*عن أبي ذر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-:
"عُرِضَت عليّ أعمالُ أمتي حسنها وسيئها, فوجدتُ في محاسن
أعمالها أن الأذى يُماط عن الطريق ووجدتُ أن من مساوئ
أعمالها النخامة في المسجد لا تُدفن"
في هذا الحديث يُحدثنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
عن بعض ما شاهده من الطريق الذى يُعرف عن الصوفية
بطريق الكشف وهذا الكشف إنما يختص بالرسول
-عليه الصلاة والسلام- أما ما يُقال أنه من صفات
المتصوفة أو البارزين منهم فهذا مما لم يثبت إنما ثبت
هذا للرسول-صلى الله عليه وآله وسلم -في حوادث
عدة منها:في هذا الحديث فأنه -عليه الصلاة والسلام-
يقـــــــــــــ ول:
"عُرضت علي أعمالُ أمتي" هذا العرض هوعرض بطريق الكشف .
وقد وقع للرسول-عليه الصلاة والسلام- من مثل هذا الشيء الكثير مثلاً:
كان-عليه الصلاة والسلام- يُصلي صلاة الكسوف وهو واقفٌ
إماماً بالناس فدُهِشَ أصحابه حينما رأوا الرسول -عليه الصلاة والسلام-
يتقدم يَمد يده كأنه يُريد أن يأخذ شيئاً ثم سرعان ما تقهقر-عليه الصلاة
والسلام- خلفه حتى تقهقر الصف من خلفه فتداخلت الصفوف بعضها
في بعض لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- تقهقر فلما قضى
-عليه الصلاةُ والسلام- الصلاة سألوه فقال لهم -عليه الصلاة والسلام-:
"لقد عُرضت علىَّ الجنة والنار في حائطكم هذا"
هذا هو الكشف والتمثيل للرسول-عليه الصلاة والسلام-
فقد وُصفت له الجنة في حائط المسجد فرأى الجنة ورأى من عِنبها فَهَمَّ
-عليه الصلاة والسلام- بأن يقطف منها عنقوداً ثم ترك لأنه سبق في
علم الله -عزوجل- ألا يأكل أحدٌ من ثمار الجنة في هذه الدنيا الفانية .
ثم قال: " ثم عرضت على النار فأحسستُ بلهيبها وحرارتها فتقهقرتُ"
.فهذا عرض من نوع عرض الحسنات والسيئات على النبى
-عليه الصلاة والسلام- ومن هذا القبيل أيضاً قوله
-عليه الصلاة والسلام-: "زُويت لي الأرض حتى رأيتُ مشارقها
ومغاربها ورأيتُ مبلغَ مُلك أمتي فيها"
فمن هذا الباب كمعجزة وكرامة للرسول-عليه الصلاة والسلام-عُرضت
عليه حسنات الأمة المسلمة وسيئاتها, فرأى في تلك الحسنات
أنَّ الأذى يُماط عن الطريق فهو حسنة ، وعلى العكس من ذلك رأى
-عليه الصلاة والسلام- مساوئ الأمة النخامة فى المسجد لا تُدفن.
قد يُستغرب هذا التعبير بالنسبة لمساجدنا اليوم المفروشة بالسجاجيد
فكيف يُذكر في هذا الحديث أن من المساوئ النخامة في المسجد لا تُدفن.
ومعنى هذا أنها إن دُفنت لم تكن سيئة فكيف يتضمن هذاالحديث جواز
البصق في المسجد مع الدفن والنهى عن البصق في المسجد
واعتباره سيئة بدون دفن ؟
ذلك بأن المساجد يومئذ كانت مفروشة بالحصباء والرمل الناعم كما هو
الشأنُ تماماً في القسم الخارجى حتى اليوم في المسجد النبوي فالأرض
هناك مفروشة بالرمل فإذا بَصَقَ باصقٌ مُضطراً يحفر حفيرة صغيرة ثم يطمرها.
فالبصق سيئة وطمرها حسنة وهذا تفسيره {واتبع السيئة الحسنة تَمْحُها}
فإذا بُصِقَ في المسجد المفروش بالتراب فكفارة ذلك أن يدفنها
أما مساجدنا اليوم فهي مما لا يجوز للمسلم أن يبصق فيها
لأنه لاسبيل إلى طمرها أو دفنها.
فهذا الحُكم الذى اعتبره-عليه الصلاة والسلام-سيئة لا تُكفر بالدفن
إنما هو في المساجد التي ليست مفروشة بالرمل أما إذا كانت
مفروشة بالرمل فدفن هذه النخامة هو حسنة تمحو تلك السيئة.
بيت القصيد من هذه الجملة الأخيرة من هذا الحديث هو ضرورة
المحافظة على نظافة المساجد وصيانتها مما يُقذرها ولهذا كان
من أدب المساجد في الزمن النبوى الأول ولايزال هذا مثابرا
عليه في الحرمين المكي والنبوي ألا وهي تطيبها بالطيب وتجميلها
بالورود. وهذا من الآداب التي أهْمِلت في كثير من مساجدنا اليوم
تزيين المساجد وتطيبها فتجميرها وتطيبها من تعظيم شعائر الله
والله يقول:
{ومَنْ يُعَظِم شعائرَاللهِ فإنها من تقوى القلوب}.
يتبـــع .