السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أتوجَّه بداية بالشكر الجزيل لكلِّ مَن يُسَهِم في هذه الشبكة الرائعة، ويساعد الناس على إيجاد حلولٍ لتساؤلاتهم، وأتمنَّى من الله العلي القدير أن أجد عندكم الحل لمشكلتي.
أنا شابَّة في مُنتصف العشرينيات، مُتزوِّجة منذ قرابة عشر سنين، ولديَّ أولادٌ، أعيش مع زوجي في بلاد الغرب منذ سنوات، وليس لي هنالك سِوى زوجي وأولادي.كانتْ حياتي الزوجيَّة جيدة جدًّا؛ فقد كنتُ سعيدةً مع زوجي، الذي كنتُ أعتبره الرجل المثالي؛ فقد أعطاني الحبَّ والحنانَ، أحببتُه مِنْ أعماق قلبي، حتى إني لا أستطيعُ أن أتصوَّر حياتي بدونه، ولأجلِه أتيتُ للعيشِ في بلادِ الغرب، ولا أتحمل البُعْد عنه، وقد تركتُ عائلتي ووطني حتى أعيش معه!كم تمنَّيتُ مِنَ الله أن أكون الزوجة الصالحة والأم الصالحة، ولكن الطامَّة الكبرى هي أنه أتاني يومًا يُصَارِحني فيه بأنَّ أحاسيسَه تُجَاهي كأخٍ لأخته؛ يعني: أنه لا يشعر بانجذابٍ وحبٍّ لي، وأنا التي كانتْ تعتقد أنه يحبُّها مِنْ أعماق قلبِه!أصبح مؤخَّرًا عصبيًّا جدًّا، ويتذمَّر كثيرًا حتى مِن أتْفَه الأشياء، والعَلاقة الزوجية بيننا أصبحتْ شبه منعدمة، إن لم أقل مُنعَدِمة فعلًا!يريد أن ننفصلَ حتى لا يكونَ مُذنبًا في حقي، ولكني لا أستطيعُ أن أتحمَّل هذا الانفِصال، وقد حدَّثتُه في هذا الموضوع لأعرفَ السبب، فقال: إنه لا يعرف، ولكن هذه أحاسيسه! أخبرني أنني لستُ السببَ في قراره هذا، وليس هنالك مشاكل بيننا، وحَسَب قولِه فإني كنتُ صالحةً له، ولكنها أحاسيس لا يستطيع تغييرها!اتَّفقنا على أن نحاول التغيير مِن أجل الأبناء، ولكن لا يعدُّ هذا وعدًا بصلاح الأمور!علاقتنا جافَّة جدًّا؛ لا يقترب مني، وأنا لا أستطيع الاقترابَ منه؛ حتى لا أعرِّض نفسي للإحراج!ساعدوني حتى يرجعَ حبُّ زوجي، حتى لا أفقده؛ فلا أظنُّ أنَّ الحياةَ سوف يكونُ لها طعمٌ بعده، ساعدوني بنصائحكم؛ فأنا لا أتحمَّل بُعْده عني، وأظنُّ أنَّ ما يحدُث بسبب حسدٍ أو عينٍ أصابتْه، والله أعلم.
فقد كان ضَحوكًا مرِحًا، والآن تغيَّر تمامًا، عَلاقته الاجتماعية تغيرتْ وأصبح انطوائيًّا، ساعدوني حتى أحافظَ على زوجي، جعل الله ذلك في ميزان حسناتكم - إن شاء الله تعالى.
الجواب
بسم الله الموفِّق للصوابوهو المستعان
أيتها العزيزة، بعد الزواج ينبغي لكلِّ زوجة ألَّا تثق ثقةً مُطْلقةً بطول العِشْرة، ولا بوجود الأبناء، ولا بالحب قبل الزواج، ولا بالرحِم الماسَّة؛ فكلُّ ذلك قد ينساه الرجلُ بعد الزواج! ما سينظر فيه ويبقيه متمسكًا بزوجته هو: قوة جاذبيتِها الأنثوية التي تُشبِع غريزةَ حبِّ الاستكشاف بداخله!ماهية الجاذبية في العَلاقة الزوجية:تستند الجاذبية في العلاقة الزوجية إلى عدة أركان، يُمكن إجمالها في النقاط الآتية:
أولًا: التجديد؛ فالتجديدُ ينشِّط إفراز هرمون "الدوبامين" في الدماغ؛ وهو الهرمون المسؤول عن نقل الإشارات المتعلِّقة بالشعور بالارتياح، والانتِشاء، والإحساس باللذة، ويتضمن التجديد عنصر المفاجأة؛ كمفاجأة الزوج بطلَب وجبةِ عشاءٍ من مطعمٍ فاخرٍ يقوم بتوصيل الوجبات إلى البيوت، أو مفاجأته برسالة عاطفيةٍ غير متوقَّعة، أو تقبيله خلْسَةً... إلخ.
ثانيًا: جعل العَلاقة الزوجية عَلاقةً عاطفية؛ حتى يكونَ ما بين الزوجينِ كالذي يكون بين عاشقَيْنِ؛ مِنْ مُغازلةٍ، وهدايا، وتخاطب بالنظر، وتبادُل رسائل الغرام، ونحو ذلك مِن أمور العشَّاق!
ثالثًا: الإشباع الجنسي؛ وهو الركنُ الذي مِن شأنِه إن هُدِم أن يَهدِم بيتَ الزوجية حجرًا حجرًا! وتتضمَّن الجاذبية الجنسية معنى التجديد في الأوضاع الجنسية، والأماكن التي تُمارَس فيها العَلاقة الحَمِيمية، فغرفةُ النوم مثلًا ليستْ على الدوام مكانًا للجِمَاع! ولا الفراشُ موضعًا وحيدًا للمُلَاعَبة! كما يَشمَل معنى التجديد الجنسي التجديد في طرائق التعبير عن الرغبة الجنسية من إيحاءاتٍ، وكلماتٍ، وثيابٍ؛ فطريقةُ نزع الملابس الساترة قد تكون أحيانًا أكثرَ إغراءً وإغواءً من التبختر بالثياب الشفَّافة التي اعتاد الزوجُ النظرَ إليها! كما أن طريقة جلوس الزوجة أو وقوفها على نحوٍ يُظهِر محاسِنها قد تكونُ أكثرَ تهييجًا للشهوة مِنَ التزيُّن والتعطُّر المقصود للتحبُّب إلى الزوج! وفي رأيي أن التجديد في العَلاقة الحميمية يعتمد كثيرًا على مُستوى الذكاء العاطفي!
رابعًا: التجديد في الصورة الأنثوية للزوجة في عينِ زوجِها؛ حتى تكونَ آنقَ في عينِه من كل مرأًى أنيق، فتجدِّد في لبسها، وقَصَّة شعرها، وألوان الزينة على وجْهِها بطريقة ذكية وعفوية، وغير متكلفة أو مبالغ فيها.
خامسًا: الصداقة؛ وتتضمَّن الصداقةُ معنى المشاركة في الاهتمامات والهِوايات، حتى لو لم تكن الزوجةُ راغبةً فيها؛ كمُشاركة الزوج اهتماماته السياسية، أو الرياضية، أو الشرعية، وغيرها مِن المواضيع التي يُناقشها عادةً مع أصدقائه، كما يتضمَّن هذا الركنُ إشباعَ غريزة المنافسة عند الرجل؛ كالمنافسة في رياضة يُجِيدها الزوجان معًا، كما كان عليه هَدْي النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - مع أمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها وأرضاها - قالتْ عائشة: خرجتُ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفارِه وأنا جاريةٌ لم أَحمِل اللحمَ ولم أبدن، فقال للناس: ((تقدَّموا))، فتقدَّموا, ثم قال لي: ((تَعَالَي حتى أُسَابِقَكِ))، فسَابَقْتُه فسبقتُه, فسكتَ عني, حتى إذا حملتُ اللحمَ وبدنت ونسيتُ, خرجتُ معه في بعضِ أسفاره, فقال للناس: ((تقدَّموا))، فتقدموا, ثم قال: ((تَعَالَي حتى أُسَابِقَكِ))، فسابقتُه فسَبَقني, فجعل يضحكُ, وهو يقول: ((هذه بتلك))؛ رواه أحمد وأبو داود بإسنادٍ صحيحٍ.
سادسًا: الاحتِفاءُ الدائم بالنجاح والمناسَبات السعيدة، في جوٍّ حميميٍّ تُشعِر فيه الزوجةُ زوجَها بأهميته ومكانته، وبفخرها به وفرحها الصادق بنجاحه وبحياتها معه.بعد عشر سنين مِن الاعتياد اليومي وعدمِ التجدُّد؛ ستنطَفِئ بلا ريبٍ جمرةُ الجاذبية التي لفتتْ قلبَ زوجِكِ إليكِ قبل الزواج بكِ! أما الحبُّ والمودَّة والرحمةُ، فما هي إلا أخلاقٌ يتعاملُ بها معكِ! لكن الأخلاق النبيلة وطريقة التعامل الحسنة لا تَعنِي بالضرورةِ رضا الطرف الآخر! وحين تكون العَلاقة عَلاقةً زوجية، فإن تمركُزَ الرضا الزوجي يتمحورُ في الرضا الجنسي والعاطفي بالدرجة الأولى! فما يُريده أيُّ زوج مِن زوجته هو أن تكون امرأةً مُشبِعةً لحاجاته النفسية، والجنسية، والعاطفية، والفكرية، والاجتماعية، والذي يظهر لي مِن سطورِكِ أنَّكِ اطمأننْتِ كثيرًا إلى حبِّ زوجِكِ، حتى أهملتِ من نفسكِ، إلى حدٍّ لم يَعُدْ وجودُكِ بقربه يُثِير شهوته!إن عدم إفصاحِ زوجِكِ عن رأيه ورضاه بالعَلاقة الحميمية، لا يعني بالضرورة أنه راضٍ ومستمتعٌ جنسيًّا! وزوجُكِ - كما تصفينه - رجلٌ لطيفٌ ودَمِث، ولم يحاول يومًا جرح مشاعرَكِ بالنقدِ، حتى قتَل بصَمْتِه العَلاقةَ بأقسى ما يُمكِن أن تُقتَل به العَلاقة الزوجية، حين سمح بتحوُّلها إلى عَلاقة أخويَّة!إضافة إلى هذا التحليل النفسي للمشكلة، أضع احتمالًا آخر لانطفاءِ شهوةِ زوجِكِ؛ وهو احتمال وجودِ امرأةٍ أخرى في حياته، جذبتْ مشاعرَه، أو عقله، أو عينيه على أقل تقدير! وأنتِ في بلاد الغرب حيث تسيرُ النساءُ في الشارعِ متجمِّلات ومتعطرات، ويراهنَّ في عملِه في آنقِ صورةٍ، في الوقت الذي تُهمِلين فيه من نفسكِ وأنتِ حَلِيلتُه! ثم تَعْزِين سببَ تغيُّره إلى العين والحسد؟! فهلَّا سألتِ نفسَكِ: مَن سيحسدكما في الغُرْبة؟!
الحل:حين تَنطَفِئ الجاذبية في العَلاقة - أية عَلاقة كانتْ - فلا حلَّ سوى الرحيل والبُعْد؛ لأن القلوبَ ليستْ في الأيدي! والمحاولات اليائسة في التقرُّب والتودُّد لا تزيد الرجال إلا بعدًا! ثقي بذلك! أما كلامي السابق عن الجاذبية، فلم يكن حلًّا لمشكلتِكِ، بل شرحًا لماهية الجاذبية التي ضيَّعتِها بنفسكِ!
يكمُن الحلُّ في الابتعادِ عاطفيًّا وجسديًّا عن زوجكِ، مع التركيز على نفسكِ؛ اهتمامًا بجمالكِ، وعنايةً بنفسكِ وصحتكِ وأبنائكِ، ركِّزي على نفسكِ لا على مشاعركِ! ولا تقولي: إنك غيرُ قادرةٍ على العيش بدون زوجكِ، بل أنتِ قادرةٌ على ذلك متى اعتَدَدْتِ بنفسكِ، ورفضتِ العيشَ مع رجلٍ تنظرين إليه بشهوةٍ وينظر إليكِ كما ينظر الأخ لأخته! لا شهوة، ولا رغبة، ولا فكرة ملتذَّة!الحل ليس في بذلِ المزيد مِن التودُّد، بل في التركيز على نفسك اهتمامًا وحبًّا، وفي الإمكان أن تتَّفِقا على عودتكِ إلى وطنِكِ عند أهلكِ، فلعل البُعْد الجغرافي يُحْيِي في قلبِه مشاعرَ الشَّوْق الجنسية! أو أن تختاري الطلاقَ - وهو ما أميل إليه - إن كانتْ لكِ نفسٌ عزيزة! و﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1، وعسى الله أن يصلح الحال، وينعم البال، ويرزقك وزوجَكِ السعادة والاستقرار، اللهم آمين. والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Fatawa_Counsel...#ixzz2Jsg8QEJf