بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تتمة تفسير سورة المعارج
( فمال الذين كفروا قبلك مهطعين , عن اليمين و عن الشمال عزين ) يخبر تعالى مقبحا سلوك المشركين إزاء رسوله صلى الله عليه و سلم , منكرا عليهم فعلهم و إعراضهم فيقول : ما لهؤلاء الكفار الذين عندك يا محمد مسرعين نافرين منك متفرقون عنك , شاردون يمينا و شمالا فرقا فرقا , و شيعا شيعا , كما قال تعالى : " فما لهم عن التّذكرة معرضين كأنّهم حمرة مستنفرة فرّت من قسورة " .
( أيطمع كلّ امرئ مّنهم أن يُدخل جنّة نعيم ) بأي سبب يطمع هؤلاء الكفار في جنّة النعيم , و هم لم يقدموا سوى الكفر , و الجحود برب العالمين .
( كلاّ ) لن يتحقق طمعهم , فليس الأمر بأمانيهم , و لن يدركوا ما يشتهون بقوتهم التي يتصورون , بل مأواهم نار الجحيم و لهم العذاب الأليم .
( إنّا خلقناهم مما يعلمون ) أي : من المني الضعيف , كما قال : " ألم نخلقكم مّن مّاء مّهين " , و قال : " فلينظر الإنسان ممّ خلق , خُلق من مّاء دافق , يخرج من بين الصّلب و التّرائب " . فهم ضعفاء لا يملكون لأنفسهم نفعا و لا ضرا , و لا موتا و لا حياة و لا نشورا . و تذكيرهم بهذا الأمر إزدراءً بهم و تهكم من حالهم إذ يجادلون و يعاندون و هم مخلقون من نطفة مذرة .
( فلا أقسم بربّ المشارق و المغارب إنّا لقادرون على أن نّبدّل خيرا منهم و ما نحن بمسبوقين ) أقسم الله عز و جل بربوبيته للمشارق و المغارب على قدرته باستخلاف قوم خير منهم , فإن ذلك لا يعجزه تعالى لكمال قدرته و قوة استطاعته , كما قال تعالى : " و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " و قال تعالى : " ألم ترى أن الله خلق السماوات و الأرض بالحق إن يشأ يذهبكم و يأتي بخلق جديد و ما ذلك على الله بعزيز " . و قال : " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله , و الله هو الغني الحميد , إن يشأ يذهبكم و يأتي بخلق جديد و ما ذلك على الله بعزيز " . كما قاله الشيخ عبد العظيم بدوي .
( فذرهم يخوضوا و يلعبوا ) أي : يا محمد دعهم في تكذيبهم و كفرهم و عنادهم .
( حتّى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ) فإن الله قد أعد لهم فيه من النكال و الوبال ما هو عاقبة خوضهم و لعبهم .
( يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنّهم إلى نُصُب يوفضون ) أي : يقومون من القبور إذا دعاهم الرب تبارك و تعالى , لموقف الحساب , مجيبين لدعوته مسرعين إليها , كأنّهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه , يبتدرون , أيهم يستلمه أولا .
( خاشعة أبصارهم ) من الخزي و الهوان .
( ترهقهم ذِلّة ) تغشاهم ذلّة من هول ما حاق بهم .
( ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ) و هو اليوم الذي كانوا يوعدون بالعذاب فيه و هو يوم القيامة الذي أنكروه و كذبوا به . ها هو ذا قد حصل فليتجرعوا غصص الندم و ألوان العذاب .