كلمات في النقد
عبدالله بن عبده نعمان العواضي









قال أبو بكر بن دريد رحمه الله: نقد الشعر وترتيب الكلام، ووضعه مواضعه، وحسن الأخذ والاستعارة، ونفي المستكره والجاسي صنعة برأسها، ولا تراه إلا لمن صحت طباعهم، واتقدت قرائحهم، وتنبهت فطنهم، وراضوا الكلام، ورووا وميّزوا [1].



وقال أيضاً: قد يقول الشعر الجيد من ليس له معرفة بنقده، وقد يميزه من لا يقوله، وقد قيل لابن المقفع: لم لا تقول الشعر مع علمك به؟! قال: أنا كالمِسنِّ أشحذ ولا أقطع[2].



قيل لخلف الأحمر: إنك لا تزال ترد الشيء من الشعر وتقول: هو رديء والناس يستحسنونه!، فقال: إذا قال لك الصيرفي: إن هذا الدرهم زائف فليس بنافعك قول غيره: إنه جيّد[3].



قال عدي بن الرَّقاع:


وقصيدةٍ قد بت أجمع بينها

حتى أقوّم ميلها وسنادها



نظر المثقف في كعوب قناته

حتى يقيم ثقافه منآدها[4]



السناد في علم القافية هو: اختلاف ما يُراعى قبل الروي من الحروف والحركات.



قال جرير: وددت أني قلت بيتي مزاحم العقيل ولم أقل شيئاً من الشعر:


وددت على ما كان من سرف الهوى

وغر الأماني أن ما شئت أفعل



فترجع أيام تقضّت وعيشة

تولّت وهل يُثنى من الدهر أول[5]





كان النابغة الذبياني تضرب له قبة من أدم بسوق عكاض فتأتيه الشعراء تعرض عليه أشعارها، فأتاه حسان رضي الله عنه فأنشده:


لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى

وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دما



ولدنا بني العنقاء وابني محرّق

فأكرم بنا خالاً وأكرم بنا ابنما



فقال النابغة: أنت شاعر، ولكنك أقللت جفانك وسيوفك وفخرت بمن ولدتَ، ولم تفخر بمن ولدك[6].



أنشد المتنبي سيف الدولة قوله:


وقفتَ وما في الموت شكٌ لواقف

كأنك في جفن الردى وهو نائم



تمرّ بك الأبطال كلمى حزينة

ووجهك وضاح وثغرك باسم





فأنكر عليه سيف الدولة تطبيق عجزي البيتين على صدريهما وقال له: كان ينبغي أن تجعل عجز الثاني عجزاً للأول والعكس، وأنت في مثل هذا مثل امرئ القيس في قوله:


كأني لم أركب جواداً للذة

ولم أتبطن كاعباً ذات خلخال



ولم أسبأ الراحَ الكميت ولم أقل

لخيليَ كري كرة بعد إجفال





فقال أبو الطيب: إن صح أن الذي استدرك على امرئ القيس هذا أعلم منه بالشعر فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطأت أنا، ومولانا الأمير يعلم أن الثوب لا يعرفه البزّاز معرفة الحائك؛ لأن البزاز لا يعرف إلا جملته، والحائك يعرف جملته وتفصيله؛ لأنه أخرجه من الغزلية إلى الثوبية، وإنما قرن امرؤ القيس لذة النساء بلذة الركوب للصيد، وقرن السماحة في شراء الخمر للأضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء، وأنا لما ذكرت الموت في أول البيت أتبعته بذكر الروي لتجانسه، ولما كان وجه المنهزم لا يخلو من أن يكون عبوساً وعينه من أن تكون باكية قلت: ووجهك وضاح وثغرك باسم، لأجمع بين الأضداد في المعنى[7].



قال المنفلوطي رحمه الله: نظم الشعراء الشعر في عهد الجاهلية الأولى إلى اليوم فمات جميع ما نظموا ولم يبق منه إلا البيت الموسيقي الرّنَّان الذي لو لم يغنه مغنيه لغُني وحده، وسيموت شعر جميع الشعراء في هذا العصر ولا يبقى منه في المستقبل إلا كما بقي الماضي في الحاضر[8].



قال دعبل:

يموت رديء الشعر من قبل أهله ♦♦♦ وجيده يبقى وإن مات قائله[9]



أنشد حضري أعرابياً شعراً لنفسه وقال: تراني مطبوعاً؟ قال: نعم، على قلبك![10].

-------------------------------



[1] المصون (32).




[2] المصون (33).




[3] مختارات المنفلوطي (95).




[4] مختارات المنفلوطي (70).




[5] المصون (33).




[6] المصون (31).




[7] التذكرة الحمدونية (3/ 44).




[8] النظرات (336).




[9] التذكرة الحمدونية (2/ 142).




[10] التذكرة الحمدونية (3/ 210).