقه بالمجلس):

    يعني جاز الفصل، لكن ينبغي تقييده بالزمن اليسير، إذا كان المتكلم في المجلس؛ يعني بقي في مجلسه؛ كخيار المجلس، إذا بقي في المجلس له أن يستثني، وشيخ الإسلام يميل إلى هذا.

    لكن من حيث اللغة نقول: لا، لا بد من الاتصال؛ لأننا إذا أثبتنا حقيقة الكلام بأنه مركب من مسند ومسند إليه، وأن المتعلقات هي معمولات، والمعمولات لا بد أن تكون متصلة بعواملها، حينئذ ننزل هذه القواعد على الكلام اللغوي، إن جاءت حقيقة شرعية فعلى العين والرأس، ولا نبقَى على المعنى الأصلي.

    (5)
    (وقد أومأ إليه أحمد في اليمين):

    أشار إلى -قول عطاء والحسن بأنه يجوز الفصل وتعليقه ما دام في المجلس، أما إذا انفصل المجلس فحينئذ ليس له ذلك- كما في رواية أبي طالب، قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "إذا حلف بالله وسكت قليلا، ثم قال: إن شاء الله فله استثناؤه؛ لأنه يُكفّر"، وسكت قليلا؛ يعني تقييد، وليس على إطلاقه كما قال المصنف هنا، وتعليقه بالمجلس: هذا عام يشمل الزمن اليسير وغيره.

    إذًا (وأومأ إليه أحمد): لم يُومئ إليه مطلقا، وإنما قال: "وسكت قليلا".

    إذًا هل يشترط في المستثنى أن يكون متصلا بالمستثنى منه؟
    .
    نقول فيه: مذهبان:

    المذهب الأول:
    أنه يشترط، ولا يصح فصله وانفصاله إلا بضرورة؛ كأخذ نفَسٍ وسُعال ونحو ذلك، فنقول: حينئذ هذا له حكم الاتصال، وهذا قول جماهير أهل العلم، واستدلوا بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير»، أيهما أيسر وأليق بالشرع أن يقول: "فليكفر عن يمينه"، أو يقول: "فليقل: إن شاء الله"؟

    الثاني، لو كان عدم الاتصال جائزا في الحلف لقال: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليقل إن شاء الله"، ولا يقول: "فليكفر عن يمينه".

    ولذلك جاء أيضا في قصة أيوب: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ}[ص44]، فلو كان الاتصال ليس شرطا لقال له: "قل إن شاء الله"، فحينئذ لا كفارة، لكن هذا يدل على أنه لا بد من الاتصال، هذه حجة الجمهور، وهو أصح، موافق له من جهة الشرع ومن جهة اللغة، اللغة أثبتت أنه لا بد من الاتصال، وكذلك جاء الدليل الشرعي مُبينا أنه لا بد من الاتصال.

    المذهب الثاني:
    أنه لا يشترط الاتصال.

    ثم الانفصال لا بأس به إلى متى؟

    قيل: إلى شهر، وقيل: إلى شهرين، وقيل: إلى سنة، وقيل: إلى سنتين، وقيل: أبدا مطلقا، فحينئذ له أن يستثني، ولو صح القول بالاستثناء مطلقا لا يُعرَف صدق صادق ولا كذب كاذب، ولا يثبت طلاق، ولا عتق، ولا حنث، ولا غيره، صار الناس يتلاعبون بالألفاظ الشرعية، وله أن يقول: "زوجتي طالق"، ثم بعد ذلك لو قيل له: تَطْلُق، قال: "إذا خرجت من البيت"، أو قيّده، فحينئذ أخرج نفسه، فلو قال: "زوجتي طالق ثلاثا"، الجمهور على أنه يقع، ثم يقول للقاضي: ماذا أصنع؟ يقول له: قل: "إلا اثنتين"، فيقول، حينئذ حصل تلاعب.

    هذا الشرط الأول.

  11. #71

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع شروط الاستثناء:

    (2): أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه:


    [المتن]:

    [وأن يكون من الجنس، وبه قال بعض الشافعية(1)، وقال مالك وأبو حنيفة وبعض المتكلمين: ليس بشرط(2)].

    [الشرح]:

    (1)
    (وأن يكون من الجنس، وبه قال بعض الشافعية):

    الشرط الثاني
    قال: (وأن يكون من الجنس): يعني أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، فإذا لم يكن من جنسه لا يصح أن يكون استثناء لغة، ليس باستثناء حقيقة، وإنما يطلق الاستثناء وينصرف بإطلاقه الحقيقي على ما كان المستثنى من جنس المستثنى منه، وهذا إذا قيل مثلا: "قام القوم إلا زيدا"، "زيدا": هذا من جنس القول، فحينئذ صح الاستثناء، لو قال: "قام القوم إلا حمارا"، ليس من جنسه، إذًا لا يصح الاستثناء؛ لأنه جعله شرطا.

    حينئذ إذا لم يكن من الجنس لم يصح الاستثناء، لم يصح ماذا؟

    قيل: لغة؛ بمعنى أنه يُلحَّن ويُغلَّط.

    والأشهر أنه لا يصح الاستثناء حقيقة.

    وإلا بعضهم قال: هذا لغو، ليس بصحيح.

    لكن هذا فاسد؛ لأنه واقع في القرآن، فحينئذ نقول: لا، الاستثناء من غير الجنس ثابت، لكن الخلاف بين الجمهور وغيرهم هل هو استثناء حقيقة أو مجازا؟

    وإلا هو استثناء.

    قوله: (وأن يكون من الجنس): هذا فيه إشارة إلى الاستثناء المتصل، وأهل اللغة يقسمون الاستثناء إلى متصل ومنقطع، والضابط بينهما على المشهور ما ذكره المصنف؛ إذا كان الاستثناء من الجنس فهو متصل، وإن كان الاستثناء من غير الجنس فهو منفصل أو منقطع، لا بأس أن تقول: منفصل أو تقول: منقطع، والأشهر الثاني.

    لكن الأولى دقة ونظرا للمعنى أن يُقال: الاستثناء المتصل هو الحكم بنقيض الحكم على جنس ما حكمت عليه أولا، لا بد من أمرين، وليس كون المستثنى من جنس المستثنى منه فحسب هو الحكم بكونه مستثنى متصلا، بل لا بد من شيء آخر، وهو أن يكون الحكم على المستثنى نقيض الحكم على المستثنى منه، لا بد من أمرين.

    والحكم بالنقيض للحكم حصل
    لما عليه الحكم قبل متصل
    فحينئذ نقول: الاستثناء المتصل: هو الحكم بنقيض الحكم -لا بد- على جنس ما حكمت عليه أولا، فإن حكمت بنقيض الحكم لا على جنس ما حكمت عليه أولا فهو منقطع، وإن حكمت على جنس ما حكمت عليه أولا لا بالنقيض، وإنما بمخالف فحينئذ لا يُعد متصلا ولو كان المستثنى من جنس المستثنى منه.

    فقوله: (وأن يكون من الجنس): هذا يشمل بعض المنقطع، يدخل فيه بعض المنقطع، فإذا قيل: الاستثناء المتصل: هو الاستثناء من الجنس؛ أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، هذا ليس خاصا بالمتصل، بل يدخل فيه بعض أفراد المنقطع، فإذا قلت: "قام القوم إلا زيدا"، لا نحكم عليه بأنه متصل أو منقطع إلا بتوفر أمرين اثنين لا بد منهما:

    نقول: "زيدا": هذا من جنس القوم، هذا أولا.

    ثم ننظر إلى الحكم؛ لأن الاستثناء -الكلام التام- ليس ألفاظا فحسب، بل هو ألفاظ وأحكام.

    إذًا عندنا لفظ وعندنا حكم، فتُثبت أن لفظ "زيد" داخل في لفظ "القوم" من حيث هو في اللغة.

    ثم تُثبت أن ما بعد "إلا" ثابت له نقيض الحكم لما ثبت أولا، فالقوم أُثبت لهم الحكم، وهو القيام، ما نقيض القيام؟ الجلوس؟ الاضطجاع؟

    عدم القيام، إذا أردت النقيض فتأتي بلفظ عدم، تضيفه للحكم السابق، عدم القيام هو نقيض القيام، القيام هو عدم نقيض القيام، كل منهما نقيض الآخر؛ لأنهم لا يجتمعان ولا يرتفعان، فحينئذ نقول: "قام القوم إلا زيدا"، وُجد فيه أمران: وهو كون المستثنى من جنس المستثنى منه، وأن الحكم على المستثنى إنما هو حكم بنقيض الحكم الأول على المستثنى منه.

    "قام القوم إلا حمارا"، نقول: هذا مستثنى استثناء منقطعا؛ لانخرام أحد الشرطين، وهو كون المستثنى من جنس المستثنى منه، لكن الحكم بالنقيض ثابت، هذا الأصل، "حمارا": أثبت له نقيض الحكم السابق، وهو عدم القيام، إذًا أثبت نقيض الحكم لا على ما كان من جنس الأول، فنحكم عليه بأنه منقطع.

    وقد يكون من جنس الأول ولا يكون استثناء متصلا، فيما إذا حُكم على المستثنى بحكم مخالف للحكم الأول وليس بنقيضه، مثّل بعضهم كالشيخ الأمين -رحمه الله تعالى- بقول الله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى}[الدخان56]، {الْمَوْتَةَ}: مستثنى، وهو من جنس المستثنى منه، إذًا مثل: "قام القوم إلا زيدا"، على ما ذكره المصنف، نقول: هذا استثناء متصل؛ لأن الموت من جنس المستثنى منه، وهو مطلق الموت، أو الموت الخاص، فالظاهر أنه استثناء متصل، لكن نقول: لا، انخرم الشرط الثاني، وهو كون الحكم على المستثنى ليس نقيضا للحكم على المستثنى منه، بل هو مخالف له، {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا}: الضمير يعود إلى الآخرة، إذًا الحكم ما هو؟

    عدم ذوق الموت في الآخرة، {إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى}: ذوقه في الدنيا، هل ذوق الموت في الدنيا نقيض لعدم ذوقه في الآخرة؟ هل هو نقيض أم خلاف؟ خلاف ليس بنقيضه، لماذا؟

    لأنك تنظر إلى الدنيا وتنظر إلى الآخرة، فتقول: ذوق الموت في الدنيا نقيضه عدم ذوقه في الدنيا، (في الدنيا)، لا بد من تقييده بمحله، ثم تنظر إلى الآخرة فتقول: ذوقه في الآخرة نقيضه عدم ذوقه في الآخرة، وهنا الآية مترددة بين محل واحد وهو الآخرة أو الدنيا حتى يحصل التناقض للحكم أم بين محلين؟

    إذا كان بين محلين حينئذ انفكت الجهة، فنقول: عدم ذوقه في الآخرة ليس نقيضا لذوقه في الدنيا، بل هو مخالف له، إذًا لم يحصل الحكم بالنقيض على المستثنى بنقيض الحكم على المستثنى منه، بل هو خلافه، ولذلك نحكم بأن الاستثناء هنا استثناء منقطع، وليس بمتصل؛ لأنه لا بد من أمرين:

    الحكم بنقيض الحكم السابق على جنس ما حَكمت عليه أولا، فإن كان من الجنس لا بحكم النقيض فهو استثناء منقطِع؛ كما في الآية التي ذكرناها، وإن كان بالنقيض لا على الجنس حكمنا عليه بأنه منقطع.

    (وأن يكون من الجنس)
    : فإذا لم يكن من الجنس قالوا: لا يسمى استثناء على قول، أو لا يكون استثناء حقيقة.

    لكن الصواب: أن الاستثناء يكون حقيقة من غير الجنس على ما ذكره المصنف، ويسمى استثناء حقيقة.

    وهنا تعللوا بأن الاستثناء إخراج، وهذا ليس فيه إخراج، إذًا انتفت حقيقة الاستثناء، ما هو الاستثناء؟

    الإخراج بـ "إلا" أو إحدى أخواتها، "رأيت القوم إلا حمارا"، هل حصل إخراج؟

    قالوا: لم يحصل إخراج؛ إذًا ليس باستثناء، بل هو مجاز.

    وإذا أبطلنا هذا القول -بأن الاستثناء فيه إخراج- حينئذ لا نحتاج إلى هذا التعليل.

    ثم الاستثناء إذا أُطلق في اللغة عندهم انصرف إلى المتصل، قالوا: فإذا أستعمل أو أُريد به المنقطع فليس بحقيقة.

    (2)
    (وقال مالك وأبو حنيفة وبعض المتكلمين: ليس بشرط):

    يعني كون المستثنى من جنس المستثنى منه ليس بشرط في صحة الاستثناء، بل هو استثناء، وذكر الشيخ الأمين -رحمه الله- أن ظاهر كلام أهل اللغة أنه استثناء حقيقي، فيُسمى استثناء.

    ونقول: الاستثناء نوعان: متصل ومنقطع، وكل منهما يسمى استثناء.

    (ليس بشرط)
    : فيجوز عندهم كون الاستثناء منقطعا؛ لكثرة وروده في القرآن:

    {ما لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ}، قالوا: {اتِّبَاعَ الظَّنِّ}: هذا ليس من جنس العلم.

    {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا}، السلام ليس من جنس اللغو.

    {ولاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً}، تجارة ليست من جنس الباطل.

    {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ}، على المشهور أنه ليس من الملائكة.

    إذًا وقع الاستثناء في الشرع، والحكم بأنه باطل لغة هذا فاسد مردود؛ لوروده في القرآن.

    وأما كونه حقيقة فنقول: هذا هو الظاهر، ولا يُصرَف عنه إلا بقرينة تدل على أنه مجاز، وليس ثم قرينة تدل على ذلك.

  12. #72

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع شروط الاستثناء:

    (3): أن يكون المستثنى أقل من النصف:


    [المتن]:

    [وأن يكون المستثنى أقل من النصف، وفي النصف: وجهان. وأجاز الأكثرون: الأكثر(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (وأن يكون المستثنى أقل من النصف، وفي النصف: وجهان. وأجاز الأكثرون: الأكثر):

    الخلاف بين الأصوليين في الإخراج، فيما يُخرَج، هل هو أقل أو النصف؟

    هذا ليس في الصفة، وليس في الشرط، وإنما الخلاف في الاستثناء، وخاصة إذا كان من العدد.

    أما الشرط فقوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ}، فلو كان المستطيعون النصف؛ لا بأس به، لو كانوا أكثر من النصف؛ لا بأس به، لو كان أقل؛ هذا لا إشكال فيه، إذًا لا يشترط في الصفة أن يكون الإخراج بها أقل من النصف أو مساويا أو أكثر.

    وإنما الخلاف في الاستثناء فقط، وخاصة إذا كان من العدد، فلو قال: "له علي عشرة"، يجوز أربعة أشياء عقلا من حيث الاستثناء:

    ** إما أن تقول: "له علي عشرة إلا عشرة"، استثناء الكل، صار الاستثناء مستغرقا.

    ** "له علي عشرة إلا ستة"، أكثر من النصف وما زاد.

    ** "له علي عشرة إلا خمسة"، استثنى النصف.

    ** "له علي عشرة إلا أربعة".

    هذه أربعة أحوال، أجمعوا على أن الأول باطل، وهو استثناء الكل من الكل، باطل بالاتفاق؛ لأنه عبث، ولم ترد به اللغة، إلا إذا أردفه بما يصحح الاستثناء؛ يعني لو قال: "له علي عشرة إلا عشرة إلا ثلاثة"، نقول: العشرة الثانية ألغيت، فكأنه قال: "له علي عشرة إلا ثلاثة"، فحينئذ يصح؛ لأنه أردف العشرة الثانية -المستثنى من العشرة- بما يصحح الاستثناء، فحينئذ الإجماع أو الاتفاق على أن استثناء الكل من الكل باطل، فيما إذا لم يُردفه بما يُصحح الاستثناء، وهنا ليس المراد الجملة كلها باطلة، وإنما المراد الإخراج على قولهم باطل، فإذا قال: "له علي عشرة إلا عشرة". لو صححنا الاستثناء، اعترف له بكم؟

    لا شيء، لما قال: "إلا عشرة" استثنى المستغرق، نقول له: عليك عشرة، فتلزمه العشرة، والاستثناء قوله: "إلا عشرة"، نقول: باطل.

    لكن لو أردفه بما يُصحح الاستثناء فقال: "له علي عشرة إلا عشرة إلا ثلاثة"، "إلا عشرة" الثانية نُلغيها، كأنها غير موجودة، كأنه قال: "له علي عشرة إلا ثلاثة"، وهذا يصح، فحينئذ له سبعة، هذا فيما إذا استثنى الكل، نقول: الاستثناء باطل، ولذلك لم يذكره المصنف، وإنما ذكر ثلاثة أنواع فقط، وسكت عن الرابع؛ لأنه باطل باتفاق.

    قال ابن قدامة -رحمه الله-: ولا نعلم خلافا في أنه لا يجوز استثناء الكل. ولذلك لو قال لزوجته: "أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا"، كم يقع؟

    ثلاث على قول الجمهور؛ لأن "إلا ثلاثا": هذا باطل، لا يُحسَب.

    لو قال: "أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنتين"، كم يقع؟

    واحدة، "أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة"، تقع اثنتان،

    "أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا" باطل؛ إلا إذا أردفه بما يصححه، فحينئذ يصح ويُجعَل قوله: "إلا ثلاثا" الثانية مُلغاة؛ كأنها غير ملفوظ بها، كأن التركيب عندئذ "أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين"، أو "إلا واحدة".

    أما إذا استثنى الأكثر، فهذا محل خلاف، هل يجوز أو لا؟

    (وأجاز الأكثرون الأكثر):
    يعني أن يكون المستثنى أكثر من المستثنى منه، "له علي عشرة إلا تسعة" يجوز أو لا؟

    قال أكثر الفقهاء والمتكلمين: يجوز استثناء الأكثر، وهذا قول أهل الكوفة خلافا للبصريين، البصريون على المنع؛ أنه لا يجوز استثناء الأكثر، ولو كان مساويا، وإنما يستثني فقط فيما هو دون النصف؛ هذا مذهب البصريين.

    وأما أكثر الفقهاء والمتكلمين تبعا للكوفيين أنه يجوز استثناء الأكثر، فلك أن تقول: "له علي عشرة إلا تسعة:، أو "إلا ثمانية"، المهم أن يكون أكثر من النصف؛ لأنه إذا جاز استثناء الأقل -وهو مُجمع عليه- جاز استثناء الأكثر بجامع أن كلا إخراج بعض ما شمله العام؛ ولأنه رفع بعض ما تناوله اللفظ، فجاز في الأكثر؛ كالتخصيص؛ يعني كالتخصيص بالصفة، أو بالبدل، ونحو ذلك وهذا مذهب أبي عبيدة وأكثر الأصوليين؛ أنه يجوز استثناء الأكثر، وبعضهم يستدل بالدليل المركب من الآيتين: قول إبليس: {لأُغْوِيَنَّهُ ْ أَجْمَعِينَ. إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} مع قول الله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} أيهما أعم وأيهما أخص؟ الغاوون أكثر أم الصالحون؟

    الغاوون، إذًا قوله: {إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}، هذا أكثر من قوله بعد الإخراج، {إِنَّ عِبَادِي}: يكون أكثر أو لا؟

    يكون أكثر، فحينئذ صح استثناء الأكثر من اللفظ العام.

    لكن أجاب بعضهم أن لفظ {عِبَادِي} عام، جمع مضاف، والجمع المضاف -كما سبق- أنه يعم، فحينئذ يعم الملائكة والصالحين من الثقلين الإنس والجن، فحينئذ أيها أكثر؟

    الصالحون، إذًا: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} استثناء الأقل من الأكثر.

    لكن لو سُلِّم هذا نقول: عكس الآية في السابق: {لأُغْوِيَنَّهُ ْ أَجْمَعِينَ. إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} فصار المُخلَصون أقل من الغاوين قطعا، فحينئذ لو قيل: {لأُغْوِيَنَّهُ ْ أَجْمَعِينَ. إِلاَّ عِبَادَكَ}: عباد مُضاف فيعم الصالحين من الملائكة وغيرهم، فصار أيضا مؤكدا أنه استثناء الأكثر من الأقل، على كلٍّ الصواب أنه جائز.

    (وأن يكون المستثنى أقل من النصف):
    كقوله: "له علي عشرة إلا أربعة"، أو قال: "إلا ثلاثة"، أو "إلا اثنتين"، أو "إلا واحدا"، يجوز، وهذا بإجماع؛ لأنه هو الذي سُمع من لغة العرب.

    (وفي النصف وجهان)
    : "له علي عشرة إلا خمسة"، هذا فيه وجهان:

    قيل: يصح، وقيل: لا يصح.

    والمذهب الجواز؛ يعني الراجح عند الحنابلة الجواز، قال في "الإنصاف": وهو المذهب، وهو قول الجمهور، {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ}، استثنى النصف، وبعضهم منع؛ لأنه لم يرد عن لغة العرب، والصواب: أنه جائز.

  13. #73

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع الاستثناء:

    حكم الاستثناء إذا تعقب جملا:


    [المتن]:

    [فإن تعقب جملا عاد إلى جميعها، وقال الحنفية: إلى الأقرب(1)].

    [الشرح]:

    (1)
    (فإن تعقب جملا عاد إلى جميعها، وقال الحنفية: إلى الأقرب):

    إذا وقع الاستثناء قد يقع بعد جُمَل، جمل مترادفة، ثم بعد ذلك يأتي الاستثناء، هل الاستثناء يعود إلى كل الجُمَل أو إلى الأخيرة منها؟ أو إلى الأولى؟ أو إلى الثانية؟

    هذا محل نزاع عند الأصوليين، الجمهور على أنه يعود إلى الجميع؛ يعني كل الجُمَل التي سبقت الاستثناء يدخلها الاستثناء، إلا لدليل يخصه ببعضها، إن جاء دليل منفصل فلا إشكال، أما إذا لم تكن قرينة تُعيّن أن الاستثناء مُرادا به بعض الجُمَل دون بعض؛ حينئذ يعود إلى الجميع، وهذا قول الجمهور من الشافعية والمالكية والحنابلة، ومثّلوا له بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور4]، قال بعد ذلك: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}، {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} يعود إلى أي شيء؟ أمامه كم جملة؟

    ثلاث جُمَل، هل يعود إلى الجميع أو بعضها؟

    الأول لا يمكن أن يعود لها باتفاق؛ لأنه إذا وصل القذف إلى القاضي فالتوبة لا تُسقِطه، إنما يكون بينه وبين ربه، أما في حقوق الناس حينئذ لا، إذًا قوله: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} لا يمكن أن يكون قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} عائدا إليه.

    ماذا بقي؟

    بقي: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، إذًا لو تابوا هل تُقبَل شهادتهم أو لا؟

    محل نزاع، إذا قلنا: عاد إلى الجملتين، فحينئذ التوبة تكون ماحية عنهم عدم قبول الشهادة.

    وإن قلنا -كما قال الأحناف-: يعود إلى أقرب مذكور، فحينئذ: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}: ارتفع الفسق فقط، وأما الشهادة فهي مردودة ولو مع التوبة.

    و
    وجه عوده إلى الكل: أن العطف يوجب اتحاد الجُمَل معنى، عطف الجُمَل إذا كان بينها ارتباط في المعنى كعطف المفردات، "جاء زيد وعمرو وخالد" هنا عطف مفردات، كل المعطوفات مشتركة في إثبات المجيء، عطف الجمل إذا كانت متحدة في المعنى كعطف المفردات، وهذا هو الأصل في الجمل، إلا إذا دلت قرينة بأن الجملة الثانية مستقلة تمام الاستقلال عن الجملة السابقة، وهذا خلاف الأصل؛ ولأن تكرير الاستثناء عقِب كل جملة يُنافي الفصاحة {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}، {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}، {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}، {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}، هذا يُخالف، لم يُنقل هذا في لغة العرب، وإنما بمقتضى الفصاحة يعود الضمير إلى الكل.

    ولأن الشرط يعود إلى الكل، فكذلك الاستثناء، فلو قال: "نسائي طوالق، وعبيدي أحرار إن كلمتُ زيدا"، "إن كلمت زيدا": هذا شرط، إن قلنا: يعود على الأخير، النساء طوالق مطلقا كلمت زيدا أو لا، أما العبيد مقرون بشرط، وهو تكليم زيد، لكن نقول: الشرط على الأصح عند الجمهور يعود إلى الكل، فحينئذ نسائي طوالق إن كلمت زيدا، وعبيدي أحرار إن كلمت زيدا، كما عاد الشرط إلى الكل، كذلك الاستثناء؛ لأنه مخصص متصلٌ، فكذا الاستثناء بجامع افتقارهما إلى متعلق، ولهذا يسمى التعليق بمشيئة الله تعالى استثناء، هذا جملة ما ذكره الجمهور.

    (وقال الحنفية: إلى الأقرب):
    يعني أقرب مذكور، الجملة الأخيرة؛ يعني لا يرتفع الحكم بعدم قبول الشهادة بالتوبة، بل يكون تائبا ولا تُقبَل شهادته؛ لأن الفصل وقع بين كل جملتين من الجمل بحرف العطف، فأشبه الفصل بكلام أجنبي.

    نقول: هذا ليس بصحيح، بل حرف العطف كاسمه، عطف، يعطف ما بعده على ما قبله، إلا فيما إذا كان يُشرِّكه في الحكم دون المعنى، ولذلك تُقسَّم حروف العطف إلى قسمين:

    "مُشرِّك للحكم"؛ يعني ما بعده لما قبله في الحكم والمعنى؛ يعني في الإعراب والمعنى، وهذا سائر حروف العطف.

    وإما أن يكون "مُشرِّكًا له في الحكم فقط دون المعنى"؛ يعني في الإعراب دون المعنى، وهذه ثلاثة: "لا"، و "بل"، و "لكن".

    وما عداها فالأصل أنها مُشرِّكة لها في المعنى والحكم، ولذلك نقول: الأصل في الجمل المتعاطفة أنها بمعنى؛ أنها محمولة على معنى واحد، ولا يُقال بالفصل إلا إذا دلّ دليل.

  14. #74

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع الاستثناء:

    حكم الاستثناء من الإثبات والنفي:


    [المتن]:

    [وهو من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات(1)].

    [الشرح]:

    (1
    ) (وهو من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات):

    (وهو):
    أي الاستثناء.

    (من الإثبات نفي)
    : وهذا حُكي عليه الاتفاق، "قام القوم إلا زيدا"، "قام القوم": جملة مثبتة، حينئذ يكون حكم المستثنى النفي، "ما قام القوم إلا زيدًا"، "ما قام القوم" منفية، إذًا حكم المستثنى الإثبات، وهذا قول الجمهور، وعند الحنفية بل إثبات واسطة، وهو عدم الحكم، فيكون حينئذ المستثنى غير محكوم عليه، مسكوت عنه كما هو مذهب الكسائي الذي ذكرناه سابقا، هذا في النفي فقط، أما الإثبات هذا يكاد يكون اتفاقا.

    أما الاستثناء من النفي هل هو إثبات أو لا؟

    هذا محل خلاف، الجمهور على أنه إثبات، "ما قام القوم إلا زيدا"، أو "إلا زيدٌ"، يجوز الوجهان: البدلية، والنصب على الاستثناء، "ما قوم القوم إلا زيدا"، إذًا إثبات القيام لزيد؛ لأن الجملة منفية.

    عند الكسائي وتبعه الأحناف "زيدا" أو "زيدٌ" مسكوت عنه، ليس محكوما عليه لا بإثبات ولا بنفي، نحتاج إلى قرينة خارجة، وهذا يكاد يكون مخالفا لإجماع أهل اللغة.

  15. #75

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    باب المطلق والمقيد:

    المطلق وتعريفه:

    [المتن]:

    [ومنه: المطلق(1)، وهو ما تناول واحدا لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه(2)، وقيل: لفظ يدل على معنى مبهم في جنسه(3)].

    [الشرح]:

    (1)
    (ومنه: المطلق):

    مبحث المطلق والمقيد يُذكَر بعد مبحث العام والخاص لما بينهما من التشابه؛ لأن العام مستغرق، لكنه على جهة الشمول؛ يعني فيه نوع استيعاب واستغراق إلا أنه على جهة الشمول؛ يعني يشمل الأفراد دفعة واحدة.

    وأما المطلق ففيه أيضا استيعاب، وفيه شمول، لكنه بدلي.

    إذًا اشتركا في مطلق الشمول، ولكن شمول العام دفعي وجملي لجميع الأفراد، وشمول المطلق بدلي؛ يعني يشمل الكل، لكنه على جهة البدل لا على جهة كل الأفراد.

    وكذلك المقيّد يشبه الخاص من جهة أن الخاص هو: "اللفظ الدال على معين بشخص أو بعدد"، كذلك المقيد "ما دلّ على قيد"، ما جُعِل فيه قيد من بعيد ونحوه كما هو معناه في لغة العرب.

    إذًا هذا مبحث المطلق والمقيد يُردَف بمبحث العام والخاص، وهو من المباحث المهمة التي ينبغي العناية بها، إذا اعتنى الطالب بمباحث الألفاظ يغنيه كثيرا عن المسائل المتعلقة بالقياس؛ لأن القياس هذا للضرورة كما قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "القياس كالميتة"؛ بمعنى أن الميتة لا تحل إلا عند الضرورة، كذلك لا يجوز الإقدام على القياس إلا إذا لم يكن دليل من كتاب وسنة، أو إجماع، فإذا اعتنى وأشبع طالب العلم النظر في مباحث العام والخاص، والظاهر، والنص، والمُجمَل، والمؤوَّل، والمطلق والمقيد، والأمر والنهي سهلت عليه أمور كثيرة، ولذلك كما سيأتي في الأمر والنهي أنهما أساس التكليف، هذا يجعل الطالب يعتني أكثر.

    ومبنى هذه المباحث كلها على اللغة العربية، متلازمة.

    يعني ليست ككثير من المباحث التي تكون مبناها على العقل، القياس كثير من مباحثه عقلية، وهناك نزاع هل هو دليل عقلي أو شرعي؛ لأن مبناه على العقل والنظر والرأي.

    أما مباحث الدلالات فمبناها على السماع.

    متى يُحكَم على اللفظ بأنه عام؟

    لا بد أن يكون قد استعمله العرب على أنه عام.

    متى يكون مطلقا؟ هل هو ومطلق النكرة مترادفان؟ أو بينهما فرق؟ كذلك المؤوَّل، المجمل، النص، كلها مباحث لغوية.

    (ومنه المطلق)
    : أي من الكلام المفيد؛ لأن عطفه كله على الأول، الأول قال: (فإن دل على معين فهو النص) ثم قال: (فإن دل على أحد المعنيين ...) إلى آخره.

    (المُطلق):
    اسم مفعول من أُطلق يُطلق فهو مطلَق، وهو لغة: الانفكاك من أي قيد حسيا كان أو معنويا؛ "هذا فاصل مطلق"، هذا في الحسي، "هذه الأدلة مطلقة"، {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، مطلق من قيد معنوي.

    (2)
    (وهو ما تناول واحدا لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه):

    ذكر حدين للمطلق اصطلاحا.

    الحد الأول:
    قال: (وهو ما تناول واحدا لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه): وهذا الحد هو المقدم عنده؛ لأنه قدّمه وضعَّف الثاني بقوله: (وقيل).

    (ما):
    جنس يشمل المفيد وغير المفيد.

    (تناول):
    لا بد أن يكون له معنى؛ فأخرج غير المفيد.

    (واحدا):
    أخرج ما تناول أكثر من واحد؛ كألفاظ الأعداد؛ كـ "عشرة"، و "مائة"، و "ألف".

    (لا بعينه):
    أخرج الأعلام؛ كـ "زيد"، فإنه تناول واحدا بعينه، فليس بمطلق.

    وأخرج كذلك: ما مدلوله واحد معين: "الرجل"، "الرجل" ليس هو كـ "زيد"، "زيد": علم مدلوله الذات المشخصة، "الرجل": مدلوله واحد؛ لأنه نكرة معرّفة بـ "أل"، إذًا عُيّن، والمعرفة -كما سبق-: "ما وُضع ليُستَعمَل في معين"، إذًا الرجل وُضع ليُستعمَل في معين، إذًا دلّ على واحد، من هو هذا الرجل؟ غير معلوم.

    كذلك أخرج العام المستغرق؛ فإنه يتناول أكثر من واحد، بل هو مستغرق لما يشمله اللفظ، ولذلك قيل: العام: هو "اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له اللفظ".

    (باعتبار حقيقة شاملة لجنسه):
    يعني بالنظر إلى الحقيقة، والحقيقة هذه التي يعبّر عنها البعض بالماهية، ومحل الماهية في الذهن، ولذلك بعضهم حدّه بأنه: "اللفظ الدال على الماهية بلا قيد".

    إذًا (باعتبار حقيقة): كأنه قيَّد لك التناول هنا، لفظ (تناول واحدا لا بعينه)؛ يعني مفهوم هذا اللفظ: واحد؛ يدل على واحد، لكن لا بعينه، غير معين، يحتمل هذا، أو ذاك، أو .. إلى آخره؛ كما في قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، {رقبة}: تطلق على كل عبد، هذه رقبة، وهذه رقبة، وهذه رقبة.

    (تناول واحدا لا بعينه):
    بالمعنى السابق؛ أن المطلق عام وشامل ومستغرق، شامل لكل الأفراد، فإذا قيل: "رقبة"، كل عبد يدخل تحت هذا اللفظ، لكن هل يصدق على الجميع دَفعة واحدة؟

    لا، وإنما يصدق على الجميع بالبدل، فإذا أُطلق على الأول انتفى أن يدخل الثاني تحته؛ لأن اللفظ وُضع ليدل على واحد فقط لا بعينه؛ من حيث هو شامل للكل، فكل ذكر عاقل من بني آدم يدخل تحت كلمة "رجل"، إذًا شمول هذا اللفظ لكل الأفراد بدلي لا استغراقي؛ بمعنى أنه إذا أُطلق لفظ "رجل"، ولفظ "رقبة"، نقول: هذا لا يشمل كل الأفراد دفعة واحدة كما في قوله تعالى: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} "المشركين": لفظ عام يدخل فيه كل ما اتصف بصفة الشرك دَفعة واحدة، لو وُجد مليون مشرك دخل تحت قوله تعالى: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} بمرتبة واحدة، ولذلك اشترطنا هناك أن يكون الحكم متساويًا في الجميع، فرق بين العموم اللفظي والعموم المعنوي: أن شرط العموم أن كل الأفراد تكون مستوية في الحكم دفعة واحدة، لا يُفضّل هذا على ذاك، وإلا لانتفى العموم.

    أما هنا (ما تناول واحدا لا بعينه): اللفظ من حيث هو يصدق على كل الأفراد، هذا رجل، وهذا رجل، وذاك رجل، وذاك رجل، إلى آخره.

    لكن إذا قيل: "هذا رجل", حينئذ اختص بواحد، لكن إذا أُطلق لفظ "رجل" على واحد وعُيِّن هل يشمل غيره ويدخل تحته؟

    الجواب: لا، ليس هو كما إذا قيل: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} فقُتل زيد، فحينئذ عمر وبكر أيضا داخلان تحت اللفظ؛ لأن النظر هنا باعتبار الحقيقة الشاملة للجنس كما ذكره.

    (باعتبار): يعني التناول هنا لواحد لا بعينه باعتبار الحقيقة الذهنية، وهي المعنى المراد من اللفظ، الألفاظ لها معان، هذه المعاني لها حقائق في الذهن، هذه الحقائق الذهنية كلية، لا توجد في الخارج إلا في ضمن أفرادها، فكلمة "رقبة" أو "رجل"، نقول: هذا له مفهوم وحقيقة ذهنية، لا يوجد في الخارج إلا في ضمن أفراده.

    التناول هنا باعتبار الفرد الخارج أو باعتبار الذهن؟

    قال: (باعتبار حقيقة شاملة لجنسه): يعني التناول للجميع، والاستغراق الموجود في المطلق ليس باعتبار الخارج، وإنما باعتبار الحقيقة، هذه الحقيقة شاملة للجنس التي تكون صادقة عل جميع الأفراد، ولكنها في الذهن لا في الخارج؛ لأن الاتفاق بين الأصوليين والنُحاة أن الفرد الخارج الذي يدل عليه المطلق أو النكرة -على القول بالتفريق- أنه خارجي، وهو واحد، وأما مدلول اللفظ، ومعناه الحقيقة الذهنية، فباتفاق أنها موجودة في الذهن لا في الخارج، حينئذ التناول لكل الأفراد التي دلّ عليها اللفظ المطلق إنما هي موجودة في الذهن، لو قيل: "رجل" مفهومه ذكر بالغ من بني آدم، وبعضهم يقول: حيوان ناطق.

    هل يوجد في الخارج ذكر بالغ من بني آدم ليس بزيد ولا بخالد؟ يعني شيء مُعيّن تقول: "هذا ذكر بالغ" وليس في ضمن الأفراد؟ تضع الذكور الرجال كلهم في جهة وتقول: هذا معنى قائم بنفسه في الخارج؟

    لا يوجد، أين يوجد هذا؟

    يوجد في الذهن فقط، أما في الخارج: فيوجد في ضمن أفراده فتقول: "زيد رجل"؛ لأنه ذكر بالغ، وتقول: "عمرو"، ذكر بالغ .. إلى آخره، فحينئذ المعنى الذهني الأصل وجوده في الذهن.

    لذلك قال: (باعتبار): التناول هذا باعتبار، جار ومجرور متعلق بقوله: (تناول).

    (باعتبار حقيقة شاملة لجنسه)
    : والأصل في الجنس وجوده في الذهن، حينئذ يُوجد في ضمن أفراده، لكن على جهة البدل، لا على جهة الشمول، وهذا على القول بأن المطلق والنكرة سيّان، ولذلك بعضهم حدّه باللفظ؛ "اللفظ الدال على الماهية بلا قيد".

    فما على الذات بلا قيد يدل

    فمطلق وباسم جنس قد عقل

    فما على الذات بلا قيد يدل: "اللفظ الدال على الماهية".

    الماهية: ما يُسأل عنه بـ "ما هي؟".

    ما هي حقيقة الإنسان؟

    حيوان ناطق.

    ما هي حقيقة الفرس؟

    حيوان صاهل.

    ما هي حقيقة الرجل؟

    ذكر عاقل من بني آدم.

    إذًا ما يصح الجواب أو السؤال عنه بما هي؛ هذا وجوده في الذهن.

    "بلا قيد": هذا أخرج النكرة والمعرفة؛ لأن الحقائق الذهنية إذا وُجدت في الذهن؛ إما أن يُلحَظ لها فرض في الخارج؛ يعني يُوضع الباب ويُوضع له معنى في الذهن، وهذا المعنى في الذهن يُلاحَظ؛ بمعنى أنه لا يوضع مجردًا عن الأفراد، وإنما يُلاحَظ الفرد الخارجي، فإذا لوحِظ الفرد الخارجي، حينئذ إما أن يكون معينا أو لا.

    إذا لوحظ الفرد الخارجي عند وضع الحقائق الذهنية نقول: الفرد الخارجي -الذي يكون في الخارج، ماصدق- اللفظ ماذا يكون؟

    إن كان معينا فهو المعرفة، وإن كان غير معين فهو النكرة.

    وعلى هذا يكون ثم فرق بين المطلق والنكرة، وهذا هو الأصح من حيث الحقيقة، فرق بين المطلق والنكرة، لماذا؟

    لأن المطلق وُضع بلا قيد، اللفظ موضوع للماهية التي تكون في الذهن بلا ملاحظة، فرد خارجي.

    ولكن النكرة وُضعت للمعنى الذهني مع ملاحظة فرد خارجي غير معين.

    والمعرفة وضعت للمعنى الذهني مع ملاحظة الفرد الخارجي المعين.

    فحينئذ يكون فرق بين النكرة والمطلق.

    يبقى السؤال: إذا كان المطلق كـ {تحرير رقبة} موضوع للمعنى الذهني فقط، وليس له فرد في الخارج، إذًا ما الفائدة؟ كيف نبحث نحن في مباحث الألفاظ هنا؟

    الجواب: أن الفرد الخارجي غير المعيّن يستوي فيه المطلق والنكرة، لكن ثَمّ فرق دقيق، وهو أن دلالة النكرة على الفرد الخارجي من دلالة اللفظ على مسماه، أو على فرده بالمطابقة؛ لأن اللفظ وُضع للمعنى الذهني مع ملاحظة الفرد الخارجي، فحينئذ اللفظ يدل على الفرد الخارجي بالمطابقة، وأما المطلق فوُضع للمعنى الذهني للماهية من حيث هي هي من غير اعتبار فرد خارجي، فكيف نبحث في المعاني الذهنية؟

    نقول: لا، هذا المعنى الذهني لا بد وأن يكون له وجود في الخارج؛ لأنه لا يمكن أن يوجد -كما ذكرت- معنى ذهني لا في ضمن فرده.

    فحينئذ إذا وُضع لفظ "رجل" مرادا به الذكر البالغ من بني آدم نقول: هذا له وجود في الخارج، إذًا لا بد له من فرد، فحينئذ استوى مع النكرة؟

    نقول: لا، لم يستو مع النكرة؛ لأن دلالة اللفظ المطلق على الفرد الخارج بالالتزام؛ لاستحالة قيام المعنى الذهني لا في فرد، يستحيل هذا، لا يمكن أن يوجد المعنى الذهني لا في فرد، فحينئذ استلزام المعنى الذهني للفرد الخارجي هذا بدلالة الالتزام، وأما النكرة فتدل على المعنى أو على الفرد الخارجي بدلالة المطابقة، وهذا الذي عناه المصنف هنا بالحد السابق.

    ولو قيل: "اللفظ الدال على الماهية بلا قيد"، لكان أخصر مما ذكره.

    لأن قوله: "بلا قيد": أخرج النكرة؛ لأنها دلت على الماهية بقيد؛ فرد شائع في جنسه.

    وأخرج المعرفة؛ لأنها دلت على الماهية بقيد، وهو دلالته على الفرد المعين في الخارج.

    وأما المطلق فهو: "دال على الماهية من حيث هي هي، ولم يُقيَّد بفرد خارجي"، وإنما يستلزم وجوده وجودَ فرد خارجي.

    (حقيقة شاملة لجنسه): احترز به -على قول بعضهم- عن المشترك، فإن المشترك يدل على فرد لا بعينه، لكن الحقيقة مختلفة.

    إذا قيل: "القَرء" يدل على الطهر وعلى الحيض، إذًا تناول واحدا لا بعينه، وأيضا باعتباره حقيقة، لكنها ليست شاملة لجنسه، وإنما هي حقائق مختلفة، فحقيقة الطهر مخالفة لحقيقة الحيض.

    كذلك الواجب المُخيَّر؛ ككفارة اليمين، نقول هنا: يصدق على الكل، فالمراد به واحد لا بعينه، وإذا قيل: وجبت كفارة اليمين: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، إذًا دل على واحد لا بعينه، وجب واحد لا بعينه، إذًا الواجب المخير هل هو مطلق؟

    نقول: لا، هنا الحقائق مختلفة، {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ}، كسوة، تحرير رقبة، هذه حقائق مختلفة، وليست متحدة.

    وأما لو قيل: "أعتق رقبة"، "رقبة": يطلق على الكل، والحقيقة متحدة، وليست مختلفة.

    (3) (وقيل: لفظ يدل على معنى مبهم في جنسه):

    (وقيل): في حد المطلق.

    (لفظ يدل على معنى مبهم في جنسه): يعني غير مقيد لفظا بأي قيدٍ يُحِدُّ من شيوعه، وهذا الظاهر أنه أراد به على قول من يرى أن المطلق والنكرة سيان، كما هو مذهب كثير من النحاة: عدم التفريق بين المطلق والنكرة.

    يفرقون من جهة المسائل الفقهية، لو قال رجل لزوجته: "إن ولدت ذكرا فأنت طالق"، فولدت ذكرين معا، على القول باتحاد المطلق والنكرة؛ أنهما مترادفان -كما هو مذهب كثير من النحاة- لا تَطْلُق؛ لأن النكرة موضوعة لواحد لا بعينه، وقد ولدت اثنين؛ لأن الشرط معلق على ذكر واحد، فالكلام يكون حينئذ: "إن ولدتِ ذكرا واحدا فأنت طالق".

    لكن إذا قلنا بالتفرقة بين المطلق والنكرة، إن قال: "إن ولدت ذكرا فأنت طالق"، وولدت اثنين أو ثلاثا أو خمسا، نقول: تطلق؛ لأن حقيقة المطلق هي الماهية من حيث هي، كونه ذكرا يكفي، فحينئذ كأن الحكم قد عُلِّق على الذكورية فوُجدت، سواء كان في واحد أم في اثنين أم في عشرة، فحينئذ تطلق.

    (في جنسه): يعني على فرد شائع في جنسه، وهذه هي حقيقة النكرة، ولذلك ذهب بعض الأصوليين -كابن الحاجب والآمدي- إلى القول بالترادف؛ أن النكرة والمطلق مترادفان، وهذا من جهة التيسير؛ لأن مبحث الأصوليين في الألفاظ، ولا يبحثون في العقليات، فحينئذ اللفظ من حيث هو لفظ، فهما متحدان "رجل"، و "رقبة"، و "امرأة"، نقول: هذه كلها نكرة، وهي مطلقة.

    كونها دلت على فرد في الخارج بالمطابقة أو بالالتزام هذا لا أثر له في أصول الفقه، كون المطلق دلّ على فرد في الخارج بالالتزام، والنكرة دلت على فرد خارج بالمطابقة نقول: هذا لا أثر له؛ لأن الأحكام مبناها على الألفاظ هنا، والشرع يبحث في الألفاظ لا في العقليات، لذلك قال ابن الحاجب: "إن النكرة والمفرد سيان".

    والمقصود هنا بالمطلق عند الأكثرين: النكرة في سياق الإثبات من باب التيسير، قالوا: المقصود بالمطلق الذي يبحث عنه الأصوليون هو النكرة في سياق الإثبات.

    أما في سياق النفي فهذه من صيغ العموم كما مضى، فحينئذ النكرة في سياق الإثبات التي لم يُرَد بها الامتنان -بهذا القيد- نقول: هذه النكرة هي المطلق، وأما إذا وقعت في حيز النفي فحينئذ صارت من صيغ العموم.

    فحينئذ نقول: النكرة في سياق الإثبات لها شمول، ولكن شمولها بدلي، عرفتم ما معنى بدلي؟

    بدلي؛ يعني كل الأفراد يدخلون تحت اللفظ؛ فإذا كان عنده مائة عبد، فقال: "أعتق رقبة"، المائة كلها تدخل تحت اللفظ، لكن ليس على جهة العموم؛ بمعنى أن العتق يشمل المائة كلهم دفعة واحدة، وإنما يُراد به واحد؛ لأن هذا هو حقيقة المطلق، وهذه هي حقيقة النكرة، يُراد به واحد، اختر من شئت من المائة، فقل: أنت مُعتَق؛ لأن كل واحد يصلح أن يكون داخلا تحت مدلول اللفظ، فله شمول، لكنه بدلي، والنكرة في سياق النفي لها شمول لكنه دَفعي؛ بمعنى أن كل الأفراد يدخلون تحت اللفظ، وهذا معنى دقيق يحتاج إلى تأمل.

    (لفظ يدل على معنى مبهم):
    يقصد بالمعنى هنا الفرد الشائع.

    (في جنسه)
    : غير مُقيد لفظا بأي قيد يُحد من شيوعه كـ "أعتق رقبة".

  16. #76

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع باب المطلق والمقيد:

    المقيد وتعريفه:

    [المتن]:

    [ويقابله المقيد(1)، وهو المتناول لموصوف بأمر زائد على الحقيقة الشاملة لجنسه، كـ {رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}(2)].

    [الشرح]:

    (1)
    (ويقابله المقيد):

    (ويقابله):
    أي يقابل المطلق المقيد.

    (المقيّد):
    اسم مفعول، وهو في اللغة: "ما جُعِل فيه قيد من بعير ونحوه"، أو "ما قُيِّد بشيء"؛ كالوصف والشرط والغاية.

    (2)
    (وهو المتناول لموصوف بأمر زائد على الحقيقة الشاملة لجنسه؛ كـ {رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}):

    (وهو):
    أي في الاصطلاح.

    (المتناول لموصوف بأمر زائد على الحقيقة الشاملة): وقيل: "ما زيد معنى على معناه لغير معناه".

    (المتناول لموصوف)
    : الأصل أنّ المقيّد يطلق على شيئين: المتناول لمعين؛ يعني ما أُطلق فيه المعرفة، "أعتق هذا الطالب" أو "هذا الرجل"، أو "أعط هذا الرجل"، أو "أعط هذا الطالب"، نقول: "هذا الطالب": مقيد، كيف حكمنا أنه مقيد؟

    اسم الإشارة، ودخول "أل"، هذا مقيد، صار مقيدا، ليس مطلقا، هل هو كقولك: "أكرم طالبا"؟

    لا، "أكرم طالبا"، نقول: هذا مطلق، "أكرم هذا الطالب"، هذا صار مقيدا، بماذا قُيِّد؟

    بالتعيين.

    (وهو المتناول):
    لمعين أو لغير معين.

    (لموصوف بأمر زائد على الحقيقة الشاملة):
    يعني ما يكون موصوفا بالصفة الاصطلاحية، أو بالصفة التي يعنون لها الأصوليون في مقام التخصيص: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا}، هذا حصل فيه تخصيص وتقييد للسابق؛ الذي هو القتل، فحينئذ الصفة بمفهومها العام حصل بها قيد للمطلق، "أعتق رقبة"، هذا مطلق، "مؤمنة"، حصل بالصفة.

    وقد يحصل بالشرط: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ}.

    قد يحصل بالغاية: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ}، هذا مُقيَّد، قُيّد بالغاية.

    إذًا المقيد يتناول أمرين:

    ** المتناول لمعين؛ كـ "أكرم هذا الطالب".

    ** المتناول لغير معين، لكنه موصوف بأمر زائد عن الحقيقة، الحقيقة "رقبة"، هذه كما سبق دالة على الحقيقة الذهنية، موصوفة بصفة، وهي الإيمان، لذلك قال:

    (الموصوف بأمر زائد عن الحقيقة الشاملة):
    له ولغيره، "أعتق رقبة"، هذا يشمل الكافرة والمؤمنة، فحينئذ لما قال: {مؤمنة}، تخصص وتعين بمن اتصفت بصفة الإيمان.

    وقيل في حد المقيد: "ما زِيد معنى على معناه لغير معناه".

    "رقبة": له معنى خاص، زيد معنى، وهو الإيمان.

    "لغير معناه": الذي دل عليه اللفظ، بل لمعنى آخر خارج عن معناه، فمفهوم الإيمان مغاير لمفهوم الرقبة.

    هل زيادة وصف الإيمان زيادة لمفهوم الرقبة أم زائد عليه؟

    زائد عليه.

  17. #77

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    أحوال المطلق والمقيد:

    الحالة الأولى: اتحاد الحكم والسبب:


    [المتن]:

    [فإن ورد مطلق ومقيد(1)، فإن اتحد الحكم والسبب؛ كـ «لا نكاح إلا بولي» مع «لا نكاح إلا بولي مرشد» حمل المطلق على المقيد(2). وقال أبو حنيفة: زيادة فهي نسخ(3)].

    [الشرح]:

    (1)
    (فإن ورد مطلق ومقيد):

    أحوال المطلق والمقيد، وهذا أهم ما يكون في هذا الباب، وهو أنه إذا ورد لفظ مطلق ولفظ مقيد في الشرع ماذا نصنع؟ ما الحكم؟ وما هي هذه الأحوال؟ بين لك المصنف؛ فقال -رحمه الله-:

    (فإن ورد مطلق ومقيد)
    : يعني في الشرع فلا يخلو:

    ** إما أن يتحدا في السبب والحكم.

    ** وإما أن يتحدا في الحكم ويختلفا في السبب.

    ** وإما أن يختلفا في الحكم ولو اتحدا في السبب.

    ** والحالة الرابعة: لأنه باتفاق لا يُحمل فيها المطلق على المقيد لا يذكرونها، وإنما يدرجونها في الحالة الثالثة.

    (2)
    (فإن اتحد الحكم والسبب؛ كـ «لا نكاح إلا بولي» مع «لا نكاح إلا بولي مرشد» حمل المطلق على المقيد):

    الحالة الأولى: قال: (فإن اتحدا في الحكم والسبب): يعني السبب والحكم واحد في الموضعين؛ في المطلق والمقيد.

    (كـ «لا نكاح إلا بولي» مع «لا نكاح إلا بولي مرشد»):

    سبب الحديث الأول: النكاح، وسبب الثاني: النكاح، إذًا الكلام في النكاح، اتحد السبب.

    الحكم فيهما: نفي النكاح، إذًا اتحدا حكما وسببا.

    اللفظ المطلق: "ولي".

    المقيد: "مرشد".

    هل بينهما فرق؟

    نعم، الأول: «لا نكاح إلا بولي»: يشمل المرشد وغيره، فيكون مطلقا، والثاني: قيده بـ "المرشد"، إذًا أخرج غير المرشد فلا تصح ولايته.

    هل هذا ينبني عليه حكم شرعي؟ هل نحمل المطلق على المقيد؛ فنقيد قوله: «لا نكاح إلا بولي» بكونه "مرشدا" لوروده في الحديث الآخر أو لا؟

    نقول: نعم باتفاق، فحينئذ من كان غير مرشد من الولاة لا تصح ولايته في النكاح، ولو تركنا المطلق على ما هو عليه لصحت ولايته بإطلاق، فيجب حمل المطلق على المقيد جمعا بين الدليلين، وإلا وقع تعارض في جزئية بين الدليلين، وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.

    (3)
    (وقال أبو حنيفة: زيادة فهي نسخ):

    يعني زيادة على النص فهي نسخ، وليست من باب تقييد المطلق، ولكن ذكر قول أبي حنيفة في هذا الموضع قيل: إنه من باب السهو؛ لأن أكثر الأحناف ينقلون عن أبي حنيفة الاتفاق مع الجمهور؛ لأنه يرى وجوب حمل المطلق على المقيد فيما إذا اتحدا سببا وحكما، ولذلك وُهِّمَ المصنف هنا تبعا لابن قدامة في ذكر قول أبي حنيفة في هذا الموضع، بل هو في الموضع الذي يليه.

    (وقال أبو حنيفة: زيادة فهي نسخ)
    : يعني لو حُمل المطلق على المقيد لكان نسخا للمطلق وإبطالا للعمل به؛ لأنه دل على إجزاء ولاية غير المُرشد، وهذا عيّنه بالمرشد، فلو حملناه لكان نسخا، فزيادة اشتراط الرشد في الولي رفعت إجزاء الولي مطلقا الذي دل عليه النص المطلق، والإجزاء حكم شرعي.

    والصواب: أن نقول: إنها ليست بنسخ.

    حتى لو سُلِّم بأن قول أبي حنيفة في هذا الموضع مراده به المطلق والمقيد إذا اتحدا حكما وسببا، نقول: الصواب أنه ليس بنسخ؛ لأن النسخ رَفْع حكم شرعي، وهنا لم يَرفع حكما شرعيا، بل هي زيادة سكت عنها النص الأول، وجاء النص الثاني زائدا تلك الزيادة المسكوت عنها؛ لأن قوله: «لا نكاح إلا بولي» ليس نصا في أن ولاية غير المرشد مُجزأة، وإنما هي محتملة، وإن شئت قل: مسكوت عنها، والأصل إعمال الدليل، فننظر في الأول المطلق فنقيده بما قُيّد به النص الثاني، إذًا ليست بنسخ.

    ثم الناسخ والمنسوخ يشترط بينهما التنافي، متى يُحكَم بالناسخ والمنسوخ؟

    إذا لم يمكن الجمع، إذا تعذر الجمع بين الدليلين وعُلِم أحد التاريخين فنقول: هنا وجب أن يكون الثاني ناسخا للأول مع التراخي، وهنا ليس بين النص الأول والنص الثاني منافاة، نقول: «لا نكاح إلا بولي» مقيد بقوله: «مرشد»، ولا إشكال.

  18. #78

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع أحوال المطلق والمقيد:

    الحالة الثانية: اختلاف السبب واتحاد الحكم:

    [المتن]:

    [وإن اختلف السبب؛ كالعتق في كفارة اليمين قُيِّد بالإيمان، وأطلق في الظهار، فالمنصوص: لا يحمل، واختاره ابن شاقلا، وهو قول أكثر الحنفية خلافاً للقاضي والمالكية وبعض الشافعية(1). وقال أبو الخطاب: تقييد المطلق كتخصيص العموم، وهو جائز بالقياس الخاص، فهاهنا مثله(2)، فإن كان ثَمَّ مقيدان حُمِلَ على أقربهما شبها به(3)].

    [الشرح]:

    (1) (وإن اختلف السبب؛ كالعتق في كفارة اليمين قُيِّد بالإيمان، وأطلق في الظهار، فالمنصوص: لا يحمل، واختاره ابن شاقلا، وهو قول أكثر الحنفية خلافا للقاضي والمالكية وبعض الشافعية):

    (وإن اختلف السبب):
    يعني مع اتحاد الحكم، إذًا لا بد أن يكون الحكم في المطلق والمقيد واحدا، وإنما سبب المطلق مغاير لسبب المقيد.

    (كالعتق في كفارة اليمين: قُيّد بالإيمان): هذه عبارة غير صحيحة، قال تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، لم يقُيد بالإيمان، وإنما ورد في كفارة القتل: {فتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ}، إذًا لعل سهوا أو خطئا في النسخ.

    فالصحيح أن نقول: وإن اختلف السبب؛ كالعتق في كفارة القتل، وأُطلق في الظهار وفي اليمين.

    قال: تعالى في كفارة الظهار: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}، وفي كفارة القتل: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ}.

    الحكم متحد، وهو وجوب عتق رقبة.

    والسبب مختلف: ظهار، وقتل.

    {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ}: سببه القتل.

    {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}: سببه الظهار.

    إذًا هما سببان مختلفان، والحكم واحد، هل يُحمَل المطلق على المقيد في هذه الحالة أو لا؟

    محل نزاع بين أهل العلم:

    القول الأول:
    لا يُحمَل المطلق على المقيد، وهو المنصوص عن الإمام أحمد على ما ذكره المصنف هنا.

    (فالمنصوص لا يُحمَل):
    يعني لا يحمل المطلق على المقيد، بل يبقى المطلق على إطلاقه، والمُقيد على قيده.

    (واختاره ابن شاقلا، وهو قول أكثر الحنفية):
    وهو مذهب كثير من الحنابلة وبعض الشافعية، قالوا: الحمل هنا تحكم محض؛ لأن اللغة تأبى ذلك، ما أطلق في موضع وقيّد في موضع إلا لأنه أراد في موضع الإطلاق الإطلاق، وفي موضع التقييد التقييد، فحينئذ حمل هذا على ذاك -مع اختلاف السبب ولو اتحد الحكم- من باب التحكم.

    القول الثاني:
    يُحمَل المطلق على المقيد عن طريق اللغة، وقيل: القياس؛ لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}، وقال في المداينة: {وَاسْتَشْهِدُو ْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُم}، اشتراط الشهود جاء مقيدا بالعدالة دون المداينة، وهو يكاد يكون إجماعا؛ أن كل موضع أُطلق فيه الشهادة فهي مُقيدة بالعدل، ومعنى هذا أنه قد حُمل المطلق على المقيد.

    فحينئذ طردا للباب؛ وهو أنه إذا حُمل بالإجماع الشهادة في موضع الإطلاق على الشهادة في موضع التقييد؛ فغيره محمول عليه، وظاهره حمل المطلق على المُقيد، ولأن العرب تُطلق في موضع وتُقيد في موضع آخر، فيُحمَل أحدهما على الآخر.

    (خلافا للقاضي والمالكية وبعض الشافعية): قد يُفهَم من أن المنصوص عن الإمام أحمد أنه لم يكن ثم رواية أخرى؛ أنه لا يرى الحمل، بل هما روايتان: رواية بأنه لا يُحمَل، ورواية بأنه يُحمَل، ولذلك جاء في رواية أبي طالب: "أحب إلى أن يُعتِق في الظهار مسلمة"؛ يعني رقبة مسلمة، وهذا يدل على أنه حَمَل المطلق على المقيد؛ لأن الظهار لم يرد فيه التقييد.

    وذكر بعضهم أن حجة المنع أن ظاهر المطلق يقتضي أن يُعمَل به على إطلاقه، فلا يختص بالمقيد إلا أن يكون بينهما ارتباط لفظي أو معنوي، وهنا ليسا بينهما ارتباط لا لفظي ولا معنوي، فحينئذ يبقى المطلق على إطلاقه، والمقيد على تقييده.

    (خلافا):
    منصوب على أنه مفعول مطلق.

    (خلافا للقاضي والمالكية وبعض الشافعية القائلين بالحمل)
    : هذا هو القول الثاني في المسألة، وحجتهم أن كلام الله تعالى مُتحد، كله مُتحد، فإذا نص على اشتراط الإيمان في كفارة القتل كان ذلك تنصيصا على اشتراطه في كفارة الظهار، ولذلك جاء في الحديث الذي سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- الجارية «أين الله؟» قالت: في السماء، قال: «أعتقها فإنها مؤمنة»، مع أن معاوية بن الحكم سأله، وقال: علي كفارة وأطلق، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أعتقها فإنها مؤمنة»، «فإنها»: الفاء هذه للتعليل؛ أي لأنها مؤمنة، وهذا يدل على اشتراط الإيمان؛ لأن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال يُنزَل منزلة العموم في المقام، فلما قال له: علي كفارة ومعلوم أن الكفارة من جهة التحرير بعضها مقيد بالإيمان وبعضها غير مُقيد بالإيمان، محتملة ظهار، أو قتل، أو كفارة يمين، فقال: «أعتقها فإنها مؤمنة»، علل بالإيمان الواقع جوابا لقوله: "كفارة" المطلق.

    ونزلن ترك الاستفصال

    منزلة العموم في المقال

    ونزلن ترك الاستفصال: إذا سُئل النبي -صلى الله عليه وسلم- سؤالا أو ذُكر له قول أو حكاية وهي مُحتملة لعدة أوجه فأجاب، تُحمَل على جميع الأوجه؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما سبق بيانه؛ لأن الحكم لو كان منزلا على حالة واحدة دون البقية لكان فيه عدم إجابة للسؤال، قال: إن علي كفارة وعندي جارية، فاختبرها النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «أعتقها فإنها مؤمنة»، دلّ على العموم؛ أن كل كفارة يشترط فيها في العتق الإيمان.

    (2) (وقال أبو الخطاب: تقييد المطلق كتخصيص العموم، وهو جائز بالقياس الخاص، فهاهنا مثله):

    هذا القول الثالث في المسألة: إذا اتحد الحكم واختلف السبب، هل يُحمل المطلق على المقيد؟

    فيه ثلاثة أقوال:

    الأول:
    لا يُحمَل، وذكر أنه المنصوص عن أحمد.

    الثاني:
    يُحمَل، وهو قول القاضي والمالكية وبعض الشافعية.

    الثالث:
    أبو الخطاب يقول: لا يُحمَل المطلق على المقيد بنفس اللفظ، بل لابد من دليلٍ من قياس أو غيره، كما أن القياس فيما سبق يعتبر من المخصصات للعموم، كذلك هنا لا يُحمَل المطلق على المقيد فيما إذا اختلف السبب واتحد الحكم إلا بدليل خارجي، إن وُجد دليل حُمل، وإلا فلا يُحمَل.

    (3)
    (فإن كان ثَمَّ مقيدان حُمِلَ على أقربهما شبها به):

    (فإن كان)
    فإن وُجد ثم، إذا قلنا بحمل المطلق على المقيد، قد يكون المطلق وهناك مقيدان؛ يعني قُيد في موضع بقيد، وجاء في موضع بقيد آخر، وجاء مطلق، إذًا عندنا مطلق، وعندنا مقيد بقيد مغاير لمقيد بقيد آخر، على أيهما يُحمَل؟

    يقول: (فإن كان ثم مقيدان): عندنا مُقيَّد ومُقيَّد.

    (حُمل):
    المطلق.

    (على أقربهما شبها به):
    مثل إطلاق صوم كفارة اليمين عن القيد: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ}، أطلقها في النص الشرعي، نفس المثال دون قراءة ابن مسعود: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ}، مطلق عن التتابع وعن التفريق، وقيّده في كفارة الظهار بالتتابع: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ }، وقيّد صوم التمتع بالتفريق: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}، كفارة اليمين المطلقة على أيٍّ نحملها؟ هل نقول بالتتابع أو نقول بالتفريق؟ أيهما أقرب شبهًا؟ ما كان من جنسه، وهو كفارة؟ أو من خارج جنسه؛ كالتمتع؟

    ما كان من جنسه، فتحمل كفارة اليمين في الصيام بالتتابع حملا على كفارة الظهار؛ لأن كلا منهما كفارة، وأما التفريق في الحج فهذا أمر خارج عنه، إذًا يكون الظهار أقرب لليمين من التمتع.

    قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} يُحمَل على أيٍّ؟ على التتابع أو على التفريق؟

    لا يُحمَل على واحد منهما؛ لأنه ليس بينهما جامع، يبقى على إطلاقه، لا يُقيَّد بتتابع ولا بتفريق، بل المكلف مُخير بين التتابع وبين التفريق مطلقا، ولذلك لا نُقيده حتى في صيام الست من شوال؛ لأن هذا مطلق، وذاك محمول على وقته.

  19. #79

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    تابع أحوال المطلق والمقيد:

    الحالة الثالثة: اختلاف الحكم:


    [المتن]:

    [وإن اختلف الحكم فلا حَمْلَ، اتحد السبب أو اختلف(1)].

    (1)
    (وإن اختلف الحكم فلا حَمْلَ، اتحد السبب أو اختلف):

    الحالة الثالثة: (وإن اختلف الحكم فلا حمل، اتحد السبب أو اختلف): كأن المصنف هنا جرى على ما جرى عليه الأصوليون؛ أنه لا حمل لمطلقٍ على مقيد إلا مع اتحاد الحكم، أما إذا اختلف الحكم فلا حمل، وهذا هو الأصح.

    (اتحد السبب): مثل آية التيمم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}: أطلق، وقال: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}.

    السبب في الموضعين: الحدث، سبب الوضوء: الحدث، وسبب التيمم: الحدث، إذًا السبب متحد.

    والحكم مختلف؛ لأن هذا تيمم، وهذا وضوء.

    هل يُحمَل المطلق على المُقيد؛ فنقول: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} إلى المرافق على ما في آية الوضوء؟

    نقول: لا، وإن قال به بعض الأصوليين؛ لأن شرط الحمل اتحاد الحكم.

    كذلك فيما اختلف الحكم والسبب؛ كآية الوضوء أيضا مع آية السرقة، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا}، لو قيل بحمل المطلق على المقيد في آية الوضوء: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}، من أين تقطَع؟ من المرفق.

    نقول: لا يحمل المطلق على المقيد.

  20. #80

    افتراضي رد: "المباحث اللغوية" للعلامة أحمد بن عمر الحازمي مصححة منقحة

    باب الأمر:

    الأمر وتعريفه:

    [المتن]:

    [و(الأمر)(1): استدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء(2)].

    [الشرح]:

    (1)
    (و(الأمر)):

    هذا شروع منه في بيان مبحث من مباحث الألفاظ، وهو الأمر، والأمر والنهي، كالعام والخاص، والمطلق والمقيد، بل الأمر والنهي أشد؛ لأنهما أساس التكليف؛ ولذلك قيل: "التكليف: هو الخطاب بأمر أو نهي".

    الأمر سواء كان أمر استحباب أو إيجاب، والنهي سواء كان نهي تحريم أو نهي تنزيه، مبنى الشريعة ومعرفة الأحكام الشرعية وتمييز الحلال من الحرام مبناه على الأمر والنهي، ولذلك قال السرخسي: "أحق ما يُبدأ به في البيان: الأمر والنهي؛ لأن معظم الابتلاء يقع بهما، وبمعرفتهما تتم معرفة الأحكام، ويتميز الحلال من الحرام".

    ولذلك بعض الأصوليين يبدأ المباحث بالأمر والنهي، يقدمه على العام والخاص، والمطلق والمقيد، والنص .. إلى آخره؛ لعموم الابتلاء بهما، ولا يحصل تمييز الحلال والحرام إلا بمعرفة الأمر والنهي.

    لفظ "أَمَرَ": حقيقة في القول الطالب، سواء كان على جهة الجزم أم لا؛ لذلك قلنا فيما سبق: الصحيح أن المندوب مأمور به، أما صيغة "افعل" فهي حقيقة في الوجوب، فـ "أَمَرَ": مسماه "افعل"، مسمى اللفظ لفظ، لكن ما مدلول "أَمَرَ" من حيث هو؟

    نقول: اللفظ الدال على الطلب سواء كان جازما أم لا.

    (2)
    (استدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء):

    أما في الاصطلاح فعرّفه بقوله: (استدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء).

    (استدعاء):
    السين والتاء زائدة؛ لأن السين للطلب والدعاء، وإذا قيل: إنها للطلب؛ صار طلب الدعاء، أو دعاء الدعاء، وهذا فاسد.

    (استدعاء):
    جنس يشمل استدعاء الفعل، واستدعاء الترك، ويشمل الاستدعاء من الأدنى إلى الأعلى، ومن الأعلى إلى الأدنى، ومن المساوي إلى المساوي.

    (استدعاء الفعل):
    أي الإيجاد، المراد بالفعل هنا: الإيجاد؛ ليشمل القول، خرج به استدعاء الترك؛ لأن استدعاء الترك نهي، وليس بأمر، واستدعاء الفعل الشامل للقول: هذا هو الأمر.

    ويُفسَّر الفعل هنا بما فُسر به الفعل في حدّ الحكم؛ بأنه: ما يشمل القول، والاعتقاد، والنية، وفعل الجوارح، الفعل عرفا؛ يعني في اصطلاح الشرع وفي اصطلاح الأصوليين يشمل أربعة أشياء: القول، والاعتقاد، والنية، وفعل الجوارح.

    واختلفوا في الترك، والصواب: أنه فعل، لكن لعل المصنف هنا لا يرى أن الترك فعل، ولذلك قال: (استدعاء الفعل فاحترز به عن استدعاء الترك الذي هو النهي.

    (بالقول)
    جار ومجرور متعلق بقوله: (استدعاء).

    و (بالقول): أي بالصيغة، والمراد بها: صيغة "افعل" وما جرى مجراها.

    و (بالقول): احترز به عن استدعاء الفعل بالفعل، أو بالحركات، أو الإشارات المُفهمة، وكل ما ليس بقول وأفهم طلبا فليس بأمر في اصطلاح الأصوليين جريا على معناه اللغوي؛ لأن الأمر نوع من أنواع الكلام، والكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع.

    إذًا نقول: كل ما كان نوعا من أنواع الكلام فيُشتَرط فيه أن يكون لفظا، فإذا لم يكن بلفظ فلا يُسمى أمرا، فإذا أفهم فعلُ النبي -صلى الله عليه وسلم- وجوبَ أمر ما؛ لا يسمى أمرا، ولو أُطلق عليه أمر فهو مجاز، ولذلك اختلفوا في مسمى الأمر هل يصدق على الفعل أم لا؟

    المُرجَّح عند جمهور الأصوليين: أنه يُطلق عليه مجازا.

    والأمر في الفعل مجاز واعتمى

    تشريك ذين فيه بعض العلما

    يعني بعضهم رأى أنه مشترك بينهما، لكن المشهور عندهم أن إطلاق الأمر على الفعل مجاز، {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ}؛ يعني وما فعله، قالوا: هذا مجاز، وليس بحقيقة.

    (على وجه الاستعلاء): يعني كون الآمر يأمر ويستدعي على وجه الترفع والقهر، وصفة الاستعلاء صفة في الأمر؛ في اللفظ، إذا وقع اللفظ فيه ترفع وقهر وكبرياء يسمى استعلاء، وإذا كان الطالب أعلى رتبة من المطلوب يسمى علوا، ولذلك اختلفوا هل يُشتَرط في حد الأمر الاستعلاء أو العلو؟

    الجمهور على أنه يشترط الاستعلاء، فإذا لم يكن على جهة الاستعلاء فلا يسمى أمرا، فإذا قال: "اسقني ماء" من باب التودد واللطف، قالوا: هذا ليس بأمر؛ لأنه ليس على جهة استعلاء؛ لأن الرجل العظيم الكبير الذي يأمر غيره إذا قال: "افعل" على وجه اللين والتواضع فلا يسمى هذا أمرا؛ بدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نفى الأمر عن صيغة "افعل" الصادرة منه في حق بريرة لما قال لها: «ارجعي إلي زوجكِ»، قالت: أتأمرني يا رسول الله؟ قال: «لا» مع أنه قال: «ارجعي»، هذا أمر، قالت: أتأمرني يا رسول الله؟ قال: «لا، إنما أنا شافع».

    إذًا ما الذي انتفى عن قوله: «ارجعي»؟

    الاستعلاء؛ لأنه هو عالٍ، رتبته عالية لا شك، أتأمرني؟ قال: «لا»، إذًا نفى الأمر عن صيغة "افعل".

    ولذلك قالوا: لو أمر الأدنى الأعلى بصيغة "افعل" سُمي أمرا ووُصف بكونه جاهلا أحمق؛ لأنه فعل ما ليس له.

    والصواب: أن نفي النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمر ليس على جهة أنه غير مستعلٍ، لا، وإنما أحوال النبي -صلى الله عليه وسلم- تختلف؛ يعني قد يأمر من جهة كونه واليا، قد يأمر من جهة كونه نبيًا مشرّعا رسولا، وقد يأمر من جهة كونه قاضيا حاكما، أحوال النبي -صلى الله عليه وسلم- مع رعيته تختلف، وكلامه وأوامره تختلف بهذه الاختلافات، وهنا ليس مشرِّعا، إنما نفى التشريع، يعني أتأمرني أمرا شرعيا؟

    قال: «لا، إنما أنا شافع»، إذًا من باب التودد ومن باب التعاون على الخير، فنفي الأمر ليس لكونه نُفي عنه الاستعلاء، وإنما باختلاف حال النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الحال مع بريرة.

    وعليه نقول: الصواب ما حققه الكثير من المتأخرين؛ أنه لا يشترط في الأمر لا علو ولا استعلاء؛ لأنه إذا كانت المسألة لغوية -وقد ذكرتم أنه لا بد من القول لكون الأمر في اللغة لا يكون إلا قولا- نقول: من أين قيدتم الأمر في اللغة بأن يكون على وجه الاستعلاء؟

    ليس ثم دليل يدل لا لغة ولا شرعا على أن صيغة "افعل" لا تسمى أمرا إلا من جهة تعلقها بالمتكلم سواء كان مستعليا أو عاليا.

    وليس عند جل الأذكياء
    شرط علو فيه واستعلاء
    وخالف الباجي بشرط التالي
    وشرط ذاك رأي ذي اعتزال
    واعتُبرا معًا على توهين
    لدى القشيريِّ وذي التلقين
    المذاهب أربعة:

    ** قيل: يشترط العلو فقط.

    ** وقيل: الاستعلاء فقط.

    ** وقيل: هما معا.

    ** وقيل: لا يشترط علو ولا استعلاء، وهذا هو الصواب؛ ولذلك صح قول عمرو بن العاص لمعاوية وهو والٍ:

    أمرتك أمرا جازما فعصيتني وكان من التوفيق قتل ابن هاشم

    قال: أمرتك، وهو من الرعية، فحينئذ العلو والاستعلاء منتفيان في حق عمرو بن العاص، كذلك قول فرعون وهو طاغية: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ}، وهو مستعلٍ لا شك، وهو أعلى، فثم ما أشاروا به عليه بالأمر، إذًا نقول: لا يشترط فيه علو ولا استعلاء.

    (استدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء
    ): تصدير الأمر بالاستدعاء فيه نوع إشكال، وإنما ذكر الزركشي في "تشنيف المسامع" أن من عرَّف الأمر بالاستدعاء أو الاقتضاء أراد به الأمر النفسي، ولذلك يمكن أن نقول: الأمر: "هو اللفظ الدال على طلب الفعل" مثلا.

    لا بد أن نصدّره باللفظ.

    وإذا قلنا: قوله: (بالقول) ليس بشرط، وإنما يسمى الفعل أمرا، وتسمى الإشارة أمرا، فحينئذ لا نصدره باللفظ، وإنما نقول: "ما دلَّ على طلب فعل إلى آخره"؛ لأن مذهب كثير من الأصوليين مذهب الأشاعرة في باب الكلام، فعندهم الكلام هو النفسي، والأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، هذه كلها -على اختلافٍ بينهم هل تتحد أم تختلف؟- أنواع للكلام النفسي، وحينئذ كل -وقد نصّ على ذلك المحلي في "شرح الجمع"- من عرّف الأمر في هذا المقام فإنما أراد به الأمر النفسي، ولم يُرد به الأمر اللفظي، ونقول: ليس عندنا نفسي ولا لفظي كما سيذكره المصنف هنا.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •