الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
لطالما كنت وأنا صغير السن أحب أن آكل السمك " التونة مثلا " مع الحليب ، فتبادر أمي قائلة : " إياك. ألم تعلم أن أكل الحليب مع السمك منهي عنه !، ويؤدي إلى التسمم الغذائي "
فكنت في مرات أرعوي وازدجر ، وفي مرات لا آبه لكلامها ، وأجمع بينهما ولا يحصل لي شيء ، بخلاف ما هو متوارث .
وكانت هذه المقولة شائعة عند العوام ، " لا تأكل السمك وتشرب اللبن " .
كنت أظنها حديثا أو كلاما لأبي الطب ابو قراط، أو سقراط ، أو ابن سينا، أو بعض الحكماء .
حتى اطلعت عليها في كتب النحويين ، يمثلون بها لبيان حكم إعرابي فيقولون :
لا تأكل السمك وتشربَ اللبن .
لا تأكل السمك وتشربُ اللبن .
لا تأكل السمك وتشربِ اللبن .
ويعنون بها تغير معنى الجملة، بتغير الحركة الإعرابية .
قال العلامة ابن هشام ـــ رحمه الله ورضي عنه ـــــ في شرح قطر الندى وبل الصدى ص 117 مع حاشية السجاعي :
وتقول :"لا تأكل السمك وتشرب اللبن ". فتنصب " تشرب " إذا قصدت النهي عن الجمع بينهما ، وتجزم إذا قصدت النهي عن كل واحد منهما ، أي لا تأكل السمك ولا تشرب اللبن ، وترفع إذا نهيت عن الأول وأبحت الثاني ، أي لا تأكل السمك ولك شرب اللبن . اهـــ.
فيكون النصب بتقدير أن المضمرة وجوبا بعد واو المعية ، ويكون الجزم على العطف ، ويكون الرفع على الإستئناف .
ثم جلا لي حقيقة الأمر ما حكاه العلامة / بكر بن عبد الله أبوزيد ــــ رحمه الله ورضي عنه ـــــ في كتابه التعالم ص 124 :
ومن وجه آخر أن النحاة أوردوا قولهم ( لا تأكل السمك وتشرب اللبن ) لبيان حكم إعرابي ، فانتقلت هذه الجملة إلى حقيقة معناها ، كأنه حديث صحيح ، أو رسم طبيب ، فكم تحامى الجمع بينهما من أجيال .اهــ.
وقد رأيناهما يقدمان على موائد المترفين ، والمهتمين في هذه الحياة برعاية أبدانهم ، ومن الأطباء من ينصح بالجمع بينهما . والله أعلم اهــ.
تنبيه : ذكر السجاعي في حاشيته أن الجمع بين اللبن والسمك يؤدي إلى الأمراض والأسقام ومنها الجذام وغيره وحكاه عن بعض الأطباء .
وهذا الذي حكاه مردود بالواقع المحسوس ، وبقول جمع من الأطباء المعاصرين .