أسباب تحصيل النعيم الأبدي






قال الله -تعالى- عن أهل الجنة: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (السجدة 17)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهم: «يُنادِي مُنادٍ: إنَّ لَكُمْ أنْ تَصِحُّوا فلا تَسْقَمُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَحْيَوْا فلا تَمُوتُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبَدًا، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَنْعَمُوا فلا تَبْأَسُوا أبَدًا، فَذلكَ قَوْلُهُ -عزَّ وجلَّ-: {وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(الأ عراف 43) (رواه مسلم).

وقال - صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ اللهَ -تَبارَكَ وتعالى- يقولُ لأهْلِ الجَنَّةِ: يا أهْلَ الجَنَّةِ، فيَقولونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيْكَ، فيَقولُ: هلْ رَضِيتُمْ؟ فيَقولونَ: وما لنا لا نَرْضَى وقدْ أعْطَيْتَنا ما لَمْ تُعْطِ أحَدًا مِن خَلْقِكَ؟ فيَقولُ: أنا أُعْطِيكُمْ أفْضَلَ مِن ذلكَ، قالوا: يا رَبِّ، وأَيُّ شَيءٍ أفْضَلُ مِن ذلكَ؟ فيَقولُ: أُحِلُّ علَيْكُم رِضْوانِي، فلا أسْخَطُ علَيْكُم بَعْدَهُ أبَدًا» (متفق عليه)، إن هذا الجزاءَ والمصير، لحريٌّ بكل عاقلٍ أن يحثَّ إليه ركبَ المسير، ويسترخصَ في سبيله كلَّ غالٍ وأثير، والنبي - صلى الله عليه وسلم-ما ترك خيرًا إلا دلنا عليه، وأعظم الخير هو جنة المأوى.


وصيةُ اللهِ الخالدةُ


سُئل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-عن أكثرِ ما يُدْخِلُ الناسَ الجنةَ؟ فقال: «تَقْوَى اللهِ، وحُسْنُ الخُلُقِ» (رواه الترمذي)، التقوى، وصيةُ اللهِ الخالدةُ للأوَّلينَ والآخِرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ} (النساء 131)، والتقوى هي أن تجعلَ بينك وبين ما تخافُ وقايةً، وأعظم ما يُخافُ هو الله، فمن خافه اتقاه، والله: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} (المدثر 56)، فهو أهلٌ أن يتقى ويعبدَ، لأنه الإلهُ الأوحد، الذي لا تنبغي العبادةُ إلا له، وأهلٌ أن يغفرَ لمن اتقاهُ واتبعَ رِضاه، فالتقوى هي امتثالُ أوامرِ الله، واجتنابُ ما نهى عنه الله -جل في علاه.
السبيل إلى جنةِ المأوى



والتقوى هي السبب الأول والسبيل إلى جنةِ المأوى، الجامعةِ لكل نعيم، إليها تنتهي الأماني، وفيها ترغب الإرادات، وإليها تأوي الرغبات، أعدها الله لعباده المتقين: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} (مريم 63)، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} (القمر 54-55)، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (المرسلات 41-43).
حسن الخلق



أما السببُ الثاني لدخول الجنة والنعيم الأبدي، فهو حسن الخلق، وقد أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بحسن الخلق مع الناس؛ حيث قال: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِــعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» (رواه الترمذي)، فعامل الناس كما تحب أن يعاملوك، وأَحِبَّ الخيرَ للغير، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (متفق عليه).
الحرص على حسن الخلق



وقد كان العلماءُ الأتقياء، والعقلاءُ النبلاء، أحرصَ ما يكونون على حُسنِ الخلق، بل يرونه مقدمًا على كثيرٍ من العلم، كما قال عبدُاللهِ بنُ المباركِ -رحمه الله وهو شيخُ شيوخِ البخاري ومسلم-: «نحن إلى قليلٍ من الأدبِ أحوجُ منا إلى كثيرٍ من العلم»، ذلك أن حسنَ الخلقِ يبلغُ بصاحبه الدرجاتِ العاليةَ بإذن الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» (رواه أبو داود)، وقال - صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ مِن خِيارِكم أحاسنُكم أخلاقًا» (متفق عليه)، وقال - صلى الله عليه وسلم-: «أَكْمَلُ الْـمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» (رواه الترمذي)، وقال: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَـكُمْ أَخْلَاقًا» (رواه الترمذي).
الفضيلة والأخلاقُ النبيلةُ



كلُّ ذلكَ كي تنتشرَ الفضيلة، والأخلاقُ النبيلةُ، وقدوتُنا في ذلك هو نبينا - صلى الله عليه وسلم-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} (الأحزاب 21)، فهو الذي شهد له اللهُ العظيم، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم 4)، فتأسوا به في عبادته وتقواه، وفي أخلاقِه العالية، وآدابِه الزاكية، من طلاقةِ الوجه، وصدقِ الحديث، وأداءِ الأمانة، والوفاءِ بالوعد، والكرمِ والإحسان، ومحبةِ الخير للآخرين، وارغبوا فيما عند الله، واسلُكوا سبيلَ رضاه، تنعموا في هذه الدنيا بسعادةِ القلبِ، وانشراحِ الصدر، والنعيمِ الأمدي، وتفوزوا في الآخرةِ بالجنة والنعيم الأبدي، بإذن الله -عز وجل.

واستعينوا على ذكر الله، وشكرِه وتقواه، بالدعاء، كما قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-لصاحبه مُعاذٍ -رضي الله عنه-: «يا معاذُ، إنِّي واللهِ لأُحِبُّك»، فقال معاذٌ: بأبي أنتَ وأُمِّي يا رسولَ اللهِ، وأنا واللهِ أُحِبُّك، فقال: «أوصيك يا معاذُ لا تدَعْ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ أنْ تقولَ: اللَّهمَّ أعِنِّي على ذِكرِك وشُكرِك وحُسنِ عبادتِك» (رواه ابنُ حِبان).




د.أحمد الجسار