الترجمة والعلوم الحديثة
أسامة طبش

نُعالج في هذا المقال مسألةَ علميةِ ميدان الترجمة: هل فعلًا الترجمة علم؟ ماذا أضافت إليها العلوم الحديثة حتى تغيَّرت طبيعتها تغيرًا جذريًّا؟
مع تطور العلوم التجريبية، أصبحنا نشهد دراسات معرفية لعقل الإنسان وكيف يُفكِّر، ولقد أمدَّتْ هذه العلوم خدمات جليلة للترجمة؛ من أبرزها: دراسة الفعل الترجمي لدى المترجم، سواء أكان هو الذي يصف لنا تفاعلات هذا الفعل لديه، أم نقوم نحن بملاحظة هذه الردود، ونُدوِّنها لدراسة مُستفيضة لاحقًا.


نأتي الآن إلى الترجمة الآلية، أصبحنا نتساءل حقًّا: إذا كان من الممكن أن يُعوِّض برنامج إلكتروني الدَّور الذي يضطلع به المترجم في أثناء تأديته لعمله؟ هذا ضرب من المستحيل بالطبع، فعقل الإنسان إعجاز من خلال الخلايا التي يحملها، والتفاعلات التي يعرفها، والإيعاز الذي يمده، غير أنه مجرد طرح، وهذا السؤال هو دليل على مدى تطور العلوم الآلية، وإيغالها الشديد في ميدان الترجمة.


ننتقل إلى اللسانيات، فنحن لا نتفق مع الرأي الذي يرغب في إبعادها عن الترجمة، فالترجمة تعالج اللغة ابتداءً ونهايةً، والدراسات اللسانية من أروع الأفكار التي أمدت الترجمة بفضائلَ مفيدة، نسوق إلى القارئ الدراسة التي أجراها كل من "داربلني" و"فيني"، التي قابلا من خلالها الفرنسية بالإنجليزية، فأمدَّتْنا بأساليبَ ترجمية، تضربُ في عمق الفعل الترجمي، وتمنحنا حلولًا تُوائم عبقرية اللغة.


هذا غيض من فيض، فمصطلح "علم الترجمة" يشمل التنظير والتطبيق، والمؤلفات التي أُلِّفَتْ بشأنه تذهبُ هذا المنحى، وتُدمجه إدماجًا مع العلوم الحديثة، فكما تَعْرِفُ الميادين الأخرى التقدم، فإن الترجمة هي أيضًا تعرف الأمر ذاته، وما على الشغوف إلا الاطلاع والنَّهْلُ من ذلك؛ لأنه موضوع في غاية التشويق.