مقدمة:
المسائل العقدية التي حفلت بذكر بعض آراء سيبويه فيها في كتب العقيدة كثيرة جدًّا، بيد أننا سنذكر بعض الأمثلة اليسيرة جدًّا؛ تأكيدًا لفكرة هذا البحث، وتحقيقًا لبعض أهدافه، بعيدًا عن الخلافات العقدية، أو النحوية، أو المذهبية، وذلك على النحو الآتي:
مسألة لفظ الجلالة "الله" أعرف المعارف:
يرى كثير من علماء العقيدة أن اسم الجلالة "الله": علم على الذات الواجب الوجود، المستحق لجميع المحامد، وهو أشهر أسمائه تعالى، وقيل: إنه اسم الله الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب، إذا وُجد شرطه وهو التقوى؛ ولذا قبض الله تعالى عنه الألسن، فلم يتسَمَّ به أحد، قال تعالى: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65]؛ أي: هل تعلم أحدًا من المخلوقات سُمِّيَ الله؟ والاستفهام بمعنى النفي؛ أي: لم يتسَمَّ به غيره[1].
ومَن يطلع على آراء علماء العقيدة والفقه في جُلِّ مؤلفاتهم يجد أنهم يهتمون بمسائل شتى، تدور حول لفظ الجلالة "الله"، وفي كثير من هذه المسائل - على الرغم من اختلافهم في بعضها - نجدهم يركنون إلى رأي سيبويه اللغوي؛ ليسعفهم في سد هُوَّة الخلاف العقدي.
ولفظ الجلالة "الله" هو اسم - في لغة العرب - دال على الذات الإلهية، الجامعة لجميع صفات الكمال، والمنزهة عن أيِّ صفة من صفات النقصان التي لا تليق بكمال الألوهية والربوبية، وهو أعظم أسماء الله الحسنى، وأجمعها، وأشهرها، وأبهرها، حتى إن الأسماء كلها تضاف إليه، وتُعرَّف به، فيقال: الرحمن الرحيم من أسماء "الله"، والقدوس والسلام من أسماء "الله"، ولا يقال: "الله" من أسماء الرحمن، قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الأعراف: 180]، و"الله" اسم لم يسمَّ به غير الخالق سبحانه وتعالى، ولم يجسر أحد من المخلوقين على أن يتسمى به، إنه علم على واجب الوجود، المعبود بحق، وهو أعرف المعارف على الإطلاق، وأجمَعَ علماء العقيدة والفقهاء وغيرهم على موافقة ما ذكره سيبويه؛ أن لفظ الجلالة "الله" أعرف المعارف[2].
وقيل: إن سيبويه رُئِيَ في المنام، فقيل له: ما حالك عند الله؟ فقال: قد غفر لي؛ لأني جعلت أعرف المعارف: "الله"[3].
_______________
[1] ينظر: البهجة في شرح التحفة، للتسولي، ضبطه وصححه: محمد عبدالقادر شاهين، دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت، الطبعة الأولى، 1418 هـ/ 1998م، (1/ 15)، ونقض الإمام عثمان بن سعيد الدارمي، للدارمي، تحقيق: رشيد بن حسن الألمعي، مكتبة الرشيد، الرياض، الطبعة الأولى، 1998م، (1/ 168)، ومصنف ابن أبي شيبة، لابن أبي شيبة، دار الفكر، بيروت، 1414ه (6/ 47/ ح:29366)، ونزهة المجالس ومنتخب النفائس، للصفوري، تحقيق: عبدالرحيم مارديني، (دار المحبة - بيروت ) (دار آية - دمشق) 2001 / 2002م، (1/ 30).
[2] البهجة في شرح التحفة، للتسولي (1/ 15)، وينظر: حاشية الجمل على المنهج لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، للشيخ سليمان الجمل، دار الفكر، بيروت (1/ 21)، ومعنى لا إله إلا الله، للزركشي، تحقيق: علي محيي الدين علي القره داغي، دار الاعتصام، القاهرة، الطبعة الأولى، 1985(1/ 106)، ولوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، للسفاريني، مؤسسة الخافقين، دمشق، الطبعة الثانية، 1402 هـ / 1982 م (1/ 33).
[3] ينظر: اللباب في علوم الكتاب، لابن عادل، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1419ه/ 1998م، الطبعة الأولى(1/ 138)، وفتح رب البرية في شرح نظم الآجرومية، لابن مساعد الحازمي، مكتبة الأسدي، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1431 هـ / 2010 م (1/ 427)، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، لشمس الدين الرملي الشهير بالشافعي الصغير، دار الفكر للطباعة، بيروت، 1404هـ / 1984م (1/ 21)، وتيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، لسليمان بن عبدالله آل الشيخ، دراسة وتحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، الأولى، 1423هـ/ 2002م (1/ 13)، وغيرها.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/literature_la...#ixzz5lXO78hjb