الشعر والشعراء
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
فوائد من مصنفات العلامة ابن عثيمين (7)
الشعر والشعراء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...أما بعد:
فالشعر كالكلام، حسنه حسن، وقبيحة قبيح، فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشعر بمنزلة الكلام، حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام) [أخرجه البخاري في الأدب المفرد]
للشعر أغراض متعددة عند من ينظمه، منها: الحسن، ومنها القبيح.
فتجد: الهجاء المقذع، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أعظم الناس جرماً إنسان شاعر يهجو القبيلة من أسرها) [أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وحسن إسناده العلامة الألباني في السلسة الصحيحة برقم:763]
وتجد المدح بالباطل، فعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب) [أخرجه مسلم]
وتجد الفخر المذموم، فعن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب) [أخرجه أبو يعلى في المسند]
وتجد الغزل الغير عفيف، الذي يدعو إلى الفجور والفاحشة، قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾ [النور:19]
ومن ينظم الشعر لهذه الأغراض ينطبق عليه قوله تعالى: ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾[الشعراء:224] وينطبق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لأن يمتلئ جوف رجل قيحاً حتى يريه خير من أن يمتلئ شعراً) [متفق عليه]
كما تجد الشعر الحسن، الذي سلم من الأغراض السابقة، والذي فيه دعوة إلى مكارم الأخلاق، ومعالي الآداب، وإلى الزهد، والرقائق، والحكمة، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من الشعر حكمة) [أخرجه البخاري] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: أي قولاً صادقاً مطابقاً للحق، وقيل أصل الحكمة المنع، فالمعنى أن من الشعر كلاماً نافعاً يمنع من السفه.
والشعر الحسن الجيد تجده في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام بدون غلو ومجاوزة حد، قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
أكرم بقومٍ رسولُ الله شيعتُهُم
إذا تفاوتت الأهواءُ والشِّيعُ
وقال كعب بن زهير رضي الله عنه:
إن الرسول لنور يستضاءُ به
مهنَّد من سيوف الله مسلول
العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، له كلام قليل عن الشعر والشعراء، فيه فوائد وتوجيهات، يسّر الله الكريم لي جمع شيءٍ منه، أسال الله أن ينفع به جامعه وقارئه وناشره.
نظم الشعر:
قال الشيخ رحمه الله: الشعر حسنه حسن، وقبيحُة قبيح، ولا بأس أن يكون الإنسان شاعراً إذا كان ينظم المسائل المفيدة، كنظم العلوم الشرعية، وما يساندها من العلوم العربية، وكذلك حتى علم التوحيد، فها هي " الكافية الشافية في اعتقاد الفرقة الناجية " وها هي " النونية " لابن القيم كلها نظم، وهي في التوحيد، وها هو ابن عبدالقوي رحمه الله كان له نظم طويل على قافية الدال في الفقه، يبلغ حوالي أربعة عشر ألفاً، وما زال العلماء يفعلون ذلك.
وكراهة الأخ للشِّعر استدلالا بقوله تعالى ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ [الشعراء:224] فنقول: اقرأ الآيات حتى تكملها، ليتبين لك الأمر ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾[الشعراء:227] فاستثنى الله عز وجل من الشعراء الذين آمنوا وعملوا الصالحات وبين أن الشعراء المذمومين هم الذين يتَّبعهم الغاوون والذين هم في كل وادٍ يهِيمون فإذا لم يكن الإنسان على هذا الوصف فإنه لا بأس به وها هو حسان بن ثابت رضي الله عنه يُنشد الشعر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة النبي عليه الصلاة والسلام.
قراءة الشعر وكتابته والاستماع إليه:
قال الشيخ رحمه الله: قراءة الشِّعر وكتابته والاستماع حسب ما فيه، فإن كان فيه خير، فهو خير، وإن كان فيه شر فهو شر، وإن لم يكن فيه لا هذا، ولا هذا، فإنه من اللغو الذي ينبغي أن يُنزه الإنسان نفسه عنه، وكان عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً إذا مروا باللغو مرُّوا كراماً، فأرى ألا يُستمعُ إليه، ولا يهتم به ما دام ليس فيه نفع له، لأنه من لغو القول، وإضاعة الوقت بلا فائدة.
نصيحة لطالب العلم يقضي جل وقته في نظم الشعر والقراءة في كتبه:
سئل الشيخ: إني أحد الطلاب المتمسكين بكتاب الله، وسنة رسوله صلى اله عليه وسلم، وموفق في دراستي والحمد لله، ولكني أنظم الشعر كثيراً وأقوله في المناسبات وغير المناسبات، مما جعلني أقضي جُلَّ وقتي أقرأ كُتب الشعر وأنظمه، فما حكم هذا العمل، بارك الله فيكم؟
فأجاب الشيخ رحمه الله: إذا كنت تقول الشعر المباح، أو الشعر الذي فيه الخير للناس، وتوجيههم إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، فلا حرج عليك في ذلك، أما إذا كنت تقول شِعراً محرماً ساقطاً سافلاً، فإن هذا حرام عليك.
ومع هذا فنقول: إن الأولى بك، وأنت طالب علم أن تدع هذا العمل، وأن تُقبل على طلب العلم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة، والأئمة من بعدهم، حتى ينفعك الله بذلك، لأن ما أنت عليه الآن، إما أن تكون فيه سالماً، أو مأجوراً بأجر لا يساوي طلب العلم الشرعي المبني على كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول الصحابة والأئمة، وإما أن تكون مأزوراً إذا كان ما تقوله من الشعر شعراً ساقطاً سافلاً يدعو إلى الفجور والفحشاء.
فنصيحتي لك أن تدع ما أنت عليه الآن من الشعر ومراجعة الدواوين، وأن تقبل على العلم الشرعي، لعل الله أن ينفعك بذلك.
يتبع