فن إسلامي.. أم فن مسلمين؟
أ. صالح بن أحمد الشامي
"ويمكن إرجاع مشكلة عدم التفرقة بين الفن الإِسلامي الأصيل والفن الإِسلامي التاريخي إلى عوامل عديدة منها:
1- تسمية ما قدمه المسلمون في تاريخهم (بالفن الإِسلامي) والواقع أن هذه التسمية لم تنبثق عن طبيعة المعطيات الفنية، وإنما عن اعتبارات جغرافية محضة.
2- موقف الإِسلام من الأعمال الفنية التشخيصية مما دفع الفنان المسلم إلى الالتجاء إلى الزخرفة التي يمكن اعتبارها تجريدًا هندسيًا من أصل نباتي أو حيواني وإلى الاهتمام بفن الريازة..
3- والنقطة الثالثة في سوء الفهم هذا، تعود إلى ارتباط تلك الفنون التشكيلية بالمسجد الإِسلامي، وهو مركز العبادة، ولكن إذا كان المسجد الإِسلامي ينبثق من الناحية العمرانية عن تصور إسلامي، إلا أن هذا لا يعني أن ما ارتبط به من فنون التشكيل يلتزم ذات التصور.
4- وربما كانت قلة مصادر النقد الإِسلامي عاملًا آخر في عدم التفريق هذا.."[5].
تلك هي النقاط الرئيسية في بحث الدكتور عماد عن الفن الإِسلامي، ولو كانت صادرة عن غيره، ما أعرناها اهتمامًا.. ولكنا نعلم التزامه ولذا نتوقف قليلًا عند تلك الآراء. ونستطيع تلخيص ما ذهب إليه بالأمور التالية:
1- إن ما قدمه المسلمون من فن لا يستند إلى تصور عقيدي.
2- افتقاد القاعدة النفسية في ما قدمه المسلمون من فن.
3- ارتكاز الفن الإِسلامي على الجانب الجمالي المجرد.
4- الزخرفة ليست فنًا إسلاميًا بالمفهوم الصحيح ولو كانت محفورة على محراب، ثم يرجع بعد ذلك أسباب عدم التفريق بين الفن الإِسلامي الأصيل وبين الفن الإِسلامي التاريخي إلى عدة عوامل منها: موقف الإسلام من الفن التشخيصي، وارتباط الفن بالمسجد.
ونقول:
إن مناقشة هذه الآراء يقتضي منا، أن نحدد مفهوم الفن، ووظيفته وغايته. ذلك أن عدم وضوح هذه الجوانب يؤدي إلى خلل في تصور مكانة الفن.. وقد بيَّنا فيما سبق في هذا الكتاب. بينما لم يذكر الدكتور شيئًا من تلك الأساسيات وهو يطرح آراءه.
والسؤال الذي يطرح نفسه. هل كان الفن الإِسلامي ملتزمًا، أم غير ملتزم؟ وبتعبير آخر، هل كان متمشيًا مع قواعد الإِسلام، أم كان خارجًا عليها؟
لقد بيَّنت فيما سبق التزامه، بل ووحدته التي بنيت على هذا الالتزام.
ثم ماذا نقصد بقولنا، الأساس النفسي، هل هو الأساس الذي قامت عليه المدارس الغربية؟! إن الفن الإِسلامي يأخذ مكانته من المنهج وقد بينا تلك المكانة، وأنها ليست في مقام الضرورات أو الحاجيات بل في مقام التحسينات، وعلى هذا فالأساس هو تحديد المهمة والغاية، ومن المعلوم أن الفن الإِسلامي مرتبط بالجمال، فتحقيق الجمال هو الأساس المسؤول عنه.
أما ما ذهبت إليه المدارس الغربية من تحميل الفن مهمة الكشف عن الحقيقة.. أو ما سبق الحديث عنه من مهام فذلك خروج بالفن عن دائرته. ثم إن هذه الاتجاهات نفسها في الغرب هي وليدة القرن العشرين، فكيف نحاكم إنتاج القرون الماضية لمعطيات ظهرت متأخرة.
ومن الغريب أن ننفي استناد الفن الإِسلامي إلى التصور العقيدي؟! وإذن بأي شيء نفسر التزام الفنانين المسلمين في كل بقاع أرضهم في امتداد عصورهم، بالابتعاد عن تقليد الطبيعة ومحاكاتها، وكذلك بالابتعاد عن الرسم التشخيصي، في الوقت الذي كانت فيه جميع مدارس الفن التشكيلي تلتزم بذلك وتراه القانون الذي لا ينبغي الخروج عليه. فهل يكون هذا المسلك مجرد مصادفة؟ أم هو التصور الدقيق المرتبط بالمنهج ارتباطًا عضويًا.
إن النظرة إلى الفن الإِسلامي ينبغي أن تكون من منطلقات إسلامية، وعندها لن نحقر من شأن الزخرفة ذلك الفن الذي جعل منه المسلمون فنًا. وإن التجريد الذي يدعو إليه الدكتور عماد موجود في هذه الزخرفة، وهو يحمل معناه وشكله، أما التجريد الغربي الذي دعانا أن نحذو حذوه فمن المعروف أنه فن يظل في حدود الشكل. ثم إنه أخيرًا تنازل عن الشكل.. فماذا في فن لا يفهم المراد منه، بل نشك في أن الفنان فهم ما يريد..
وأخيرًا إن ما ألمح إليه من ارتباط الفنون التشكيلية بالمسجد، فهذا الأمر فيه نظر! وقد سبق وبينا أن الفن الإِسلامي لم يفرق بين فن المسجد وفن القصر ذلك أنه لم يقم على أساس التفريق بين ديني وآخر مدني.
إن فصل (نظرات في الفن الإِسلامي) الذي كتبه الدكتور عماد ينقسم إلى قسمين، وقد تراجع - جزاه الله خيرًا - عن القسم الأول وأعلن خطأه فيه، والرجوع إلى الحق فضيلة[6]. فهل يعيد النظر في القسم الثاني؟ نرجو أن يفعل ذلك.
[1] مجلة المنهل السعودية عدد شعبان ورمضان عام 1404هـ ص 233.
[2] مجلة منار الإِسلام التي تصدر في دولة الإِمارات عدد شوال 1400هـ ص 49.
[3] مجلة المسلم المعاصر العدد 23 عام 1400هـ ص 163.
[4] صنفت الدكتورة "لوي لمياء الفاروقي" هؤلاء الذين لا يريدون التسمية. (بالفن الإِسلامي) وقسمتهم إلى خمس فئات:
1 - المستشرقون، وهم الذين أثاروا هذه القضية.
2 - العلمانيون من المسلمين ومن غيرهم وهم يتبعون الفكر الغربي المعاصر.
3 - الاتجاه القومي، الذي يحاول التركيز على الفوارق بين الشعوب.
4 - الأقليات الموجودة في العالم الإِسلامي، ويعتبرون أن التركيز على الناحية الإِسلامية يمس نفوذهم..
5 - بعض العناصر من المسلمين الذين لم يدركوا العلاقة بين الإِسلام والفن.
[انظر مجلة المنهل السعودية عدد شعبان ورمضان 1404هـ ص 432 وما بعدها].
[5] في النقد الإِسلامي المعاصر. تأليف عماد الدين خليل. مؤسسة الرسالة ط 1 فصل (نظرات في الفن الإِسلامي) ص 43 - 46.
[6] مما جاء في القسم الأول قوله عن الفن الإِسلامي (.. إنه كلاسيكي حين يعبر عن التناسق... إنه رومانسي حين يعبر عن أعماق الإِنسان.. إنه واقعي حين يعلن ثورته الانقلابية على كل القيم المنحرفة.. إنه وجداني..) [في النقد الإِسلامي المعاصر ص 41].
ثم أعلن رجوعه في المذكرة المقدمة إلى ندوة الأدب الإِسلامي في الرياض عام 1404 /1405 وكان عنوان المذكرة (الإِسلام والمذاهب الأدبية). وقد جاء فيها قوله. ص 13:
"وبالرغم من أن المقال أشار إلى عيوب المذاهب الأدبية المعروفة.. وبالرغم من أنه أشار عرضًا إلى ملامح الفن الإِسلامي وأنه كوني ملتزم.. فإن المقال وقع في خطأ الخلط بين الإسلامية والمذاهب الأخرى بتأكيده على أن الأدب الإِسلامي يمكن أن يكون أدبًا كلاسيكيًا رومانسيًا أو واقعيًا.. إلى آخره.. من خلال صيغ الطرح التي يتضمنها".
ونحن نكبر في الدكتور عماد الدين خليل تمسكه بالحق والتزامه به، وتلك أولية من أوليات المسلم.