سيرة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
مفتي الديار السعودية رحمه الله تعالى
1420
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وبعد :
فإن قراءة سير الصالحين تبعث في النفس الرغبة في التأسي ، وتثير في القلب كوامن الإيمان والحرص على الخير ، والرغبة في الاستزادة من الصالحات .
ولعل من أبرز العلماء الذين شهد لهم بالتقوى والصلاح والجرأة في قول الحق والسير على نهج السلف – نحسبه كذلك- صاحب السماحة الشيخ/ محمد ابن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله تعالى ، فهو نسيج وحده رحمه الله تعالى ، فقد جمع الله له أموراً قل أن تجتمع في رجلٍ واحد ،فقد كان رحمه الله أمة لوحده علماً وعملاً وجهاداً وخدمة للمسلمين ونفعاً لهم .
وقد كان للوالد – حفظه الله تعالى – صلة وثيقة بالشيخ محمد رحمه الله إذ عمل عنده ما يقارب من ثمانية عشر عاماً وصحبه في حلقات الدرس وفي منزله وفي رحلاته وفي مجالسه العامة والخاصة، وكان الوالد كثيراً ما يتحدث عنه وعن فقهه وفتاواه وعلمه وأحاديثه وفوائده .
وقد طلبت من الوالد حفظه الله تعالى أن يذكر لي بعض ما يعرفه عن حياة الشيخ وسيرته فوافق جزاه الله خيراً، فكان هذا الكتيب الذي أملاه علي ورأيت إخراجه تعميماً للفائدة.
واعلم أن جميع ما في هذه النبذة هي من إملاء الوالد من حفظه لم يرجع فيها إلى كتاب ولا لغيره، ولم أفعل شيئاً فيها سوى الترتيب وإعادة الصياغة في بعض المواضع ، وتقديمي لها بهذه المقدمة ، وبترجمة موجزة للراوي ،وصلى الله على محمد.
ترجمة الراوي
هو الشيخ حمد بن حمين بن حمد بن فهد الفرهود من الأساعدة من الروقة من قبيلة عتيبة الهوازنية.
ولد حفظه الله تعالى في مدينة الزلفي عام 1351هـ، ونشأ عند أبويه وتعلم القراءة والكتابة وقرأ القرآن صغيراً ، ثم انتقل إلى مدينة (الرياض) و استقر به الحال فيها عام 1374هـــ، وبدأ في العمل عند الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله منذ ذلك العام وحتى وفاة الشيخ رحمه الله عام 1389هـ .
ورزق حفظه الله بأحد عشر ولداً منهم أربعة من الذكور هم :
عبد العزيز و عبد الرحمن ومحمد وناصر.
وقد كان أول عمله الرسمي في (رئاسة المعاهد) ، ثم في( رئاسة القضاء )، ثم في (وزارة العدل) وبقي فيها حتى أحيل على التقاعد في رجب سنة1411 هـ .
اسمه وولادته :
هو الإمام العلامة والبحر الفهامة سماحة الشيخ: محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محـمد ابن عبد الوهاب التميمي.
ولد رحمه الله تعالى يوم عاشوراء من عام 1311هـ ،حدثني الشيخ عبد الله بن إبراهيم رحمه الله تعالى –أخو الشيخ الأكبر- قال: كانت أمه صائمة عاشوراء يوم ولدته اهـ.
أبـوه هـو الشيـخ القـاضي إبراهيم ابن عبد اللطيف، وأمه هي (الجوهرة بنت عبد العزيز الهلالي) من (عرقة) من المزاريع من بني عمرو من تميم .
نشأته وفقده لبصره:
نشأ نشأة دينية علمية ، في بيت علم و دين ، فأدخل الكتّاب في صغره فحفظ القرآن مبكراً ، ثم بدأ الطلب على العلماء مبكراً قبل أن يبلغ السادسة عشر ، ثم أصيب رحمه الله تعالى بمرض في عينية وهو في هذه السن ولازمه سنة تقريباً حتى فقد بصره في حدود عام 1328هـ وهو في سن السابعة عشر –كما حدثني هو رحمه الله تعالى بذلك- .
وكان يعرف القراءة والكتابة قبل فقده لبصره ، و يوجد له بعض الأوراق بخطه قبل أن يفقد بصره ، وكان يعرف الكتابة حتى بعد فقده بصره وشاهدته رحمه الله تعالى يكتب بعض الكلمات على الأرض .
زواجه وأولاده:
حدثني الشيخ رحمه الله تعالى أنه تزوج ست مرات ، وأول زواجٍ له كان في سنة 1335هـ تقريباً وهو في الرابعة والعشرين من عمره ، ومات وفي عصمته ثلاث زوجات:
1-أم عبد العزيز بنت عبد الرحمن آل الشيخ ، وأنجب منها المشايخ : عبد العزيز وإبراهيم وأحمد.
2-أم عبد الله بنت عبد الرحمن بن ناصر وأنجب منها الشيخ عبد الله وشقيقته.
3- والثالثة من عائلة القفاري من بني تميم.
أوصافه:
كان رحمه الله تعالى متوسط الطول ، ملئ الجسم ،متوسط اللون ليس بالأبيض ولا بالأسمر بل بين ذلك ، خفيف شعر العارضين جداً ، يوجد شعر قليل على ذقنه ، إذا مشى يمشي بوقار وسكينة ، وكان رحمه الله تعالى كثير الصمت وإذا تكلم لا يتكلم إلا بما يفيد.
مشايخه وطلبه للعلم:
سبق أن ذكرت أنه أدخل الكتاب في صغره ، فحفظ القرآن مبكراً ، ثم بدأ بطلب العلم على مشايخ عصره قبل فقده لبصره ، وهو في سن المراهقة قبل أن يفقد بصره رحمه الله تعالى، وبعد أن فقد بصره استمر في طلبه العلم حتى نبغ مبكراً ، وتصدر للإفتاء والتدريس .
ومن المشايخ الذين درس عليهم :
1-الشيخ عبد الرحمن بن مفيريج : وقرأ عليه القرآن وهو صغير ، وكان الشيخ محمد رحمه الله يثني كثيراً على حفظ هذا الشيخ وسمعته يقول عنه : (إنه آية في حفظه لكتاب الله ، وفي ضبطه للإعراب ،و كان أثناء القراءة عليه يكتب فإذا أخطأ أحد في الحفظ أو القراءة يرد عليه، وكان يرد الخطأ في الحفظ والخطأ في الإعراب، وكان يفتح على الأئمة إذا أخطئوا من أول الآية أو التي قبلها)اهـ.
2-عمه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف : وبدأ في الدراسة عليه قبل أن يفقد بصره ، وكان الشيخ عبد الله رحمه الله يحب الشيخ محمداً ويقدره كثيراً رغم صغر سنه آنذاك، وقد سمعت الشيخ محمد رحمه الله تعالى يصفه ويقول : (كانت عيون الشيخ عبد الله رحمه الله حسنة ، وكنت إذا أتيت إليه يرحب بي ترحيباً كثيراً، ويقدمني في المجلس ، وكان هذا الفعل من الشيخ رحمه الله تعالى يخجلني)اهـ.
3-الشيخ سعد بن حمد بن عتيق : وكان الشيخ محمد يحبه ويقدره كثيراً ، وكان إذا ذكره قال : (شيخنا الشيخ الكبير والعالم الشهير).
4-الشيخ عبد الله بن راشد : سمعت الشيخ محمداً يقول: ( درست عليه علم الفرائض وكان آية فيها).
5-الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع: رأيته مراراً إذا جاء للشيخ محمد رحمه الله قام إليه واستقبله ورحب به وأجلسه مكانه ، فسألت عن السبب في تقدير الشيخ له ، فقيل لي إنه شيخ له ، ولأنه يكبره بالسن.
أعماله:
من أعماله التي تولاها :
1- عين قاضياً في (الغطغط) واستمر في هذا العمل ستة أشهر ، وتزوج الشيخ من أهلها أثناء إقامته هناك.
2- كان إماماً لمسجد الشيخ عبد الرحمن ابن حسن –المسمى الآن مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم- وقد حدثني الشيخ نفسه رحمه الله أن اسم المسجد هو (مسجد الشيخ عبد الرحمن بن حسن ) ، وكان خطيباً للجامع الكبير ، واستمر في الإمامة والخطابة إلى موته رحمه الله تعالى.
3-التعليم : وكان رحمه الله –قبل انشغاله بالأعمال الكثيرة في مصالح المسلمين- له حلقة تدريس في مسجده بعد الفجر ، وفي بيته في الضحى ، وفي مسجده أيضاً بعد العصر أحياناً.
4-وكذلك كان هو المفتي للبلاد ، وكان قبل فتح (إدارة الإفتاء) رسمياً هو الذي يفتي ، ثم افتتحت (إدارة الإفتاء ) رسمياً في شهر شعبان من عام 1374هـ تحت إشرافه.
5-ولما افتتحت رئاسة المعاهد والكليات أيضاً كان هو الرئيس ، وكان قد أناب عنه أخاه الشيخ عبد اللطيف.
6-ولما تأسست رئاسة القضاء عام 1376هـ عمد رسمياً برئاسة القضاء ، ووضعت لها ميزانية خاصة، وعين ابنه الشيخ عبد العزيز نائباً له فيها ، و الشيخ عبد الله بن خميس مديراً عاماً.
7-ولما افتتحت رئاسة البنات عام 1380هـ كان هو المشرف العام عليها ، فوضع الشيخ عبد العزيز ابن ناصر بن رشيد رئيساً عليها ، ثم عين بدلاً عنه الشيخ ناصر بن حمد الراشد.
8-ولما افتتحت رابطة العالم الإسلامي كان هو رئيس المجلس التأسيسي لها ، وكان الأمين للرابطة هو محمد سرور الصبان.
9-ولما افتتحت الجامعة الإسلامية عام 1380هـ كان هو المؤسس لها وعين نـائباً له الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.