من القيم التربوية في أدب عبدالتواب يوسف للأطفال
محمد عباس محمد عرابي




لقد كان عبدالتواب يوسف - رحمه الله - كاتبًا يمتلك أدواته: فكرًا وإبداعًا، لغة وأسلوبًا، يدرك تأثير أعماله على الأطفال، ويعرف عن يقين أنه يشارك في تثقيف الأطفال، وفي تربيتهم على قيم ومُثلٍ آمن بها، وعمل من أجلها.

ولقد قدم أعماله بأسلوبه السهل البسيط في مخاطبة الأطفال، فهو يختار مفرداته ببراعة ودقة؛ ليكون لديهم ثروة لغوية كبيرة، ومن ثمّ فلم يهتم فقط بالمضمون، ولكنه اهتم بالعناصر الفنية كافة في أعماله التي ستظل كنزًا ثمينًا لأجيالنا القادمة[1].



وكان عبدالتواب يوسف متميزًا في خطابه التربوي للأطفال، فلقد شمِل قصصُه جُل القيم التربوية: المعرفية والوجدانية والسلوكية، والأخلاقية والاجتماعية في شتى المجالات: الدينية والعلمية والكونية، والأسرية والبيئية والخيالية.

لقد أدرك عبدالتواب يوسف أهمية القيم في حياة الطفل، وأدرك الأنواع المختلفة من والمعرفية والاجتماعية والدينية والأخلاقية، وأنها ضرورة تربوية، لذلك كان لها دور مهم في ثنايا أعماله القصصية؛ حيث يقول - رحمه الله - في كتابه «حول أدب الأطفال وكتبهم»: القيم الدينية والأخلاقية تعتبر المحور الأساسي لجميع ما أُقدمه للأطفال في جميع المجالات العلمية والثقافية والفنية، وأنا لا أجذب الطفل من أذنه بعنف إلى مجالات التربية والأخلاق، بل أعتمد على القصص التي قد تكون حقيقية مستمدة من التجربة الذاتية أو مما قرأت أو سمعتُ[2].


ومن أبرز ما كان يحث عليه الأطفال القراءة، وكان دائمًا في المؤتمرات والندوات وكتاباته يناشد التربويين بتشجيع الأطفال على القراءة؛ لعظيم فوائدها على تربية وتنشئة الأطفال، ومن أبرز قصصه في هذا الشأن (مهرجان بدون مهرج) الصادرة ضمن سلسلة هيَّا نقرأ، والمقدم للأطفال من سن9:12سنة، والصادرة عن مكتبة الدار العربية للكتاب بالقاهرة، وهي تقع في 16 صفحة من القطع المتوسط[3].


ويحاول هذا المقال إلقاء الضوء على ما ورد بهذه القصة من قيم تربوية، فمن أبرز القيم التربوية في هذه القصة: التخطيط لقضاء وقت الفراغ في العطلة، التساؤل عن المعنى الذي لا نعرفه، التعرف على المفاهيم الجديدة، مساعدة الآخرين وإفادتهم، الحرص على القراءة المستمرة، التدريب على استخدام بطاقات المكتبة، الحرص على معرفة المعلومات الجديدة، معرفة المزيد من المعلومات حول الموضوع الواحد، الحرص على شراء الكتب، وتبادل قراءاتها مع الأصدقاء والمعارف، وتكوين مكتبة خاصة، الحرص على المشاركة في المهرجانات النافعة.

وقيما يلي الشواهد الدالة على هذه القيم كما كتبها عبدالتواب يوسف - رحمه الله - في قصته (مهرجان بدون مهرج):
التخطيط لقضاء وقت الفراغ في العطلة: ووردت هذه القيمة في قول عبدالتواب يوسف: (عندما بدأت الإجازة الصيفية كانت هناك أحلام ومشروعات .. قال أحمد: سألعب كرة القدم ... وقالت حنان: في الإجازة عندي برنامج عظيم[4]، أما سامي فكانت عنده خطة أخرى غريبة وعجيبة[5]، وقوله: (ولم يتوقف عن لعب كرة القدم، لكنه قسم وقته بينها وبين القراءة[6].

التساؤل عن المعنى الذي لا نعرفه: السؤال مفتاح العلم وباب المعرفة؛ لذا ركز عبدالتواب يوسف في قصته على قيمة (التساؤل عن المعنى الذي لا نعرفه)، ووردت في القصة دلائل كثيرة على هذه القيمة؛ منها: (ترددت مع بداية الإجازة عبارة (مهرجان القراءة)، سمعها أحمد وحنان وسامي من الإذاعة والتليفزيون، ومن أصدقاء لهم ..كما قرؤوها في الصحف والمجلات، وعلى لوحات مرسومة معلقة في أماكن كثيرة، وتساءلوا:هل يكون للقراءة مهرجان؟ وقوله: (فهل يستقيم هذا الضجيج والمرح والترفيه مع القراءة ؟[7]، وقوله: (قال أحمد: هي فكرة لا بأس بها، بشرط ألا تعطلني عن كرة القدم .. ويمكنني أن أقرأ عن كرة القدم نفسها ...هل هناك كتب عنها؟ ثم من يجيبني عن هذا السؤال؟[8]، وقوله: وتنبَّه إلى اسم المؤلف، وسأل أمينة المكتبة: هل هناك كتب أخرى للمؤلف؟[9]، وقوله: (وقد سمعت أن كثيرين يحبون القراءة قبل النوم ... إنها تعينهم عليه، فلماذا لا أجرب ذلك، خاصة أنني أجد صعوبة في العودة للنوم؟[10]، وقوله: (ابتسمت حنان وتساءلت:من تكون أم حنان هذه؟ الناس في بلادنا يُسَمون بأسماء أبنائهم لا بناتهم، ربما ليس لهذه السيدة ابن، لكن ما اسمها الحقيقي؟ ولماذا هناك كتاب عنها يحمل اسمي؟).

التعرف على المفاهيم الجديدة: حيث عرض عبدالتواب يوسف في قصته عدة مفاهيم جديدة للأطفال بغية أن يتعرفوا عليها؛ منها: مفهوم المهرجان (يحتوي على غناء ومسرح وألعاب، ومرح وترفيه)، ومفهوم القراءة: عملية هادئة صامتة يقوم بها صاحبها وحده[11]، ومفهوم الشارع الذي يعني الزحام والضجيج والعربات والسيارات، والباعة والمارة والمحلات التجارية[12].

مساعدة الآخرين وإفادتهم: وهي قيمة خلقية ركز عليها عبدالتواب يوسف في الكثير من المواضع من قصته، ومن هذه المواضع قوله عن أحمد: (وسأل أمينة المكتبة: هل هناك كتب أخرى لهذا المؤلف؟ قالت: نعم، ثم دربت أمينة المكتبة (أحمد) على الرجوع إلى البطاقات التي تحمل أسماء المؤلفين، وعناوين الكتب)[13].


الحرص على القراءة المستمرة: وهي قيمة تربوية ومعرفية، ركز عليها عبدالتواب يوسف، وجعلها محور قصته، وأورد العديد من الشواهد عليها؛ منها قوله: (وقامت تبحث عن هذا الكتاب، ووضعته بين يدي أحمد الذي جلس ليقرأه في لهفة، ولم يتركه من يده حتى أنهاه، مستمتعًا بما فيه وقرر أن يعيد قرأته)[14]، وقوله: (قرأ أحمد الكتاب الأول في هذه السلسلة، ثم أعاد قراءة الثاني .. وقرأ الثالث .. وسأل أمينة المكتبة:هل هناك كتب أخرى لهذا المؤلف؟[15]، وقوله: (وبدأت حنان تقرأ، وبدلًا من أن يتسلل النوم إلى عينيها، فتحتهما على آخرهما، وراحت تقرأ ومتابعة لأحداث القصة المثيرة التي جعلتها متيقظة منتبهة،إذ أرادت أن تعرف كيف شاركت هذه المرأة في الحرب، ودورها فيها، وماذا عن ابنتها حنان التي تحمل اسمها .. وقالت لنفسها بعد أن انتهت من قراءة القصة: إن القراءة شيء لذيذ وممتع حقًّا ...، وعندما بدأت تقرؤها طار النوم من عينيها، وغفلت عن موعد الطعام ..لقد وجدت أن الكتب أحلى من النوم ومن الأكل[16]، وقوله: (اكتشف الفرسان الثلاثة: أحمد وحنان وسامي، أن ثلاثتهم قد أصبحوا من القراء، وأتهم أحبوا الكتب بنفس القدر الذي أحبوا به هواياتهم الأخرى)[17].

التدريب على استخدام بطاقات المكتبة: حرص المؤلف - رحمه الله - على غرس آداب وتعليمات المكتبات في نفوس الأطفال، فأشار إلى قيمة التدريب على استخدام بطاقات المكتبة، وذلك في قوله: (ثم دربت أمينة المكتبة (أحمد) على الرجوع إلى البطاقات التي تحمل أسماء المؤلفين، وعناوين الكتب .. وراح يأتي بها من فوق الرفوف، ويقرأ)[18].


الحرص على شراء الكتب، وتبادل قراءاتها مع الأصدقاء والمعارف: وظهرت هذه القيم جلية، فيقول عبدالتواب يوسف - رحمه الله -: (لقد توقف سامي عند بائع صحف ومجلات وكتب ...تطلع إليها بعض الوقت، وتساءل: لماذا لا أشتري كتابًا؟ ولكن: أي كتاب أشتري؟ راح يلقي نظراته على عناوين الكتب، وجاء عدد من الأطفال يشترون.. كانوا يتحدثون عما يحبونه من الكتب، وكيف سيتبادلون كتبهم بعد قراءتها، وكان كل منهم يفخر بمكتبته وعدد كتبها، وكيف أنها من أفضل الكتب، وتبادل سامي معهم الحديث، واتفقوا فيما بينهم على أن يشتروا كتبًا متنوعة، وأن يتبادلوها فيما بينهم على أن تكون هذه خطتهم طوال الإجازة[19].

الحرص على المشاركة في المهرجانات النافعة، وتكوين مكتبة خاصة: وظهرت هذه القيمة بوضوح في قول عبدالتواب يوسف - رحمه الله -: (وعرفوا من الصحف والمجلات ومن الإذاعة، ومن زملائهم أيضًا، أن مهرجان القراءة يتضمن مسابقة...فقالوا: لماذا لا نشترك فيها؟! واشتركوا .. وعلى جدران غرف أحمد وحنان وسامي، كانت هناك شهادات تقدير لإقبالهم على القراءة ... وأصبحت لكل منهم مكتبة خاصة، نعم لقد كان مهرجان القراءة مهرجانًا رائعًا وعظيمًا)[20].

رحِم الله عبدالتواب يوسف رحمة واسعة جزاءَ ما قدَّم من قصص نافع، وقيمٍ حميدة تنفع الأجيال عبر العصور.
-----------------------------------------

[1] عرابي، محمد عباس: القيم التربوية في قصص عبدالتواب يوسف، الكويت، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 562.

[2] المرجع السابق.

[3] يوسف، عبدالتواب: مهرجان بدون مهرج، القاهرة، مكتبة الدار العربية للكتاب، 1420.

[4] المرجع السابق، ص2.

[5] نفسه، ص4.

[6] المرجع السابق، ص8.

[7] نفسه، ص5.

[8] نفسه، ص6.

[9] نفسه، ص8.

[10] نفسه، ص9.

[11] نفسه، ص5.

[12] نفسه، ص12.

[13] نفسه، ص8.

[14] نفسه، ص7.

[15] نفسه، ص8.


[16] نفسه، ص11.

[17] نفسه، ص14.

[18] نفسه، ص8.

[19] نفسه، ص13.

[20] نفسه، ص14.