(4). [المباينة والبراءة من المشركين]
ومما قاله عند تفسير قوله تعالى:{قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }:
"الأمة التي بعث منها النبي –صلى الله عليه و سلم-هي أول أمة دعاها إلى الله هي الأمة العربية، وهي أمة كانت مشركة تعرف ان الله خلقها ورزقها وتعبد مع ذلك أوثانها تزعم أنها تقربها إلى الله وتتوسط لها لديه، فكان النبي –صلى الله عليه و سلم-كما يدعو إلى الله وينزهه يعلن ببراءته من المشركين و انه ليس منهم براءة من عقيدتهم و أقوال و أعمال شركهم فهو مباين لهم في العقد و القول و العمل مباينة الضد للضد فكما باين التوحيد الشرك، باين هو المشركين وذلك معنى قوله تعالى: {وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
وهذه البراءة و المباينة - وإن كانت مستفادة من أنه يدعو إلى الله وينزهه فإنها نص عليها بالتصريح لتأكيد أمر مباينة المشركين(والبعد عن الشرك بجميع وجوهه وصوره جليه و خفيه) في جميع مظاهر شركهم حتى في صورة القول كما شاء الله وشاء فلان فلا يقال هكذا ويقال: ثم شاء فلان كما جاء في حديث بيناه في الأجزاء الماضية أو في صورة الفعل كان يسوق بقرة أو شاة مثلا إلى ضريح من الضرحة ليذبحها عنده فإنه ضلال كما قاله (الشيخ الدردير في باب النذور). فضلا عن عقائدهم كاعتقاد أن هناك ديوانا من عباد الله يتصرف في ملك الله، وإن المذنب لا يدعو الله وإنما يسأل من يعتقد فيه الخير من الأموات، وذلك الميت يدعو له الله لتأكيد أمر المباينة للمشركين في هذا كله نص عليها بالتصريح كما قلنا، وللعبد عن الشرك بجميع وجوهه وصوره جليه وخفيه.
والمباينة والتبري لازمة من كل كفر وضلال، وذلك مستفاد من الدعوة إلى الله وتنزيهه، وإنما خصص المشركين لما تقدم، ولأن الشرك هو شر الكفر وأقبحه.
ولما كانت هذه المباينة والبراءة داخلة في الدعوة إلى الله وتنزيهه فالمسلمون المتبعون لنبيهم صلى الله عليه وآله وسلم كما يدعون إلى الله على بصيرة وينزهونه يباينون المشركين في عقائدهم و أعمالهم و أقوالهم، ويطرحون الشرك بجميع وجوهه، ويعلنون براءتهم وانتفاءهم من المشركين. والحمد لله رب العالمين".اهـ