تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: من نصوص الوعيد التي كره السلف تاويلها

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي من نصوص الوعيد التي كره السلف تاويلها

    ..................


    ( ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر )

    قال الشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان في شرحه لكتاب التوحيد

    (لا يدخلون الجنة) القول الصحيح فيه من أقوال العلماء: أنه لا يتعرض له لا بتأويل -يعني: تفسير- ولا برد، مع الثقة بأن مرتكب الكبيرة لا يكون كافراً، ولكن هذا إلى الله جل وعلا، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبر الله جل وعلا عن ذلك، فيبقى على ما أخبرا به، والخوف قائم على هذا الإنسان الذي فعل هذا الفعل، وهو على خطر عظيم.

    ولكنه بهذا الفعل لا يخرج من دين الإسلام، فقول الله جل وعلا: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } يبقى خطاب الله جل وعلا على ما قال، ويبقى آكل أموال اليتامى على خطر عظيم، ولكن أكلهم لأموال اليتامى لا يخرجهم من الدين الإسلامي، إلا أن هذا الوعيد فيهم، وأمرهم إلى الله، يجوز أن الله جل وعلا يمضي ذلك فيهم، وهذا هو الظاهر، ويجوز أن يعفو عنهم ولا يعاقبهم، فالأمر إليه، أما العباد فلا يجزمون بشيء

    ولهذا يجب أن يُمتنع من الجزم بشيء؛ فإن الإنسان لا يخاطر بنفسه، وهكذا سائر الذنوب الكبار التي وردت فيها النصوص الشديدة، مثل: شرب الخمر، وتصديق السحر، وأكل الربا.

    أما المتأول لها فإنه أيضاً على خطر ويخشى أن يكون من القول على الله بلا علم؛ لأنه عين معنىً، وليس له عليه دليل إلا عمومات الألفاظ، فالأولى أن يترك ما جاء على ما جاء . انتهى كلام الشيخ

    و قال الشيخ سليمان بن عبد الله في تيسير العزيز الحميد

    قوله:"ثلاثة لا يدخلون الجنة"، هذا من نصوص الوعيد التي كره السلف تأويلها وقالوا: أمروها كما جاءت. وإن كان صاحبها لا ينتقل عن الملة عندهم، وكأن المصنف رحمه الله يميل إلى هذا القول.

    وقالت طائفة: هو على ظاهره فلا يدخل الجنة أصلاً مدمن الخمر ونحوه، ويكون هذا مخصصًا لعموم الأحاديث الدالة على خروج الموحدين من النار ودخولهم الجنة، وحمله أكثر الشراح على من فعل ذلك مستحلاً، أو على معنى أنهم لا يدخلون الجنة إلا بعد العذاب إن لم يتوبوا والله أعلم. انتهى

    سؤال بارك الله فيكم

    ما حكاه الشيخ عن الطائفة التي حملت الحديث على ظاهره . هل يقصد بذلك طائفة من اهل السنة او هو يحكي ذلك عموما فلا يلزم ذلك ؟




  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: من نصوص الوعيد التي كره السلف تاويلها

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة


    وقالت طائفة: هو على ظاهره فلا يدخل الجنة أصلاً مدمن الخمر ونحوه، ويكون هذا مخصصًا لعموم الأحاديث الدالة على خروج الموحدين من النار ودخولهم الجنة، وحمله أكثر الشراح على من فعل ذلك مستحلاً، أو على معنى أنهم لا يدخلون الجنة إلا بعد العذاب إن لم يتوبوا والله أعلم. انتهى

    سؤال بارك الله فيكم

    ما حكاه الشيخ عن الطائفة التي حملت الحديث على ظاهره . هل يقصد بذلك طائفة من اهل السنة او هو يحكي ذلك عموما فلا يلزم ذلك ؟



    بارك الله فيك اخى الطيبونى
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وَقَدْ نُقِلَ كَرَاهَةُ تَأْوِيلِ أَحَادِيثِ الْوَعِيدِ عَنْ سُفْيَانَ ، وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ .
    قال الحازمى فى شرحه لتيسير العزيز الحميد
    نقول كما قال اكثر السلف، أمروها كما جاءت يعني لا ينظر فيها ولا يبحث، والغرض منها والحكمة هو الزجر، لأنه إذا لم يُبين للناس أن المراد هنا عدم الدخول المطلق أو .. أو .. إلى آخره أو أنه إذا كان مستحلاً، حينئذٍ إذا لم يُبَيَّنُ له كان فيه زجرًا، كان فيه من الزجر الشديد على النفس، لكن إذا بُيِّنَتْ وأُوِّلَتْ حينئذٍ اطمأن قلبه علم أنه سيدخل الجنة، فإذا كان كذلك فالحكمة زالت، ولذلك أكثر السلف على إمرارها كما جاءت، وإن كان صاحبها لا ينتقل عن الملة عندهم، يعني لا يكفرون بالذنب ما لم يستحله.
    وقال طائفةٌ: هو على ظاهره، فلا يدخل الجنة أصلاً مدمن الخمر ونحوه. وهذا فيه نظر بل غلطٌ،
    ***
    قال الامام ابن باز رحمه الله
    نصوص الوعيد عند أهل العلم تمر على ظاهرها، مثل ما يروى عنه ﷺ أنه قال: أربعة لا يدخلون الجنة، ولا يذوقون طعمها: المرابي، ومدمن الخمر، وآكل مال اليتيم، والعاق لوالديه وما أشبه ذلك، هذه أحاديث الوعيد عند أهل العلم تمر على ظاهرها، ويحذر المسلمون مما دلت عليه، ولكن ليس معناها أن أهلها يدخلون النار جزمًا،
    بل هذا جزاؤهم إن جازاهم الله،
    هذا جزاؤهم إن جازاهم الله،
    هذه حال أهل الوعيد مثل ما قال أبو هريرة في قوله سبحانه: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]
    قال: هذا جزاؤه إن جازاه، وقد يعفا عن صاحب المعصية بأسباب من أعمال صالحة أكثرها واجتهد فيها فصارت سببا لعفو الله عنه،
    قد يعفا عنه بأسباب أخرى من شفاعة الشفعاء، أو من الشهادة في سبيل الله، أو غير ذلك من الأسباب الصالحة التي تكون سببا لعفو الله عنه
    ، ثم إذا دخل النار لا يخلد إذا دخل النار بالعقوق أو بالخمر أو بالسرقة أو بالزنا
    لا يخلد إذا كان ما استحلها،
    إذا كان فعلها وهو يعلم أنه عاص ويعلم أنه مخطئ ولكن غلبه هواه شرب الخمر أو عق والديه أو أكل الربا فهو على خطر عظيم، ولكن لا يخلد في النار إذا مات على الإسلام، بل هو تحت مشيئة الله كما قال سبحانه في غير الشرك: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]،
    المعاصي كلها تحت مشيئة الله جل وعلا، فمن مات على التوحيد والإيمان
    فإن المعاصي تحت مشيئة الله، وجاءت النصوص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام دالة على أن الكثير من أهل المعاصي يدخلون النار بمعاصيهم ويعذبون فيها على قدر معاصيهم، ويخرجون منها قد امتحشوا قد احترقوا كالفحم -نسأل الله العافية- هذا جاءت به النصوص، يشفع فيهم الشفعاء، يشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، يشفع فيهم المؤمنون والملائكة والأفراط. فالمعاصي خطرها عظيم، وشرها وبيل، ومن أسباب غضب الله، ومن أسباب دخول النار، ولكن أولًا أن الشخص الواحد من هؤلاء قد يعفا عنه لأسباب، وإن دخلها الكثير من الناس، لكن قد يعفا عن بعضهم لأسباب من أعمال صالحات من شفاعة شفعاء من شهادة في سبيل الله إلى غير ذلك، ثم إذا دخلوها فإنهم لا يخلدون إذا كانوا موحدين مسلمين يعبدون الله وحده، ويصدقون أخباره، ويؤمنون به سبحانه وتعالى، ولا يستحلون ما حرم، ولا يستحلون إسقاط ما أوجب، بل هم على الإسلام، وإنما فعلوا بعض المعاصي عن هوى وعن شهوة لا عن استحلال، أما إذا استحل المعصية استحل الربا رآه حلالًا أو استحل الزنا صار كافرًا بذلك نعوذ بالله، من استحل ما حرمه الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة يكون كافرًا نعوذ بالله من ذلك نسأل الله العافية، والربا وإن كان حرامًا وإن كان داخلًا في المحرمات لكن ليس هو أشد المحرمات ليس هو أشد المحرمات، أعظم منه الشرك، أعظم من الزنا من الربا أعظم منه الكفر والشرك، فالشرك والكفر هو أعظم المحرمات، وهو أكبر المحرمات، وهو الذي لا يغفر من مات عليه لا يغفر له وليس له إلا النار نعوذ بالله وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه سئل أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك، نسأل الله العافية، فالمقصود أن الذنوب والمعاصي متفاوتة، وأعظم الذنوب وأشدها وأعظمها جريمة جريمة الشرك بالله والكفر بالله ، ثم المعاصي بعد ذلك على مراتب كالقتل والربا وغير ذلك.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: من نصوص الوعيد التي كره السلف تاويلها

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة


    وقالت طائفة: هو على ظاهره فلا يدخل الجنة أصلاً مدمن الخمر

    سؤال بارك الله فيكم

    ما حكاه الشيخ عن
    الطائفة التي حملت الحديث على ظاهره . هل يقصد بذلك طائفة من اهل السنة او هو يحكي ذلك عموما فلا يلزم ذلك ؟

    هو يحكى مذاهب الناس
    قال ابن عثيمين رحمه الله فى القول المفيد
    قوله: "ثلاثة لا يدخلون الجنة"
    . هل المراد الحصر وأن غيرهم يدخل الجنة؟
    الجواب:
    لا، لأن هناك من لا يدخلون الجنة سوى هؤلاء،
    فهذا الحديث لا يدل على الحصر.
    وهل هؤلاء كفار لأن من لا يدخل الجنة كافر؟
    اختلف أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من أحاديث الوعيد على أقوال:
    القول الأول: مذهب المعتزلة والخوارج الذين يأخذون بنصوص الوعيد،
    فيرون الخروج من الإيمان بهذه المعصية، لكن الخوارج يقولون: هو كافر، والمعتزلة يقولون: هو في منزلة بين المنزلتين، وتتفق الطائفتان على أنهم مخلدون في النار،
    فيجرون هذا الحديث ونحوه على ظاهره، ولا ينظرون إلى الأحاديث الأخرى الدالة على أن من في قلبه إيمان وإن قل، فإنه لا بد أن يدخل الجنة.
    القول الثاني:
    أن هذا الوعيد فيمن استحل هذا الفعل بدليل النصوص الكثيرة الدالة على أن من في قلبه إيمان وإن قل، فلا بد أن يدخل الجنة، وهذا القول ليس بصواب، لأن من استحله كافر ولو لم يفعله، فمن استحل قطيعة الرحم أو شرب الخمر مثلاً، فهو كافر وإن لم يقطع الرحم ولم يشرب الخمر.
    القول الثالث:
    أن هذا من باب أحاديث الوعيد التي تمر كما جاءت ولا يتعرض لمعناها، بل يقال: هكذا قال الله وقال رسوله ونسكت، فمثلاً: قوله تعالى: { ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً } [النساء: 93]، هذه الآية من نصوص الوعيد، فنؤمن بها، ولا نتعرض لمعناها ومعارضتها للنصوص الأخرى، ونقول: هكذا قال الله، والله أعلم بما أراد، وهذا مذهب كثير من السلف، كمالك وغيره، وهذا أبلغ في الزجر.
    القول الرابع:
    أن هذا نفي مطلق، والنفي المطلق يحمل على المقيد، فيقال: لا يدخلون الجنة دخولاً مطلقاً يعني لا يسبقه عذاب، ولكنهم يدخلون الجنة دخولاً يسبقه عذاب بقدر ذنوبهم، ثم مرجعهم إلى الجنة، وذلك لأن نصوص الشرع يصدق بعضها بعضاً، ويلائم بعضها بعضاً، وهذا أقرب إلى القواعد وأبين حتى لا تبقى دلالة النصوص غير معلومة، فتقيد النصوص بعضها ببعض.
    وهناك احتمال:
    أن من كانت هذه حاله حَرِيٌ أن يختم له بسوء الخاتمة، فيموت كافراً، فيكون هذا الوعيد باعتبار ما يؤول حاله إليه، وحينئذ لا يبقى في المسألة إشكال، لأن من مات على الكفر، فلن يدخل الجنة، وهو مخلد في النار، وربما يؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً"
    فيكون هذا قولاً خامساً.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: من نصوص الوعيد التي كره السلف تاويلها

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة
    قالوا: أمروها كما جاءت. وإن كان صاحبها لا ينتقل عن الملة عندهم، وكأن المصنف رحمه الله يميل إلى هذا القول.
    نعم
    قال الشيخ عبد الرحمن البراك
    تُجرى على ظاهرها يعني تُقرأ على النَّاس حتى ينتفعوا بها،
    لكن في التَّقرير العلمي لابد مِن البيان

    قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :
    وما ورد من نصوص الوعيد المطلقة كقوله تعالى: {فسوف نصليه نارا}، فهو مبين ومفسر بما في الكتاب والسنة من النصوص المبينة لذلك المقيدة له،
    وكذلك ما ورد من نصوص الوعد المطلقة
    . اهـ.
    وقال أيضا:
    فكل حديث فيه عن مؤمن أنه يدخل النار، أو أنه لا يدخل الجنة،
    فقد فسره الكتاب والسنة أنه عند انتفاء هذه الموانع.
    وكذلك «نصوص الوعد» مشروطة بعدم الأسباب المانعة من دخول الجنة، وأعظمها أن يموت كافرا
    . اهـ.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي رد: من نصوص الوعيد التي كره السلف تاويلها

    .............................. ............

    الاعتصام للشاطبي -

    قال و هو يتكلم على حديث الافتراق
    ( كلها في النار )

    يُنْظَرُ فِي هَذَا الْوَعِيدِ؛ هَلْ هُوَ أَبَدِيٌّ أَمْ لَا؟ وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّهُ غَيْرُ أَبَدِيٍّ: هَلْ هُوَ نَافِذٌ أَمْ فِي الْمَشِيئَةِ.

    أَمَّا الْمَطْلَبُ الْأَوَّلُ: فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْبِدَعِ مُخْرِجَةٌ مِنَ الْإِسْلَامِ، أَوْ لَيْسَتْ مُخْرِجَةً، وَالْخِلَافُ فِي الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُخَالِفِينَ فِي الْعَقَائِدِ مَوْجُودٌ - وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَبْلَ هَذِهِ - فَحَيْثُ نَقُولُ بِالتَّكْفِيرِ لَزِمَ مِنْهُ تَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ عَلَى الْقَاعِدَةِ إِنَّ الْكُفْرَ وَالشِّرْكَ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ. يَحْتَمِلُ عَدَمَ التَّكْفِيرِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا نُفُوذُ الْوَعِيدِ

    وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ التَّكْفِيرِ فَيَحْتَمِلُ - عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ - أَمْرَيْنِ:

    أَحَدُهُمَا:
    نُفُوذُ الْوَعِيدِ مِنْ غَيْرِ غُفْرَانٍ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ.
    وَقَوْلُهُ هُنَا: «كُلُّهَا فِي النَّارِ» أَيْ مُسْتَقِرَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهَا.
    وَالْأَمْرُ الثَّانِي مِنِ احْتِمَالِ التَّكْفِيرِ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِالْمَشِيئَةِ

    فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ إِنْفَاذُ الْوَعِيدِ بِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ. قِيلَ: بَلَى؛ قَدْ قَالَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ الْكَبَائِرِ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنْ دَلَّهُمُ الدَّلِيلُ فِي خُصُوصِ كَبَائِرَ عَلَى أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَلَابُدَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُتَّبَعَ هُوَ الدَّلِيلُ، فَكَمَا دَلَّهُمْ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكَبَائِرِ عَلَى الْجُمْلَةِ فِي الْمَشِيئَةِ، كَذَلِكَ دَلَّهُمْ عَلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ الْعُمُومِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93]. فَأَخْبَرَ أَوَّلًا أَنَّ جَزَاءَهُ جَهَنَّمُ، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: " {خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] " عِبَارَةٌ عَنْ طُولِ الْمُكْثِ فِيهَا، ثُمَّ عَطَفَ بِالْغَضَبِ، ثُمَّ بِلَعْنَتِهِ، ثُمَّ خَتَمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] وَالْإِعْدَادُ قَبْلَ الْبُلُوغِ إِلَى الْمُعَدِّ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى حُصُولِهِ لِلْمُعَدِّ لَهُ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْمَخْلُوقِ وَهُوَ الْمَقْتُولُ.
    قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ التَّوْبَةِ مِنْ مَظَالِمِ الْعِبَادِ تَحَلُّلُهُمْ أَوْ رَدُّ التِّبَاعَاتِ إِلَيْهِمْ، وَهَذَا مِمَّا لَا سَبِيلَ إِلَى الْقَاتِلِ إِلَيْهِ إِلَّا بِأَنْ يُدْرِكَ الْمَقْتُولَ حَيًّا فَيَعْفُوَعَنْه ُ بِطِيبِ نَفْسِهِ.

    وَأَوْلَى مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنْ نَقُولَ: وَمِنْ شَرْطِ خُرُوجِهِ مِنْ تِبَاعَةِ الْقَتْلِ مَعَ التَّوْبَةِ اسْتِدْرَاكُ مَا فَاتَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ: إِمَّا بِبَذْلِ الْقِيمَةِ لَهُ، وَهُوَ أَمْرٌ لَا يُمْكِنُ بَعْدَ فَوْتِ الْمَقْتُولِ. فَكَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ فِي صَاحِبِ الْبِدْعَةِ مِنْ جِهَةِ الْأَدِلَّةِ، فَرَاجِعْ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الثَّانِي تَجِدُ فِيهِ كَثِيرًا مِنَ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ الْمُخَوِّفِ جِدًّا.
    وَانْظُرْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105] فَهَذَا وَعِيدٌ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] وَتَسْوِيدُ الْوُجُوهِ عَلَامَةُ الْخِزْيِ وَدُخُولِ النَّارِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [آل عمران: 106] وَهُوَ تَقْرِيعٌ وَتَوْبِيخٌ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ} [آل عمران: 106] وَهُوَ تَأْكِيدٌ آخَرُ.
    وَكُلُّ هَذَا التَّقْرِيرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ أَهْلُ الْقِبْلَةِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ.
    لِأَنَّ الْمُبْتَدِعَ إِذَا اتُّبِعَ فِي بِدْعَتِهِ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّلَافِي - غَالِبًا - فِيهَا، وَلَمْ يَزَلْ أَثَرُهَا فِي الْأَرْضِ يَسْتَطِيلُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِسَبَبِهِ، فَهِيَ أَدْهَى مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ.

    قَالَ مَالِكٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: إِنَّ الْعَبْدَ لَوِ ارْتَكَبَ جَمِيعَ الْكَبَائِرِ بَعْدَ أَنْ لَا يُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَجَبَتْ لَهُ أَرْفَعُ الْمَنَازِلِ، لِأَنَّ كُلَّ ذَنَبٍ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ هُوَ مِنْهُ عَلَى رَجَاءٍ، وَصَاحِبُ الْبِدْعَةِ لَيْسَ هُوَ مِنْهَا عَلَى رَجَاءٍ، إِنَّمَا يُهْوَى بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَهَذَا مِنْهُ نَصٌّ فِي إِنْفَاذِ الْوَعِيدِ.



  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي رد: من نصوص الوعيد التي كره السلف تاويلها

    .............................. ...................

    وفي الفتاوى لشيخ الاسلام رخمه الله

    ( عَامَّةَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ يُقِرُّونَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَيُمِرُّونَهَا كَمَا جَاءَتْ وَيَكْرَهُونَ أَنْ تُتَأَوَّلَ تَأْوِيلَاتٍ تُخْرِجُهَا عَنْ مَقْصُودِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: من نصوص الوعيد التي كره السلف تاويلها

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة
    .............................. ...................

    وَيَكْرَهُونَ أَنْ تُتَأَوَّلَ تَأْوِيلَاتٍ تُخْرِجُهَا عَنْ مَقْصُودِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
    بارك الله فيك أخى الطيبونى
    سُئِلَ شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله
    عَنْ مَعْنَى حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا زَنَى الْعَبْدُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ فَكَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ عَادَ إلَيْهِ الْإِيمَانُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو داود . وَهَلْ يَكُونُ الزَّانِي فِي حَالَةِ الزِّنَا مُؤْمِنًا أَوْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ ؟ وَهَلْ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَأْوِيلِهِ ؟

    فَأَجَابَ :
    الْحَمْدُ لِلَّهِ :
    النَّاسُ فِي الْفَاسِقِ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ مِثْلَ الزَّانِي وَالسَّارِقِ وَالشَّارِبِ وَنَحْوِهِمْ " ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ " : طَرَفَيْنِ وَوَسَطٌ . ( أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ :
    أَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤْمِنِ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَة ِ بِاسْمِ الْإِيمَانِ ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ : هُوَ كَافِرٌ : كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِي ِّ . وَهُوَ قَوْلُ الْخَوَارِجِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : نُنْزِلُهُ مَنْزِلَةً بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْ نِ ; وَهِيَ مَنْزِلَةُ الْفَاسِقِ وَلَيْسَ هُوَ بِمُؤْمِنِ وَلَا كَافِرٍ وَهُمْ الْمُعْتَزِلَةُ وَهَؤُلَاءِ
    يَقُولُونَ : إنَّ أَهْلَ الْكَبَائِرِ يُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ وَإِنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا ;
    وَهَذَا مِنْ " مَقَالَاتِ أَهْلِ الْبِدَعِ " الَّتِي دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ عَلَى خِلَافِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
    { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } -
    إلَى قَوْلِهِ - { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ }
    فَسَمَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ وَجَعَلَهُمْ إخْوَةً مَعَ الِاقْتِتَالِ وَبَغْيِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ
    وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } وَلَوْ أَعْتَقَ مُذْنِبًا أَجْزَأَ عِتْقُهُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ .
    وَلِهَذَا يَقُولُ عُلَمَاءُ السَّلَفِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الِاعْتِقَادِيّ َةِ :
    لَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبِ وَلَا نُخْرِجُهُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِعَمَلِ
    وَقَدْ ثَبَتَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ عَلَى أُنَاسٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    وَلَمْ يَحْكُمْ فِيهِمْ حُكْمَ مَنْ كَفَرَ وَلَا قَطَعَ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
    بَلْ جَلَدَ هَذَا وَقَطَعَ هَذَا وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ
    وَيَقُولُ : لَا تَكُونُوا أَعْوَانَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ وَأَحْكَامُ الْإِسْلَامِ
    كُلُّهَا مُرَتَّبَةٌ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ .
    ( الطَّرَفُ الثَّانِي : قَوْلُ مَنْ يَقُولُ : إيمَانُهُمْ بَاقٍ كَمَا كَانَ لَمْ يَنْقُصْ
    " بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ وَالِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ وَهُوَ لَمْ يَتَغَيَّرْ
    وَإِنَّمَا نَقَصَتْ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ
    وَهَذَا قَوْلُ الْمُرْجِئَةِ والجهمية وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ
    وَهُوَ أَيْضًا قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّابِقِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ .
    قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ }
    وَقَالَ : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } -
    إلَى قَوْلِهِ - { أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا }
    وَقَالَ : { فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ }
    وَقَالَ : { لِيَزْدَادُوا إيمَانًا مَعَ إيمَانِهِمْ }
    وَقَالَ : { فَزَادَتْهُمْ إيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } .
    وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ } { وَقَالَ لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ : آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ ؟ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ } .
    وَأَجْمَعَ السَّلَفُ أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ
    وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَوْلُ الْقَلْبِ وَعَمَلُ الْقَلْبِ ثُمَّ قَوْلُ اللِّسَانِ وَعَمَلُ الْجَوَارِحِ .
    فَأَمَّا قَوْلُ الْقَلْبِ فَهُوَ التَّصْدِيقُ الْجَازِمُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
    ثُمَّ النَّاسُ فِي هَذَا عَلَى أَقْسَامٍ :
    مِنْهُمْ مَنْ صَدَّقَ بِهِ جُمْلَةً وَلَمْ يَعْرِفْ التَّفْصِيلَ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّقَ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَدُومُ اسْتِحْضَارُهُ وَذَكَرَهُ لِهَذَا التَّصْدِيقِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْفُلُ عَنْهُ وَيَذْهَلُ وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَبْصَرَ فِيهِ بِمَا قَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ مِنْ النُّورِ وَالْإِيمَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَزَمَ بِهِ لِدَلِيلِ قَدْ تَعْتَرِضُ فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ تَقْلِيدٌ جَازِمٌ
    وَهَذَا التَّصْدِيقُ يَتْبَعُهُ عَمَلُ الْقَلْبِ وَهُوَ حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْظِيمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْزِيرُ الرَّسُولِ وَتَوْقِيرُهُ وَخَشْيَةُ اللَّهِ وَالْإِنَابَةُ إلَيْهِ وَالْإِخْلَاصُ لَهُ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْوَالِ
    فَهَذِهِ الْأَعْمَالُ الْقَلْبِيَّةُ كُلُّهَا مِنْ الْإِيمَانِ وَهِيَ مِمَّا يُوجِبُهَا التَّصْدِيقُ وَالِاعْتِقَادُ إيجَابَ الْعِلَّةِ لِلْمَعْلُولِ .
    وَيَتْبَعُ الِاعْتِقَادَ قَوْل اللِّسَانِ وَيَتْبَعُ عَمَلَ الْقَلْبِ الْجَوَارِحُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
    وَعِنْدَ هَذَا
    فَالْقَوْلُ الْوَسَطُ الَّذِي هُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ
    أَنَّهُمْ لَا يَسْلُبُونَ الِاسْمَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَا يُعْطُونَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ .
    فَنَقُولُ : هُوَ مُؤْمِنٌ نَاقِصُ الْإِيمَانِ أَوْ مُؤْمِنٌ عَاصٍ أَوْ مُؤْمِنٌ بِإِيمَانِهِ فَاسِقٌ بِكَبِيرَتِهِ
    وَيُقَالُ : لَيْسَ بِمُؤْمِنِ حَقًّا أَوْ لَيْسَ بِصَادِقِ الْإِيمَانِ .
    وَكُلُّ كَلَامٍ أُطْلِقَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنْهُ .
    وَالْأَحْكَامُ مِنْهَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى أَصْلِ الْإِيمَانِ فَقَطْ ;
    كَجَوَازِ الْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَةِ وَكَالْمُوَالَا ةِ والموارثة وَنَحْوِ ذَلِكَ
    وَمِنْهَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ :
    كَاسْتِحْقَاقِ الْحَمْدِ وَالثَّوَابِ وَغُفْرَانِ السَّيِّئَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
    إذَا عَرَفْت " هَذِهِ الْقَاعِدَةَ " .
    فَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ فِيهَا حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ }
    وَالزِّيَادَةُ الَّتِي رَوَاهَا أَبُو داود والترمذي صَحِيحَةٌ وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ .
    فَقَوْلُ السَّائِلِ :
    هَلْ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ ؟ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ ;
    فَإِنْ عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الزَّانِيَ يَصِيرُ كَافِرًا وَأَنَّهُ يُسْلَبُ الْإِيمَانُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَمْ يَحْمِلْ الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَلَا هُوَ أَيْضًا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ
    لِأَنَّ قَوْلَهُ { خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ فَكَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالظُّلَّةِ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يُفَارِقُهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّ الظُّلَّةَ تُظَلِّلُ صَاحِبَهَا وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ وَمُرْتَبِطَةٌ بِهِ نَوْعَ ارْتِبَاطٍ .
    وَأَمَّا إنْ عَنَى بِظَاهِرِهِ مَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْهُ كَمَا سَنُفَسِّرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَنَعَمْ ;
    فَإِنَّ عَامَّةَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ يُقِرُّونَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَيُمِرُّونَهَا كَمَا جَاءَتْ
    وَيَكْرَهُونَ أَنْ تُتَأَوَّلَ تَأْوِيلَاتٍ تُخْرِجُهَا عَنْ مَقْصُودِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    وَقَدْ نُقِلَ كَرَاهَةُ تَأْوِيلِ أَحَادِيثِ الْوَعِيدِ :
    عَنْ سُفْيَانَ . وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ
    وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يُتَأَوَّلُ تَأْوِيلًا يُخْرِجُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ الْمَقْصُودِ بِهِ
    وَقَدْ تَأَوَّلَهُ الْخَطَّابِيَّ وَغَيْرُهُ تَأْوِيلَاتٍ مُسْتَكْرَهَةً مِثْلَ قَوْلِهِمْ لَفْظُهُ لَفْظُ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ :
    أَيْ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَلَّا يَفْعَلَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُمْ : الْمَقْصُودُ بِهِ الْوَعِيدُ وَالزَّجْرُ دُونَ حَقِيقَةِ النَّفْيِ وَإِنَّمَا سَاغَ ذَلِكَ لَمَّا بَيَّنَ حَالَهُ وَحَالَ مَنْ عَدِمَ الْإِيمَانَ مِنْ الْمُشَابَهَةِ وَالْمُقَارَبَة ِ
    وَقَوْلُهُمْ : إنَّمَا عَدَمُ كَمَالِ الْإِيمَانِ وَتَمَامِهِ أَوْ شَرَائِعِهِ وَثَمَرَاتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
    وَكُلُّ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ لَا يَخْفَى حَالُهَا عَلَى مَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ .
    فَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ :
    نَفْسُ التَّصْدِيقِ الْمُفَرِّقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَافِرِ لَمْ يَعْدَمْهُ لَكِنَّ هَذَا التَّصْدِيقَ لَوْ بَقِيَ عَلَى حَالِهِ لَكَانَ صَاحِبُهُ مُصَدِّقًا بِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذِهِ الْكَبِيرَةَ وَأَنَّهُ تَوَعَّدَ عَلَيْهَا بِالْعُقُوبَةِ الْعَظِيمَةِ وَأَنَّهُ يَرَى الْفَاعِلَ وَيُشَاهِدُهُ ; وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعَ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَعُلُوِّهِ وَكِبْرِيَائِهِ يَمْقُتُ هَذَا الْفَاعِلَ فَلَوْ تَصَوَّرَ هَذَا حَقَّ التَّصَوُّرِ لَامْتَنَعَ صُدُورُ الْفِعْلِ مِنْهُ وَمَتَى فَعَلَ هَذِهِ الْخَطِيئَةَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ
    " ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ " .
    إمَّا اضْطِرَابِ الْعَقِيدَةِ ; بِأَنْ يَعْتَقِدَ بِأَنَّ الْوَعِيدَ لَيْسَ ظَاهِرُهُ كَبَاطِنِهِ وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ الزَّجْرُ
    كَمَا تَقُولُهُ : الْمُرْجِئَةُ .
    أَوْ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَحْرُمُ عَلَى الْعَامَّةِ دُونَ الْخَاصَّةِ كَمَا يَقُولُهُ الْإِبَاحِيَّةُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعَقَائِدِ الَّتِي تُخْرِجُ عَنْ الْمِلَّةِ . وَإِمَّا الْغَفْلَةِ وَالذُّهُولِ عَنْ التَّحْرِيمِ وَعَظَمَةِ الرَّبِّ وَشِدَّةِ بَأْسِهِ .
    وَإِمَّا فَرْطِ الشَّهْوَةِ بِحَيْثُ يَقْهَرُ مُقْتَضَى الْإِيمَانِ وَيَمْنَعُهُ مُوجِبَهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ الِاعْتِقَادُ مَغْمُورًا مَقْهُورًا كَالْعَقْلِ فِي النَّائِمِ وَالسَّكْرَانِ وَكَالرُّوحِ فِي النَّائِمِ .
    وَمَعْلُومٌ أَنَّ " الْإِيمَانَ " الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ لَيْسَ بَاقِيًا كَمَا كَانَ ;
    إذْ لَيْسَ مُسْتَقِرًّا ظَاهِرًا فِي الْقَلْبِ وَاسْمُ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ
    إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى مَنْ يَكُونُ إيمَانُهُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ عَامِلًا عَمَلَهُ وَهُوَ يُشْبِهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ رُوحَ النَّائِمِ ;
    فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ : يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ; فَالنَّائِمُ مَيِّتٌ مِنْ وَجْهٍ حَيٌّ مِنْ وَجْهٍ
    وَكَذَلِكَ السَّكْرَانُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ عَاقِلٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَيْسَ بِعَاقِلِ مِنْ وَجْهٍ
    فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ : السَّكْرَانُ لَيْسَ بِعَاقِلِ فَإِذَا صَحَا عَادَ عَقْلُهُ إلَيْهِ كَانَ صَادِقًا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهِيمَةِ إذْ عَقْلُهُ مَسْتُورٌ وَعَقْلُ الْبَهِيمَةِ مَعْدُومٌ ; بَلْ الْغَضْبَانُ يَنْتَهِي بِهِ الْغَضَبُ إلَى حَالٍ يَعْزُبُ فِيهَا عَقْلُهُ وَرَأْيُهُ وَفِي الْأَثَرِ { إذَا أَرَادَ اللَّهُ نَفَاذَ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ سَلَبَ ذَوِي الْعُقُولِ عُقُولَهُمْ فَإِذَا أَنْفَذَ قَضَاءَهُ . وَقَدَرَهُ رَدَّ عَلَيْهِمْ عُقُولَهُمْ لِيَعْتَبِرُوا } فَالْعَقْلُ الَّذِي بِهِ يَكُونُ التَّكْلِيفُ لَمْ يُسْلَبْ وَإِنَّمَا سُلِبَ الْعَقْلُ الَّذِي بِهِ يَكُونُ صَلَاحُ الْأُمُورِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . كَذَلِكَ الزَّانِي وَالسَّارِقُ وَالشَّارِبُ وَالْمُنْتَهِبُ لَمْ يَعْدَمْ الْإِيمَانَ الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّ أَلَّا يُخَلَّدَ فِي النَّارِ وَبِهِ تُرْجَى لَهُ الشَّفَاعَةُ وَالْمَغْفِرَةُ وَبِهِ يَسْتَحِقُّ الْمُنَاكَحَةَ والموارثة
    لَكِنَّ عَدَمَ الْإِيمَانِ الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّ النَّجَاةَ مِنْ الْعَذَابِ وَيَسْتَحِقُّ بِهِ تَكْفِيرَ السَّيِّئَاتِ وَقَبُولَ الطَّاعَاتِ وَكَرَامَةَ اللَّهِ وَمَثُوبَتَهُ ; وَبِهِ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ مَحْمُودًا مَرْضِيًّا .
    وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ .
    مجموع فتاوى ابن تيمية »
    العقيدة »
    كتاب الإيمان »
    مسألة معنى حديث النبي إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان فوق رأسه

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •