قال يحيى بن معين: حدثنا عبَيد بن أبي قُرَّة، قال: سمعتُ يحيى بن ضريس يقول:
شهدت سفيان الثوري وأتاه رجل فقال: ما تَنقِم على أبي حنيفة؟ قال سفيان: وماله؟
قال الرجل: سمعتُه يقول: «آخُذُ بكتاب الله، فمَا لَم أجد فبسُنَّة رسول الله ﷺ،
فإن لم أجد في كتاب الله ولا سنة آخُذ بقول أصحابه، آخذ بقول مَن شئت مِنهم وأدع قول من شئت، ولا أَخرُج مِن قولهم إلى قول غيرهم،
فإذا ما انتهى الأمر -أو جاء الأمر- إلى إبراهيم، والشَّعبي، وابن سيرين، والحسن، وعطاء، وسعيد بن المسيب، وعدَّد رجالا: فقَومٌ اجتَهَدوا، فأَجتَهِد كما اجتَهَدوا».
قال: فسكت سفيان طويلا. ثم قال كلمات برأيه ما بَقيَ أحد في المجلس إلا كتبها، قال:
«نَسمَع الشَّديد مِن الحديث فنخافُه، ونَسمَع الَّليِّن فنَرجوه، لا *نُحاسِب *الأحياء، ولا نَقضِي على الأموات،
نُسَلِّم ما سَمِعنا، ونَكِلُ ما لَم نَعلَم إلى عالِمه، ونَتَّهِم رأيَنا لرأيهم».
«تاريخ ابن معين - رواية الدوري» (4/ 63).
ورواه الصيمري في "أخبار أبي حنيفة"، والبيهقي في "المدخل إلى السنن"، والخطيب في "تاريخ بغداد"،
والهروي في "ذم الكلام"، والمزي في "تهذيب الكمال"، وذكره الذهبي في "مناقب أبي حنيفة"، وقال: رواه جماعة عن ابن معين.
قال البيهقي في "المدخل" : «والذي قال سفيان الثوري مِن: أنَّا "نَتَّهم رأينا لرأيهم":
إن أراد به الصحابة إذا اتَّفَقوا على شيء، أو الواحد مِنهم إذا انفرد بقول، ولا مُخالِف له نَعلمه منهم: فكما قال.
وإن أراد التابعين إذا اتفَقوا على شيء: فكما قال.
وإن أراد الواحد مِنهم إذا انفَرَدَ بقول لا مخالف له َنعلَمه مِنهم فقد قال كذلك بعض أصحابنا، رضي الله عنهم.
وإن اختلفوا فلا بُد مِن الاجتهاد في اختيار أصح أقوالهم، وبالله التوفيق».
عبيد بن أبي قرة: قال عنه يعقوب: ثقة صدوق. وقال ابن معين: ما به بأس.
ويحيى بن الضريس: قال ابن معين: كان كيِّسا ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس.