تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 8 من 8 الأولىالأولى 12345678
النتائج 141 إلى 143 من 143

الموضوع: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

  1. #141
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,333

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الثانى
    الحلقة (138)
    صـ 404 إلى صـ 410



    أنه [لا] يصدر منه (1) ما يرجع عنه، فإن مثل هذا إذا عرف من رجل نسبه (2) . الناس إلى الكذب والكفر والجهل. وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «لن يدخل أحد منكن الجنة بعمله ". قالوا: ولا أنت [يا رسول الله] (3) ؟ قال: " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» " (4) ، فكان هذا من أعظم ممادحه (5) .
    وكذلك قوله [- صلى الله عليه وسلم -] (6) : " «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم (7) فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله» " (8) . وكل من سمع هذا عظمه بمثل هذا الكلام.

    _________
    (1) ب، أ، ن، م: على أنه يصدر عن.
    (2) ب، أ: ينسبه
    (3) ن، م، ع: ولا أنت
    (4) ورد هذا الحديث بألفاظ مختلفة عن عدد من الصحابة كأبي هريرة وعائشة وجابر رضي الله عنهم في: البخاري 7/121 (كتاب المرضى ; باب تمني المريض الموت) ، 8/98، 99 (كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل) ; مسلم 4/2169 - 2171 (كتاب صفات المنافقين، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله) ; سنن ابن ماجه 2/1405 (كتاب الزهد، باب التوقي على العمل) ; سنن الدارمي 2/305 - 306 (كتاب الرقاق، باب لا ينجي أحدكم عمله) ; المسند (ط. المعارف) 12/192 (رقم 7202) ، 13/218 (رقم 7473) وهذه الرواية الأخيرة هي أقرب الروايات لفظا إلى الرواية المذكورة هنا.
    (5) ن: ممازجه ; م: مماوجه، وكلاهما تحريف.
    (6) ع: وكذلك قوله في الصحيحين ; ن، م: وكذلك قوله.
    (7) ن، م: المسيح ابن مريم.
    (8) الحديث مروي عن عمر رضي الله عنه في: البخاري 4/167 (كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى " واذكر في الكتاب مريم ". .) ، 8/169 (كتاب الحدود، باب رجم الحبلى إذا زنت) ; سنن الدارمي 2/320 (كتاب الرقائق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تطروني) ، المسند (ط. المعارف) 1/222 (رقم 153) ، 1/226 (رقم 164) ، 299 (رقم 331) ، 325 (رقم 391) .
    *************************

    وفي الصحيحين عنه أنه كان يقول: " «اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، [اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني] (1) ، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير» " (2) . (3) [وهذا كما أنه لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي حيث ما كنتم فإن صلاتكم تبلغني» " رواه أبو داود وغيره (4)) .، وقال: " «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد» " رواه مالك وغيره (5) . - كان

    _________
    (1) ما بين المعقوفتين ساقط م (ن) ، (م) .
    (2) ن، م: وأنت المؤخر لا إله إلا أنت: والحديث مروي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في: البخاري 8/84 - 85 (كتاب الدعوات، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت) ; مسلم 4/2087 (كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل) ; المسند (ط. الحلبي) 4/417.
    (3) الكلام الوارد بعد القوس في (ع) فقط ونهايته بعد صفحتين.
    (4) الحديث في سنن أبي داود 2/293 (كتاب المناسك، باب زيارة القبور) ونصه: " عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ". وروى أحمد الحديث بألفاظ مقاربة في المسند (ط. المعارف) 17 (رقم 8790
    (5) ذكر ابن تيمية الحديث من قبل 1/475، وذكرت هناك (ت [0 - 9] ) أن الحديث في الموطأ (ط. فؤاد عبد الباقي) 1/172. ونص الحديث فيه: عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. ونقل المحقق عن ابن عبد البر قوله: لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث. وروى أحمد في مسنده (ط. المعارف) 13/86 - 88 (رقم 7352) الحديث ونصه: حدثنا سفيان، عن حمزة بن المغيرة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: إسناده صحيح ; وتكلم على رجاله بالتفصيل، وأشار إلى مواضع وطرق أخرى لهذا الحديث
    *****************************

    هذا التواضع مما زاده الله به رفعة. وكذلك لما سجد له بعض أصحابه فنهاه عن ذلك وقال: " «إنه لا يصلح السجود إلا لله» " (1) . . وكذلك لما كان بعض الناس يقول: «ما شاء الله وشاء محمد، قال: " أجعلتني ندا لله؟ ! قل ما شاء الله ثم شاء محمد» " (2) . . وقوله في دعائه: " «أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المعترف المقر بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف، من خضعت له رقبته، وذل جسده، ورغم أنفه لك» " (3) . . ونحو

    _________
    (1) لم أجد الحديث بهذه الصيغة، والذي في المسند (ط. الحلبي) 5/227 - 228، 6 حديثان: الأول عن معاذ والثاني عن عائشة رضي الله عنهما فحواهما أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبوا إليه أن يأذن لهم في السجود فنهاهم عن ذلك. وفي سنن الدارمي 1/10 - 11 (المقدمة، باب ما أكرم الله به نبيه من إيمان الشجر به والبهائم والجن) حديث ثالث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه بنفس المعنى
    (2) لم أجد الحديث بهذا اللفظ: ولكني وجدت حديثا مقاربا في المسند (ط. المعارف) 2/253 لفظه: عن ابن عباس أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أجعلتني والله عدلا، بل ما شاء الله وحده ". والحديث بلفظ مقارب عن ابن عباس رضي الله عنهما في: المسند (ط. المعارف) 4/193، 5/85 وجاء مختصرا 3/296. وذكر ابن حجر هذا الحديث في " فتح الباري " (ط. السلفية) 11/540 وقال إن الحديث في مسند أحمد وسنن النسائي وانظر: سنن ابن ماجه 1/684 - 685 ; المسند (ط. الحلبي)
    (3) لم أهتد إلى موضع هذا الحديث
    ****************************

    هذه الأحوال التي رفع الله بها درجاته بما اعترف به من فقر العبودية وكمال الربوبية] (1) . . والغنى عن الحاجة من خصائص الربوبية، فأما العبد [فكماله] (2)) . في حاجته إلى ربه وعبوديته وفقره وفاقته فكلما (3) . كانت عبوديته أكمل كان أفضل وصدور ما يحوجه إلى التوبة والاستغفار مما يزيده عبودية وفقرا وتواضعا.
    ومن المعلوم أن ذنوبهم ليست كذنوب غيرهم، بل كما يقال: " حسنات الأبرار سيئات المقربين " لكن كل يخاطب (4) . على قدر مرتبته، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» " (5)
    وما ذكره من عدم الوثوق والتنفير قد يحصل مع الإصرار والإكثار ونحو ذلك. وأما اللمم الذي يقترن (6) . به التوبة والاستغفار، [أو ما يقع بنوع من

    _________
    (1) هنا ينتهي السقط المشار إلى أوله فيما سبق
    (2) فكماله: ساقطة من (ن) ، (م
    (3) ن، م: فلما
    (4) ن، م: كل من يخاطب
    (5) الحديث عن أنس رضي الله عنه: سنن الترمذي 4/70 (كتاب صفة القيامة، باب منه) ; سنن ابن ماجه 2/1420 (كتاب التوبة، باب ذكر التوبة) ; سنن الدارمي 2/303 (كتاب الرقائق، باب في التوبة) ; المستدرك للحاكم 4/244. وقال الحاكم: " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ". وحسن الألباني الحديث في " صحيح الجامع الصغير " 4/171. وانظر: جامع الأصول 3/70 ; الترغيب والترهيب 5/52. وذكر الإمام أحمد الحديث مطولا في مسنده (ط. الحلبي) 3/198.
    (6) ن، م: يقرن ; ب، ا: يقترن
    *****************************

    التأويل، وما كان قبل النبوة فإنه] (1) . مما ب (فقط) : فمما. يعظم به الإنسان عند أولي الأبصار. وهذا عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] (2) . قد علم تعظيم رعيته له وطاعتهم، مع كونه دائما كان يعترف (3) . بما يرجع عنه (4) . من خطأ وكان إذا اعترف بذلك وعاد إلى الصواب زاد في أعينهم وازدادوا (5) . له محبة وتعظيما.
    ومن أعظم ما نقمه الخوارج (7 على علي أنه لم يتب من تحكيم الحكمين، وهم 7) (6) . وإن كانوا جهالا [في ذلك] (7) . [فهو] يدل (8) . على أن التوبة لم تكن تنفرهم، وإنما نفرهم الإصرار على ما ظنوه هم ذنبا. والخوارج من أشد الناس تعظيما للذنوب ونفورا عن أهلها، حتى إنهم يكفرون بالذنب ولا يحتملون لمقدمهم ن (9) . ذنبا، ومع هذا فكل مقدم لهم تاب عظموه وأطاعوه، ومن لم يتب عادوه فيما يظنونه ذنبا (10) . وإن لم يكن ذنبا.

    _________
    (1) ما بين المعقوفتين في (ع) فقط
    (2) رضي الله عنه: ساقطة من (ن) ، (م)
    (3) ن، م: يعزف
    (4) ن: إليه ; م: عليه
    (5) ع، ا، ب: وزادوا
    (6) : (7 - 7) ساقط من (أ) ، (ب)
    (7) في ذلك: ساقط من (ع)
    (8) ب: فيدل ; أ: فدل ; ن، م: يدل
    (9) ، م: لتقدمهم
    (10) ب: وإن لم يتب عادوه لما يظنونه ذنبا ; أ: وإن لم يتب عادوه فيما يظنونه ذنبا
    ************************

    فعلم أن التوبة والاستغفار لا توجب تنفيرا ولا تزيل وثوقا، بخلاف دعوى البراءة مما يتاب منه ويستغفر، [ودعوى] السلامة (1) . مما يحوج الرجوع ب (2) . إلى الله واللجأ (3) . إليه، فإنه هو الذي ينفر القلوب ويزيل الثقة. فإن هذا لم يعلم أنه صدر إلا عن كذاب، أو جاهل، وأما الأول فإنه يصدر (4) . عن الصادقين العالمين. (5) . [ومما يبين ذلك أنه لم يعلم أحد طعن في نبوة أحد من الأنبياء ولا قدح في الثقة به بما دلت عليه النصوص التي تيب منها، ولا احتاج المسلمون إلى تأويل النصوص بما هو من جنس التحريف لها، كما يفعله من يفعل ذلك. والتوراة فيها قطعة من هذا، وما أعلم أن بني إسرائيل قدحوا في نبي من الأنبياء بتوبته في أمر من الأمور، وإنما كانوا يقدحون فيهم بالافتراء عليهم كما كانوا يؤذون موسى عليه السلام، وإلا فموسى قد قتل القبطي قبل النبوة وتاب من سؤال الرؤية وغير ذلك بعد النبوة، وما أعلم أحدا من بني إسرائيل قدح فيه بمثل هذا.
    وما جرى في سورة " النجم " من قوله: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتها لترتجى، على المشهور عند السلف والخلف من أن ذلك جرى على لسانه، ثم نسخه الله وأبطله (6) ، هو من أعظم المفتريات على قول

    _________
    (1) ب، ا، ن، م: والسلامة
    (2) ، ا: إلى الرجوع
    (3) ب، ا: والالتجاء
    (4) ن (فقط) : يصر، وهو تحريف
    (5) بعد القوس المعقوف يوجد نص طويل ساقط من (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) وينتهي ص 451، وسنشير إلى نهايته إن شاء الله
    (6) سبق ذكر ابن تيمية لقصة الغرانيق 1/651 وأشرت هناك (ت [0 - 9] ) إلى كلام الطبري عنها في تفسيره للآيتين 52، 53 من سورة الحج. انظر: الدر المنثور للسيوطي. وكتاب " نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق " للأستاذ الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط. المكتب الإسلامي، دمشق 1372/1952
    *********************

    هؤلاء، ولهذا كان كثير من الناس يكذب هذا وإن كان مجوزا عليهم غيره: إما قبل النبوة وإما بعدها، لظنه أن في ذلك خطأ في التبليغ، وهو معصوم في التبليغ بالاتفاق. والعصمة المتفق عليها أنه لا يقر على خطأ في التبليغ بالإجماع، ومن هذا فلم يعلم أحد من المشركين نفر برجوعه عن هذا، وقوله: إن هذا مما ألقاه الشيطان، ولكن روى أنهم نفروا لما رجع إلى ذم آلهتهم بعد ظنهم أنه مدحها، فكان رجوعهم لدوامه على ذمها، لا لأنه قال شيئا ثم قال: إن الشيطان ألقاه. وإذا كان هذا لم ينفر فغيره أولى أن لا ينفر.
    وأيضا، فقد ثبت أن النسخ نفر طائفة كما قال: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} [سورة البقرة: 142] ، وقوله: {وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون - قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا} [سورة النحل: 101 - 102] ، فالتبديل الذي صرحوا بأنه منفر ونفروا به عنه لم يكن مما يجب نفيه عنه، فكيف بالرجوع إلى الحق الذي لم يعلم أنهم نفروا منه، وهو أقل تنفيرا؟ ! لأن النسخ فيه رجوع عن الحق إلى حق، وهذا رجوع إلى حق من غير حق.
    ومعلوم أن الإنسان يحمد على ترك الباطل إلى الحق ما لا يحمد على

    ****************************** ***

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #142
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,333

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الثانى
    الحلقة (139)
    صـ 411 إلى صـ 417



    ترك ما لم يزل يقول إنه حق (1) . . وإذا كان جائزا فهذا أولى، وإذا كان في ذلك مصلحة ففي هذا أيضا مصالح عظيمة، ولولا أن فيها وفي العلم بها مصالح لعباده لم يقصها في غير موضع من كتابه. وهو سبحانه - وله الحمد - لم يذكر عن نبي من الأنبياء ذنبا إلا ذكر معه توبته لينزهه عن النقص والعيب، ويبين أنه ارتفعت منزلته وعظمت درجته وعظمت حسناته وقربه إليه بما أنعم الله عليه من التوبة والاستغفار والأعمال الصالحة التي فعلها بعد ذلك، وليكون ذلك أسوة لمن يتبع الأنبياء ويقتدي بهم إلى يوم القيامة.
    ولهذا لما لم يذكر عن يوسف توبة في قصة امرأة العزيز دل على أن يوسف لم يذنب أصلا، في تلك القصة كما يذكر من يذكر أشياء نزهه الله منها بقوله تعالى: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} [سورة يوسف: 24] ، وقد قال تعالى: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} [سورة يوسف: 24] . والهم - كما قال الإمام أحمد رضي الله عنه -: همان، هم خطرات وهم إصرار. وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه قال إن الله تعالى يقول إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة كاملة، فإن عملها فاكتبوها عشرا إلى سبعمائة ضعف، وإذا هم بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن تركها فاكتبوها له حسنة فإنما تركها من جراي» " (2) .

    _________
    (1) في الأصل: حقا، وهو خطأ
    (2) لم أجد الحديث بهذا اللفظ، ولكن جاء الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما في: البخاري 8 (كتاب الرقاق، باب من هم بحسنة أو سيئة) ; مسلم 1/118 (كتاب الإيمان، باب إذا هم العبد بحسنة. . إلخ) ; المسند (ط. المعارف) ح [0 - 9] رقم 3402 ونصه (واللفظ للبخاري) : عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل قال: قال: إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة ". وفي نفس الباب أحاديث أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم بنفس المعنى - انظر أيضا المسند (ط. المعارف) الأرقام: 2001، 2519، 2521، 2828، 3402، 7195، 7294. وانظر: سنن الترمذي 4/330 (كتاب التفسير، ومن سورة الأنعام) .
    ************************

    فيوسف - عليه الصلاة والسلام - لما هم ترك همه لله، فكتب الله به حسنة كاملة ولم يكتب عليه سيئة قط، بخلاف امرأة العزيز فإنها همت وقالت وفعلت، فراودته بفعلها وكذبت عليه عند سيدها واستعانت بالنسوة، وحبسته لما اعتصم وامتنع عن الموافقة على الذنب ولهذا قالت: {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم} [سورة يوسف: 53] ، وهذا من قولها كما دل عليه القرآن، ليس من كلام يوسف عليه السلام، بل لما قالت هذا كان يوسف غائبا في السجن لم يحضر عند الملك، بل لما برأته هي والنسوة استدعاه الملك بعد هذا وقال: {ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين} [سورة يوسف: 54] . وأما من ذكر الله تعالى وتبارك عنه ذنبا كآدم عليه السلام فإنه لما قال: {وعصى آدم ربه فغوى - ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى} [سورة طه: 121، 122] وقال: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} [سورة البقرة: 37] .

    ************************

    وقال تعالى عن داود عليه السلام: {وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب - فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} [سورة ص: 24، 25] . وقال لموسى عليه السلام والصلاة: {إني لا يخاف لدي المرسلون - إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم} [سورة النمل: 10، 11] ومن احتج على امتناع ذلك بأن الاقتداء بهم مشروع، والاقتداء بالذنب لا يجوز. قيل له: إنما يقتدى بهم فيما أقروا عليه، لا فيما نهوا (1) . عنه، كما أنه إنما يقتدى بهم فيما أقروا عليه ولم ينسخ ولم ينسه فيما نسخ، وحينئذ فيكون التأسي بهم مشروعا مأمورا به لا يمنع وقوع ما ينهون عنه ولا يقرون عليه لا من هذا ولا من هذا، وإن كان اتباعهم في المنسوخ لا يجوز بالاتفاق. ومما يبين أن النسخ أشد تنفيرا أن الإنسان إذا رجع عن شيء إلى آخر، وقال: الأول الذي كنت عليه حق أمرني الله به، ورجوعي عنه حق أمرني الله به، كان هذا أقرب إلى النفور عنه من أن يقول: رجعت عما لم يأمرني الله به، فإن الناس كلهم يحمدون من قال هذا. وأما من قال: أمري بهذا حق ونهيي عنه حق، فهذا مما نفر عنه كثير من السفهاء، وأنكره من أنكره من اليهود وغيرهم.
    [لوازم النبوة وشروطها]
    ومما يبين الكلام في مسألة العصمة أن تعرف النبوة ولوازمها وشروطها، فإن الناس تكلموا في ذلك بحسب أصولهم في أفعال الله

    _________
    (1) في الأصل: ينهوا
    ****************************

    تعالى، إذا كان جعل الشخص نبيا رسولا من أفعال الله تعالى، فمن نفى الحكم والأسباب في أفعاله وجعلها معلقة بمحض المشيئة وجوز عليه فعل كل ممكن ولم ينزهه عن فعل من الأفعال - كما هو قول الجهم بن صفوان وكثير من الناس، كالأشعري ومن وافقه من أهل الكلام من أتباع مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من مثبتة القدر - فهؤلاء يجوزون بعثة كل مكلف، والنبوة عندهم مجرد إعلامه بما أوحاه إليه، والرسالة مجرد أمره بتبليغ ما أوحاه إليه، وليست النبوة عندهم صفة ثبوتية ولا مستلزمة لصفة يختص بها، بل هي من الصفات الإضافية كما يقولون مثل ذلك في الأحكام الشرعية.
    وهذا قول طوائف من أهل الكلام كالجهم بن صفوان والأشعري وأتباعهما ولهذا من يقول بها كالقاضي أبي بكر وأبي المعالي وغيرهما يقول: إن العقل لا يوجب عصمة النبي إلا في التبليغ خاصة فإن هذا هو مدلول المعجزة وما سوى ذلك إن دل السمع عليه، وإلا لم تجب عصمته منه.
    وقال محققو هؤلاء كأبي المعالي وغيره إنه ليس في السمع قاطع يوجب العصمة، والظواهر تدل على وقوع الذنوب منهم (1) .، وكذلك كالقاضي أبي بكر إنما يثبت ما يثبته من العصمة في غير التبليغ إذا كان من موارد الإجماع لأن الإجماع حجة وما سوى ذلك فيقول لم يدل عليه عقل ولا سمع.
    وإذا احتج المعتزلة وموافقوهم من الشيعة عليهم بأن هذا يوجب

    _________
    (1) انظر: الإرشاد للجويني، ص 356 - 357 ; أصول الدين لابن طاهر، ص 167 - 169
    ***************************

    التنفير ونحو ذلك فيجب من حكمة الله منعهم منه، قالوا: هذا مبني على مسألة التحسين والتقبيح العقليين. قالوا: ونحن نقول لا يجب على الله شيء ويحسن منه كل شيء، وإنما ننفي ما ننفيه بالخبر السمعي، ونوجب وقوع ما يقع بالخبر السمعي أيضا، كما أوجبنا ثواب المطيعين وعقوبة الكافرين لإخباره أنه يفعل ذلك ونفينا أن يغفر لمشرك لإخباره أنه لا يفعل ذلك، ونحو ذلك (1) ". . وكثير من القدرية المعتزلة والشيعة وغيرهم ممن يقول بأصله في التعديل والتجوير وأن الله لا يفضل شخصا على شخص إلا بعمله، يقول: إن النبوة، أو الرسالة جزاء على عمل متقدم، فالنبي فعل من الأعمال الصالحة ما استحق به أن يجزيه الله بالنبوة. وهؤلاء القدرية في شق وأولئك الجهمية الجبرية في شق. وأما المتفلسفة القائلون بقدم العالم وصدوره عن علة موجبة - مع إنكارهم أن الله تعالى يفعل بقدرته ومشيئته، وأنه يعلم الجزئيات فالنبوة عندهم فيض يفيض على الإنسان بحسب استعداده وهي مكتسبة عندهم، ومن كان متميزا - في قوته العلمية (2) . بحيث يستغني عن التعليم، وشكل في نفسه خطاب يسمعه كما يسمع النائم، وشخص

    _________
    (1) نقل مستجي زاده في الهامش الكلام الذي يبدأ بعبارة: " وإذا احتج المعتزلة وموافقوهم من الشيعة. . إلى هذا الموضع، ثم قال: " قلت: فهم من هذا الكلام أن جهم بن صفوان - ومن تابعه من الجهمية - لا يقول بالحسن والقبح الشرعيين، ولا يقول أيضا بالحكم والمصالح، فلم تكن أفعال الله تعالى عندهم أيضا معللة بالأغراض، فالظاهر من الجهمية التزامهم ما يستلزمه هذان الأصلان
    (2) في الأصل: العملية، وهو خطأ. والصواب ما أثبته وهو الذي يقتضيه السياق
    ******************************

    يخاطبه كما يخاطب النائم، وفي العملية بحيث يؤثر في العنصريات تأثيرا غريبا - كان نبيا عندهم (1) ". . وهم لا يثبتون ملكا مفضلا يأتي بالوحي من الله تعالى، ولا ملائكة (2) . بل ولا جنا يخرق الله بهم العادات للأنبياء، إلا قوى النفس (3) ". . وقول هؤلاء، وإن كان شرا من أقوال كفار اليهود والنصارى وهو أبعد الأقوال عما جاءت به الرسل، فقد وقع فيه كثير من المتأخرين الذين لم يشرق عليهم نور النبوة من المدعين للنظر العقلي والكشف الخيالي الصوفي وإن كان غاية هؤلاء الأقيسة الفاسدة والشك، وغاية هؤلاء الخيالات الفاسدة والشطح.
    [الأنبياء هم أفضل الخلق]
    والقول الرابع (4) .: - وهو الذي عليه جمهور سلف الأمة وأئمتها وكثير من النظار - أن الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس، والله أعلم حيث يجعل رسالاته، فالنبي يختص بصفات ميزه الله بها على غيره وفي عقله ودينه، واستعد بها لأن يخصه الله بفضله ورحمته كما قال تعالى: {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم - أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات}

    _________
    (1) جملة " كان نبيا عندهم " جواب لقوله " ومن كان متميزا
    (2) في الأصل: ولا ملائكته
    (3) في أعلى هذه الصفحة من الأصل كتب ما يلي: " قف على اشتراط النبوة عند الحكماء المشائيين، وإلا فالطبيعيون والتناسخية والبراهمة - وهم حكماء الهند - ينكرون أصل النبوة
    (4) الأقوال الثلاثة السابقة هي: قول الجهمية والأشاعرة، وقول القدرية المعتزلة والشيعة، وقول الفلاسفة ومتفلسفة الصوفية
    ****************************** ****

    [سورة الزخرف: 31، 32] ، وقال تعالى: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم} [سورة البقرة: 105] ، وقال تعالى لما ذكر الأنبياء بقوله: {ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين - وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين - وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين - ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم} [سورة الأنعام: 84 - 87] فأخبر أنه اجتباهم وهداهم.
    والأنبياء أفضل الخلق باتفاق المسلمين، وبعدهم الصديقون والشهداء والصالحون فلولا وجوب كونهم من المقربين، الذين هم فوق أصحاب اليمين، لكان الصديقون أفضل منهم، أو من بعضهم.
    والله تعالى قد جعل خلقه ثلاثة أصناف، فقال تعالى: في تقسيمهم في الآخرة: {وكنتم أزواجا ثلاثة - فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة - وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة - والسابقون السابقون - أولئك المقربون - في جنات النعيم} [سورة الواقعة: 7 - 12] ، وقال في تقسيمهم عند الموت: {فأما إن كان من المقربين - فروح وريحان وجنة نعيم - وأما إن كان من أصحاب اليمين - فسلام لك من أصحاب اليمين - وأما إن كان من المكذبين الضالين - فنزل من حميم - وتصلية جحيم} [سورة الواقعة: 88 - 94] وكذلك ذكر في سورة الإنسان والمطففين هذه الأصناف الثلاثة.

    ************************

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #143
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,333

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الثانى
    الحلقة (140)
    صـ 418 إلى صـ 424



    والأنبياء أفضل الخلق، وهم (أصحاب) (1) ، السياق يقتضي إثباتها. الدرجات العلى في الآخرة، فيمتنع أن يكون النبي من الفجار بل ولا يكون من عموم أصحاب اليمين بل من أفضل السابقين المقربين، فإنهم أفضل من عموم الصديقين والشهداء والصالحين، وإن كان النبي أيضا يوصف بأنه صديق وصالح وقد يكون شهيدا، لكن ذاك أمر يختص بهم لا يشركهم فيه من ليس بنبي، كما قال عن الخليل: {وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين} [سورة العنكبوت: 27] ، وقال يوسف: {توفني مسلما وألحقني بالصالحين} [سورة يوسف: 101] .
    فهذا مما يوجب تنزيه الأنبياء أن يكونوا من الفجار والفساق، وعلى هذا إجماع سلف الأمة وجماهيرها.
    وأما من جوز أن يكون غير النبي أفضل منه فهو من أقوال بعض ملاحدة المتأخرين من غلاة الشيعة والصوفية والمتفلسفة ونحوهم.
    وما يحكى عن (2) . أنهم جوزوا الكفر على النبي، فهذا بطريق اللازم لهم لأن كل معصية عندهم كفر، وقد جوزوا المعاصي على النبي، وهذا يقتضي فساد قولهم بأن كل معصية كفر

    _________
    (1) أصحاب: ساقطة من الأصل
    (2) الفضلية من الخوارج الفضلية فرقة من الخوارج ذكرهم ابن حزم في الفصل 5/54 - وسماهم الفضيلية - فقال: " وقالت الفضيلية من الصفرية من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله بلسانه ولم يعتقد ذلك بقلبه بل اعتقد الكفر أو الدهرية أو اليهودية أو النصرانية فهو مسلم عند الله مؤمن ولا يضره إذا قال الحق بلسانه ما اعتقد بقلبه ". وذكرهم الأشعري في المقالات 1/183 وسماهم " الفضلية " وذكر عنهم قولا قريبا من قول ابن حزم. وذكر الشهرستاني (الملل والنحل 1/124) من رجال الخوارج: الفضل بن عيسى الرقاشي
    ***********************

    وقولهم بجواز المعاصي عليهم، وإلا فلم يلتزموا أن يكون النبي كافرا، ولازم المذهب لا يجب أن يكون مذهبا.
    وطوائف أهل الكلام الذين يجوزون بعثة كل مكلف، من الجهمية والأشعرية ومن وافقهم من أتباع الأئمة الأربعة كالقاضي أبي يعلى وابن عقيل وغيرهم، متفقون أيضا على أن الأنبياء أفضل الخلق، وأن النبي لا يكون فاجرا. لكن يقولون: هذا لم يعلم بالعقل بل علم بالسمع، بناء على ما تقدم من أصلهم من أن الله يجوز أن يفعل كل ممكن.
    وأما الجمهور الذين يثبتون الحكمة والأسباب فيقولون: نحن نعلم بما علمناه من حكمة الله أنه لا يبعث نبيا فاجرا وأن ما ينزل على البر الصادق لا يكون إلا ملائكة، لا تكون شياطين، كما قال تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين - نزل به الروح الأمين - على قلبك لتكون من المنذرين} - إلى قوله - {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين - تنزل على كل أفاك أثيم - يلقون السمع وأكثرهم كاذبون - والشعراء يتبعهم الغاوون - ألم تر أنهم في كل واد يهيمون - وأنهم يقولون ما لا يفعلون} [سورة الشعراء: 192 - 226] .
    فهذا مما بين الله به الفرق بين الكاهن والنبي وبين الشاعر والنبي، لما زعم المفترون أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - شاعر وكاهن، وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتاه الوحي في أول الأمر وخاف على نفسه قبل أن يستيقن أنه ملك قال لخديجة: " لقد خشيت على نفسي ". قالت: كلا، والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل

    ******************************

    الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق» (1)) . . فاستدلت رضي الله عنها بحسن عقلها على أن من يكون الله قد خلقه بهذه الأخلاق الكريمة، التي هي من أعظم صفات الأبرار الممدوحين، أنه لا يجزيه فيفسد الشيطان عقله ودينه، ولم يكن معها قبل ذلك وحي تعلم به انتفاء ذلك، بل علمته بمجرد عقلها الراجح.
    وكذلك لما ادعى النبوة من ادعاها من الكذابين، مثل مسيلمة الكذاب والعنسي وغيرهما، مع ما كان يشتبه من أمرهم، لما كان ينزل عليهم من الشياطين ويوحون إليهم، حتى يظن الجاهل أن هذا من جنس ما ينزل على الأنبياء ويوحى إليهم، فكان ما يبلغ العقلاء وما يرونه (2) . من سيرتهم والكذب الفاحش والظلم ونحو ذلك يبين لهم أنه ليس بنبي، إذ قد علموا أن النبي لا يكون كاذبا ولا فاجرا.
    وفي الصحيحين «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال له ذو الخويصرة: اعدل يا محمد، فإنك لم تعدل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لقد خبت وخسرت إن لم أعدل، ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء» " (3) ، والرواية الصحيحة بالفتح أي أنت خاسر خائب إن لم

    _________
    (1) هذا جزء من حديث بدء الوحي وهو مروي عن عائشة رضي الله عنها في: البخاري 1/3 - 4 (كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي) ، 6/173 - 174 (كتاب التفسير، سورة اقرأ) ; مسلم 1/139 - 143 (كتاب الإيمان، باب بدء الوحي
    (2) في الأصل: وما يروه
    (3) هذا جزء من حديث طويل عن الخوارج من رواية أبي سعيد الخدري في: البخاري 4/200 (كتاب المناقب، باب علامات النبوة) ; مسلم 2/743 - 744 (كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم) ; سنن أبي داود 4/335 - 337 (كتاب السنة، باب في قتال الخوارج) . وأول الحديث في البخاري: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل ". وانظر: درء تعارض العقل والنقل 7/180 - 181.
    ****************************** *****

    أعدل إن ظننت أني ظالم مع اعتقادك أني نبي، فإنك تجوز أن يكون الرسول الذي آمنت به ظالما، وهذا خيبة وخسران، فإن ذلك ينافي النبوة ويقدح فيها.
    وقد قال تعالى: {وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} [سورة آل عمران: 161] ، وفيه قراءتان: يغل ويغل، أي ينسب إلى الغلول، بين سبحانه أنه ما لأحد أن ينسبه إلى الغلول، كما أنه ليس له أن يغل، فدل على أن النبي لا يكون غالا.
    ودلائل هذا الأصل عظيمة، لكن مع وقوع الذنب الذي هو بالنسبة إليه ذنب - وقد لا يكون ذنبا من غيره مع تعقبه بالتوبة والاستغفار لا يقدح في كون الرجل من المقربين السابقين ولا الأبرار، ولا يلحقه بذلك وعيد في الآخرة، فضلا عن أن يجعله من الفجار.
    وقد قال تعالى في عموم وصف المؤمنين: {ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى - الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة} [سورة النجم: 31، 32] . وقال: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين - الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين - والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون - أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين} [سورة آل عمران: 133 - 136] .

    ****************************** *
    وقال تعالى: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون - لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين - ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون} [سورة الزمر: 33 - 35] . وقال: {حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين - أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون} [سورة الأحقاف: 15، 16] .
    وقد قال في قصة إبراهيم عليه السلام: {فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم} [سورة العنكبوت: 26] ، وقال في قصة شعيب عليه السلام: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك ياشعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين - قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين} [سورة الأعراف: 88، 89] ، وقال في سورة إبراهيم: {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين} [سورة إبراهيم: 13] .
    وقد ذم الله تعالى وتبارك فرعون بكونه رفع نبوة موسى بما تقدم من قتله
    *************************

    نفسا بغير حق فقال: {ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين - وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين - قال فعلتها إذا وأنا من الضالين - ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين} [سورة الشعراء: 18 - 21] ، وكان موسى - صلى الله عليه وسلم - قد تاب من ذلك كما أخبر الله تعالى عنه وغفر له بقوله: {فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين - قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم} [سورة القصص: 15، 16] .
    فإن قيل: فإذا كان قد غفر له فلماذا يمتنعون من الشفاعة يوم القيامة لأجل ما بدا منهم (1) .، فيقول آدم إذا طلبت منه الشفاعة: إني نهيت عن أكل الشجرة وأكلت منها، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحا (2) . فيقول: إني دعوت على أهل الأرض دعوة لم أومر بها، والخليل يذكر تعريضاته الثلاث التي سماها كذبا وكانت تعريضا، وموسى يذكر قتل النفس (3) . .

    _________
    (1) في الأصل: لأجل لما بدا منهم، والصواب ما أثبته
    (2) في الأصل بعد كلمة " نوح " توجد إشارة إلى الهامش حيث توجد كلمتان لم يظهر منهما في المصورة إلا: نوحا، وأثبت ما في حديث الشفاعة
    (3) روى ابن تيمية الحديث بمعناه، وهو جزء من حديث الشفاعة الذي أشرت إليه من قبل (ص 401 ت 9) على أن أقرب الروايات إلى المذكورة هنا هي رواية البخاري 6/84 - 85 (كتاب التفسير، سورة بني إسرائيل، باب ذرية من حملنا مع نوح) ; مسلم 1/180 - 187 (كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة) عن أبي هريرة رضي الله عنه وفيها (البخاري 6/84) : " فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح إنك أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، فيقول: إن ربي عز وجل قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى إبراهيم ; فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات - فذكرهن أبو حيان في الحديث - نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى ; فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى ; فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد صبيا، اشفع لنا، ألا ترى إلى ما نحن فيه، فيقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله - ولم يذكر ذنبا - نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم ; فيأتون محمدا صلى الله عليه وسلم، فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي عز وجل ; ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب أمتي يا رب. . الحديث. . "
    ******************************

    ولهذا كان ممن امتنع ولم يذكر ذنبا المسيح، وإبراهيم أفضل منه وقد ذكر ذنبا، ولكن قال المسيح: لست هناكم اذهبوا إلى عبد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وتأخر المسيح عن المقام المحمود الذي خص به محمد - صلى الله عليه وسلم - هو من فضائل المسيح ومما يقربه إلى الله. صلوات الله عليهم أجمعين.
    فعلم أن تأخرهم عن الشفاعة لم يكن لنقص درجاتهم عما كانوا عليه، بل لما علموه من عظمة المقام المحمود الذي يستدعي من كمال مغفرة الله للعبد، وكمال عبودية العبد لله ما اختص به من غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولهذا قال المسيح: اذهبوا إلى محمد عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فإنه إذا غفر له ما تأخر لم يخف أن يلام إذا ذهب إلى ربه ليشفع، وإن كان لم يشفع إلا بعد الإذن، بل إذا سجد وحمد ربه بمحامد يفتحها عليه لم يكن يحسنها قبل ذلك، فيقال له: «أي محمد: ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع» ، وهذا كله في الصحيحين وغيرهما.
    وأما من (قيل له) (1) . تقدم ولم يعرف أنه غفر له ما تأخر فيخاف أن يكون ذهابه إلى الشفاعة - قبل أن يؤذن له في الشفاعة - ذنبا، فتأخر لكمال خوفه من الله تعالى، ويقول أنا قد أذنبت وما غفر لي فأخاف أن أذنب ذنبا (2) . آخر ; فإن النبي - صلى الله

    _________
    (1) في الأصل توجد إشارة إلى الهامش قبل كلمة " تقدم " ولم يظهر الكلام الساقط في المصورة، وما أثبته يصلح به الكلام
    (2) ذنبا: غير موجودة في الأصل والسياق يقتضيها
    ***********************

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •