تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 22 من 22

الموضوع: الكبائر

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,805

    افتراضي رد: الكبائر

    الكبائر (21)

    لبس الحرير والذهب للرجال

    (موعظة الأسبوع)

    كتبه/ سعيد محمود

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    المقدمة:

    - الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

    - ومن الكبائر المهلكة (لبس الحرير والذهب للرجال): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن لبسَ الحريرَ في الدُّنيا، لم يلبَسهُ في الآخِرةِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (*حُرِّمَ *لِبَاسُ *الحَرِيرِ *وَالذَّهَبِ *عَلَى *ذُكُورِ *أُمَّتِي *وَأُحِلَّ *لِإِنَاثِهِمْ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

    (1) أدلة تحريم الحرير والذهب على الرجال:

    - عن حذيفة -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- قال: "نَهَانَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا *وَعَنْ *لُبْسِ *الْحَرِيرِ *وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ" (متفق عليه)، قال الحافظ الذهبي في كتاب الكبائر: "مَن استحل لبس الحرير من الرجال فهو كافر".

    - ولما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في يد رجل خاتمًا مِن ذهب فنزعه، وقال: (يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إلى جَمْرَةٍ مِن نَارٍ فَيَجْعَلُهَا في يَدِهِ) (رواه مسلم).

    - صور من الاستعمال المحرم: (الخواتم والحلق - الساعات - الأنسيال - القلائد - ...).

    (2) حكمة تحريم الحرير والذهب على الرجال:

    - بداية المسلم مستسلم لأمر ربه ونهيه؛ سواء ظهرت له الحكمة أو لم تظهر(1): (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (النور: 51)، وقال -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب: 36).

    - أما حكمه التحريم، فأقرب الأقوال في ذلك: "بِأَنَّهُ خُلِقَ فِي الْأَصْلِ لِلنِّسَاءِ كَالْحِلْيَةِ بِالذَّهَبِ، فَحَرُمَ عَلَى الرِّجَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَفْسَدَةِ تَشَبُّهِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: حَرُمَ لِمَا يُورِثُهُ مِنَ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالْعُجْبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: حَرُمَ لِمَا يُورِثُهُ بِمُلَامَسَتِهِ لِلْبَدَنِ مِنَ الْأُنُوثَةِ وَالتَّخَنُّثِ، وَضِدُّ الشَّهَامَةِ وَالرُّجُولَةِ) (زاد المعاد).

    فوائد في مسائل:

    - من عظيم محاسن الشريعة، أنها جعلت تيسيرًا في الأحكام عند الأعذار: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78)، (مَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة: 137).

    - يجوز استعمال الذهب بديلًا عن السن والأنف إذا دعت الضرورة: عن عبد الرحمن بن طرفة أنَّ جده عرفجةَ بنَ أسعدَ، "أنَّه قُطِع أنفُه يومَ الكلابِ فاتَّخذ أنفًا من ورِقٍ، فأنتن عليه، فأمره النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فاتَّخذ أنفًا من ذهبٍ" (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

    - كذا يجوز لبس الفضة للرجال بشرط عدم الإسراف أو التشبه بالنساء: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "اتخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتمًا من فضة، وجعل فصه مما يلي كفه، ونقش فيه: محمد رسول الله" (رواه البخاري)، وقال -تعالى-: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ) (الأعراف: 32)، ولم يرد شيء بتحريم الفضة على الرجال.

    - ويجوز لبس الحرير للمريض بالحكة ونحوه، وعند لقاء العدو: عن أنس -رَضِيَ اللَّهُ عنْه-: "رَخَّصَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، أَوْ رُخِّصَ لِلزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ في لُبْسِ الحَرِيرِ لِحِكَّةٍ كَانَتْ بهِمَا" (متفق عليه).

    - يحرم تزين الصبيان بالذهب؛ لأنهم داخلون في ذكور الأمة، ولضرره عليهم في التعود على لبسه.

    - يجوز لبس ما يسمى بالحرير الصناعي؛ لأنه ليس حريرًا، والأورع تركه؛ لما فيه من التشابه الشديد بالحرير: قال -صلى الله عليه وسلم-: (فمنِ اتَّقى الشُّبُهاتِ استبرأ لدِينِه وعِرضِه) (متفق عليه).

    (3) خاتمة: الذهب والحرير زينة أهل الجنة:

    - مَن أطاع الله في الدنيا بامتثال أوامره، عوَّضه الله في الجنة من جنس عمله، مع الفارق بين الدارين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (*مَنْ *لَبِسَ *الْحَرِيرَ *فِي *الدُّنْيَا *لَمْ *يَلْبَسْهُ *فِي *الْآخِرَةِ) (متفق عليه).

    - لما امتنعوا عن المحرمات في الدنيا، جعل الله لهم في الجنة من جنسها أفضلها وأعظمها: قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا . أُولَ?ئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا) (الكهف: 30-31)، وقال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) (الحج: 23)، وقال -تعالى-: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَ?لِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ . جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) (فاطر: 32-33)، وقال -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ . فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ) (الدخان: 51-53)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أهل الجنة: (آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ والفِضَّةُ، وأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ...) (متفق عليه)، وعن انس -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- قال: أُهْدِيَ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- جُبَّةُ سُنْدُسٍ -الرقيق من الحرير-، وكانَ يَنْهَى عَنِ الحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ منها، فَقالَ: (والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ في الجَنَّةِ أحْسَنُ مِن هَذَا) (متفق عليه).

    - شبهة: كيف حرمه الله على الرجال في الدنيا، ثم يحله لهم في الآخرة؟

    - الجواب: ليس هناك تلازم بين المحرمات في الدنيا وإباحتها في الآخرة، ولا الواجبات في الدنيا على عدم وجوبها في الآخرة، فلا تقاس أحكام الدنيا على الآخرة، قال -تعالى-: (*مَثَلُ *الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) (محمد: 15)، وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاَثِينَ أَوْ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

    فاللهم إنا نسألك الجنة وما يقرِّب منها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما يقرب منها من قول وعمل.

    والحمد لله رب العالمين.

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ

    (1) عموم العبادات لا تظهر لها حكمة ظاهرة، وإنما هي من باب الامتثال والطاعة لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، مثل: (عدد الركعات في الصلاة - الوضوء - إلخ).





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,805

    افتراضي رد: الكبائر

    الكبائر (22)

    اليأس والقنوط

    (موعظة الأسبوع)



    كتبه/ سعيد محمود
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    المقدمة:
    - الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).
    - اليأس من كبائر الأعمال، والمنكرات الجسام، وقبيح الخصال، وقد وَرَد في حقِّه شديد العقاب والوبال: قال -تعالى-: (وَلَا تَيْأَسُوا *مِنْ *رَوْحِ *اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ *مِنْ *رَوْحِ *اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87)، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن رجلًا قال يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ الله) (رواه البزار في مسنده، وحسنه الألباني).
    - المقصود باليأس والقنوط: اليأس هو شعور يصيب الإنسان كدليل على فقدان الأمل في تحقيق أمر ما، وقد يؤدي اليأس اٍلى تحريك مشاعر وعواطف أخرى، مثل: الاكتئاب والإحباط، والقنوط هو أشد اليأس.
    (1) صور لليأس والقنوط:
    - اليأس والقنوط من مغفرة الله الذنوب: قال -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53).
    - اليأس والقنوط من زوال الشدائد وتفريج الكروب: قال -تعالى-: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا *مِنْ *رَوْحِ *اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ *مِنْ *رَوْحِ *اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).
    - اليأس والقنوط من توبة الفاسقين، وتبدل الحال للأفضل، بما يكون فيه منعٌ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال -تعالى-: (وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُون) (الأعراف: 164).
    - القنوط من نصر الدِّين، والتمكين للمؤمنين: عن خباب بن الأرت قال: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: (قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ *بِالْمِنْشَارِ *فَيُوضَعُ *عَلَى *رَأْسِهِ *فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) (رواه البخاري).
    (2) ذم اليأس والقنوط:
    - أطلق الغفور الرحيم -سبحانه- الدعوة لجميع العُصاة من الكفرَة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، ونهاهم عن اليأس والقنوط، وأخبر بأنه -تعالى- يغفر الذنوب جميعًا لمَن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، قال -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53).
    - وعاب -سبحانه وتعالى- على الجاهلين بحكمته وقدرته، بحيث يفرحون بالنعم، وييأسون ويقنطون من زوال المحن والشدائد إذا أصابتهم: قال -تعالى-: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ) (الروم: 36)، وقال -تعالى-: (إِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا) (الإسراء: 83).
    - ووصف -سبحانه- اليائسين القانطين المستبعدين للفرج بوصف الكافرين: قال -تعالى-: (*وَلَا *تَيْأَسُوا *مِنْ *رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).
    - وبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- عظيم رحمة الله للمؤمن والكافر إذا لم ييأس ويقنط: قال: (*إِنَّ *اللهَ *خَلَقَ *الرَّحْمَةَ *يَوْمَ *خَلَقَهَا *مِائَةَ *رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الْجَنَّةِ) (رواه البخاري).
    - وحذَّر النبي المسلم من اليأس والقنوط من تغيُّر الأحوال، وحرض على مواصلة الدعاء والسؤال والسعي في الأسباب: قال: (لَا *يَزَالُ *يُسْتَجَابُ *لِلْعَبْدِ *مَا *لَمْ *يَدْعُ *بِإِثْمٍ، *أَوْ *قَطِيعَةِ *رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الِاسْتِعْجَالُ ؟ قَالَ: (يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) (متفق عليه).
    (3) أعظم أسباب اليأس والقنوط:
    - الجهل بالله وصفاته وعظيم رحمته(1): قال -تعالى- في الحديث القدسي: (يَا ابْنَ آدَمَ: إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ: لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِ ي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ: إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
    وقال -تعالى-: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (الحجر: 56)، وقال -تعالى-: (*وَلَا *تَيْأَسُوا *مِنْ *رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).
    - العجلة وعدم التأني: قال النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا *يَزَالُ *يُسْتَجَابُ *لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ ؟ قَالَ: (يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) (متفق عليه).
    (4) علاج اليأس والقنوط:
    1- حسن الظن بالله والتعبد له بأسمائه وصفاته: قال -تعالى-: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا *مِنْ *رَوْحِ *اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ *مِنْ *رَوْحِ *اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87)، وقال -تعالى-: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) (الأعراف: 156)، وقال -تعالى-: (*سَيَجْعَلُ *اللَّهُ *بَعْدَ *عُسْرٍ *يُسْرًا) (الطلاق: 7)، وقال: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح: 5-6).
    2- معرفة حقيقة الدنيا والزهد فيها: فيعلم المؤمن أن هذه هي الدنيا، فما فيها مِن لذة إلا مكدرة، وأنها لا تصفو لأحدٍ، وأنه لن يستريح إلا في جنة الله في الآخرة، قال -تعالى- عن أهل الجنة ساعة دخولها: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ . الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) (فاطر: 34-35)؛ ولذا لما سُئِل الإمام أحمد: "متى الراحة؟ قال: عندما تضع أول قدميك في الجنة" (المقصد الأرشد).
    3- الإكثار من الدعاء، فالله هو القادر على رفع البلاء: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا *أَذْهَبَ *اللهُ *هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا)، قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: (بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
    4- الإكثار من الذكر والصلاة: قال -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة: 45)، وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا *حَزَبَهُ *أَمْرٌ، صَلَّى" (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).
    خاتمة:
    - مهما عظم المصاب فلا تيأس: قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ) (الحجر: 56) (1).
    - يعقوب -عليه السلام- بعد طول السنين ينتظر الروح والفرج، ويبعث أولاده بالأمل في الله: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا *مِنْ *رَوْحِ *اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ *مِنْ *رَوْحِ *اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).
    - النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه في الغار والكفار بأسلحتهم فوق رأسيهما: (يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا) (متفق عليه)، (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (التوبة: 40).
    اللهم اشرح صدورنا، وفرِّج كروبنا، ويسِّر عسرنا.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــــ
    (1) فمَن عَلِم أن الله هو الرزاق لم ييأس إذا أصابه الفقر، ومَن علم أن الله هو الشافي لم ييأس إذا أصابه المرض، ومَن علم أن الله هو القوي القهار لم ييأس إذا قهره ظالم، وهكذا في سائر الأقدار والأحوال.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •