نداء اللغة


ماجد محمد الوبيران





الجلوس إلى الكبار هو جلوس مثمر ذو فائدة كبيرة، وخاصة حين تتلاقى الأفكار، وتتوحد الاتجاهات، وتتوافق الاهتمامات.

وقد جمعتني الأيام بأحد الأدباء الكبار الذي أبدى توجُّسه وتخوُّفَه من اندثار كثير من الألفاظ والمفردات اللغوية، بسبب بُعد الناس عن الاهتمام بها وتداولها، وذلك عائدٌ إلى عدم احتياجهم لها في وقتنا الحالي، ومن تلك المفردات اللغوية: ما كان يُستخدم في حياة الناس اليومية فيما مضى؛ كتلك الألفاظ المتداولة في الاستخدامات التجارية، أو الزراعية، أو في مجال الرعي، أو البناء وغيرها!


ولا شك أن تخوُّفَه ذلك هو تخوُّفٌ في مكانه؛ نظرًا لأهمية تلك المفردات باعتبارها مفردات لغوية، وإن كانت محليَّة، إلا أن لها أصولًا في لغتنا الفصحى؛ مما يجعل الاهتمام بها واجبًا مِن قِبَل المتخصصين في التاريخ والأدب واللغة.


ومع اتساع رقعة البلاد، واختلاف لهجات أهل مناطقها - كان لزامًا على المتخصصين الكشفُ للأجيال عن تلك المفردات من باب التأصيل لها، والتعريف بها.


الأجيال اليوم تعيش صراعات كبيرة مع اللغة في ظلِّ سيطرة كثيرٍ من المؤثرات عليها، ومنها تفشِّي العامية في أوساط الناس، ومزاحمة اللغات الأجنبية للغة العربية، ووجود الأجهزة الذكية المحمولة التي تحمِل الكثير من البرامج والتطبيقات والألعاب بلغة غير العربية، وهي الأجهزة التي جذبت الكثيرين، وأسَرَتْ ألبابَهم نظرًا لأهميتها في حياتنا المعاصرة!


ومع تعلُّق الناس بهذه الأجهزة فإنهم يحمِلون الكثير من الاعتزاز بالتراث والحنين الدائم إليه، والإقبال على مشاهدة معروضاته؛ من خلال المعارض، والمواقع، والمتاحف، وهي فرصة سانحة يُمكن استثمارها بعرض كثيرٍ من مشاهد الحياة القديمة العريقة، من خلال ما يُعرف بالقرى الشعبية، وأركان التراث، وتصميم التطبيقات الذكية مِن قِبَل المتخصصين في هذا المجال خدمةً للتراث واللغة.


ولعلَّ أساتذة اللغة والباحثين يَهبُّون لجمْع تلك المفردات مع معانيها وصُورها في معاجم حديثة جاذبة يُطالعها الكبار والصغار!


يقول الشاعر الكبير أحمد علي آل مانع:

وفصاحتي قد شابَها متغلغلٌ
غَثٌّ لألفٍ مِن لغاتٍ يُنْسَبُ

حتى الطفولةُ لا تريدُ سماعَها
ونَمَتْ تُردِّد عُجْمةً تتحبَّبُ

قد جئتُ أَنفُضُ حزنَها متأسفًا
في بيت شعرٍ صُغْتُه يَتلوَّبُ

مَن يبعَث المهضومَ مِن أجزائها
أَضحى يَميل بلا تُرابٍ يُقْلَبُ