تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: أفعال الله تعالى لا تقاس بأفعال عباده

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي أفعال الله تعالى لا تقاس بأفعال عباده

    السؤال

    نعلم أن الله سبحانه وتعالى عدل، وهو سبحانه وتعالى خلق الحيوان وهو غير مكلف، و بالتالي فلماذا يترك الله سبحانه و تعالى وهو العادل مخلوقا غير مكلف يعذب على أيدي بني آدم، ألا يقتضي العدل أن لا يتعرض مخلوق غير مكلف لأي نوع من العذاب أبدا؟


    الإجابــة

    هذا المأخذ إنما يصح لو كان تسليط الله تعالى لبني آدم على البهائم من باب العقوبة لها، وليس الأمر كذلك، بل هو في الأصل ابتلاء شرعي لبني آدم أنفسهم، حيث أمروا بالإحسان إليها حتى في القتل والذبح، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته. رواه مسلم.

    فمن ذنوب بني آدم التي يحاسبون ويعاقبون عليها يوم القيامة: إيلام أو إتلاف الحيوان بغير حق، وقد ثبت في ذلك نصوص كثيرة، من أشهرها قول النبي صلى الله عليه وسلم: عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار؛ لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. متفق عليه. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: من قتل عصفورا في غير شيء إلا بحقه سأله الله عز وجل عنه يوم القيامة. رواه أحمد والنسائي، وحسنه الألباني. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو غفر لكم ما تأتون إلى البهائم لغفر لكم كثيرا. رواه أحمد.وحسنه الألباني، وجوده المناوي في (التيسير) وقال: أي ما تفعلون بها من الضرب وتكليفها فوق طاقتها من الحمل والركوب. اهـ.
    فلا بد من التنبه إلى أن إقامة العدل المطلق لا يكون في الدنيا، وإنما يكون في الآخرة، كما قال تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ {الأنبياء:47}
    وقال عز وجل: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ {إبراهيم 42}
    ومن هذا الباب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء. رواه مسلم.
    قال القاري في (مرقاة المفاتيح): القضية دالة.. على كمال العدالة بين كافة المكلفين؛ فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف والقوي والضعيف اهـ.
    ثم إننا ننبه الأخ السائل على أن قياس أفعال الله تعالى على أفعال البشر من أفسد القياس وأشنعه، فلا يمكن للإنسان أن يحيط علما بحكمة الله تعالى في خلقه وأمره، وقضائه وقدره، مهما أوتي من الفطنة والذكاء والعلم والفهم.
    قال ابن القيم في (مفتاح دار السعادة): مذهب أهل السنة والجماعة أن أفعال الله تعالى لا تقاس بأفعال عباده، ولا تدخل تحت شرائع عقولهم القاصرة، بل أفعاله لا تشبه أفعال خلقه، ولا صفاته صفاتهم، ولا ذاته ذواتهم، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير اهـ.
    وقال الكرمي في (رفع الشبهة والغرر): تعليل أفعال الله كلها الجارية في المكلفين وغيرهم مما لا سبيل إلى معرفته والوقوف على سر حقيقته، وفي مثل هذا المقام تخبطت الأفهام، فقالت طائفة: إن البهائم والأطفال لا تتألم ولا تحس بالألم. وهذا جحد للضرورة ومكابرة في المحسوس. وقالت طائفة: إن ذلك لا يصدر إلا من فاعل الشر. وقالت طائفة من غلاة الرافضة بالتزام التناسخ وقالوا: إنما حسن ذلك لاستحقاقهم ذلك بجرائم سابقة اقترفوها في غير هذه القوالب فنقلت أرواحهم إلى هذه القوالب عقوبة لهم. وموجب هذا التخليط تعلق أمل هؤلاء بمعرفة حقيقة أسرار أفعال الله تعالى في المكلفين وغيرهم، وهذا مما لا سبيل إلى معرفته، ويكفي معرفة الحكمة والتعليل في ثواب وعقاب المكلفين وهو المراد، وإلا فمن المحال معرفة أسرار أفعاله كلها لأن الرب تعالى لا يمثل بالخلق لا في ذاته ولا صفاته ولا في أفعاله، بل له المثل الأعلى، فما ثبت لغيره من الكمال فهو أحق به، وما تنزه عنه من النقص فهو أحق بتنزيهه عنه سبحانه، وليس كل ما كان ظلما من العبد يكون ظلما من الرب، ولا ما كان قبيحا من العبد يكون قبيحا من الرب؛ فإنه سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، لكن القدرية شبهت في الأفعال فقاسوا أفعال الله على أفعال خلقه وهو أفسد القياس اهـ.
    وقد ترتب على تضييع هذا الأصل اختلاف شديد بين المتكلمين في هذه المسألة محل السؤال، فأطالوا فيها النفس وحاروا وتماروا.
    قال الرازي عند تفسير قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأنْعَامِ} قال: المسألة الثانية: قالت الثنوية: ذبح الحيوانات إيلام، والإيلام قبيح، والقبيح لا يرضى به الإله الرحيم الحكيم، فيمتنع أن يكون الذبح حلالاً مباحاً بحكم الله. قالوا: والذي يحقق ذلك أن هذه الحيوانات ليس لها قدرة عن الدفع عن أنفسها، ولا لها لسان تحتج على من قصد إيلامها، والإيلام قبيح إلا أن إيلام من بلغ في العجز والحيرة إلى هذا الحد أقبح. واعلم أن فرق المسلمين افترقوا فرقاً كثيرة بسبب هذه الشبهة، فقالت المكرمية: لا نسلم أن هذه الحيوانات تتألم عند الذبح، بل لعلّ الله تعالى يرفع ألم الذبح عنها. وهذا كالمكابرة في الضروريات. وقالت المعتزلة: لا نسلم أن الإيلام قبيح مطلقاً، بل إنما يقبح إذا لم يكن مسبوقاً بجناية ولا ملحقاً بعوض، وهاهنا الله سبحانه يعوض هذه الحيوانات في الآخرة بأعواض شريفة، وحينئذ يخرج هذا الذبح عن أن يكون ظلماً، قالوا: والذي يدل على صحة ما قلناه ما تقرر في العقول أنه يحسن تحمل ألم الفصد والحجامة لطلب الصحة، فإذا حسن تحمل الألم القليل لأجل المنفعة العظيمة، فكذلك القول في الذبح. وقال أصحابنا: إن الإذن في ذبح الحيوانات تصرف من الله تعالى في ملكه، والمالك لا اعتراض عليه إذا تصرف في ملك نفسه. والمسألة طويلة مذكورة في علم الأصول. اهـ.
    وقد ذكر ابن القيم رحمه الله هذه المذاهب تفصيلا في (طريق الهجرتين) في فصل: (بيان ما للناس في دخول الشر في القضاء الإلهي من الطرق والأصول) فراجعه إن شئت (ص238: ص 258). وكذلك تعرض لذلك في (شفاء العليل) في الباب الحادي والعشرون: (تنزيه القضاء الإلهي عن الشر ودخوله في المقضي) ولتمام البحث يرجى الاطلاع على فصل (الأسماء الحسنى والصفات العلا مقتضية لآثارها من العبودية) من كتاب (مفتاح دار السعادة)
    [ المصدر الاسلام سؤال وجواب]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: أفعال الله تعالى لا تقاس بأفعال عباده

    القصاص بين الحيوانات يوم القيامة قصاص مقابلة لا تكليف

    السؤال

    هل إذا مات حيوان تربى عندنا فهل يحاسب مثلنا وسيشهد علينا يوم الحساب؟


    الإجابــة

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
    فإن الحيوانات والبهائم ليست مثل الإنسان فيما يتعلق بالعقاب والثواب في الآخرة لأنها غير مكلفة أصلاً، وما ورد من أنها تعاد وتحشر يوم القيامة ويقتص لبعضها من بعض، فقد قال العلماء إن هذا القصاص ليس قصاص تكليف وإنما هو قصاص مقابلة، فقد ذكر النووي رحمه الله تعالى في شرح صحيح مسلم عند كلامه على قوله صلى الله عليه وسلم: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء.. قال: هذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة وإعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين، وكما يعاد الأطفال والمجانين ومن لم تبلغه دعوة، وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة، قال الله تعالى: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ. وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع وجب حمله على ظاهره، قال العلماء: وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب.
    وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص التكليف إذ لا تكليف عليها بل هو قصاص مقابلة والجلحاء بالمد هي الجماء التي لا قرن لها. والله أعلم. انتهى.
    وروى ابن جرير أيضاً عن عبد الله ابن عمر قال: إذا كان يوم القيامة مد الأديم، وحشر الدواب والبهائم والوحش، ثم يحصل القصاص بين الدواب، يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء نطحتها، فإذا فرغ من القصاص بين الدواب، قال لها: كوني تراباً، قال: فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت تراباً. انتهى.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: أفعال الله تعالى لا تقاس بأفعال عباده

    يقتص الله للبهائم من بعضها البعض يوم القيامة

    السؤال

    هل ورد ما يشير إلى مصير بعض المخلوقات في الآخرة وخاصة التي جاء ذكرها في القرآن الكريم في إشارات إيمانية مثل هدهد سليمان عليه السلام وكلب أصحاب الكهف وغيرها أم أن علم ذلك عند الله وحده؟ وجزاكم الله خيراً.


    الإجابــة

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

    فالذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة أن البهائم تبعث وتحشر يوم القيامة للقصاص، وجاءت الآثار أنه بعد أن يقتص من بعضها لبعض يقول الله رب العزة: كوني ترابًا، فتصير كذلك.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وأما البهائم فجميعها يحشرها الله سبحانه كما دل عليه الكتاب والسنة، قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ [الأنعام:38]، وقال تعالى: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ [التكوير:5]، وقال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ [الشورى:29] وحرف(إذا) إنما يكون لما يأتي لا محالة، والأحاديث في ذلك مشهورة، فإن الله عز وجل يوم القيامة يحشر البهائم ويقتص لبعضها من بعض ثم يقول لها: كوني تراباً فتصير تراباً، فيقول الكافر حينئذ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً [النبأ:40]، ومن قال إنها لا تحيا فهو مخطئ في ذلك أقبح خطأ، بل هو ضال أو كافر والله أعلم. انتهى.
    وأخرج الحاكم وابن أبي حاتم وابن المنذر وابن جرير عن أبي هريرة قال: ما من دابة ولا طائر إلا سيحشر يوم القيامة ثم يقتص لبعضها من بعض حتى يقتص للجلحاء من ذات القرن ثم يقال لها: كوني تراباً، فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت تراباً، وإن شئتم فاقرأوا: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ.
    وفي صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء.
    وهدهد سليمان وكلب أصحاب الكهف وغيرهما من أعيان الحيوانات التي ذكرت في القرآن لا نعلم لها مخصصاً من الحكم السابق، بل تدخل فيه.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: أفعال الله تعالى لا تقاس بأفعال عباده

    السؤال

    السلام عليكم ورحمة الله
    لي قطة مرضت مرضاً شديداً فهل يثيبها الله على مرضها كما يثيب الإنسان إذا مرض بتكفير الذنوب أو رفع الدرجات؟
    وشكراً.


    الإجابــة

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالبهائم غير مكلفة حتى يكون لها ذنوب تحتاج إلى تكفير، ولم يعدّ ربنا سبحانه جنات النعيم لتسكنها البهائم التي كانت في الحياة الدنيا حتى تحتاج إلى رفعة الدرجات، بل أعدَّ ذلك لمن كرمهم وجعلهم من بني آدم، فأبى بعضهم إلاَّ أن يكونوا كالبهائم، وصدق الله إذ وصفهم بقوله: أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف:179]. نعم هم أضل، فالأنعام قائمة بالحكمة التي خلقت لأجلها، أما هؤلاء فالواحد منهم لا يدري لماذا يعيش، ولقد قال قائلهم: (ولماذا لست أدري لست أدري). فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به هذا الصنف من الناس، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً. والله أعلم. [الاسلام سؤال وجواب]

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: أفعال الله تعالى لا تقاس بأفعال عباده

    لا يخرج شيء من أفعال الله تعالى عن تمام الحكمة ، ولا يجوز خلو فعل من أفعاله عن الحكمة ،

    قال ابن القيم رحمه الله :

    " الله سبحانه حكيم ، لا يفعل شيئا عبثا ، ولا لغير معنى ومصلحة .
    وحكمته : هي الغاية المقصودة بالفعل، بل أفعاله سبحانه صادرة عن حكمة بالغة، لأجلها فعل . كما هي ناشئة عن أسباب ، بها فعل .
    وقد دل كلامه وكلام رسوله على هذا " انتهى من "شفاء العليل" (ص: 190) .
    وقال أيضا :
    " اللهُ سُبْحَانَهُ مَا أَعْطَى إِلَّا بِحِكْمَتِهِ، وَلَا مَنْعَ إِلَّا بِحِكْمَتِهِ، وَلَا أَضَلَّ إِلَّا بِحِكْمَتِهِ.
    وَإِذَا تَأَمَّلَ الْبَصِيرُ أَحْوَالَ الْعَالَمِ وَمَا فِيهِ مِنَ النَّقْصِ: رَآهُ عَيْنَ الْحِكْمَةِ، وَمَا عَمَرَتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ ، وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ ، إِلَّا بِحِكْمَتِهِ.
    وقول أَهْلِ الْإِثْبَاتِ في تعريفها: إنَّهَا الْغَايَاتُ الْمَحْمُودَةُ الْمَطْلُوبَةُ لَهُ سُبْحَانَهُ بِخَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، الَّتِي أَمَرَ لِأَجْلِهَا، وَقَدَّرَ وَخَلَقَ لِأَجْلِهَا.
    وَهِيَ [ أيضا ] : صِفَتُهُ الْقَائِمَةُ بِهِ ، كَسَائِرِ صِفَاتِهِ: مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَعِلْمِهِ وَحَيَاتِهِ وَكَلَامِهِ " انتهى مختصرا من "مدارج السالكين" (2/ 450) .
    ثالثا :
    ليس بالضرورة أن تصل عقول العباد إلى معرفة الحكمة في أفعال الله ، وشرعه وأمره، بل قد يبين الله تعالى لعباده بعض تلك الحكم ، وقد يستر عنهم بعضها ، محنة لهم ، واختبارا لعبوديتهم وتسليمهم لربهم.
    ولا شك أن معرفة الحكمة من الفعل ، أو الخلق ، أو الأمر : تزيد المرء إيمانا ، ولكن ليس شرطا في الإيمان أن نتعرف على تفاصيل حكمة الله تعالى في خلقه وأمره ، ونطلع عليها. وإنما مدار أمر العبد التسليم أولا ، وقبل كل شيء ؛ فإن أدرك الحكمة ، فليحمد الله ، وإن لم يدركها رجع إلى التسليم لربه تعالى ، مع إيمانه أنه سبحانه حكيم عليم ، لا يخرج فعل من أفعاله عن الحكمة .
    فإن الناس متفاوتون في عقولهم وفهومهم ودينهم ، والله يصطفي من عباده من يشاء ، ويمن على من يشاء بما شاء من فضله ، وقد قال تعالى: ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) البقرة/ 269 .
    قال ابن أبي العز رحمه الله :
    " اعْلَمْ أَنَّ مَبْنَى الْعُبُودِيَّةِ وَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ - عَلَى التَّسْلِيمِ ، وَعَدَمِ الْأَسْئِلَةِ عَنْ تَفَاصِيلِ الْحِكْمَةِ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَالشَّرَائِعِ.
    وَلِهَذَا لَمْ يَحْكِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ أُمَّةِ نَبِيٍّ ، صَدَّقَتْ بِنَبِيِّهَا ، وَآمَنَتْ بِمَا جَاءَ بِهِ، أَنَّهَا سَأَلَتْهُ عَنْ تَفَاصِيلِ الْحِكْمَةِ فِيمَا أَمَرَهَا بِهِ وَنَهَاهَا عَنْهُ ، وَبَلَّغَهَا عَنْ رَبِّهَا .
    وَلَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ لَمَا كَانَتْ مُؤْمِنَةً بِنَبِيِّهَا، بَلِ انْقَادَتْ وَسَلَّمَتْ وَأَذْعَنَتْ، وَمَا عَرَفَتْ مِنَ الْحِكْمَةِ عَرَفَتْهُ، وَمَا خَفِيَ عَنْهَا لَمْ تَتَوَقَّفْ فِي انْقِيَادِهَا وَتَسْلِيمِهَا عَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَلَا جَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهَا، وَكَانَ رَسُولُهَا أَعْظَمَ عِنْدَهَا مِنْ أَنْ تَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا فِي الْإِنْجِيلِ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَقُولُوا: لِمَ أَمَرَ رَبُّنَا؟ وَلَكِنْ قُولُوا: بِمَ أَمَرَ رَبُّنَا .
    وَلِهَذَا كَانَ سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، الَّتِي هِيَ أَكْمَلُ الْأُمَمِ عُقُولًا وَمَعَارِفَ وَعُلُومًا - لَا تَسْأَلُ نَبِيَّهَا: لِمَ أَمَرَ اللَّهُ بِكَذَا؟ وَلِمَ نَهَى عَنْ كَذَا؟ وَلِمَ قَدَّرَ كَذَا؟ وَلِمَ فَعَلَ كَذَا؟ لِعِلْمِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مُضَادٌّ لِلْإِيمَانِ وَالِاسْتِسْلَا مِ، وَأَنَّ قَدَمَ الْإِسْلَامِ لَا تَثْبُتُ إِلَّا عَلَى دَرَجَةِ التَّسْلِيمِ.
    فَأَوَّلُ مَرَاتِبِ تَعْظِيمِ الْأَمْرِ : التَّصْدِيقُ بِهِ، ثُمَّ الْعَزْمُ الْجَازِمُ عَلَى امْتِثَالِهِ، ثُمَّ الْمُسَارَعَةُ إِلَيْهِ وَالْمُبَادَرَة ُ بِهِ الْقَوَاطِعَ وَالْمَوَانِعَ، ثُمَّ بَذْلُ الْجُهْدِ وَالنُّصْحِ فِي الْإِتْيَانِ بِهِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ، ثُمَّ فِعْلُهُ لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا، بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ حِكْمَتِهِ - فَإِنْ ظَهَرَتْ لَهُ فَعَلَهُ وَإِلَّا عَطَّلَهُ، فَإِنَّ هَذَا يُنَافِي الِانْقِيَادَ، وَيَقْدَحُ فِي الِامْتِثَالِ." انتهى من "شرح الطحاوية" (341) .
    والحاصل :
    أن من فهم الحكمة في البلاء والمرض صبر واحتسب وعلم أنه شيء قدره الله بحكمته وعلمه ، وأنه خير للمسلم في دينه ودنياه .
    ومن فهم الحكمة في الغنى والفقر ، شكر إذا أغناه الله ، وصبر إذا قدر الله عليه الحاجة .
    ومن فهم الحكمة في تشريع الجهاد ، بادر بالجهاد في سبيل الله بنفسه وماله ، لإعلاء كلمة الله ونشر دينه ، ومحاربة الكفر وأهله .
    ومن فهم الحكمة في الصدقة وعلم أنه يكون بها نماء المال وزكاؤه ونفع صاحبه في الدنيا والآخرة وأنه ما نقص مال من صدقة بادر بالصدقة حتى يكون ما يخرجه في الله أحب إلى نفسه مما يمسكه .
    ومن لم يعلم الحكمة :
    بادر بالتسليم والرضا، وعلم أنه ربما أتي من قِبَل جهله ، وعدم علمه ، فيسيء الظن بنفسه ، ويحسن الظن بربه ، فما أسعد المسلم بدينه ، إن هو علم الحكمة زادته إيمانا وفقها ، وعلما وعملا ، وإن هو جهلها أحسن الظن بربه ، وأساء الظن بنفسه ، وما زاده عدم العلم بها إلا تسليما لربه ، ورضا بما قدره وشاءه وشرعه سبحانه ، قال تعالى : (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة / 216.
    قال ابن القيم رحمه الله: " العبد لا يريد مصلحة نفسه من كل وجه ، ولو عرف أسبابها، فهو جاهل ظالم، وربه تعالى يريد مصلحته ، ويسوق إليه أسبابها .
    ومن أعظم أسبابها: ما يكرهه العبد؛ فإن مصلحته فيما يكره ، أضعاف أضعاف مصلحته فيما يحب " انتهى من "مدارج السالكين" (2/ 205) .
    فلا يتم إيمان المسلم حتى يثبت لربه تعالى ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات والأفعال ، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم كذلك ، ومما ثبت لله تعالى من الأسماء " الحكيم " ، ومما ثبت له من الصفات " الحكمة " ، فلم يخلق الله تعالى خلقاً إلا لحكمة ، ولم يشرع شرعاً إلا لحكمة ، وليس بالضرورة أن تصل عقول العباد إلى تلك الحكم دائما ، بل قد يبين الله تعالى لعباده بعض تلك الحكم ، وقد يستر عنهم بعضهم ، محنة لهم ، واختبارا لعبودئتهم وتسليمهم لربهم .
    https://majles.alukah.net/t181577/

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: أفعال الله تعالى لا تقاس بأفعال عباده

    قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة:
    وأيضاً يلزم القائلين بوجوب الأصلح أن يوجبوا على الله أن يميت كل من علم من الأطفال أنه لو بلغ لكفر.....
    أو أن يجحدوا علمه سبحانه بما سيكون قبل كونه،
    وقد التزمه سلفهم الخبيث الذين اتفق السلف على تكفيرهم،
    ولا خلاص لهم عن أحد هذين الإلزامين
    إلا بالتزام مذهب أهل السنة والجماعة
    من أن أفعال الله لا تدخل تحت شرائع عقولهم القاصرة
    ولا تقاس بأفعالهم الخاسرة،
    بل أفعاله تعالى لا تشبه أفعال خلقه،
    ولا صفاته صفاتهم،
    ولا ذاته ذواتهم..
    إذ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.... انتهى

    فالله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء ويختار، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو الذي يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •