لقاء مع الفجر
السيد شعبان جادو




جاءتِ اللحظةُ المناسبة التي آن لها أن تُراجِع فيها نفسَها، تعامَت عنها زمنًا طويلًا، ما أشقى التجاهل!
أخذَتْ تُحدِّث نفسها بعد أن وقفَتْ قبالة المرآة، تمايَلت يَمنةً ويَسرةً، أزاحت غطاءَ رأسها، فأبانت عن سلاسلَ مِن ذهبٍ، كأنما هي خيوط حرير، الشَّعر الأصفر، لعينَيْها فتنةٌ من قرمد في دورانٍ من لؤلؤ، شهَقت ثم تذكَّرته، كم كان طيِّب القلب!

نظرَتْ في حجرتها التي تبكي ألَمَ الوحدة ولَوْعة الفراق، ظنونه هي التي جنت علينا، لم يكن ذلك غير وهمٍ تسيد عقله واستبدَّ به، تركه مشتَّت النظر، كان لا بد لنا من أن نفترق، أعلم أنه أحبَّني كثيرًا، أنفق جهده ليرضيَني، لم أَمِلْ إليه في البداية، رضِيت به قبل أن يفوتَني قطار العمر، جدَّتي أقنعتني أن أتزوَّجه؛ فالبنت إذا كثُر خطَّابها بارَتْ!

مضى على زواجِنا عامٌ، وهأنا اليوم أتجرَّع مرارة الاشتياق إليه، الحياة بلا زوج عنت، تمرَّدت عليه، كمن تتدلَّل ببضاعة لا حيلة لها في تملُّكها، كنت عاطلةً مِن كل شيء إلا الجمال، حتى الجنين الذي تحرَّك في بطني، وجد أرضه مالحة فلفظته، ويا ليتني ترضيته بعدُ، شيطان نفسي أغراني بالعناد؛ ومِن ثَم تعاليت عليه! الشحوب سيضرِبُ أركان وجهي الذي كان يقطر شبابًا، وأصير مثل خيالٍ يتماوج مع ضوء المصباح، هيهات تُبقي الهمومُ لصاحبها فسحةً من سعادة!

هل آن لي أن أهاتفه؟ وماذا أنا قائلة له؟
غير معقولٍ أن أطلب منه أن يعيدَني إليه، لقد غرست في صدره خَنجرًا لن يَبْرَأ أثره بسهولة.
مضت ثلاثة أشهر على ذلك اليوم الذي قذَف فيه بتلك الكلمة اللعينة في وجهي، ما ضرَّه لو تحمل نَزَقي، أنا مَن نقضت غَزْلَها أنكاثًا، جرَّأتُه أن يتلفظ الكلمة الحمقاء، ما أقسى ما أعانيه اليوم!

تسعةُ أيام ويحتاج إلى عقدٍ جديد، تراه هل سيطرُقُ باب أبي؟
وأين الآن أبواي؟!لقد رحلا حيث لقاءُ الله، أما أخي، فهو منشغل بحاله، شمَتَت بي زوجتُه، تلك اللئيمة لم تمنَعْني أن أتمادى في ذلك العناد الذي أضاع بيتي!

وهل في وُسْع أي رجل أن يقبل مطلَّقة؟ الأبكار حالُهن الآن لا يسرُّ حبيبًا، الفقر يخرب البيوت العامرة، فمن سيطرُقُ بابي؟
حتى ولو جاء، لن يكونَ إلا متهاوي الجسد، عليل القوة!
ما أجمل لياليَه التي كانت مثل ومضةِ طيفٍ ذهب سريعًا!
لَكَمْ أشتاق أن أعاركه، أن آخذَ قلمَه مِن بين يديه، أن أخطوَ مثل النسيم حوله!
يمسك بجدائلي ثم يهمس في أذني: أحبُّكِ!

هذه الكلمة التي يقولها في صدقٍ، لم تطرُقْ أذني بعد، أحقًّا كنت جاحدة؟
نعم، أنكرت فضلَه، الليلُ يستبدُّ بي مثل كابوس لا نهايةَ له، سأُمسِك بالقلم، وأخطُّ له رسالةَ وُدٍّ، وجب عليَّ الاعتذار له، سأنتظره حين يخرج من الدوام، كيف لو تجاهلني أو رفض تسلُّمها؟

الفجرُ ها هو الآن تخرج ابتهالاته عذبةً نديَّة، أُصلِّي ثم أدعو الله؛ علَّها تكون ساعة إجابة، الله يتنزل في الثلث الأخير من الليل، كثيرًا ما أيقظني للصلاة، كنت أتثاقل، لن أعصي له أمرًا، سأكون طوع بنانه، فقط ليأتِ.

قد عاد أخي من الصلاة، ليس وحدَه، صوت يشبه صوته، إنه هو، أصوات ترحيب حارَّة!
أتلك ظنوني، أم أنها الأماني التي تتراقص فرحًا أمام عيني؟
يعاود أخي المناداة عليَّ بتلك الكلمة التي يدللني بها: "قطتي"، تغار زوجته من هذا، كثيرًا ما اشتعل الخلاف بينهما، ينادي مرة ومرة، سريعًا أصلحت هندامي، وضعت العطر، تراقص قلبي.