يخلق من الشبه أربعين (قصة)
عبدالعزيز لمين




توجَّهت "نفيعة" برفقة بعلها "الجيلالي" إلى منطقة الفيراري بمدينة الدار البيضاء؛ لاقتناء بعض اللوازم المنزلية، وبينما هي تتجاذب أطراف الحديث مع زوجها، إذ تلتفتْ إلى الخلف على إيقاع صوت يُنادي: نفيعة، نفيعة...

تبسَّمت في وجهه، وكأنها تعرفُه منذ حين، انتصب شعر "الجيلالي" وجحَظت عيناه، وذَهِل لما يجري أمامه إلى درجة اعتبر فيها المشهد مجردَ أضغاث أحلامٍ.

ركب المنادي سيارتَه مغادرًا المكان، سأل "الجيلالي" زوجَه بحَنَقٍ وامتعاضٍ، ومن حقِّه ذلك كأي رجلٍ غيورٍ على أهله:
هل تعرفين الرجل؟
لا أعرفه.
حماقة وسخافة هذه، تتبسَّمين في وجهه، وتَنفين معرفتَك به.
للإشارة، نفيعة هذه امرأةٌ مُلتزمة.

تُرى كيف سأعالج هذا المشكِل، يقول "الجيلالي":
يلزمني أن أعود إلى الدُّكان الذي كان يقتني منه المنادي أشياءَه، وأسأل ربَّه، علَّه يُمدُّني بمعلوماتٍ عنه.
من حسن حظ "الجيلالي" أن المنادي زبونٌ دائمٌ لصاحب الدُّكان.
هاتفَه البقَّال فحضر على وجه السرعة.

ما المشكل يا سعيدُ؟
التفت يَسْرة ليتسمر نظره في وجه "نفيعة الجيلالي" قائلًا:
ما خطبك يا نفيعة؟

تجيبه بصوت مبتور، وقد قُطِّبَ جبينها، وتهشَّم قمرُها، وعلَتِ الحُمرة مُحيَّاها من هول ما هي فيه:
عن أي نفيعة تتحدَّث يا رجل؟
ضحِك من سؤالها هذا، ظانًّا أنها تَمزَح معه.
أجِبْني، فلسنا الآن في مقام الضحك واللهو.

تُردف قائلةً:
إذا كنت تعرفني، فانعَتْ لي مكان إقامتي.

يجيب "نفيعة الجيلالي":
تقيمين بحي "الحاج فاتح" بطبيعة الحال.
ألَحَّ "الجيلالي" على المنادي أن يُريَه بيت نفيعة هذه.

أخذهم إلى المكان عينه، طرق الباب؛ فإذا المجيب نفيعة:
أهلًا "حسن"، من هؤلاء؟

لم يستطع حسن أن يَنبِسَ ببنت شَفةٍ؛ لأنه لم يُصدِّق ما هو فيه، فينظر تارةً إلى "نفيعة الجيلالي" وتارةً أخرى إلى نفيعة جاره "عبدالسلام"، قائلًا:
سبحان الله، يخلق من الشبه أربعين!
"النفيعتان" تتبادلان النظرات، وكأن الواحدة منهما مرآةٌ عاكسةٌ للأخرى، فتتقدَّم "نفيعة الجيلالي" لمعانقة "نفيعة عبدالسلام"، هامسةً في أُذنها: أنتِ شقيقتي منذ الآن، ويُصافح "الجيلالي" (حسن) معتذرًا إليه عما جرَى.