الشرط والقسَم وواو الحَال عند النحَاة وفي كلام البُلَغاء
- صَلاح الدين الزعبَلاوي
هاتان مسألتان يشكل بحثهما على الكتاب ويلتبس فيهما الحكم: تحقيق الجواب عند اجتماع الشرط والقسم، وواو الحال متى تجب أو تجوز أو تمتنع. وقد يُعضل الأمر في تبين وجه الصواب في المسألتين عند اعتراضهما كتابة الكاتب. وهذا ما دعاني إلى معالجتهما والتلطف لهما والاهتمام بطلبهما لعلّي ألتمس إليهما مساغاً وأبتغي سبيلاً، فأوضح المبهم وأجلوا الغامض وأبسط الموجز فأخفف الكلفة في فهم ما تصعب منهما ليتسنى ما تعذر ويستيسر ما تعسر.
ولا شك أنه لا يكفي في تبين وجه الصواب ومعرفة المباح في ذلك والمحظور، والجائز والممتنع، أن يُحتكم في الأمر إلى أقوال النحاة وعلماء اللغة وحدهم بل لا بد من مراجعة كلام الفصحاء نثراً وشعراً، والإطلاع على أنماط تعبيرهم وأساليب تأليفهم والاسترشاد بمناهجهم وطرائقهم، تحرياً للرأي الراجح من آراء أئمة اللغة ودرءاً لما يمكن أن يعترضنا في ذلك من شبهة أو يخامرنا من ريب. وهذا ما يفوت النقاد أن يوطنّوا النفس عليه ويستمسكوا به، في غالب الأحيان، فلا ينصرفوا عنه أو ينثنوا عن قصده وطلبه.
الشرط والقسم :
الشرط ما يتوقف عليه المشرط، وما يسميه النحاة شرطاً هو في المعنى سبب لوجود الجزاء، و تدخل على الشرط أداة مخصومة دالة على سببيته للجزاء، كما جاء في كليات أبي البقاء الكفوي. ومن ثم كان للشرط جملتان جملة للشرط وأخرى للجزاء أو الجواب، وهما بمنزلة الجملة الواحدة وجاء في حاشية الإمام حسن العطار على شرح الأزهرية في علم النحو للشيخ خالد الأزهري: "وأما وجه تسميته جواباً فلأنه لما لزم عن الأول صار كالجواب الآتي بعد كلام السائل، وأما وجه تسميته جزاء فلأنه لما كان مترتباً على ما قبله أشبه الجزاء على الفعل من ثواب أو عقارب... ص/ 177".
والقسم هو الحلف أو اليمين، وهو ضرب من ضروب الإنشاء غير الطلبي. وهو يتم بجملة فعلية أو اسمية كما يتم بأدوات القسم الجارة كالباء والواو والتاء واللام.. وللقسم كما للشرط جملتان جملة قسم هي جملة المقسم به، وجملة جواب هي جملة المقسم عليه.
ومن ثم كان لا بد للشرط من جواب هو جزاؤه، كما لا بد للقسم من جواب هو المقسم عليه، ولا يصلح جواب أحدهما جواباً للآخر. ويشكل الأمر إذا اجتمعا في الكلام أيكون الجواب فيه للشرط أم للقسم؟.
اجتماع الشرط والقسم واتفاق الجمهور على أن الجواب للمتقدم منهما:
إذا اجتمع في الكلام شرط وقسم، وتقديمهما ما يطلب الخبر كالمبتدأ واسم كان ونحوهما، جُعل الجواب للشرط كقولك (خالد والله أن يطعني أكرمه) وقولك (أن ولدي أن يسئ إليّ، والله، أعف عنه) بالجزم في (أكرمه) و(أعفُ) لأنهما جواب الشرط.
أما إذا اجتمعا ولم يتقدمهما ما يطلب الخبر فالجواب للسابق منهما وهو يغني عن جواب الآخر، تقول: (أن يزرني والله خالد، أكرمه) بالجزم لأن الجواب للشرط فهو المتقدم، كما تقول: (والله أن يزرني خالد لأكرمنه) بتشديد النون لأن الجواب للقسم وهو السابق. ولعل من المفيد هنا أن نشير إلى ما ذكره صاحب الكليات من أن القسم لا يدخل على المضارع إلا مع النون المؤكدة، وأنه إذا اجتمع القسم والشرط على جواب واحد يجعل ذلك الجواب لأحدهما لفظاً ومعنى وللآخر معنى فقط..
وقد جاء في كتاب (شرح شذور الذهب –ص 347 –350) لابن هشام الأنصاري في المواضع التي يجب فيها حذف (جواب الشرط): "أن يتقدم على الشرط قسم نحو –والله أن جاءني لأكرمنه –فإن قولك لأكرمنه، جواب القسم، فهو في نية التقديم إلى جانبه، وحذف جواب الشرط لدلالته عليه. ويدلك على أن المذكور جواب القسم، فهو في نية التقديم إلى جانبه، وحذف جواب الشرط لدلالته عليه. ويدلك على أن المذكور جواب القسم توكيد الفعل في نحو المثال، ونحو قوله تعالى: )ولئن نصروهم ليَُوَلُّنَّ الأدبار( الحشر /12 ورفعه في قوله تعالى: )ثم لا يُنصرون( ذلك أن نص الآية )لئن أُخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولّنَّ الأدبار ثم لا يُنصرون(. وأردف ابن هشام يقول: "ثم أشرت إلى أنه –كما وجب الاستغناء بجواب القسم المتقدم. يجب العكس في نحو: أن تقم والله أقم. وأنه إذا تقم عليهما شيء يطلب الخبر وجبت مراعاة الشرط تقدم أو تأخر، نحو: زيد والله أن يقم أقمْ".
وذكر ابن هشام ذلك في كتابه (مغني اللبيب –2 /168) أيضاً، إذ أورد من أمثلة حذف جواب القسم (إن جاءني زيد والله أكرمته)، إذ أثبت فيه جواب الشرط لتقدمه وحذف جواب القسم، كما أتى من أمثلة حذف الشرط قوله (والله إن جاءني زيد لأكرمنّه)، إذ أثبت جواب القسم لتقدمه وحذف جواب الشرط.
ما يميز جواب الشرط من جواب القسم:
الذي يميز جواب الشرط من جواب القسم أن جواب القسم يقترن بالفاء أو بجزم، وهو يقترن بالفاء إذا لم يكن صالحاً لأن يكون شرطاً، كأن يكون جميلة اسمية أو فعلاً جامداً أو طلبياً أو ماضياً لفظاً ومعنى أو اقترن بقد أو ما النافية أو لن أو السين أو سوف، أو صدر بربّ أو كأنما أو أداة شرط. فإذا كان الجواب صالحاً لأن يكون شرطاً فلا حاجة به إلى الفاء.
ويجوز الوجهان الربط بالفاء وتركه إذا كان الجواب مضارعاً أو منفياً بلا.
أما جزم المضارع إذا كان جواباً فهو واجب إذا كان الشرط مضارعاً، فإذا كان الجواب وحده مضارعاً، جاز الوجهان الجزم وتركه.
أما القسم فإن كان جوابه جملة فعلية مصدرة بمضارع مثبت اقتران باللام ونون التوكيد للاستقبال، ومن المفيد هنا أن نشير إلى أن النون المؤكدة هذه لا يؤكد بها الماضي ولا الحال، ولا ما ليس فيه معنى الطلب، وطرح هذه النون ضعيف في القَسَم.
قال تعالى: )قال فبعزتك لأغوينّهم أجمعين –ص /82.( ويكتفي هنا باللام إذا دخلت على جارّ، كقوله تعالى: )ولئن متّم أو قُتلتم لالى الله تُحشرون –آل عمران -158( . وكذلك يكتفى باللام إذا كان للحال دون الاستقبال.
وإذا صدرت الجملة الفعلية مضارع منفي اقترن جواب القسم بـ (لا) النافية، كقوله تعالى: )وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت –النحل /38( أو بأن النافية.
وإذا كانت الجملة فعلية مصدرة بماض مثبت متصرف اقترنت باللام وقد غالباً كقوله تعالى: )قالوا تالله لقد آثرك الله علينا –يوسف /91(. وقول الفضل بن يحيى لسعيد بن وهب: "لئن قلّ القول ونزر لقد اتسع المعنى وكثر".
وإذا كان الجملة مصدّرة بجامد اقترنت باللام كقولهم "والله لنعم الخلق الصدق). أما إذا كانت مصدّرة بماض منفي اقترنت بما النافية، كقوله تعالى:
)ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك –البقرة /145(.
وإذا كانت الجملة اسمية مثبتة اقترنت بـ (أن) مشدّدة أو مخففة، أو باللام، أو بهما، كقوله تعالى: )يس والقرآن الحكيم أنك لمن المرسلين –يس /1 -3(، وقوله تعالى: )حم والكتاب المبين انّا أنزلناه في ليلة مباركة –الدخان /1 -3(. فإذا كانت الاسمية منفية كان النفي بما الحجازية، العاملة عمل ليس، أو التميمية، غير العاملة، أو لا التبرئة، أي النافية للجنس. كقولك (والله ما زيد فيها ولا عمرو)، وقولك (والله لا يجعل في الدار) أو بأن النافية.
***
ومن أمثلة اجتماع القسم الشائعة مع تقدم القسم (لئن)، فاللام موطئة للقسم، أي مؤذية بأن ما بعدها جواب للقسم، لتقدمه، دون الشرط، والتقدير (والله لئن..). و(ان) هذه حرف شرط جازم. وقد جاء في التنزيل: "لأن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولُنّ الأدبار ثم لا ينصرون –الحشر /12(. فقوله تعالى (لا يخرجون) جواب القسم، وقد أغنى عن جواب الشرط. ولان الجواب للشرط، لقيل (لئن أخرجوا لا يخرجوا معهم) بحذف النون.
وهكذا قوله تعالى: (لا ينصرونهم) فهو جواب القسم، ولو كان الشرط، لقيل (ولئن قوتلوا لا ينصروهم) بحذف النون. وشاهد آخر، قال الشاعر:
حلفت برب الراكعين لربهم * خشوعاً وفوق الراكعين رقيب
لئن كان برد الماء حرّان صادياً * إليَّ، حبيباً، إنها لحبيب
فجملة (أنها لحبيب) في البيت الثاني جواب القسم المذكور في البيت الأول وهو (حلفت) كما جاء في خزانة الأدب للبغدادي. ولو كان الجواب للشرط لقيل (فإنها لحبيب) مقترناً بالفاء.
ما جاء من الشعر خلافاً للقياس، فكان جواب فيه للشرط مع تقدم القسم:
قد جاء (لئن) في الشعر واتفق الجواب للشرط مع تقدم القسم، خلافاً للقياس، قال الشاعر:
لئن منيت عن غب معركة * لا تلفنا في دماء القوم ننتفل
فقوله (لا تلفنا) هو جواب الشرط دون القسم بدليل الجزم، وقد أولوه، فمنهم من حمله على ضرورة الشعر، كما جاء في كتاب (الضرائر) لمحمود شكري الآلوسي (ص /216)، و منهم من لم يجعله من الضرائر فأوله على وجه من الوجوه كابن عصفور الأندلسي في كتاب (الضرائر). وكذلك فعل ابن هشام في كتابه (مغني اللبيب – 1/ 189)، إذ اعتد اللام في (لئن) زائدة في أمثاله، لكنه خص ذلك بالشعر واستشهد بقول الشاعر:
لئن كان ما حُدثته اليوم صادقاً * أصمْ في نهار القيظ للشمس باديا
والبيت لأمرأة من عقيل.
وقد ذهب ابن هشام إلى أن اللام في (لئن) زائدة وأن الشرط أجيب بالفعل المجزوم (أصمْ)، إذ قال: "ولو كنت اللام للتوطئة لم يُجب إلا القسم، هذا هو الصحيح، وخالف في ذلك الفرّاء فزعم أن الشرط قد يجاب مع تقدم القسم عليه".
وإذا عدنا إلى الفحول من الشعراء وجدنا أنهم لم يستكرهوا مخالفة القياس أو يستبعدوه في هذا الباب، فجاء الجواب للشرط في أشعارهم، مع تقدم القسم عليه، فهذا الإمام الشافعي يقول في حديث عن أهل العلوم:
لعمري لئن ضُيِّعت في شر بلدة * فلست مُضيعاً فيهمُ غرر الكلم
والشافعي حجة فقد استظهر القرآن منذ صباه، وخرج إلى البادية فحفظ كثيراً من أشعار الهُذليين، وكانوا من أفصح العرب، وروي عن الإمام الشافعي الأصمعي أنه صحح عليه أشعار هؤلاء. وهذا المتنبي فقد جاء في مرثيته لجدته من أمه.
لئن لذَّ يوم الشامتين بيومها * فقد ولدت مني لآنافهم رغماً
فكان الجواب للشرط في قوله (فقد ولدت) مع تقدم القسم، وقد روي أيضاً (فقد ولدت مني لأنفهم رغماً).
وهذا أبو الفراس الحمداني يقول في مفاخر قومه:
لئن كان أصلي من (سعيد) نجاده * ففرعي لسيف الدولة القرم ناصر
و(سعيد) هو ابن عم الشاعر، والقرم هو السيد والعظيم.
وقال أبو تمام يرثي محمد بن حميد الطوسي:
لئن أُبغض الدهر الخؤون لفقده * لعهدي به حياً يُحَبُّ به الدهر
لئن غدرت في الروع أيامه به * فما زالت الأيام شيمتها الغدر
فجواب (لئن) في البيت الثاني (فما زالت) وهو جواب للشرط مع تقدم القسم.
وعلى ذلك قول الشاعر:
لئن بكيت دماً والعزم من شيمي * على الخليط فقد يبكي الحسام دما
وقد أورده الأستاذ محمد الخضر حسين التونسي في كتابه (الخيال في شعر العربي) في صدد كلامه على (التفاصيل في التخييل /58).
ما جاء من النثر خلافاً للقياس، فكان الجواب فيه للشرط مع تقدم القسم:
لم يقتصر مجيء الجواب للشرط مع تقدم القسم على الشعر، بل تناول النثر أيضاً.
من ذلك ما حكاه ابن عبد ربه في الجزء الأول في كتابه المعروف (العقد الفريد) من كلام عمر بن الخطاب لمعاوية، رضي لله عنهما، حين قدم عمر على معاوية بالشام. إذ قال معاوية: "فإن أمرتني بذلك أقمت عليه، وأن نهيتني عنه انتهيت"، ولا شيء في ذلك.
لكن عمر قد أجابه: "لئن كان الذي تقول حقاً فإنه أريب، وأن كان باطلاً فإنه خدعة أريب". فقوله (فإنه أريب) جواب للشرط مع تقدم القسم.
وفي نهج البلاغة (1/ 188) قال علي كرم الله وجهه: "لئن أُمهل الظالم فلن يفوت أخذُه"، فجاء الجواب للشرط دون القسم. ذلك أن جواب القسم في جملة فعلية منفية فعلها مضارع، كما هو الحال في القول السابق، يتقدم الفعلَ فيها أحد أحرف النفي (ما وأن ولا) ويندر أن يتقدمه (لن أو لم)، ولا تدخل الفاء هذه الأحرف في جواب القسم خلافاً للشرط.
وجاء في نهج البلاغة أيضاً قول علي كرم الله وجهه (2/ 105): "ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى تحضرها عامة الناس، فما إلى ذلك سبيل"، فجاء الجواب للشرط أيضاً، ذلك أن جواب القسم في جملة اسمية منفية تتصدره أحرف النفي (ما أو لا النافية للجنس أو إن) ولا تدخل الفاء هذه الأحرف.
ما الرأي في جواز كون الجواب للشرط مع تقدم القسم:
أقول الرأي عندي أن اتفاق الجمهور على أن الأصل في الجواب أن يكون للمتقدم من الشرط أو القسم، إذاً جميعاً، لا يمنع إجازة مجيء الجواب للشرط مع تقدم القسم ما دام قد جاء ذلك مجيئاً متعالماً في شعر فحول الشعراء ونثر الأئمة البلغاء، مما أتينا بشواهده قبل. وهذا ما دعا بعض الأئمة إلى التصريح به كالإمام الفراء وابن مالك.
وقد أشار إلى ذلك الإمام السيوطي في كتابه (همع الهوامع –2 /43)، إذ قال:
"فالجواب للسابق في الأصح قَسَماً كان أو شرطاً وجواب الآخر محذوف، نحو: والله إن قام زيد لأقومنّ وأن يقم والله أقمْ" وأردف: "وجوَّز الفراء وابن مالك جعل الجواب للشرط وإن تأخر، كقوله:
لئن كان ما حُدثته اليوم صادقاً * أصمْ نهار القيظ للشمس بادياً
قد يجزي الشرط بجواب القسم:
قد يتصدر الكلام شرط فلا يجاب بجزائه وإنما يجاب بجواب القسم. ومن ذلك قوله تعالى: )وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسّن الذين كفروا منهم عذاب أليم –المائدة /73(. فجاء الجواب للقسم وليس في الآية قسم فذهب الأئمة إلى تقديره، وحذف جملة القسم كثير. قال العكبري في كتابه (البيان أعراب القرآن): "ليمسَّنَّ: جواب قسم محذوف سدّ مسدّ جواب الشرط الذي هو وان لم ينتهوا – 1/ 125". أي أن القسم مقدر في الآية لأن الجواب فيها لا يكون إلا لقسم. قال ابن هشام في كتابه (مغني اللبيب): )وكقوله تعالى: وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسَّنّ، فهذا لا يكون إلا جواباً للقسم –1/ 189(.
وقال تعالى: )وان أطعتوهم إنكم لمشركون –الأنعام /121، فأجيب الشرط بجواب القسم. واختلف الأئمة في تأويله، فذهب جماعة إلى جعل الجواب للشرط على أضمار (الفاء) فقدّر (فإنكم لمشركون). قال العكبري في كتابه (البيان في أعراب القرآن): حذف الفاء في جواب الشرط وهو حسن إذا كان الشرط بلفظ الماضي، وهو هنا كذلك، وهو قوله: وان أطعتموهم –1 /145". وكذلك فعل البيضاوي في تفسيره الموسوم بأنوار التنزيل: "وانما حَسُنَ حذف الفاء فيه لأن الشرط بلفظ الماضي".
وعندي أن هذا هو الرأي المرجوح. ذلك أن حذف الفاء من جواب الشرط مقصور على الشعر عند الأكثرين. قال الشاعر:
من يفعل الحسنات الله يشكرها * والشر بالشر عند الله مثلان
أي: فالله يشكرها. وذهب أبو العباس المبرّد في كتابه الكامل إلى أنه لا يجوز ذلك حتى في الشعر وأن البيت المروي محرّف والأصل فيه (من يفعل الخير فالرحمن يشكره)، الجمهور النحاة على أن فاء الجزاء لا تسقط إلا في الشعر وللضرورة، كما جاء في كتاب (الضرائر 64) لمحمود شكري الآلوسي. قال ابن هشام في (مغني اللبيب –1 /189) بصدد تأويل الآية السابقة )وان أطعتموهم انكم لمشركون –الأنعام –121): "وقول بعضهم ليس هنا قسم مقدّر وأن الجملة الأسمية جواب الشرط على اضمار الفاء كقوله: من يفعل الحسنات الله يشكرها، مردود لأن ذلك خاص بالشعر..". وقد جاء في (شرح شواهد المغني –1 /178) للإمام جلال الدين السيوطي: "من يفعل الحسنات الله يشكرها –هو لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت، رضي الله عنه، وقيل لكعب بن مالك وتمامه: والشر بالشر عند الله مثلان.. وقوله: الله يشكرها جملة اسمية وقعت جواب الشرط وحذفت منها الفاء ضرورة، وزعم المبرّد أن الرواية من يفعل الخير فالرحمن يشكره".
خلاصة القول في جواب الشرط والقسم:
يمكن إيجاز القول في هذه المسألة بالشرح التالي:
1ً-إذا تصدر الكلام ما يطلب الخبر كالمبتدأ واسم كان ونحوه، واجتمع بعده شرط وقسم كان الجواب للشرط جميعاً، كقولك (خالد والله يُطعني أكرمْه) بالجزم و (ان ولدي ان يسيء إليّ والله أعفُ عنه) بالجزم أيضاً.
2ً-إذا اجتمع الشرط والقسم ولم يتقدمهما ما يطلب الخبر كان الجواب السابق منهما، شرطاً كان أو قسما، واستغني عن جواب الآخر، كقولك (ان يزرني والله خالد أكرمْه) بالجزم لأن الجواب للشرط فهو المتقدم، وقولك (والله أن يزرني خالد لأكرمنه) بنون مشددة بعد لام الجواب، لأن الجواب للقسم، وهو السابق. وجواب المتأخر محذوف.
3ً-قد يأتي ما يتقدم فيه القسم ويكون الجواب فيه للشرط، خلافاً للقياس.
وقد جاء هذا في النثر نثر البلغاء وفي الشعر شعر الفحول مجيئاً متعالماً يؤذن بجوازه. قال الشاعر:
لئن كان ما حُدثته اليوم صادقاً أصمْ في نهار القيظ للشمس بادياً
فجاء الجواب (أصمْ) للشرط مع تقدم القسم عليه. وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، "لئن كان الذي تقول حقاً فإنه أريب"، فجاء الجواب للشرط أيضاً مع تقدم القسم. وإذا كان في هذا الصحيح للشرط على القسم فذلك لأن تعليق المعنى على الشرط في الأصل، وإنما يساق القسم للتأكيد.
4ً-قد يُجزي الشرط بجواب القسم، ولكن لا بد في هذا من تقرير القسم، لأن جواب الشرط لا يُجاب به إلا عن القسم. قال تعالى: )وان لم ينتهوا عما يقولون ليَمَسَّنَّ الذين كفروا منهم عذاب أليم –المائدة /73(. فجاء الجواب للقسم فقدّر وخُرّجت الآية على حذف جملة القسم، وكأن الأصل (والله ان لم ينتهوا..) فيكون الجواب للقسم لتقدمه على الشرط جرياً على الأصل.
***
يتبع