(انتفاخ الألفاظ وخواء المعانى)
من مباديء القراءة الرشيدة ألاّ تنبهر بانتفاخ الألفاظ فتنساق خلف الوهم..وتسلم عقلك لما لا يحمل تحته كبير شيء..فبعض ما تقرؤه -لا سيما في عالم الفيسبوك - يُجسد قولهم قديمًا: كالهرّ يحكي انتفاخًا صولة الأسدِ!عندما عشنا فتنة غلاة التبديع كانت تقع بين أيدينا ملازم مهترئة عناوينها من نوعية: انفجار البركان وزلزلة الزلزال وتحطم الأركان على أهل البدع والضلال!
تقرأ العنوان تبدأ يدك ترتعش ، تجزم بأن الأخ الذي تم تبديعه في هذه الملزمة قد جمع أصول الجهمية والمعتزلة والاثناعشرية ، مادام أن الأمر فيه زلازل وبراكين، ثم تقرأ الأصل الأول الذي بدعوه بسببه وإذ به أنه مرّ بجانب صاحب الملزمة مرّة ولم يسلم عليه، والأصل الثاني أنهم ذهبوا يتغدوا سوى ومرضاش يحاسب...وباقي أصول التبديع كلها من هذا النوع..
عندما نقرأ هذه الأيام لبعض المحللين السياسين فيستهل المقال بعبارات من نوعية : الخيارات الإقليمية والمعطيات الدولية للشرق الأوسط الجديد في ظل التغيرات المناخية بسبب الاحتباس الحراري...، تنبهر بالكاتب، تقول شكل ماركس نفسه عاد لينظر للماركسية أو تشرشل قام لقيادة حرب عالمية ثالثة..وفي النهاية يطلع كاتب المقال مش عارف فين بلده على الخريطة..عندما تقرأ اليوم في عالم الفيسبوك للتيارات الفيسبوكية لتجديد الفكر الإسلامي عن السيكولوجية اللاأدرية الشعورية في الاستيميائية الفينومينوملوجي ة، تحس أنك خرجت من عالم الطبيعة إلى عالم ما وراء الطبيعة إلى الميتافيزيقيا ، وشوية وبيطلعلك المذؤوبون وآكلو لحوم البشر...ستنبهر .. ستقول في نفسك مادام المقدمة فيها لاأدرية ولاشعورية أكيد النتيجة مهما كانت فهي صحيحة..
عندما تقرأ في شعر الحداثة واحد كاتب لواحدة: (هل أنتِ أنتِ أم أنت أنا أم أنا أنت أم نحن مش نحن، هل نحمل ورقة الزئبق ونلتحف البطانية) أول ما تقرأ هذا الكلام ستنبهر، ستقول هؤلاء مشاعرهم تجاوزت قيس وليلي، لكن عندما تعيد النظر لن تعرف هذا شعر ولا نثر ولا تشبيه ولا استعارة ولا إيش هو؟أكيد منبهر إلى الآن بقول الشاعر المصري الكبير!! (اسّح ادّح امبو)، لأنك إلى الآن مش فاهم ما معنى اسّح ادّح، فأكيد سيكون كلاما عميقا..
هذه آفة قديمة ، فعندما عرف الفيلسوف بارمينيدس الوجود قال: ((إن الوجود موجود ولا يمكن ألا يكون موجوداً، أما اللاوجود فلا يدرك لأنه يستحيل أن يكون موجودا...)).
والحق أنني – لضعف فهمي- استشكلت هذا التعريف! فنظرت في تعريف الفيلسوف غورغياس وقد صنف كتابا في اللاوجود، فهو أدرى به من بارمينيدس، ووجدته يعرفه بقوله: ((اللاوجود غير موجود من حيث إنه لا وجود، والوجود غير موجود كذلك...))!!
بمجرد أن تقرأ هذه التعريفات ستنبهر وستشك في هل أنت موجود ولّا مش موجود..
أريد أن أنبهك هنا ألاّ تنساق خلف هذا النوع من انتفاخ الألفاظ بل احمل ورقة وقلم واستخرج الأفكار والمعاني من خلف جدران هذه (الكلكعة اللفظية) لتعرف هل ثمة شيء ذو قيمة يُستفاد..أم أن الكاتب أدخلك في حالة من اللاأدرية الشعورية لتحتسي معه كوبًا من الوهم تحت شجرة الزيزفون..
(أكيد بمجرد ما وصلت لآخر عبارة ستنبهر بالمقال وتقول صاحب المنشور هذا شكله حطّم كل من سبقوه ما دام وصل إلى مرحلة كوب الوهم و شجرة الزيزفون!!!)منقول: (د. شادي النعمان).