إذا كف المؤمن عن الناس أذيته أدخله الله جنته

أيُّها الإخوة الكرام، كلُّنا يرجو ويتمنَّى أن يدخل الجنة بسلام؛ لكن الجنة لن يدخلها أحدٌ إلا برِضا الرحمن، ولن يرضى عنَّا الله إلا إذا عملنا بما يرضيه سبحانه وتعالى.


أمواتٌ قد ماتوا فأفضوا إلى ما قَدَّمُوا، ونحن أحياءٌ نستطيع أن نطرق أبواب الرِّضا لندخل الجنة بسلام، بأعمالٍ صالحات، كلٌّ على قدره، فإنَّ الله سبحانه وتعالى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].

لذلك في خطبتنا هذه بعضُ الخِصال وبعض الأعمال التي تكون سببًا في إدخالك الجنة، وتكون سببًا في رضا الله عنَّا جميعًا إن شاء الله، وهي يسيرة على مَنْ يسَّرها الله عليه.

لذلك هناك خِصال وأعمالٌ إذا عمل المؤمن بها أو بواحدة منها أدخلته الجنة، وهذه الخصال ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه، وكلُّها تعود بالنفع على عباد الله، تعود بالنفع على أخيك المسلم، وتعود بالنفع على الإنسان أو على غيره من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، وهذه الخصال فيها ترويضٌ لعبد الله المؤمنِ تُجاهَ غيره من الناس، الموحِّد يروِّضُ نفسه حتى ينالَ رضا الله سبحانه وتعالى.

لذلك أقلُّ هذه الأعمال بالاختصار؛ أن تكفَّ أذاك وشرَّك عن الناس، صعبة؟ ما هي صعبة؛ لكنَّ الواقعين فيها منا كُثُرٌ، نسأل الله السلامة، فهل كفَفْنا شرَّنا عن الناس؟ من غيبةٍ أو نميمةٍ أو إيذاءٍ في العرض أو في النفس، أو في سفكِ الدم الحرام، أو نحو ذلك من غشٍّ أو سرقة، نسأل الله السلامة.

أبو ذَرٍّ رضي الله عنه رجلٌ فقير، ويسأل عن أيسرِ الأشياء وأسهلها ليعمل بها هو، ويعمل بها غيره من أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم، حتى يدخل الجنة، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه وهو جندب بن جنادة الغِفاري قَالَ: (سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَاذَا يُنَجِّي الْعَبْدَ مِنَ النَّارِ؟) قَالَ: «الْإِيمَانُ بِاللهِ»، الرسول صلى الله عليه وسلم يجيبه: الإيمان بالله يُنجيك من النار؛ يعني: يُنْجي من الخلود فيها، قال: (قُلْتُ): (يَا رَسُولَ اللهِ، مَعَ الْإِيمَانِ عَمَلٌ؟) فقط الإيمان أم هناك عمل؟ (قَالَ): وذكر حوالي سِت خصال، وأبو ذَرٍّ يتدرَّج مع النبي صلى الله عليه وسلم بالأسئلة، والنبيُّ يُسايرُه، ويُعْطيه عن كلِّ سؤال جوابًا، قال:
1- «أَنْ تَرْضَخَ»؛ أَيْ: تعطي مما عندك، وتُنفق «مِمَّا رَزَقَكَ اللهُ»، فقراء نعطي، مساكين نعطي، أرامل نعطي، أيتامًا نعطي، تكفل عائلة فقيرة، تبني مساجد، أو تساهم فيها، تساعد في كل طُرُق الخير، هذا إذا كان عندك مال فقد قال عزَّ وجلَّ: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7]، صار فقيرًا؛ {فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7].

وهناك في الجنة بابٌ خاصُّ للمتصدِّقين، الذين لا يتركون يومًا أو زمنًا أو مكانًا ومعهم مال إلَّا وتصدَّقوا بما تيسَّر.

(قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا لَا يَجِدُ مَا يَرْضَخُ؟) ليس عنده ما ينفق، فذكر له الثانيةَ والثالثةَ من الصفات والخِصال الحميدة، قَالَ:
2، 3- «يَأمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ»؛ يعني: يدعو إلى الله عز وجل، فيأمر بما أمر الله به من العبادات؛ من التوحيد والصلاة، والصيام والزكاة والحج، وفعلِ الخيرات، والدعوةِ إلى الله عزَّ وجلَّ، ونشرِ العلم، والإصلاحِ بين الناس، وينهَى عن المنكر.

وعكس ذلك هو المنكر والعياذ بالله، فينهى عن كلِّ المنكرات، نسأل الله السلامة، من تركِ العبادات، كترك للصلاة ينهى عن ذلك، فإن كانت له زوجةٌ أو ابنٌ أو جارٌ أو صديقٌ أو من يشتغل عنده عاملٌ أو مسئول.

مُرْ بالمعروف وانهَ عن المنكر، وإيَّاك ودعوةَ الناس للشر، من يدعو للشر انهَهُ، إذا كان لك قدرة على النهي، الدعوة للشر والإلحاد والبدعة ونحو ذلك، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهذه من أخلاق المؤمنين وصفاتهم أنهم يتناصحون، قال الله سبحانه وتعالى: وَالْمُؤْمِنُون َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].

وهناك بابٌ خاصٌّ أيضًا في الجنة -وأبوابها ثمانية - للآمرين *بالمعروف والناهين عن *المنكر، قال أبو ذَرٍّ: (قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟)، قَالَ:
4- «فَلْيُعِنِ الْأَخْرَقَ»؛ الخُرْق بالضَّم: الجَهل والحُمْق، وقلة التفكير والتدبير، ومعنى (تَصْنَعُ لأَخْرَقَ)؛ أَي: لجاهلٍ بما يَجِبُ أَن يَعْمَلَه، يجهل هذا العمل أن يعمله، في بيته أو زراعته، ولم يكُنْ في يَدَيْه صَنْعةٌ يَكْتَسِبُ بها. فأنت تُعينه وتُساعِده بيدك، أو تسعى معه لمن يعينه، فبهذه المعاونة وبهذه المساعدة، وهذا من باب التعاوُن على البِرِّ والتقوى، هذا يجعلك إن شاء الله تفعل خصلة ترضي الله عنك، فإذا رضي عنك أدخلك الجنة؛ لذلك قال سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2]، وفي رواية للشيخين: («فَيُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ»)؛ (خ) (6022)، (م) 55- (1008). الذي يحتاج وملهوف وما أحد يعطيه، ولا أحد يساعده، وأن تساعده، أجرك عظيم عند الله سبحانه وتعالى.

لم يكتف أبو ذَرٍّ ويسأل ويقول: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ أَنْ يَصْنَعَ؟) لا يستطيع أن يصنع لأخرق، لا يستطيع أن يعاون أحدًا، وهذه الخامسة من الخصال الطيبة، (قَالَ):
5- «فَلْيُعِنْ مَظْلُومًا»، إذا كان هناك مظلوم معتدًى عليه، معتدًى على عرضه أو على ماله، وهو له كلمة عند بعض المسئولين ونحو ذلك، يذهب إليهم يعينه حتى يرد إليه مظلمته، يعين مظلومًا إن استطاع، ويسعى في ذلك، قال: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعِينَ مَظْلُومًا؟) الله أكبر، تدرُّجٌ من النبي صلى الله عليه وسلم في الإجابة، وتدرُّجٌ من أبي ذَرٍّ رضي الله عنه في الأسئلة، وكلُّها ترويضٌ للنفس يا عباد الله، فـقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند السادسة، وقبل أن يعطيه الجواب، استمعوا ماذا قال عليه الصلاة والسلام، (قَالَ):
6- «مَا تُرِيدُ أَنْ تَتْرُكَ لِصَاحِبِكَ مِنْ خَيْرٍ» ؟!") يعني؛ قطعته أبدًا ما يستطيع أن يفعلَ شيئًا من هذه الخمسة السابقة، مؤمن ليس عنده إعانة، ولا قدرة على مساعدة الناس ونحو ذلك، ثم أجابه فقال: «لِيُمْسِكْ أَذَاهُ عَنِ النَّاسِ»، بالله عليكم من لا يستطيع أن يكفَّ شرَّه عن الناس؟ هذه في مقدور الجميع؛ إلا من انتكست فطرته، فيقول: والله ما أقدرُ أن أمسكَ لساني عن الغيبة والنميمة! لا بُدَّ أن أغتابَ الناس! أو أغشَّهم! إلا أن أفعل الشر!، إلا أن أسرقَ، أو أتكلَّم في أعراض الناس، أن أكذبَ وأفسد، والصدر مليءٌ بالحقد والعياذ بالله، محشوٌّ بالضغينة على المسلمين، والعياذ بالله، هذا ما بقي منه من خير؟ تكفّ شرَّك عن الناس يا عبد الله!

لم يتوقَّفْ أبو ذَرٍّ رضي الله عنه عن الأسئلة، لكن في الختام قال:
(قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ فَعَلَ هَذَا)؛ هذا يعودُ على ما مضى؛ أي: واحدة منها أو كلها، فهل (يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ؟) قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُصِيبُ خَصْلَةً مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ»؛ واحدة «إِلَّا أَخَذَتْ بِيَدِهِ حَتَّى تُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ»، (ش) (30972) (حب) (373)، (هب) (3328)، (طب) (1650)، (ك) (212)، الصَّحِيحَة: (2669)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (876)، (2318).

فالإنسان إذا ضعف عن عمل الخير؛ فينبغي أن يكون أقلَّ أحوالِه الكفُّ عن الشرِّ، فإنه إذا لم يطقْ أن يعملَ خيرًا؛ فلا أقلَّ من ألَّا يعملَ شرًّا. وهذا من غاية تنبيهاته صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- ولُطْفِه في حسن الموعظة؛ الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 172).
ومن أبواب الجنة الثمانية، نسأل الله أن نكون من أهلها، ونسأل الله أن نعمل في الدنيا بما يرضيه سبحانه وتعالى لننالها في الآخرة، من أبواب الجنة، باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، أن تقابلَ الإساءةَ بالإحسان، وهذا ما وصَّى به النبي صلى الله عليه وسلم، عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (لَقِيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي): «يَا عُقْبَة بْنَ عَامِرٍ، صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ»، «وأحْسِنْ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ، وقُلِ الحقَّ وَلَوْ عَلَى نَفْسِكَ»؛ الحديث بزوائده: (حم) (17452)، الصَّحِيحَة: (891)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (2536)، أبو عمرو بن السماك في حديثه: (2/ 28/ 1)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (3769)، الصحيحة: (1911)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (2467).

«يا عقبة بن عامر صِلْ مَنْ قَطَعَك»؛ أي: من أرحامك حتى لو قطعوك لا تقطعهم أنت، «وأعْطِ مَنْ حَرَمَك» في وقتٍ كنت محتاجًا فيه إلى اللقمة، وإلى الدرهم والدينار، لتسد دَيْنًا، وكان جارك أو صاحبُك عنده الكثير فحرمك، ثم تغيَّرت الأمور، فأصبحَ هو الفقير، وأصبحْتَ أنت الغنيَّ وهو حرمك فيما مضى، (أعْطِ من حرمك)، روِّضْ نفسك يا عبد الله، النفسُ تأبى ذلكَ وترفضه؛ لكنَّ النفسَ المؤمنةَ تريد رِضا الله قبل رِضا الناس.

«أعْطِ مَنْ حَرَمَك، واعْفُ عمَّن ظَلَمَكَ»، عندما كان له قوة وشوكة وسلطان وكان مسئولًا، وكان يعذبك أو يظلمك، انقلبت الأحوال، وصار هو تحت يديك في يوم ما، وهكذا الدنيا يا عباد الله، فلا تظلمْه، اعْفُ عنه، «اعفُ عمَّن ظَلَمَك»، وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، صعبةٌ على النفوس المريضة؛ لكنها سهلة على النفوس المروَّضة، والتي تحتاج إلى ترويض.

«وأحسن إلى مَنْ أساء إليك»، هذه أشدُّ من التي من قبل، إنسانٌ أساء إليك أنت تحسن إليه، تحسن إليه بالكلمة الطيبة، بالعطية، بالصلة إن كنت مسئولًا توظِّفه، أو تبحث له عن وظيفة أو عمل، مع أنه أساء إليك، أين هذه الصفات اليوم؟ موجودة لكنها قليلة، نريدها أن تنتشر يا عباد الله.

وقُلِ الحقَّ ولو على نفسك، لا تظلمنَّ أحدًا وتلقي عليه بالتهمة.

وقال صلى الله عليه وسلم، وهذا يُبيِّن أنه يجبُ عليك أن تعاملَ الناس بما تحبُّ أن يعاملَك الناس به، إياك أن تعاملهم بما تكره أنت هذه المعاملة، وتريد منهم أن يعاملوك بغير ما تعاملهم، تعاملهم بالغلظة وتريد منهم الرِّفْقَ واللين معك، تعاملهم بالاحتقارِ، وتريد منهم أن يحترموك، لا يا عبد الله! ليس هذا من صفات المؤمنين، روِّضْ نفسَك فقد قال صلى الله عليه وسلم: «وَانْظُرْ مَا تُحِبُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَأتُوهُ إِلَيْكَ، فَافْعَلْهُ بِهِمْ»؛ أي: عامِلْهُم به، «وَمَا تَكْرَهُ أَنْ يَأتُوهُ إِلَيْكَ، فَذَرْهُمْ مِنْهُ»، (طب) (19 ص210 ح474)، (حم) (22130)، صَحِيح الْجَامِع: (1039)، الصَّحِيحَة: (1477).

