الشكل في نظرية الأدب القائد


د. أحمد الخاني





الأدب القائد:
هو الأدب الذي يقود النفس الإنسانية إلى الحق والخير والحب والسلام بدافع ذاتي ينبع من نفس الشاعر أو الأديب.

لقد جاء أدب الكلاسيكية مرآة للحياة، ولم نجد في الأدب الإيديولوجي غير الإسلامي أدباً قائداً لخير الإنسانية، بل وجدنا في الأدب الشيوعي الهدم والحقد على الإنسان.

نعم وجدنا في مدارسنا العربية دعوة إلى حسن الصياغة والتعبير عن الحياة، وهذا شيء جيد ولكنه لا يكفي، نحن نريد أدباً يعبر عن الحياة لا كما هي، بل كما يجب أن تكون، نريد أدباً يبني الحياة وفق رؤية الشاعر الذي يتمثل أمته ويعبر عن آمالها وطموحاتها، نريد أدباً يفتح للنفس أبواب الأمل فلا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة، ولقد أخذت منا بعض الآداب الإيديولوجية والعالمية من هذه المعاني ونظرت إليها من زاويتها الخاصة بها.

فلنتعرف على الشكل والمضمون في هذه النظرية.
(الشكل) في نظرية الأدب القائد:
الشعر إلهام يسبق التفكير إنه ومضة كقدح الزناد تنبثق منه إيحاءات الموضوع في دفقة شعورية يأتي بعدها الفكر المنظم لهذا التدفق الشعوري.

والقصيدة بناء متكامل ووحدة شعورية كجسم الكائن الحي، القصيدة شكل ومضمون كما للكائن الحي جسم وروح يتوزعان الأهمية بشكل متكافئ؛ الإبداع في المضمون، والإبداع في الشكل.

نظرية الأدب القائد لا تفرق في الشكل بين ألفاظ شعرية وألفاظ غير شعرية، الألفاظ كلها تدخل في هالة الشعر الفنية، والسياق هو الذي يعطيها صفتها الشعرية بشفافيتها وإيحاءاتها ونسق تركيبها ووضعها بالنسبة لما قبلها وبعدها..

ولا يستعمل الخطأ الشائع أو المفضول، مثال ذلك شاعر معاصر يستعمل لفظة يثرب وهذا لا يليق والمسمى الأفضل لفظ (طيبة) وقد جمعت لفظ (واد) على (وديان) ولئن صحت هذه فلفظة أودية وردت في القرآن الكريم.

هذا فيما يتعلق بالوحدة اللغوية في الشعر.
أما النسق أو السياق فإن هذه النظرية ترى أن يكون السياق انسيابياً وأحياناً تفجرياً حتى يبتعد الشاعر عن الترهل، وهذا ما يعطي الإيقاع وقعاً مميزاً مؤثراً بالإحساس.

أما القوافي فكثيرة ويحسن أن ترد وروداً طبيعياً، وأروع القوافي ما يسمى بالإرصاد، وهي القافية التي ترشحها الألفاظ المتقدمة عليها في البيت نفسه، مثال ذلك ما ورد في شعر أبي بكر الشبلي:
الورقاء الهتوف[1]
رب ورقاء هتوف في الضحى
ذات شجو هتفت في فنن


ذكرت دهراً وإلفاً سالفاً
فبكت حزناً فهاجت حزني


فبكائي ربما أرقتها
وبكاها ربما أرقني


ولقد تشكو فما أفهمها
ولقد أشكو فما تفهمني


غير أني في الجوى أعرفها
وهي أيضاً في الجوى تعرفني



وفي العصر الحديث شعر كثير يدل على ارتياح القوافي بالإرصاد كقول الشاعر:
عاتبتني[2]
عاتبتني على انقطاع التلاقي
واختلاط الأوراق بالأوراق


ثم قالت: وكنت ترعى عهودي
وتلاقي من الهوى ما ألاقي


وكتابي إذا أعود لصحوي
يا حبيبي مصارع العشاق



ومن انسجام القوافي مراعاة ألف السناد أو التأسيس، إما السير عليه وإما حذفه، من ذلك قصيدة للدكتور محمود الحليبي بعنوان:
غصون الفجر[3]
تقولين: نم فالليل أمسى مودعا *** وكادت غصون الفجر أن تتفرعا

وبعد أربعين بيتاً يقول:
أبا مازن وارفع جبينك إنني *** أناشدك المولى كفاك تواضعا

ومن انسجام القوافي الحفاظ على نهاياتها بالحرف الذي هو قبل الأخير كان تقول: الصابرين في بيت ثم يأتي بعده: العابرون.

أما القصيدة فأشكالها الفنية الأسلوبية كثيرة منها عمود الشعر، أو؛ وحدة الموضوع، أو الاستطراد، ويمكن أن تأتي على شكل مقطعات أو رباعيات أو مخمسات ودوبيت.. أشكال القصيد كثير يختار منها الشاعر ما يلائم فنه.

أما المطولات فهي للملاحم، وقد تمتد القصيدة القصة أو الملحمة آلاف الأبيات يلجأ فيها الشاعر إلى الرباعيات خشية تكرار القوافي بشكل مزعج، ويمكن للشاعر في هذه الحال أن يلجأ إلى المجازيء كمحطات راحة للشاعر، وللتخفيف عن القارئ. واللفظة الرمز من أدوات هذا الأدب، الأدب القائد، حينما ترمز إلى مزدك أو بابك الخرمي قديماً، أو إلى نجم داود أو كوهين أو رمبو حديثاً..

وللبناء الهيكلي يتم استيعاب التجربة الشعرية بالبحر المناسب، ويتم هذا الاختيار لاشعورياً في أكثر الأحيان وكلما كان الانفعال صادقاً جاء البحر عفوياً وجاءت القوافي مرتاحة متمكنة يتولى ذلك كله تلقائية التجربة الشعرية.
--------------------------------------------------

[1] البداية والنهاية لابن كثير ج 15 ص 182 بتحقيق لعبد الله التركي.

[2] ديوان همسة شعر أحمد الخاني 93 ص 17 ط 1.

[3] ديوان: على جناح النادية د.محمود الحليبي ط1.