منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثانى
الحلقة (138)
صـ 404 إلى صـ 410
أنه [لا] يصدر منه (1) ما يرجع عنه، فإن مثل هذا إذا عرف من رجل نسبه (2) . الناس إلى الكذب والكفر والجهل. وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «لن يدخل أحد منكن الجنة بعمله ". قالوا: ولا أنت [يا رسول الله] (3) ؟ قال: " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» " (4) ، فكان هذا من أعظم ممادحه (5) .
وكذلك قوله [- صلى الله عليه وسلم -] (6) : " «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم (7) فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله» " (8) . وكل من سمع هذا عظمه بمثل هذا الكلام.
_________
(1) ب، أ، ن، م: على أنه يصدر عن.
(2) ب، أ: ينسبه
(3) ن، م، ع: ولا أنت
(4) ورد هذا الحديث بألفاظ مختلفة عن عدد من الصحابة كأبي هريرة وعائشة وجابر رضي الله عنهم في: البخاري 7/121 (كتاب المرضى ; باب تمني المريض الموت) ، 8/98، 99 (كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل) ; مسلم 4/2169 - 2171 (كتاب صفات المنافقين، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله) ; سنن ابن ماجه 2/1405 (كتاب الزهد، باب التوقي على العمل) ; سنن الدارمي 2/305 - 306 (كتاب الرقاق، باب لا ينجي أحدكم عمله) ; المسند (ط. المعارف) 12/192 (رقم 7202) ، 13/218 (رقم 7473) وهذه الرواية الأخيرة هي أقرب الروايات لفظا إلى الرواية المذكورة هنا.
(5) ن: ممازجه ; م: مماوجه، وكلاهما تحريف.
(6) ع: وكذلك قوله في الصحيحين ; ن، م: وكذلك قوله.
(7) ن، م: المسيح ابن مريم.
(8) الحديث مروي عن عمر رضي الله عنه في: البخاري 4/167 (كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى " واذكر في الكتاب مريم ". .) ، 8/169 (كتاب الحدود، باب رجم الحبلى إذا زنت) ; سنن الدارمي 2/320 (كتاب الرقائق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تطروني) ، المسند (ط. المعارف) 1/222 (رقم 153) ، 1/226 (رقم 164) ، 299 (رقم 331) ، 325 (رقم 391) .
*************************
وفي الصحيحين عنه أنه كان يقول: " «اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، [اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني] (1) ، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير» " (2) . (3) [وهذا كما أنه لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي حيث ما كنتم فإن صلاتكم تبلغني» " رواه أبو داود وغيره (4)) .، وقال: " «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد» " رواه مالك وغيره (5) . - كان
_________
(1) ما بين المعقوفتين ساقط م (ن) ، (م) .
(2) ن، م: وأنت المؤخر لا إله إلا أنت: والحديث مروي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في: البخاري 8/84 - 85 (كتاب الدعوات، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت) ; مسلم 4/2087 (كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل) ; المسند (ط. الحلبي) 4/417.
(3) الكلام الوارد بعد القوس في (ع) فقط ونهايته بعد صفحتين.
(4) الحديث في سنن أبي داود 2/293 (كتاب المناسك، باب زيارة القبور) ونصه: " عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ". وروى أحمد الحديث بألفاظ مقاربة في المسند (ط. المعارف) 17 (رقم 8790
(5) ذكر ابن تيمية الحديث من قبل 1/475، وذكرت هناك (ت [0 - 9] ) أن الحديث في الموطأ (ط. فؤاد عبد الباقي) 1/172. ونص الحديث فيه: عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. ونقل المحقق عن ابن عبد البر قوله: لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث. وروى أحمد في مسنده (ط. المعارف) 13/86 - 88 (رقم 7352) الحديث ونصه: حدثنا سفيان، عن حمزة بن المغيرة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: إسناده صحيح ; وتكلم على رجاله بالتفصيل، وأشار إلى مواضع وطرق أخرى لهذا الحديث
*****************************
هذا التواضع مما زاده الله به رفعة. وكذلك لما سجد له بعض أصحابه فنهاه عن ذلك وقال: " «إنه لا يصلح السجود إلا لله» " (1) . . وكذلك لما كان بعض الناس يقول: «ما شاء الله وشاء محمد، قال: " أجعلتني ندا لله؟ ! قل ما شاء الله ثم شاء محمد» " (2) . . وقوله في دعائه: " «أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المعترف المقر بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف، من خضعت له رقبته، وذل جسده، ورغم أنفه لك» " (3) . . ونحو
_________
(1) لم أجد الحديث بهذه الصيغة، والذي في المسند (ط. الحلبي) 5/227 - 228، 6 حديثان: الأول عن معاذ والثاني عن عائشة رضي الله عنهما فحواهما أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبوا إليه أن يأذن لهم في السجود فنهاهم عن ذلك. وفي سنن الدارمي 1/10 - 11 (المقدمة، باب ما أكرم الله به نبيه من إيمان الشجر به والبهائم والجن) حديث ثالث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه بنفس المعنى
(2) لم أجد الحديث بهذا اللفظ: ولكني وجدت حديثا مقاربا في المسند (ط. المعارف) 2/253 لفظه: عن ابن عباس أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أجعلتني والله عدلا، بل ما شاء الله وحده ". والحديث بلفظ مقارب عن ابن عباس رضي الله عنهما في: المسند (ط. المعارف) 4/193، 5/85 وجاء مختصرا 3/296. وذكر ابن حجر هذا الحديث في " فتح الباري " (ط. السلفية) 11/540 وقال إن الحديث في مسند أحمد وسنن النسائي وانظر: سنن ابن ماجه 1/684 - 685 ; المسند (ط. الحلبي)
(3) لم أهتد إلى موضع هذا الحديث
****************************
هذه الأحوال التي رفع الله بها درجاته بما اعترف به من فقر العبودية وكمال الربوبية] (1) . . والغنى عن الحاجة من خصائص الربوبية، فأما العبد [فكماله] (2)) . في حاجته إلى ربه وعبوديته وفقره وفاقته فكلما (3) . كانت عبوديته أكمل كان أفضل وصدور ما يحوجه إلى التوبة والاستغفار مما يزيده عبودية وفقرا وتواضعا.
ومن المعلوم أن ذنوبهم ليست كذنوب غيرهم، بل كما يقال: " حسنات الأبرار سيئات المقربين " لكن كل يخاطب (4) . على قدر مرتبته، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» " (5)
وما ذكره من عدم الوثوق والتنفير قد يحصل مع الإصرار والإكثار ونحو ذلك. وأما اللمم الذي يقترن (6) . به التوبة والاستغفار، [أو ما يقع بنوع من
_________
(1) هنا ينتهي السقط المشار إلى أوله فيما سبق
(2) فكماله: ساقطة من (ن) ، (م
(3) ن، م: فلما
(4) ن، م: كل من يخاطب
(5) الحديث عن أنس رضي الله عنه: سنن الترمذي 4/70 (كتاب صفة القيامة، باب منه) ; سنن ابن ماجه 2/1420 (كتاب التوبة، باب ذكر التوبة) ; سنن الدارمي 2/303 (كتاب الرقائق، باب في التوبة) ; المستدرك للحاكم 4/244. وقال الحاكم: " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ". وحسن الألباني الحديث في " صحيح الجامع الصغير " 4/171. وانظر: جامع الأصول 3/70 ; الترغيب والترهيب 5/52. وذكر الإمام أحمد الحديث مطولا في مسنده (ط. الحلبي) 3/198.
(6) ن، م: يقرن ; ب، ا: يقترن
*****************************
التأويل، وما كان قبل النبوة فإنه] (1) . مما ب (فقط) : فمما. يعظم به الإنسان عند أولي الأبصار. وهذا عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] (2) . قد علم تعظيم رعيته له وطاعتهم، مع كونه دائما كان يعترف (3) . بما يرجع عنه (4) . من خطأ وكان إذا اعترف بذلك وعاد إلى الصواب زاد في أعينهم وازدادوا (5) . له محبة وتعظيما.
ومن أعظم ما نقمه الخوارج (7 على علي أنه لم يتب من تحكيم الحكمين، وهم 7) (6) . وإن كانوا جهالا [في ذلك] (7) . [فهو] يدل (8) . على أن التوبة لم تكن تنفرهم، وإنما نفرهم الإصرار على ما ظنوه هم ذنبا. والخوارج من أشد الناس تعظيما للذنوب ونفورا عن أهلها، حتى إنهم يكفرون بالذنب ولا يحتملون لمقدمهم ن (9) . ذنبا، ومع هذا فكل مقدم لهم تاب عظموه وأطاعوه، ومن لم يتب عادوه فيما يظنونه ذنبا (10) . وإن لم يكن ذنبا.
_________
(1) ما بين المعقوفتين في (ع) فقط
(2) رضي الله عنه: ساقطة من (ن) ، (م)
(3) ن، م: يعزف
(4) ن: إليه ; م: عليه
(5) ع، ا، ب: وزادوا
(6) : (7 - 7) ساقط من (أ) ، (ب)
(7) في ذلك: ساقط من (ع)
(8) ب: فيدل ; أ: فدل ; ن، م: يدل
(9) ، م: لتقدمهم
(10) ب: وإن لم يتب عادوه لما يظنونه ذنبا ; أ: وإن لم يتب عادوه فيما يظنونه ذنبا
************************
فعلم أن التوبة والاستغفار لا توجب تنفيرا ولا تزيل وثوقا، بخلاف دعوى البراءة مما يتاب منه ويستغفر، [ودعوى] السلامة (1) . مما يحوج الرجوع ب (2) . إلى الله واللجأ (3) . إليه، فإنه هو الذي ينفر القلوب ويزيل الثقة. فإن هذا لم يعلم أنه صدر إلا عن كذاب، أو جاهل، وأما الأول فإنه يصدر (4) . عن الصادقين العالمين. (5) . [ومما يبين ذلك أنه لم يعلم أحد طعن في نبوة أحد من الأنبياء ولا قدح في الثقة به بما دلت عليه النصوص التي تيب منها، ولا احتاج المسلمون إلى تأويل النصوص بما هو من جنس التحريف لها، كما يفعله من يفعل ذلك. والتوراة فيها قطعة من هذا، وما أعلم أن بني إسرائيل قدحوا في نبي من الأنبياء بتوبته في أمر من الأمور، وإنما كانوا يقدحون فيهم بالافتراء عليهم كما كانوا يؤذون موسى عليه السلام، وإلا فموسى قد قتل القبطي قبل النبوة وتاب من سؤال الرؤية وغير ذلك بعد النبوة، وما أعلم أحدا من بني إسرائيل قدح فيه بمثل هذا.
وما جرى في سورة " النجم " من قوله: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتها لترتجى، على المشهور عند السلف والخلف من أن ذلك جرى على لسانه، ثم نسخه الله وأبطله (6) ، هو من أعظم المفتريات على قول
_________
(1) ب، ا، ن، م: والسلامة
(2) ، ا: إلى الرجوع
(3) ب، ا: والالتجاء
(4) ن (فقط) : يصر، وهو تحريف
(5) بعد القوس المعقوف يوجد نص طويل ساقط من (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) وينتهي ص 451، وسنشير إلى نهايته إن شاء الله
(6) سبق ذكر ابن تيمية لقصة الغرانيق 1/651 وأشرت هناك (ت [0 - 9] ) إلى كلام الطبري عنها في تفسيره للآيتين 52، 53 من سورة الحج. انظر: الدر المنثور للسيوطي. وكتاب " نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق " للأستاذ الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط. المكتب الإسلامي، دمشق 1372/1952
*********************
هؤلاء، ولهذا كان كثير من الناس يكذب هذا وإن كان مجوزا عليهم غيره: إما قبل النبوة وإما بعدها، لظنه أن في ذلك خطأ في التبليغ، وهو معصوم في التبليغ بالاتفاق. والعصمة المتفق عليها أنه لا يقر على خطأ في التبليغ بالإجماع، ومن هذا فلم يعلم أحد من المشركين نفر برجوعه عن هذا، وقوله: إن هذا مما ألقاه الشيطان، ولكن روى أنهم نفروا لما رجع إلى ذم آلهتهم بعد ظنهم أنه مدحها، فكان رجوعهم لدوامه على ذمها، لا لأنه قال شيئا ثم قال: إن الشيطان ألقاه. وإذا كان هذا لم ينفر فغيره أولى أن لا ينفر.
وأيضا، فقد ثبت أن النسخ نفر طائفة كما قال: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} [سورة البقرة: 142] ، وقوله: {وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون - قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا} [سورة النحل: 101 - 102] ، فالتبديل الذي صرحوا بأنه منفر ونفروا به عنه لم يكن مما يجب نفيه عنه، فكيف بالرجوع إلى الحق الذي لم يعلم أنهم نفروا منه، وهو أقل تنفيرا؟ ! لأن النسخ فيه رجوع عن الحق إلى حق، وهذا رجوع إلى حق من غير حق.
ومعلوم أن الإنسان يحمد على ترك الباطل إلى الحق ما لا يحمد على
****************************** ***