فلا أرى كيف يكون العلم المجرد من العمل خيرًا وهو لم ينتفع به شيئا ولم يكن له سبيلا للنجاة
وضحتُ هذا مراراً وأعيد تلخيصه..
1- نفس العلم عبودية ونفس التعلم قربة لله والزاني إذا أمسك بالمصحف فقرأ آيات تحريم الزنى = أُثيب على تلك القراءة رغم كونه غير عامل بمقتضاها فإما أن يعمل فيبقى له هذا الثواب نافعاً يوم القيامة وإما أن يُختم له بترك العمل فيطيش بهذا الثواب تركُ العمل..وهذه خيرية
2- نفس العلم المجرد فيه إقامة داعي الله في القلب وهذا خير .
3- نفس العلم المجرد فيه معرفة العبد بالحجة الرسالية التي أرسل لها وبها الرسل وهذا خير.
4- نفس العلم المجرد يقع بتحصيله نوع حفظ وتبليغ لعموم الأمة فينتفع الناس بهذا العلم وإن لم ينتفع صاحبه وهذا من نصرة الدين بالرجل الفاجر وهذا من فضل تحصيل العلم.ولذا يأمر الرجل بالمعروف وإن كان لا يفعله وينهى عن المنكر وهو يفعله ولا يجوز أن يحمله تقصيره على ترك الأمر والنهي وهذا من بركة العلم..
5- نفس العلم المجرد فيه معرفة المعروف وإنكار المنكر وهذا خير من ضده.
6- نفس العلم المجرد فيه تصديق بخبر الله والرسول وسعي لتحصيله وهذا خير.
كل هذه من وجوه الخير في تحصيل العلم وتحقق المكلف به وإن خلا عن العمل .
والاتفاق قائم على أنه لا ينتفع بهذا العلم في الآخرة لكن وجوه الخيرية ليست قاصرة على مجرد الانتفاع في الآخرة فالخيرية تثبت في أشياء كثيرة لا نفع صاحبها في الآخرة كما أن دولة العدل يبقيها الله وإن كانت كافرة لا تنتفع بعدلها وهذا من خيرية العدل و كما أن من نصر الرسول وآواه خير ممن حاربه وعاداه وإن كانا كافرين جميعاً وكما أن المصدق بالرسول من غير عمل خير من المكذب به وإن كانا كافرين جميعاً..وكما أن من أسلم ونطق الشهادتين ثم لم يحققهما يكون كافراً لا ينتفع بهما في الآخرة رغم كون نطقه بهما وبقائه عليهما مدة عمره = خير..
فنفس طلب العلم والقيام به خير وإن وقع من صاحبه عدم العمل فلا يزال العلم الذي معه خير حتى إذا ختم له بهذا وآل العلم الذي معه هباء أو قام مانع ترك العمل دون تأثيره(وهذا طريقان لأهل العلم في تكييف أثر ترك العمل على العلم هل هو يُلغيه أو يلغي تأثيره مع بقائه) = ثبت له الحكم المآلي بعدم الانتفاع وهذا الحكم المآلي منفك الجهة عن الحكم الحالي أي حال كونه متحققاً بالعلم ولكنه لا يعمل وهذا الانفكاك؛ لأنه مادام حياً لم يختم له = تظهر وجوه خيرية هذا العلم الذي معه على نحو ما فصبلناه أولاً..
وقد أفرط الجهمية في هذا الباب حتى جعلوا الكمال في نفس العلم المجرد..
وفرط الصوفية فيه حتى جعلوا الغاية العمل وهو يثبت بأجناس التقليد فلا داعي للعلم..
والحمد لله وحده..