الأصل أنه لا يجوز دفع الزكاة للأصول؛ وهم: الأب والأم، والأجداد والجدات، مِنْ جهة الأب ومِنْ جهة الأم، والفروع؛ وهم: الأولاد والأحفاد، ذكورًا كانوا أم إناثًا.
وذلك لأنهم إن كانوا فقراء وهو غني لزمته نفقتهم، رجلًا كان أو امرأة، فإذا أعطاهم مِنَ الزكاة حينئذ، فكأنه أعطى الزكاة لنفسه؛ كما لو قضى بها دينه.
قال ابن المنذر رحمه الله: ((وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ، فِي الْحَالِ الَّتِي يُجْبَرُ الدَّافِعُ إلَيْهِمْ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ))([1]).
وفي رواية عن الإمام أحمد أنه يجوز دفع الزكاة للأصل أو الفرع عند الحاجة إلى ذلك؛ كأنْ يكون الأصل أو الفرع مدينًا؛ فيجوز دفع الزكاة إليه؛ لأن الأب لا يجب عليه سداد دين ولده، والولد لا يجب عليه سداد دين أبيه.
أو كأن يكون مال المزكي لا يكفي للنفقة على الأصل أو الفرع، فلا تجب عليه النفقة حينئذ، وله أن يعطيهم من الزكاة.
واختار هذه الرواية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ حيث قال: ((وَيَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَإِنْ عَلَوْا وَإِلَى الْوَالِدِ وَإِنْ سَفَلَ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ نَفَقَتِهِمْ؛ لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى السَّالِمِ عَنِ الْمُعَارِضِ الْعَادِمِ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَكَذَا إنْ كَانُوا غَارِمِينَ أَوْ مُكَاتَبِينَ أَوْ أَبْنَاءَ السَّبِيلِ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا، وَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ فَقِيرَةً وَلَهَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ لَهُمْ مَالٌ وَنَفَقَتُهَا تَضُرُّ بِهِمْ أُعْطِيت مِنْ زَكَاتِهِمْ))اهـ([2]).
ورجح هذا أيضًا العلامة ابن عثيمين رحمه الله؛ حيث قال: ((استحقاق الزكاة مقيد بوصف؛ كالفقر، والمسكنة، والعمالة؛ فكل مَنِ انطبق عليه هذا الوصف فهو من أهل الزكاة.
ومَنِ ادعى خُروجَه فعليه الدليل، وليس في المسألة دليل؛ ولهذا فالقول الراجح الصحيح، أنه يجوز أن يدفع الزكاة لأصله وفرعه ما لم يدفع بها واجبًا عليه؛ فإن وجبت نفقتهم عليه، فلا يجوز أن يدفع لهم الزكاة؛ لأن ذلك يعني أنه أسقط النفقة عن نفسه.
وعلى هذا فإذا كان له جَدٌّ وأبٌ كلاهما فقير، لكن الأب يتسع ماله للإنفاق عليه فهو ينفق عليه، فهنا لا يجوز أن يعطي والده الزكاة، والجد لا يتسع ماله للإنفاق عليه وهو فقير، فيجوز أن يعطيه منها.
مثال آخر: عنده أُمٌّ وَجَدَّةٌ فهو ينفق على الأم، ولكن لا يتسع ماله للإنفاق على الجدة، فيجوز أن يعطيها من الزكاة.
والمذهب لا يجوز([3])، فتأخذ الزكاة مِنْ غيره، وهذا ضعيف جدًّا؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الْقَرَابَةِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ»، وأنا الآن لا أسقط عن نفسي واجبًا حتى يقال: إني حميت نفسي.
مثال آخر: لو كان غنيًّا ينفق على أبيه، وأبوه مستغن، إما بنفسه، أو بإنفاق ولده، لكن عليه دين يستطيع الولد أن يؤدي الدين عنه، لكن يقول: أنا أؤدي الدين من زكاتي، فيجوز؛ لأنه لا يجب على الابن وفاء دين أبيه، اللهم إلا إذا كان هذا الدين بسبب النفقة، أي: أن الأب يحتاج، ويشتري في ذمته فلحقه الدين لشراء مؤونته، ففي هذه الحال نقول: لا تقض دين أبيك مِنْ زكاتك؛ لأن هذا يؤدي إلى أن يُضَيِّق الإنسان على أبيه، حتى يستدين للنفقة، ثم يقول: أبي عليه دين فأقضي دينه مِنْ زكاتي، فيجوز أن يقضي الدين عن أبيه، أو أمه، أو ابنه وابنته، بشرط ألا يكون هذا الدين استدانة لنفقة واجبة على الابن، فإن كان لنفقة واجبة فلا يجوز))اهـ([4]).
[1])) ((الإجماع)) (ص48).
[2])) ((الفتاوى الكبرى)) (5/ 373).
[3])) تقدم في كلام ابن تيمية أن في المذهب قولًا بالجواز.
[4])) ((الشرح الممتع)) (6/ 259، 260).