تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: العالم المجاهد محمد أمين الشنقيطي

  1. #1

    افتراضي العالم المجاهد محمد أمين الشنقيطي

    العالم المجاهد محمد أمين الشنقيطي





    لقد كان لعلماء شنقيط صولات وجولات في العلم لكن ربما لأن قطرهم بعيد جداً فقد سقطوا من ذاكرة الأمة، هذا وفيهم جهابذة كبار، وحالهم هذا يشبه حال أهل اليمن، وقد ذكر الشوكـاني أن علمـاء اليمن -على عظمتهم- قَلّ من يعرفهم في مصر والشام والعراق، وهذا لبعد بلادهم وعزلتهم فيها، فإن كان هذا حال اليمن فكيف يكون حال شنقيط إذن؟

    ولد الشيخ محمد في موريتانيا، ونشأ في طلب العلم وحفظ القرآن العظيم والمنظومات العلمية كما ينشأ طلاب العلم في بلده لكنه توسع في دراسة الأدب والشعر الذي كان سائداً في المنطقة آنذاك، ولما بلغ من العمر خمسة وعشرين عاماً أي في سنة 1318 ذهب إلى المغرب لطلب العلم ودار في مدنها: الصويرة ومراكش والدار البيضاء والرباط، ومنها كان ينوي الذهاب إلى فاس حاضرة العلم والعلماء في المغرب الأقصى لكنه أصيب بالجدري ثم شفاه الله منه في العام نفسه فتوجه إلى القاهرة، ووفد على بلديّه الشيخ المشهور العلامة محمد محمود التركزي الشنقيطي المعروف بابن التلاميد، فعني به وأخذه إلى مفتي الديار المصرية آنذاك الشيخ محمد عبده، فعُني به أيضاً وكتب له كتاباً إلى محافظ السويس ليركبه إلى جدة، فأدى العمرة في أواخر المحرم سنة 1319.

    ثم توجه إلى المدينة ليصاب بحمى ثقيلة لمدة سنتين لكنها لم تمنعه من التردد على العلماء ودروسهم، وبقي في الحجاز بين مكة والمدينة إلى سنة 1326/1908، وذلك لأنه قد بلغه استيلاء الفرنسيين على بلاده فلم يشأ أن يبقى تحت العبودية، ثم سافر إلى الهند، ثم إلى عُمان فالبحرين، ثم الإحساء وقرأ هناك على شيخها عيسى بن عكاس.


    وفي صفر سنة 1327/1909 جاءته رسالة من أحد مشايخه يطلب منه أن يتوجه إلى الزبير في العراق ليدرس في مدرسة بناها مزعل باشا السعدون فلم يجد بداً من الذهاب، فلما وصل الزبير وجد أن مزعل باشا قد مات، وقد عين أوصياؤه رجلاً مغربياً مدرساً في المدرسة فهمّ بالرجوع فطلب إليه بعض الطلبة أن يعقد لهم دروساً ففعل فأعجب به كل من سمعه حتى أنهم رجوه أن يبقى بينهم فاستجاب لهم وبقي بينهم ورأوا أن يقيدوه فزوجوه فتاة يتيمة فكانت أمَّ أولاده السبعة.

    وقام في البصرة يعظ بأسلوب قوي وجريء يحارب فيه الأوهام والبدع والخرافات، وينعى على العلماء جمودهم وتقصيرهم، وعلى الدولة العثمانية تعطيلها للحدود الروادع وإقرارها للفواحش -وهذا والله أعلم لأنه كان يدير الدولة العثمانية آنذاك جمعية الاتحاد والترقي الماسونية- وكل هذا أثار عليه بعض المشايخ الذين حسدوه ورفعوا إلى مدير الناحية أمره وأنه يجب إبعاده لأنه يحرض العوام على الدولة العثمانية ويقلل من شأنها وهيبتها في النفوس؛ لكن كان المدير عاقلاً عالماً بسبب الحملة هذه على الشيخ فذهب إلى الشيخ محمد بن عوجان إمام مسجد الباطن وكان تقياً ورعاً فسأله عن الشيخ الشنقيطي فأثنى عليه وبين أنه لا يقصد في وعظه إلا الخير، وأنه قد حصل به خير كثير لأهالي الزبير فاقتنع مدير الناحية وكف عنه.

    وبقي الشنقيطي يدعو إلى الله تعالى ويجتهد في نشر الخير إلى سنة 1331/1913 حيث دُعي إلى الكويت ليشارك في الجمعية الخيرية التي أنشأها مجموعة من أهل الكويت وكان الغرض منها إعداد طلاب العلم في البلاد العربية المتفوقة علمياً آنذاك مثل القاهرة ودمشق وبيروت، والإنفاق عليهم حتى يعودوا، ولها أغراض خيرية متنوعة، وقد أسهمت هذه الجمعية في تحريك المجتمع الكويتي آنذاك ودفعه إلى نهضة فكرية وعلمية وأدبية فقد دعت إلى الكويت مشايخ كثيرين كرشيد رضا وحافظ وهبة ومصطفى لطفي المنفلوطي وعبد العزيز الثعالبي التونسي وغيرهم، وظل الشيخ الشنقيطي في الكويت يعظ ويدرس إلى أن أصبحت الحرب العالمية الأولى على الأبواب، وكان الحاكم في الكويت آنذاك الشيخ مبارك الذي كان قد عقد اتفاقية مع الإنكليز سنة 1899 فخشي من الجمعية فأغلقها، وكاد الشيخ الشنقيطي أن يعتقل إثر أحداث جرت هناك حيث تخوف مبارك منه ومن مناصرته الدولة العثمانية فهرب إلى الزبير تاركاً زوجه وأولاده ست سنوات!!

    ولما وصل البصرة راح يدعو للجهاد في سبيل الله ضد الإنجليز الكفرة، ولم يكتف بهذا بل شارك في القتال بنفسه في معركة الشعيبة، وهي قرية تبعد عن البصرة عشرة أميال وعن الزبير ميلين، وقصة هذه المعركة كالتالي:

    وردت برقية من البصرة لمختلف المدن العراقية جاء فيها: ثغر البصرة الكفار محيطون به، الجميع تحت السلاح، نخشى على باقي بلاد الإسلام، ساعدونا بأمر العشائر بالدفاع" وتليت البرقية على الناس، وصار الوعاظ والخطباء يلهبون الحماس ويثيرون المشاعر الدينية وأن الإنكليز إذا احتلوا العراق فإنهم سيهدمون المساجد، ويحرقون القرآن، وينتهكون حرمات النساء، وساد العراق كله حركة جهادية جليلة خاصة عندما أفتى شيخ الإسلام في الدولة العثمانية آنذاك خيري أفندي أن الجهاد قد أصبح فرض عين على جميع المسلمين، والتحم المسلمون بالإنجليز في الشعيبة ثلاثة أيام أظهر فيها المسلمون شجاعة هائلة وحماساً عظيماً، وكان الهنود المسلمون جنوداً في الجيش البريطاني!! فأثرت فيهم دعوات الجهاد فكان الإنجليز ينخزونهم بالسيوف والحراب ليخرجوهم لقتال المسلمين، وانتهت المعركة بانتصار الإنجليز المتفوقين عسكرياً.

    ومن ثم انتقل الشنقيطي إلى بغداد لمدة أربعة أشهر ومنها إلى حائل التي مكث فيها قليلاً يدرس ثم توجه إلى عنيـزة واجتمع بالملك عبد العزيز هناك، واستضافه آل البسام مدة كتب فيها مذكراته.

    ثم إن الشيخ أحمد الجابر الكويتي أراد الحج فعرّج على عنيـزة واقترح على الشيخ الشنقيطي أن يرافقه إلى الحج، فوافق الشيخ وأكرم الشريف حسين مثواهما في مكة، ثم عاد إلى عنيـزة وبقي فيها سنتين يدرس ويعظ، ثم لما مات مبارك الكبير عاد إلى الكويت ليرى أسرته التي تركها ست سنوات!! والتقى بأمير الكويت الشيخ سالم الذي أساء استقبالهم إلى حد غريب فطرده من البلد وأمهله ثلاثة أيام للخروج منها، وربما كان ذلك بسبب ما جرى بين مبارك الكبير والشنقيطي، والله أعلم.

    وتوجه الشيخ إلى الزبير ثم لحقت به أسرته بعد ذلك، وأخذ في وعظ الناس وإرشادهم، ودعاهم إلى إنشاء المدارس فاستجاب له نفر من الزبيريين وأنشأوا جمعية النجاة سنة 1339/1920، ومدرسة النجاة سنة 1342/1923، وقد تفوقت هذه المدرسة على مثيلاتها، وصار لها أثر جليل، وبلغ عدد طلابها سنة 1366/1947 أربعة آلاف طالب منذ تأسيسها.

    ولما تأسست المدرسة سأله أحد وجهاء العراق عن رأيه في افتتاح مدرسة للبنات فبين الشيخ أهمية هذا الأمر، لكن الحسدة لم يرضوا إلا أن يؤذوه بهذه الفتوى فهيجوا عليه العامة بدعوى أنه يريد شيوع الاختلاط بين الرجال والنساء، وفاجأه أحد العوام بعد العشاء فضربه بعصا ضرباً مبرحاً، لكن أنقذه بعض الحاضرين، وأخذ الرجل للسجن، وانتشر الخبر في العراق والكويت والخليج، ووردت البرقيات المنددة بهذا الصنيع الآثم، ولما خرج الرجل المعتدي من السجن جفاه الناس وعضّه الجوع بنابه حتى جاء باكياً إلى الشيخ تائباً معتذراً فواساه الشيخ بطعام من حانوت يتعامل معه، وكان الشيخ بهذا مطبقاً لقوله تعالى: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس}.

    ولما صار الشيخ أحمد الجابر أميراً للكويت -وكان صديقاً للشنقيطي- جاءته دعوة من النادي الأدبي في الكويت سنة 1343/1924 فلباها مسروراً واستقبل استقبالاً حافلاً وأقيمت له حفلة تكريمية رائعة، أنسته ما لاقاه زمان مبارك وسالم من قبل، وعاش أياماً سعيدة في الكويت.

    ثم إنه عاد إلى الزبير ليشرف على المدرسة التي أسسها هو وثلة من وجهاء الزبير، وكان يعمل كل ما في وسعه من أجل إنجاح مقاصد المدرسة ورعاية طلابها وجلب التبرعات لها من المحسنين في العراق والكويت، وسار على هذه السيرة حتى صار خريجو المدرسة منتشرين في الزبير والبصرة والكويت وبغداد وغيرها وصار منهم الأطباء والمحامون، والعسكريون والمربون، والشعراء والوعاظ والمعلمون، وثبت الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى على عطائه وبذله حتى لقي الله تعالى سنة 1351/1932، ودفن في مقبرة الحسن البصري رحمه الله تعالى.

    تلك كانت حياة هذا الشيخ الذي جمع بين أعمال كثيرة جليلة: تعليم العلم الشرعي، الدعوة إلى الله تعالى، الجهاد في سبيل الله تعالى، التوعية في زمن الجهل، الوقوف في وجه الظلمة، مقارعة الاستخراب البريطاني، وغير ذلك من أعمال جليلة تحمّل في سبيلها الغربة عن وطنه، والبعد عن أهله، وشظف العيش وشدته، وتجهم الأقارب والأباعد، والازدراء والاستخفاف، وكل ذلك في زمن الخوف والاضطراب أيام الحرب العالمية الأولى وانتشار الفوضى في كل مكان، فرضي بما هنالك، وثبت ثباتاً عجيباً حتى أتاه اليقين، وهذا هو المرجو من ورثة سيد المرسلين وإمام المتقين، وذلك هو الطريق الذي لا مناص منه ولا محيد عنه، فرحمه الله رحمة واسعة، ورفع درجته في عليين.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    المشاركات
    602

    افتراضي رد: العالم المجاهد محمد أمين الشنقيطي

    رحمه الله تعالى
    ذكر محقق كتاب مذكرات قاسم الرجب ان للشيخ الشنقيطي سيرة مفردة لعبداللطيف الدليشي بعنوان من اعلام الفكر الاسلامي في البصرة ..
    اللهم اسلل سخيمة قلبي

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    رحمه الله رحمة واسعة
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,371

    افتراضي

    ترجمة الإمام محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله
    عبدالرحمن بن محمد بن علي الهرفي
    الداعية بمركز الدعوة بالمنطقة الشرقية
    لا توجد آية في كتاب الله إلا درستها على حده
    محمد الأمين الشنقيطي
    ملئ علما من رأسه إلى أخمص قدميه
    آية في العلم والقرآن واللغة وأشعار العرب
    الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
    جزى الله عنا الشيخ محمد الأمين خيرا على بيانه هذا فالجاهل عرف العقيدة والعالم عرف الطريقة والأسلوب
    الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ
    من خيرة العلماء علما وورعا وزهدا
    وكان علْم الشيخ الشنقيطي غزير جدا خاصة في الأصول والمنطق والتفسير والتأريخ واللغة والأدب وكان منقطع النظير في هذه ويجمع لها غيرها .
    الشيخ العلامة حمود العقلا
    يذكرني بشدة حفظه واستحضاره للنصوص بشيخ الإسلام ابن تيمية
    الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
    لو كان في هذا الزمان أحد يستحق أن يسمى شيخ الإسلام لكان الشيخ محمد الأمين
    معالي الشيخ بكر أبو بكر
    ترجمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي [1]
    اسمه ونسبه :
    الإمام العلامة المفسر محمد الأمين بن محمد المختار بن عبدالقادر بن محمد بن أحمد نوح بن محمد ابن سيدي أحمد بن المختار الشنقيطي واسمه الصحيح آب ، وهو من قبيلة حمير العربية .
    ولقبه : آبا ، بمد الهمزة وتشديد الباء من الإباء
    ولادته ونشأته :
    ولد رحمه الله ـ عام 1325هـ ونشأ يتيما فقد توفي والده وهو صغير وترك له ثروة من الحيوان والمال .
    طلبه للعلم :
    حفظ القران وهو دون العاشره من عمره ، درس خلال حفظه للقران بعض المختصرات في فقه الامام مالك كرجز الشيخ ابن عاشر ودرس خلالها الأدب والنحو ، والسيره على زوجة خاله قال الشيخ ـ رحمه الله ـ : أخذت عنها مبادئ النحو ودروس واسعة في أنساب العرب وأيامهم ونظم الغزوات لأحمد البدوي الشنقيطي وغيرها .
    ثم درس بقية العلوم على جمع من العلماء منهم الشيخ محمد بن صالح المشهور والشيخ محمد الأفرم والشيخ أحمد عمر والشيخ محمد زيدان والشيخ محمد النعمه
    والشيخ أحمد بن مود وغيرهم فقد أخذ عنهم النحو الصرف والاصول والبلاغه والتفسير والحديث أما المنطق وآداب البحث والمناظره فيقول أنه حصله بالمطالعه
    قال الشيخ رحمه الله ـ : لما حفظت القرآن وأخذت الرسم العثماني وتفوقت فيه على الأقران عنيت بي واالدتي وأخوالي أشد عناية وعزموا على توجيهي للدراسة في بقية الفنون فجهزتني والدتي بجملين أحدهما عليه مركبي وكتبي والآخر عليه نفقتي وزادي وصحبني خادم ومعه بقرات وقد هيئت لي مركبي كأحسن ما يكزن المركب وملابس كأحسن ما تكون فرحا بي وترغيبا لي في طلب العلم . [2]
    همته في طلب العلم :
    وطلب العلم حتى بز فيه الأقران ، ولما طلب منه بعض أقرناءه الزواج قال ـ رحمه الله ـ في جوابهم :
    دعاني الناصحون إلى النكاح *** غداة تزوَّجتْ بيض الملاحِ
    فقالوا لي تزوج ذات دلٍّ *** خلوب اللحظ جائلة الوشاحِ
    تبسم عن نوشرة رقاق *** يمج الراح بالماء القراح
    كأن لحظها رشقات نبل *** تذيق القلب آلام الجراح
    ولا عجب إذا كانت لحاظ *** لبيضاء المحاجر كالرماح
    فكم قتلت كميًّ إذا دلاصٍ*** ضعيفاتُ الجفونِ بلا سلاحِ
    فقلت لهم دعوني إن قلبي *** من العي الصراح اليوم صاحي
    ولي شغل بأبكار العذارى *** كأن وجوهها ضوء الصباح
    أراها في المهارق لابسات *** براقع من معانيها الصحاح
    أبيت مفكرا فيها فتضحي *** لفهم القدم خافضة الجناح
    أبحت حريمها جبرا عليها *** وما كان الحريم بمستباح
    قال الشيخ عطية حدثني الشيخ ـ رحمه الله ـ فقال : جئت للشيخ في قراءتي عليه فشرح لي كما كان يشرح ولكنه لم يشف ما في نفسي على ما تعودت ولم يرولي ظمئي [3] ، وقمت من عنده وأنا أجدني في حاجة إلى إزالة بعض اللبس وإيضاح بعض المشاكل وكان الوقت ظهرا فأخذت الكتب والمراجع فطالعت حتى العصر فلم أفرغ حتى المغرب فأوقد لي خادمي النار وكنت أشرب الشاهي الأخضر كلما كسلت حتى انبثق الفجر وأنا في مجلسي لم أقم إلا لصلاة أو تناول طعام حتى فرغت من درسي وزال اللبس عني .
    وبرز في الشعر ومما قاله ـ رحمه الله ـ :
    أنقذت من داء الهوى بعلاج *** شيب يزين مفارقي كالتاج
    قد صدني حلم الأكابر عن لمى [4] *** شفة الفتاة الطفلة المغناج
    ماء الشبيبة زارع في صدرها *** رمانتي روض كحق العاج
    وكأنها قد أدرجت في برقع *** يا ويلتاه بها شعاع سراج
    وكأنما شمس الأصيل مذابة *** تنساب فوق جبينها الوهاج
    يعلي لموقع جبينها في خدرها *** فوق الحشية ناعم الديباج
    لم يبك عيني بين حي جيرة *** شدوا المطي بأنسع الأحداج
    نادت بأنغام اللحون حداتهم *** فتزيلوا والليل أليل داج
    لا تصطبيني عاتق في دلِّها *** رقت فراقت في رقاق زجاج
    غضوبة منها بنان مديرها *** إذ لم تكن مقتولة بمزاج
    طابت نفوس الشرب حيث أدارها *** َشأٌ رمى بلحاظ طرف ساج
    أو ذات عود أنطقت أوتارها *** بلحزون قول للقلوب شواجي
    فتخال رنات المثاني أحرفا *** قد رددت في الحلق من مهتاج
    قال الشيخ عطية ـ رحمه الله ـ سألت الشيخ عن تركه الشعر مع قدرته عليه وإجادته فقال ـ رحمه الله ـ : لم أره من صفات الأفاضل وخشيت أن أشتهر به ،... والشعر أكذبه أعذبه فلم أكثر من .
    وكان الشيخ ـ رحمه الله ـ يتورع عن الفتوى إلا في شيء فيه نص من كتاب أو سنة ، قال ابنه الشيخ عبدالله : جاءه وفد من الكويت في أواخر حياته فسألوه في مسائل فقال أجيبكم بكتاب الله ، ثم جلس مستوفزا وقال : الله أعلم ، "ولا تقف ما ليس لك به علم " لا أعلم فيها عن الله ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا ، وكلام الناس لا أضعه في ذمتي فلما ألحوا عليه قال : فلان قال كذا وفلان قال كذا ، وأنا لا أقول شيئا .
    قال الشيخ عطية وسألته عن تركه للفتوى فقال : يجب التحفظ فيما ليس فيه نص قاطع من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويتمثل بقول الشاعر :
    إذا ما قتلت الشيء علمافقل به *** ولا تقل الشيء الذي أنت جاهله
    فمن كان يهوى أن يرى متصدرا *** ويكره لا أدري أصيبت مقاتله
    أعماله في بلاده :
    من بين أعماله التي تولاها في بلاده التدريس والفتيا ولكنه اشتهر بالقضاء وبالفراسة فيه ورغم وجود الحاكم الفرنسي إلا أن المواطنين كانوا عظيمي الثقة فيه فيأتونه للقضاء بينهم من أماكن بعيده . وكان يقضي في كل شيء إلا الدماء والحدود وكان لها قاض خاص .
    خروجه من بلاده :
    خرج من بلاده لأداء فريضة الحج برا بنية العودة فقد كان في بلاده يسمع عن الوهابية وكان من فضل الله ومنته علينا وعليه أن قدم الحج ونزل بدون علمه بجوار خيمة الأمير خالد السديري دون أن يعرف أحدهما الآخر وكان الأمير خالد يبحث مع جلسائه بيتا في الأدب ـ وهو ذواقة أديب ـ إلى أن سألوا الشيخ فوجدوا بحرا لا ساحل له ، فكانت تلك الجلسة بداية منطلق لفكرة جديدة فأوصاه الأمير إن قدم المدينة أن يلتقي بالشيخ عبدالله بن زاحم وعبدالعزيز بن صالح ، وفي المدينة التقى بهما وتباحث معهما ما سمع عن الوهابية وكان صريحا فيما عرض عليهما مما سمع عن البلاد فدارت بينهم جلسات ، وكان أكثرهما مباحثة معه فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن صالح ، حتى اقتنع الشيخ بأن منهج المجدد الإمام محمد بن عبدالوهاب منهج ذو سلف وأنه منهج سليم العقيدة يعتمد الكتاب والسنة وعليه سلف الأمة ثم رغب في البقاء في المسجد النبوي لتدريس التفسير . ودرس عليه الشيخ عبدالعزيز بن صالح الصرف .
    اختير للتدريس في المعهد العلمي بالرياض عند افتتاحه فكان يدرس في الرياض ويقضي إجازته في التدريس بالمسجد النبوي ، ثم كان له دور في تأسيس الجامعة الإسلامية في المدينة ، ثم عين كأحد أعضاء هيئة كبار العلماء عند بداية تشكيلها وكان عضوا في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي .
    تلاميذه :
    لا يحصيهم إلا الله جل وعلا حيث طال تدريسه في المعهد العلمي ومن ثم في كلية الشريعة ثم في المسجد النبوي ولكن نذكر أكابر من درس عنده فمنهم :
    1. سماحة الإمام عبدالعزيز ابن باز ـ رحمه الله ـ: درس على الشيخ ، شرح سلم الأخضري في المنطق ، وكان يحضر حلقة الشيخ في الحرم النبوي .
    2. الشيخ حماد الأنصاري ـ رحمه الله ـ: سأله في مسائل في التفسير والمنطق ، ولازم دروسه في التفسير في الحرم النبوي .
    3. معالي الشيخ صالح اللحيدان : درس عليه في كلية الشريعة .
    4. الشيخ حمود العقلا الشعيبي ـ رحمه الله ـ : درس عليه في الكلية وفي البيت ، كما سيأتي .
    5. الشيخ عبدالله الغديان : درس عليه في كلية الشريعة .
    6. الشيخ العلامة محمد الصالح العثيمين ـ رحمه الله ـ : درس عليه في كلية الشريعة .
    7. معالي الشيخ عبدالمحسن العباد : درس عليه في كلية الشريعة .
    8. معالي الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد : لازمه عشر سنين ، وأخذ عنه المنطق والأنساب والتفسير .
    9. معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان : حدثني بذلك ـ وفقه الله لكل خير ـ درس عليه في كلية الشريعة [5] .
    10. الشيخ العلامة عبدالعزيز القارئ : لازمه حوالي ثمان سنين ، و درس عليه في الجامعة الإسلامية .
    11. الدكتور عبدالله قادري : درس عليه في كلية الشريعة .
    12. ابنه الأستاذ الدكتور عبدالله .
    13. ابنه الأستاذ الدكتور المختار .
    14. عدد كبير من الشناقطة منهم الشيخ أحمد بن أحمد الشنقيطي والدكتور محمد ولد سيدي الحبيب والدكتور محمد الخضر بن الناجي بن ضيف الله .
    وغيرهم كثير .
    تراث الشيخ ـ رحمه الله ـ :
    * مؤلفاته :
    نسب بني عدنان نظم يقول في مطلعه :
    سميته بخالص الجمان *** في ذكر أنساب بني عدنان
    1. كأن ألفه في شبابه ثم دفنه لأنه يقول : إنما ألفته للتفوق به على الأقران فدفنته لأن تلك كانت نيتي ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصححت النية ولم أدفنه [6] .
    2. رجز في البيوع على مذهب الإمام مالك ومطلعها :
    الحمد لله الذي قد ندبا *** لأن تميز البيع عن لبس الربا
    ومن بالمؤلفين كتباً *** تترك أطواد الجهالة هبا
    تكشف عن عين الجواد الحجبا *** إذا حجاب دون علم ضربا
    3. ألفيته في المنطق ومطلعها :
    حمدا لمن أظهر للعقول *** حقائق المنقول والمعقول
    وكشف الرين عن الأذهان *** بواضح الدليل والبرهان
    4. نظم في الفرائض ، مطلعها :
    تركة الميت بعد الخامس *** من خمسة محصورة عن سادس
    وحصرها في الخمسة استقراء *** وانبذ لحصر العقل بالعراء
    5. منع جواز المجاز على المنزل للتعبد والإعجاز .
    6. دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب .
    7. مذكرة في الأصول على روضة الناظر .
    8. أدب البحث والمناظرة .
    9. أضواء البيان .
    10. الرحلة إلى أفريقيا ـ بعناية الدكتور خالد السبت ـ وفقه الله لكل خير


    * ما فرغ من الأشرطة وجمع من غيرها [7]:
    1. العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير ـ تحقيق الدكتور خالد السبت [8] .
    2. آيات الصفات .
    3. حكمة التشريع .
    4. المثل العليا .
    5. المصالح المرسلة .
    6. حول شبهة الرقيق .
    7. اليوم أكملت لكم دينكم .
    قال لي شيخنا الشيخ حمود ـ رحمه الله ـ : درست على الشيخ في الكليّة وفي البيت وأما في البيت فكانت لي دراسة يومية معه في الأصول والمنطق وكانت في المنطق سلّم الأخضري وشرحه وفي الأصول روضة الناظر ، وأتممتها على الشيخ ـ رحمه الله ـ وكانت دراستي لها دراسة جيدة ، وكانت الدراسة لوحدي بعد المغرب ، وأذكر أنني لما تخرجت من الكلية عينت قاضيا في وادي الدواسر فذهب الشيخ الشنقيطي للشيخ محمد بن إبراهيم وقال له : هذا لا يمكن أن يعين في القضاء بل في التدريس لما يظهر منه من أهلية لهذا وبروز في التدريس ، والشيخ محمد بن إبراهيم إذا عين أحد في القضاء لا يمكن أن يتراجع أبدا مهما حصل ، ولكنه كان يجل الشيخ الشنقيطي ويحترمه جدا . وكان علْم الشيخ الشنقيطي غزيرا جدا خاصة في الأصول والمنطق والتفسير والتأريخ واللغة والأدب وكان منقطع النظير في هذه ويجمع لها غيرها .


    فسالته ـ رحمه الله ـ ولماذا هذه العناية بالدراسة على الشيخ الشنقيطي بالذات ؟
    فقال لي : الشيخ محمد هو شيخي وإمامي في كل شيئ ، وكان من خيرة العلماء علما وورعا وزهدا ـ رحمه الله وغفر له ـ وكان يعاملني مثل أولادة ويعتبرني ولدا له .


    وسألت الشيخ حمود عن كلام بعض الناس أن الشيخ محمد الأمين ـ رحمه الله ـ عندما جاء للحج لم يكن على عقيدة أهل السنة فهل هذا صحيح ؟
    فقال الشيخ ـ رحمه الله ـ كلا لم يكن الشيخ الأمين على خلاف مذهب أهل السنة بل كان من المتحمسين لمذهب السلف وعقيدة أهل السنة .
    وفاته ـ رحمه الله ـ :
    توفي في ضحي يوم الخميس 17/12/1393هـ . وصلى عليه سماحة الإمام عبدالعزيز ابن باز ـ رحمه الله ـ في الحرم المكي .
    قال الشيخ أحمد بن أحمد الشنقيطي ـ وهو غاسل الشيخ ـ : ( من الغريب أن أحد أقاربه حاجا معه في سيارته فرأى ليلة جَمَعْ أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ توفي وأنه جاءه فوجده مسجى عليه ثوب ، فرفع الثوب ، فوجد أن الميت نبي ولكنه ليس محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقبله في جبينه فلما حكى الرؤيا على الشيخ ، سأله : وما يدريك أنه ليس بمحمد ؟ قال : لم تتوفر فيه الصفات الثابتة بالسنة التي نعرفها ، فتكدر وجه الشيخ . فقال الرجل : أظنه أضغاث أحلام . فقال الشيخ : لا ، بل هي رؤيا ، ولكن يقضي الله خيرا )
    مراثيه :
    قيل في الشيخ مراث كثيرة منها ما رثاه به الشيخ محمد بن مدين الشنقيطي وفيها قال :
    الله أكبر مات العلم والورع *** يا ليت ما قد مضى من ذاك يرتجع
    يبكي الكتاب كتاب الله غيبته *** كذا المدارس والآداب والجمع
    مفسرُ الذكر الحكيم وما *** من الحديث إلى المختار يرتفع
    أخلاقه الشهد ممزوجا بماء صفا *** وما يغير طبعا زانه طبع
    فهو الإمام الذي من غيره تبع *** له وهل يستوي المتبوع والتبع
    إلى أن قال :
    حدث بما شئت من حلم ومن كرم *** وانشر مآثره فالباب متَّسع
    --------------------------------
    [1] كتب ترجمة للشيخ : ترجمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي د.عبدالرحمن السديس ، أضواء البيان الشيخ عطية سالم 10 / 28 ، علماء ومفكرون عرفتهم محمد المجذوب 1/171 ، علماؤنا 20 .
    [2] أضواء البيان ـ ترجمة الشيخ : 10/28
    [3] قال الشيخ عبدالرحمن السديس المسألة هي : قول خليل في باب النكاح : ( في عشرة ندبه ولو بيع سلطان لفلس ) .
    [4] معنى اللمي سمرة الشفتين واللثات يستحسن ، ومما قيل في معنى اللمى : يضحكن عن مثلوجةِ الأثلاج ** فيها لمى من لعسة الأدعاج وهو اسم ابنتي الكبرى ـ حفظها الله وزينها بالإيمان والعمل الصالح ـ .
    [5] راجع كتاب مسائل في الإيمان لمعالي الشيخ صالح الفوزان بعنايتي .
    [6] طبقات النسابين ـ بكر أبو زيد ـ مؤسسة الرسالة ـ 298 ـ برقم : 656 .قال الشيخ بكر : كان الشيخ يقول لي : إن هذا العلم لم يتلقه عني في جزيرة العرب إلا أنت .
    [7] ويجمع معالي الشيخ بكر أبو زيد مجموعة من آثار الشيخ منها فتوي في السعي في الدور الثاني ، والصلاة في الطائرة ، ومنظومة في الفقه .
    [8] جمعه الدكتور خالد ـ وفقه الله ـ من أشرطة سجلت للشيخ في المسجد النبوي ، وسيخرج قريبا بإذن الله تعالى .
    [9] ترجمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ــ الشيخ عبدالرحمن السديس ـ 179 .
    [10] السابق 186 .
    http://www.saaid.net/Doat/alharfi/04.htm
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2017
    المشاركات
    2

    Lightbulb الكلم الطيب

    رحم الله العلاَّمة محمد الأمين الشنقيطيُّ

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •