تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 5 من 8 الأولىالأولى 12345678 الأخيرةالأخيرة
النتائج 81 إلى 100 من 154

الموضوع: القواعد المستخلصة من الشرح الممتع

  1. #81
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة السابعة والخمسون:
    ((درء المفاسد مقدم على جلب المصالح))([1])
    قال الشيخ رحمه الله ((قوله: «وحرم رفع مصلى مفروش ما لم تحضر الصلاة»، يعني أن رفع المصلى الذي وضعه صاحبه ليصلي عليه ثم انصرف حرام، و «المصلى»: ما يصلى عليه، مثل: السجادة.
    وصورة المسألة: رجل وضع سجادته في الصف، وخرج من المسجد فلا يجوز أن ترفع هذا المصلى؛ التعليل: أن هذا المصلى نائب عن صاحبه، قائم مقامه، فكما أنك لا تقيم الرجل من مكانه فتجلس فيه، فكذلك لا ترفع مصلاه.
    ومقتضى كلام المؤلف أنه يجوز أن يضع المصلى ويحجز المكان؛ لأنه لو كان وضع المصلى وحجز المكان حرامًا لوجب رفع المصلى، وإنكار المنكر، فلما جعل المؤلف للمصلى حرمة دل ذلك على أن وضعه جائز، وهذا هو المذهب.
    ولكن الصحيح في هذه المسألة أن الحجز والخروج من المسجد لا يجوز، وأن للإنسان أن يرفع المصلى المفروش؛ لأن القاعدة: ((ما كان وضعه بغير حق فرفعه حق))، لكن لو خيفت المفسدة برفعه من عداوة أو بغضاء، أو ما أشبه ذلك، فلا يرفع ((لأن درأ المفاسد أولى من جلب المصالح))، وإذا علم الله من نيتك أنه لولا هذا المصلى المفروش لكنت في مكانه، فإن الله قد يثيبك ثواب المتقدمين؛ لأنك إنما تركت هذا المكان المتقدم من أجل العذر))اهـ([2]).
    وقال الشيخ رحمه الله ((بيَّن المؤلف حكم الكتابة فقال: «وتسن مع أمانة العبد وكسبه»؛ أفادنا المؤلف أن الكتابة سنَّة إذا كان العبد أمينًا قادرًا على التكسب، فإن لم يكن أمينًا، بأن كان يخشى من عتقه أن يذهب إلى الكفار، ويكون معهم على المسلمين، أو خشي أنه إذا عتق سعى في الأرض فسادًا، فهنا لا تُسن الكتابة؛ لأنه ليس بأمين، ولأن العتق هنا يفضي إلى شر، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح))اهـ([3]).
    تقييد قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح:
    قال الشيخ رحمه الله: ((وقوله: «وقبيعة السيف»؛ القبيعة ما يكون على رأس مقبض السيف، وهي مثل القبع، فيجوز أن تحلى هذه القبيعة بالفضة؛ لآثار وردت في ذلك بعضها مرفوع وبعضها موقوف؛ ولأن السيف من آلة الحرب، فيتحليته إغاظة للعدو، ولهذا جازت الخيلاء في الحرب، وجاز لباس الحرير في الحرب، وكل شيء يغيظ الكفار فإن الإنسان له فيه أجر، ومفسدة الكبر ولبس الحرير يقابلها مصلحة إغاظة الأعداء، قال الله تعالى: {وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120]، وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29]، فدل ذلك على أن إغاظة الكفار مرادة لله عز وجل، وأن فيها أجرًا.
    قوله: «وحلية المنطقة»؛ والمنطقة ما يُشد به الوسط، فالعمال في الحرث، والاحتطاب يتخذون مناطق لتشدهم وتقويهم من وجه، وترفع ثيابهم من وجه آخر، فهذه المنطقة يجوز أن تُحلَّى بالفضة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم فعلوا ذلك، وهذا مما يؤيد ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أن التحلي بالفضة، الأصل فيه الجواز، ما لم يصل إلى حد الإسراف.
    وقوله: «ونحوه»؛ أي: نحو ما ذكر.
    قال في الروض: «كحلية الجوشن، والخوذة، والخف، والران، وحمائل السيف»؛ لأن هذا يشبه المنطقة، وإذا جاز ذلك في المنطقة فهذه مثلها، كما أن في ذلك إغاظة للكافرين؛ ومن هنا نأخذ أن قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ليست على إطلاقها، بل يكون ذلك عند التساوي أو رجحان المفاسد، أما إذا رجحت المصالح فإنه تغتفر المفاسد بجانب تلك المصالح، ولهذا أجاز الشرع بعض المسائل الربوية من أجل المصلحة، مثل بيع العرايا))اهـ([4]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((وجواز السلم هو القياس الصحيح الموافق للأصول خلافًا لمن قال: إن السلم على خلاف الأصول؛ لأنه بيع معدوم، والواقع أنه ليس بيع معدوم في الحقيقة؛ لأنه بيع موصوف في الذمة، أنا لم أبع عليك شيئًا معدومًا ليس في ملكي حتى يدخل في الجهالة والغرر، هذا موصوف في الذمة، وأيضًا القاعدة: ((أن كل ما ثبت بالشرع ليس مخالفًا للقياس))، بل كل قياس يخالف ما جاء به الشرع فهو قياس باطل، لكنه قد يخفى دخول ذلك في القياس على بعض الناس فيظنه مخالفًا للقياس، فالصواب أن السلم على وفق القياس؛ لأن فيه مصلحة للبائع وللمشتري، أما المشتري فمصلحته أنه يحصل على أكثر، وأما البائع فمصلحته أنه يتعجل له الثمن.
    ونقول فيما ادعي أنه على خلاف القياس: إنه على وفق القياس، ونبين ذلك، أو نقول: خالف القياس لمصلحة راجحة، والمحظور الشرعي إذا قابلته مصلحة راجحة أرجح منه أصبح جائزًا بمقتضى تَرَجُّح المصلحة، وإذا كان الشرع يحرم الشيء لأن إثمه أكبر، فإنه يبيح الشيء إذا كانت مصلحته أكبر، ولهذا العبارة المشهورة (درء المفاسد أولى من جلب المصالح) هذه يجب أن تكون مقيدة بما إذا تساوت المفاسد والمصالح، أو غلب جانب المفاسد، وإلا فإنه قد يكون في بعض الأشياء مصلحة ومضرة فترجح المصلحة، فيحلل من أجل هذا الرجحان))اهـ([5]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (5/ 102)، (6/ 115)، (9/ 50)، (10/ 273)، (11/ 337).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (5/ 101، 102).

    [3])) ((الشرح الممتع)) (11/ 337).

    [4])) ((الشرح الممتع)) (6/ 113- 115).

    [5])) ((الشرح الممتع)) (9/ 49، 50).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #82
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة الثامنة والخمسون:
    ((الشريعة جاءت بتحصيل المصالح، وتقليل المفاسد))([1])
    قال الشيخ رحمه الله ((قوله: «وَهُوَ وَاجِبٌ»؛ هذا حكم التأديب، فهو واجب على من له حقُّ التأديب، فقد يكون على الإمام، أو نائبه، أو الحاكم، أو الأب، أو الأم، أو ما أشبه ذلك، فكل من له حق التأديب فالتعزير واجب عليه، والأدلة على وجوب التعزير عامة، وخاصة:
    أما الأدلة العامة: فهي أن الشريعة جاءت مبنية على تحصيل المصالح، وتقليل المفاسد، وهذه القاعدة متفق عليها، ومن المعلوم أن في التعزير تحصيلًا للمصالح، وتقليلًا للمفاسد، يقول الله عز وجل مقررًا هذه القاعدة: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]، ويقول: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8]))اهـ([2]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (8/ 297)، (9/ 465)، (14/ 308).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (14/ 307، 308).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  3. #83
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة التاسعة والخمسون:
    ((كل ما ثبت بالشرع ليس مخالفاً للقياس))([1])
    قال الشيخ رحمه الله: ((وجواز السلم هو القياس الصحيح الموافق للأصول خلافًا لمن قال: إن السلم على خلاف الأصول؛ لأنه بيع معدوم، والواقع أنه ليس بيع معدوم في الحقيقة؛ لأنه بيع موصوف في الذمة، أنا لم أبع عليك شيئًا معدومًا ليس في ملكي حتى يدخل في الجهالة والغرر، هذا موصوف في الذمة، وأيضًا القاعدة: ((أن كل ما ثبت بالشرع ليس مخالفًا للقياس))، بل كل قياس يخالف ما جاء به الشرع فهو قياس باطل، لكنه قد يخفى دخول ذلك في القياس على بعض الناس فيظنه مخالفًا للقياس، فالصواب أن السلم على وفق القياس؛ لأن فيه مصلحة للبائع وللمشتري، أما المشتري فمصلحته أنه يحصل على أكثر، وأما البائع فمصلحته أنه يتعجل له الثمن.
    ونقول فيما ادعي أنه على خلاف القياس: إنه على وفق القياس، ونبين ذلك، أو نقول: خالف القياس لمصلحة راجحة، والمحظور الشرعي إذا قابلته مصلحة راجحة أرجح منه أصبح جائزًا بمقتضى تَرَجُّح المصلحة، وإذا كان الشرع يحرم الشيء لأن إثمه أكبر، فإنه يبيح الشيء إذا كانت مصلحته أكبر، ولهذا العبارة المشهورة (درء المفاسد أولى من جلب المصالح) هذه يجب أن تكون مقيدة بما إذا تساوت المفاسد والمصالح، أو غلب جانب المفاسد، وإلا فإنه قد يكون في بعض الأشياء مصلحة ومضرة فترجح المصلحة، فيحلل من أجل هذا الرجحان))اهـ([2]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (9/ 49).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (9/ 49، 50).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  4. #84
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة الستون:
    ((ما لا يتم الواجب إِلا به فهو واجب))([1])
    قال الشيخ رحمه الله: ((وظاهر كلام المؤلِّف: هو القول الصَّحيح؛ أنه يجب على الإِمامِ أن يُكبِّر تكبيرًا مسموعًا يَسمعه مَنْ خلفَه:
    أولًا: لفعل النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فإنه لو كان الأمر غير واجب لم يكن هناك داعٍ إلى أن يُبلِّغ أبو بكر رضي الله عنه التَّكبيرَ لمَن خلفَ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم.
    ثانيًا: لأنَّه لا يتمُّ اقتداء المأمومين بالإِمام إلا بسماع التكبير، وما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب، ولو أن الإِمام إذا قام مِن السُّجودِ لم يرفع صوتَه بالتكبير فمتى يقوم النَّاسُ؟ لا يقومون إلا إذا شرع في الفاتحة وجَهَرَ بها، مع أن جَهْرَه بالفاتحة على سبيل الاستحباب، وليس في كُلِّ صلاة، ولا في كُلِّ ركعة؛ ما عدا الفجر))اهـ([2]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((مسألة: لم يفصح المؤلِّف رحمه الله هنا عَمَّا إذا لم يعرف الفاتحةَ هل يلزمه أن يتعلَّمها؟
    والجواب: نعم؛ يلزم أن يتعلَّمها؛ لأن قراءتَها واجبةٌ، وما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ؛ كعادم الماء؛ يجب عليه طلبُه وشراؤه للوُضُوء أو الغسل به إنْ كان يُباع؛ لأنَّ ما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ، وليس هذا من باب: ما لا يتمُّ الوجوب إلا به؛ لأن وجوب الفاتحة ثابتٌ، فيلزم أن يتعلَّم هذه السُّورة، فإن ضاق الوقتُ قرأ ما تيسَّرَ من القرآن من سواها؛ لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ ما تيسَّرَ معك من القرآن»، فإن لم يكن معه قرآن فإنه يُسَبِّحُ، فيقول: «سبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، واللَّهُ أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله»، خمس كلمات))اهـ([3]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((مؤونة النقل على صاحب المال، لا من الزكاة، فإذا قُدِّر أن الزكاة لا تحمل إلى هذا البلد الذي فيه الفقراء إلا بمؤونة، فلا تخصم المؤونة من الزكاة؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد وجب عليه إخراج الزكاة فيجب أن يوصلها إلى مستحقيها))اهـ([4]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((والإشعار مع أنه سوف يتأذى به البعير، ولكن لما كان لمصلحة راجحة سمح فيه كما سمح في وسم الإبل في رقبتها أو في أذنها أو فخذها أو عضدها وما أشبه ذلك، مع أن الوسم كي بالنار، لكن للمصلحة، وأحياناً يجب وسمها إذا كان يتوقف حفظ إبل الصدقة أو خيل الجهاد؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب))اهـ([5]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «ويجب على من يخاف زنًا بتركه»؛ هذا هو الحكم الثاني للنكاح، وهو الوجوب على من يخاف زنًا بتركه؛ وذلك لشدة شهوته، ولتيسر الزنا في بلده؛ لأن الإنسان ربما تشتد به الشهوة ويخشى أن يزني، لكن لا يتيسر له؛ لأن البلد محفوظ، لكن مراده إذا اشتدت شهوته في بلد يتيسر فيه الزنا، أما إذا لم يتيسر فهو وإن اشتدت به الشهوة لا يمكن أن يزني، فإذا خاف الزنا لوجود أسبابه وانتفاء موانعه، صار النكاح في حقه واجبًا دفعًا لهذه المفسدة؛ لأن ترك الزنا واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب))اهـ([6]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((الحضانة تجب لحفظ صغير، ومعتوه، ومجنون؛ فالمعتوه في درجة بين العاقل والمجنون، فالحضانة تجب لهؤلاء الثلاثة، وإنما تجب لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمرنا بأمر أبنائنا بالصلاة لسبع سنين، وضربهم عليها لعشر، وما ذلك إلا لتقويمهم، وإصلاحهم، وتعويدهم على طاعة الله، وإذا كنا مأمورين بذلك فإنا مأمورون بما لا يتم إلا به، والقاعدة المعروفة: «أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»، ولأن تركهم إضاعة لهم، وإلقاء بهم إلى التهلكة، وإذا كان يجب على الإنسان أن يحفظ ماله فوجوب حفظ أولاده من باب أولى))اهـ([7]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((وقوله: «ولا يزاد في التعزير على عشر جلدات»؛ بسوط لا جديد، ولا خَلِق، ولا مدٍّ؛ ولا تجريد، ولا برفع المُعَزِّرُ يده بحيث يتبين الإبط؛ لأنه سيرِدُ السوط على المضروب ورودًا قويًا، وليس المقصود تعذيبه، إنما المقصود تأديبه.
    فلو وجدنا رجلًا عند امرأة بات عندها ليلة كاملة، يستمتع بها جميع الاستمتاعات، إلا أنه لم يصل إلى حد الزنا، فيجلد عشر جلدات ولا نزيد!!
    والحقيقة أن قولهم: لا يزاد على عشر جلدات لا بد أن يكون له مستند، وإلا لكان معارضًا لقولهم فيما سبق: «وهو التأديب وهو واجب»؛ لأن عشر جلدات في مثل هذا المنكر العظيم الذي لم يصل إلى الحد لا يحصل به تأديب، لكن مستندهم أنه ثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله».
    قالوا: والحد هنا بمعنى العقوبة؛ لأن الحديث في سياق العقوبات، لأنه قال: «لا يجلد»، وإذا كان في سياق العقوبات وجب أن نحمل الحد على العقوبة، أي: لا يعاقَب أحدٌ جلدًا فوق عشرِ جلدات إلا في حد، والحد أدناه ثمانون، وهو حد القذف، وعلى هذا فلا يجوز أن نزيد على عشر جلدات.
    وقال بعض أهل العلم: بل يجوز الزيادة على عشر جلدات، وعشرين، وثلاثين، وأربعين، ومائة، ومائتين، وألف، وألفين، بقدر ما يحصل به التأديب؛ لأن المقصود تقويم الاعوجاج، والتأديب، وإزالة الشر والفساد، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
    ونحن رأينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عزر بما هو أعظم من عشر جلدات، وإذا كان كذلك فإنه يجب أن يحمل قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إلا في حد من حدود الله» أي: في محرم من محارمه؛ لأن حدود الله تطلق على الواجبات، وعلى المحرمات، وعلى العقوبات، فقوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] هذه الواجبات، وقوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] هذه المحرمات، وتطلق أيضًا على العقوبات المقدرة شرعًا وهو واضح.
    وإذا كان التعزير والتأديب، وكان لا يتأدب هذا الفاعل للمعصية إلا بأكثر من عشر جلدات، فحينئذٍ إما أن نقول: لا نزيد، وتكون هذه الجلدات عبثًا؛ لأنها جلدات لا تفيد، والشرع لا يأمر بالعبث، بل لا يأمر إلا بما فيه المصلحة والحكمة، وإذا كان هكذا فإنه يجب أن يحمل كلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم على ما فيه المصلحة، وعلى ما له معنى مستقيم، ويحمل الحد في الحديث على الحدود الحُكْمية، التي هي إما ترك واجب، وإما فعل محرم، فيصير المعنى أننا لا نؤدب أحدًا على ترك مروءة مثلًا فوق عشرة أسواط؛ فلو وجدنا رجلًا يأكل في مَجْمع مثل مجمعنا هذا، مجمع علم واحترام، فهذا خلاف المروءة، فنجلده، ولكن لا نزيد على عشر جلدات، أو رجل قال لابنه: اجلس صب القهوة للزوار، فذهب الابن ليلعب وترك الضيوف، فلوالده تأديبه، ولا يزيد عن عشر جلدات، أو رجل كان يأمر ابنه الصغير بالصلاة، وله إحدى عشرة سنة، ولكن الابن يتمرد، فيجلده عشرة أسواط، فإن لم تنفع يزد، وإن لم تنفع يزد؛ لأن هذا ترك واجب، وهو حد من حدود الله، وهذا القول هو الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وجماعة من أهل العلم المحققين، وهو الذي يتعين العمل به))اهـ([8]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((وأفادنا المؤلف أنه ينبغي للإنسان أن يتعلم لغة غيره، مما تدعو الحاجة إلى تعلمه، فالقاضي إذا كان في أمة فيهم أناس كثيرون لغتهم غير عربية، وهو عربي، ينبغي له أن يتعلم لغتهم ليعرف خطابهم بنفسه؛ لأنه مهما كان الإنسان ثقة فلا يمكن أن تكون ثقتك به كثقتك بنفسك.
    أما تعلمها بدون حاجة فهو من إضاعة الوقت، كما أنه يترتب عليه الميل إلى أصحاب هذه اللغة، وأما إذا اعتاد التخاطب بها وأغفل اللغة العربية، فهذا إما مكروه، وإما محرم، فتعلم اللغات غير العربية إذا كان لحاجة لا بأس به، وإذا كان لغير حاجة فهو لغو وإضاعة وقت، ويخشى منه محبة أصحاب هذه اللغة، وإذا كان ليستبدل به اللغة العربية، فهذا إما مكروه، وإما محرم.
    والأول المباح قد يجب أحيانًا، كما إذا كان تعلم هذه اللغة وسيلة إلى إبلاغهم دين الله؛ فإن التعلم حينئذٍ يكون واجبًا؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب))اهـ([9]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (1/ 61)، (3/ 33)، (3/ 69)، (3/ 395)، (5/ 265)، (6/ 96)، (6/ 214)، (7/ 467)، (9/ 32)، (12/ 8)، (12/ 480)، (13/ 533)، (14/ 316)، (15/ 27)، (15/ 345).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (3/ 33).

    [3])) ((الشرح الممتع)) (3/ 69، 70).

    [4])) ((الشرح الممتع)) (6/ 214).

    [5])) ((الشرح الممتع)) (7/ 467).

    [6])) ((الشرح الممتع)) (12/ 7، 8).

    [7])) ((الشرح الممتع)) (13/ 532، 533).

    [8])) ((الشرح الممتع)) (14/ 315- 317).

    [9])) ((الشرح الممتع)) (15/ 344، 345).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. #85
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة الحادية والستون:
    ((ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب))([1])
    قال الشيخ رحمه الله: ((مسألة: هل يجب عليه أن يجمع مالًا لكي يزكي، وهل يجب عليه إذا تم الحول على نصاب من المال، أن يقوم بما يلزم لإخراج الزكاة؟
    الجواب: لا يجب عليه جمع المال ليزكيه، ويجب عليه إذا حال الحول على نصاب من المال أن يقوم بما يلزم لإخراج زكاته.
    والفرق بينهما أن ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب، وأما ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ فتحصيل المال ليزكي تحصيل لوجوب الزكاة وليس بواجب.
    ومثله الحج هل نقول: يجب على الإنسان أن يجمع المال ليحج؟ أو نقول: إذا كان عنده مال فليحج؟
    الجواب: إذا كان عنده مال فليحج، وأما الأول فلا يجب))اهـ([2]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((أما زكاة الفطر عن العبد فإنها تجب على سيده لما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر»، فيكون هذا الحديث مخصصًا لحديث ابن عمر فيما يتعلق بزكاة الفطر عن العبد، ولأن العبد مملوك للسيد لا يملك فوجب عليه تطهيره؛ لأنه لا يمكن أن يملك.
    وقال بعض العلماء: تجب على العبد نفسه، ويلزم السيد بتفريغ العبد آخر رمضان ليكتسب ما يؤدي به صدقة الفطر، وهذا ضعيف لما يأتي:
    أولًا: أنه صح الحديث في استثناء الرقيق.
    ثانيًا: أن من القواعد المقررة أن ما لا يتم الوجوب إلا به فهو غير واجب، فلا يقال للإنسان: اتجر لتجب عليك الزكاة))اهـ([3]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (6/ 96)، (6/ 156).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (6/ 96).

    [3])) ((الشرح الممتع)) (6/ 156).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  6. #86
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة الثانية والستون:
    ((كل عبادة مقرونة بسبب إذا زال السبب زالت مشروعيتها))([1])
    قال الشيخ رحمه الله: ((إذا لم يُعلم بالكسوف إلا بعد زواله فلا يُقضى؛ لأننا ذكرنا قاعدة مفيدة، وهي ((أن كل عبادة مقرونة بسبب إذا زال السبب زالت مشروعيتها))؛ فالكسوف – مثلًا - إذا تجلت الشمس، أو تجلى القمر، فإنها لا تعاد؛ لأنها مطلوبة لسبب وقد زال.
    ويعبر الفقهاء رحمهم الله عن هذه القاعدة بقولهم: سنة فات محلها))اهـ([2]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (5/ 190).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (5/ 190).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  7. #87
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة الثالثة والستون:
    ((إذا كان أحد العمومين مخصصاً، فإن عمومه يضعف))([1])
    قال الشيخ رحمه الله: ((إذا كسفت في آخر النهار، فلا يصلى الكسوف بناء على أنها سُنَّة، وأن ذوات الأسباب لا تفعل في وقت النهي وهذا هو المذهب.
    ولكن الصحيح في هذه المسألة: أنه يصلى للكسوف بعد العصر، أي: لو كسفت الشمس بعد العصر فإننا نصلي؛ لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتم ذلك فصلوا»، فيشمل كل وقت.
    فإن قال قائل: عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة بعد العصر»، يشمل كل صلاة، فعندنا الآن عمومان، وهما: عموم النهي عن كل صلاة في زمن معين وهو العصر مثلًا، وعموم الأمر بصلاة الكسوف في كل وقت، ومثل هذا يسمى العام والخاص من وجه، فأيهما نقدم عموم النهي أو عموم الأمر؟ إذا قلنا: نقدم عموم الأمر، قيل: بل عموم النهي؛ لأنه أحوط، لأنك تقع في معصية.
    وذكر شيخ الإسلام قاعدة قال: ((إذا كان أحد العمومين مُخَصَّصًا، فإن عمومه يضعف))؛ أي: إذا دخله التخصيص صار ضعيفًا، فيقدم عليه العام الذي لم يخصص؛ لأن عمومه محفوظ، وعموم الأول الذي دخله التخصيص غير محفوظ، وهذا الذي قاله صحيح.
    بل إن بعض العلماء رحمهم الله قال: إن العام إذا خُصِّص صارت دلالتُهُ على العموم ذاتَ احتمال، فأي فرد من أفراد العموم يستطيع الخصم أن يقول: يحتمل أنه غير مراد، كما خُصِّص في هذه المسألة التي وقع فيها التخصيص.
    لكن الراجح: أن العام إذا خُصِّص يبقى عامًا إلا في المسألة التي خُصِّص فيها فقط.
    فحديث الأمر بالصلاة عند رؤية الكسوف لم يُخَصَّص، وحديث الصلاة بعد العصر مُخصَّص بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة».
    فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ذكر هذا للرجلين اللذين تخلفا عن صلاة الفجر، ولا صلاة بعد صلاة الفجر.
    كذلك أيضًا مخصص بركعتي الطواف، فإن الإنسان إذا طاف ولو بعد العصر يُسنُّ أن يصلي ركعتين.
    ومخصص بقضاء الفريضة إذا نسيها، فمن نام عن صلاة أو نسيها، وذكرها ولو بعد العصر فإنه يصليها.
    فعموم النهي إذًا مخصص بعدة مُخَصِّصَات، فيكون عمومه ضعيفًا، ويُقدَّم حديث الأمر، ومن ثمَّ صار القول الراجح في هذه المسألة: أن كل صلاة لها سبب تصلى حيث وجد سببها، ولو في أوقات النهي، وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد))اهـ([2]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (5/ 191).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (5/ 190، 191).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  8. #88
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة الرابعة والستون:
    ((عدم النقل، ليس نقًلا للعدم))([1])
    قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «وإسلامُ كافرٍ»، هذا هو الموجِبُ الثَّالث من موجِبَات الغُسْل، وهو إِسلام الكافر، وإذا أسلم الكافر وجب عليه الغُسْل سواء كان أصليًّا، أو مرتدًّا.
    فالأصليُّ: من كان من أول حياته على غَيْرِ دِينِ الإِسلام كاليهوديِّ والنَّصْرانيِّ، والبوذيِّ، وما أشبه ذلك.
    والمرتدُّ: من كان على دين الإِسلام ثم ارتدَّ عنه ـ نسأل الله السَّلامة ـ كَمَنْ ترك الصَّلاة، أو اعتقد أنَّ لله شريكًا، أو دعا النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أن يُغِيثَه من الشِّدَّة، أو دعا غيره أن يُغِيثه في أمرٍ لا يمكن فيه الغَوْثُ.
    والدَّليل على وجوب الغُسْل بذلك:
    1 - حديث قَيس بن عاصم أنَّه لمَّا أسلم أَمَره النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أن يغتسل بماءٍ وسِدْر، والأَصْلُ في الأمر الوجوب.
    2- أنه طَهَّر باطنه من نَجَسِ الشِّرْك، فَمِنَ الحِكْمَةِ أن يُطَهِّرَ ظاهره بالغُسْلِ.
    وقال بعض العلماء: لا يَجِب الغُسْل بذلك، واستدلَّ على ذلك بأنه لم يَرِدْ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أمر عامٌّ مثل: مَنْ أسلم فَلْيَغْتَسِلْ، كما قال: «من جاء مِنْكُم الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِل»، وما أكثر الصَّحابة الذين أسلموا، ولم يُنْقَل أنه صلّى الله عليه وسلّم أمرهم بالغُسْلِ أو قال: من أسلم فليغتسل، ولو كان واجبًا لكان مشهورًا لحاجة النَّاس إليه.
    وقد نقول: إنَّ القول الأوَّل أقوى، وهو وُجوب الغُسْل، لأنَّ أَمْرَ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم واحدًا مِنَ الأمَّة بحُكْمٍ ليس هناك معنى معقول لتخصيصه به، أمْرٌ للأمة جميعًا، إذ لا معنى لتخصيصه به، وأمْرُه صلّى الله عليه وسلّم لواحد لا يعني عدم أمْرِ غيره به.
    وأما عدم النَّقل عن كلِّ واحد من الصَّحابة أنه اغتسل بعد إِسلامه، فنقول: عدم النَّقل، ليس نقلًا للعدم؛ لأنَّ الأصلَ العملُ بما أمر به النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا يلزم أن يُنْقلَ العمل به من كلِّ واحد))اهـ([2]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((بعض الحجاج لا يصلون إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر، وبعد صلاة الفجر أيضًا؛ حصرهم الزحام، فما الحكم؟
    الجواب: على المذهب يجب عليهم دم؛ لأنه فاتهم المبيت بمزدلفة، وهو من الواجبات، والقاعدة عندهم أن من ترك واجبًا فعليه دم.
    وقال بعض العلماء: إن هؤلاء أحصروا إكراهًا، فيكون وصولهم إلى المكان بعد زوال الوقت كقضاء الصلاة بعد خروج وقتها للعذر؛ لذلك إذا أحصروا في هذه الحال، ولم يصلوا إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر وذهاب وقت الصلاة، فإنهم يكونون كالذين عذروا عن وقت الصلاة حتى خرج وقتها، فيقضونها بعد الوقت، وهذا القول أقرب إلى الصواب؛ فيقال: من حُصِر عن الوصول إليها، ولم يصل إلا بعد طلوع الفجر ومضي قدر الصلاة، أو بعد طلوع الشمس، فإنه يقف ولو قليلًا ثم يستمر؛ وذلك لأنه يشبه الصلاة إذا فاتت لعذر فإنه يقضيها.
    ولو قيل أيضًا: بأنه يسقط الوقوف؛ لأنه فات وقته لم يكن بعيدًا، فالراجح أنه لا يلزم بدم؛ لأنه ترك هذا الواجب عجزًا عنه.
    الثانية: هل يشرع أن يحيي تلك الليلة بالقراءة والذكر والصلاة أم السُّنَّة النوم؟
    الجواب: السُّنَّة النوم؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم اضطجع حتى طلع الصبح.
    وهل يصلي الوتر في تلك الليلة؟
    الجواب: لم يذكر في حديث جابر ولا غيره فيما نعلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أوتر تلك الليلة، لكن الأصل أنه كان لا يدع الوتر حضرًا ولا سفرًا، فنقول: إنه يوتر تلك الليلة، وعدم النقل ليس نقلًا للعدم، ولو تركه تلك الليلة لنُقل؛ لأنه لو تركه لكان شرعًا، والشرع لا بد أن يُحفظ ويُنقل، وكذلك يقال في سنة الفجر في مزدلفة، فجابر رضي الله عنه يقول: فصلى الصبح حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ولم يذكر سنة الفجر مع أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان لا يدعها حضرًا ولا سفرًا))اهـ([3]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (1/ 341)، (5/ 338)، (7/ 310).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (1/ 341).

    [3])) ((الشرح الممتع)) (7/ 309، 310).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  9. #89
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة الخامسة والستون:
    ((ما فُعِلَ اتفاقاً فليس بدليل))([1])
    قال الشيخ رحمه الله في معرض كلامه عن اشتراط العدد في صلاة الجمعة: ((واستدلوا على اشتراط الأربعين بما يلي:
    1 ـ قال أحمد: «بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم مصعب بن عمير إلى أهل المدينة، فلما كان يوم الجمعة جمع بهم وكانوا أربعين، وكانت أول جمعة جمعت بالمدينة».
    ويجاب: إن صح هذا الأثر فإنه لا يصح الاستدلال به؛ وذلك لأن بلوغهم هذا العدد وقع اتفاقًا لا قصدًا، فلم يقل: إنهم أمروا أن يجمعوا فلما بلغوا أربعين أقاموا جمعة، فلو كان لفظ الحديث هكذا لكان فيه شيء من الاستدلال...))اهـ([2]).
    وقال – أيضًا - رحمه الله في معرض كلامه عن نفس المسألة: ((القول الثاني: أنه لا بد من اثني عشر رجلًا من أهل الوجوب.
    واستدلوا: بحديث جابر السابق([3])، وأجيب: بأن هذا وقع اتفاقًا؛ فلم يكن قصدًا، فربما يبقى أكثر، وربما يبقى أقل، ولا يصح الاستدلال به))اهـ([4]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «إلى شهر»؛ أي: يصلى على الغائب، وعلى القبر إلى نهاية شهر؛ والدليل على ذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صلى على قبر إلى شهر».
    ولكن كون الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على قبر له شهر لا يدل على التحديد؛ لأن هذا فِعْلٌ وقع اتفاقًا ليس مقصودًا، وما فُعِل اتفاقًا فليس بدليل اتفاقًا؛ لأنه لم يُقْصَدْ.
    وخلاف الأصحاب في هذه المسألة لا يقدح في هذه القاعدة؛ لأنهم يخالفون في كونه وقع اتفاقًا، ويقولون: بل وقع قصدًا.
    والصحيح: أنه يُصلى على الغائب، ولو بعد شهر، ونصلي على القبر أيضًا ولو بعد الشهر.
    إلا أن بعض العلماء قيده بقيد حسن قال: بشرط أن يكون هذا المدفون مات في زمن يكون فيه هذا المصلي أهلًا للصلاة.
    مثال ذلك: رجل مات قبل عشرين سنة، فخرج إنسان وصلى عليه وله ثلاثون سنة فيصح؛ لأنه عندما مات كان للمصلي عشر سنوات، فهو من أهل الصلاة على الميت.
    مثال آخر: رجل مات قبل ثلاثين سنة، فخرج إنسان وله عشرون سنة ليصلي عليه فلا يصح؛ لأن المصلي كان معدومًا عندما مات الرجل، فليس من أهل الصلاة عليه.
    ومن ثم لا يشرع لنا نحن أن نصلي على قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، وما علمنا أن أحدًا من الناس قال: إنه يشرع أن يصلي الإنسان على قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو على قبور الصحابة، لكن يقف ويدعو))اهـ([5]).
    وقال الشيخ رحمه الله في معرض كلامه عن مسألة دخول مكة للحاج: ((قوله: «يُسَنُّ من أعلاها»؛ أي: من أعلى مكة من الحجون، وهل هذا سنة مقصودة، أو وقع اتفاقًا؟ بمعنى هل يتعمد الإنسان أن يذهب ليدخل من أعلاها، أو نقول إذا كان طريقه من أعلاها، فالأفضل ألا يعدل عنه إلى مكان آخر؟
    ظاهر كلام المؤلف أنه يسن قصد الدخول من أعلاها؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخلها من أعلاها.
    ولكن الذي يظهر أنه يُسَنُّ إذا كان ذلك أرفق لدخوله؛ ودليل هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأمر أن يدخل الناس من أعلاها))اهـ([6]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((فإن قال قائل: هل يُسنُّ أن ينزل الإنسان في أثناء الطريق وفي المكان الذي نزل فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم إن كان سار فيه ويبول ويتوضأ وضوءًا خفيفًا أو لا؟
    فالجواب: لا؛ لأن هذا وقع اتفاقًا بمقتضى الطبيعة، والظاهر أنه لو احتاج إلى أن يبول في غير هذا المكان لنزل فيه، ولو لم يحتج لم ينزل.
    والدليل على هذا: أنه صلّى الله عليه وسلّم لما وصل إلى مزدلفة ووقف صلى المغرب قبل حط الرحال ثم بعد صلاة المغرب حطوا رحالهم، ثم صلوا العشاء، فهذا دليل على أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم ينزل هناك تعبدًا، ولكن اتفاقًا))اهـ([7]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (5/ 346).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (5/ 37، 38).

    [3])) وهو ما جاء في البخاري (936)، ومسلم (863)، عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يخطب قائما يوم الجمعة، فجاءت عِيرٌ من الشام، فانفتل الناس إليها، حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا، فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما} [الجمعة: 11].

    [4])) ((الشرح الممتع)) (5/ 39).

    [5])) ((الشرح الممتع)) (5/ 345- 347).

    [6])) ((الشرح الممتع)) (7/ 228).

    [7])) ((الشرح الممتع)) (7/ 303).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  10. #90
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة السادسة والستون:
    ((الحديث الذي تثبت به الأحكام لا بد أن يكون صحيحاً صريحاً))([1])
    قال الشيخ رحمه الله في معرض كلامه عن اشتراط العدد في صلاة الجمعة: ((قال جابر: «مضت السُّنَّة أن في كل أربعين فما فوق جمعة، وأضحى، وفطرًا»، لكن هذا الحديث لا يصح، وبهذا يتبين أن دليل المؤلف إما صريح غير صحيح مثل حديث جابر، وإما صحيح غير صريح مثل حديث مصعب بن عمير، والحديث الذي تثبت به الأحكام لا بد أن يكون صحيحًا وصريحًا؛ لأن الضعيف ليس بحجة، وكذا الصحيح غير الصريح يكون محتملًا، ومن القواعد المقررة عند العلماء في الاستدلال «أنه إذا وجد الاحتمال سقط الاستدلال»، وعلى هذا فاشتراط الأربعين لإقامة الجمعة غير صحيح؛ لأن ما بُنِي على غير صحيح فليس بصحيح))اهـ([2]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (5/ 38).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (5/ 38).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  11. #91
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة السابعة والستون:
    ((من نوى الخروج من العبادة فسدت إلا في الحج والعمرة، ومن نوى فعل محظور في العبادة لم تفسد إلا بفعله))([1])
    قال الشيخ رحمه الله: ((مسائل: الأولى: إنسان صائم نفلًا، ثم نوى الإفطار، ثم قيل له: كيف تفطر لم يبق من الوقت إلا أقل من نصف اليوم؟ قال: إذًا أنا صائم، هل يكتب له صيام يوم أو من النية الثانية؟
    الجواب: من النية الثانية؛ لأنه قطع النية الأولى وصار مفطرًا.
    الثانية: إنسان صائم وعزم على أنه إن وجد ماء شربه فهل يفسد صومه؟
    الجواب: لا يفسد صومه؛ لأن المحظور في العبادة لا تفسد العبادة به، إلا بفعله ولا تفسد بنية فعله.
    وهذه قاعدة مفيدة وهي أن من نوى الخروج من العبادة فسدت إلا في الحج والعمرة، ومن نوى فعل محظور في العبادة لم تفسد إلا بفعله.
    ولهذا أمثلة منها ما ذكرناه هنا في مسألة الصوم.
    ومنها ما لو كان متحريًّا لكلام من الهاتف فدخل في الصلاة ومن نيته أنه إن كلمه من يتحراه أجابه، فلم يكلمه فصلاته لا تفسد))اهـ([2]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (6/ 364).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (6/ 364).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  12. #92
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة الثامنة والستون:
    ((الأصل في العبادات المنع))([1])
    قال الشيخ رحمه الله: ((الأصل فيما سَكَتَ اللَّهُ عنه الحِلَّ إِلا في العبادات، فالأصل فيها التَّحريم؛ لأن العبادة طريقٌ موصلٌ إلى الله عز وجل، فإذا لم نعلم أن الله وضعه طريقًا إليه حَرُمَ علينا أن نتَّخذه طريقًا، وقد دلَّت الآيات والأحاديث على أن العبادات موقوفةٌ على الشَّرع.
    قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، فدلَّ على أن ما يَدينُ العبد به ربَّه لا بُدَّ أن يكون الله أَذِنَ به.
    وقال صلّى الله عليه وسلّم: «إيَّاكم ومحدثات الأمور، فإِن كُلَّ بدعةٍ ضلالة»))اهـ([2]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((واستقبال القبلة قد يكون حرامًا كما هنا([3])، وقد يكون واجبًا كما في الصلاة، وقد يكون مكروهًا كما في خطبة الجمعة، فإنه يكره للخطيب أن يستقبل القبلة ويجعل النَّاس وراءه، وقد يكون مستحبًّا كالدُّعاء والوُضُوء حتى قال بعض العلماء: إِن كُلَّ طاعةٍ الأفضلُ فيها استقبالُ القبلة إلا بدليل؛ ولكن في هذا نظر! لأننا إِذا جعلنا هذه قاعدةً، فإِنَّ هذا خلاف المعروف من أنَّ الأصل في العبادات الحظر))اهـ([4]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «ولا يسن عقب صلاة عيد»؛ الضمير يعود على التكبير المقيد؛ لأننا نتكلم عن المقيد، فلو صلى العيد، وقال: أريد أن أكبِّر، قلنا: لا تكبر؛ لأنه إذا سلم الإمام من صلاة العيد قام إلى الخطبة وتفرغ الناس للاستماع والإنصات، ولا يكبرون.
    ودليل هذا: أنه لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا عن أصحابه أنهم كانوا يكبرون عقب صلاة العيد، وما لم يرد عن الشارع من العبادات، فالأصل فيه المنع؛ لأن العبادة لا بد من العلم بأنها مشروعة))اهـ([5]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (1/ 126)، (9/ 120)، (15/ 378).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (1/ 96، 70).

    [3])) أي: كما في استقبال القبلة حال قضاء الحاجة في الخلاء.

    [4])) ((الشرح الممتع)) (1/ 126).

    [5])) ((الشرح الممتع)) (5/ 169).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  13. #93
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة التاسعة والستون:
    ((الأصل في المعاملات الحل والصحة ما لم يوجد دليل على التحريم والفساد))([1])
    قال الشيخ رحمه الله: ((وقولنا: «توثقة دين بعين»؛ يفيد أنه لا بد أن يكون الرهن عينًا؛ لأن الاستيفاء الكامل لا يكون إلا بالعين، فإن كان منافع أو دينًا فإنه لا يصح على كلام الفقهاء.
    مثال الرهن بالمنافع، أن يقول: رهنتك منافع هذا البيت، فإنه لا يصح؛ لأنه ليس بعين، بل نقول: ارهن البيت، فإذا قال: البيت وقف لا يمكن بيعه، أنا سأرهنه المنافع، فلا يصح.
    مثال الدَّين: أنا أطلب فلانًا بعشرة آلاف ريال، فأمسكته وقلت: أعطني عشرة آلاف ريال، فقال: ما عندي، قلت: أنت تطلب فلانًا بعشرة آلاف ريال، اجعل دينه الذي لك رهنًا لي، فهنا توثقة دين بدين، فلا يصح؛ وذلك لأن الدين الذي في ذمة الآخر لا يجوز بيعه إلا على من هو عليه، فإذا كان كذلك فإنه لا يصح أن يكون رهنًا.
    وقيل: بل يصح أن يوثق الدين بالمنافع؛ لأن المقصود التوثقة، وبالدين، ويكون المدين الثاني كأنه ضامن، فيقول: نعم أنا مستعد أن أوفيك ما في ذمتي لفلان إذا لم يوفك.
    وهذا هو الصحيح، فقد يكون رجائي لحصولي على الدين من ذمة فلان أقوى من رجائي لحصوله من الأصل؛ فمثلًا باع على فلان هذا الشيء بمئة ألف ريال، وهو معسر، لكن له دين على فلان الموسر فرهنه إياه، فقد استفاد من هذا الرهن أنه إذا حل الأجل ولم يوفه، يذهب إلى فلان وهو موسر فبكل سهولة يعطيه هذا الدين.
    وأما المنافع فكذلك أيضًا، فإنه إذا رهنه منفعة هذا البيت فيؤجره ويأخذ الأجرة رهنًا ففيه فائدة، وليس هذا من باب المعاوضة حتى نقول: إن المنفعة مجهولة، بل هو من باب التوثقة؛ لأنه إن حصل على شيء وإلا رجع على الأصل الذي رهنه هذا الشيء، ولأنه يجب أن نفهم قاعدة مفيدة جدًّا وهي: أن الأصل في المعاملات الحل والصحة ما لم يوجد دليل على التحريم والفساد، وهذا من نعمة الله، أن الطريق الموصل إلى الله ـ أي: العبادات ـ الأصل فيها المنع، حتى يقوم دليل على أنها مشروعة، وأما المعاملات بين الناس، فمن رحمة الله وتوسعته على عباده، أن الأصل فيها الإباحة والحل، إلا ما ورد الدليل على منعه، وعلى هذا فنقول: ما المانع من أن نوثق الدين بالدين؟! ما دام ليس فيه ظلم ولا غرر ولا ربًا، فالأصل الصحة))اهـ([2]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((مسألة: رهن الثمرة قبل خروجها، والزرع قبل زرعه لا يصح، يؤخذ من قوله: «إلا الثمرة والزرع»، وقبل الخروج الثمرة معدومة، والرهن: توثقةُ دين بعين، وهنا لا عين، وعلى هذا فإذا جاء الفلاح إلى التاجر، وقال: أنا أريد أن أحرث هذه الأرض وأزرعها فأريد أن تقرضني، قال: نعم أنا أقرضك عشرة آلاف ريال، لكن بشرط أن أرهن الزرع الذي سوف تزرعه في هذه الأرض، فإنه لا يصح؛ لأن الزرع الآن ليس موجودًا، فكيف يَرهن شيئًا معدومًا؟! لكن عمل الناس على خلاف ذلك فيرهنون ذلك باعتبار المآل.
    فإن قال قائل: لماذا لا نعدل عن رهن الثمرة إلى رهن الشجرة، فالشجرة قائمة، وعن رهن الزرع إلى رهن الأرض، فالأرض قائمة؟
    نقول: الأرض قد تكون لغير المستدين، فيكون المستدين مجرد زارع، وكذلك الشجر قد يكون لغير المستدين، فالمستدين فلاح ليس له إلا الثمرة، والشجر لمالك الأرض فلا يمكن، لكن لو أمكن بأن يكون المستدين هو مالك الأصل والفرع، قلنا: لا بأس، ارهن الشجرة وتدخل فيها الثمرة، أو ارهن الأرض ويدخل فيها الزرع، أما ألا يكون له ملك في الأرض، ولا ملك في الشجرة فهذا لا يصح، لكن كما ذكرنا عمل الناس اليوم على خلاف ذلك، فيأتي الفلاح، ويقول للتاجر: أنا أريد أن أحرث في هذه الأرض، وأريد أن تدينني وأرهنك الزرع، فيعطيه ما يطلب.
    وإذا تأملت وجدت أنه ليس في الشرع ما يمنع ذلك؛ لأن المعاملات الممنوعة ـ كما قال شيخ الإسلام رحمه الله، وقوله صحيح ـ مبناها على ثلاثة أشياء: الظلم، والغرر، والميسر، فإذا وجدت معاملة تشتمل على واحد من هذه الأمور الثلاثة فاعلم أن الشرع لا يُقرها، وأما ما عدا ذلك مما ينفع الناس، وييسر أحوالهم فاستعن بالله وأفتِ بحله، حتى يتبين لك التحريم، وأنت إذا أفتيت بحل ما لم يتبين تحريمه، فأنت على حق؛ لأن الأصل في المعاملات الحل، ويوم القيامة سوف يسألك الله عز وجل: لماذا حرمت على عبادي ما لم أحرمه؟ فماذا يكون الجواب؟! ليس عندك جواب، لكن لو أحللت لهم شيئًا لا تعلم أنه حرام قلت: يا ربي مشيت على قاعدة شرعية «أن الأصل الإباحة»، وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وليس في كتاب الله بطلان هذا الشرط، والمسلمون على شروطهم، وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].
    فالإنسان في هذه المسألة بالذات ينبغي أن يغلِّب جانب الحل؛ لأن تحليل المحرَّم أهون من تحريم الحلال؛ لأن تحليل المحرم في المعاملات مبني على أصل، لكن تحريم الحلال مبني على غير أصل، وفيه تضييق على العباد بدون برهان من الله عز وجل.
    وهذه القاعدة ـ إن شاء الله ـ مفيدة، تنفعنا وتنفع غيرنا))اهـ([3]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((مسألة: يوجد الآن بيع يتبايعه الناس يكون عنده كومة من الحب، فلو قال لك: بعت عليك واحدة من هذه الكومة بريالين، تخير، فعادة الناس الآن أن البيع صحيح نافذ وأن المشتري إذا أخذ الحبة التي يريدها أجازها البائع أو منع، لكن البائع قد عرف أن أعلى ما يكون من ثمن هذه المجموعة أن يبلغ ريالين، ويعلم أنه غير مغبون فمثل هذا ينبغي أنه يقال بالصحة؛ لأن الناس تعارفوا على هذا البيع ولا يرون فيه جهالة ولا غررًا، والأصل في المبايعات والعقود الحل والصحة، وكذلك بيع شاة من قطيع، يأتي إلى قطيع من الغنم ويقول: اختر ما شئت بمائة ريال، هذه ـ أيضًا ـ جرى بها العرف، وهو إذا اختار فإن البائع يعلم أن أعلى ما يكون بمائة ريال))اهـ([4]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «أو عينًا بما شاء ولم يعين لم يصح»؛ كلام المؤلف فيه نظر.
    مثاله: قال: اشتر لي الساعة الفلانية موديل كذا وصفتها كذا وكذا، فقال له: بكم؟ قال: بما تشاء، يقول بأن هذا لا يصح؛ لأنه ربما لا تساوي إلا عشرة، ويقول للبائع: أخذتها بخمسين، فإذا جاء بها إلى الموكل قال: خذ هذه الساعة بخمسين، فقال: هذه لا تساوي إلا عشرة، قال: أنت قلت لي: اشتر بما شئت وأنا شئت أن أشتريها بخمسين، فهنا المؤلف يقول: لا يصح، لكن نحن نعلم علم اليقين أن الموكل لما قال للوكيل: بما شئت، فإنما وَكَلَهُ إلى أمانته، وليس من الأمانة أن يشتري ما يساوي عشرة بخمسين.
    ولو عيَّن له عينًا، وقال: اشترها، قال: بكم؟ قال: بما ترى أنه مناسب، فهذا يصح، وقد يقال: إنها داخلة في كلام المؤلف، وأنها لا تصح، وقد يقال: إنها غير داخلة؛ لأنه هنا لم يقيده بالمشيئة المطلقة، وإنما قيده بما يرى أنه مناسب، وهذا نوع من التخصيص فلا يكون كالمشيئة المطلقة.
    مثال آخر: قال: اشتر للوفد الذين يحضرون إليَّ أو الضيوف شاةً، فقال: بكم؟ قال: بما ترى أنه مناسب، فهذا جائز؛ لأن هذا وإن كان فيه شيء من الجهالة وربما يشتريها بثمن لم يخطر على بال الموكل، لكن مثل هذا يكون قليلًا، ومما يتسامح الناس فيه عادة، وحقيقة الأمر أن هذه مسائل فردية لكن ينبغي أن نعرف لها ضابطًا.
    والضابط في ذلك: «أن كل ما دل عليه العُرف أو القرينة مما يحتمله كلام الموكل، وليس فيه محظور شرعي، فإنه صحيح»؛ وذلك لأن الأصل في المعاملات الحل، فإذا لم تخالف الشرع، ولم تخالف العُرف، ولم تخالف لفظ المتعامِلَيْنِ فإن الأصل فيها الصحة))اهـ([5]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (8/ 236)، (8/ 240)، (8/ 241)، (9/ 97)، (9/ 120)، (9/ 134)، (9/ 183)، (9/ 381)، (9/ 383)، (9/ 399)، (9/ 401)، (9/ 444)، (9/ 445)، (9/ 448)، (15/ 377).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (9/ 118- 120).

    [3])) ((الشرح الممتع)) (9/ 133، 134).

    [4])) ((الشرح الممتع)) (8/ 162).

    [5])) ((الشرح الممتع)) (9/ 380، 381).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  14. #94
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة السبعون:
    ((الأصل في الأشياء الطهارة))([1])
    قال الشيخ رحمه الله في معرض ترجيحه لطهارة الخمر: ((الأصل الطَّهارة حتى يقوم دليل النَّجاسة، ولا دليل هنا، ولا يلزم من التحريم النجاسة؛ بدليل أن السُمَّ حرام وليس بنجس))اهـ([2]).
    وقال الشيخ رحمه الله في معرض ترجيحه لطهارة الدم: ((الأصل في الأشياء الطَّهارة حتى يقوم دليل النَّجاسة، ولا نعلم أنَّه صلّى الله عليه وسلّم أمَر بغسل الدَّمِ إِلا دم الحيض، مع كثرة ما يصيب الإِنسان من جروح، ورعاف، وحجامة، وغير ذلك، فلو كان نجسًا لبيَّنه صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنَّ الحاجة تدعو إلى ذلك))اهـ([3]).
    وقال الشيخ رحمه الله في معرض ترجيحه لطهارة المني: ((الأصل في الأشياء الطَّهارة، فَمَن ادَّعى نجاسة شيء فَعَلَيْه الدَّليل))اهـ([4]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (1/ 431)، (1/ 441)، (1/ 454).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (1/ 431).

    [3])) ((الشرح الممتع)) (1/ 441).

    [4])) ((الشرح الممتع)) (1/ 454).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  15. #95
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة الحادية والسبعون:
    ((الأصل في الأعمال الإباحة))([1])
    قال الشيخ رحمه الله: ((هناك ولائم يجتمع عليها الناس غير وليمة العرس، منها ما هو مباح، ومنها ما هو مكروه، ومنها ما هو محرم، فمن الولائم المحرمة أن يجتمع الناس إلى أهل الميت للعزاء، ويصنع أهل الميت الطعام للمجتمعين، فهذه محرمة لقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: ((كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة))، والنياحة كبيرة من الكبائر؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لعن النائحة، ومنها الوليمة على العزف، والغناء، والرقص، فهذه ـ أيضًا ـ حرام، ومنها الوليمة المكروهة، وهي الوليمة الثانية للعرس؛ لأن فيها نوعًا من الإسراف، ووليمة مباحة، وهي سائر الولائم التي تفعل عند حدوث ما يَسُرُّ، فهي من قسم المباح وليس من قسم البدعة، كما ظنه بعض الناس، كالوليمة للختان، فهذه مباحة؛ لأن الأصل في جميع الأعمال غير العبادة الإباحة، حتى يقوم دليل على المنع))اهـ([2]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: ((والأصل في الأشياء))؛ جمع شيء؛ فـ«أشياء» كلمة عامة، وقد قيل: إن أعم شيء كلمة شيء؛ لأنها تشمل الموجود والمعدوم، والأعيان والأوصاف والمنافع، والأفعال والمعاملات والعادات، والعَالَم وغير العَالَم، والعاقل وغير العاقل، فكل الأشياء الأصل فيها الحِلُّ.
    والفرق بين الأعمال والأعيان : أن العمل فعل الفاعل، والعين خارجة عن فعل الفاعل منفصلة، ونقصد بالعين المعين.
    فالأعيان: الأصل فيها الحِلُّ؛ فلو أن شخصين اختلفا في عين من الأعيان، حيوان أو أشجار أو غيرها، هل أكله حلال أو حرام؟ فالأصل الحلُّ؛ فليأكله ما لم يتيقن أنه من المنهي عنه، أو يقم الدليل على تحريمه.
    المنافع: الأصل فيها الحلُّ؛ بمعنى: أنه يحل لك أن تنتفع بالأعيان على أي وجه شئت، إلا إذا ورد دليل بالمنع.
    فلو قال قائل: أنا أريد أن أركب البقرة وأسافر عليها، لقلنا: الأصل الحِلُّ، مع أن البقرة معدة للحرث والنسل والدر.
    والدليل على أن الأصل في الأعيان والمنافع الحلُّ قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] فعمَّم وأكد؛ التعميم في قوله: {مَا فِي الأَرْضِ} «ما» اسم موصول تفيد العموم ثم أكد هذا العموم بقوله: {جَمِيعًا}.
    الأعمال: الأصل في كل عمل غير عبادة الحِلُّ، لقوله تعالى : {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119].
    نأتي إلى هذا العمل المعيَّن هل قال الله تعالى: إنه حرام أو قاله الرسول صلّى الله عليه وسلّم؟
    الجواب: لا، ولو كان حرامًا لفَصَّله؛ لأن الله قال: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}، فالأصل الحل حتى يقوم دليل على أنه ممنوع.
    وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وحرَّم محارم فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها»، وقال: «وما سكت عنه فهو عفو».
    فلو عمل الإنسان عملًا من الأعمال، أو اتخذ إنسانٌ لعبة من اللعب وصار يعملها، وجاءه آخر وقال: حرام عليك هذا، لم يكن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يعمله ولا أصحابه.
    فإننا نقول: الأصل الحلُّ حتى يقوم دليل على المنع.
    ـ إنسان اتخذ ساعة منبهة من أجل إذا جاء الوقت الذي يريد أن يقوم فيه تنبهه فقال قائل من الناس: لا تفعل، اجعل عندك ديكًا ينبهك للصلاة، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقوم إذا سمع صوت الصارخ ـ يعني: الديك ـ وأما هذه الساعة فحرام! فماذا نقول له؟
    نقول: أين الدليل؟ الأصل الحلُّ: وهل عندك دليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو أفضل البشر وأحبهم للخير واليسر لو كان عنده مثل هذه الساعة منعها؟ الجواب: لا.
    ـ حين ظهر مكبر الصوت في الصلاة والخطبة قام بعض الناس وقال: هذا حرام لا يجوز، لم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب بمكبر الصوت ولا يصلّي به.
    فنقول لهم: الأصل الحِلُّ؛ ولو كان هذا موجودًا في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم لكان يبيح ذلك، حسب علمنا بشريعته ويسرها وسماحتها.
    بل هو أمر العباس عمه في غزوة ثقيف وكان قوي الصوت أن ينادي في القوم، فجعل ينادي: يا أصحاب الشجرة، يا أهل سورة البقرة، فرجع الناس، وأبو طلحة رضي الله عنه في خيبر أمره الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن ينادي: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه لما رأى الأذان في المنام قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اذهب فألقه على بلال فإنه أندى صوتًا منك».
    ثم إنه ليس بلازم لنا أن نتطلب الأدلة التي فيها طلب الشارع لرفع الصوت، لكن هذا من باب تقوية الحكم، وإلا فالأصل الحلُّ.
    المعاملات: وهي من الأشياء، الأصل فيها الحلُّ؛ ودليلها قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]؛ فكل مبايعة فالأصل فيها الحِلُّ، وكذلك بقية العقود، لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]؛ فأمر الله بالوفاء بالعقود على أي وجه عقدت، وبأي معاملة كانت، ما لم يثبت تحريمها.
    وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج»، وقال: «المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا».
    فهذا الحديث وإن كان ضعيفًا لكن يؤيده حديث عائشة رضي الله عنها في ((الصحيحين)): «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط»؛ فدل على أن ما كان موافقًا لحكم الله فإنه غير باطل.

    العادات: تدخل في الأشياء فالأصل فيها الحلُّ؛ فإذا فعل الناس شيئًا على وجه العادة فإنه لا يُنْكَر عليهم، إلا إذا قام الدليل على أن هذه العادة محرمة فتُمنع.
    فمثلًا: إذا اعتاد الناس طرازًا معيَّنًا من البناء، أو طرازًا معيَّنًا من الثياب، فالأصل الحِلُّ، حتى يقوم الدليل على المنع.
    والمنع قد يكون بالأوصاف، وقد يكون بالأعيان، فالحرير محرم بعينه، والثوب النازل عن الكعبين محرم بوصفه.
    إذًا، الأصل في الأشياء كلها، الأعيان والمنافع والأعمال وغيرها، الأصل فيها أنها حلال لا إثم فيها، وهذا الأصل يفيدُك في أشياء كثيرة وأن من ادعى خلاف الأصل فعليه الدليل.
    لو قال قائل: الأصل في الأشياء التحريم، لأن الملك ملك الله عز وجل، ولا يجوز أن نتصرف في ملك الغير إلا بإذنه، فأين الدليل على أن الأصل الحِلُّ؟
    فالجواب: صحيح أن الملك ملك الله عز وجل، ولا نتصرف بشيء من ملكه إلا بإذنه سبحانه وتعالى، لكن هو الذي أذن لنا.
    قال عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]؛ {مَا} اسم موصول للعموم، وأُكِّد بقوله: {جَمِيعًا}.
    وقال عز وجل: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13]؛ أي: ذلَّل لنا ما في السماوات والأرض؛ فالشمس مذلَّلة لمصالحنا، والقمر والنجوم والسحاب والرياح كلها مذلَّلة لمصالحنا، ولله الحمد، بإذن الله عز وجل.
    وقال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، فنحن لم نقل: إن الأصل الحل إلا بعد أن علمنا إذن ربنا بذلك))اهـ([3]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (12/ 320).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (12/ 319، 320).

    [3])) ((شرح منظومة أصول الفقه)) (99- 102).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  16. #96
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة الثانية والسبعون:
    ((الأصل في العبادات منع التوكيل فيها، ويقتصر فيها على ما ورد))([1])
    قال الشيخ رحمه الله: ((حق الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم يدخله التوكيل مطلقًا، وقسم لا يدخله مطلقًا، وقسم فيه تفصيل.
    القسم الأول: كل العبادات المالية تدخلها النيابة، كتفريق زكاة وصدقة وكفارة.
    القسم الثاني: العبادات البدنية لا تصح فيها الوكالة، مثل الصلاة والصيام والوضوء والتيمم وما أشبهها، فهذه عبادة بدنية تتعلق ببدن الإنسان فلا يمكن أن تدخلها النيابة، ولكن لو وكلت شخصًا يستفتي عني فهذا لا بأس به؛ لأن هذا نقل علم يقصد به الإخبار فقط؛ ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يوكل بعضهم بعضًا في استفتاء النبي صلّى الله عليه وسلّم.
    فإن قيل: يرد على هذا قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»؛ فهذا يدل على أن العبادة البدنية يكون فيها نيابة.
    فالجواب: أن هذا ليس عن طريق التوكيل، ولكن هذا تشريع من النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو في الحقيقة أصيل وليس بوكيل؛ ولهذا يصوم الإنسان عن ميته سواء أوصى به أم لم يوصِ به، فالمسألة هنا ليست من باب الوكالة، لكنها من باب القيام مقام الشخص بأمرٍ من الشرع.
    القسم الثالث من العبادات: هو الذي يصح فيه التوكيل على التفصيل؛ مثل الحج، فيجوز فيه التوكيل في الفرض للذي لا يستطيع أن يحج، أي أنه عاجز عن الحج عجزًا مستمرًّا، وسيأتي تفصيل ذلك.
    المهم أن الأصل في حقوق الله أنه لا يجوز فيها الوكالة؛ لأن حقوق الله المقصود بها إقامة التعبد لله عز وجل، وهذه لا تصح إلا من الإنسان نفسه؛ لأنك لو وكلت غيرك، فهل بفعله تحس بأن إيمانك زاد به؟ الجواب: لا؛ ولذلك كان الأصل في حقوق الله ألا تصح الوكالة فيها، هذا هو الضابط؛ وذلك لأن المقصود بها التعبد لله، وهذا لا يصح فيما إذا قام به غير المكلف.
    إذًا لا نجيز الوكالة في شيء من العبادات إلا فيما ورد فيه الشرع، هذا هو الأصل، ولننظر:
    أولًا: الصلاة هل ورد التوكيل فيها؟
    الجواب: لا، لا فرضها ولا نفلها.
    هل ورد قضاؤها عمَّن مات وعليه صلاة؟
    الجواب: لا، لم يرد، لا في الفرض ولا في النفل.
    إذًا الصلاة لا تصح الوكالة فيها في حالة العجز، ولا في حال القدرة، ولا في الفرض، ولا في النفل.
    ثانيًا: الزكاة هل تصح الوكالة فيها؟
    الجواب: نعم، تصح الوكالة فيها للعاجز والقادر، يعني يصح أن يوكل القادر شخصًا يؤدي زكاته إلى الفقراء، حتى لو قال: خذ زكاتي من مالي وهو لا يعلم عنها، بأن قال له: أحصِ مالي وخذ زكاته وتصدق بها على الفقراء، فإن ذلك جائز.
    والوكالة في الزكاة لها صورتان:
    الصورة الأولى: أن يحصي الإنسان ماله ويعرف زكاته، ويأخذها ثم يسلمها إلى الوكيل، وهذا لا إشكال فيه، والثمرة التي تحصل بأداء الزكاة تحصل في هذه الحال؛ لأن الإنسان يشعر الآن بأنه أخرج من محبوباته ما يكره أن يخرج منها، لكن الله يحب ذلك فأخرجها لله.
    الصورة الثانية: أن يوكل شخصًا في إحصاء ماله ويقول: أحصِ مالي وأخرج زكاته، وهذا لا شك أنه لا يكون في قلبه، ما كان في قلب الأول؛ لأنه لا يحس بأنه أخرج شيئًا معيَّنًا تتعلق به النفس من ماله المحبوب إليه، لكن مع ذلك تصح الوكالة، وهذا ثابت بالسنة، وإذا ثبت بالسنة فهي الفاصل، فقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يوكل في إخراج الزكاة، ويوكل في حفظها، ويوكل في قبضها صلّى الله عليه وسلّم.
    وإذا صحت الوكالة في الزكاة فلا فرق بين أن يعيِّن المدفوع له أو لا يعيِّن، بأن يقول: ادفع زكاتي لفلان أو يقول: ادفعها لمستحق، لكنه إذا عيَّن الجهة فإن الوكيل لا يصرف الزكاة في غيرها، إلا بعد مراجعة الموكل، فلو قال: أعطها فلانًا، فلا يمكن أن يصرفها لغيره إلا بإذن موكله؛ لأن الوكيل محدود تصرفه بما وكل فيه، لكن لو فرض أن صاحب المال قال: أعطِ زكاتي فلانًا، وهو يعلم أن فلانًا لا يستحق، لكنه لم يعلم إلا بعد أن فارقه الموكِّل؛ لأن الموكل إذا كان يعلم أنه ليس بأهل سيقول له فورًا: إنه لا يستحق، ويجب عليه أن يقول: بأنه ليس أهلًا؛ لأن بعض العوام المساكين يقولون: لا تقطع رزقه، فإذا قال لك أعط زكاتي فلانًا فأعطه إياها سواء يستحق أو لا، وهذا غلط وخيانة ولا يجوز، فإذا كنت تعلم أنه لا يستحق قل: يا أخي هذا لا يستحق، فإذا قال: أعطها إياه وإن لم يستحق، فإنك تقول: لا؛ لأني لو فعلت لأعنته على الإثم، حيث وضع الزكاة في غير محلها، أما إذا لم أعلم إلا بعد أن فارقني الموكِّل، أي: أعطاني الموكل مئة ريال وقال: خذ هذه زكاة أعطها فلانًا، وبعد أن فارقني عرفت أن فلانًا لا يستحق، فهنا أوقف العطاء حتى أراجعه وأقول: إن فلانًا لا يستحق، فإذا قال: أعطه ولو كان لا يستحق، أقول: لا، لا أعينك على الإثم.
    فإن قال: أعطها إياه تطوعًا، فهنا يصح ويعطيها إياه.
    إذًا الزكاة يجوز التوكيل في قبضها وإخراجها للعاجز والقادر؛ لأن السنة وردت به؛ ولأنها في الحقيقة يتعلق بها حق ثالث، وهو المستحق، فمتى وصلت إلى مستحقها من أي جهة كانت فهي في محلها.
    ثالثًا: الصوم هل يجوز أن يوكل أحدًا يصوم عنه؟ الجواب: لا، لا فرضًا ولا نفلًا، حتى لو كان عاجزًا عليه كفارة يمين، أو فدية أذى صيام ثلاثة أيام وهو شيخ كبير وله أولاد، فقال لأبنائه: صوموا عني ثلاثة أيام، فلا يجزئ هذا عنه؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإذا لم يرد فقد قلنا: إن الأصل في العبادات أنه لا يجوز التوكيل فيها؛ لأنه يُفَوِّت المقصود من التعبد لله عز وجل.
    إذًا لو أن العاجز وكَّل في الصوم، ما أجزأ إذا كان عجزه لا يرجى زواله، ولو وكل في الإطعام عنه فهذا يجزئ؛ لأن الإطعام يشبه الزكاة فيجزئ.
    إذا مات فهل يقضى عنه أو لا يقضى؟ أما النفل فلا يقضى؛ لأنه لم يرد، وما دام أنه لم يرد فالأصل عدم القضاء؛ فلو أن إنسانًا كان من عادته أن يصوم الأيام الثلاثة البيض ولكنه لم يصمها، ثم توفي قبل استكمال الشهر فإنه لا يُصام عنه.
    وإذا كان واجبًا فمن العلماء من قال: إنه لا يصام عنه؛ لأنه إذا مات وهو لم يصم صار كالشيخ الكبير والمريض الميؤوس منه، فيطعم من تركته عن كل يوم مسكينًا ولا يصام عنه.
    وقال بعض العلماء: يصام عنه صيام الفرض سواء كان واجبًا بأصل الشرع كرمضان والفدية والكفارة، أو كان واجبًا بالنذر، واستدلوا بقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث عائشة رضي الله عنها في ((الصحيحين)): «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»، فقوله: «وعليه صيام»، يشمل الفرض بأصل الشرع أو الفرض بالنذر فهو عام.
    وفَصَّل بعض العلماء فقال: إن كان واجبًا بالنذر قُضِيَ عنه، وإن كان واجبًا بأصل الشرع فإنه لا يُقضى عنه.
    واستدلوا بأن امرأة أتت النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إن أمها نذرت أن تصوم شهرًا فلم تصم فقال: «صومي عنها»، فأذن لها أن تصوم عنها، والصيام نذر ولا يقاس عليه الواجب بأصل الشرع؛ لأن الأصل في العبادات عدم جواز الوكالة، لكن هذا القول ضعيف.
    والصواب القول الثاني أنه يجوز أن يصام عن الميت ما وجب عليه من فرض بأصل الشرع أو فرض بالنذر، والدليل عموم حديث عائشة رضي الله عنها: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»، وما قصة المرأة التي سألت عن النذر إلا فردًا من أفراد هذا العموم، لا يخالفه ولا يقيده، فهي قضية عين وقع فيها أن الميت مات وعليه صوم مفروض، فأذن النبي صلّى الله عليه وسلّم بالصيام عنها، ثم نقول ـ أيضًا ـ: أيهما أكثر أن يموت الإنسان، وعليه صيام من رمضان أو عليه صيام نذر؟
    الجواب: الأول لا شك، فمتى يأتي إنسانٌ نَذَرَ أن يصوم ومات قبل أن يصوم؟! فلا يمكن أن نحمل الحديث العام على الصورة النادرة، دون الصورة الشائعة، فهذا في الحقيقة خلل في الاستدلال.
    فالصواب أنه يصام عنه إذا مات وعليه صيام، لكن متى يكون عليه الصيام؟
    الجواب: إذا أمكنه أن يصوم ولكنه فرط ثم مات، وأما من لم يفرط فإنه لا صيام عليه؛ لأنه إن كان مريضًا مرضًا لا يرجى برؤه ففرضه الإطعام، وإن كان مرضًا يرجى برؤه واستمر به المرض حتى مات، فلا قضاء عليه؛ لأنه لم يدرك أن يقضي، ومثل ذلك إذا حصل حادث ومات الإنسان المخطئ في نفس الحادث في الحال، والمخطئ إذا قتل نفسًا خطأ فيكون عليه إما عتق رقبة، وإما صيام شهرين متتابعين، فإن مات وكان ذا مال يتسع لعتق الرقبة، أُعتق من ماله؛ لأنه دين عليه، وإن كان ليس عنده مال أو لا توجد الرقبة فلا صيام عليه؛ لعدم التمكن من الأداء، فالرجل لم يتمكن من الأداء؛ لأنه مات في الحال، فكيف نلزمه صيام أيام لم يعشها؟! الله تعالى يقول: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وهذا أبلغ، هذا غير ممكن إطلاقًا.
    فحكم التوكيل في الصيام لا يصح مطلقًا في حال الحياة لا فرضًا ولا نفلًا، ولا عاجزًا ولا قادرًا.
    رابعًا: الحج: الحج كغيره من العبادات؛ والأصل فيه عدم جواز التوكيل؛ لأنه عبادة، والأصل في العبادة أنها مطلوبة من العابد، ولا يقوم غيره مقامه فيها، وحينئذٍ نقول: الحج وردت النيابة فيه عن صنفين من الناس.
    الأول: من مات قبل الفريضة فإنه يُحَج عنه؛ لأنه ثبت ذلك بالسنة.
    الثاني: من كان عاجزًا عن الفريضة عجزًا لا يُرجى زواله، فهذا جاءت السنة بالحج عنه؛ وعليه فإذا عجز الإنسان عن الحج بعد وجوبه عليه مع قدرته عليه ماليًّا، والعجز لا يرجى زواله كالكبر والمرض الذي لا يرجى برؤه، قلنا: ينوب عنه من يحج عنه؛ لأن ذلك ثبت بالسنة.
    لو وكَّل في حج الفريضة وهو قادر فلا يصح، فإذا حج الوكيل فالحج له؛ لأن هذه الوكالة فاسدة، والفاسد وجوده كالعدم.
    والنافلة إذا وَكَّلَ فيها شخصٌ مريضٌ مرضًا لا يرجى برؤه، فحج عنه هذا الوكيل، فهذا لا يجوز؛ لأن ذلك إنما ورد في حج الفريضة، وما دمنا قلنا: إن الأصل في العبادات عدم جواز التوكيل فإنه لا يوكل؛ لأن النافلة لم يرد فيها التوكيل، فنقول لهذا: إن كنت قادرًا فحج بنفسك، وإن كنت عاجزًا فلم يوجب الله عليك الحج فلا تحج، ونقول لمن كان قادرًا بنفسه: الصدقة بهذا المال أفضل بكثير من أن توكل من يحج عنك، وإعانة حاج لتأدية فرض الحج بهذه خمسة الآلاف، أفضل من أن يحج عنك نفلًا.
    لكن بعض العلماء رحمهم الله توسع في هذا، وقال: إذا كان يجوز له أن يستنيب في الفرض جاز أن يستنيب في النافلة، وعلى هذا فإذا كان عاجزًا عجزًا لا يرجى زواله، فله أن يوكل من يحج عنه، قالوا: لأن طلب الفريضة من الإنسان بدنيًّا أقوى وأشد من طلب النافلة، فإذا جاز التوكيل في الأشد جاز التوكيل في الأخف، لكن هذا التعليل معارض بالتعليل الأول، وهو أن المطالب بالفريضة لا بد أن يأتي بها، إما بنفسه أو بنائبه.
    وبعضهم ـ أيضًا ـ توسع وقال: النفل يجوز التوكيل فيه ولو كان قادرًا، وهذا من غرائب العلم؛ لأن هذا لا يصح أثرًا ولا نظرًا، فلا يصح أثرًا؛ لأنه لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أن أحدًا حج عن أحد نافلة.
    وأما نظرًا فلأننا إن قلنا بالقياس على الفريضة، فالفريضة لم ترد إلا في حال العجز عجزًا لا يرجى زواله.
    وبعضهم ـ أيضًا ـ توسع توسعًا ثالثًا، وقال: يجوز أن يوكل الإنسان في حج النفل ولو في أثنائه، وعلى هذا إذا ذهب إنسان للعمرة وطاف ووجد مشقة وهي نافلة، وقال لإنسان: يا فلان وكلتك تسعى عني وتحلق عني، جاز على هذا القول، وهذا في الحقيقة من أضعف الأقوال، أن يستنيب شخصًا في إكمال النافلة؛ لأن الحج إذا شرع فيه الإنسان، صار فرضًا واجبًا عليه لا يمكن أن يتحلل منه إلا بإتمامه، أو بالإحصار عنه، أو بالعذر إن اشترط، لقول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، فالحج من بين سائر الأعمال إذا شَرَعْتَ فيه وهو نفل يلزمك أن تتمه، قال الله تبارك وتعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197]، فجعل الإحرام بالحج فرضًا، وقال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}؛ يعني الحُجاج {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29].
    وأقرب الأقوال: أن التوكيل في النفل للقادر لا يصح أبدًا، فيقال للقادر: إما أن تحج بنفسك وإما ألا تحج، وأما العاجز ففي إلحاق النفل بالفرض ثِقَل على النفس، فالإنسان لا يجزم بأنه يلحق بالفرض؛ لأن الفرض لازم يطالب به الإنسان، والنفل تطوع ليس بلازم، فإذا أجازت الشريعة التوكيل في الفرض فإنه لا يلزم أن يجوز ذلك في النفل؛ لأن الإنسان من النفل في سعة، والقول بأنه إذا جاز في الفرض جاز في النفل من باب أولى ضعيف، وكون الفرض أشد مطالبة أن يقوم الإنسان فيه ببدنه نقول: هذا صحيح، لكن العبادات الأصل فيها منع التوكيل فيقتصر على ما ورد، ولذلك بعض الناس يوكل في حجج كثيرة، نافلة لأبيه، وأمه، وعمه، وخاله، وما أشبه ذلك، ولكنه جالس من غير عجز، فأين الحج الذي جعله الرسول صلّى الله عليه وسلّم جهادًا حين سألته عائشة رضي الله عنها، قالت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: «عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة»؟!
    خامسًا: الشهادتان، لا يجوز التوكيل فيهما مطلقاً، فلو قال شخص غير مسلم: يا فلان أنا أريد أن أسلم لكن وكلتك أن تشهد عني، فهذا لا يصح، ولو كانت وثيقة من كاتب عدل فهذا لا يمكن.
    فالقاعدة: «أن الأصل في العبادات منع التوكيل فيها»؛ لأن التوكيل فيها يُفَوِّت المقصود من العبادة وهو التذلل لله عز وجل والتعبد له، ويُقتصر فيها على ما ورد))اهـ([2]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (9/ 335)، (9/ 343).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (9/ 334- 343).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  17. #97
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة الثالثة والسبعون:
    ((الأصل في الشروط الحل والصحة إلا ما قام الدليل على منعه))([1])
    قال الشيخ رحمه الله: ((واعلم أن الأصل في جميع الشروط في العقود الصحة حتى يقوم دليل على المنع؛ والدليل على ذلك عموم الأدلة الآمرة بالوفاء بالعقد: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 34]، وكذلك الحديث الذي رُوِيَ عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا»، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «كل شرط ليس فيه كتاب الله فهو باطل وإن كان مئة شرط».
    فالحاصل: أن الأصل في الشروط الحل والصحة، سواءً في النكاح، أو في البيع، أو في الإجارة، أو في الرهن، أو في الوقف، وحكم الشروط المشروطة في العقود إذا كانت صحيحة أنه يجب الوفاء بها في النكاح وغيره؛ لعموم قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}؛ فإن الوفاء بالعقد يتضمن الوفاء به وبما تضمنه من شروط وصفات؛ لأنه كله داخل في العقد))اهـ([2]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «والحصاد واللقاط على المشتري» الحصاد في الزرع، واللقاط للقثاء ونحوه، والجذاذ للنخل ونحوه، هذا على المشتري؛ لأنه تفريغ ملكه من ملك غيره، فهو المسؤول عنه، لكن لو اشترط المشتري على البائع أن يكون ذلك عليه فصحيح، فلو قال المشتري: أنا اشتريت منك ثمر النخل، لكن ليس عندي من يجذه فأنت أيها الفلاح جُذه لي وأت به، فقال البائع: لا بأس، فالجذاذ عليه بالشرط، وهذا شرط لا يستلزم جهالة ولا غررًا ولا ظلمًا ولا ربًا، والأصل في الشروط الحل والصحة إلا ما قام الدليل على منعه، ولأن غاية ما فيه أنه أضاف إلى البيع ما يصح عقد الأجرة عليه، وهذا جائز ولا حرج فيه))اهـ([3]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «وإذا أُجل الصداقُ أو بعضُهُ صح»، أي: إذا أجل الصداق كله أو بعضه صح التأجيل، ولازم ذلك صحة المسمى، وظاهر كلام المؤلف أن هذا جائز؛ وجه ذلك أن الصحة فرع عن الجواز، فكل صحيح جائز، وكل محرم فاسد، فلما قالوا: إنه صحيح، معناه أنه ليس محرمًا؛ لأن المحرم لا يكون صحيحًا، لكن هل هو جائز أو مكروه؟ المذهب أنه جائز، ولا بأس به؛ لأنه كغيره من الأعواض، لقوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } [النساء: 24]؛ والباء للعوض، فكما أنه يجوز تأجيل الثمن والأجرة، فكذلك يجوز تأجيل الصداق، بل قد سماه الله تعالى أجرًا، {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24]، ولقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]؛ فكل عقد بشروطه وصفاته يجب الوفاء به، إلا ما دل الدليل على تحريمه، فالأمر بالوفاء، أمر بالوفاء بأصل العقد، وبما شرط فيه؛ لأن الشروط في العقد وصف في العقد، فإذا لزم الوفاء بالعقد، كان لازمًا أن أوفي بالعقد وما يتضمنه من أوصاف وهي الشروط، والأصل في الشروط الحل، ولقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 34]، وقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل»، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا»، وأما التعليل فهو أن الحق لها فإذا رضيت بتأجيله فلها ذلك، وعلى هذا يصح تأجيله وبدون كراهة))اهـ([4]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (9/ 29)، (12/ 163)، (12/ 270)، (12/ 475).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (12/ 163، 164).

    [3])) ((الشرح الممتع)) (9/ 28، 29).

    [4])) ((الشرح الممتع)) (12/ 270، 271).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  18. #98
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة الرابعة والسبعون:
    ((ما ترتب على المأذون فليس بمضمون، وما ترتب على غير المأذون فهو مضمون))([1])
    قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «أو زاد على الثلاث» أي: في المضمضة، أو الاستنشاق، فدخل الماء إلى حلقه، فإنه لا يفسد صومه.
    وأتى المؤلف بقوله: «زاد على الثلاث»؛ لأن ما قبل الثلاث في المضمضة والاستنشاق مشروع ومأذون فيه، والقاعدة عند العلماء أن ما ترتب على المأذون فليس بمضمون، فإذا تمضمض في الأولى والثانية والثالثة، فوصل الماء إلى حلقه، فإنه لا يفطر بذلك؛ لأنه لم يفعل إلا شيئًا مشروعًا، وهذا ترتب على شيء مشروع فلا يضر.
    والزيادة على الثلاث في الوضوء إما محرمة، وإما مكروهة كراهة شديدة لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من زاد على ذلك فقد أساء وتعدى وظلم»؛ فأدنى أحوالها أنها مكروهة، فإذا زاد على الثلاث ووصل الماء إلى حلقه، فإنه لا يفطر لعدم القصد؛ لأنك لو سألت هذا الذي تمضمض أكثر من ثلاث، أتريد أن يصل الماء إلى حلقك؟ لقال: لا))اهـ([2]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((والصواب: أن العارية كغيرها من الأمانات؛ لأنها حصلت بيد المستعير على وجه مأذون فيه، وما ترتب على المأذون فليس بمضمون، فيد المستعير يد أمانة، ليست يد خيانة، وإذا كانت يد أمانة فلا ضمان على الأمين، ووجه كونها يد أمانة أن هذه العارية حصلت بيد المستعير بإذن مالكها، فهو الذي سلطه عليها، فكيف نضمنه بكل حال؟!))اهـ([3]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «وسراية القود مهدورة»؛ القود أي: القصاص، فلو اقتصصنا من الجاني ثم سَرَت الجناية فإنها هدر، أي: لا شيء فيها؛ لأننا نقول: أنت المعتدي، فلا شيء لك.
    وهذا الضابط مبني على قاعدة عند أهل العلم وهي «ما ترتب على المأذون فليس بمضمون»، وهنا القود مأذون فيه، فإذا استقدنا من هذا الرجل، وقطعنا يده ثم سرى القود، فقد ترتب هذا على شيء مأذون فلا يكون مضمونًا، ويُستثنى من هذا الضابط ما إذا اقتص منه في حالٍ يُخشى فيه من السراية، مثل أن يكون في شدة حر، أو في شدة برد، أو إنسان فيه داء السكري، فإن هذا في الغالب لا يبرأ، ويخشى فيه السراية، فإذا كان كذلك، قال أهل العلم: إن السراية في هذه الحال تكون مضمونة؛ لأنها مترتبة على شيء غير مأذون فيه، فإن قلت: هو مأذون فيه في الأصل؟ فالجواب: لكنه في هذه الحال ليس مأذونًا فيه، فيكون عليه الضمان))اهـ([4]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: ((وإِذا أدَّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ، أو سلطانٌ رَعِيَّتَهُ، أو مُعَلِّمٌ صَبِيَّهُ، وَلَمْ يُسْرِفْ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ به))؛ هذا الفصل مبني على قاعدة وهي: «ما ترتب على المأذون فليس بمضمون، وما ترتب على غير المأذون فهو مضمون»، وهي من أحسن قواعد الفقه))اهـ([5]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((وعُلم من قول المؤلف: «من أمر شخصًا مكلفًا» أنه لو أمر غير مكلَّف فعليه الضمان مطلقًا، وهذا هو المشهور من المذهب، لكن ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا كان المأمور مميزًا ـ أي: يفهم الخطاب ـ له سبع سنوات أو نحوها، وكان هذا الأمر مما جرت به العادة أن يؤمر مثله فإنه لا ضمان.
    مثال ذلك: قلت لصبي عمره عشر سنوات: اشترِ لي بهذا الدرهم خبزًا، فذهب الصبي، وقدر الله على هذا الصبي أن انزلق في الطريق ومات، أو حصل حريق في المخبز وتلف به هذا الصبي، فظاهر كلام المؤلف أنك ضامن؛ لأنه غير مكلَّف، ولكن بعض أصحاب الإمام أحمد رحمه الله قالوا: لا ضمان إذا كان ذلك مما جرت به العادة؛ لأنه ما زال الناس منذ عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى يومنا هذا يرسلون المميزين في مثل هذه الأشياء القليلة السهلة، ولا يعدون ذلك عدوانًا، وما ترتب على المأذون فليس بمضمون))اهـ([6]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: ((فإن قُتل فهو شهيد، ويلزمه الدفع عن نفسه وحرمته دون ماله، ومن دخل منزل رجل متلصصا فحكمه كذلك))؛ فإن لم يندفع إلا بالقتل فله ذلك، ولا ضمان عليه، فإن قُتل فهو شهيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الرجل يأتي إلى الرجل يريد أن يأخذ ماله، فقال: «لا تعطه»، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: «قاتله»، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: «فأنت شهيد»، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «هو في النار»، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: «قاتله»؛ وعليه فإذا لم يندفع إلا بالقتل فليقاتل، وليس عليه ضمان ولا كفارة.
    وأما بناؤه على القواعد فلأنَّ ما ترتب على المأذون ليس بمضمون؛ وأنا مأذون لي أن أدافع عن نفسي))اهـ([7]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «وَمَنْ مَاتَ فِي حَدٍّ فَالحَقُّ قَتَلَهُ» «مَنْ» شرطية، وجواب الشرط «فالحق قتله» وهذه العبارة عبارة أثرية، بمعنى أنها قيلت من زمان سابق، واتبع الناس فيها الأول، والمعنى أنه قُتل بحق، ومن قُتِل بحق فليس بمضمون؛ وقد سبق لنا في الجنايات قاعدة مفيدة في هذا الباب، وهي ما ترتب على المأذون فليس بمضمون))اهـ([8]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (6/ 392)، (6/ 395)، (10/ 123)، (14/ 89)، (14/ 100)، (14/ 106)، (14/ 110)، (14/ 223)، (14/ 386).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (6/ 392، 393).

    [3])) ((الشرح الممتع)) (10/ 123، 124).

    [4])) ((الشرح الممتع)) (14/ 89).

    [5])) ((الشرح الممتع)) (14/ 100).

    [6])) ((الشرح الممتع)) (14/ 109، 110).

    [7])) ((الشرح الممتع)) (14/ 385، 386).

    [8])) ((الشرح الممتع)) (14/ 223).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  19. #99
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة الخامسة والسبعون:
    ((الأصل في النساء أنهن كالرجال في الأحكام، كما أن الأصل في الرِّجَال أنهم كالنساء في الأحكام، إلا ما دل الدليل عليه))([1])
    قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «والمرأة مثله» أي: مثل الرَّجل؛ لعدم الدليل على التفريق بين الرَّجُل والمرأة، والأصل في النِّساء أنهن كالرِّجال في الأحكام، كما أن الأصل في الرِّجَال أنهم كالنِّساء في الأحكام.
    ولهذا مَنْ قَذَفَ رجلًا ترتَّب عليه حَدُّ القَذْفِ، كما لو قَذَفَ امرأة مع أن آية القذف في النساء قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} [النور: 4 ـ 5]، وقال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في المُوبِقَات: «وقَذْفُ المُحْصَنَاتِ الغَافلاتِ المؤمناتِ».
    فالأصلُ اشتراكُ المكلَّفين مِن الرِّجَال والنِّساء في الأحكام؛ إلا ما قام الدَّليلُ عليه. مثل: الولاية العامة كالإمارة، والقضاء، وما أشبهه، فهي خاصَّة بالرِّجال؛ لكن قد تتولَّى المرأةُ إمارةً محدودة، كما لو سافرت مع نساء وصارت أميرتهنَّ في السَّفر، وكمديرة المدرسة، وما أشبه ذلك))اهـ([2]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((والمرأة لا تجافي، بل تضمُّ نفسَها، فإذا سَجَدَتْ تجعل بطنَها على فخذيها، وفخذيها على ساقيها، وإذا ركعتْ تضمُّ يديها.
    والدَّليل على ذلك: القواعد العامة في الشريعة، فإن المرأة ينبغي لها السَّتر، وضمُّها نفسها أستر لها مما لو جافت.
    هكذا قيل في تعليل المسألة!
    والجواب على هذا من وجوه:
    أولًا: أن هذه عِلَّة لا يمكن أن تقاوم عمومَ النُّصوص الدَّالة على أن المرأة كالرَّجُل في الأحكام، لا سيما وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «صَلُّوا كما رأيتموني أصلِّي»؛ فإن هذا الخطاب عامٌّ لجميع الرِّجال والنساء.
    ثانيًا: ينتقض فيما لو صَلَّت وحدَها، والغالبُ والمشروعُ للمرأة أن تُصلِّي وحدها في بيتها بدون حضرة الرِّجال، وحينئذٍ لا حاجة إلى الانضمام ما دام لا يشهدها رِجَال.
    ثالثًا: أنهم يقولون: إنها ترفع يديها، في مواضع الرَّفْعِ، ورَفْعُ اليدين أقربُ إلى التكشُّف مِن المجافاة، ومع ذلك يقولون: يُسَنُّ لها رَفْعُ اليدين؛ لأن الأصل تساوي الرِّجَال والنِّساء في الأحكام.
    فالقول الرَّاجح: أن المرأة تصنعُ كما يصنعُ الرَّجُلُ في كلِّ شيء، فترفَعُ يديها وتجافي، وتمدُّ الظَّهرَ في حال الرُّكوعِ، وترفعُ بطنَها عن الفخذين، والفخذين عن الساقين في حال السُّجود.
    قوله: «وتسدل رجليها في جانب يمينها»؛ يعني: أنها تخالف الرَّجل في كيفيَّة الجلوس، فلا تفترش، ولا تتورَّك، ولكن تسدلُ الرِّجْلين بجانب اليمين في الجلوس بين السَّجدتين، وفي التشهُّدين؛ وهذا أيضًا ليس عليه دليل، بل الدليل يدلُّ على أنها تفعل كما يفعل الرَّجل تفترش في الجلوس بين السَّجدتين، وفي التشهُّدِ الأول، وفي التشهُّدِ الأخير في صلاة ليس فيها إلا تشهُّدٌ واحدٌ، وتتورَّك في التشهُّدِ الأخير في الثلاثية والرباعية؛ وعلى هذا تكون المرأةُ مساوية للرَّجُل في كيفية الصلاة))اهـ([3]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((وقد جاء في هذا حديث مرفوع، إلا أن في إسناده نظرًا؛ لأن فيه راويًا مجهولًا([4])، ولهذا قال بعض العلماء: إن المرأة تُكَفَّن فيما يُكَفَّن به الرجل، أي: في ثلاثة أثواب يلف بعضها على بعض.
    وهذا القول ـ إذا لم يصح الحديث ـ هو الأصح؛ لأن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام الشرعية، إلا ما دلَّ الدليلُ عليه، فما دلَّ الدليل على اختصاصه بالحكم دون الآخر، خُصَّ به وإلا فالأصل أنهما سواء.
    وعلى هذا فنقول: إنْ ثبت الحديثُ بتكفين المرأة في هذه الأثواب الخمسة فهو كذلك، وإن لم يثبت فالأصل تساوي الرجال والنساء في جميع الأحكام، إلا ما دلَّ عليه الدليل))اهـ([5]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (3/ 217)، (5/ 312).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (3/ 217، 218).

    [3])) ((الشرح الممتع)) (3/ 218- 220).

    [4])) وهو ما روته ليلى الثقفية قالت: «كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان أول ما أعطانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحقاء، ثم الدرع، ثم الخمار، ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر، قالت: ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند الباب معه كفنها يناولنا ثوبًا ثوبًا». أخرجه الإمام أحمد (6/ 380)، وأبو داود (3157)، والبيهقي (4/ 6) وفي سنده نوح بن حكيم، وهو مجهول. وانظر: «نصب الراية» (2/ 258). هامش ((الشرح الممتع)).

    [5])) ((الشرح الممتع)) (5/ 312).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  20. #100
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    القاعدة السادسة والسبعون:
    ((الأصل في فعل الرسول صلى الله عليه وسلم التشريع))([1])
    قال الشيخ رحمه الله: ((وهنا سؤال: هل يجوز أن يقرأَ الإِنسانُ بالسُّورةِ في الرَّكعتينِ بمعنى أنْ يكرِّرها مرَّتين؟
    الجواب: نعم، ولا بأس بذلك، والدَّليلُ فِعْلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: {إِذَا زُلْزِلَتِ} في الرَّكعتين جميعًا كرَّرها.
    لكن؛ قد يقول قائل: لعلَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نَسِيَ؛ لأنَّ مِن عادته أنه لا يُكرِّر السُّورة.
    والجواب عن هذا: أن يُقال: احتمالُ النسيانِ وارد، ولكن احتمال التشريع ـ أي: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كرَّرها تشريعًا للأمة ليبيِّن أن ذلك جائز ـ يُرجَّح على احتمالِ النسيان؛ لأنَّ الأصلَ في فِعْلِ الرسول صلى الله عليه وسلم التشريعُ، وأنه لو كان ناسيًا لَنُبِّهَ عليه، وهذا الأخيرُ ـ أي: أنَّ ذلك مِن باب التشريع ـ أحوطُ وأقربُ إلى الصَّوابِ))اهـ([2]).
    وقال الشيخ رحمه الله: ((على أن الذين قالوا بوجوب التسليمتين في الفرض والنَّفل أجابوا عن فِعْلِ الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه قضية عين تحتمل النسيان أو غير ذلك، فلا يقدَّم هذا الفعل على القول الذي قال فيه: «إنَّما كان يكفي أحدُكم أن يقول كذا، وكذا، وذَكَرَ التَّسليمتين»؛ ولكن هذا الاحتمال فيه نظر؛ لأن الأصل في فِعْلِ الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم التشريعُ وعدم النسيان، ولا سيما أنه سلَّم واحدة تلقاء وجهه على خلاف العادة، مما يدلُّ على أنه أرادها قصدًا، لكن كما قلت: الاحتياط أن يُسلِّمَ مرَّتين في الفرض والنَّفل))اهـ([3]).


    [1])) ذكرها الشيخ: (3/ 77)، (3/ 213).

    [2])) ((الشرح الممتع)) (3/ 77).

    [3])) ((الشرح الممتع)) (3/ 213).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •