خطيبي من العصر القديم
أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة
السؤال


♦ الملخص:

فتاة في منتصف العشرينيات، خُطبت لرجل أربعيني، ملتزم بالصلاة، ويحبها، لكن شخصيته غير متطورة، فهو يبدو رجلًا من العصر القديم، وهي لا تشعر تجاهه بأي قبول أو حب، وتتصنع معه السعادة، وتسأل: هل تفسخ خطوبتها أو لا؟



♦ تفاصيل السؤال:

السلام عليكم.



أنا فتاة في السادسة والعشرين من عمري، مخطوبة منذ ثلاثة أشهر، وخطيبي في الأربعين من عمره، إنسان ملتزم بالصلاة، وطيب القلب، ويحبني كثيرًا، ولم يكن له أي علاقة أو ارتباط قبلي، وهو رجل بسيط جدًّا، ولا يفهم في أمور السوشيال ميديا؛ يعني: يعتبر رجلًا من العصر القديم، وشخصيته ضعيفة لأنه طيب القلب، وغير قابلة للتطور، ومُدخن منذ الصغر، ومندفع جدًّا في الأمور الخاصة بيننا.



المشكلة أني لا أشعر تجاهه بأي قبول، ولا أشعر معه بالسعادة والحب، ومهما قدَّم لي من هدايا وكلام جميل، لا يتحرك شيء بداخلي، وأشعر معه أنني أتصنَّع معه السعادة لكيلا أُحزنه، السؤال: هل أفسخ خطوبتي منه أو لا؟ هل ممكن إذا تزوجته أن أشعر معه بالسعادة والحب والقبول؟ أخشى إن أنا تركته ألَّا يأتيني خاطب جيد من ناحية الالتزام بالصلاة، وحبه واحترامه لي، وإن أنا تزوجته أن أبقى على ما أنا عليه من عدم القبول والحب له، لا أدري ما أفعل، أرشدوني، وجزاكم الله خيرًا.



الجواب


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:

أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.



مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لنا ولكِ الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.



ثانيًا: الأصل في الكفاءة في الزواج الدين والخلق؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاءكم من ترضَون دينه وخلقه، فزوِّجوه، إلا تفعلوه، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير))؛ [الترمذي: (1084)، وابن ماجه (1967)، وحسنه الألباني].



قال ابن القيم:"فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدين في الكفاءة أصلًا وكمالًا، فلا تُزوَّج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمرًا وراء ذلك، فإنه حرَّم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث، ولم يعتبر نسبًا ولا صناعة، ولا غِنى ولا حرية، فجوَّز للعبد القنِّ نكاح الحرة النسيبة الغنية، إذا كان عفيفًا مسلمًا، وجوَّز لغير القرشيين نكاح القرشيات، ولغير الهاشميين نكاح الهاشميات، وللفقراء نكاح الموسرات.



وقد تنازع الفقهاء في أوصاف الكفاءة، فقال مالك في ظاهر مذهبه: إنها الدين، وفي رواية عنه: إنها ثلاثة: الدين، والحرية، والسلامة من العيوب، وقال أبو حنيفة: هي النسب والدين، وقال أحمد في رواية عنه: هي الدين والنسب خاصة، وفي رواية أخرى: هي خمسة: الدين والنسب والحرية والصناعة والمال، وإذا اعتُبر فيها النسب، فعنه فيه روايتان: إحداهما: أن العرب بعضهم لبعض أكفاء، الثانية: أن قريشًا لا يكافئهم إلا قرشي، وبنو هاشم لا يكافئهم إلا هاشمي، وقال أصحاب الشافعي: يعتبر فيها الدين والنسب والحرية والصناعة والسلامة من العيوب المنفرة.



ولهم في اليسار ثلاثة أوجه: اعتباره فيها، وإلغاؤه، واعتباره في أهل المدن دون أهل البوادي؛ فالعجمي ليس عندهم كفئًا للعربي، ولا غير القرشي للقرشية، ولا غير الهاشمي للهاشمية، ولا غير المنتسبة إلى العلماء والصلحاء المشهورين كفئًا لمن ليس منتسبًا إليهما، ولا العبد كفئًا للحرة، ولا العتيق كفئًا لحرة الأصل، ولا مَن مسَّ الرِّقُّ أحد آبائه كفئًا لمن لم يمسها رقٌّ، ولا أحدًا من آبائها، وفي تأثير رقِّ الأمهات وجهان، ولا مَن به عيب مثبت للفسخ كفئًا للسليمة منه، فإن لم يثبت الفسخ وكان منفرًا كالعمى والقطع، وتشويه الخلقة، فوجهان: واختار الروياني أن صاحبه ليس بكفء، ولا الحجام والحائك والحارس كفئًا لبنت التاجر والخياط ونحوهما، ولا المحترف لبنت العالم، ولا الفاسق كفئًا للعفيفة، ولا المبتدع للسُنيَّة، ولكن الكفاءة عند الجمهور هي حق للمرأة والأولياء"؛ [زاد المعاد: (5/ 145 - 146)].



فالحاصل أن الأصل الكفاءة في الدين والخلق، ثم الخلاف في الكفاءة بين بقية الأمور كالكفاءة الاجتماعية والدنيوية ونحوها، والصحيح أن هذه الأمور يجب أن ينظر إليها بعين الاعتبار وعدم التغافل عنها، لا سيما في ظل ضعف التدين عند البعض في هذه الأزمان، فإنه يُنصَح أن يتزوج الرجل بمن تساويه أو تقاربه من النساء، في المستوى الثقافي والاجتماعي ونحوها؛ لأنه لو تزوج بمن تفوقه في أمور الدنيا، فربما أدى في المستقبل إلى تعاليها أو تعالي أهلها عليه؛ فلا تستقيم الحياة الزوجية حينئذٍ، وهذا واضح من التجارب والحالات التي حدث فيها زواج اختلَّت فيه الكفاءة، وتنصح المرأة بذلك أيضًا.



فالنصيحة لكِ: أن تضعي في الاعتبار هذه الفروق، وأنتِ أدرى بنفسكِ: هل تتقبلين هذه الفروق أو لا؟



فعليكِ بالاستخارة والاستشارة، وأخذ رأي من حولكِ ممن تثقين في رأيهم، والله أعلم.



هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/150029/#ixzz7ADfmERQT