وفي الختام قالت أُمُّ المؤمنين أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها (قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم) مبينًا أمورًا طيبة مقدمات ونتائج، قال عليه الصلاة والسلام: «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السوْءِ، وَالْآفَاتِ وَالْهَلَكَاتِ» ، إذا صنعت معروفًا مع غيرك لله، أرضيتَ الله، فالله ماذا يفعل معك في الدنيا؟ يقيك مصارع السوء، الميتة السوء والعياذ بالله، أن يبقى الإنسان في مرض والعياذ بالله، لا هو بالميت ولا بالحي، يقيك الله من ذلك، مصارع السوء كلَّها، والآفاتِ كلَّها بما فيها الأمراض الفتَّاكة وغيرها، والهلكاتُ كُلُّ ما يهلك، هذه صنائع المعروف ترفع عنك هذا، «وَصِلَةُ الرَّحِمِ» ماذا تفعل صلة الرحم؟ «تَزِيدُ فِي الْعُمْرِ»، والعمر معلوم لا يزيد ولا ينقص؛ لكن الله يجعل فيه بركة، يجعل فيمن يصلُ رَحِمَه وعمرُه أربعون، يجعله في الثواب والبركة أكثر من عمل إنسان ثمانين عامًا، بركات في قلة أوقات، «وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ»، حتى المعروف مع البهائم مع الحشرات، «وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا، هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ»؛ أَيْ: من بذَلَ معروفَه للناس في الدنيا، آتاه اللهُ جزاءَ معروفِه في الآخرة، فالمعروف لا يجزي به أحد على حقيقة إلا الله عزَّ وجلَّ.

«وَأَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الدُّنْيَا، هُمْ أَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ»، (طس) (6086)، صَحِيح الْجَامِع: (3795)، (3796)، الصَّحِيحَة: (1908)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (888)، (890).

فلنكن من أهل المعروف مع غيرنا، حتى تستقيم حالنا، وحتى يكون لنا ما نرجوه من ربِّنا سبحانه وتعالى، فإذا رضي الله عنَّا أرضى عنا كلَّ شيء، ويغضبُ سبحانه وتعالى لأجلنا إذا حصل لنا شيء، ويبتلينا الله إذا ابتعدنا عن طريقه سبحانه وتعالى.

ففي هذا الشهر -شهر شعبان- الذي هو مقدمة لرمضان، فلنكثرْ من فعلِ الخيرات، ونكثرْ من المعروف، نكثرْ من هذا الذي كان يُكثِر منه النبي صلى الله عليه وسلم من الصيام، فقد كان صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصوم في شعبان، وكان أحيانًا يصِلُه برمضان؛ يعني: يصوم أكثره صلى الله عليه وسلم، لا أن تأتي بعد النصف من شعبان وتبدأ في الصيام، وهذا منهيٌّ عنه كما في الحديث، ابدأ من الآن الصيام فمعك الوقت الكثير إن شاء الله سبحانه وتعالى، وتفقَّد من الآن وروِّضْ نفسك لهذا الشهر الذي هو مقبل علينا؛ رمضان.

تستعدُّ السماوات والملائكة، والأرض لهذا الشهر الفضيل، والمسلمون يستعدون له كلٌّ بأخلاقه وأوصافه، فالمؤمن يستعد له بالطاعة، بالقراءة، بالتلاوة بقيام الليل، يستعد له بهذا، ويفكر فيه كيف يُحزِّبُ القرآنَ أحزابًا وأجزاءً حتى ينهيَه.

أما الممثِّلون والمغنُّون وأصحاب الرفاهية، فماذا ينتظرون في رمضان؟ كلٌّ على حسب وصفه، فكن من الفريق الأول الذي يريد رِضا الله لا رِضا الناس، لا تكُنْ ممَّن يُدخِل السرور على الناس بالكذبِ والتزوير والتشويه للحقائق، وما شابه ذلك، لا تكُنْ من أهل الرفاهية التي لا تُرْضي الله عز وجل، ماذا يريد هذا الإنسان؟ نحن نريد الله الذي هو يملك الجنة والنار، بيده سبحانه.

فنسأل الله الجنة ونعوذ بالله من النار.

وصلوا على رسول الله الذي صلَّى الله عليه في كتابه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
______________________________ ______________
الكاتب: الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد