تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: رحلة النساء في طلب الحديث وأدائه

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,543

    افتراضي رحلة النساء في طلب الحديث وأدائه


    إن القرون الثلاثة الفاضلة، كانت الحقبة الذهبية لعلم الحديث، فيها انتشر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعم جميع الأمصار، وفيها جمعت رواياته ودونت، كما صنفت أعظم كتب السنة على الإطلاق، وكان طلب الحديث شرف لا يدانيه شرف، واتخذت الرحلة وسيلة له، واعتبرت معيار الإتقان والتثبت، إذ كانت المشاق والمصاعب التي يكابدها الطالب في تلك العصور شهادة على أهليته وانتسابه إلى هذا العلم النبيل.

    وقد ورد عن الزهري قوله: (الحديث ذكر يحبه ذكور الرجال )(1).

    والذكر في اللغة(2): العظيم، ومن بين أسباب صعوبته الرحلة في طلبــــه، تلك المهــــمة الشاقــة، حــتى على الأجـــلاد من الرجال، لـذلك لا غرابة أن يكون سهم المرأة المهتمة بالرواية ضئيلاً في هذه المنقبة -كما ذكرنا- إضافة إلى كونها راعية في بيتها، بنتًا كانت أو زوجاً أو أمًا، متحملة كافة مسؤولياته، فضلاً عن أن أسفارها ورحلاتها مرتبطة بتوفر السبل الشرعية الميسرة لها، وهذا ما يضاعف مشقة المهمة.

    ولكن من خلال استنطاق النصوص المتوفرة لدينا من كتب التراجم والطبقات والتاريخ والسير، حصلنا على مجموعة لا بأس بها من الحقائق، تنبئنا عن أحداث مهمة وحركات نشطة في مسألة الرحلة عند النساء، ولا ندعي أن هذه النصوص تعطينا التصور الكامل والشامل الذي تستشف منه دقائق الأمور، ولكن فيها الدلالة السريعة والقوة في آن واحد على أن المرأة لم تكن بعيدة عن رحاب الرحلة عبر هذه القرون، على تفاوت في الكثرة والقلة بين المراحل المختلفة.

    1- الرحلة في عصر النبوة:

    كانت الرحلة في طلب الحديــث قائمة في عهده صلى الله عليه وسلم، فكان بعض من يسـمع بالرســـالة الجديدة يســـافر إلى الرســـول صلى الله عليه وسلم ليأخذ منه تعاليم الإسلام، ثم يرجع إلى قومه يبلغهم ما تعلمه في موطن رسول الله صلى الله عليه وسلم(3).

    فالرحلة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا المفهوم كانت عامة، تشمل مبادئ الدين كلها قرآناً وسنة... فبعد فتح مكة أقبلت وفود العرب من سائر أنحاء الجزيرة(4)، وكان عليه الصلاة والسلام يرحب بالوافدين، يزودهم بنصائحه وإرشاداته، ويعلمهم الإسلام، وتنبئنا المصادر عن وجود نساء مصاحبات لتلك الوفود(5)، فكانوا يسألونه ويجيبهم، وقد سمعوا حديثه وشهدوا بعض مواقفه، وشاركوه في العبادة، ورأوا كثيرًا من تصرفاته، فكان لهذه الوفود أثر عظيم في نقل السنة وانتشارها. وقد أسهب ابن سعد في طبقاته في ذكر من روت من النساء عن النبي صلى الله عليه وسلم من مختلف القبائل. وذكر من جاءته للبيعة ونقلت عنه بعض الأقوال أثناء تلك الأحداث المهمة.. ولعل قصة الصحابية قيلة بنت مخرمة العنبرية(6) تعطينا تصورًا واضحًا عن قدوم النساء على النبي صلى الله عليه وسلم وتحملهن عنه صلى الله عليه وسلم، وقد كانت قيلة مع وفد بني بكر بن وائل برفقة وافدهم حريث بن حسان البكري.

    وإن كانت هذه الوفود بنسائها رحلت للتحصيل والتعليم وأدت ثمار الرحلة، فقد شهدت أيضًا رحلات التبليغ والأداء، أو ما يسمى بالهجرة الأولى ثم الثانية إلى الحبشة، والهجرة إلى المدينة.. وإن كان الغرض من هذه الرحلات في أول الأمر الحفاظ على الدين، إلا أنها أصبحت فيما بعد، تؤدي أغراضًا علمية أيضًا.

    الهجرة إلى الحبشة:

    قد لقي أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من العذاب أمرًا عظيمًا في أول البعثة، ورزقهم الله تعالى على ذلك من الصبر أمرًا عظيمًا، فلما كثر المسلمون واشتد العذاب والبلاء أذن الله تعالى لهم في الهجرة إلى أرض الحبشة، فكان أول من خرج من المسلمين فارًا بدينه إلى أرض الحبشة، عثمان بن عفان مع زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم(7).. وتذكر لنا الكتب التي أرّخت لهذه الفترة أسماءً عديدة لنساء جئن برفقة أزواجهن أو آبائهن إلى الحبشة هربًا من البطش وحفاظًا على الدين(8)، وكان النجاشي ملك الحبشة قد أسلم ولم يقدر على إظهار ذلك خوف الحبشة.

    ولا نشك أبدًا في أن حركة الدعوة الإسلامية والعلمية كانت نشطة في الحبشة على أيدي المهاجرين من المسلمين، نساء ورجالاً، ثم إن هؤلاء الصحابة الكرام لم يكونوا في عزلة عما كان يحدث في مكة أولاً ثم في المدينة بعد الهجرة النبوية، ولا ريب أنهم كانوا متتبعين لكل ما يجري للمسلمين من أحداث كالغزوات، أو ما ينزل من القرآن، كذا السنن المحفوظة عنه صلى الله عليه وسلم، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل الهدايا إلى الملك النجـــاشي(9)، ثم أنه صلى الله عليه وسلم بعث من يزوجــــه بأم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها(10)، وفي هذا دلالات وإشارات تشهد وتؤكد أن الاتصالات بين المدينة والحبشة كانت نشطة، واستفاد منها المسلمون في التبليغ عنه صلى الله عليه وسلم وإيصال تعاليمه إلى سكان البلاد في الحبشة(11).

    2- الرحلة بعد عصر النبوة:

    رحلة الصحابيات: إن رحلة النساء أخذت شكل الأداء والتبليغ، وشكل التحمل والتحصيل المعروف بين المحدثين.

    أ- رحلة الأداء والتبليغ:

    تفرق علماء الصحابة، كذا الصحابيات، في البلدان، ينشرون الحديث ويروون السنن، وقد كان لرحلاتهم هذه أثر جليل في المحافظة على السنة وجمعها، وتأسيس مراكز علمية في مختلف الأمصار كانت منارات للعلم ومدارس تقصد لطلب الحديث.. ومساهمة النساء من الصحابة لا يستهان بها، فقد رحلت كبريات الصحابيات إلى الأمصار، تحدث أهلها بما سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو رأته منه وفقهته عنه، منهن من أقامت حتى موتها في البلد الذي رحلت إليه، تعلم الرجال والنساء، تبث فيهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه.. ولقد كانت زيارة الصحابية لمدينة من المدن الإسلامية كافية لأن تجمع أهل المدينة كلها وخصوصًا من النساء، تشير الأصابع أن هذه صحابية تحدث عن رسول الله #صلى الله عليه وسلم.

    ونذكر هنا بعض الصحابيات ممن انتقلن إلى الأمصار المختلفة.

    1- أم عطية الأنصارية(12): كانت من فقهاء الصحابة(13)، مروياتها رضي الله عنها كثيرة منثورة في الكتــب الســـتة، وقد ذكر ابن عبد البر(14) أن أم عطية تعد في أهل البصرة، وذكرت التابعية الجليلة حفصة بنت سيرين أن أم عطية قدمت البصرة فنزلت قصر بني خلف(15).. وفي البصرة اشتهرت أم عطية بفقهها وروايتها وفهمها للحديث النبوي وأحكامه، فكان لها الفضل في انتشار الأحاديث والأحكام، وكان أجلة التابعين(16) يأخذون عنها الرواية والفقه.

    2- أسماء بنت يزيد بن السكن(17): وهي ثالث امرأة راوية للحديث بعد أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين أم سلمة(18) رضي الله عنهن، وقد عرفت أسماء برجاحة العقل، وكانت من فاضلات الصحابيات، كثيرة الدخول على أمهات المؤمنين، ملازمة للبيت النبــوي، زد على ذلك حبــها للعـــلم والســـــؤال(19)، وقد شهد لــها ابن عساكر(20)بحسن الرواية.. تجمع مروياتها بين التفسير وأسباب النزول والأحكام والشمائل والمغازي والسيرة والفضائل.. شاركت في معركة اليرموك، ومن ثم ألقت رحالها في دمشق، وأخذت تحدث بها.. ذكر ابن عساكر في تاريخه نقلاً عن أبي زرعة قال: (حدث بالشام من النساء أسماء بنت يزيد بن السكن...)(21).

    3- أم المؤمنين عائـــشة رضي الله عنها: تكلمـــنا على مكـــانة أم المؤمنين عائشة بين الصحابة وأهمية ما حملته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لدى من لازمه عليه الصلاة والسلام من الصحابة، فما بالك بمن لم يره ولم يسمع منه، فلا شك أن حلول أم المؤمنين بمصره حدث عظيم وشرف كبير يتسابق إليه الجميع، وهذا ما كان من أمر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في دخولها البصرة مع طلحة والزبير رضي الله عنهم للمطالبة بدم عثمان رضي الله عنه.. فرغم أن خروج أم المؤمنين كان للإصلاح ولإخمــاد الفتنة، وأنه عنــدما انتـــهت المعـركة وحدث ما هو معلوم رجعت إلى المدينة، إلا أن المدة التي أقامتها رضي الله عنها في البصرة كانت كافية ليستفيد منها الناس رجالاً ونساء في سماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان أحكامه وقضاياه، وقد كانت فرصة لأهل البصرة وشرفًا أن تحل عليهم محدثة عصرها وحاملة لواء العلم، ورابع أكثر راوية لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فقد ورد في ترجمة صفية بنت الحارث: (أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها نزلت عليها في قصر عبد الله بن خلف بالبصرة، فسمعت منها صفية ونساء أهل البصرة)(22).

    ولم تكن عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين الوحيدة التي خرجت من المدينة بغية مصر من الأمصار، لسبب ما، وكان دخولها البلد الذي قصدته فرصة للتحديث عن رســول الله صلى الله عليه وسلم، فقد رحلت أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها إلى الشام لزيارة أخيها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وهو خليفة، وكانت رضي الله عنها تحظى بالإجلال والتقدير خاصة في خلافة أخيها، فبدهي أن يكون وجودها في الشام خبرًا تتناقله الأفواه وتتحين له الفرصة للدخول عليها والسماع منها لمن اجتهدت في لقياها، أما لغيرها فرؤيتها رضي الله عنها تحسب لها وتسجل.. وقد ذكر ابن عساكر أم المؤمنين أم حبيبة ضمن من حدث من النساء في الشام(23).

    فهذه أمثلة لصحابيات هن أكثر النساء حفظًا ورواية للحديث النبوي الشريف، ورحلن من المدينة للتحديث والتعليم، ودُونت أحاديثهن ضمن مرويات أهل البلدة التي رحلت إليها كل واحدة، فبدل أن يرحل إليها الناس، رحلت هي إليهم، وقدمت إليهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم دون عناء، وحققت لهم الإسناد العالي، ونشرت العلم والفقه، وتشرف من لم يتيسر له الخروج من بلده بالرؤية والسماع والالتحاق بركب التابعين والانتساب إلى أحسن القرون.

    - أمثلة أخرى:

    ورحلة النساء بهذا المنظور لا تقـــتصر على أسمــاء وأم عطية، فقد سجلت لنا المصادر أن عددًا كبيرًا من الصحابيات رويــن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشرن في الأمصار، فقد ذكر الإمام أحمد بن حنبل في (علله)(24) من روى من النساء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الشام، وأهل البصرة، وأهل الكوفة.

    فذكر من أهل الشام(25)غير أسماء: الصماء بنت بسر، أم الدرداء الكبرى، وأم أيمن.. ومن أهل الكوفة(26): ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، وفاطمة بنت اليمان، أم سليــمان بن عمرو بن الأحــوص، أم الحصـــين الأحمســـية يســرة، أم مسلم الأشجـــعية أخـت عبـد الله بن رواحة، وقتيلة بنت صيفي، أم طارق مولاة سعد بن عبادة، سلامة بنت الحر، أم ورقة.

    ثم أورد من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أهل البصرة(27)، فذكر: ميمونة بنت كردم، أم إسحق، أم عطية الأنصارية، قيلة، بهيسة، عجوز من بني نمير، عجوز من الأنصار، جدة حشرج بن زياد، امرأة خالد بن عبد الله بن حرملة.

    فهؤلاء النساء قد سمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وصاحبنه، ثم توزعن في الأمصار حاملات معهن الموروث النبوي يبثثنه بين الناس علمًا وفقهًا.. ثم إن وجود صحابية في بلدة من البلدان يصبح وازعًا وفرصة للتحديث بما سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أحد الصحابة، إضافة إلى كون البيئة العلمية في المدينة آنذاك كانت لا تدانيها بيئة في أي مكان آخر، وبالتالي الصحابية التي لم تكن تعد من الراويات أو المكثرات في المدينة، يصبح أي قول سمعته منه صلى الله عليه وسلم أو أي فعل رأته أو صفة خَلْقية أو خُلُقية له عليه الصلاة والسلام بالنسبة إلى أهل هذا البلد، خبرًا يأخذ بالألباب، ومن ثم تؤدي الصحابية واجب التبليغ، فتنفع من سمع، لأن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دين ودين...

    ويندرج تحت هذا أيضًا نساء الصحابة وبناتهم وأمهاتهم وجواريهم من الذين انتقلوا إلى الأمصار، سواء للفتوح أو للقضاء والتعليم... فقد ذكر العجلي: أنه خرج من المدينة قرابة ألف وخمسمائة من الصحابة، توزعوا في الأمصار(28)، فلا شك أن منهم صحابيات رأين النبي صلى الله عليه وسلم وسمعن منه، أو تابعيات رأين صحابة كبارًا وسمعن منهم، ومع أن كتب التراجم والتاريخ لا تذكر إلا اليسير جدًا من أخبار هؤلاء النساء، لكن السير الطبيعي لحياتهن يلزم منه تضمن ما ذكرنا من أمر تحديثهن في البلدة التي انتقلن إليها.. وهكذا تتحقق ثمار الرحلة ومقاصدها عرضًا واتفاقًا.

    الرحلات العلمية والحج عند النساء:

    منذ العهد النبوي كان الحج موسمًا سنويًا للعبادة من جهة وملتقى علميًا من جهة أخرى، فكان الناس رجالاً ونساء يترقبون الشهر الحرام حتى يلتقوا بمن يزودهم بالعلم ويفقههم في دينهم.

    حجة الوداع:

    كان لهذه الحجة أثر عظيم في نشر الحديث، حيث إنه حضر هذا الموسم خلق كثير جاءوا من مختلف النواحي، وقد وصل عددهم إلى أربعين ألفًا من رجل وامرأة(29)، حيث ألقى فيهم النبي صلى الله عليه وسلم خطبة عظيمة جمع فيها أحكامًا غزيرة وسننًا كثيرة، ووضع من آثار الجاهلية ما أبطله الإسلام، ولكثرة الناس في ذلك اليوم، اتخذ ربيعة بن أميــة بن أبي الصلت مبلغًا عنه صلى الله عليه وسلم(30)، وهي خطبة بيَّن فيها صلى الله عليه وسلم مناسك الحج، فلم يترك شيئًا لم يكن بيَّنه للناس إلا بينه وأظهره، فكانت هذه الخطبة الحافلة في الجمع الحاشد من أكبر العوامل في ذيوع السنن الكثيرة بين القبائل.. وقد ساهمت المرأة المسلمة ممن حضر هذه الحجة وسمع الخطبة في تبليغ كلام المصطفى(31) متمثلة قوله عليه الصلاة والسلام: (فليبلغ الشاهد الغائب)(32)، بعد أن انتقلت من موطنها وجاءت إليه صلى الله عليه وسلم تنشد تعاليمه وهديه...

    الرحلة وحج النساء بعد عصر النبوة:

    عرفنا فيما سبق رحلة الصحابيات، شكلها، أغراضها، وفوائدها، بقي أن نعرج على دور الحج في الرحلة والعلاقة بينهما عند غيرهن.

    كان الناس رجالاً ونساء يتوافدون إلى المدينة المنورة بعد أداء المناسك أو خلالها، يجتمعون إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون ويستفتون ويسمعون الحديث، وكانت نساء الأمصار يتحين الفرص للدخول على أمهات المؤمنين خاصة، إذ كانت حجراتهن رضي الله عنهن جميعًا لا تخلو من زائرات يردن السماع والفتوى، وكانت كبريات الصحابيات أيضًا مرجعًا هامًا للحديث لهؤلاء النساء الوافدات، فإذا علمنا أن أمهات المؤمنين لزمن الحصر في بيوتهن، أي في المدينة امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (هذه ثم ظهور الحصر)(33)، بعد أن حج بهن، إلا ما كان من عائشة في خروجها إلى البصرة، وأم حبيبة في زيارتها لأخيها في دمشق، فيلزم من هذا أن من روت عن بعض أمهات المؤمنين من غير سكان المدينة أو مكة أنها رحلت إليها، وخاصة إذا ثبت بالقرائن أن السماع كان أثناء الحج، أو أن الراوية تعدد إحرامها من بلدتها، مما يشير إلى وجود رحلات علمية كانت نشيطة أثناء الحج، لاجتمــاع الناس من مختلف الأمصار واتصــالهم بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا غرابة في التركيز على المدينة، فقد كانت مركز الإشعاع العلمي الوحيد آنذاك، ومحط أنظار العلماء الرواة، يجدون بغيتهم في السماع والتثبت لدى من تحمل عنه صلى الله عليه وسلم أولاً ثم من تحمل عن صحابته الأخيار رضي الله عنهم وخاصة أمهات المؤمنين، وبالتحديد من تأخرت وفاتهن كعائشة وأم سلمة.

    ولبيان اقتران الرحلة بالحج وتلازمها، نورد هذه الأمثلة:

    1- أم سالم بنت مالك الراسبية البصرية(34)، وهي تابعية من الثانية، قد أدركت أم المؤمنين عائشة وروت عنها، وفي تهذيب التهذيب وغيره(35): (أحرمت أم سالم من البصرة سبع عشرة مرة).. فهذه التابعية رحلت إلى الحجاز مرات عديدة، وتحملت عن عائشة رضي الله عنها، فلا نتوقف كثيرًا لنجزم أن ذهابها المدينة كان أيضًا للعلم، والحج كان أنسب وقت للطلب، إذ كل عقبات التنقل بالنسبة للمرأة تذلل أثناء الحج، للتأهب العام الذي يكون الناس عليه للقيام بالشعائر، وتأمن المرأة من خلاله على نفسها، وتؤدي مهمتها العبادية أحسن أداء، فقد كان الحج بالنسبة لطلاب العلم المهتمين بالحديث خاصة ملتقى سنويًا للتحمل والأداء والحفظ والتثبت وحيازة العوالي من الأسانيد.

    2- جسرة بنت دجاجة(36): تابعية ثقة، روت عن أبي ذر سماعًا عن عائشة، كما روت عن علي بن أبي طالب، وأم سلمة رضي الله عنهم جميعًا.. وقد أخبرت جسرة عن نفسها أنها اعتمرت نحوًا من أربعين عمرة(37)، ورأت أبا ذر بالربذة(38). فهذه الراوية التابعية جعلت من الأربعين عمرة التي أدتها بعثات علمية، تسمع من خلالها عمن لقيتهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقها إلى البقاع المقدسة كالربذة عند سماعها أبا ذر، أو في مكة أو المدينة عندما سمعت من أم سلمة، وهي من أهل الكوفة. فأسفارها الأربعون وإن سميت عمرة فما هي إلا رحلات علمية في طلب الحديث.

    - وقد روى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خصوصًا في مواسم الحج جيل من النساء من مختلف الأمصار، ورواياتهن تشير إلى أن السماع أو اللقيا كانت أثناء مناسك الحج، أو أنهن دخلن عليها، وسألنها في مختلف القضايا.. ولا غرابة أن تكون معظم رواياتهن عن عائشة، حيث إن من رغب في حيازة علم ركز على أشهر حامل له، وهذا ما توفر فيها رضي الله عنها، وفي تلميذاتها من بعدها: عمرة بنت عبد الرحمن، وعائشة بنت طلحة، وغيرهما.

    وهذه بعض النصوص التي تفيدنا في أمر سماع النساء في موسم الحج، أو انتقالهن إلى المدينة المنورة للزيارة.

    - ذقرة بنت غالب الراسبية البصرية(39)، أم عبد الرحمن بن أذينة قاضـي البصرة، روت عن عائشة قالت: كنا نطوف البيت مع أم المؤمنين، فرأت على امرأة بردًا فيه تصليب، فقالت: (اطرحيـــه، اطرحيــه، فــــإن رســـول اللـــــه صلى الله عليه وسلم كـــــــان إذا رأى نـــحـــو هـــذا قَضَبه)(40).

    - زينب امرأة قيس بن أبي حازم(41): روت عن عائشة رضي الله عنها، وروى عنها زوجها قيس بن أبي حازم، وهو كوفي، ما كان بالكوفة أحد أروى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منه.. وامرأته وهي تروي عن عائشة، لا شك ذهبت إليها المدينة وسمعت منها هناك.

    - وذكر ابن سعد(42): أن تميمة بنت سلمة أتت عائشة في نساء من أهل الكوفة، قالت: (فسألتها امرأة منا: المرأة تصيب من بيت زوجــها شيــئًا بغير إذنه، فغضبت وقطبت وساءها ما قالت، وقالت: (لا تسرقي منه ذهبًا ولا فضة، ولا تأخذي منه شيئًا).

    - أم الكرام: حجت فلقيت امرأة بمكة كثيرة الحشم، ليس عليها حلي إلا الفضة، فسألتها، فقالت: ( كان جدي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه وعلي قرطان من ذهب، فقال: شهابان من نار)(43).

    - وأم الدرداء الصغرى هجينة العالمة الفقيهة زوج أبي الدرداء، تروي عن عائشة أم المؤمنين (44)، ومن المعلوم أن عائشة لم تقدم دمشق أصلاً كما ذكر الذهبي في السير(45)، وأن أم الدرداء كانت تقطن دمشق، وقد حجت سنة (83هـ) بينما توفيت أم المؤمنين سنة (58هـ) على الصحيح، فهذا يلزم منه أن تكون أم الدرداء رحلت المدينة في غير حج، وسمعت من أم المؤمنين عائشة.

    ونصوص أخرى(46) فيها دلالة على أن المرأة رحلت لحج أو زيارة فسمعت وروت، وروي عنها، ذكرنا ما يكفي منها لبيان أن الحج كان فرصة ثمينة للنساء للتحصيل والرواية.

    وإن لم تشتهر رواية النساء في هذا، فلأن أصحاب الحديث لهم شروطهم في قبول الروايات واعتمادها، لكن متون الكتب غنية بمثل هذه النصوص التي قد لا تفيد طلاب الأحكام الشرعية والفتاوى، لكن هي قيمة جدًا لمن يهمه سير الحياة العامة للمسلمين في تلك العهود.. وباستنطاق هذه النصوص، لا شك نحصل على شكل الحركة العلمية والاجتماعية.

    ثم نلاحظ أن الرحلة في بادئ الأمر، اقتصرت على المدينة لفضلها، ومدار العلم فيها على أمهات المؤمنين وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء والرجال، ثم كان أن انتشر كثير من الصحابة عبر الأمصار خاصة المشتغلين بالروايـــة والتعليم، ثم بعد وفاة أمهات المؤمنــــين أي ما بعد (62هـ)، نلاحظ أن الرواية بدأت في التخصص، نقصد بذلك أنه أصبح هناك مراكز علمية غير المدينة كالكوفة، لأن فيها أصحاب عبد الله بن مسعود، والبصرة لأن فيها أصحاب أنس بن مالك، والشام لأن فيها أصحاب معاذ بن جبل وأبي الدرداء، ومصر فيها أصحاب عبد الله بن عمرو بن العاص، فبدأ يحدث نوع من التوازن في الرواية، وخف التركيز في الطلب على المدينة إلا لمن علت همته وطمحت نفسه إلى الإسناد العالي أو بيان علة أو التحقق من رواية.. وعلى هذا، طبيعي أن تخف الرحلة وخاصة لدى النساء، لوجود ما يغني من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصرهن.

    وشيء آخر يفسر تراجع الرحلة لدى النساء في أواخر القرن الثاني والقرن الثالث، أن هذه الفترة بالذات هي عصارة الجهود الأولى، وذروة الجمع والتدوين والتصنيف، وكان روادها الجهابذة من الحفاظ، الأمر الذي لم يترك مجالاً للنساء، خاصة وأنه لم تنجب لنا الأمة فيما بعد من كانت مثل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فطبيعي أن تضمر الجهود البسيطة لصالح الجهود الجبارة.



    المصدر :
    http://www.islamweb.net/newlibrary/display_umma.php?lang=&BabId=7 &ChapterId=7&BookId=270&CatId= 201&startno=0
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2012
    الدولة
    العراق /بغداد الرشيد
    المشاركات
    165

    افتراضي رد: رحلة النساء في طلب الحديث وأدائه

    وقد ورد عن الزهري قوله: (الحديث ذكر يحبه ذكور الرجال )(1).
    ماهو المقصود بقوله رحمه الله هلا اوضحتي لي المقولة يرحمكِ الله

    والامر الاخر اشكركِ الشكر الجزيل وجزاكِ الله خيراً وبارك فيك على هذا الموضوع الذي يرفع الهمم
    ولنعلم ان العلم لايقتصر على الرجال صحيح انهم رؤوس فيه ولكن يمقدور المراة الطلب وليس بالصعب على من ارادت
    ان تطلبه فبارك الله فيكِ ورحم الله نساء الله الامة
    قال الامام الاوزاعي :عليك بالآثار وان رفضك الناس واياك وكلام الرجال وان زخرفوه لك بالاقوال فان الامر ينجلي وانت على طريق مستقيم. شرف اصحاب الحديث اللهم ثبتناعلى السنةحتى الممات

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,543

    افتراضي رد: رحلة النساء في طلب الحديث وأدائه

    بارك الله فيك يا محبة الحديث ..
    وإليك جواب سؤالك :
    " من أهم مميزات علم الحديث أنه علم شديد المأخذ، صعب المرتقى، دقيق المسالك، بعيد الغور. ولذلك فليس من السهل فهمه، ولا من اليسير تعلمه، ولا يقدر على فقهه كل أحد، ولا يستطيعه كثير أناس.
    ولهذا كان الإمام الزهري (ت124 هـ) يقول: (الحديث ذكر، يحبه ذكور الرجال، ويكرهه مؤنثوهم) ( ). ومعنى هذا أن الحديث يحتاج إلى عقل فحل في عزم وحزمه وإصراره وقوته، ولا ينفع معه العقل الضعيف المتردد المتحير الملول ؛ وهذا غير الذكاء وسرعة الفهم، فربما كان العقل ذكياً لكنه ليس ذكراً!!

    ولذلك فقد قل من ينجب في علم الحديث ويتميز، يوم أن كان طالبو الحديث ألوفاً! ويوم كانت ألوفهم من الطراز الأول من طلبة العلم!!
    يقول شعيب بن حرب (ت197 هـ): (كنا نطلب الحديث أربعة آلاف، فما أنجب منا إلا أربعة) ( ).

    ولما كثر من يطلب الحديث في زمن الأعمش، قيل له: (يا أبا محمد، ما ترى ؟! ما أكثرهم!! قال:لا تنظروا إلى كثرتهم،، ثلثهم يموتون، وثلثهم يلحقون بالأعمال (يعنى الوظائف الحكومية)، وثلثهم من كل مائة يفلح واحد) ( ).

    ولهذا العمق في علم الحديث نهى نقاد الحديث عن شرح كثر من علل الروايات إلا عند أهل الحديث، لما يخشى من شرح ذلك على غير أهل الحديث أن يكون سبباً في أن يفتتنوا أو يفتنوا!! من باب: (حدثوا الناس بما يعقلون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله) ( )، وباب: (إنك لست محدثاً قوماً بحديث لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة) ( )!! "


    منقــــــــــــ ــول
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=19599
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Sep 2012
    الدولة
    العراق /بغداد الرشيد
    المشاركات
    165

    افتراضي رد: رحلة النساء في طلب الحديث وأدائه

    جزاكِ الله خيرا ياام علي الغالية
    جعلكِ الله من فحول هذا العلم اللهم امين
    ودفع به عن وجهكِ النار ياااااارب
    ورحم الله محدثينا
    قال الامام الاوزاعي :عليك بالآثار وان رفضك الناس واياك وكلام الرجال وان زخرفوه لك بالاقوال فان الامر ينجلي وانت على طريق مستقيم. شرف اصحاب الحديث اللهم ثبتناعلى السنةحتى الممات

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,543

    افتراضي رد: رحلة النساء في طلب الحديث وأدائه

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محبة الحديث النبوي مشاهدة المشاركة
    جزاكِ الله خيرا ياام علي الغالية
    جعلكِ الله من فحول هذا العلم اللهم امين
    ودفع به عن وجهكِ النار ياااااارب
    ورحم الله محدثينا
    اللهم آمين أجمعين ،،،
    فائدة : فُحول العِلم : الفائقون فيه .
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Sep 2012
    الدولة
    العراق /بغداد الرشيد
    المشاركات
    165

    افتراضي رد: رحلة النساء في طلب الحديث وأدائه

    جزيتِ خيرا على هذه الفائدة واللهم امين
    جعلكِ الله وايانا منهم
    قال الامام الاوزاعي :عليك بالآثار وان رفضك الناس واياك وكلام الرجال وان زخرفوه لك بالاقوال فان الامر ينجلي وانت على طريق مستقيم. شرف اصحاب الحديث اللهم ثبتناعلى السنةحتى الممات

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,543

    افتراضي رد: رحلة النساء في طلب الحديث وأدائه

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محبة الحديث النبوي مشاهدة المشاركة
    جزيتِ خيرا على هذه الفائدة واللهم امين
    جعلكِ الله وايانا منهم
    اللهم آمين ، بارك الله فيك محبة الحديث
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,543

    افتراضي

    سبحان الله
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    1,412

    افتراضي


    دور المرأة في روايات الكتب الستة

    بذل علماء الحديث الأفذاذ جهوداً جبارة في جمع السنة وتدوينها، والحكم على رواياتها، وصنفوا لنا في ذلك العديد من التصانيف، من المسانيد والمجامع والسنن وغيرها، كانت بحق كنوزًا للسنة.. غير أن الكتب الستة، حظيت بالرضا والقبول لدى الأمة الإسلامية قديمًا وحديثًا، لذلك توفرت على دراستها والعناية بها وخدمتها لتـــأخر عهد أصحـــابها ومعاصــرتهم حركة التـــدوين وهي في أوجها، وقبل هذا وذاك لقيمتها الحديثية وحسن الترتيب فيها، لذلك آثرنا الاعتماد على هذه الكتب في هذا المبحث، لبيان جهود المرأة في الرواية ونقل أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ونشرها، وليس غرضنا الحصر والاستــــيعاب بقدر ما نهـــدف إلى إجـــلاء القــدر الكافي الذي يبرز لنا المساهمة التي قدمتها المرأة المسلمة على مدى القرون الفاضلة الأولى في الحفاظ على الموروث النبوي، بعد أن عرفنا حظها ومشاركتها في وضع ركائز الإيمان والعمل الصالح والدعوة، وتأسيس الأطر الأخلاقية.

    ولتحقيق هذا المراد، استلزم النظر في الأسانيد، والوقوف على دور المرأة راوية للحديث النبوي، وتحديد حقل البحث في الأصول الستة(1) ثم متابعة روايات النساء عبر مختلف الكتب والأبواب منتهين إلى تكوين صورة عن حجم رواية النساء ومضامينها وقيمتها الحديثية والفقهية، مع بيانٍ لسير حركة الرواية عند المرأة عبر هذه القرون. وتوضيح هذه العناصر يكون عبر المطالب التالية :

    المطلب الأول: الراويات في الكتب الستة .1- عدد الراويات الصحابيات في الكتب الستة(2) :

    يبلغ مجموع من لها رواية من الصحابيات في الكتب الستة جميعها سواء من روت عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة أو من روت عن أحد الصحابة، مائة وخمس عشرة صحابية ثابتة الصحبة، ونضيف إليهن خمس صحابيات راويات مختلف في صحبتهن .
    وهن: أسماء بنت زيد بن الخطاب(3)، أسماء بنت سعيد بن زيد بن نفيل(4)، صفية بنت الحارث بن طلحة العبدرية(5)، عائشة بنت مسعود بن الأسود(6)، زينب بنت نبيط(7)، إلا أنه ليس لواحدة منهن رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم.. أما صفية بنت شيبة، فقد أنكر الدارقطني إدراكها(8)، وفي البخاري التصريح بسماعها عن النبي صلى الله عليه وسلم(9).

    أما الحافظ المزي وهو يذكر مسانيد الصحابة في تحفة الأشراف، فقد ذكر مائة واثني عشر مسندًا لصحابيات يروين عن النبي صلى الله عليه وسلم في مجموع الكتب الستة(10).

    أما متفرقة، فقد جاءت حسب ما يلي:

    - روى البخاري عن إحدى وثلاثين صحابية في جامعه الصحيح.

    - روى مسلم عن ست وثلاثين صحابية في جامعه الصحيح.

    - روى أبو داود عن خمس وسبعين صحابية في سننه.

    - وروى الترمذي عن ست وأربعين صحابية في سننه (الجامع).

    - وروى النسائي عن خمس وستين صحابية في سننه (المجتبى).

    - وروى ابن ماجه عن ستين صحابية في سننه.

    الملاحظ أنه يوجد بعض التفاوت بين أصحاب الأصول في إخراجهم عن الصحابيات قد يصل إلى أكثر من الضعف، كما هو الحال عند أبي داود حيث روى عن أكثر الصحابيات، كذا بالنسبة للنسائي وابن ماجه ويليهم الترمذي، وكون من التزم الصحة كالبخاري ومسلم لم يرويا عن كثير من الصحابيات، فلأنهما لم تصلهما عنهن أسانيد يرضيانها وترتقي إلى الشروط التي التزماها في إخراج الحديث.

    2- عدد الراويات غير الصحابيات في الكتب الستة :

    سجلنا عدد الراويات غير الصحابيات في مجموع الكتب الستة، فكان مائة وثلاث راويات موزعات على الطبقات:

    - ثمان راويات من كبار التابعيات (أي الطبقة الثانية).

    - ستًا وأربعين راوية من الطبقة الوسطى من التابعيات (أي الطبقة الثالثة).

    - ثلاثًا وعشرين راوية من الطبقة الرابعة.

    - خمس راويات من الطبقة الخامسة.

    - عشر راويات من الطبقة السادسة.

    - عشر راويات من الطبقة السابعة.

    - وراوية واحدة من الطبقة الثامنة هي طلحة أم غراب.

    ثم تتوقف رواية النساء بعد هذه الطبقة، فلا نسجل راوية واحدة عبر الطبقات الأخيرة المتبقية حتى نصل إلى الشيوخ الستة.

    فكما سبق وأن لاحظنا في مبحث الطبقات، أن عدد الراويات يقل تدريجياً مع القرون حتى يندر أن نسجل راوية واحدة في القرن الثالث.. وبالنسبة للأصول الستة، ولما كان حقل البحث محدودًا بها، أمكن إعطاء أرقام دقيقة إلى حد بعيد تؤكد تراجع حركة الرواية عبر القرون، فمجموع الراويات غير الصحابيات خلال هذه القرون، لم يصل إلى عدد الراويات الصحابيات.

    كما أن توزيع الراويات عبر الطبقات، يشير إلى عدم توازن نشاط الرواية النسائية في مختلف الحقب الزمانية، حيث اتبعت خط التراجع والانحدار إلى أن نصل إلى الانعدام، والأرقام التي ذكرنا في كل طبقة تؤكد هذا.

    3- أحوال الراويات في الكتب الستة :

    لا تدخل الصحابيات رضوان الله عليهن جميعًا في نطاق هذا البحــث، لثبــوت العــدالة لهن جميعًا، سواء من روت عــن النبي صلى الله عليه وسلم أو روت عن غيره، وهذا بإجماع الأئمة(11).

    أما بالنسبة لغيرهن، فالصفة التي تختص بها الراوية في هذه الأصول من جرح أو تعديل لا تخرج عن هذه الأحوال:

    ثقة، مقبولة، لا يعرف حالها (مستورة)، مجهولة.. فهناك:

    - خمس عشرة راوية ثقة، أغلبهن من الطبقة الثانية والثالثة.

    - وثلاثًا وثلاثين راوية مقبولة.

    - وما تبقى فهي إما لا يعرف حالها (مستورة) أو مجهولة.

    وقد ذكرنا هذه الأعداد فقط، لنلاحظ كثرة الراويات المستورات والمقبولات(12)، وهذا راجع إلى كون أحوال النساء مستورة عند من صنفوا في الرجال.. فلما خفي على هؤلاء أحوال قعيدات البيوت، سرت عليهن ضوابط معرفة الرواة، فكانت شديدة عليهن، خاصة على من لم ترو إلا القليل جدًا من الأحاديث، ولم تكن مشهورة بالطلب.

    أما الراويات الثقات، فهن ممن اشتهرن بعلمهن وفضلهن وكثرة روايتهن.. وما يلاحظ أيضًا أننا لم نسجل راوية واحدة تنزل عن المرتبة التاسعة (أي مجهولة)، كما نلاحظ ذلك عند الرواة الرجال .

    وقد سبق أن أشرنا إلى قول الذهبي في الميزان(13) في عدم وجود راوية اتهمت أو تركوها، وهذا ما يكسب المرأة ميزة تحسب لها في عالم الرواية، تبين نقاء الراوية من شوائب البدع والكذب والضعف الشديد والنكارة.

    حجم رواية النساء في الكتب الستة :

    استنادًا إلى كتاب تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي، مع الرجوع إلى كتاب تهذيب الكمال في معرفة الرجال للمزي أيضًا، والتقريب لابن حجر(14)، تمكنا من تسجيل:

    ألفين وسبعمائة وأربع وستين رواية للنساء في مجموع الكتب الستة (2764 حديثًا) حيث وجدنا:

    - ألفين وخمسمائة وتسعة وثلاثين حديثًا للصحابيات الراويات.

    - مائتين وخمسة وعشرين حديثًا لسائر الراويات من غير الصحابيات.

    وبينما تروي الأربع وثمانون راوية غير صحابية من مختلف الطبقات (225 حديثًا)، تروي المائة والاثنتا عشرة صحابية (2539 حديثًا).. ولمستدرك أن يقول: إن معظم الروايات عند الصحابيات هي في الحقيقة لراوية واحدة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث تروي في مجموع الكتب الست (2081 حديثًا)، فنقول: إننا إذا حذفـنا هذا القدر، أي روايــــات عائـــشة ليبقى العدد (458 حديثًا) ترويها بقية الصحابيات، يكون اختلال في توازن حجم الرواية، حيث تتكثف في مدة قصيرة هي عصر الصحابة لتضمحل خلال القرون اللاحقة.

    وملاحظة جديرة بالذكر، هي أن الألفين والواحد والثمانين حديثًا المروية عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، لم ترو منها تلميذات عائشة الأربع والثلاثون سوى (146 حديثًا تقريبًا)، وهذا قدر ضئيل جدًا، نفسره كما يلي:

    1
    - أن أم المؤمنين عائشة كانت فريدة عصرها، بل كل العصور، ولعل من المستبعد أن توجد من تضاهيها في علمها وحفظها (ولم توجد).

    2- أن أصحاب الحديث ممن صنفوا في هذا الفن، لم يعتمدوا عـــلى كثــــير من روايات النســـاء، لأنها لم تصـــلهم عـــن طرق يرضونها.

    3- أن الحركة العلمية لدى النساء كانت محدودة جدًا وغير مشجَّعَة على نطاق واسع بين النساء، خاصة في فترة وجود أكبر المحدثات عائشة رضي الله عنها، وهذا ما نرجحه لتفسير هذا التراجع والزهد في المساهمة في هذا العلم .

    المطلب الثاني: مضامين رواية النساء في الكتب الستة :

    كانت المرأة المسلمة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم شديدة الحرص على تحصيل العلم الذي ينفعها في معرفة أحكام دينها وكيفية أداء واجباتها في علاقتها مع ربها ودورها في مجتمعها. وقد رأينا إقبال النساء على حضور مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم حتى إذا ما رأين الرجال قد غلبوهن طلبن منه صلى الله عليه وسلم أن يعين لهن جلسات خاصة بهن، يسألنه عن أمورهن ويتعلمن أحكام الإسلام(15) وسِجِل هذا التنافس الذي عرفته المرأة المسلمة، شاهد على المرتقى العلمي الذي بلغته خاصة في رواية أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهي رواية اتسعت لتشمل الأحاديث التي تمس شتى مناحي الحياة، ما تعلق مباشرة بشؤون المرأة أو غير ذلك، مع تفاوت في كثرة روايتها في أبواب وقلتها في أخرى وندرتها في الثالثة وانعدامها في الرابعة، وكل هذا في حقل الكتب الستة المختارة.

    1- رواية النساء في الأحكام :

    ليس غريبًا أن تكون معظم روايات النساء ترتكز حول الأحكام، بمختلف فروعها، سواء في العبادات، أو المعاملات، أو الأحكام المتعلقة بالآداب العامة كالطعام والشراب واللباس والاستئذان، وما تعلق بضوابط أفعال العباد في حياتهم، حيث إن هذه الأحكام هي المراد الأول من التعلم، ولا تتم معرفة الدين إلا من خلال معرفة أحكامه، لامتثالها والالتزام بحدودها.

    وقد سبق أن لاحظنا في مبحث أمهات المؤمنين، أن معظم رواياتهن تتعلق بالأحكام وما ارتبط بالحياة العملية. وهذا يصدق على باقي الصحابيات أيضًا، بحيث تغلب على رواياتهن القضايا التي ارتبطت بها أحكام، وخاصة ما كان في قضايا النساء. ولما كان الحديث يرد أحيانًا في باب من أبواب الأحكام ويرد أيضًا في المناقب مثلاً أو غيرها، يصعب إعطاء أرقام دقيقة حول حجم رواية النساء في الأحكام، لكن لا نتوقف كثيرًا بعد الإطلاع على مسانيد الصحابيات من تحفة الأشراف لنجزم أن رواية النساء يغلب عليها ذكر الأحكام، خاصة في أبواب الطهارة، الحيض، الصلاة، أحكام الصوم، المناسك، الطلاق، الزواج، الرضاع، الأطمعة، اللباس، الأشربة، وغيرها، دون أن ننسى روايات أم المؤمنين عائشة التي كادت تغطي جميع أبواب الفقه.

    2- رواية النساء في غير الأحكام :

    مع كون روايات النساء في غير أبواب الأحكام قليلة، إلا أنها روايات لها قيمتها، وهي غالبًا ما تكون عمدة في بابها، وسنفصل قليلاً في هذا المطلب:

    فقد روت المرأة في الفتن وأشراط الساعة، واشتهرت روايتها، كما فعلت الصحابية أم شريك وهي تروي حديث: (ليفرّن الناس من الدجال في الجبال)(16).. وعن النساء وصلتنا أحاديث في يأجوج ومأجوج(17)، وفي ذكر الجيش الذي يخسف به(18)، (ولا يأتي زمان إلا الذي بعده شرٌّ منه)(19) وأحاديث أخرى.

    كما ساهمت الراوية أيضًا في أبواب التفسير بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية قراءة آية وبيان معانيها، وذكر أسباب نزولها...إلخ، علمًا منها أن كتاب الله الكريم مكمن الأحكام ومحل الهداية. وقد أخذت أم المؤمنين عائشة حصة الأسد في الروايات المتعلقة بالتفسير، إضافة إلى مرويات صحابيات أخريات مثل: أسماء بنت يزيد بن السكن، تروي في القراءات والتفسير، والتابعية معاذة العدوية تروي عن عائشة في التفسير، كذا عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة، وأم سعد بنت سعد بن الربيع تروي في القراءات، وغير ذلك.

    وفي أبواب العقائد، روت المرأة في القدر وبدء الوحي، والإيمان وغيرها، وهنا أيضًا برزت أم المؤمنين عائشة في الرواية في هذه الأبواب.

    كما برزت المرأة في الرواية في المناقب، فروي لها في مناقب الصحابة، وهجرة النبي صلى الله عليه وسلم كثير من الروايات، مثل ما ورد في ذكر عمار بن ياسر، وفي هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفي فضل علي وفضل أصحاب الشجرة، وأصحاب السفينتين (مهاجري الحبشة)، وفضائل المدينة وغيرها .

    المطلب الثالث: رواية المرأة عمدة في بابها :

    إن الأحاديث الكثيرة التي روتها النساء، وكانت مادتها تتعلق بجميع أمور الحياة من العقائد والعبادات والمعاملات، والأحوال الشخصية والآداب وغيرها، قد اشتركت في نقلها إلى الناس مع الرجل شعوراً منها بمسؤولية التبليغ والأداء. غير أن المدونات الحديثية سجلت لنا سنناً وأحاديث لا يعرف أنه قد رواها إلا النساء، فكانت مرجعاً في الاستدلال الفقهي ووضع القواعد والأصول، فكم من حكم قضي به بناءً على حديث امرأة، وكم من سنة اتبعت ووراءها امرأة.

    ومن الأحاديث التي لا يعرف أنه قد رواها إلا النساء، حديث الفريعة في سكنى المتوفى عنها زوجها(20)، وقد تفردت التابعية الجليلة زينب بنت كعب بن عجرة برواية هذا الحديث عن الفريعة، وتلقاه سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه بالقبول وقضى به بمحضر من المهاجرين والأنصار(21)، وأخذ به العلماء، واستعمله أيضًا أكثر فقهاء الأمصار وتلقوه بالقبول، وقضوا به.. فهذا محمد بن سيرين يقضي في امرأة توفي عنها زوجها وهي مريضة، نقلها أهلها، أن ترد إلى بيتها في نمط(22)، وكان حجة ردها إلى بيت زوجها حديث الفريعة.. وهكذا ظلت الصحابية الجليلة مرجعًا في هذا الباب لكبار الصحابة والتابعين، يسألونها عن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ظل حديثها عمدة المحدثين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

    - وممن حظي بهذا الشرف أيضًا، فكانت قصتها حديثًا يروى وسنة متبــعة، وحكــمًا يقضى به، فاطمة بنت قيس فيما روته عن النبي صلى الله عليه وسلم في نفقة وسكنى المبتوتة(23)، وقد أخذ كبار التابعين هذا الحديث من فم فاطمة وتناقلوه عنها وارتبط باسمها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كما عقد العلماء والفقهاء لهذا الحديث نقاشات كثيرة في الحكم المستنبط منه، وذهبوا في ذلك مذاهب، ومرجعهم في ذلك قصة فاطمة بنت قيس.

    - وسنن كثيرة تعلقت بأحكام النساء فاهتمت برواياتها، فاشتـهرت عن طريقها، فعرفت أحكام وآثار قيمة لولا النساء ما وصلت إلينا.

    - وقد تبلغ الراوية الذروة في الوعي والحفظ والأداء عندما تنفرد وحدها برواية حديث الجساسة الطويل وصفة خروج الدجال(24)، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حدث به في المسجد حيث الحشود من النساء والرجال، بعد أن نودي للصلاة جامعة، فرغم طول الحديث ودقة ما فيه من صور ومشاهد وغرابتها، إلا أنه لم يصلنا إلا من طريق امرأة هي فاطمة بنت قيس مرة أخرى، فهذا إن دل على شيء فهو دال على المقدرة العجيبة لحفظ الراوية وذكائها وعلمها وإجادتها لما سمعته، كما فيه الدلالة الواضحة على حضور النساء في كافة المجالس، واهتمامهن بكل القضايا، منهن من يسعفها حفظها فتروي، ومنهن من تكتفي بالدروس والعبر المستنبطة، تستفيد منها.

    - وأحاديث أخرى كثيرة، وإن كنا لا نجزم بتفرد النساء بروايتها دون الرجال، لأنها من القضايا المشتركة بين المسلمين، إلا أن رواية النساء فيها أصل وعمدة في بابها، إشارة في ذلك أن عالم الرواية علم بحره واسع، يخوض فيه كل من له قدرة عليه، والاعتماد بعد ذلك على الأتقن والأجود، وفيه أيضًا أن نساء الصدر الأول رضي الله عنهن اكتسبن من الثقة النفسية والمبادرة وحب العلم ما جعلهن مرجعًا محترمًا، وأحيانًا في كثير من القضايا الخاصة والعامة.

    - فحديث أم عطية رضي الله عنها في غسل الميت(25) أصل في الباب، لذلك كان جماعة من الصحابة والتابعين يأتونها فيأخذون عنها الحديث، لحسن روايتها وفهمها للأحكام، وكانت قد غسلت بنات النبي صلى الله عليه وسلم زينب وأم كلثوم، والنبي صلى الله عليه وسلم يوجهها ويرشدها خطوة خطوة حتى استوعبت تمام الفعل والقول النبوي وبرعت فيه، فكانت تغسل الميتات لاختصاصها في هذا المجال ودرايتها فيه.

    وفي البصرة اشتهرت أم عطية بفقهها وفهمها للحديث النبوي وأحكامه، فكانت مقصد الرجال والنساء يأخذون عنها الأحاديث العديدة، وحديثها في غسل آنية رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهور في الصحيح، إذ كان محمد بن سيرين وغيره يأخذون عنها هذا الحكم. وحديثها في خروج الحيّض وذوات الخدور إلى صلاة العيد كان مرجعًا، حتى إن التابعية الجليلة حفصة بنت سيرين تلميذتها النجيبة، كانت تقول: إنهن في البصرة كن يمنعن ذوات الخدور من شهود العيد، حتى أتــت أم عطية البصرة فبينت لهن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في خروج النساء للعيد، حتى أخبرتهن أن التي لا تجد جلبابًا تعيرها أختها جلبابها، حتى تتمكن من شهود هذا الخير، الأمر الذي استغربته حفصة لعدم بلوغها هذا الحكم وهي سيدة التابعيات حتى جاءت أم عطية البصرة(26) وبثت فيها أحكام النساء المتعلقة بهذا الباب، ثم خلفتها حفصة بنت سيرين في نشر أحكام المصطفى عليه الصلاة والسلام.

    - وأسماء بنت عميس وهي تروي حديث فضل أصحاب السفينة(27)، وجدت نفسها مرجعًا وسندًا لبيان منقبة كانت ترى متأخرة فإذا هي متقدمة، ترفع أصحاب الدرجات العلى، ولأجلها تصبح هذه الراوية الصحابية مثابة للسائلين، فكان هذا من تمام سعادتها إذ تقول في هذا: (فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالاً، يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول صلى الله عليه وسلم: ولقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني)(28).

    - كما يرجع الفضل في بيان فضل أصحاب الشجرة المبايعين بيعة الرضوان إلى الراوية الصحابية أم مبشر التي كانت من المبايعات في هذه البيعة، تنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم تبشير الله لهم بالجنة(29).

    - وأحاديث كثيرة روتها النساء وهي مرجع وأصل في بابها، تمس أبواباً كثيرة في كتب الحديث(30)، ولن يجد الباحث عناءً كبيرًا في جمع الأحاديث التي وصلتنا عن طريق النساء، ونقلها عنهن الرواة واعتمدها العلماء، فهي كثيرة، حتى لو استثنينا أحاديث أمهات المؤمنين التي لم تعرف إلا عنهن.. فكم حكم سار، وسنة متبعة، وإجماع قائم، أساسه وحجته ما حفظته امرأة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقارعها فيه أحد.

    وفي النهاية نخلص من هذا كله، أن الكتب الستة شاهدة على مساهمة المرأة في الرواية، وإن كانت المساهمة العددية ضئيلة بالنسبة لسائر القرون بالمقارنة مع مساهمة الرواة من الرجال، إلا أن الروايات النسائية لها قيمتها الكبيرة باعتبار مضامينها، خاصة الروايات التي نقلتها الصحابيات رضي الله عنهن جميعًا، إذ كثير منها كما ذكرنا من الروايات المشهورة
    والمعتمدة في بابها.. وقد أشرنا إلى تراجع الرواية باعتــبار الحجم .. ومع بيــان ما رأينـــاه تفسير لهذا، مما يغني عن الإعادة .

    دور المرأة في روايات الكتب الستة

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,543

    افتراضي

    بارك الله فيك، نسأل الله علما نافعا وعملا متقبلا وأن يحسن خواتيم أعمالنا
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    1,412

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك، نسأل الله علما نافعا وعملا متقبلا وأن يحسن خواتيم أعمالنا
    آمين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •