تابع باب الأمر:
الصيغ الدالة على الأمر:
[المتن]:
[وله صيغة تدل بمجردها عليه(1)، وهي (افعل) للحاضر، و(ليفعل) للغائب عند الجمهور(2)].
[الشرح]:
(1) (وله صيغة تدل بمجردها عليه):
يعني هل له لفظ إذا أُطلق فُهم منه الاستدعاء السابق أم لا؟
نقول: نعم، وهذا بإجماع السلف؛ لأن القرآن -وهو المراد هنا- وأقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما هي الألفاظ، فإذا كانت ألفاظا حينئذ ليس عندنا أمر غير اللفظ، وإنما ينبني هذا القول -هل للأمر صيغة أم لا؟- على القول بالكلام النفسي، ولذلك نقول دائما: إن السؤال المطروح في كتب الأصوليين قديما وحديثا هل للأمر صيغة تخصه؟
نقول: هذا السؤال بدعة؛ لأن مبناه على بدعة؛ وهو أن الأمر عندهم هو الأمر النفسي، ثم يختلفون هل له صيغة تدل عليه أو لا؟
بعضهم يرى أنه ليس له صيغة، فإذا قال: "افعل": يحتمل النهي، ويحتمل الأمر، وإذا قال: "لا تفعل": يحتمل الأمر، ويحتمل النهي؛ لأن المراد بالأمر والنهي هما النفسيان فقط، ثم هل له لفظ إذا أُطلق انصرف إليه أم لا؟
بينهما خلاف، فنقول: الصواب أن هذا السؤال ليس بوارد؛ لأن القرآن هو كلام الله بحروفه ومعانيه، فالأمر لفظ ومعنى، وليس هو معنى فقط.
ثم نختلف هل له لفظ يدل على ذلك المعنى أو لا؟
نقول: مجموع الأمرين، كما قال شيخ الإسلام؛ مثّل لذلك كالجسد للروح، نقول: الإنسان اسم للجسد مع روحه، إذًا جسد وروح ظاهر وباطن، كذلك اللفظ والمعنى هما مسمى للأمر، فالأمر مركب من شيئين لا ينفك أحدهما عن الآخر، ليس اللفظ دون المعنى، ولا المعنى دون اللفظ، ولا نقول: الأصل المعنى، واللفظ دليل أو يعبر عنه، لا، هما سيّان، كما نقول: "فلان هذا زيد"، أُطلق على الاسم وعلى الروح معا، فلا يُطلق لفظ العبد أو إنسان مثلا إلا على مجموع الأمرين.
إذًا: (وله صيغة تدل بمجردها عليه): على الاستدعاء؛ بمعنى أنها إذا أُطلقت هذه الصيغة انصرفت إلى استدعاء الطلب، ونقول: هذا بإجماع السلف، وبإجماع أهل اللغة؛ لأنهم قسموا الكلام إلى أمر ونهي، وخبر، واستخبار، جعلوا للأمر: "افعل"، وللنهي: "لا تفعل"، وللخبر: "قد فعلت"، وللاستخبار: "هل فعلت؟"، وهذا مُجمَع عليه ولا خلاف، ولذلك دائما يُؤخذ في حد الاسم وفي حد الفعل وفي حد الحرف، تُؤخذ مفهوم الكلمة، والكلمة نوع من أنواع الكلام؛ لأنها جزؤه، والكلام يُؤخذ بحده: اللفظ، بإطباق أهل اللغة أن الكلام هو اللفظ، إذا انتفى اللفظ نقول: ليس بكلام، فحينئذ إذا قيل: إن المعنى هو الأمر، نقول: ليس بكلام، وهذا أمر فاسد.
(2) (وهي (افعل) للحاضر، و(ليفعل) للغائب عند الجمهور):
(افعل): متفق عليها عند أهل السنة، وأما عند الأشاعرة: لا؛ لأن كثيرا منهم ينكرون الصيغة أصلا، لا صيغة للأمر، وأما عند أهل السنة فصيغة "افعل" هي للأمر الحاضر؛ يعني المخاطب "افعل"، "قم"، "صل"، "صم" .. إلخ.
(ليفعل للغائب عند الجمهور): {وَلْيَطَّوَّفُ ا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}، {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ}، هذه صيغة أمر.
كذلك اسم فعل الأمر: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُم}، يعتبر من صيغ الأمر.
كذلك المصدر النائب عن فعله: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ}، نقول: هذا يدل على أمر.
كذلك إذا عُبّر عنه بالكَتْب: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ}.
فرض -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر، فرض، وجب، كل هذه تدل على الأمر.
إذًا الصيغة التي تدل بمجردها عليه هي صيغة "افعل"، وإنما يخصها كثير من الأصوليين بالبحث؛ لأنها أكثر دورانا من غيرها، لذلك قال:
بِصِيغَةِ افْعَلْ فَالوُجُوبُ حُقِّقَا .....................
لماذا خص "افعل"؟
وافعل لدى الأكثر للوجوب .....................
لأنها أكثر دورانا من غيرها.